حسين العوداتصفحات سورية

مؤتمر الحوار السوري بين السلطة والمعارضة..

 


حسين العودات

يبدو أن السلطة السورية بدأت تقتنع بوجود أزمة داخل النظام السياسي ومع المجتمع حيث كانت تنكر وجودها دائماً، بعد أن عجز الحل الأمني العنيف عن إسكات الاحتجاج والمحتجين والمتظاهرين، رغم ممارسته بأقصى درجات العنف، وإنزال الجيش لمواجهة هؤلاء المحتجين، واستخدام الدبابات بدون تحفظ أحياناً، كقصف الأفراد بقاذفات الصواريخ.

وكذلك بعد تزايد الضغوط الخارجية، ليس فقط من قبل الإدارة الأميركية والدول الأوروبية، بل أيضاً من قبل الأصدقاء والحلفاء أشخاصاً كانوا أم حكومات، فضلاً عن قرارات مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والتهديد بإحالة الأمر برمته إلى مجلس الأمن الدولي ليناقش قضية سورية داخلية، بحجة حماية المدنيين ومواجهة العنف المفرط ضد المتظاهرين لمنعهم من ممارسة حق من حقوقهم الدستورية.

ولعل هذه الأسباب هي التي ربما أقنعت أصحاب القرار في سورية بضرورة البحث عن مخرج آخر غير المخرج الأمني، وحل آخر لا يستخدم فيه العنف، قادر على بحث جذور الأزمة والاهتمام بمطالب المحتجين وحقوقهم والاعتراف بها والبدء في تحقيقها، باعتباره الحل الأساس المؤهل للوصول إلى اتفاقات شاملة بين الطرفين، وتأمين السلام والاستقرار للمجتمع السوري، وتحويل النظام من وضعه الحالي الشمولي الأمني إلى نظام ديمقراطي مقبول من شعبه خاضع لإرادة هذا الشعب ومحقق لمصالحه وأمانيه ومطالبه، والمعني هنا هو الحل السياسي الحواري، الذي ينطلق من القبول بالآخر شريكاً في السراء والضراء وفي اتخاذ القرار، وإجراء الحوار الديمقراطي معه للوصول إلى حلول للمعضلات المطروحة.

من الواضح إذن أن عدم نجاح القوة الأمنية وقوى الجيش في إخماد الاحتجاج إضافة إلى زيادة الضغوط الخارجية، (أقنعت) النظام السياسي السوري بضرورة التخلي عن الوسائل العنفية، أو بداية التخلي جزئياً عنها، والتوجه إلى عقد مؤتمر سياسي حواري جامع مع الآخر في المعارضة وغيرها، لأنه الوسيلة الوحيدة التي تقنع الداخل السوري والضاغطين الأجانب بأن النظام بدأ يغيّر أسلوبه وربما مساره، كما يمكن أن تشكل من جهة أخرى بداية حل لهذه الأزمة التي أصبحت خلال شهرين أكثر تعقيداً وخطورة.

إلا أن المشكلة التي ما زالت قائمة هي أن النظام السياسي السوري يرغب في تبنى حوار لا يخرج عن تبادل الآراء ووجهات النظر مع بعض المعارضين، على أن يتحدث مع هؤلاء كأفراد لا يمثلون أحزاباً أو تيارات سياسية، يسمح لهم بإبداء رأيهم مقابل أن يسمعوا رأي السلطة، وهذا ما تراه المعارضة غير مجد ولا مفيد ولا يحل أي مشكلة حيث تجاوزته الأحداث، وقد كان بالإمكان أن يلجأ إليه النظام قبلها، أما الآن، وبعد خروج عشرات آلاف المتظاهرين إلى الشارع واستمرار الاحتجاجات والمظاهرات أسابيع عديدة بل أشهراً، وإنزال الجيش للمدن والبلدات، وإسالة الدماء، وبلوغ عدد الضحايا ألف قتيل وآلاف الجرحى والمعتقلين، فلم يعد ينفع تبادل الرأي هذا، حتى لو أراد النظام السياسي أن ينفّذ طلبات المعارضين جميعها، وأصبح الأمر حسب المعارضة يقتضي إجراء حوار شامل تشارك فيه أحزاب وقوى سياسية واجتماعية واقتصادية من الموالاة والمعارضة والشباب المحتجين، في إطار بيئة مناسبة للحوار، وجدول أعمال متعدد الجوانب وشامل، وقادر على استيعاب المشكلة وعقابيلها وحلها حلاً جذرياً كاملاً جدياً مسؤولاً.

لقد أبلغت بعض فئات المعارضة السلطة التي اتصلت بها لعقد الحوار، بضرورة تحقيق حزمة من الإجراءات الكفيلة بإنجاحه، بعضها سابق للحوار والبعض الآخر لاحق له، فمن البعض السابق للحوار تهيئة مناخ صحي ينجم عن إيقاف العنف والحل الأمني، وذلك بسحب القوات العسكرية من المدن والإعلان عن ذلك، ثم الإفراج عن المعتقلين السياسيين، ومن البعض اللاحق له أن يكون الحوار من خلال مؤتمر وطني برعاية رئيس الجمهورية الذي يضمن تنفيذ مقرراته، وتدعى إليه أحزاب المعارضة جميعها، وممثلون عن الشرائح الاقتصادية والاجتماعية السورية، وعدد من قيادات المحتجين والمتظاهرين، ومن النقابات والمنظمات النسائية، على أن يبحث هذا المؤتمر مواصفات المرحلة الانتقالية والتعديلات الدستورية والسياسية والإصلاحات المطلوبة، بما في ذلك إصدار قوانين الأحزاب والإعلام وإقرار آلية لمكافحة الفساد، وإلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تنص على قيادة حزب البعث للسلطة والمجتمع، وتعديل صلاحيات مجلس الشعب ومجلس الوزراء وضمان فصل السلطات، وتداول السلطة أي تحديد ملامح بنية النظام الجديد، وتهيئة الشروط الضرورية لترسيخ الديمقراطية والحريات والمساواة وتكافؤ الفرص وغيرها، يبدو أن النظام السياسي السوري يرى أن هذه الشروط ثقيلة عليه، وهو لا يريد، إن أمكنه ذلك، التخلي عن امتيازاته الحالية السياسية والإدارية والسلطوية وغيرها، كما أن بعض الشركاء في الحكم سوف يتضررون من هذه الإصلاحات.

وخاصة أولئك الذين يصب في خزائنهم نهر من الذهب بسبب الامتيازات التي يتمتعون بها، أو مناخ الفساد الذي يستظلون به، ويعتقد أن مثل هذه الحلول قد تؤدي إلى خلافات وانشقاقات داخل النظام وإلى تصدع فيه، لا يرغبها كثيرون من أهله، بل يخشونها ويصارعون من أجل أن لا تحصل.

ترى المعارضة السورية أن هذا السبيل، أي عقد مؤتمر حواري جامع، هو الطريق الوحيدة للتغلب على الأزمة، وإعادة الاستقرار والأمان للمجتمع السوري، أما النظام السياسي فيبدو أنه مازال متردداً في قبول اقتراحات المعارضة، ولذلك فهو يسعى إلى إصلاحات هينة لينة تقول المعارضة أنها تزيينية.

البيان الإماراتية

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى