صفحات العالم

الانتخابات السورية تلقى مصير الاستفتاء، وشرعية النظام تتآكل تحت وطأة العنف


    روزانا بومنصف

لا تحظى الانتخابات التشريعية التي اجراها النظام السوري بأي اهتمام او اهمية لدى المتابعين الخارجيين للوضع السوري على رغم ان حصولها مفترض على اساس الدستور الجديد المعدل الذي سمح بانشاء احزاب سياسية جديدة هذه السنة. اذ تضع مصادر ديبلوماسية متابعة هذه الانتخابات بموازاة كل الخطوات التي اتخذها النظام حتى الان ولم يكن لها اي مفعول في ظل استمرار العنف، وجرى التعامل الغربي والعربي معها كأنها لم تكن باعتبار ان النظام فقد شرعيته الداخلية والخارجية، وتاليا فان ما يقوم به في الداخل يفتقد الشرعية المطلوبة ايا تكن الخطوات التي يقوم بها والتي كانت من ابرز المطالب الخارجية منه. ولا تدخل المصادر المعنية في التفاصيل كونها لا تولي الانتخابات ككل اي اهمية تذكر كما حصل بالنسبة الى ما وصف بانه استفتاء على الدستور الجديد قبل بضعة اشهر باعتبار ان وجود النظام في حد ذاته هو موضع اشكالية كبيرة لا تزال مطروحة بقوة على الطاولة ولو اعطيت الفرصة للمبعوث المشترك للامم المتحدة والجامعة العربية كوفي انان لكي ينفذ خطته من النقاط الست والتي يشكل بند وقف العنف انطلاقتها علما ان الخطة ايضا لا تشير علنا الى تنحي الرئيس السوري من منصبه او الى رحيله. كما ان مسؤوليته عن اجراء الانتخابات ومراقبتها واعلان نتائجها هي نقطة اساسية ليس من استعداد خارجي لقبولها في ظل اشكالية وضعه. لكن ثمة تساؤلات تطرحها هذه المصادر على سبيل الاستغراب عن كيفية اعتبار ان هذه الانتخابات هي الاولى التي تجرى على اساس تعددية حزبية بعدما الغى النظام المادة الثامنة التي كانت ترتكز على ان حزب البعث هو قائد الدولة في حين انه منذ الاعلان عن الغاء هذه المادة لم يتح المجال للسوريين للتنفس، نتيجة العنف اليومي المستمر، من اجل انشاء احزاب وتنظيم انفسهم على اساس سياسي يسمح بخوض انتخابات على اساسها. وذلك في حال تم التسليم جدلاً بان الدستور الجديد يتضمن خطوات اصلاحية، في حين انه لا يتضمنها فعلا. ولذلك تدرَج هذه الانتخابات في اطار صوري اكثر من اي طابع فعلي من دون ان تتمتع باي وزن او اعتبار بما يسمح لهذا النظام ان يرمم صورته او وضعه في اي شكل، علما ان نتائجها في حال التسليم بذلك لن تغير شيئا في التغيير الذي يقال انه يجرى في ظل دستور جديد.

وتعتبر هذه المصادر ان هذه الخطوة هي كسائر الخطوات الاخرى التي قام بها النظام، تندرج في اطار ذر الرماد في العيون على قاعدة الايحاء بان الامور تعود الى طبيعتها رغم ما يحصل يوميا وانه لا يزال ممسكا بزمام الامور وهو ينفذ روزنامة اصلاحية تسمح له بالبقاء في موقعه. في حين اظهرت الوقائع الميدانية ان السوريين لا يثقون بهذه الخطوات وكان رد الفعل لديهم المزيد من التظاهرات في ظل استمرار العنف ومحاولات القمع التي يمارسها ضدهم. ولذلك فان المسألة تتعلق بالسوريين انفسهم قبل اقرار الاخرين فعلا بصوابية هذه الانتخابات علما ان النظام يشتري لنفسه كما تقول هذه المصادر المزيد من الوقت الذي يمكن ان تؤمنه له الدول الداعمة له حتى الآن، اي روسيا في الدرجة الاولى ثم الصين. فهذه الاخيرة املت مع استقبالها وفدا من المعارضة السورية “في ان تساهم الانتخابات في تطبيق الاصلاح في سوريا” على رغم ان المعارضة اعلنت عدم مشاركتها في هذه الانتخابات. ويسود اعتقاد لدى المصادر ان روسيا يمكن ان تستفيد من عامل اجراء الانتخابات من اجل ان تستمر في الدفاع عن النظام، او هو يقدم لها هذه الورقة لاستخدامها في الدفاع عنه لمدة اطول، في ضوء استمراره في استخدام العنف، على رغم اعتقاد بعض المتابعين الاخرين للوضع السوري ان روسيا نفسها لا يمكنها ان تستند كثيرا الى هذه الانتخابات في ظل الظروف التي تجرى فيها من جهة ولان ذلك قد يؤدي الى اتساع الهوة بينها وبين والغرب في الموضوع السوري من جهة اخرى، الامر الذي لا يعتقد ان روسيا قد تخاطر فيه الى هذه الدرجة.

وهذا الوقت الذي يحاول النظام ان يشتريه من خلال الانتخابات تعبر عنه محاولة النظام الحصول من انان على براءة ذمة في شأن التعاون من اجل تطبيق خطته، الامر الذي لم يتجاوب معه انان حتى الان في كل تقاريره الى مجلس الامن لجهة التسليم بزعم النظام عن وقفه للعنف وسحب الاسلحة الثقيلة من المدن فيما هو يضغط من اجل توفير شهادة حسن سلوك دولية في هذا الاطار.

في اثناء المتابعة الاعلامية لنتائج الانتخابات الفرنسية، لفت المراقبين والمهتمين اللبنانيين اقرار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بالهزيمة امام منافسه الاشتراكي فرنسوا هولاند في جولة الاعادة في انتخابات الرئاسة التي جرت يوم الاحد، كما لفتهم قوله “تحدثت اليه”، اي الى هولاند “هاتفيا وتمنيت له حظا طيبا” ثم ابلغ ساركوزي انصاره انه يتحمل الهزيمة، مضيفا “ان الشخص رقم واحد هو من يتحمل المسؤولية” بحيث حملت هذه الكلمات القليلة في مضامينها وفق هؤلاء المراقبين كل الحوافز التي تدفع الشباب العربي الى الهجرة الى اوروبا والدول الغربية. فكيف يمكن ان تجد الانتخابات السورية مكانها في ظل العنف الذي تجرى فيه؟

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى