صفحات العالم

لماذا يدور الغرب خلسة حول الأسد؟


بول فاليلي ()

الحديث عن “تعقيد ودقة” القضية السورية أوصل المسألة إلى شلل سياسي ولن يساعد مدينة حمص.

بعض الأشخاص غير محظوظين بكل بساطة. يولدون في الأماكن الخطأ. مثل مدينة حمص السورية حيث قتل ما لا يقل عن 1770 شخصاً منذ بدء القوات الحكومية قصفها الوحشي للمدينة قبل ثلاثة أسابيع. وخلال العام الماضي بأكمله، أردت آلة القتل الخاصة بالرئيس السوري بشار الأسد في محاولة وحشية لقمع الانتفاضة المطالبة برحيل، آلاف الأشخاص “باستخفاف ومن دون شفقة” كما قالت المراسلة الحربية المخضرمة ماري كوفلين في رسالة لها من حمص قبل أن تتمكن قوات نظام الأسد من قتلها.

وأثبت الذين ولدوا في مدينة بنغازي الليبية أنهم كانوا محظوظين أكثر. حاكمهم المستبد كان العقيد معمر القذافي. وعندما أعلن عن نيته بتصفية معارضيه ومحوهم عن وجه الأرض، قرر الغرب التدخل. تولت طائرات الناتو (حلف شمال الأطلسي) قصف القوات الجوية ودبابات القذافي لمنع سقوط بنغازي وقتل سكانها. لكن الأسد في سوريا بالمقابل، يبدو أنه ينجو بجرائمه. فلنسأل أنفسنا السؤال الغبي: لماذا كان التدخل في ليبيا مقبولاً في حينه، وليس مقبولاً في سوريا اليوم؟

وقالت (وزيرة الخارجية الأميركية) هيلاري كلينتون أخيراً إن فكرة أن تكون سوريا مثل ليبيا “تشبيه خاطئ”. ما الذي تملكه ليبيا وليس موجوداً في سوريا إذن؟ النفط هو الجواب الواضح. لكن هناك ما هو أكثر من ذلك. القذافي كان مغامراً مجنوناً على مدار السنوات، واكتسب عداوة كل أقرانه العرب تقريباً وجيرانه الأوروبيين إلى درجة لم يعد فيها هناك من يحزن لرحيله. لم يكن لديه فعلاً سجل لمجازر جماعية بخلاف الأسد وعائلته في سوريا، لكنه كان هدفاً سهلاً.

والأسد هو ولد أكبر في ملعب المدرسة إن صح التعبير. ولدى سوريا جيش جاهز عداده نحو ربع مليون جندي، وأسلحة كيمائية وغاز الأعصاب. كما لديها أصحاب أكبر منها في الملعب. واتصل وزيرا خارجية أكبر حليفين لها، روسيا والصين، ببعضهما بعضاً أخيراً، “لإعاة تأكيد موقفهما الموحد”. وأرسل كلاهما مبعوثين إلى دمشق، كما استخدما حق النقض في مجلس الأمن الدولي لمنع صدور قرار يدين انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها الأسد، على الأرجح لأنهما لا يرغبان في أن تتدخل أي “دولة” أخرى للتدقيق في سجلهما الخاص في الشيشان والتيبت.

وروسيا هي الأكثر عناداً. فبعدما خسرت معظم حلفائها في الشرق الأوسط، تراها مصممة على الاحتفاظ بسوريا حيث لديها القاعدة البحرية الوحيدة على البحر المتوسط. وفي العام الماضي، كانت نسبة 10% من إجمالي مبيعات الأسلحة الروسية إلى الخارج التي بلغت 3.8 مليارات دولار إلى سوريا. وتبلغ قيمة الاستثمارات الروسية في البنية التحتية وقطاعات الطاقة والسياحة في سوريا سنوياً نحو 20 مليار دولار.

ثم هناك إيران. في الأسبوع الماضي وفي استفزاز متعمد، أرسلت سفينتين حربيتين عبر قناة السويس إلى المتوسط، لكي ترسوا في ميناء طرطوس السوري حيث ينهمك نحو 600 بحار روسي في إعادة تحديث القاعدة السوفياتية السابقة في الميناء. وغالباً ما يوصف الأسد بأنه معزول بسبب اتخاذ الجامعة العربية موقفاً حاسماً ضده. لكن هذا يعني نسيان إيران. وفي منطقة منقسمة بين السنة والشيعة، فإن الشيعة يهيمنون على إيران واليوم العراق، وهم ينظرون إلى الأسد على أنه حليفهم الرئيسي، وهو الممر الذي يصلون عبره إلى حزب الله في لبنان، التنظيم الشيعي المسلح الذي يرعب إسرائيل.

وهذا يفسر الشلل السياسي للغرب تجاه سوريا. ومعظم حلفاء الغرب التقليديين هم العرب السنة من المملكة السعودية مروراً بسائر دول الخليج وصولاً إلى الأردن ومصر. ومعظم الثوار السوريين من السنة. لكن كذلك هو تنظيم القاعدة. ويخشى المسؤولون الغربيون أن يضم التحالف غير المتجانس المعارض للأسد بعض القوى الجهادية وهو الخوف الذي عزّزه التصريح الأخير لرئيس تنظيم القاعدة الجديد أيمن الظواهري الذي تعهّد القتال ضد “النظام السرطاني الخبيث” للأسد. وهذا لم يساعد سكان حمص إطلاقاً.

هناك داخل الدوائر الديبلوماسية حديث لا ينتهي حول تعقيدات وظروف القضية السورية. وبمواجهة التصميم القاسي للأسد وحلفائه، نقدم أعذاراً: المعارضة السورية أضعف بكثير ومتفتتة بخلاف الثوار الليبيين. والمعارضة السورية المعروفة أكثر من غيرها، المجلس الوطني السوري، مزيج من المثقفين، الليبراليين، الناشطين، الإسلاميين والأقليات الدينية التي لا تتقاسم سوى الكراهية للأسد. وهم منقسمون حول التفاوض مع الأسد وحول طلب التدخل العسكري الأجنبي وكثير من الأمور غيرها.

إن تسليح المعارضة مبكر، حسبما تقول واشنطن، واضعة نصب أعينها كيف أنها قدمت صواريخ أرض- جو للثوار بغية طرد السوفيات من أفغانستان ثم شاهدوا كيف أن المجاهدين الطيبين تحولوا إلى طالبان سيئين تحت أنظارهم. والبريطانيون ليسوا أقل ارتباكاً: تبيّن أن أحد المحررين الرئيسيين لليبيا هو أحد الذين سلمتهم الحكومة البريطانية إلى القذافي بوصفه إرهابياً.

ثم هناك مشكلة أخرى. التمرد السوري يتفشى في كل مكان، من ضواحي عشرات المدن الكبرى إلى الأراضي المحاذية للحدود مع لبنان، الأردن وتركيا، والتي بإمكان الأسد السيطرة عليها بسهولة لكنه لا يقدر على الاحتفاظ بها. هذا جيد لكنه يعني أنه لا توجد خطوط معركة واضحة المعالم كما لا توجد مناطق واسعة تسيطر عليها المعارضة يمكن حمايتها على النمط الليبي بواسطة “مناطق حظر طيران”.

وعمليات القتل التي تتم في سوريا، تنفذ في مناطق مكتظة على يد بعض القوات الخاصة المتمرسة في عمليات قمع التمرد. والطائرات الحربية الفرنسية والطائرات من دون طيار الأميركية ستكون أقل فعالية مع هذه القوات عما كانت عليه ضد القذافي. وتحمل الغارات احتمال إيقاع عدد كبير من الضحايا المدنيين كما أن طائرات الناتو ستتعرض لصواريخ مضادة روسية الصنع ومتقدمة تكنولوجياً كما من طائرات حربية روسية يقودها “مستشارون” روس على الأرجح. وقد تأخذ هذه المعركة كل أبعاد الحرب بالوكالة ليس بين الشيعة والسنة فحسب، بل بين حكومة بوتين غير الشعبية التواقة لاستعادة الدعم الشعبي في بلادها من خلال بضع ضربات ضد أهداف أميركية سهلة.

وسط ذلك يبدو مخيفاً بالنسبة للقادة الغربيين. ويخشون أن لا يكون الغضب المعنوي أساساً كافياً لسياسة خارجية جدية. من الأسهل ترك السكان في حمص يموتون في ظل أصوات عالية من الاستهجان والغضب وفرك الأيادي العاجزة من أوروبا وأميركا. لقد فعلنا ذلك من قبل في رواندا، سيربينتسا وفي مدينة حماه السورية حين ذبح والد الرئيس الأسد (الرئيس الراحل حافظ) نحو 20 ألف شخص قبل ثلاثين عاماً للأسباب نفسها لانتفاضة اليوم.

“لا يوجد من يمكنه أن يفهم كيف أن المجتمع الدولي يسمح بحدوث ذلك” هذا ما قالته ماري كوفلين بغضب قبل يوم واحد من مقتلها. يمكننا أن نسلح الثوار كما فعل الفرنسيون والقطريون في ليبيا، أو يمكننا أن نقف متفرجين إلى أن يصبح التبني السني السوري للقاعدة نبوءة محققة. وفي الحالتين يبدو أنه مهما سيحدث سيكون الأمر متأخراً بالنسبة لأهالي حمص.

العالم مليء بالأشخاص غير المحظوظين الذين لم يكن لهم فرصة اختيار أهاليهم من مقاطعة سوري البريطانية عوضاً عن أهالٍ في سوريا. وقليلون هم من يملكون فرصة اختيار المكان الذي يريدون أن يعيشوا فيه أو كما في حالة الزميلة الشجاعة ماري كوفلين، المكان الذي يريدون أن يموتوا فيه. لكن سكان حمص العاجزين لا يملكون أي خيار. إنهم غير محظوظين على الإطلاق.

ترجمة: صلاح تقي الدين

() عن “الإندبندنت” 26 شباط 2012

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى