صفحات سوريةعقاب يحيى

لنختلف.. لكن حول وسائل إسقاط النظام.. وليس سواها


عقاب يحيى

ليس غريباً، ولا شائناً أن يبقى التنوّع موجوداً ويجد تعبيراته في اختلاف الوسائل حول أفضل الوسائل الممكنة لتحقيق الهدف الرئيس لشعبنا، ولجموع أطياف المعارضة، ألا وهو: إسقاط نظام الطغمة شاملاً، كاملاً وإرساء البديل: الدولة المدنية الديمقراطية التعددية..

الخلاف نتاج عوامل كثيرة:موضوعية وذاتية، ولعله يكون مخصّباً، وضرورياً، وعامل إيجاب عندما يكون المشترك العام هو القاسم المشترك الذي يسعى لتحقيقه كل طرف بما يقدر، ويستطيع، ويرى. وهو سبب تمزيق وشرذمة وبعثرة عندما يضيّع البعض البوصلة، أو عندما يريد الانزلاق على قشور القشور، فيقع من حيث يعي، أو بالنتيجة في خندق النظام من جهة، وبمواجهة إرادة الثورة السورية وتعبيرها الأقوى: الحراك الثوري بالمحصلة.

نعم تعددت الرؤى في التعامل مع النظام قبل الثورة السورية المباركة، ومن واقع الضعف، والبيات، والانحسار، والهامشية، وعقود الانتظار لم يكن يملك بعض المعارضين سوى الرهان على ما قد يجود به النظام من (عطايا) إصلاحية.. فتقولب ورتّب أوضاعه على هذا الأساس، بينما كانت فئات معارضة أخرى ترفض أي مراهنة على النظام ـ الطغمة لوعيها استحالة ذلك موضوعياً وذاتياً،ورغم أنها لم تكن تملك الكثير لفعله ضده إلا أنها ظلت متمسكة بموقف واجب وضرورة إسقاطه بالمعنى السياسي والأخلاقي، وانتظاراً لتعديل ميزان القوى، أو ولادة رافعة جديدة تخلّ به، وتُحدث وضعاً جديداً..

حدث ذلك.. وقدّمت الثورة السورية العظيمة على أطباق من الشهداء والتضحيات هذه الرافعة، وبقوة لم يكن ينتظرها أحد من المعارضين، وبات عليهم التكيّف ليكونوا بمستواها.

عملية التكيّف لم تكن سهلة لدى الكثيرين، فدونها ركام العقود وما فعلته، وطبيعة البنى التنظيمية المخلخلة، وتلك (الفلسفات) التي أنبتتها وموضعتها عقود الانتظار الخلبي، والتصورات المبلبلة عن موازين القوى التي ترفض (المغامرة) للانضواء الكامل بالثورة، والالتحاق بها، وتبني مطالبها،ولمَ لا المشاركة المباشرة فيها، وجسر الفواصل والانقطاع، وهضم عديد الانتقادات الحادّة التي وجهها الشباب الثائر، المتحمّس، المعتزّ بما يقوم به لعموم المعارضة التقليدية، وتحميل كثيرهم لها مسؤولية وصول الأمور إلى ما كانت عليه، أو الشطب على تاريخ طويل من التضحيات والمعاناة والسجون والمطاردة والحصار والهجرة القسرية.. وكثير كثير مما قدمته عموم المعارة على مدى عقود مواجهة النظام، بما في ذلك محاولات البعض لإحداث نوع من القطع بين الثورة وما سبق من ممهدات وتراكمات وكأنها هبطت بمظلة، أو جاءت مستوردة، أو مجرد محاكاة للثورات العربية المتنقلة..

ـ بعض الذاتويات الحزبية صعب عليها عمليات التشطيب، أو التواضع و(التنازل) إلى (مستوى) وعي وطموحات وطروحات الشباب بكل ما يشوبها من حماس واندفاع، ومن رفض للاعتراف بتلك العقلانية التي راحت تفصفص موازين القوى من وجهة نظرها، وتضع خرائط طريق ل”لانتقال السلمي”، وغيره من المبادرات المماثلة.. مما أحدث فجوة واضحة بين الحراك الثوري وبين بعض قوى المعارضة، والتي لم تخلُ من تراشق الاتهامات، ومحاولة توجيه كل طرف انتقادات بالجملة للطرف الآخر، بينما تقتضي الحقيقة التذكير بأن عديد المعارضين المعروفين، والجدد الذين ينبتون كل يوم، وقفوا منذ البداية في خندق الثورة، وبعضهم أعلن صراحة وضع نفسه تحت تصرفها، ملتزماً بما تقرره، وتطلبه… الأمر الذي أحدث نوعاً من الفرز بين اتجاهين: اتجاه الثورة السورية بهيئاتها، خاصة الهيئة العامة للثورة السورية، وبقية الأطر، ومعها الشعب المنتفض، وبعض فصائل المعارضة التي وجدت طروحاتها في انزياح فحاولت القيام بنوع من الأقلمة علها تُحدث شيئاً من التوازن.. فنجت قليلاً، وفشلت بشكل عام حين سحق نظام الطغمة كل المراهنات، ووضعها أمام خيارين: إما الالتحاق به، وهذا مستحيل لأسباب كثيرة، وأولها بنيتها المعارضة، وتضحياتها، ومصيرها، أو مواكبة حركة الشعب بتبني شعاراته بإسقاط النظام، مع محاولة التمايز عن الآخرين.. تحت يافطة التدخل الخارجي.

ـ لقد حصلت تطورت في مواقف تلك المعارضة باتجاه إيجابي، حيث أن تلك الفجوة التي قامت حول قضايا الحوار مع النظام، أو الرهان على إصلاحاته، أو على رأس الطغمة ومحاولات تمييزه عن بقية شركائه المجرمين.. تبدو أنها انتهت ولم تعد مطروحة لنفي وجودهاً أصلاً، ولتطور المعركة مع الطغمة إلى مستوى مصيري لم يعد جائزاً لا الحياد فيها ولا أي نوع من الحوار.. فارتقت تلك المواقف إلى حدّ اللقاء مع الحراك الثوري، وإن ظلت بعض الظلال تكتنف الغموض في المدى، والتفاصيل.

ـ المعارضة المقصودة لا تعني، بالتأكيد، تلك التي تلد من أحشاء النظام، أو على رفوفه وهوامشه، بما فيها تلك التي تطرح التغيير على طريقة الانتقال السلمي، وعبر الحوار، والتي لن تقدر على الصمود، وإنما المعارضة المعروفة بتاريخها ومواقفها، والمطالبة اليوم بتفصيح كل التفاصيل لمنع الغمغمة، والبلبلة، وبعض التصريحات والمواقف الملتبسة.

ـ ومع ” المبادرة العربية” الميتة بالولادة.. وفي الوقت الذي يقوّضها النظام المُرغم عليها، فإن موضوع” الحوار بين النظام والمعارضة” يجب أن يسقط من أساسه، لآنه لا حوار مع القتلة، وعلى المعارضة التي تعلن استجابتها للمبادرة، تعلن موقفاً واحداً وحيداً: رفض الحوار مع النظام، والالتزام بما يقرره الشعب: التفاوض لتسليم السلطة، ومحاكمة القتلة المجرمين وليس شيئاً آخر..

ـ نعم ليس شيئاً آخر.. عندها يمكن توفير الظروف المناسبة للقاء أطياف المعارضة كافة في المجلس الوطني السوري، والالتزام الواضح، الفصيح بمطالب الحراك الثوري الممحور حول: إسقاط نظام الطغمة بالكامل..

ـ في جميع الحالات، أي إذا لم تكن الظروف مناسبة للقاء في إطار واحد ـ لأسباب ما ـ فإن المحورة حول الهدف المشترك، والعمل بكل الوسائل لتحقيقه سيقرّب المعارضة موضوعياً التي ستجد نفسها في الموقع الواحد.. حينها ستتضافر الجهود والأساليب للوصول إلى تحقيق الهدف، ويرتقي الجميع إلى مستوى تضحيات شعبنا، وإلى مستوى صياغة وتجسيد البديل التعددي، التداولي.

ـ إن الوقوع في أحابيل النظام تحت أي عنوان أو تبرير لا يليق بقامات معارضة أفنت حياتها في سبيل الوصول إلى هذا الحلم الذي يحمله شبابنا الأبرار بالصدر العاري، والشهادة، والاعتقال، ويقتضي منها رض أحابيله وفضحها، والتمسك بالهدف الوحيد: سقوط الطغمة ولا شيء آخر..

وبالوقت نفسه فإن وعي المرحلة، وطبيعة المعركة المصيرية التي يخوضها شعبنا تستوجب من الجميع أن يضعوا جهودهم المختلفة فيها وليس بفتح معارك جانبية ليس وقتها، ولا تؤدّي إلا إلى الاستنزاف، والتشتيت، وخدمة الطغمة التي تسعى اليوم بكل جهدها لزرع الانقسام بين صفوف المعارضة وإشغالها ببعضها..

لنكن مختلفين في الوسائل ووجهات النظر، لكننا متفقون حول الهدف الرئيس: إسقاط الطغمة واشتلاع الاستبداد بالكامل، ووضع أسس المرحلة الانتقالية قيد التجسيد، التي تؤسس للدولة المدنية الديمقراطية التعددية…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى