صفحات سوريةمازن كم الماز

لن تستطيع أن تغسل دماء الشهداء عن يديك

 


مازن كم الماز

لا أدري ما الذي ينتجه الطغيان في وعي الطغاة ليكونوا هكذا , الغباء ؟ ازدراء البشر , المحكومين و المقهورين منهم ؟ الجنون ربما ؟ فهل يمكن لعاقل أن يظن أنه قادر على أن يغسل يديه الملطختين بدماء الضحايا بهذه السهولة ؟ أهذا جنون أم غباء أم استخفاف بالبشر أم ماذا ؟ لم يمهلنا بشار لنتدرج شيئا فشيئا حتى يبلغ درجة المجزرة , لقد بدأ بالمجزرة فورا , و ها هو اليوم يريد أن يتلوها بكذبة جديدة , بشار الذي كان يبدو قابلا للاحتمال رغم أنه كان وجها مفروضا علينا , لكن كان , حتى الأمس , يكتفي بسرقة عمرنا و تعبنا فقط , يضيف المزيد و المزيد من الآلام و المعاناة اليومية , لكن لسبب ما كان هذا يبدو مالوفا , عاديا أو معتادا , لا فرق , مكروها و غبيا و فظا , هذا صحيح , لكن لسبب ما كان من الممكن للإنسان البقاء على قيد الحياة , أن يستمر بطريقة أو بأخرى , لكن وجهك اليوم أقبح الوجوه , لم تبدو كما أنت في الواقع كما اليوم أبدا , إننا نراك اليوم عار من كل المكياج الذي استعملته منذ أن حكمتنا منذ 11 عاما , أنت اليوم مجرم بلا رتوش , بل قناع , قاتل , أيها القاتل أنت أقبح شيء اليوم على هذه الأرض … يتفق اليوم بشكل غريب النظام و بعض خصومه في إذكاء الغرائز الطائفية , كما يتفق النظامان السعودي و الإيراني في نفس الشيء , و كل قادة الطوائف المتوجين في لبنان و العراق أيضا , فكراهية الآخر ضرورية كي تبقى الحرية هي الغائب الأبرز , ليس فقط عن الممارسة بل عن الوعي أيضا , فالطائفية ضرورية جدا لبقاء السادة في هذا الشرق , لكن هذا يتغير … الناس , و أنا منهم , لا تريد استبدال طاغية من طائفة ما بطاغية من طائفة أخرى , و لا تريد استبدال ذل و قهر و ظلم و استعباد و استغلال من أقلية تزعم أنها تنتمي أو حتى تمثل طائفة ما بنخبة أخرى من طائفتها هي , في العراق اليوم يخرج الشيعة و السنة , الفقراء طبعا , ضد النظام الفاسد , الطائفي , و في لبنان يزداد عدد من يطالب بإسقاط النظام الطائفي , و في سوريا , لا يموت الناس في درعا أو يتظاهرون في كل مكان فقط في سبيل طاغية سني , أتفهم مشاعر بعض من عاش خارج سوريا , نشأ على ذكريات الأهل عن المواجهة الدامية في أواخر السبعينيات و أوائل الثمانينيات بين الإخوان و النظام , عن ذكريات منتقاة لأهلهم لا تعني إلا تأكيد كفر النظام و ربما الطائفة العلوية كلها برب أهل السنة , هكذا يمكن فقط تصور غول علوي يتربص بالفئة المقهورة , الحقيقة أن العلويين تاريخيا , و حتى اليوم , هم من أكثر السوريين تعرضا للقهر و التمييز , أنها عانت و تعاني الفقر , المدقع , و النظام بذكائه أو بغبائه حاول أن يتمسح بها , حاول أن يستدرجها لخدمته , لتكون , و لو جزئيا , الفصيل الصدامي في القوى المدافعة عن النظام , لكن هذا الفقر و ذلك التمييز لم يكونا قدرا من السماء بل نتيجة ممارسة الطبقات السائدة في مجتمعنا يومها و لمصلحة هذه القوى السائدة , كما أن الحال هو كذلك اليوم أيضا نتيجة سياسات الطبقة الحاكمة و لصالحها هي أساسا , يستطيع الفقهاء السنة و الشيعة أن يتخاصموا , هذا حقهم , و أن ينعت أحدهما الآخر بما يشاء , هذا حق كفلته لنا الطبيعة , طبيعتنا الإنسانية و طبيعتنا الفيزيائية في نفس الوقت , عندما منحتنا القدرة على التفكير و على النقد , هذه القدرة التي هي مصدر حريتنا , حرية كل منا دون استثناء , لكن هذا شيء و أن يتنافس آل سعود و ملالي طهران على الاستئثار بنفط الخليج شيء آخر , إذا كانوا يريدون الجنة و إذا كان كونهم سنة أو شيعة شيء ضروري لحصولهم على الحق ببلوغ الجنة فهذا أيضا حقهم , لكن ما دخل استئثارهم بنفط إيران و الخليج بالجنة في السماء ؟ ليتركوا النفط للناس العاديين في إيران و السعودية و ليتخاصموا على جنتهم كما يشاؤون , و ما دخل تلك الجنة أيضا بطائفة الطاغية الذي يحكم في سوريا أو أي مكان آخر ؟ و ما دخل الجنة بطائفة الذي سيحصل على حصة الأسد من ثروات لبنان و خيرات البلد , إذا كان القضية يتعلق الجنة فقط فليتركوا خيرات البلد للناس و ليتخاصموا هم على الجنة , نفط الخليج أو ثروات لبنان أو سوريا و الحق في استعبادا الناس دون الآخرين ليست , نظريا و ظاهريا على الأقل , داخلة في صلب الأديان السائدة كما تزعمون , فحلوا عنا بكل بساطة , اقتتلوا لكن لماذا تريدون أن يفنى الآلاف و الآلاف لتصبحوا أنتم من يتحكم بنفط الخليج أو بالحق في استعباد الملايين دون غيركم من الطغاة ؟ هنا أشياء بسيطة جدا , مسلمات بسيطة جدا , البحرين مثلا ليست سنية و لا شيعية , هي باختصار لأهلها و لو كانوا يهودا يا أخي , و لكل بحريني , اعتبارا من اصغر مواطن مثل ما لهذا الذي يسمي نفسه ملكا عليها , الذي يفترض أنه يملك من تراب و نفط البحرين مثله مثل البقية , أصغر طفل سوري يملك من هذا البلد نفس الذي يملكه بشار و رامي و شاليش و خدام و رفعت و غيرهم , بل إنه هذا الطفل و أهله الفقراء يملكون أكثر لأن الفقراء هم من يبني و ينتج بينما ينشغل هؤلاء الطفيليون بنهب ما ينتجه الآخرون , أنا أريد أن أكون حرا و أن تكون أيضا حرا , و أنا مستعد لأموت في سبيل ذلك , في سبيل حريتي و حريتك , لكني لن أقبل يوما بأية طاغية يسلبني صوتي و حياتي و لقمة عيشي و عيش أطفالي ايا تكن طائفته , و لست مستعدا لأمنع عقلي عن التفكير و عن انتقاد أي شيء في هذا العالم , أي فكر و أي مقدس مهما كانت عقوبة هذا التفكير و ذلك النقد , حتى لو كان ذلك يعني موتي , لن أقبل أن أكون اليوم و غدا عبدا , و لا أريد لك أن تكون عبدا , أو مقهورا أو مكبوتا أو مسلوب الإرادة و العقل , ما منحتني و منحتك إياه الطبيعة لا يمكن لأي طاغية أن يأخذه مني و منك و لا أن يرسم لنا حدودا وهمية لممارسته , تعال , تعالوا نمارس حريتنا , تعالوا نختار طريقنا إلى الجنة كما يريد كل منا لكن تعالوا نرفض أن نكون عبيدا بسبب وجود أو عدم وجود مثل هذه الجنة .. أنا أكاد أجزم أننا سنعيد التعرف على بعضنا البعض كبشر أحرار , في ساحة النضال لإسقاط نظام بشار المجرم , سنرى كم سنكون أجمل و أذكى عندما نكون أحرارا , الحرية هي جوهر الإنسان الفعلي , هكذا أفهم الإنسان , هكذا أراك و هكذا أصر على أن تراني , أخي السوري , لن أتنازل أبدا عن حريتي و حريتك كشرط لحياتنا اليوم و في الغد , كشرط أساسي , بل و وحيد لحياة تليق بالبشر , هذه الحياة التي لن تبدأ قبل أن يرحل هذا المجرم , عليه أن يتوقف عن أن يثير اشمئزازنا بصوره , بطلعته و بالزيف و الكذب الذي يمارسه إعلامه , ما كان مبتذلا في الأمس , ما كان تافها و غبيا في الأمس , هو اليوم مقزز , و في الغد مثير للحنق و للغضب , يجب أن نمحو صورته من حياتنا , بعد أن زال القناع و ظهر المجرم , الدموي , المجنون بدماء الفقراء كما بقوت يومهم , فإن أمام بشار الأسد اليوم القليل جدا من الخيارات ليس منها أن يغسل يديه من دماء الشهداء , ليبق إذا أراد , و إذا أراد فليرحل , لكن ليستعد لغضب الشعب , فما كان صحيحا في هذا الشرق قبل سقوط البوعزيزي و خالد سعيد هو اليوم مستحيل , من ظن أن بضعة عناصر مخابرات يمكنهم أن يلجموا آلاف المضطهدين اليوم فهو غبي , واهم , بل و معتوه , كما هو الحال بين إسرائيل و بين الفلسطينيين أو المحيط العربي , هذا هو بالضبط حال النظام مع الشعب , يمكن للفلسطينيين أن يتحملوا خسائر كبيرة و حتى مستمرة , بينما لا يملك طغاة تل أبيب أن يخسروا و لا معركة واحدة لأن هذه المعركة ستسجل نهايتهم فقط , كذلك الشعب يستطيع أن يتحمل الكثير من اللحظات الصعبة كتلك التي تجري اليوم في درعا , لكن هزيمة النظام الأولى ستكون الأخيرة , إن أيام غضب فاشلة لن تعني نهاية الثورة أو المقاومة , فأحدها , كما جرى في مصر و تونس و ليبيا و اليمن و غيرها , سيكون يوم غضب عارم , يومها سنحتفل في دمشق و درعا و كل ميدان و شارع , كل مسجد و كنيسة , كل مدرسة و جامعة , كل بيوت الفقراء و المضطهدين بيوم الحرية , كم هو قريب ذلك اليوم , كم أنت قريبة و حميمة و رائعة أيتها الحرية , كم أنت قبيح و تافه و مجرم أيها النظام و كم أنت رائعون أيها الثوار ……..

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى