صفحات العالم

لماذا هي مبادرة إنقاذ الأسد؟


طارق الحميد

عندما قلنا قبل أيام إن مبادرة الجامعة العربية تجاه سوريا ما هي إلا مبادرة من أجل إنقاذ بشار الأسد، لم نكن نبالغ. والدليل أنه منذ إعلان النظام الأسدي قبوله بالمبادرة لم يتغير شيء على الأرض، فقتل السوريين مستمر، ولم يتم سحب الجيش والشبيحة، ولم يطلق أيضا سراح السجناء.

وعلى العكس من كل بنود المبادرة العربية، فإن النظام الأسدي هو من أطلق دعوة للناشطين السوريين لتسليم أنفسهم من أجل أن يضمن لهم العفو، وهي حركة استغلال وتذاكٍ واضحة من النظام، وسبق أن فعلها (النظام) في كل اتفاق أبرمه، ليس في عهد بشار الأسد فقط، بل وعلى مدى أربعة عقود من عمر النظام البعثي في سوريا. فالنظام الأسدي يمارس اليوم لعبته المعتادة وهي الاتفاق ثم إفراغ الاتفاق من مضمونه.. فعلها في لبنان، والعراق، وفعلها كذلك مع السعوديين، والأتراك، والأميركيين، والفرنسيين، وها هو يفعلها اليوم بالجامعة العربية!

وعندما نقول إن المبادرة العربية – أيا كان من خلفها – لم تكن إلا مبادرة إنقاذ بشار الأسد، فالسبب واضح، وبسيط؛ فالمبادرة العربية ليست كالمبادرة الخليجية تجاه اليمن، والفارق هنا كبير جدا، وجوهري. لأن المبادرة الخليجية تجاه اليمن كانت تقول إن الحوار المقترح هو حوار حول انتقال السلطة، أي أن المبادرة تؤدي في الأخير إلى رحيل علي عبد الله صالح، أما المبادرة الخاصة بسوريا فهي تتحدث عن الحوار لكن من دون أن تضع سقفا، أو إطارا، له.. حوار على ماذا؟.. هل هو على رحيل بشار الأسد، وانتقال السلطة بشكل سلمي؟.. أم أن الحوار يهدف إلى تقديم المعارضة لبيت الطاعة، وبالتالي فعليها – أي المعارضة – أن تجد طريقا للاعتذار للنظام الأسدي عن المضايقة، وتعكير المزاج العام؟

أمر لا يستقيم بالطبع، فكيف يُطلب من المعارضة الجلوس على طاولة حوار بلا سقف، أو موضوع واحد محدد سلفا؟.. بل وحتى في حال استجاب الأسد – وهو لن يفعل – لمطلب سحب القوات من الشوارع، وإطلاق سراح المعتقلين، وإيقاف آلة القتل الوحشية، فماذا عن قرابة 4 آلاف قتيل سوري على يد النظام؟ هل يقال لذويهم عفا الله عما سلف؟ أمر لا يعقل، وغير مقبول، بل ومخجل أن ترتضيه الجامعة العربية بأي حال من الأحوال، خصوصا أنها هي التي هبت لنجدة الليبيين من معمر القذافي، وطالبت المجتمع الدولي بالتدخل من أجل ذلك. فلماذا ترفض الجامعة اليوم القيام بنفس الدور مع النظام الأسدي، وهو لا يقل إجراما، وتآمرا، ووحشية، عن نظام معمر القذافي البائد؟

لذلك، وعطفا على كل ما سبق، فإن ما فعلته الجامعة العربية مؤخرا لا يمكن وصفه إلا بأنه مبادرة من أجل إنقاذ بشار الأسد، وعلى حساب كل مآسي السوريين، ولا يمكن مقارنة المبادرة العربية تجاه سوريا بالمبادرة الخليجية تجاه اليمن، فالفارق كبير، حيث إن الحوار المقترح بالملف اليمني هو حول انتقال السلطة ورحيل صالح، أما الحوار الخاص بسوريا فيبدو أنه من أجل إطالة عمر نظام الأسد، لا أكثر ولا أقل.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى