صفحات سوريةهوشنك بروكا

لماذا “يحاور” الأسد الأكراد؟

 


هوشنك بروكا

شخصياً لست بالضد من الحوار في مفهومه العام، كمبدأ أو سلوك مدني، أو وسيلة سلمية، للأخذ والردّ السياسييّن، بين الأفرقاء، أو حتى بين الأصدقاء والأعداء، وذلك بهدف العبور إلى حلولٍ وسط، ترضي الجميع.

ولكن السؤال المتعدد الذي يطرح نفسه على مستوى القادم من “حوار” النظام مع أكراد الأحزاب، هو الآتي:

مع من الحوار، وكيف الحوار، وعلى ماذا الحوار، ولماذا الحوار، وفي ظلّ ماذا ومَن الحوار؟

كلّ هذه الأسئلة وغيرها لا جواب واضحٍ عليها، حتى اللحظة، سوى جوابٌ واحدٌ أحد لا شريك له، ألا وهو: النظام؛ هو السؤال وهو الجواب في آن؛ هو الأنا والآخر، الذات والموضوع، السبب والنتيجة.

النظام السوري، بقيادة حزبه الواحد، لا يزال هو الفوق: فوق الكلّ، ولا فوق سواه؛ فوق الدولة والمجتمع والثقافة والمال والعسكر والإقتصاد.

“الحوار” إذن، هو مع واحد النظام، كيفما يريده النظام، وعلى ما يشاءه النظام، ولأجل بقاء النظام، والهروب به إلى مزيد من التاريخ؛ التاريخ المختوم بأختام النظام. هذا فضلاً عن أنّ الحوار(أيّاً كان) يعني قبل كلّ شيء، تأمين الحد الأدنى من السلام والأمان لكلّ الأطراف، أو “الهدنة” كما هو الحال في الحروب، كأضعف الإيمان.

فكيف الحوار مع نظامٍ اختار الفاشية في تصفية شعبه، طريقاً إلى حلّ أزمته المشتعلة منذ حوالي 11 اسبوعاً من القتل والبطش وهدر الدماء بطريقة وحشية، قلّ نظيرها في تاريخ العالم المعاصر؟

كيف يمكن الحوار مع هكذا نظامٍ، صحيحاً، وهو لا يزال مصرّاً على خطئه، منذ أكثر من أربعة عقودٍ، ومستمراً على نهج “حركته التصحيحية”، التي لم تترك كبيرة ولا صغيرة، في سوريا، إلا وخرّبته عن سابق إصرار وترصد؟

ماذا تغيّر في سلوك هذا النظام تجاه الأكراد وقضيتهم، في كونها قضية أرض وشعب، حتى تغيّر الأحزاب الكردية من سلوكها، وتذهب للجلوس إلى رئيسه، الذي لا يزال يرفض الإعتراف بوجود الشعب الكردي في سوريا، أصلاً وفصلاً، زماناً ومكاناً، حقيقة وافتراضاً، ويرفض أيّ اعتراف بحقوقه السياسية والثقافية، كما تنادي بها شعارات هذه الأحزاب ودفاترهم العتيقة؟

هل سيجلس الرئيس إلى الأمناء العامين لهذه الأحزاب الكردية، بوصفهم “ممثلين شرعيين” للشعب الكردي في سوريا، أم بوصفهم “شخصيات وطنية” مفصلة رسمياً، على مقاس وطنيات التربية الوطنية للنظام؟

مجموع الأحزاب الكردية(10 أحزاب قررت المشاركة في اللقاء حتى الآن) تقول أنها ستقدم ما تسمى ب”خارطة طريق كردية” إلى النظام، علّ وعسى أن تخرج سوريا من أزمتها.

من الجميل بدون أدنى شك، أن يكون الأكراد أصحاب مبادرات وخرائط طريقٍ، في مثل هذه الأحوال والظروف العصيبة، ولكن هل سيستقبلهم رئيس النظام كأصحاب خارطة طريق كردية فعلاً، للعبور بالشعب السوري بمختلف مكوناته، إلى برّ التغيير والجمهورية الجديدة، أم أنهم سيُستقبلون، بإعتبارهم “أكراداً تحت الطلب”، ليعبر النظام على ظهرهم، إلى المزيد من الديكتاتورية، و”الشرعية الوطنية” ل”شرعنة” الباقي من سلوكه القمعي الوحشي، الذي لا يزال يتخذ من الحل الأمني، طريقاً وحيداً لتحقيق الإصلاحات بالدبابات؟

منذ أكثر من شهر، وصف رئيس الإستخبارات السورية الأحزاب الكردية ب”العملاء” و”المتخابرين أو المتعاملين” مع إسرئيل وربيباتها، واليوم سيجلس رئيسه “الممانع جداً” إلى هؤلاء “العملاء”، فأيّ عاقلٍ سيصدّق نظاماً كهذا، لا ينكر الوجود الكردي فحسب، بل يتهم الأكراد أيضاً وعلى الدوام ب”العمالة للأجنبي” و”اقتطاع أجزاء من أراضي سوريا”، بمناسبة وبدونها!؟

النظام السوري، الذي “بدأت شرعيته تنفذ” على حدّ قول سيدة الديبلوماسية الأميركية، يريد بهذا “الحوار السيّار”، ضرب أكثر من عصفورٍ سوري بحجرٍ واحد:

أولاً: تأليب المعارضة على المعارضة، وشق صفوفها، وشرذمتها وتقسيمها إلى معارضات متناحرة، أو معارضتين في أقل تقدير: معارضة “وطنية” بأجندات داخلية، تجتمع إلى النظام عند الحاجة، وتريد تحقيق إصلاحات كما يريدها، ومعارضة أخرى “عميلة”، بأجندات خارجية، تريد جرّ البلاد إلى الخراب والحرب الأهلية.

ثانياً: تأليب الشعب على الشعب، وتقسيمه إلى “شعب وطني” معه، وآخر “سلفي عميل” ضده.

ثالثاً: استمالة الأكراد إلى النظام، والإيحاء للعرب بوجود تقارب بين النظام والأكراد(باعتبارهم أقليتين) ضد “الأغلبية السنية” التي يتهمها النظام بالإنحياز إلى مشروع ما يسمى ب”الإمارات السلفية”، التي تريد إسقاط النظام المتخفي في “عباءة علوية”. ولا ننسى أنّ دعوة النظام إلى الحوار مع الأكراد، قد جاءت في وقتٍ بدأ فيه الإخوان المسلمون ينظمون صفوفهم في الخارج، انطلاقاً من تركيا، تحت وصاية أردوغانية، ويحاول هؤلاء جاهدين، الهيمنة على كلّ نشاطات المعارضة السورية في الخارج، كما رأينا في كلّ مؤتمراتها، لا سيما مؤتمرها الأخير الذي انعقد وأُدير في بروكسل، بعقلية أخوانجية، مؤسسة على شعارهم الأول والأخير: الإسلام هو الحلّ.

رابعاً: سحب البساط من تحت الأكراد، كيلا يتحوّلوا إلى حراك جماهيري فاعل يشعل الشوارع، كما هو الحال في جهات سورية أخرى، لأن حراكاً كهذا، فيما لو حدث، لن يكون برداً وسلاماً على النظام، ناهيك عن أن النظام لن يستطيع إقناع الداخل السوري، فضلاً عن خارجه ب”نظرية الإمارات السلفية”، في المناطق الكردية. لهذا يحرص النظام كلّ الحرص الإبقاء على بؤر التوتر والقتل الشنيع محصورةً في “المكان السنيّ”، لإطالة حبل كذبه أكثر فأكثر.

خامساً: نهاية شهر العسل التركي السوري، وانقلاب أردوغان على تحالفه الإستراتيجي الطّيب مع نظام الأسد، وفتور علاقاتهما، وتحوّل تركيا مؤخراً إلى “حضن دافئ” للإخوان المسلمين، جعل النظام السوري يعيد النظر، هو الآخر، في حساباته، ويغيّر من استراتيجته في هذه المرحلة الحرجة من عمره. لهذا قوبل ترحيب أردوغان في تركيا بالأخوان المسلمين، ب”ترحيب” آخر مضاد، من جهة النظام بالأكراد في سوريا. ليس لأن النظام يحب الأكراد، ويتعاطف مع قضيتهم ويريد لحقوقهم أن تتحقق سورياً، وإنما لأن الممكن السياسي للنظام تطلّب لا بل فرض ذلك، على قاعدة “عدو عدوك صديقك”. هذا من جهة.

أما من الجهة الأخرى، فوجود الأكراد وتوزعهم الديمغرافي على طول الحدود التركية السورية(حوالي 900 كم)، يعطي المناطق الكردية في هذا الزمان السوري، حيث الثورة مشتعلة في كلّ مكان، بعداً أمنياً واستراتجياً هاماً. فتركيا الجارة بالنسبة لسوريا الآن، ليست الأردن، ولا لبنان ولا العراق ولا حتى إسرائيل. النظام السوري يعلم تمام العلم أنّ أيّ انفجار في المناطق الكردية، أو حصار أو قصف لها بالدبابات، سيسهّل ويعجّل من تدويل الثورة السورية، من خلال البوابة التركية، التي ما عادت بوابةً أمينةً، كما كانت من قبل.

هذا هو واحدٌ من الأسباب المهمة، التي دفعت بالنظام إلى التحلي بأقصى درجات الصبر وضبط النفس في المناطق الكردية، ولم تطلق أجهزته الأمنية وشبيحته حتى الآن طلقة واحدة هناك.

على ما أذهب، ليس للأكراد، بإعتبارهم قضية أرض وشعب، كما تقول دفاتر جلّ الأحزاب الكردية، ناقة ولاجمل في هذا الذي يسمى “حواراً”.

فيه ما يضّر الأكراد وقضيتهم العادلة أكثر مما يفيدهم.

فيه من السقوط، كردياً، أكثر من الصعود، ومن الفشل أكثر من النجاج، ومن التهور أكثر من التجريب، ومن التخبط أكثر من التخطيط، ومن المولاة أكثر من المعارضة.

هو، في النهاية، لا بل أولاً وآخراً، “حوارٌ” للنظام، ولأجل النظام، ومن النظام إلى النظام.

فالنظام، لم يترك أحداً يحاوره، اللهم خلا ظله.

لهذا لن يكون هذا المسمى ب”الحوار” سوى حواراً في الظل، أو حواراً للنظام مع ظله، في أحسن الأحوال.

ايلاف

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى