صفحات الناس

ليس لدى بشار الأسد من يكاتبه!/ حازم درويش

 

 

تنفس بشار الأسد صباح السبت الصعداء، الضربة الغربية التي نفذت كانت محدودة، والغرب يعلن ألا مزيد من الضربات هذه المرّة. مساء الخميس الماضي كان الأمر مختلفاً. مخاوف بشار الأسد كانت كبيرة. لكنه حاول أن يسيطر عليها وأن يحافظ على هدوء أعصابه. بعد الظهر، كان ترامب قد تراجع قليلاً عن تهديداته له، والتي سبق ووصفه فيها بالحيوان، لكن رئيسة الوزراء البريطانية عادت وأكدت قبل قليل ضرورة اتخاذ إجراء عقابي تجاه الأسلحة الكيماوية التي ألقيت من قبل النظام السوري على ما تبقى من مدنيين في دوما قبل أيام.

لا يفهم الأسد سبب غضب الغرب هذه المرة، منذ سنين وهو يضرب شعبه بالأسلحة الكيماوية والبراميل وغيرها الكثير، قبل مجيء ترامب كما بعده، كما أنه منذ بداية قمعه ثورة شعبه تلقى تحذيرات عديدة مختلفة الوتيرة من الغرب. لكن هذه المرة الأمر مختلف. غريب! حين أعطى الأوامر بإلقاء الأسلحة الكيماوية قبل أيام كان في ذهنه حسابات أخرى؛ أردوغان عدوه اللدود يسعى لكسب ودّه ويبدو منتشياً بنصره بعد سيطرته على عفرين، السعودية حذفت شرط إسقاط الأسد لتحقيق التسوية في المرحلة الانتقالية، وجوه برلمانية أوروبية تزوره في دمشق وترامب كان يفكر في الانسحاب كلياً من سوريا. إضافةً إلى أنه قمع الغوطة الشرقية قبل أسابيع بعنف وهجر أهلها بالكامل ولم يتلقَّ أي عقاب. إذاً ما الذي تغير الآن؟ هل بضعة أسلحة كيماوية وصور لضحاياها أثارت الغرب ضده بهذا العنف؟ الضحايا يتكاثرون منذ زمن، لا جديد ارتكبه يستدعي كل هذا الغضب!

ثمّ، إنه استخدم الأسلحة الكيماوية هذه المرّة لأنه نزق، لقد تعب. ميزان القوى على الأرض بات مائلاً بوضوح لمصلحته، ويريد أن ينتهي من هذا كله بأسرع وقت ممكن. يريد أن يعيد سوريا هادئة وآمنة كما كانت قبل سبع سنوات. لكنه لا يريد للأمر أن يطول أكثر. هل يضربهم بالمزيد من الصواريخ والبراميل؟ هل يطيل الأمر أكثر؟ لا! إنه حقاً متعب من هذه الحرب ويريد أن ينتهي منها كلها. بضعة أسلحة كيماوية ستختصر الكثير من الوقت والجهد. ثم إن الضحايا هم ضحاياه، شكل القتل لن يغير شيئاً، وهو حر في هؤلاء الضحايا، سبع سنوات وهو حر بهم. أليسوا شعبه؟ إذاً هو يعرف ما يفيدهم وما يضرهم. وهو ما أثبته على مدار هذه السنوات السبع بصموده ونظامه في وجه المؤامرة الكونية! الأسلحة الكيماوية ستسرّع ربما من وتيرة الرسائل التي ينتظرها منذ وقت طويل. ستقصم ظهر المعارضة المسلحة المتبقية وتؤكد للجميع أنه بات كلياً سيد الموقف على الأرض بضحايا وبدونهم. لذا مع هكذا هجمات حاسمة ستعود الدول المترددة إلى مراسلته على الفور. سيتأكد لهم حتمية بقائه.

الرسائل أمر مهم. من يعرف بشار الأسد يعرف جيداً كم أن هذه الرسائل مهمة بالنسبة إليه. ستعيد إليه إحساسه بدوره المركزي الذي كان يلعبه قبل الحرب قتلاً وتفجيراً بين لبنان وغزة والعراق. سترده من كونه مجرد دمية بين يدي روسيا وإيران إلى لاعب بمصائر كثيرين في المنطقة وأقدارهم. هذا الدور الذي يحن إليه يبدو الآن بعيد جداً. لكنه لم يتخلَّ لحظة واحدة عن رغبته في العودة إليه. بالأمس، قرأ لمراسل هولندي يجول في شمال سوريا أن الشعب السوري بكل أطيافه تعب من الحرب ويريد العودة إلى ما كان عليه الوضع في البلاد قبل سبع سنوات مهما كان الثمن. هذا جيد! هو أيضاً يريد العودة إلى ذلك الزمن مهما كان الثمن. بضعة أسلحة كيماوية، أليست ثمناً معقولاً؟!

على رغم وصف الرئيس الأميركي له بالحيوان، لم يستطع الأسد أن يصدق أن الغرب ذاهب إلى معاقبته فعلاً. هذا “يزعزع استقرار المنطقة” على ما نصحه علي ولايتي بأن يحذّر به الغرب لدى استقباله إياه في دمشق صباح الخميس. هو وولايتي يهمّهما استقرار المنطقة جداً. يحرسان هذا الاستقرار برموش أعينهما وأحياناً يحرسانه بميليشيات متنقلة وأسلحة كيماوية. هذا تفصيل في النهاية، المهم استقرار المنطقة! لكن أي منطقة؟ أي استقرار؟ لا أحد يجرؤ على تحديد ذلك بالضبط. لربما المقصود هو الاتفاق النووي الإيراني- الغربي؟

الأسد نفسه لا يعرف، حاول أن يحصل من ولايتي كما من بوتين على رسائل جدية بما يخص مصيره ونظامه لو تم تنفيذ الضربة العسكرية الغربية. لكن ولايتي لم يحمل له أي رسالة جدية، سوى ضرورة أن يكرر جملة التحذير ذاتها. سيفعل، لكن ألم يُرمى صدام حسين والقذافي  للكلاب حقيقة ومجازاً في لحظة معلومة، وهما يحذران من “زعزعة استقرار المنطقة” ويتوعّدان شعبهما والجوار؟

الأسد مساء الخميس كان وحيداً في قصره، دمشق كانت هادئة، كئيبة. الأسد كان خائفاً. دمشق كانت تترقب الهجوم الغربي بين لحظة وأخرى. القصر الرئاسي كان فارغاً تقريباً. لا أحد يريد أن يؤيده في صوابية استعماله الأسلحة الكيماوية لتقصير أمد الحرب. هل سيكلفه استعجاله بتسريع العملية على هذا النحو ثمناً نجح في الهروب منه على مدار سبع سنوات؟ الأسد لم يعد يجرؤ على سؤال مستشاريه عن أي شيء. كان ينتظر رسائل مطمئنة لم تأتِ. ولا ينام. الآن قد يستطيع النوم قليلاً!

درج

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى