صفحات العالم

لماذا لن تقيم تركيا «منطقة عازلة» داخل سوريا؟


محمد نور الدين

ظهر موقفان في الساعات القليلة الماضية يعكسان تشويشا وارتباكا وربما إحباطا في الموقف من «المسألة السورية»، ولا سيما لجهة احتمالات التدخل العسكري التركي وإقامة منطقة عازلة تكرر الكلام حولها كثيرا في الآونة الأخيرة.

الموقف الأول من رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان الذي انتقد الغرب لعدم تعامله مع الأزمة في سوريا كما تعامل مع ليبيا، أي بحزم وصولا إلى تدخل عسكري أممي أو «أطلسي». وقد عزا اردوغان عدم اهتمام الغرب بسوريا لأنه لا يوجد فيها نفط وثروات.

أما الموقف الثاني فكان من جانب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا محمد رياض الشقفة، خلال مؤتمر في اسطنبول، دعا فيه تركيا إلى التدخل العسكري ولو بمفردها.

ويحمل الموقفان التباسات متعددة منها أن الغرب، بعكس ما قال اردوغان، مهتم جدا بالوضع السوري شأنه شأن تركيا بل اهتم بها أكثر بكثير من ليبيا. لكن المشكلة أن الغرب، كما تركيا، قد اصطدم رهانهما على تدخل عسكري دولي في سوريا بالفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن، ولولا ذلك لكانت طائرات حلف شمال الأطلسي ومعها الطائرات التركية تصول في سماء سوريا وبوارجهما تقف قبالة اللاذقية والقرداحة.

اما الدعوة للتدخل العسكري التركي في سوريا انطلاقا من اقامة منطقة عازلة فدونها شروط غير قابلة للتحقق في هذه المرحلة. ونسجل هنا الملاحظات الاتية:

1ـ إن أية منطقة عازلة ستكون بالطبع داخل الاراضي السورية، وليس داخل الأراضي التركية.

2ـ إنها ستكون مخصصة للنازحين السوريين الهاربين من ملاحقة الجيش السوري. وتركيا كررت أكثر من مرة أن إقامة هذه المنطقة تستوجب حصول موجات هجرة كبيرة بمئات الآلاف، وهذه غير متحققة حتى الآن ولا يتوقع أن تتحقق في المدى المنظور.

3ـ إن إقامة هذه المنطقة تعني أنها تحتاج للحماية من هجمات الجيش السوري برا وجوا وربما بحرا. وهذا يفيد اضطلاع قوات عسكرية أجنبية بحماية هذه المنطقة.

4ـ إن ذلك يتطلب بالنسبة لتركيا خيارا من اثنين: صدور قرار عن مجلس الأمن على غرار القرار بشأن ليبيا وهذا يبدو غير متوقع في المدى المنظور في ظل الفيتو الروسي والصيني واحتمال استمراره. أما الخيار الثاني فهو صدور قرار من حلف شمال الأطلسي تشارك فيه تركيا كونها عضوا في الحلف ومثل هذا القرار أيضا غير متوقع قريبا.

5ـ وحدها فوضى شاملة في سوريا وخروج المناطق عن سيطرة السلطة المركزية توفر لأنقرة ذريعة لتدخل عسكري منفرد من جانبها في سوريا بمعزل عن منطقة عازلة أو غير عازلة، وذلك تخوفا وتطويقا لظهور أية «حالة كردية» انفصالية في شمال سوريا تشكل تهديدا للأمن القومي التركي ووحدة التراب التركي عبر اتصالها الجغرافي بالمنطقة الكردية في تركيا، وصولا إلى إقامة ممر كردي يصل جبال قنديل في العراق إلى ضفاف المتوسط وفي ذلك قطع للجغرافيا التركية عن الجغرافيا العربية بالكامل.

6ـ في ظل استحالة أو استبعاد كل الاحتمالات السابقة حتى الآن، من غير المتوقع أن يغامر، أو يقامر، اردوغان وحكومته وجيشه، باتخاذ قرار التدخل العسكري المنفرد لإقامة منطقة عازلة داخل سوريا. وما يؤكد استحالة ذلك هو الخطاب المحبط الذي خرج به اردوغان بالأمس ويأس المعارضة السورية في الخارج من تدخل عسكري دولي وتحريضها أنقرة على التدخل المنفرد… المستحيل.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى