صفحات الثقافة

لنا الله

 

احمد بزون

في مصر المسألة سهلة جداً، فالناس يستطيعون أن يوجهوا نقداً ناعماً أو لاسعاً للإخوان المسلمين، ولا يُتهمون بالطائفية. وهذا ما يفعله عليّة القوم أو المثقفون الكبار، من غير وجل أو تحسس، كما يفعله سائقو التاكسي. وأقل ما يقولون في حقهم أحياناً: «دول مش بتوع ربنا».

لا أريد أن أدخل هنا في جدل ديني، فلا غاية لي في ذلك، إنما لفتني ما يحدث في مصر من إمكانية أن تنتقد حزباً دينياً وطائفياً ضخماً، يبتغي أن يصادر القوانين والدساتير والسلطات لصالحه، من دون أن تفجر صراعاً طائفياً، أو تشعل حرباً أهلية.

ماذا لو صرخ أحدنا في لبنان، ليس بالحدة التي يمكن أن تتبع في مصر، وإنما بالنعومة الممكنة، وقال لحزب سياسي يمثل طائفة: أنت لا تعمل للدين إنما للسياسة، أو أنت تأخذنا إلى الهاوية لا إلى جنة عدن. فانتقاد حزب سياسي في بلدنا بات مساً بالأصول والدين والذات الإلهية، وكائناً من كنت، أنت إما طائفي لأنك تنتمي إلى طائفة أخرى، أو أنك مرتد لأنك تخرج على راعي الطائفة وسلطانها وتنحرف أو تخون طائفتك.

«الإخوان» في مصر يذهبون حتى النهاية، في التمسك بقراراتهم، ليثبتوا لأنفسهم، قبل سواهم، أنهم صاروا أصحاب السلطة في مصر، وأنهم باتوا يمتلكون ناصية القرار، وأنهم باسم الدين يستطيعون أن يحولوا مجرى النيل. أما عندنا فالمسألة بسيطة جداً، فأمير الطائفة يكتسب قدسيته من صفته الدينية لا صفته السياسية، لذا فالحدود مرسومة وواضحة، والخطوط الحمر هو الذي يخطها على مسافة بعيدة منه، مهدداً كل من يتخطاها بالويل والثبور. ويتخطى بتهديده حرمان المواطن من حصته في الجنة، حيث الصكوك هناك باتت بأيدي الزعماء، وموازين الخير والشر هم الذين يضبطون «دِقّتها».

قد يكون نقد الناس للإخوان في مصر أمراً بديهياً وعادياً، لكن ذلك لا يعني أن «الإخوان» ديمقراطيون، فمصادرة السلطات إذا نجحت تحولت إلى نوع من الديكتاتورية «الدينية». لكن الغلابة في مصر يستطيعون الآن، قبل أن يمسك «الإخوان» برقاب الناس، أن يقولوا ما يشاؤون.

ما نقصده هو النقد الهادئ والمنطقي والهادف إلى التقدم والتطوير، وهو نقد في السياسة، وخوض في شؤون الدنيا لا في شجون الآخرة، وكلنا يمقت ما يُكتب من شتائم نافرة على جدران في القاهرة وسواها، لكن هذا النقد، حتى لو كان إيجابياً، ممنوع في لبنان. ومع ذلك نتغنى بالحرية صباح مساء… الحرية عندنا صارت أغنية نهديها لأهلنا وأصدقائنا في الخارج، لكنها، في الداخل، محكومة باعتبارات وممنوعات تضيّق خناقنا وخلقنا، كما تضيّق فسحة العيش. وإذا كنا لا نستطيع أن ننتقد حزب طائفة في لبنان مَنْ ننتقد من أبطال السياسة. يحق لنا أن ننتقد من نشاء من زعماء الطوائف الأخرى، بل نشتمهم فرداً فرداً، إذا كنا نخوض معركة طائفة أو حزب طائفي، أو كنا محسوبين على طرف، أما إذا كنا خارج اللعبة.. فلنا الله.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى