صفحات العالم

المعارضة السورية: صراع المرجعيات

ديانا سكيني

 في حين تُبرز الأحداث الخرق المستمر من قبل المعارضات السورية لما وقّعت عليه في مؤتمر القاهرة من رؤية “موحدة” بشأن المرحلة الانتقالية، يعلن ممثلون من هذه المعارضات عن تمكنهم من حلحلة خلافات المؤتمر. يؤلفون لجنة بدور سياسي يغضب المجلس الوطني، برعاية الجامعة العربية، ويجمدون عضوية “هيئة التنسيق الوطنية”.

قبل أيام من مؤتمر “أصدقاء الشعب السوري” في باريس (6/7/2012)، انعقد مؤتمر المعارضة السورية في القاهرة (2-3/7/2012) تنفيذا لمقررات الجامعة العربية الداعية الى توحيد رؤية المعارضة بشأن المرحلة الانتقالية، وفي ظل جو غربي، وتحديدا فرنسي، ضاغط على المعارضات السورية لتوحيد صفوفها.

انتهى المؤتمر الذي شاركت فيه قرابة 250 شخصية تمثل غالبية الأطر المعارضة، الى تبني وثيقتي “العهد الوطني” و”الرؤية السياسية المشتركة لملامح المرحلة الانتقالية”. وفي المحصلة، تم الاتفاق على ان الحل السياسي في سوريا يبدأ باسقاط النظام ممثلا بالرئيس بشار الاسد ورموز السلطة وضمان محاسبة المتورطين منهم في القتل.

يومها، اعترض الاكراد على عدم ذكر الوثيقة الانتقالية لكلمة “شعب…” للدلالة على القومية الكردية الموجودة في سوريا. وتحول الاعتراض الى انسحاب من المؤتمر سبقته بلبلة واشكالات وصراخ امام عدسات الكاميرات. من جهته، لم يوافق المجلس الوطني على ما خلص إليه المؤتمر من تشكيل لجنة متابعة واتصال بين الأطراف المشاركة بصلاحيات سياسية واضحة تهيباً من تحويلها مرجعية تمثيلية للمعارضة. الاخوان المسلمون اعترضوا بدورهم بشدة على مقولة “الدين للّه والوطن للجميع” الواردة في وثيقة العهد. ثم عادوا واعلنوا الرضى بعد تأكدهم من شطب العبارة. لكن المتمسكين بها من المعارضين يقولون انها لم تشطب “لأن الصيغة الرسمية للوثيقتين ما زالت تلك التي اقرتها اللجنة التحضيرية لمؤتمر القاهرة”.

“الجيش الحر” الذي شارك بشكل غير رسمي حينها في المؤتمر اعتبر مقرراته التي لم تنص على التدخل العسكري الخارجي بمثابة “مؤامرة على الشعب السوري”.

بعد محطة القاهرة التي حاولت الاستجابة لدعوات توحيد المعارضة، سيبرز جهد للمجلس الوطني لتشكيل حكومة انتقالية. يقول معارضون ان المجلس فهم دعوة الرئيس فرنسوا هولاند لتشكيل حكومة مماثلة على انه المعني بها، وليس كل المجتمعين في القاهرة. قبل ان تتكفل المتحدثة باسم البيت الابيض فيكتوريا نولاند بتوضيح الامر: على المعارضة السورية ان تتوحد قبل الوصول الى خطوة تشكيل حكومة انتقالية. قبل ذلك، فعلها “مجلس امناء الثورة”، فأعلن هيثم المالح عن نية المجلس تشكيل حكومته الانتقالية.

 بعد محطة القاهرة ايضا، شارك اعضاء من هيئة التنسيق الوطنية والمنبر الديموقراطي، الى جانب شخصيات من ما يعرف بـ”معارضة الداخل” في اللقاء الذي دعت اليه مؤسسة “سانت اجيديو” الايطالية ووقعوا على بيان روما الذي دعا الى وقف العنف واطلاق عملية تحاورية بين كل الاطراف مشددا على اهمية الهدنة واغاثة المنكوبين دون ان يأتي على ذكر اسقاط النظام ودون استبعاد لأي شخص عن عملية الحوار، في سياق اكد ضرورة الحفاظ على سلمية الثورة. بعد هذا البيان، صدر عن هيئة التنسيق الوطنية مبادرة دعت بدورها الى وقف العنف بين طرفي النظام والجيش الحر والى هدنة واطلاق عملية اغاثية.

في كل تلك الخطوات والمبادرات التي تلت تبني اطراف المعارضة لوثيقتي القاهرة، كانت اطراف موقعة تنقض ما جاء فيهما. لكن بالنسبة للجميع، خصوصا للمعارضين الرازحين تحت ضغوط تطالبهم بتوحيد الصفوف والرؤية، بقي هناك وصفة جاهزة اسمها “اتفاق القاهرة”، يقدمونها لكل مسؤول اجنبي يطالبهم بالتوحد.

ومع فشل كوفي انان في مهمته، وانطلاق محاولة الاخضر الابرهيمي، مبعوثا مشتركا للامم المتحدة والجامعة العربية لحل الازمة السورية، رأى الاخير في تمسك الاطراف المعارضة بمرجعية القاهرة اهمية قصوى تسهل انطلاق مهمته. وفي سياق يعتقد معارضون انه متصل بمهمة الابرهيمي، دعا امين عام الجامعة العربية نبيل العربي الاطراف المعارضة الشهر الفائت الى اجتماع لتسوية ذيول خلافات مؤتمر القاهرة.

في 25-26/8/2012، اجتمع ممثلون عن الأطراف المعارضة المشاركة في مؤتمر القاهرة، وبناء على اقتراح اللجنة التحضيرية، من اجل تفعيل لجنة متابعة وثيقتي العهد الوطني السوري والمرحلة الانتقالية.

اتفق المجتمعون على التزام اطراف المعارضة بالوثيقتين، و”رُفضت المبادرات التي قد تصدر او صدرت عن اي طرف معارض والتي تخل بجوهر التوافق الذي اقر في الوثيقتين، بما فيها مبادرة هيئة التنسيق، ومبادرات الحكومات الانتقالية المنفردة”.

الجديد تمثل في ان من مثّل “الجيش الحر” و”المجالس العسكرية” في الاجتماع اكد الالتزام بوثيقتي العهد الوطني السوري والمرحلة الانتقالية، وفق بيان المجتمعين. والجديد ايضا انه “تم التوصل الى صيغة تفاهمية مع الاكراد ضمنت عودتهم الى “مرجعية القاهرة”، من خلال التوافق على اصدار “مذكرة تكميلية للوثيقتين”. وهنا لم يشر البيان اذا كان الاكراد سيُمنحون مطلبهم ويُشار في الوثيقة الى وجود “شعب كردي في سوريا…”. بقي الامر مبهما… لكن الاكراد عادوا الى مرجعية القاهرة.

الجديد كذلك، ان اللجنة التي قفزت فوق المهمة التقنية والادارية التي ارادها لها المجلس الوطني، فاتخذت قرارات سياسية، توافقت على تجميد عضوية هيئة التنسيق الوطنية في اللجنة بسبب اطلاقها “مبادرة تخالف ما جاء في الوثيقتين المتفق عليهما”.

في اضاءة على هذه الخطوة، عضو “المنبر الديموقراطي” سمير العيطة المشارك في اجتماعات اللجنة في القاهرة قال لـ”النهار” ان لجنة المتابعة والاتصال تستمد صلاحيتها من توافق جميع الاطراف المشاركة في مؤتمر القاهرة على الوثيقتين.

واشار العيطة الى ان “هيئة التنسيق لم تُقصَ من اللجنة لكن عضويتها جُمدت بسبب خروجها عن اجماع القاهرة” نافيا صحة ما اشار له اعضاء من الهيئة من انهم لم يحضروا اعمال اللجنة ولم يعلموا بانعقادها “فعضو الهيئة محمود مرعي كان ممثلاً لها في الاجتماع وشرح وجهة نظرها”. وأكد العيطة أن اللجنة منفتحة على عضوية كل الكتل على أساس الالتزام بوثيقتي القاهرة.

ورأى أن “مبادرة الهيئة خطأ سياسي وتم استغلالها من قبل النظام، فلا يمكن طرح مبادرة مماثلة بدون إجماع بين أطراف المعارضة الفاعلة وبدون وجود حاملين داخلي وخارجي لهذه المبادرة. وهي في توقيتها بين استقالة أنان وتعيين الإبرهيمي لا تضيف شيئا على بيان روما”.  وفي السياق نفسه، يشير إلى ان مؤتمر الهيئة الذي سيعقد في 12 أيلول في دمشق خطأ سياسي ايضا. ومع الاقرار بأولوية وقف النار، يسأل: “ما الذي يتوقع من مؤتمر يعقد تحت القصف والقنابل، ولماذا يُقدم الحوار إلى النظام قبل أي مبادرة جدية منه، وهو الذي شكل حكومة وعيّن فيها وزيرا للمصالحة الوطنية؟ لكن بشار الأسد أعلنها بصراحة حكومة حرب”.

من جهته، علق مسؤول الإعلام في هيئة التنسيق منذر خدام، على تجميد عضويتها في لجنة القاهرة معتبرا “انه لم تتم مشاورة الهيئة بل ولا كثير من قوى المعارضة في الداخل في ما يخص تشكيل هذه اللجنة. ولا نعلم من أعطاها صلاحيات لتعلق عضوية هذا الفصيل أو ذاك”.

وأكد خدام في تعليق كتبه على صفحته على الفايسبوك على أن “الهيئة لم تناقض ما اتفق عليه في وثيقتي القاهرة اللتين لم تكونا محط إجماع من قبل من حضر المؤتمر، كما أن مبادرة الهيئة جاءت لتغطي المرحلة الجارية حتى بدء المرحلة الانتقالية”.

وانتقد خدام اتخاذ الإجراء بحق الهيئة في حين تم الاكتفاء بالإشارة إلى “مخالفات الأطراف الأخرى”.

قد لا يكون خرق الهيئة لـ”مرجعية وثيقتي القاهرة” فريداً من نوعه. يحصل الأمر كل يوم من خلال مواقف أطراف موقعة في مؤتمر القاهرة تتبنى مواقف قد تعتبر مناقضة لما خرج عنه. الحد الفاصل في الإجراء المتخذ ضد الهيئة، قد يكمن في مربع الفرز نفسه بين معارضة تؤكد انها لن تتراجع عن إسقاط رأس النظام ورموزه، ومعارضة أخرى، كانت قبل العسكرة “الشاملة” وبعدها، مستعدة للدخول في عملية سياسية لتغيير النظام. وبين الموقفين “الجامدين” منذ بداية الثورة، يحضر حدّ اخلاقي مع صور المجازر والتدمير واللاجئين التي قلما تفسح أمام السوري مجالاً أو ترفاً لمتابعة تجاذبات معارضين يدرك تماما ان معظمهم ليس مؤثرا في الميدان، او لرصد انجازات مرحلة انتقالية “ورقية” وهو لا يرى افقا للانتقال من الهاوية الى مكان آخر راهناً.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى