صفحات العالم

مؤامرة في سورية


عبدالله إسكندر

لن يكون مصير المبادرة الإيرانية (الإسلامية) لحل أزمة الحكم في دمشق افضل من سابقتيها السورية والعربية، وقبلهما التركية والقطرية وغيرها من المبادرات غير المعلنة قام بها أصدقاء الحكم السوري.

وعجز هذه المبادرات لحل في سورية لا يرتبط بمضمونها. إذ أن كثيراً من أفكارها يتقاطع مع ما سبق أن اعلنه الحكم في دمشق، وتالياً يمكن أن تشكل، منفردة أو مجتمعة، أساساً لبدء الحل. لكنها كلها لقيت رفضاً مطلقاً من النظام، وأحياناً ببعض العصبية والفظاظة.

في مبادرة الرئيس محمود أحمدي نجاد أولوية لوقف العنف، ومن ثم رعاية إسلامية لحوار في ظل رئاسة الرئيس بشار الأسد من اجل إقرار الإصلاحات التي تطالب بها الحركة الاحتجاجية. وفي مبادرة وزير الإعلام السوري السابق محمد سلمان، بغض النظر عمن يقف وراءها، دعوة إلى وقف العنف وبدء حوار تحت رعاية الرئيس الأسد. وفي مبادرة جامعة الدول العربية أفكار كثيرة، لكن الأساسي فيها الدعوة إلى وقف العنف والحوار في ظل الحكم الحالي. وكل هذه الدعوات كانت تكررت في مبادرات أخرى.

وما دام الأساسي في كل هذه المبادرات الاستمرار في إعطاء الحكم حق الرعاية لوقف العنف وبدء الحوار، فلماذا يرفضها النظام بهذه الحدية، والمخاطرة بتوتر مع حلفائه (كما حصل مع تركيا) وتوفير مبررات إضافية لخصومه؟

الأرجح أن دوافع هذا الرفض تكمن في طبيعة الحكم ونظرته إلى الشعب الذي يحكمه. لقد تشخصن الحكم إلى حد أن قضايا الدولة باتت شأناً شخصياً. بمعنى أن الفئة الحاكمة باتت تعتبر أنها وحدها معنية بمعالجة الوضع. ويشكل عرض المساعدة، عبر مبادرات من خارج دائرة الحكم وإنّ كان مصدرها، استفزازاً لحقه المطلق في إدارة شؤون البلاد كما يرتئي.

وفي مثل هذه النظرة إلى الذات الحاكمة استبعاد مطلق للإصلاح والحوار معاً. ولا يبقى سوى ما يسمى الحل الأمني، أي تصفية بؤر الاحتجاج بالقوة العارية. وإذا كان الحكم يكرر يومياً انه يتصدى لـ «العصابات المسلحة»، فإن الوقائع على الأرض تؤكد أن ثمة حملة «تأديب» و»ثأر» تطول مناطق الاحتجاج. بما يؤشر إلى طبيعة نظرة الحكم إلى الشعب. لا يحق لهذا الشعب أن يتململ، ولا يحق له أن يتمتع بحد من الحياة الكريمة، وخصوصاً لا يحق له المطالبة بذلك. فمجرد إعلان مثل هذه الحقوق يتوازى مع إعلان العصيان. فكيف إذا تعلق الأمر بالحقوق السياسية والديموقراطية والتعددية والتداول على السلطة. لقد دخل هذا الشعب في دائرة «التآمر» فور مطالبته بالديموقراطية. فأي «مؤامرة» اكبر على الحكم من تلك التي تعلن المطالبة بإمكان تناوب على السلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة. هكذا لا يرى الحكم السوري سوى «المؤامرة» عليه، سواء عبر استمرار الاحتجاج أو عبر المبادرات التي تنصحه بوقف العنف العاري.

قد تكون مغرية للحكم السوري تقديم العقوبات الغربية، الأوروبية والأميركية خصوصاً، على أنها ضغوط من اجل دفعه إلى السلام مع إسرائيل. لكن ألم تتوسط أميركا وتركيا والاتحاد الأوروبي في مساع مماثلة سابقاً؟ إن قبول هذه الوساطات من اجل سلام مع إسرائيل سابقاً، في ظل استراتيجية السلام المعلنة في دمشق، ينهي ادعاء كون الممانعة هي سبب الضغوط الغربية.

ما يغيظ الحكم السوري في المواقف الغربية الحالية منه هو الحديث عن الديموقراطية والتعددية وحقوق الإنسان. فذلك يعطي الشعب السوري حق الرشد الذي لم يستحقه، من وجهة نظر الحكم.

ولذلك يترافق القمع العنيف مع الإصرار الشديد على التمسك بطبيعة الحكم. فتفشل كل المبادرات في إقناع صاحب القرار بوقف الحملة العسكرية. فأي حل لا ينتهي بانتصاره الكاسح، عبر أوسع عملية تأديب لمناطق الاحتجاج، يعني نجاحاً لـ «المؤامرة» أو بعض أهدافها.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى