صفحات مميزةوهيب أيوب

لماذا وجَبَ إسقاط النظام السوري…؟

 


وهيب أيوب

إذا قمنا بجردة حساب مُبسّطة للنظام السوري منذ انقلاب حزب البعث في الثامن من آذار عام 63 واستيلائه على السلطة، مروراً بهزيمة عام 67 وتسليم الجولان دون قتال، حين كان حافظ الأسد وزيراً للدفاع، وصولاً إلى انقلابه ومجموعته عام 1970 فيما سُمّي بالحركة التصحيحيّة، إلى اللحظة التي نعيشها اليوم في سوريا، والثورة الشعبيّة على النظام التي بدأت في 15 آذار الماضي، لهان علينا تفسير سلوك النظام الهمجي تجاه الشعب السوري الآن، فما هو استنتاجنا لِما يحدث اليوم ولماذا…؟

لنستوعب حجم الكذِب والتلفيق والخداع الذي يمارسه النظام والإعلام السوري اليوم عبر شبّيحته على الفضائيات، يجب أن نفهم أنّ هذا النظام مُركّب في الأساس على قاعدة التآمر والكذِب منذُ تأسيسه، وما يفعله اليوم ليس شيئاً طارئاً على ذهنيته وسلوكه منذ استيلائه على السلطة في سوريا، بحيث كان دائماً يقول الشيء ويفعل عكسه، يرفع اليافطات والشعارات الرنانة التي تحاكي مشاعر وآمال السوريين والعرب، ثمّ يطعنها على المستوى الفعلي والعملي لأنها تتعارض مع مصالحه وبقائه في السلطة، فكان تاجر شعارات وصفقات بامتياز؛ تجارة ترسّخ بقاءه وإمساكه بالحكم، وهو الهدف الأعلى والأسمى لهذا النظام لا أكثر.

وفي استعراضٍ سريع لِما رفع هذا النظام من شعارات واستراتيجيات على مدى سنين حكمه، سنجد التالي:

كان شعار حزب البعث العربي الاشتراكي الذي تغنّى به لردحٍ طويلٍ من الزمن “وحدة حريّة اشتراكية”، فكان أول من طعن بالوحدة وعمل ضدّها ورسّخ الانفصال، وأما الحريّة التي وضعها في المرتبة الثانية، فلم يذق الشعب السوري منها نسمة ولا عاشها يوماً واحداً، بل داسها النظام بأحذيته العسكرية وأجهزته الأمنية وأذلّ الشعب بشكلٍ لم يسبق له مثيل في تاريخ سوريا الحديث على الإطلاق. وما خصّ الاشتراكية، فتحوّلت البلد إلى مزرعة خاصة بلفيف النظام وتم نهب الاقتصاد السوري وتحويله إلى جيوب فاسديه وأتباعه حتى فاقت المائتي مليار دولار. من هنا تحوّل حزب البعث، قائد الدولة والمجتمع بحسب الدستور، الذي أقصى وألغى كل مشاركة سياسية للسوريين في شؤون وطنهم إلى مُجرّد يافطة وكذبة كبيرة يحكم البلد من خلالها. إلا أن الواقع على الأرض يوضح سقوط حزب البعث بجميع شعاراته الكاذِبة، وأهمها تحرير فلسطين والجولان التي ما انفك يتاجر بها ويوظفها لتأبيد بقائه.

وعلى الرغم من وعي الأكثرية الساحقة من السوريين والعرب والعالم باستبداد هذا النظام وفساده وطغيانه، إلا أنه فاجأ الجميع، حتى مِمن كانت تمر عليهم خدعة المقاومة والممانعة، بسقوطه الأخلاقي المُريع، وانحطاطه إلى الدرك الأسفل في كيفية تعاطيه مع شعبه الذي خرج عن صمته بعد عقودٍ من الظلم والجور والاستبداد. فشاهد العالم مناظر تقشعر لها الأبدان من هول ما ارتكبه النظام من قتلٍ وتعذيبٍ وتمثيلٍ بجثث الأطفال وقتل المتظاهرين والدوس على رؤوسهم وإهانة كراماتهم، ثم محاصرة المدن والقرى بالدبابات وقصفها بالمدفعية واستخدام المروحيات في إطلاق نيرانها على متظاهرين عُزّل، ونهب البيوت والدكاكين وتخريب الممتلكات وتحطيم السيارات، وحرق المزروعات وقتل الأبقار والأغنام التي يعتاش منها السكان، ومقابر جماعيّة، ثمّ ولأول مرّة يقوم نظام بتشريد سكان بلده إلى خارج الحدود بسبب خروجهم في مظاهرات. فتخطّى بأفعاله الهمجية المروّعة المُشينة كل حدود وكل وازعٍ إنساني، فكان في سلوكه هذا الانحدار والانحطاط الأكبر والأعظم الذي لا يمكن غفرانه أو نسيانه، والذي حفر أخدوداً عميقاً مؤلماً ومُخزياً في قلوب السوريين والعالم أجمع. لقد كان سقوطاً أخلاقيّاً مُريعاً ومُخيفاً.

ثمّ يتابع النظام جرائمه؛ ترافقها حملة إعلامية كاذِبة مُلفّقة، لم يستطع من خلالها إقناع أي طرفٍ مُحايد بها، دافعاً البلد نحو مصيرٍ قاتمٍ ومجهول.

فأي منطق عاقل يقول، أن الناس استدعوا الجيش لحمايتهم من العصابات، وعندما يصل الجيش لا يجِدُ أحد في انتظاره، وقد فرّوا عبر الجبال عابرين الحدود…؟! أيّ نوعٍ من الكذب والوقاحة هذي التي يروّجها هذا النظام لتمرير جرائمه…؟

فمَن يُصدّق أنّ هناك عصابات مُسلّحة لديها الوقت لحفر مقابر جماعيّة، ومَن سيصدّق ادّعاءات النظام الكاذِبة أنّ عصابات تقوم بشن حربها على جميع الأطراف في وقتٍ واحد، فتقتل المتظاهرين والأمن والجيش وتحرق المزروعات وتخرّب الممتلكات وتهاجم البيوت وتهجّر الناس، وليس لهذا التنظيم المسلّح لا اسم ولا مقر ولا عنوان، ولم يُصدر أي بيان.

لأول مرّة في التاريخ يظهر تنظيم كهذا، ليس له أية أهداف أو مطالِب مُحدّدة، سوى القتل والتخريب والتشريد، فلماذا يُقاتِل إذن هؤلاء وماذا يريدون….؟!

ولو افترضنا، أنّ رواية النظام صحيحة كما هو يقدّمها، فهي نفسها ستكون سبباً كافياً للمطالبة بإسقاطه. فالنظام وعلى مدى عقود تباهى بالحفاظ على أمن السوريين واستقرار البلد، ودفع السوريون بسبب هذه اليافطة أثماناً باهظة من حريّتهم وكرامتهم وتقدّمهم ومعيشتهم ورغيف خبزهم، ورزحوا لعقودٍ تحت حكم نظامٍ بوليسي مخابرتي وأكثر من 15 جهاز أمن، عدّوا على السوريين تحركاتهم وأنفاسهم.

“لم تتحقق، إذن، الوحدة ولا الحرية ولا الاشتراكية، ولم يتحرّر شبر واحد من الأرض المحتلة، وقد تم نهب البلد وسرقتها، وأفقرتم الشعب وأهنتموه وسلبتموه حقّه في الكلمة والرأي، وحرمتموه من أي مشاركة في السياسة والمجتمع إلا بحسب ما تفرضون وتأمرون، ودستم على رقابه وركلتم وجوهه بأحذيتكم، وعاملتموه بأدنى مِما يُعامل الحيوان.

وأخيراً تقولون، أنها مُجرّد عصابات مسلّحة استطاعت اختراقكم وإشاعت كل هذا الرعب والقتل والتخريب، وبات البلد لا يؤتمن على ساكنيه، فما هو مُبرّر وجودكم إذن …؟!

إذن لهذا السبب الذي لا يصدّقه السوريون ولا العالم، ولذاك الذي نعتبره حقيقتكم وهو أن كل ما يجري من صنع أيديكم وأنتم العصابة الوحيدة الموجودة في البلد، لهذا يريد الشعب إسقاطكم، بل محاكمتكم.

وهذا مرهونٌ فقط بإرادة الشعب السوري وإصراره وقدرته على السير حتى النهاية، فانتظروا…..

 

الجولان السوري المحتل / مجدل شمس

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى