صفحات مميزة

أكثر من 70 مقالا لكتاب عرب وأجانب عن مؤتمر “جنيف 2”

استدعاؤهم إلى «جنيف 2»… إلزامهم بالتسوية!/ جورج سمعان

لا بد من جنيف وإن طالت الحرب. هذا ما توافق عليه اللاعبون الكبار في سورية، بخلاف الرغبة الحقيقية للطرفين المتصارعين في الداخل. الأطراف الدوليون الذين يلحّون على المؤتمر الدولي الذي سيفتتح في مونترو بعد غد يؤمنون بأن التسوية السياسية هي الوسيلة الوحيدة لوقف الحرب. في حين أن النظام في دمشق لم يتخل عن لغة الحسم التي لا تترك مكاناً لأي تلاقٍ. ولم يهجره حلم البقاء كأن شيئاً لم يحدث، أو على الأقل توهم القدرة على تسويق نفسه ضرورة لا بد منها لمواجهة الإرهاب والحفاظ على الاستقرار في المنطقة. لأن قـبوله بمـبدأ الجلوس مع المعارضة نداً تمهيداً لمشـاركتها في حكم البلاد ومباشرة تـنفيـذ بنـود «جـنـيف 1» يعـني بوضـوح بـدء تــقـويـض سلطته وتـفكيك أدواتها. قيـام «الهـيئة الانتقالية» الكاملة الصلاحيات التنفيذية يعني ببساطة أن الكلمة لن تعود إليه. هذا في النص الدولي على الأقل. وهو ما يخالف تماماً ما عبّر عنه قبل أيام وزير الإعلام عمران الزعبي، وما عبّر عنه مسؤولون من قبل، بأن النظام باق، وأن الرئيس بشار الأسد باق. أما «الائتلاف الوطني» فلا يجد خياراً سوى استجابة الرغبة الدولية، خصوصاً رغبة «الأصدقاء»، أي التوجه إلى المؤتمر، مع إيمانه بأن النظام لن يقدم شيئاً، وبأن الحل الوحيد في النهاية هو «تحقيق النصر». لا مكان إذاً لتسوية يعمل لها الطرفان الداخليان، كما يرغب اللاعبون الآخرون، ولا سيما منهم الأميركيون والروس.

«جنيف 2» هو إذاً مؤتمر لرعاة النظام من جهة، أي روسيا ومعها إيران التي تحضر بقوة وإن غابت. وهو لـ «أصدقاء الشعب السوري» ورعاة المعارضة من قوى دولية وإقليمية. المؤتمر لكل هؤلاء الذين أصر معظمهم منذ الأشهر الأولى لاندلاع الأزمة على وجوب البحث عن حل سياسي. لكنهم لم يجدوا آذاناً صاغية. كان دافعهم يومها، كما هو اليوم، وجوب الحفاظ على الدولة والمؤسسات وإن أدى ذلك إلى بقاء شيء من صورة النظام وبعض أدواته، ولكن ليس بالتأكيد رأس النظام ومن يديرون آلة الحرب. وكان الهدف ولا يزال ضمان مستقبل الأوضاع في سورية، فلا تسقط في الفوضى الشاملة أو في أيدي الحركات المتشددة… وكذلك الحفاظ على كل مكونات البلاد الطائفية والمذهبية والعرقية. لذلك طال الحديث عن «حل يمني»، أو عن حل على طريقة «اتفاق الطائف» اللبناني. فالمتصارعون في الداخل عاندوا ولا يزالون. وهكذا لم تستنزفهم الحرب فحسب، بل حوّلهم العجز عن الحسم رهائن في أيدي هذه القوة الخارجية وتلك. ولا يملك أي من الطرفين السوريين الأساسيين اليوم خيار التملص أو رفض الحضور إلى مونترو ثم جنيف. ظروف الصراع وموازين القوى لا تسمح لأي منهما بترف الاختيار أو حتى تأجيل هذا الاستحقاق. بات المؤتمر مرتبطاً بخريطة واسعة ومعقدة من التفاهم بين واشنطن وموسكو.

من المبكر بالطبع الحديث عن التسوية الكاملة. سيمر وقت طويل قبل أن تتبلور بداية الحل. المهم بالنسبة إلى الأطراف الخارجيين، خصوصاً الولايات المتحدة وروسيا، أن تنطلق العملية السياسية مهما استنفدت من وقت ربما كان ضرورياً لاستكمال تحقيق الأهداف الكثيرة التي جنوها من هذه الحرب. كأن هذه قامت كي لا تنتهي قبل أن تؤدي أغراضها. كان النظام يأمل ولا يزال بأن تتمحور المحادثات على محاربة الإرهاب ليقدم نفسه خياراً لا بديل منه للقضاء على «داعش» ومثيلاتها. لكن المعارضة بخوضها معركة إنهاء هذه الحركات أسقطت من يده هذه الورقة، وقدمت نفسها خياراً يهدّئ من مخاوف الخائفين من «اليوم التالي» للتغيير المطلوب. صحيح أن «داعش» لم تختف وقد لا تختفي عن الساحة سريعاً، لكنها بالتأكيد خسرت حاضنتها الشعبية التي عبّرت صراحة عن رفض حضورها وسلاحها وقوانينها وأساليبها. وهو ما يعزز صورة المعارضة المعتدلة وصورة السوريين الساعين إلى التغيير وإلى طلب العون العسكري خصوصاً من «الأصدقاء».

الطريق طويل إلى التسوية، ليس لأن الطرفين السوريين المتصارعين يصر كل منهما على تحقيق نصر ناجز في الحرب الدائرة، بل لأن مؤتمر «جنيف 2» بات يعني اللاعبين الكبار، روسيا وأميركا وإيران وخصومها العرب… وبات مساراً آخر من مسارات التفاوض التي انطلقت من اتفاق جنيف الأولي بين الجمهورية الإسلامية والدول الست الكبرى في شأن الملف النووي الإيراني الذي يبدأ تنفيذه اليوم. وليس بعيداً من هذه الصورة الأعم ما يشهده العراق اليوم من جبهات مفتوحة في أكثر من اتجاه. وليس بعيداً ما يجري أيضاً في المحكمة الدولية التي باشرت النظر في قضية اغتيال رفيق الحريري في لاهاي. وليس مستقلاً تماماً ما يجري على الجبهة الإسرائيلية – الفلسطينية من مفاوضات. لذلك لم يترك وزير الخارجية الأميركي جون كيري مناسبة إلا وأطلق مواقف لتشجيع «الائتلاف الوطني للمعارضة» على الحضور إلى مونترو. ومثله فعل نظيره الروسي سـيرغي لافـروف الذي دفع النظام إلى تقديم خطة لوقف النار فـي حـلب وتـبادل الأسـرى والـمعـتقلين وفتح ممرات لوصول المـسـاعدات إلى الـمنطق المحاصرة. وثمة كم من المواقف الأخرى الدولية والإقليمية التي عبرت عن توافق دولي وإقليمي على وجوب التوجه إلى جنيف. كل ذلك ينم عن رغبة في أن تكون أزمة سورية على الطاولة إلى جـانب الملفات الإقليمية الأخرى.

قدمت الإدارة الأميركية التزامات استجابت مطالب «الائتلاف» بأن لا دور للرئيس الأسد في المرحلة الانتقالية. قدمت مواقف سياسية لم تخل من تحذيرات، بل تهديدات مبطنة، من أن مقاطعة المؤتمر الدولي ستُلحق ضرراً كبيراً بالمعارضة. ومثلها فعلت موسكو التي مدت النظام بمزيد من الأسلحة التي يحتاج إليها، كأنها بهذا التسليف لا تريد ضمان صموده بمقدار ما تبني رصيداً يتيح لها أن تقول كلمتها في التغيير المطلوب حين يزف أوانه وتتوافر شروطه. ولا يحتاج نص الدعوة التي وجّهها إلى المعنيين بالمؤتمر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى شرح. الهدف من «جنيف 2» تطبيق نص قرارات «جنيف 1»، وفي مقدمها قيام «هيئة حكم انتقالية تتمتع بسلطات تنفيذية» تتشكل باتفاق متبادل وتشمل صلاحياتها القوات العسكرية والأمنية وأجهزة الاستخبارات، فضلاً عن الخدمات العامة الأخرى التي يجب استعادتها والحفاظ عليها.

النص واضح ويغيّب ضمناً أي دور للرئيس الأسد، وإن كانت روسيا ترفض ما تسميه «التفسير الأميركي» لهذا النص. لكن ذلك لا يعني أن قيام هذه الهيئة سهل المرام، أو سيكون في مقدور الطرفين السوريين التوصل إلى هذا الهدف سريعاً. تحقيق ذلك يتطلب «اتفاقاً متبادلاً». أي أن رعاة المؤتمر سيكون عليهم التدخل لفرض هذا «الاتفاق» الذي يستحيل على النظام القبول به لأنه يعني ببساطة بداية تسليم السلطة إلى خصومه! الأمر يتطلب إذاً تفاوضاً شاقاً بين واشنطن وموسكو، وبين إيران وخصومها الإقليميين عرباً وأتراكاً، يتناول مصالح هؤلاء الأطراف جميعاً قبل التوصل إلى الصيغة التي ستفرض على دمشق وخصومها. يعني ذلك أن طهران التي لم تُدع إلى «جنيف 2» ستكون حاضرة. كانت بحضورها الميداني ولا تزال الضامن الوحيد لبقاء النظام وصموده. وكانت تصر ولا تزال على أن تكون لها كلمة في مستقبل سورية ومستقبل بلاد الشام كلها تالياً. وهو ما جعل المعارضة تناهض إصرار روسيا على وجوب حضورها، لأن «الائتلاف» يخشى أن تجر مشاركتها إلى فتح الباب أمام حوار سياسي أوسع بينها وبين الأميركيين والروس يتناول كل معضلات الشرق الأوسط، فتضيع القضية السورية في خضم بازار واسع لإبرام صفقة شاملة.

ما يخشاه «الائتلاف» من حضور إيران المادي إلى مونترو له مبرراته، لكنه لا يلغي حقيقة وجودها، والحاجة إلى تفاهم الرعاة الآخرين معها. وواضح تماماً أن ثمة بدايات لتقدّم قطار هذا التفاهم. ولعل أبرز صوره تحول موقف أميركا حيال حكومة نوري المالكي التي قررت دعمها وتزويدها ما تحتاج اليه من سلاح وعتاد لمواجهة «داعش» وحركات «القاعدة» في العراق. ومن صور الحوار الدائر في الإقليم هذا التحول الطارئ على مواقف اللبنانيين الذين انكبّوا فجأة لتأليف حكومة جديدة متناسين كل الشروط التي رفعوها للحؤول دون قيام هذه الحكومة طوال أشهر!

ارتباط «جنيف 2» بالمسارات الأخرى من التفاوض ليس وحده ما يحكم نتائجه. الحوار الدائر بعيداً من المدينة السويسرية عنصر أساس: الصراع الدائر بين إدارة الرئيس باراك أوباما وخصومها حيال الموقف من إيران ومن المحادثات بين الإسرائيليين والفلسطينيين عامل فاعل في مآل الحوار مع طهران. والصراع الدائر بين حكومة الرئيس حسن روحاني وخصومه المتشددين هو الآخر عنصر قد يحمل أكثر من مفاجأة تعيد جميع المتفائلين إلى المربع الأول وتعقّد «الحل الشامي». والصراع بين حكومة «دولة القانون» في بغداد والمحافظات السنية يترك أصداء واسعة في الساحة السورية، تماماً مثل الحرب القائمة على «الدولة الإسلامية في العراق والشام». والمشهد في بيروت ولاهاي يبقى هو الآخر مرتبطاً بما يجري شرقاً خلف الحدود.

وقبل كل هذه العوامل التي تُلقي بثقلها على المؤتمر الدولي ومصيره، تعوق التصدعاتُ التي تصيب جبهة المعارضة السورية بأطيافها العسكرية والسياسية في الداخل والخارج مهمة الرعاة الخارجيين، وإن بدا أنها تساعدهم على ممارسة شتى أنواع الضغوط. صحيح أنهم يمتلكون معظم الأوراق السورية، لكن ما بقي بأيدي أطراف الصراع في الداخل كاف للعرقلة وإطالة عمر الحرب والمعاناة… وليس لنسف مؤتمر جنيف. يشكل المؤتمر حاجة دولية وإقليمية مثلما يبقى حاجة سورية وإن لم يُلبّ رغبات النظام وخصومه كاملة.

الحياة

النظام ذاهب لمفاوضة الدول لا المعارضة جنيف – 2 ليس أكثر من هدنة غامضة/روزانا بومنصف

يتوجه النظام السوري الى المفاوضات مع المعارضة السورية التي تبدأ في مدينة مونترو في سويسرا يوم الاربعاء المقبل قبل ان تستكمل في جنيف تحت عنوان ما يعرف بمؤتمر جنيف 2 بكل فريق الديبلوماسيين لديه في الداخل او في الخارج في حملة لا تعتقد مصادر سياسية انها تهدف لمقارعة وفد المعارضة السورية وحدها باعتبار ان المفاوضات ستحصل لاحقا بين الجانبين السوريين بواسطة الموفد الأممي الى سوريا الاخضر الابرهيمي. بل هو وفد يهدف الى اكبر علاقات عامة ممكنة في فرصة فريدة للنظام لاحتمال لقاء او افتعال لقاء حرم منه خلال الاعوام الثلاثة الماضية من عمر الازمة السورية وذلك من أجل محاولة تأهيل نفسه امام الدول الغربية والاقليمية وتقديم العروض حيثما يستطيع من اجل تعويم صورته مجدداً كسلطة ونظام حكم يتلاقى مع الغرب وفق ما يسعى الى الترويج لذلك منذ اليوم الاول للثورة ضده انه في موقع واحد مع الغرب وهو محاربة الارهاب. فالوفد الجرار من الديبلوماسيين السوريين المقتدرين وحاملي كلمة السر دفاعا عن النظام والذي فاوض غالبيته الاسرائيليين في وقت من الاوقات من دون نتيجة تذكر خلال مفاوضات السلام بين السوريين والاسرائيليين اكان ذلك تقطيعاً للوقت او جدياً من اجل توقيع اتفاق سلام مع اسرائيل، يتطلع على الارجح الى التفاوض مع من يعتبرهم من يقود معارضة لانه لا يقيم وزناً لهذه الاخيرة ويعتبرها خاضعة لأسيادها في الخارج وفق ما يدأب الرئيس السوري على التكرار ما لم يكن مستعدا للاقرار ولو في شكل غير مباشر انه امام ند يستعد لمقارعته بالحجة وانه امام ثورة تحمل قضية وليس امام تنظيمات ارهابية كما يقول . ولذلك لن يجد هذا الوفد صعوبة في الاستشراس في وجه المعارضة الجديدة في مراس المفاوضات على اي مستوى كان على رغم التدريبات التي تلقتها المعارضة حول فن التفاوض وسبله خلال الاشهر الاخيرة، خصوصاً متى عطف ذلك على دعم روسي مباشر وايراني غير مباشر للنظام حتى الآن في المؤتمر. وقد توجه وزير الخارجية الاميركية جون كيري يوم الخميس الماضي وقبل اسبوع على انعقاد مؤتمر جنيف 2 برسالة واضحة تحاول ان تستبق الجهود التي سيوظفها النظام على هذا الصعيد وكأنما هو على ثقة بان النظام سيقدم عروضاً وصفقات جديدة لاعادة شراء قبول الغرب لبقائه او ان هناك عروضاً مقدمة فعلاً عبر اطراف ثالثين على الارجح، فقال كيري “ان العالم لن يسمح لنظام بشار الاسد بخداعه في مؤتمر جنيف 2″ مؤكداً ان الهدف من هذا المؤتمر هو وضع الاسس للانتقال السياسي في سوريا”. وسعى وزير الخارجية الاميركي في الوقت نفسه الى طمأنة المعارضة (والبعض يقول الدول الاقليمية ايضا) وتقديم ضمانات لها من اجل تشجيعها على التصويت على المشاركة في مؤتمر جنيف 2 باعلانه ان لا مكان للرئيس السوري في مستقبل سوريا مؤكداً ان هناك توافقاً اميركياً روسياً على ضرورة الذهاب الى مرحلة انتقالية في سوريا علما ان هذه النقطة بدت مناقضة وغريبة في الوقت نفسه. اذ بدت مناقضة مع تنسيق ثلاثي روسي ايراني وسوري عشية الذهاب الى مؤتمر جنيف 2 والانباء عن استمرار ضخ روسيا النظام بالاسلحة وطائرات من دون طيار. وبدت غريبة مع معلومات ديبلوماسية اوروبية لا تجاري الاميركيين او ما يقوله كيري التفاؤل في شأن الموقف الروسي ما لم يكن الروس والاميركيون على الموجة نفسها كما في موضوع الكيميائي السوري اي من دون الاوروبيين.

في اي حال فان واقع الامور بالنسبة الى المصادر السياسية المعنية ان الاداء كما المواقف الروسية من النظام وصولاً الى مده بالأسلحة قبيل الذهاب الى مؤتمر يفترض ان يقر مرحلة انتقالية، قد يعني ان الروس وان كانوا يتفقون مع الغرب والاميركيين خصوصاً على الذهاب الى حل سياسي في سوريا، فان توصيف هذا الحل يبقى في العنوان دون المضمون. وهذا ينسحب على ايران غير المشاركة في مؤتمر جنيف 2 والتي اعتبرت انها لا تشارك فيه بشروط معتبرة ان تحديد الأمين العام للأمم المتحدة العمل على تطبيق بيان جنيف واحد اي التوافق على مرحلة انتقالية في سوريا شرطا لا توافق عليه على رغم ان ايران تقول بالحل السياسي في سوريا وليس بالحل العسكري. الا ان مفهومها لهذا الامر لا يختلف عن مفهوم النظام الذي ينوي البقاء في السلطة مع تعديلات يدخلها على السلطة التنفيذية لا تختلف في الجوهر والشكل عما سبق ان قدمه وفشل في تسويقه خلال تنازلات شكلية قدمها خلال ثلاثة اعوام من الازمة على اساس انه يقدم تنازلات للمعارضة. ومع عدم مشاركة ايران وتسريب النظام علنا مباشرة وغير مباشرة انه لن يذهب الى مؤتمر جنيف 2 من اجل التسليم بسلطة انتقالية تتولى الاشراف على الامن والجيش يبقى الهامش كبيرا امام روسيا للتذرع بسببين رئيسيين من اجل عدم الضغط على نحو كاف من اجل الذهاب الى مرحلة انتقالية بالمواصفات التي حددها بيان جنيف 1 او تدعمه الدول الغربية. اذ ان الامر بكل بساطة سيبنى على ان أحد أبرز الفاعلين الاقليميين في سوريا وهي ايران غير موجودة من اجل دعم الحل السياسي والمشاركة في صياغته، مما يرجح من الآن احتمالات هدنة متفاوتة المواصفات والنتائج ليس الا مع افق مفتوح على جنيف 3.

النهار

ترتيبات لسوريا… والمنطقة؟/ علي بردى

ينطلق مؤتمر جنيف الثاني من غير أن تظهر في الأفق ملامح أي تسوية سياسية يمكن أن تضع حداً للحرب السورية. إذا كان يمكن كثيرين أن يتوقعوا العبارات الرنّانة التي سيرددها الخطباء خلال الإفتتاح بعد يومين، فإن البعض يعتقد أن الأخضر الابرهيمي ليس مؤهلاً وحده لإدارة مفاوضات صعبة كهذه خلال الأيام التالية والأسابيع والأشهر المقبلة. تتعدى المسألة انهاء الحرب في سوريا. تتصل بوضع ترتيبات جديدة للنظام الإقليمي.

ينعقد هذا المؤتمر بعد زهاء ثلاث سنوات من القتال الضاري. انتظر الابرهيمي أكثر مما ينبغي – وربما من دون جدوى – أن يقدم له وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف وصفة كتبها سلفه الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان في نهاية حزيران 2012: تطبيق بيان جنيف الأول الذي ينص جوهره على انجاز اتفاق بين الحكومة والمعارضة على تشكيل هيئة حكومية انتقالية تحظى بكامل السلطات التنفيذية برضى الطرفين. في غضون ذلك، صارت أسوأ التوقعات في شأن الحرب السورية حقائق. بلغ عدد القتلى 130 ألفاً والجرحى ضعف ذلك. وصل عدد اللاجئين والنازحين الى ملايين. أضحت سوريا أرضاً خصبة تجذب الجهاديين والإرهابيين من أنحاء العالم. بدأ النزاع يمتد الى دول الجوار ويتحوّل سنيّاً – شيعياً على وقع حرب بالوكالة بين السعودية وايران.

تشدد الولايات المتحدة وروسيا وغيرهما على أن الإتفاق السياسي المتفاوض عليه لا يزال الحل الأفضل للحرب السورية. غير أن المشككين في جدوى المؤتمر يرون أن الوقت لم يحن بعد للتوصل الى تسوية بين الحكومة السورية والقوى المعارضة لها. يكرر الرئيس بشار الأسد (بما في ذلك أمس) أنه يخوض حرباً لا هوادة فيها على الجماعات التكفيرية. يريد لمؤتمر جنيف الثاني أن يركز على مكافحة الإرهاب. أما الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية فلا يرى أي دور للأسد في سوريا المستقبل. لا يبدو أن لديه أصلاً أي سلطة على المقاتلين على الأرض.

ليتدبر الابرهيمي إذاً شأن التوصل الى اتفاقات مناطقية لوقف النار وادخال المساعدات الإنسانية الى المناطق المحاصرة. هذه انجازات أيضاً إذا حصلت.

لم تتبلور بعد خريطة النفوذ بين الدول المؤثرة اقليمياً. تتفاوت حسابات الربح والخسارة بالنسبة الى السعودية على رغم المكسب الرئيسي الذي حققته حتى الآن في مصر ولا تزال تسعى الى نظير له في سوريا. هذا هو أيضاً شأن ايران التي يبدو استبعادها صعباً من أي معادلات جديدة في عدد كبير من النقاط الساخنة الأخرى، ومنها العراق واليمن. لا بد للولايات المتحدة وروسيا من رعاية حوار – ولو سراً – بين الرعاة الإقليميين للحرب السورية.

هذه بداية لا بد منها لصوغ تفاهمات دولية محتملة ليس فقط على سبل التعامل مع أسوأ أزمة انسانية في القرن الحادي والعشرين، بل أيضاً على إعادة ترتيب الشرق الأوسط على المدى البعيد. ثمة مغزى لمسعى تحييد لبنان في هذه المرحلة الحرجة والخطرة.

النهار

هل سيتخلّى بشار الأسد عن السلطة؟

رأي القدس

دشّن النظام السوري حملته الدبلوماسية السابقة لمؤتمر جنيف 2 بتصريح يوم أمس، هو الأول من نوعه في سوريا في معناه الضمنيّ وهو أن الأسد سيتخلى عن السلطة، حيث نفت ‘رئاسة الجمهورية السورية’ تصريحات نسبت لبشار الأسد في وكالة ‘انترفاكس′ الروسية ‘حول نيته عدم التخلي عن السلطة’ واعتبرتها تصريحات ‘غير دقيقة’.

قبل ذلك اجتمع الروس بحليفيهما الإيراني والسوري وأرسلوا شحنات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والطائرات، واجتمع الأمريكيون والاوروبيون وحلفاؤهما العرب بالمعارضين السوريين، وذكرت مصادر أن شحنة كبيرة من الأسلحة ذهبت أيضا الى المعارضة السورية مع وعود أخرى بالدعم المادي والتسليحي.

التطوّر الأبرز عسكرياً في سوريا كان هجوم أطراف وازنة في المعارضة السورية المسلحة على ‘الدولة الاسلامية في العراق والشام’ (داعش)، وهو أمر أضعف ورقة ‘محاربة الإرهاب’ الأثيرة لدى النظام، والتي كان يرغب في استغلال أقصى لها خلال مؤتمر ‘جنيف 2′.

انعكست التفاعلات الاقليمية لقرار محاربة (داعش) داخل سوريا بوضوح في العراق، فبعد نصائح أمريكية وأممية (بان كي مون) بدا أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قد تراجع عن استنساخ أسلوب النظام السوري في قصف الفلوجة والرمادي وتهجير سكانهما بدعوى محاربة (داعش)، وإن كانت حملته العسكرية وتصريحاته النارية ما تزال مستمرة.

وفي لبنان وافق حزب الله بعد ثمانية أشهر من الرفض على تشكيل حكومة جديدة بعد أن امتد الصراع السوري إلى لبنان تفجيرات واغتيالات متبادلة (بدل قبول دعوة حسن نصر الله خصومه اللبنانيين لمنازلته في سوريا!) وتواقت ذلك مع بدء المحكمة الدولية المخصصة لاغتيال الحريري واتهامها لقادة وعناصر للحزب بقتله.

أصبحت القضية السورية، بهذا المعنى، مركز المعركة الدائرة في العالم العربي حيث نرى منطقاً متكاملاً لما يحصل من حدود المغرب وموريتانيا حتى شواطئ البحر الأحمر والخليج العربي، وبذلك يقدّم مؤتمر جنيف 2 ملخصا للتوازنات في المنطقة بدءاً من الملف الإيراني المفتوح (والذي ترتبط فيه القضية النووية بالنزاع على المنطقة وتداخلاته في العراق وسوريا ولبنان) وصولاً الى الملف المصري وامتداداته في فلسطين والأردن وليبيا والسودان.

يحمل مؤتمر جنيف 2 إذن عنواناً رئيسياً هو الأزمة السورية لكنه، في الوقت نفسه، يختصر أزمة دولية وإقليمية محتدمة بين أجندات متعددة أطرافها الرئيسة هي امريكا واوروبا وروسيا (والصين) وايران وتركيا وقطر والسعودية (ومصر)… إضافة إلى إسرائيل القابعة خلف الكواليس.

يعاني الطرفان السوريان صعوبات في قدرتهما على تمثيل ما يريدان تمثيله.

النظام السوري منكوب بعد اجتراحه أزمة بنيوية شاملة حطّمت أسس سوريا كدولة ونظام ومعنى وطني وقومي وإنساني، اضافة الى افتقاده التكتيكي لايران، حليفه الرئيسي، التي لم تدع للمؤتمر.

كما تعرض ‘الائتلاف’ السوريّ المعارض لتآكل في شرعيته بعد انسحاب 44 من أعضائه ورفض 14 عضواً آخرين قرار الذهاب الى جنيف، وبالتالي فان قرار الذهاب الى جنيف لا يبدو مسنوداً بما يكفي ديمقراطياً ولا يمكن أن تنقذه سوى موافقة أهم القوى العسكرية الفاعلة على الأرض مثل ‘الجبهة الاسلامية’ و’جيش المجاهدين’ و’جبهة ثوار سوريا’، على هذه المشاركة، وهو أمر لم يحصل حتى الآن.

يدخل اللاعبون حلبة جنيف 2 بهذا المشهد المعقد وتبدو خطوط التسوية متشابكة وصعبة الحلّ، فاللاعبون الكبار، الأمريكيون والروس، يزعمون على حد قول كيري انهم ‘لن يفرضوا شيئا على أحد’ وأنهم ‘لا يعرفون ما هي النتيجة النهائية لمؤتمر جنيف 2′، فهل يتوقع الأمريكيون والروس أن يقوم النظام السوري الذي خاض في بحر من دماء السوريين للحفاظ على سلطة بشار الأسد أن يسمح بحكومة ‘بصلاحيات عسكرية وأمنية كاملة’ بعد حوار سياسيّ حضاريّ ليومين او ثلاثة مع وفد ‘الائتلاف’؟

من جهة، يبدو ‘جنيف 2′ بوّابة لتسوية إقليمية كبيرة قادمة، ومن جهة أخرى يبدو محطّة استراحة للقطار الدمويّ الذي ركبه النظام السوري وحلفاؤه منذ 15 آذار/مارس 2011 مقسمين فيه ‘الأسد أو نحطّم البلد’، فهل نصدّق ‘مؤسسة الرئاسة السورية’ أم نصدّق براميلها المتفجرة… ووكالة ‘انترفاكس′؟

القدس العربي

بانتظار جنيف 3/ ساطع نور الدين

 لم يعد مهماً شكل الذهاب الى مؤتمر جنيف 2، المهم الان طريقة الخروج منه، وسبل عودة الوفدين السوريين الى المعسكرين اللذين لن يكسبا من التواجد معا، للمرة الاولى، في قصر سويسري واحد، او ربما الجلوس في قاعة اجتماعات واحدة، سوى تحديد موازين القوى المتقاربة بينهما، واستكشاف فرص احداث خلل فيها.

لا بد من الاعتراف اولا بان احد المعسكرين، معسكر النظام، يذهب الى جنيف، او بالتحديد الى مدينة مونترو القريبة، بجبهة متماسكة، سياسيا وعسكريا واقتصاديا، بل وحتى اجتماعيا، وبالاعتماد على حلفاء خارجيين اقوياء يمثلون غالبية دولية ساحقة، تضم اميركا وروسيا والصين وايران واسرائيل وعددا كبيرا من الدول الاوروبية الغربية والشرقية التي تختلف مع سلوك النظام واساليبه، لكنها لا ترى له بديلا في الظرف الراهن.. ولا تعتبر ان بروز شبكات تنظيم القاعدة في سوريا عارض مؤقت، انتجه البطش الشديد، ويمكن ان يصفى من قبل الجمهور السوري باسرع من التصفية الجارية هذه الايام للاسلام السياسي في مصر وتونس.

ولا بد من الاقرار بان المعسكر الاخر، معسكر المعارضة، ما زال في طور التشكل، بل في مرحلة التأسيس، بناء على معطيات المغامرة، او بتعبير ادق المخاطرة الاولى التي بدأت قبل نحو ثلاث سنوات ودفعت جزءا من الجمهور السوري الى الخروج الى الشوارع مناديا بالاصلاح والتغيير، بوحي من الربيع العربي، بموجته التونسية والمصرية، ثم الليبية في مرحلة لاحقة، لكنه عاد خائبا من تلك الرحلة التي لم تثمر كياناً معارضاً موحداً وقوياً وموثوقاً ، ولم تؤد حتى الى حصوله على السلاح النوعي القادر على تعديل موازين القوى العسكرية على جبهات القتال.

ما زال هذا المعسكر يعتمد على غالبية شعبية حاسمة، وحالة ميليشياوية كاسحة، تزيد بمعدل الضعفين عن القوة العددية للنظام وميليشياته، وتقدر بما يزيد على 350 ألف مسلح سوري منتشرين في مختلف الانحاء السورية، عدا طبعا عن مئات المتطوعين الاسلاميين العرب والاجانب الذين ارسلتهم بلدانهم، او فتحت لهم ابواب الهجرة الى سوريا، لممارسة هواية القتل وقطع الرؤوس والتمثيل بالجثث على الطريقة الشرعية.. واقفلت في وجههم سبل العودة، بحيث لم يبق لهم سوى خيار الموت على الارض السورية.

وما زال هذا المعسكر يستند الى دعم اقلية خارجية تقتصر على دول الخليج العربي، وليبيا، ويفتقد  الدعم المصري الذي لا يمكن ان يعوضه احد من العرب، وترتاح  الى العون التركي، الذي لا يمكن ان يكون بديلا كافيا، لا سيما في ضوء الجدل الداخلي المستمر بين الاتراك، الاسلاميين والعسكر، حول افضل السبل للتعامل مع الثورة السورية.. وبالتالي حول افضل التصورات لمستقبل سوريا.. وهو جدل يربك الموقف الخليجي، ويزيد من صعوبة تحديه للتفاهم الاميركي والروسي، على ضبط المواجهة داخل حدود سوريا، واستنزاف جميع المتورطين فيها من دون استثناء.

القاسم المشترك الوحيد، او ربما بند الاجماع النادر بين جميع اطراف الازمة السورية، هو ان النظام الحالي لا مستقبل له في الشكل الحالي. والرئيس بشار الاسد لم يعد رئيساً “الى الابد”. ولعل النجاح الابرز للثورة حتى الان هو انها اسقطت التوريث الذي كان يمكن ان يستمر مع بقية اجيال العائلة.. لكن البحث عن البديل للنظام الحالي لم يبدأ بعد، والارجح انه لن يبدأ في مونترو الاربعاء المقبل، لا بين معسكري المواجهة اللذين لم يستنزفا تماما، ولا بين القوى الاقليمية والدولية التي ليس لها رغبة او مصلحة أكيدة حتى في وقف اطلاق النار.

طالما ان موازين القوى لم تتبدل، فان نقل السلطة وفق بنود جنيف 1 ليس واردا، ولن يكون مؤتمر جنيف 2 مهتماً حتى في البحث عن هدنة، هي في الجوهر خطوة اولى نحو تقسيم سوريا استنادا الى خطوط التماس المرسومة حاليا، والتي لم يستطع احد من المعسكرين اختراقها الا في مناطق محدودة..والتي لم يحن أوانها الدولي بعد.

اهم ما يمكن ان يسفر عنه المؤتمر هو ان كلا الوفدين سيعود من مونترو ليواجه من جمهوره اسئلة وردود فعل متشابهة، ستتطور الى عمليات محاسبة متفاوتة.. واستعدادات لمعارك طاحنة تؤدي الى تغيير طبيعة الوفدين الى مؤتمر جنيف 3.

المدن

سوريا: من «الكويت 2» إلى «جنيف 2/ د. عبدالله خليفة الشايجي

تبقى الأزمة السورية هي النزيف الدامي في جسد الأمة العربية والجرح الأكثر إيلاماً في وقتنا الراهن، والأكثر تغطية ومتابعة بسبب الكارثة الكبيرة التي لا حدود لحجم وأبعاد معاناتها وخسائرها وتذكرنا بها يومياً وعلى مدار الساعة وسائل التواصل الاجتماعي وشاشات التلفزيون وصولاً لعرض أشلاء وصور مؤلمة وأخرى لا تحتمل لمن يتضور جوعاً، وصرخات الأطفال «نحن جوعانين» و«بدنا ناكل». وصور أخرى لأطفال ومسنين يموتون جوعاً وسط حصار تصفه منظمات إنسانية بأنه يرقى إلى مستوى جرائم الحرب.. وكأنه كُتب على السوريين الموت إما قصفاً بالصواريخ والبراميل المتفجرة، أو بالكيماوي، أو جوعاً.. ومع تفاقم الأزمة السورية تستمر آلة الموت في ملاحقة السوريين لتقتلهم مع اللبنانيين والأردنيين والأتراك بقصف، وتفجير سيارات مفخخة في تلك الدول!

وتفرض الأزمة السورية نفسها بقوة هذا العام كاستحقاق مهم وبحاجة إلى حل عاجل يُوقف استمرار النزيف وسقوط ما يقارب 150 ألف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى و11 مليون نازح ومُهجّر في الداخل السوري، وقد تعطلت 40 في المئة من مستشفيات البلاد. وتم ترحيل نصف الشعب السوري ما بين مهجر ونازح ولاجئ! وما يزيد المشهد قتامة هو غياب أي حل سياسي أو عسكري لوقف الانزلاق السريع لسوريا في أتون حرب أهلية وطائفية ومذهبية بالوكالة وسط انقسام وتصدع داخلي أفقي وعمودي، وأدوار للاعبين إقليمين ودوليين، وتصارع وتضارب أجندات وأهداف حتى داخل جسم المعارضة نفسها التي تبدو اليوم أكثر تفككاً وتشظياً.

وفي هذا الوقت هناك أزمة إنسانية خانقة ومؤلمة هي الأكثر سوءاً في عصرنا الحالي. وقد دفعت الأمم المتحدة في منتصف ديسمبر الماضي لإطلاق أكبر دعوة للتضامن الدولي وجمع أموال لقضية إنسانية واحدة هي «الأزمة السورية». وهي الأموال الأكثر التي طلبت الأمم المتحدة رصدها للأزمات الإنسانية، حيث طلبت تخصيص 6,5 مليار دولار لإغاثة ومساعدة اللاجئين والنازحين السوريين في الداخل والخارج وخاصة في دول الجوار. ولذلك يتوقع أن تستحوذ أزمة سوريا ومعاناة شعبها على نصف مخصصات الأمم المتحدة لعام 2014 حيث ارتفع عدد اللاجئين السوريين في الخارج من نصف مليون العام الماضي إلى ما يقارب 3 ملايين اليوم. ويُتوقع بغياب حل سياسي في مؤتمر جنيف 2 الوشيك أن تزداد المعاناة وأعداد اللاجئين والمهجرين.

أما في الداخل السوري فالصورة لا تقل مأساوية بارتفاع عدد المهجرين إلى 9 ملايين نسمة. ما يعني أن حوالي نصف الشعب السوري أصبح بين لاجئ ومهجر ونازح… وهذا يجعل الأزمة السورية هي الأكثر إيلاماً وقسوة في التاريخ المعاصر… ولم يحدث في التاريخ أن يجد نصف شعب دولة واحدة نفسه مهجّراً في مدة سنوات قليلة ويصبح بذلك لاجئاً!

ولهذا كانت المبادرة والدعوة من أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد في الأسبوع الماضي لاستضافة الكويت وللعام الثاني على التوالي «المؤتمر الدولي للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سوريا» الذي انعقد بمشاركة أكثر من 70 دولة، وعشرات المنظمات الدولية والإقليمية لحشد الدعم والرأي العام العربي والدولي لإغاثة الشعب السوري، وكذلك دعم ومساندة الدول المستضيفة لملايين اللاجئين السوريين وخاصة الأردن ولبنان والعراق وتركيا. وقد أطلق سمو أمير دولة الكويت في مؤتمر المانحين الثاني نداء استغاثة قائلاً للعرب والعالم أنقذوا سوريا، مع تقديم دعم مالي سخي هو الأكبر بين الدول المشاركة بـ500 مليون دولار تضاف إلى 430 مليون دولار سابقاً منذ تفجر الأزمة السورية.

وكانت دولة الكويت استضافت مؤتمر المانحين الدولي الأول في يناير 2013 وقدمت تبرعاً بـ300 مليون دولار، كما قدمت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة تبرعاً مماثلاً بـ300 مليون دولار لكل منهما، ما ساهم في نجاح مؤتمر المانحين الأول حيث جمع المبلغ المطلوب 1,5 مليار دولار.. بينما نجح مؤتمر المانحين الثاني وبخطوة غير مسبوقة في جمع 2,4 مليار دولار معظمها من الدول الخليجية والولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا ودول أوروبية واليابان.

وهكذا تستمر دول الخليج في لعب الدور الأهم في تضميد جراح وتقديم الدعم الإنساني للشعب السوري، ما دفع بأمين عام الأمم المتحدة «بان كي مون» الذي ترأس مؤتمر المانحين الثاني لوصف أمير دولة الكويت بـ«أمير الإنسانية». وهذا اعتراف ليس للكويت فقط ولكنه اعتراف بالفزعة الخليجية التي كان لها الدور الأكبر في حشد الرأي العام، وتقديم الدعم لرفع المعاناة عن الشعب السوري.

وكان ملفتاً في كلمة أمير دولة الكويت في افتتاح مؤتمر المانحين 2 في الكويت طلبه من المجتمع الدولي تحمل «مسؤوليته التاريخية والأخلاقية والإنسانية والقانونية للوصول إلى حل يحقن دماء شعب بأكمله، ويحفظ كيان بلد لنصون فيه الأمن والسلام الدوليين». كما دعا سموه عشية انعقاد مؤتمر جنيف 2 مجلس الأمن «ولاسيما الدول دائمة العضوية فيه إلى ترك خلافاتها واختلافاتها جانباً والتركيز على وضع حل لهذه الكارثة التي طال استعارها… ليعيدوا لهذا المحفل الدولي مصداقيته وقدرته على الاضطلاع بمسؤولياته التاريخية..».

واليوم قبيل انعقاد مؤتمر جنيف 2 يستمر الجدل حول ما هو مطلوب وما هو متوقع منه.. ويتوقع أن يشارك فيه الائتلاف الوطني بعد رفضه بدايةً المشاركة. والمعضلة في جنيف 2 هي الغموض والتضارب في هدفه. فكل طرف يقرأ فيه رغباته وطموحه! حيث تقاطع الجماعات الإسلامية المتشددة هذا المؤتمر. كما أدى إلى انشقاقات واستقالات داخل الائتلاف الوطني السوري وهو أكبر فصيل معارض، حيث حثه وزير الخارجية الأميركي كيري على المشاركة في جنيف 2 ملوحاً بأنه لا مستقبل للأسد في سوريا، ولن يخدع الأسد العالم!

إن كل طرف ضالع في الأزمة السورية له وجهة نظره، ويقرأ جنيف 2 بشكل مختلف عن الآخر. فالنظام السوري يقول إنه لن يناقش مستقبل الأسد في المؤتمر. بل يروج أنه يحضر لطلب الدعم في أولويته «محاربة الإرهاب والتطرف والقاعدة ودولة العراق والشام الإسلامية- داعش»! وهو ما بات رائجاً ومشتركاً بين الأسد في سوريا والمالكي في العراق. بينما المعارضة السورية المشتتة، ومن سيمثلها في جنيف، تريد اقتلاع النظام السوري. أما الأميركيون على لسان أوباما وكيري، ومعهم بريطانيا وفرنسا، فيقدمون جنيف 2 على أنه لرسم خريطة طريق لمستقبل سوريا بدون الأسد، ولن تكون في مستقبل البلاد أي شخصية من النظام والمعارضة غير مرغوب فيها! وكذلك تضغط وتهدد أميركا مع بريطانيا بوقف تزويد المعارضة السورية بالمعدات غير المميتة إذا لم تحضر جنيف 2.

أما موسكو وطهران فتطالبان بمشاركة إيران بعضوية كاملة، وبدون فرض شروط مسبقة على نظام الأسد!

وبين كويت 2 ببعده الإنساني والأخلاقي وجمع المليارات لتخفيف المعاناة الإنسانية عن السوريين.. وجنيف 2، بخلافاته وانقساماته وتشتت أهدافه وأجنداته وتسييس الأزمة السورية وتوقع فشله، لا يبدو أن حلاً عاجلاً ينهي مأساة السوريين في الأفق، بل قد تتفاقم وتتعقد الأزمة أكثر.. ويبقى الشعب السوري الذي تحول إلى شعب نازح ومهجر ولاجئ ومشرد وجائع ومحاصر هو من يسدد الثمن على أمل ألا نرى الكويت 3 وجنيف 3 بعد عام!

الاتحاد

“جنيف2” والعصا السحرية/ عبدالله السويجي

من المفترض أن يُعقد مؤتمر “جنيف2” في سويسرا بعد غد (الأربعاء)، وسط تعليق آمال كبيرة من قبل راعيي المؤتمر، واللاعبين الرئيسيين في الأزمة السورية، وهما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، إضافة إلى لاعبين مهمين آخرين مثل إيران والسعودية وتركيا، لكن مجرد الآمال لا تكفي لحل أزمة معقدة تجاوزت الأطراف المحلية السورية المتصارعة، أي النظام والجيش السوري الحر، لتشمل أطرافاً سورية وغير سورية، عربية وغير عربية، تنضوي تحت مسميات تُطلق على عشرات التنظيمات والفصائل والألوية والكتائب والجماعات وغيرها، وما يزيد الأزمة تعقيداً خروجها عن المطالب بإصلاح النظام السوري أو أخرى تتعلق برحيل نظام الأسد، ودخولها في دائرة أوسع بكثير، فهنالك لاعبون على الأرض يطالبون بإنشاء دولة الخلافة، أو على الأقل دولة تطبق الشريعة الإسلامية وفق رؤاهم وتصوراتهم، وهنا تصطدم التوجهات والغايات والأهداف حتى وصلت إلى نشوء تصادم مصالح بين مكونات المعارضة ذاتها، أي بين “الجبهة الإسلامية” من جهة و”تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) من جهة أخرى، مع تراجع كبير للجيش السوري الحر، الذي انضوى جزء منه تحت لواء الجبهة الإسلامية، وجزء آخر لا يزال يحتفظ بمسمّاه ويتطلع إلى استلام الحكم بعد رحيل الأسد الذي يشكل هدفاً تتفق عليه أطياف المعارضة جميعها، وإن ذهبت إلى جنيف فإنها ستطرح بالتأكيد هذا المطلب الرئيسي وهو الذي أكده جون كيري، وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية بعد تداول أهداف عدة لمؤتمر “جنيف2” على ألسنة الأطراف المتوقع مشاركتها، حيث أشار في تصريحات في نهاية الأسبوع الماضي إلى أن الهدف هو إرساء عملية ضرورية لتشكيل هيئة انتقالية حاكمة تتمتع بكامل السلطات التي يتم وضعها من خلال الرضا المتبادل .

وتفهم الولايات المتحدة مصطلح “الرضا المتبادل” على أنه يعني عدم مشاركة الرئيس بشار الأسد في أي حكومة انتقالية، لأن مشاركته ستكون مرفوضة من المعارضة .

ويبدو أن الإيضاح الذي قدمه كيري جاء رداً على رسالة من الحكومة السورية تؤكد حضورها مؤتمر السلام، لكنها تقول إن الحكومة ستركز على محاربة الإرهاب، ولاسيّما أن نائب وزير الخارجية السورية فيصل المقداد، كشف عن وجود اتصالات لمسؤولي استخبارات غربية مع النظام لمواجهة التطرف والإرهاب . وقد أكدت المعارضة أن عدداً من الدول الغربية لا يزال يحافظ على اتصالات سياسية وأمنية مع النظام، علماً بأن وزير الخارجية الأمريكية نفى وجود أي معلومات لديه حول الأمر، وأوضح أنه لا يوجد لبلاده أي رعاية لمثل هذه الاتصالات، وهو تصريح ليّن وضعيف، بينما أكدت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن المخابرات البريطانية والفرنسية والإسبانية والألمانية تتحدث إلى مسؤولين في نظام الأسد منذ منتصف العام الماضي حول المتشددين وقوة تنظيم القاعدة .

وفي سياق متصل، قالت مسؤولة الشؤون الإنسانية والتعاون من أجل التنمية “كريستالينا جورجيفا” في مقابلة خاصة مع قناة “العربية”: “نحن قلقون من تدهور الوضع بشكل عام في سوريا، ولأن تعدد المجموعات المسلحة لا يساعد على إطلاق مفاوضات السلام، ونلاحظ أيضاً مؤشرات عن التعب والشعور بأن الوضع لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية” . وأشارت إلى أن الأزمة السورية لا يمكن أن تحل إلا من خلال عملية سياسية، وهذا ما يرفضه سلوك التنظيمات المتشددة التي تحاول السيطرة على أكبر قدر من الأراضي والمدن والقرى لتركيز قوتها وإنشاء ما تسميه الخلافة الإسلامية أو الدولة الإسلامية في العراق والشام .

ويؤكد جميع المحللين والمتابعين أن مؤتمر “جنيف2” لن يكون العصا السحرية في ظل الخريطة العسكرية في سوريا، وتشدّد الأطراف في مطالبها، واختلاف رؤاها الإيديولوجية، وبالتالي، فإن الأطراف التي ستحضر المؤتمر، ومن بينها الائتلاف السوري (في حالة حضوره)، الذي لا يمتلك قوى على الأرض، لن يتمكن من فرض كلمته على الفصائل المشاركة في القتال التي وصلت إلى حد التناحر .

من جهة ثانية، فإن النظام الذاهب إلى جنيف بمعنويات عالية نتيجة تشرذم المعارضة وتسيّدها من قبل المتشددين، يشعر بأنه مدعوم من القوى (المحاربة للإرهاب)، وبالتالي يشعر بأنه البديل الوحيد حالياً لقيادة مرحلة المصالحة، أو مرحلة انتقالية قد تستغرق وقتاً طويلاً، وهو الأمر الذي ترفضه الولايات المتحدة، في الظاهر على أقل تقدير .

أيام قليلة تفصلنا عن مؤتمر “جنيف2” ولا يزال الحوار يتم عبر التصريحات الإعلامية، بينما هناك حرب تدور رحاها بين (داعش) التنظيم القوي والشرس، وبين الجبهة الإسلامية، وهي معركة لم يسلط عليها الإعلام العربي والغربي الضوء بما يكفي لكشف الممارسات الدموية من قبل جميع الأطراف، فخلال فترة قليلة راح ضحية الصراع بين (الإسلاميين) أكثر من ألف مقاتل متشدّد، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، ناهيك عن عمليات الإعدام والاغتيالات والتفجيرات . والغريب في الأمر أن الجبهة الإسلامية التي تشكلت من تنظيمات وألوية عدة، يغلب عليها الطابع المتشدد، فجماعة النصرة أصبحت من ضمن الجبهة التي تطلق عليها وسائل الإعلام الآن بالمعارضة، بينما كانت قبل وقت قصير التنظيم الأكثر تشدّداً، ويمارس عمليات الإعدام والقتل والخطف في المناطق التي يحتلها ويديرها، وبالتالي فإن هناك من يخشى من عملية تبييض وجه هذا التنظيم تمهيداً لتعويمه، فهذا التنظيم يقاتل حالياً مع فصائل مسلحة علمانية، وهو قتال مؤقت، بينما كان يقوم بإعدام هؤلاء العلمانيين من دون رحمة .

إن من سيحضر مؤتمر “جنيف2” ليس الأطراف التي ستقرر مصير سوريا، إلا إذا كان من بين المشاركين من الدول هو الذي يتحكم ب(داعش)، والنصرة والألوية الإسلامية المتطرفة، ويمكنه أن يأمرها فتطيع، بينما في الواقع، ومن خلال التجارب الفعلية، فإن هذه الأطراف المتشددة غالبا ما خرجت عن ممولها وراعيها، كما حدث مع تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن، بعد انسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان، حيث وجه بن لادن بندقيته للجهات التي سلحته ومولته ومدته بالمعلومات والدعم اللوجستي الضخم، وقد تقوم (داعش) والنصرة بالفعل نفسه، لأنها تختلف في الأصل مع الجهات التي يُشاع أنها تدعمها .

“جنيف2” لن يكون العصا السحرية، ولن يتمكن من وضع حل قابل للتطبيق في غياب الأطراف الفاعلة المؤثرة على الأرض، وهي الأطراف التي يجب أن تطبق وقف إطلاق النار في حال صدوره عن “جنيف2″، تمهيداً لتشكيل حكومة انتقالية . وهذه الأطراف لن تتم دعوتها لأنها مدرجة على لوائح الإرهاب، وبالتالي، فإن “جنيف2” سيناقش تشكيل حكومة انتقالية في الظاهر، لكنه تحت الطاولة، سيناقش الحرب على الإرهاب .

الخليج

“جنيف ـ 2”.. ترتيبات الساعات الأخيرة/ د. نقولا زيدان

لعل أهم ما صدر عن لقاء الدول الإحدى عشر في باريس منذ أيام أو مؤتمر أصدقاء الشعب السوري، هو ما جاء على لسان “لوران فابيوس” وزير خارجية فرنسا ما ملخصه “أن الخيار الذي حاول بشار وضع المجتمع الدولي أمامه وهو: إما النظام الأسدي وإما الإرهاب أمر مرفوض، ذلك أن الإرهاب في سوريا هو من صنع النظام نفسه، لذا يجب التخلّص من الإثنين معاً”، هذا ما أعطى دفعاً قوياً لوفد الائتلاف الوطني السوري إذ أعقب كلام “فابيوس” تصريح أحمد الجربا رئيس الائتلاف بقوله: “لا مكان للأسد أو أحد من عائلته في مستقبل سوريا”. واللافت أن وزير خارجية أميركا لم يحاول قط التعليق على هذين التصريحين، لا بل لاحظ المراقبون أن مؤتمر باريس بالمقارنة مع مؤتمر لندن الأخير لهذه الدول نفسها جاء متقدماً عليه بكثير، في الوقت الذي عمدت فيه أبواق النظام للعودة الى المعزوفة الاستفزازية ذاتها بأن بشار يعتزم ترشيح نفسه لولاية ثالثة متظاهراً بالاستخفاف المسبق بما يرجح صدوره عن مؤتمر جنيف2 والذي أكد عليه “بان كي مون” بأن المخرج الوحيد للأزمة السورية هو الحل السياسي الذي يقضي بتشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات مشيراً في الوقت نفسه الى البيان الصادر من جنيف1 والذي يشكّل الأساس والمنطلق للمؤتمر الوشيك.

ما نفهمه بالضبط من هذه التصريحات رسالة قوية موجهة بالفم الملآن لطرفين أساسيين معنيين بالأزمة السورية: روسيا المعنية مباشرة باتفاق كيري لافروف الذي ساهم بفعالية لا يمكن تجاهلها بتجنيب الأسد ضربة عسكرية أميركية رداً على لجوئه لاستعمال السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية في آب (أغسطس) الماضي، وإيران المتورطة كلياً في النزاع المسلح الدائر في سوريا سواء كان ذلك مباشرة أو عن طريق استقدام حلفائها الميليشيويين العراقيين واللبنانيين الى أرض المعركة، وتحاول طهران احتلال مقعد لها في جنيف2 من دون اعتراضها العلني ببيان جنيف1 ما يشكل عائقاً أمام اكتمال العناصر الضرورية لانطلاق أعمال المؤتمر العتيد، في المرحلة الأولى ونجاحه كمرحلة لاحقة.

إن الإنجازات العسكرية المهمة التي حققها الجيش السوري الحر في ضرب قواعد “داعش” في شمال سوريا من حلب الى إدلب، حيث ظهرت للعيان الآثار الإجرامية التي خلّفها وراءه التنظيم البربري المدحور وهو الذراع الوحشية الأخرى للنظام الأسدي، تشكل ورقة ثمينة بيد الثورة الشعبية السورية. أضف إليها انضمام فصائل الجبهة الإسلامية لمساندة الجيش السوري الحر في محاصرة “داعش” واستئصالها. هذا ما يجعل المعارضة السورية المسلحة تدخل أروقة جنيف2 بقوة وبأس لمواجهة الوفد الأسدي الذي استمات ليظهر نفسه أمام المجتمع الدولي بمظهر المنتصر الذي استتبت له الأوضاع. هذا في الوقت الذي تراجعت فيه هجمات حزب الله وحلفاء إيران الآخرين، فهذا الشأن أمر مسلّم به وطبيعي ما دامت القيادة الإيرانية ليست منقسمة على نفسها فحسب حول أسلوب التعاطي مع مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، بل حول المفاوضات التي ستدور في جنيف2. ولعل خفوت النبرة العالية في الخطاب السياسي الذي عوّدنا عليه حزب الله هو البرهان الآخر على هذا التشقق الداخلي الإيراني. فالسؤال المطروح الآن عشية جنيف2 هو الآتي: إذا كان الحرس الثوري الإيراني يعتقد أنه بتصلّبه يصلح للقتال الى جانب النظام الأسدي، فإن هذا التصلب لا يصلح بتاتاً للمفاوضات والتعاطي مع وفود الدول داخل أروقة المؤتمر.

إلا أننا نستدرك هنا ما سجّلناه من إيجابيات لمصلحة الثورة السورية لنقرأ بموضوعية ومسؤولية المخاطر التي قد تتعرض لها الثورة داخل المؤتمر ذلك أن الإنجازات العسكرية على أرض المعركة لا تحتّم بالضرورة كسب المفاوضات. إن تاريخ البشرية يزخر بأمثلة من هذا القبيل وبالأخص على صعيد العالم الثالث.

لم ندخل بعد الى جنيف2 حتى عادت رسائل دعاية إعلام الأسد وحلفائه الى سابق أساليبها في التضليل والمراوغة والتلاعب كالتحدث عن دور ما للأسد “في المساعد على إنجاح مهمة الحكومة الإنتقالية” أو “المشاركة فيها”، وكذلك ترديد معزوفة “أطراف المعارضة المشاركة في جنيف2” (أطراف بالجمع). ويظهر الائتلاف الوطني السوري مرونة كبيرة عندما تحدث عن أن ثمة مائة شخصية سورية لم تتلوّث أيديها بدماء الشعب السوري مؤهلة وقادرة على الانضمام الى الحكومة الانتقالية في مرحلة ما بعد الأسد.

أمام تصميم المجتمع الدولي في عقد جنيف2 في موعده، يحاول النظام الأسدي لعب أوراقه الأخيرة قبل بدء اعماله بالتصريح مجدداً انه يرفض “اية شروط مسبقة” قبل انعقاده، ومن الواضح بمكان ان الشروط المسبقة تعني بالنسبة لبشار الأسد وجوب تنحيه وتقبوله مكرهاً او طوعا ببيان جنيف: الذي نص صراحة على ذلك. وفي الاطار نفسه يصرح محمد جواد ظريف وزير خارجية طهران ان الشروط المسبقة لا تساعد في نجاح المؤقر العتيد، فهل هذا يعني بالنسبة اليه ضرورة موافقة ايران على بيان مبين المسبق الذي نص على رحيل الأسد كشرط لا مناص منه لقبول انضمامها الى المؤتمر، أو محاولة ايرانية للتخلص في هذا التعهد، وذلك لطمأنة الأسد بأن النظام الايراني ما زال يعني حتى الساحة الى جانبه من جهة ومن جهة أخرى تهدئة العلاقات الداخلية مع الحرس الثوري الايراني وصقور التصلب في طهران.

لقد جاء ظريف الى لبنان كداعية تعقل ومرونة وعودة للعقل والرزانة وكلها نصائح موجهة لحزب الله عله بالامكان تشكيل حكومة في بلد بلا حكومة منذ 9 اشهر او بحكومتين اثنتين، فكيف السبيل الى تشكيل حكومة تضم وزراء من حزب ما زال متورطا في القتال في سوريا حتى الآن؟ لقد اصبح جليا وواضحا ان حزب الله وحلفاؤه يسعون ما اوتوا لنسف اتفاق التكاتف وما الدعوة الى مؤتمر تأسيسي من قبله الا من اجل تطبيق المثالثة كدستور جديد بديل عن اتفاق الطائف ومحاولة لتقليص صلاحيات رئيس الحكومة ونقلها الى مجلس النواب وبالمقابل محاولة تحرير رئيس جديد للجمهورية ويتلقى تعليماته من حزب الله. ان السيد “ظريف” يحث اللبنانيين على تشكيل حكومة الربع ساعة الأخيرة عندنا لنكون جاهزين لحضور جنيف2، فهل ستعود مرة أخرى حقيبة وزارة الخارجية الى قوى 8 آذار كما درجت العادة في الآونة الاخيرة، بل قبل كل ذلك هل سترد هذه القوى ايجابا على الأسئلة الخمسة التي وجهها تيار المستقبل الى حزب الله وشركاه؟ هذا ما سوف تشهده في غضون الأيام القليلة الباقية التي تفصلنا عن جنيف2.

المستقبل

جنيف بلا نتيجة… بإيران أو من دونها/ الياس حرفوش

لم يعد مهماً ان يعقد مؤتمر جنيف او ان لا يعقد. وسواء اخطأ بان كي مون بدعوة الايرانيين الى هذا المؤتمر ام انها كانت «زلة» مقصودة، الهدف منها تفجير المؤتمر قبل انعقاده، فإن نتيجة «جنيف 2» واضحة. انه مؤتمر بلا نتيجة.

فللّذين كانوا يأملون بقرارات ايجابية تخرج عن هذا المؤتمر، الذي يفترض مبدئياً ان يبدأ مشواره غداً من مدينة مونترو السويسرية، أصدر رئيس النظام السوري قرارات المؤتمر قبل انعقاده: اذا كنتم تذهبون الى جنيف لتشكيل هيئة حكم انتقالية بسلطات تنفيذية كاملة، فإنكم تحلمون. المهمة الوحيدة التي يجب ان يحققها هذا المؤتمر هي القضاء على الارهاب. اما انتم معارضي الخارج، فإنكم لا تمثلون شيئاً داخل سورية. ولذلك لا أستطيع ان اشارككم في السلطة. كلكم صنيعة اجهزة استخبارات وانظمة اجنبية. اما انا، الرئيس «الشرعي»، فإن مسألة التنحي عن السلطة غير مطروحة على الاطلاق بالنسبة اليّ.

هكذا اذن. الرئيس الذي ابتدع نظرية «تجفيف المستنقعات للقضاء على الجراثيم»، لا يجد في سورية اليوم، بعد ثلاث سنوات على الكارثة التي حلت في بلده، بسبب ارتكابات اجهزته والميليشيات التي تعمل عنده، سوى ارهابيين، لا بد له من القضاء عليهم، قبل ان يتمكن نظامه من تحقيق الاستقرار للسوريين.

لم يكن هناك ارهابيون في سورية في آذار (مارس) 2011. ولذلك كان لا بد من اختراعهم لتصحّ نظرية الرئيس الطبيب، الخبير في مكافحة الجراثيم. كان لا بد من تصعيد القتل ونشر المجازر في المدن، لاستدراج ردود الفعل العنيفة من بعض اجنحة المعارضة. كان لا بد ايضاً من تعزيز المناخ المذهبي من خلال تحريض الطوائف على بعضها، وابتداع نظرية «حلف الاقليات» لاستدراج كل التنظيمات التكفيرية الى سورية. وكان لا بد كذلك من فتح السجون التي تستضيف المعتقلين من خريجي التنظيمات الاسلامية المتطرفة، والذين يمثلون جيش الاحتياط الذي يحتاجه النظام، ليدعم به نظرية محاربة الارهاب. هؤلاء انفسهم الذين تم استخدامهم سابقاً في العراق، وكان يشكو منهم نوري المالكي في ذلك الحين الى الامم المتحدة، ويتهم النظام الذي يرسلهم ويمولهم بانه «نظام ارهابي». وهم ايضاً الذين اعتمدت عليهم دمشق لتفجير الوضع الامني في لبنان، من خلال تنظيم «فتح الاسلام» ونشاطه الشهير في معارك مخيم نهر البارد («الخط الاحمر») وما تلاها.

لم يعد مهماً البحث في مسألة دعوة ايران او حضورها او تغيبها عن مؤتمر جنيف. المسألة ليست هنا. المسألة تتعلق بالدور الذي يمكن ان تلعبه ايران، ومثلها موسكو، للضغط على رأس النظام السوري ليفتح الطريق امام تسوية سياسية تجنّب سورية والمنطقة المزيد من التشرذم والكوارث.

فلو كانت روسيا وايران جاهزتين للعب هذا الدور لما كنا نسمع التصريحات التي نسمعها من سيرغي لافروف ومحمد جواد ظريف، وزيري خارجية البلدين، من ضرورة استبعاد «الشروط المسبقة» عند الدعوة الى مؤتمر جنيف. ذلك ان الالتزام ببيان «جنيف 1» لا يعد «شرطاً مسبقاً»، بل هو الاساس الذي يبنى عليه المؤتمر الحالي. ومثلما جرى الضغط على «الائتلاف» المعارض للقبول بصيغة الجلوس مع ممثلي النظام، كما نصّ ذلك البيان، ووافق «الائتلاف» على رغم المعارضة الواسعة في صفوفه، كان يفترض ايضاً ان يتم الحصول من موسكو وطهران على تعهد باحترام «سلطة الحكم الانتقالي التي تتمتع بسلطات تنفيذية كاملة»، كشرط لدعوتهما الى المؤتمر. فمن دون البناء على بيان «جنيف 1» يصبح عقد المؤتمر الحالي مضيعة للوقت، وللإيحاء للسوريين بأن العالم لم يتخلّ عنهم. وأن هناك مساعي دولية تجري للعثور على حل للأزمة السورية.

لو كانت هذه النية الدولية موجودة فعلاً لكانت القوى الكبرى التي تزعم الحرص على ارواح السوريين قد تعاملت مع اعمال القمع التي يرتكبها النظام السوري ومع الغطرسة التي يبديها رئيسه في وجه العالم، بنفس الشدة التي تعاملت بها معه عندما ارتكب مجزرة السلاح الكيماوي ضد المدنيين في غوطة دمشق، والتي اسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 1500 شخص.

ولو كانت هذه النية الدولية موجودة لكانت الازمة السورية انتهت منذ زمن طويل، ولما كانت هناك حاجة لمؤتمرات لانقاذ السوريين من النظام الذي يتحكم بهم.

الحياة

عن الثورة السورية ورهاناتها وعن “جنيف 2″/ ماجد كيالي *

منذ البداية لم تشتغل المعارضة السورية في السياسة، على النحو المناسب، إذ ركّزت على هدف إسقاط النظام، وهذا على أهميته ومشروعيته، لا يعفيها من المسؤولية عن عدم رؤية التعقيدات والتحديات، وربما التدرّجات، التي تواجهها في الطريق إلى ذلك.

ومشكلة المبنى السياسي للمعارضة تشمل خطاباتها وطروحاتها، ونمط علاقاتها الداخلية، وفاعلية هيئاتها. هكذا، مثلاً، تمّت الاطاحة بهدفي الحرية والديموقراطية، وبشعار: «واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد»، مع بروز الجماعات العسكرية، التي تتغطّى بالدين، والتي طرحت رؤى مغايرة لمستقبل سورية، من دون أن يبذل «المجلس الوطني»، وبعده «الائتلاف الوطني»، أي جهد للوقوف أمام ذلك، في شكل جدي، لما له من آثار سلبية على صدقية الثورة وصورتها، وعلى إجماعات السوريين، علماً أنها رؤى تتناقض مع الوثائق التي تم التوافق عليها لدى تأسيس هذه الهيئة.

ويجدر التذكير هنا بأن بروز هذه الجماعات أثّر سلباً، أيضاً، في مجمل التيارات «الإسلامية»، وضمنها جماعة «الإخوان المسلمين»، التي كانت أصدرت «ميثاق العهد والميثاق» (آذار/مارس2012)، والذي أكدت فيه التزامها قيام دولة مدنية ديموقراطية في سورية، تساوي بين المواطنين، وتضمن الحريات لهم. والمشكلة أن هذه الجماعة، بدل أن ترشّد خطابات الجماعات الإسلامية المسلحة، بدت وكأنها تفضّل الانكفاء، أو السكوت، على رغم إدراكها أن هذه الجماعات ما كان لها أن تحظى بهذا النفوذ، في هذه الفترة القصيرة، لولا الدعم المالي والسياسي، والنفخ الإعلامي الذي تحظى به من الخارج، لا سيما أن هذه الجماعات لم تنشأ، ولم تنمُ في شكل طبيعي ونتيجة حراكات داخلية، في البيئات السياسية للجماعات الإسلامية في سورية.

في هذا السياق جرى الاعتراف بـ «جبهة النصرة»، كجزء من الثورة، على رغم أنها لا تعترف بها، وعلى رغم تصريحاتها بتبعيتها لـ «القاعدة»، ما انسحب، في ما بعد، على «داعش»، التي ذهبت بعيداً جداً من مقاصد الثورة، ومن طموحات السوريين، ومن الواقع والعصر والعالم، في إعلانها الخلافة لأبي بكر البغدادي، وإعلان دولتها في العراق والشام!

وعلى صعيد العلاقات الداخلية فقد انشغل المجلس الوطني، وبعده الائتلاف، بالنزاعات الداخلية، وغالبيتها للأسف خلافات شخصية، أو متأتّية من ارتهان الكثير من الكتل والشخصيات المنضوية في الائتلاف إلى جهات عربية ودولية مختلفة، بحيث باتت الهيئة السياسية القيادية في الثورة، بمثابة «ساحة» أخرى للتجاذبات الدولية والعربية حول مستقبل سورية. والمعضلة هنا أن الهيئة الناخبة للمجلس، او للائتلاف، لا تضم احزاباً بمعنى الكلمة، وأنها ذاتها تفتقد معنى التمثيل السياسي أو الشعبي، وأن أياً منها لم يتحوّل، أو يتشكّل، كحزب، وذلك على رغم مرور ثلاثة اعوام على الثورة.

الآن، وبناء على عدم الحسم في مشروعها السياسي، وتالياً لذلك غياب القوى الحزبية، يبدو مفهوماً قصور العمل السياسي في إطار المجتمع، لا سيما في المناطق «المحررة»، لجهة ادارة أحواله، وتأمين حاجاته، وتنظيم صموده، إن في مواجهة عنف النظام، أو لوضع حد للفوضى وانهيار شبكة الأمان، ناهيك عن خلق نموذج لواقع افضل في تلك المناطق. المشكلة أن التجربة كانت على عكس ذلك، فالجماعات العسكرية أنشأت هيئاتها «الشرعية»، بقوة السلاح، وقيّدت لجان الإدارة المحلية، أو حاربتها، بل إنها قيّدت الحريات الشخصية والسياسية والإعلامية في مناطقها. وقد شهدنا حالات اعتداء على نشطاء، ضمنها اختطاف رزان زيتونة وسميرة الخليل وناظم حمادي ووائل حمادة، ما خلق حالاً من القلق والتذمّر من هذه الممارسات بين السوريين، اضافة الى المعاناة والعذابات التي يتكبدونها جراء حصار النظام لمناطقهم، وتعمده قصفها بين وقت وآخر.

في غضون ذلك، لا يبدو أن قوى الثورة، السياسية والعسكرية، أدركت الأخطار التي باتت تحيق بها، وأولها، خذلان المجتمع الدولي لقضية السوريين، ليس لجهة التدخّل العسكري، أو فرض مناطق آمنة، وإنما حتى لجهة فتح ممرّات لإغاثة المناطق المحاصرة، وإيجاد نوع من الحظر الجوي، الذي يحول دون قيام النظام بقصفها. وقد كان واضحاً، من البداية، أن الأطراف الدولية والإقليمية والعربية الفاعلة غير معنيّة بحسم الأمر في سورية، بقدر ما هي معنية بخلق واقع من الاضطراب، يطغى على وضع الثورة فيها، بحيث لا يسمح للنظام بالاستمرار، ولا يسمح للثورة بالانتصار، لأسباب عدة، ضمنها التخوّف من تداعياتها على محيطها، والحسابات المتعلقة بإسرائيل، واعتبارها جزءاً من المجال الحيوي للنفوذ الإيراني والروسي. وبين هذا وذاك، بات اللعب الخارجي في سورية أكبر من دور أطرافها الداخلية، مع استنزاف وإنهاك النظام والثورة والشعب، الأمر الذي جعل مصير البلد رهناً بتوافقات الفاعلين الخارجيين.

أيضاً، لم تبد قوى الثورة الحساسية اللازمة لغياب مجتمع السوريين، وخروجهم من معادلات الصراع ضد النظام، لا سيما منذ تحققت غلبة البعد العسكري للثورة على بعدها السياسي، في صيف 2012، مع السيطرة على أجزاء من حلب وشمالي سورية، وأجزاء من غوطة دمشق وجنوبها. فمنذ تلك الفترة قام النظام بتوجيه ضربات قاسية لمدن السوريين، دمرت أجزاء كبيرة من عمرانهم، وأودت بحياة عشرات الألوف منهم. وقد نجم عن ذلك ترك الملايين لمناطقهم وبيوتهم وتشردهم في مدن أخرى، وفي لبنان والأردن وتركيا ومصر، من دون مورد أو عمل. هكذا تعرّضت الثورة لضربة خطيرة بتعمّد النظام رفع كلفتها، إلى هذا الحد غير المسبوق، لكن في المقابل، فإن الثورة لم تبد إدراكاً مناسباً لارتدادات ذلك عليها، وعلى مستقبل البلد، ولم تدرس تبعات اختفاء الشعب من معادلات الصراع، ولم تحاول انتهاج استراتيجية مغايرة للرد على هذا التحدي.

ويبقى، في إطار مراجعتنا للقصور السياسي للثورة، ملاحظة غلبة البعد العسكري على البعد السياسي فيها، وهو نقاش لا علاقة له بمشروعية العمل المسلح، أو جدواه، من عدم ذلك، بمقدار ما يتعلق بمناقشة هذه الظاهرة في حيّز التجربة والممارسة السوريتين. ومشكلة المعارضة المسلحة أنها رفعت وتائر الصراع، ليس بناء على تطور الحالة الكفاحية في مجتمعها، وأنها خاضته، أيضاً، ليس بناء على امكانياتها أو امكانيات شعبها، بقدر ما فعل هذا وذاك بناء على سياسات الآخرين، ووعود الدعم منهم، ويأتي في ذلك تبنّي خطة أخذ مناطق كاملة والسيطرة عليها، وهي فكرة لا يعرف أحد كيف تم تقريرها، أو كيف تم فرضها، لا سيما انها في الممارسة، وبعد عام ونصف العام، لم تكسر النظام أو تضعفه، مع أنها أوجعته. وبالعكس إذ تبيّن أن هذه المنهجية في العمل العسكري سهّلت على النظام استنزاف طاقة الثورة، وبرّرت له توجيه ضربات وحشية للمناطق الحاضنة لبيئاتها الشعبية، والتي نجم عنها، كما ذكرنا، تشريد ملايين السوريين.

ثمة نتائج اخرى لغلبة البعد العسكري، منها زيادة ارتهان الثورة للداعمين الخارجيين، على تباين سياساتهم وتوظيفاتهم، وتهميش البعد الشعبي للثورة، وطمس السياسة من مشهد الصراع الجاري. وفي المحصلة فقد تبينت هشاشة العمل العسكري، وعدم استناده الى مرتكزات صلبة، في جوانب عدة منها جمود الصراع بين النظام والثورة، منذ تموز (يوليو) 2012، وتالياً، عدم قدرة الفصائل العسكرية على فك الحصار عن المناطق التي تسيطر عليها، كما في داريا والمعضمية والغوطة واليرموك في دمشق. لكن الأخطر من هذين الامرين تمثّل بقيام تنظيم «داعش»، الذي لم يظهر إلا منذ اشهر عدة، بقضم كثير من المناطق «المحررة»، من الرقة إلى حلب، على حساب الجماعات العسكرية الأخرى.

على ذلك، فإن الثورة التي تشتغل في الوضع السوري المعقد، والخريطة المفتوحة على كل التدخلات، معنيّة بمراجعة طريقها، إذ ثبت أن مختلف الرهانات ليست في محلها، لا طلب نوع من التدخّل الخارجي، ولا التعويل على الصراع المسلح وحده. لذا، فإن هذه الثورة، كي تستمر وتنتصر، معنية بمراجعة طريقها وأشكال عملها وترشيد خطاباتها، بحيث تستعيد روحها كثورة من أجل الحرية والكرامة والمساواة والديموقراطية، وبحيث تتمكن من قلب الواقع الذي فرضه النظام.

هكذا، لا معنى للتخبّط في التعاطي مع مؤتمر «جنيف 2»، فهذا بمثابة تحصيل حاصل ونتيجة للقصور السياسي، والخروج عن مقاصد الثورة، والارتهان الى البعد العسكري، على رغم هشاشته ومشكلاته وارتهاناته. طبعاً لا معنى لهذا النقاش لو أن سقوط النظام قاب قوسين أو أدنى، لكن طالما ان التعويل على ذلك بالقوة الذاتية وحدها غير ممكن، فهذا يتطلب اقله ملاقاة الجهد الدولي في منتصف الطريق، باعتبار ذلك جزءاً من الصراع السياسي، لا سيما أن المشاركة تتأسس على تشكيل هيئة انتقالية، للحكم في سورية. القصد أن الذهاب إلى جنيف لن يضر بالمعارضة، التي ليس لديها ما تخسره، بقدر ما انه سيضرّ بالنظام الذي بات يدرك ان قصة «سورية الأسد الى الأبد»، انتهت إلى الأبد.

طبعاً لن تنتج حلول سحرية من جنيف، لكن الذهاب جزء من الصراع السياسي، وهو قد يؤسّس لشرعية جديدة في سورية. وهذا الذهاب قد يكون بمثابة فرصة لقلب الواقع الحالي، لجهة كسب المجتمع الدولي الى جانب مطالب مثل وقف القصف والقتل ورفع الحصار، وفتح ممرات انسانية، والإفراج عن المعتقلين وعودة السوريين الى بيوتهم آمنين. لذا، فإن أقل ما يمكن قوله للمعارضة السورية: اذهبوا الى جنيف ودعوا النظام يرفض. اذهبوا وضعوا شروطكم على الطاولة. اذهبوا الى جنيف واستمروا في ثورتكم.

* كاتب فلسطيني

الحياة

مأزق النظام والمعارضة في “جنيف 2″/ ماجد كيالي

تنعقد المفاوضات، عادة، لسبب بسيط مفاده عدم قدرة طرف ما على حسم الأمر لمصلحته، إن بإزاحة الطرف الأخر، أو بفرض إملاءاته عليه، بوسائل الحرب أو الصراع المسلح. وفي الحالة السورية، مثلاً، ما كان يمكن طرفي الصراع، أي النظام والمعارضة، أن يقبلا بالذهاب إلى جنيف لو كان أي منهما يعتقد أن الأحوال تسير لمصلحته، في المدى المنظور، وبالاعتماد على قواه الخاصّة.

لكن التوجه إلى المفاوضات لا يعني أن الطرفين المتصارعين باتا جاهزين للتسوية، أو أن كل واحد منهما بات مقتنعاً بالتسليم للآخر، على العكس فثمة مايرجّح أننا سنكون إزاء مفاوضات طويلة ومضنية ومعقّدة، بذات القدر الذي شاهدنا عليه الوضع السوري، طوال السنوات الثلاث الماضية، بالأخص مع معرفتنا بأن الطرفين المعنيّين لم يقبلا خيار التفاوض عن طواعية، بقدر ما رضخا له تحت ضغط الفاعلين الدوليين.

وتفيد التجارب بأن التسويات، التي تنبثق عن المفاوضات، تنبثق من محددات عدة، أولها، موازين القوى في اللحظة المعيّنة. وثانيها، قدرات كل طرف وامكاناته، الكامنة او المستنفدة. وثالثها، المعطيات المحيطة ومداخلات الفاعلين الدوليين والإقليميين. ورابعها، قوة إرادة كل طرف، وضمن ذلك، أيضاً، مهارات التفاوض لدى كل منهما.

مع ذلك فإن الحقيقة الأساسية، التي ينبغي الانتباه إليها، تفيد بأن مستقبل سوريا بات رهن إرادات الفاعلين الخارجيين، على الأرجح، أكثر مما هو رهن مفاوضات الطرفين المتصارعينً؛ وهو ما أكدته المداولات والوقائع الحاصلة إبان التحضير للمؤتمر.

هذا يبيّن ثقل المهمة التي تقع على عاتق المعارضة، فهذه أول اختباراتها السياسية، مع وجود نقطة تحسب لمصلحتها سلفاً، وهي الانطلاق من مبدأ إنشاء “هيئة انتقالية” كاملة الصلاحيات، وهذا ما ينبغي التشبّث به. أما النظام الذي يبدو أكثر تماسكاً فهو، بدعم من روسيا، سيراوغ، بعدم أهلية المعارضة، وانقساماتها، وعدم وضوح مشروعها، كما بادعاء التركيز على محاربة الإرهاب.

بديهي أن النظام سيشتري الوقت، وسيحاول التملص من استحقاق الهيئة الانتقالية، مع مواصلته القصف والحصار، لذا ربما الأجدى للمعارضة، في غضون ذلك، الاشتغال على خطين متوازيين، أي الحض على تشكيل الهيئة الانتقالية، لإحداث التغيير السياسي في سوريا، وتحدي النظام، بوضعه في دائرة الاختبار، إزاء المجتمع الدولي، بالمطالبة بوقف القصف الجوي والمدفعي، ورفع الحصار، وفتح ممرات انسانية للإغاثة، والإفراج عن المعتقلين، وتمكين المشردين من العودة إلى بيوتهم.

إن الإصرار على هذه المطالب ليس مسألة ثانوية، وإنما هو على درجة عالية من الأهمية لتغيير الواقع السائد، الذي فرضه النظام، في العامين الماضيين، والذي كان من أخطر نتائجه إخراج المجتمع من معادلات الصراع، بعد تدميره للبيئات الحاضنة للثورة، وتشريد ملايين السوريين.

النهار

يد «جنيف 2» لا تصفق بلا إيران/ علي هاشم

كان لا بد من جنازة لـ«جنيف 2»، يقول أحد المتابعين للشأن السوري في طهران، التي رسمت كي تصل بمشروع التسوية السياسية في سوريا إلى القبر المناسب قبل أن تدب في بقية الجسد الحياة.

لا ترى طهران في ما وقع عجباً، فهي اعتادت ألا تثق إلا بقدراتها، وهي تدرك أنها منذ البداية لو سلمت في كثير من المسائل، لما كانت اليوم في حال كحالها.

ولعل هذا الذي دفعها وسوريا وروسيا إلى وضع خريطة طريق منفصلة عن «جنيف 2»، تهدف إلى تسخير الوضع الميداني، وما أمكن من خطوط ارتباط مع المعارضة المسلحة في الميدان، لعقد تفاهمات نقطوية تمهد في مرحلة لاحقة لما هو أهم وأعم، لاسيما وأن الوضع الميداني للنظام السوري وحلفائه يزداد قوة يوماً بعد يوم في مناطق لم يكن يحلم قبل أشهر قليلة في أن يكون له فيها موطئ قدم.

الحقيقة أن طهران على قناعة ثابتة أن «جنيف 2» هو في صالح المعارضة بشكل كبير، فالمستحيل ميدانياً ستحصل عليه على طاولة المفاوضات، بل وما لا تملكه حقيقة على الأرض سيسمح لها بالتفاوض عليه، أملاً من الرعاة بتحقيق إنجاز حقيقي يمكن أن يسخر لاحقاً في السياسة، وأن يستعيض عن التراجعات الميدانية بتقدم على الجبهة السياسية، بالإمكان تقديمه كنصر سياسي يؤمن للدول الداعمة للمعارضة مخرجاً سهلاً من الأزمة السورية، ويمكن أن يبنى على مقتضاه الكثير.

لكن ما تراه طهران يبدو غير مرئي لدى المعارضة ومن يدعمها، فهؤلاء رفضوا حضور إيران لقناعتهم أن الجمهورية الإسلامية حاضرة بقوة على الأرض السورية، وأن الجلوس مع الإيرانيين على طاولة مفاوضات واحدة هو كمقارعة الحاوي أو الساحر بلعبته التي لا يجيد غيرها، بل إن مجالسة طهران تبدو أصعب على المعارضة من مجالسة النظام، وهو ما يعكس برأي الإيرانيين مدى التزام المعارضة بالتوجيهات السعودية التي ترفض أي دور إيراني في أي حل، إن كان ممكناً، كي تمنع على جارة الخليج والخصم الفارسي المتجدد فرصة المشاركة في رسم حدود اللعبة الجديدة وتثبيت قواعد الاشتباك التي ستحكم المنطقة لسنوات مقبلة.

لكن طهران تقرأ في هذا الذي تفترضه ضيق أفق، إذ أن الوقائع الميدانية تشير إلى تقدم المحور الذي تقوده في المنطقة على حساب المحور الآخر بقيادة العربية السعودية، بل إن مقبوليتها الدولية ونظرة الغرب لدورها أكثر إيجابية من تلك التي لدى الطرف الآخر، لاسيما مع الصور اليومية للمجازر وعمليات قطع الرؤوس والتقاتل في المعسكر الواحد، ومحاولات فرض إسلام جديد دموي مكان الإسلام المعتدل الرحيم، وهذا ما يجد رفضاً له حتى داخل البيت الواحد.

مجدداً تقف طهران عند محطة مؤتمر «جنيف 2» الذي ترى أنه يحتاجها أكثر مما تحتاجه، وأن وجودها فيه عنصر قوة له لا يزيد إلى قوتها الكثير. بل هي ترى أن المؤتمر من غيرها كرقصة التانغو من دون شريك، وكالتصفيق بيد واحدة، وفي الحالتين لا التانغو ترقص فرادى ولا اليد الواحدة على التصفيق قادرة.

السفير

الأكراد: لا لـ«لوزان» جديد/ محمد نور الدين

لعل من أبرز المفارقات في «جنيف 2»، إذا ما عقد غداً، هي غياب ممثلين فعليين عن الأكراد السوريين. القوى التي تقف وراء المعارضة السورية دفعت لاحتكار «الإئتلاف الوطني السوري» لقوى المعارضة، وهو تمثيل يخدم قوى ودول مثل السعودية وقطر وتركيا، فيما غابت عن التمثيل قوى معارضة الداخل، ولاسيما «هيئة التنسيق الوطنية»، بالإضافة إلى القوى الكردية التي تمسك بالأرض في المناطق الكردية التي يطلقون عليها اسم «روجافا»، وهي بالتحديد «حزب الاتحاد الديموقراطي» الذي يرأسه صالح مسلم محمد، ويشكل الفرع السوري لـ«حزب العمال الكردستاني».

والحزب لا يحتكر التمثيل الكردي في روجافا، إذ أنه جزء من «المجلس الوطني الكردي السوري»، الذي يشرف على تلك المنطقة. لكن الحزب أيضاً، هو الفصيل الرئيسي، كما كانت حركة فتح عمود المنظمات الفلسطينية.

«حزب الاتحاد الديموقراطي» هو الخزان الرئيسي للمقاومة المسلحة هناك، وبذل الدم لحماية تلك المناطق ضد أكثر من طرف، ولاسيما ضد «جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، وقد قدم صالح مسلم ابنه شروان شهيداً للقضية الكردية.

القوى الأخرى في «المجلس الوطني الكردي» لم توجه إليها الدعوة لحضور «جنيف 2»، ولكن سيذهب منها عضوان تحت مظلة «الائتلاف». أما «حزب الاتحاد الديموقراطي السوري»، فلن يتمثل أيضاً في المؤتمر، لأنه لم يتلق أي دعوة وهو لا يقبل أن يتمثل تحت مظلة «الائتلاف». وبذلك، يغيب التمثيل الكردي عملياً عن المؤتمر الذي يفترض أن يرسم خريطة طريق لحل الأزمة السورية سلمياً أو عسكرياً.

صحيفة «راديكال» نقلت أمس، أن من أسباب عدم تمثيل الأكراد بـ«حزب الاتحاد الديموقراطي» أو بتمثيل مستقل، كان اشتراط السفير الأميركي السابق في سوريا روبرت فورد على صالح مسلم ألا يتطرق إلى القضية الكردية وإلا لن يدعى، وقد رفض مسلم الشرط، فلم توجه إليه الدعوة.

وأضافت «أما الروس، فقد دعوا صالح مسلم إلى عدم طرح القضية الكردية الآن على أن تبحث لاحقا. ولم يعترض الروس على الشرط الأميركي لأنهم أيضاً يريدون إقامة توازن وإبقاء العلاقة مع كل المكونات الكردية في سوريا والمنطقة».

لكن ما ذكرته «راديكال» لا يلغي أيضاً، عاملاً آخر في هذا الموضوع، وهو أن جهتين ضغطتا لعدم دعوة صالح مسلم إلى «جنيف 2»، وهما تركيا، ورئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، لعداوتهما للتيار الأوجلاني.

وتركيا بدورها تضيف سبباً آخر، وهو عدم حضور المكون الكردي في سوريا من أجل ألا ينتهي «جنيف 2» إلى إعطاء الواقع الكردي في سوريا أي وضع قانوني على سبيل الحكم الذاتي، تلافياً لتأثيراته على الداخل التركي.

ويدرك الأكراد جيداً حجم العداوات للملف الكردي في سوريا. وهذه الضغوط عليهم دفعت إلى قيام تظاهرات في تركيا نفسها لعدم تكرار سابقة «مؤتمر لوزان» في العام 1923 حول تركيا، والذي انتهى إلى طمس القضية الكردية في تركيا وعدم إيجاد حل لها حتى الآن. والخوف أن يكون «جنيف 2» عبارة عن «لوزان» جديد، لكن في ما خص أكراد سوريا، فيذهبون ضحية لعبة الأمم ومصالحها.

وهنا قد تلعب عوامل متعددة لدفع الأكراد إلى خيارات قد يكون من بينها إعادة التواصل مع النظام في سوريا. ومع أنه ليس من ميل إلى ذلك حتى الآن، لكن تصريح صلاح الدين ديميرطاش، رئيس «حزب السلام والديموقراطية» الكردي في تركيا من أنه إذا كان النظام السوري مستعداً لمنح الأكراد حكماً ذاتياً، فهم مستعدون للجلوس معه، يعكس مناخاً معيناً هو الذي تريده روسيا، والذي قد يكون تهديداً للمعارضة والغرب، كي لا تهمل القضية الكردية في جنيف.

السفير

سيف الجربا… ودروب الضياع في جنيف/ خليل حرب

بإمكان أحمد الجربا أن يكرر غدا التلويح بالسيف لإسقاط النظام، وغالب الظن أن الوزير وليد المعلم سينظر اليه ببرودته الديبلوماسية المعهودة، وقد يرد بكلام ساخر.

إن خلاصة المشهد الذي سنراه غداً في مونترو السويسرية، أن كل الدول المشاركة ستكون أنظارها شاخصة نحو الوفد السوري ومراقبة سلوكه وأقواله. ليس للجربا ومن معه من شخصيات جرى جلبها الى مؤتمر «جنيف 2»، أكثر من المقاعد الرمزية التي سيحتلونها. حضور هؤلاء شكلي، حتمته ظروف إخراج هذا المؤتمر الدولي، اذا انعقد.

تفتقر المعارضة الحاضرة في قاعة القصر السويسري الى الثقل السياسي الذي يخوّلها ادعاء التحدث باسم السوريين. هم أنفسهم يعرفون ذلك، ويعرف كل الحاضرين هذه الحقيقة. تفتقر شخصيات المعارضة أيضا الى الوزن الذي يتيح لها القول مثلا: غدا سنعلن هدنة هنا أو هناك. «الجيش الحر» انفرط مجموعات متناثرة هنا وهناك، وصار أكثر تشرذماً مما كان عليه في «جنيف الأول».

هذه بعض حقائق المؤتمر الذي يُراد له أن يكون بداية طريق للحل السوري. لكن أي حل؟!

يعرف السوري كما الأميركي والروسي والأوروبي، أن حضور الجربا وجماعة «الائتلاف» ضرورة لصورة المؤتمر لا أكثر. ويعرفون ايضا أن كلمة المعارضة ستكون للاستهلاك الإعلامي، ولو رفع الجربا سيفه أو لوّح بغصن زيتون كما فعل قبل أيام في اسطنبول، في قاعة المؤتمر، فلن يندهش هؤلاء من حركات استعراضية كهذه. وحده المعلم سينظر بسخرية، ومعه نظيره سيرغي لافروف. جون كيري سيكتم ضحكته. سيصفق بعض هؤلاء لـ«الائتلاف»، لا لما سيدّعيه من قوة أو نفوذ، بل لما سيقول من كلام يصلح لتعزيز رهانات المفاوضين الحقيقيين، الجالسين في القاعات الجانبية الصغيرة.

ستتلقى شخصيات «الائتلاف» التعليمات في تلك القاعات الجانبية أو ربما عبر قصاصات ورقية تمرر هنا وهناك خلسة. وسيظن مفاوضو معارضة الشتات أن ذلك طبيعي وأنه من أصول التفاوض ومهاراته التي تنسجم مع التعبير عن الإرادة الحرة للسوريين وسيادة بلادهم التي ساهموا هناك، بعيداً عن سويسرا، في استباحتها.

سيأتي وزراء الخارجية من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسعودية وتركيا وقطر وغيرها، وسيغادرون بعد افتتاح المؤتمر، تاركين أوراق اللعب والإرشادات بأيدي شخصيات مثل الأميركي روبرت فورد والبريطاني جون ويليكس والفرنسي ايريك شوفالييه، الى جانب مجموعة من ضباط الاستخبارات الغربية والعربية والتركية. سيدخل الجربا ومجموعته كثيراً ويدخلون الى هذه القاعات. جل وقتهم سيكون مأخوذاً بتلقي التعليمات ونقلها الى قاعة التفاوض.

لكنهم لا يملكون أجوبة شافية عن السؤال البديهي المفترض أن يحتل اهتمام مؤتمر كهذا: أي سوريا يريدون؟ وكيف؟

لا يمتلك الجربا وجماعته سوى الجملة السحرية التي تعلقوا بها منذ «جنيف 1» في حزيران 2012: «تشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات كاملة»، وفسرها مموّلوهم كيفما شاؤوا. أما كيف سينتزعون ذلك فليس مهماً. هناك على جبهة المدينة السويسرية من ينوب عنهم في الضغط والمساومة والتفاوض. وهناك على جبهات المعارك في سوريا نفسها، من ينوب عنهم في مشروع القتال، ولو كانوا على خلاف الطلاق النهائي معهم، من «جهاديين» و«تكفيريين».

لماذا اذاً نتكبد عناء الحضور الى جنيف، وهناك من ينوب عنا في كل شيء، ولا نملك مشروعاً لسوريا وأهلها أفضل من حال «الائتلاف» وشكله في تشتته وتشرذمه وانقسامه وقبوله بالخضوع لمن يقاتل بالإنابة عنا أو يموّلنا. لدينا بدل «سوريا الكبرى»، دويلات شيوخ فتاوى التكفير. ولدينا بدل الجيش العربي السوري، ميليشيات أمراء الذبح الطائفي. ولدينا بدل سوريا الصناعة والزراعة، مراكز «داعش» وغيرها لتقاسم الغنائم. ولدينا بدل ثقافة سوريا وحضارتها، المكاتب الدعوية لتطبيق الشريعة وفق مفاهيم ما قبل الجاهلية، وقطع رؤوس تماثيل الشعراء!؟

الكل حاضر في «جنيف 2». حتى إيران المبعدة قسراً، حاضرة بقوة الآن وفي أي تسوية مأمولة. أما «ائتلاف» المعارضة السورية، فهو الغائب الوحيد عن مؤتمر جنيف بعدما غيّب نفسه بنفسه … وأتقن دروب الضياع.

السفير

جنيف: حل الأطراف المنهكة/ سليمان تقي الدين

بذل الأميركيون والروس جهوداً حثيثة لكي يحضر فرقاء النزاع في سوريا مؤتمر جنيف 2. بل هم اشتغلوا على ترتيب أوضاع المعارضات ميدانياً وسياسياً. يصرون على حصول التفاوض كمدخل إلى الحل السياسي على أساس مبادئ جنيف 1، أي التفاهم الأميركي الروسي. يرتكز جنيف واحد على ثلاثة مبادئ معلنة: الحفاظ على وحدة كيان سوريا واستقلالها، الحفاظ على الدولة جيشاً ومؤسسات، حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات تشرف على تنفيذ الحل السياسي النهائي. في المبدأين الأولين لا مشكلات مهمة. ليس هناك من طرف يعلن رغبته في “دولة اتحادية” كما حصل في العراق، لا الكرد ولا أي من المكوّنات الأخرى. يدور الخلاف على سلطة المرحلة الانتقالية والحكومة وصلاحياتها إزاء النظام الرئاسي القائم والقبضة الاستثنائية على السلطات والمؤسسات جميعاً. يقول النظام إن الرئيس السوري يقود أو يشرف على العملية الانتقالية، وتشترط المعارضة أن يؤدي التفاوض إلى شكل من أشكال استبعاده عن هذا الدور.

يقترح النظام هيئة تأسيسية تقرّ دستوراً ثم حكومة، أو القبول بالصلاحيات الحالية للحكومة والمشاركة فيها. هذه بالطبع مناورات من الطرفين. إن مجرد القبول بمبدأ التفاوض تحت رعاية دولية وإقليمية هو استعداد لإيجاد مخارج غير دستورية شكلية أمام حجم الكارثة السورية التي أطاحت كل معايير الدولة الدستورية والسيادة والاستقلال. المخرج الفعلي المتاح والسليم هو التفاوض على طبيعة النظام المقبل شراكة بين أطراف النزاع وتشكيل حكومة تحدّد فيها التوازنات وتتولى السلطة على المؤسسات العسكرية والأمنية بضمانة المرجعيات الدولية والإقليمية. يحتاج الطرفان طبعاً إلى بعض المخارج المعنوية لكنه لا يجوز الوقوف عندها في السعي إلى تسوية تاريخية ليست مقتصرة على أطراف الداخل. فرصة جنيف لا يصح أن تضيع أو يجري التفريط بعامل الزمن حيالها عبر “المماحكات” غير المجدية.

أصبح واضحاً أفق الحل السوري النهائي في الإطار الذي رسمته القوى الخارجية الفاعلة وكذلك خريطة التوازنات الداخلية ليس فقط العسكرية التي هي طارئة وثانوية، بل الاتجاهات السياسية وما صار ظاهراً من مكوّنات الشعب السوري بعد إغفاله طويلاً. في بلد كسوريا الحل هو في النظام الجمهوري البرلماني الذي يحفظ التعددية وفصل السلطات والتوازن بينها، والدولة المدنية التي كانت سوريا مؤهلة لها منذ مملكة فيصل والدستور الذي أعلنه. وهي ضرورة أكثر مع تداعيات الحرب الأهلية وهواجس الجماعات المختلفة والمتعددة جداً. لقد أظهرت الأزمة السورية هيمنة للحركات الإسلامية على الحركات المدنية التي بدأت بالانتفاضة. لكن المجتمع السوري ليس موالياً لهذه الحركات ولا منساقاً وراء ثقافتها. كان العنف مصدراً أساسياً لكل الظواهر غير المدنية، كما المداخلات الخارجية التي عززت الاتجاهات التكفيرية والتطرف والطائفية، وحملت الفوضى معها كل السفالات والحقارات البشرية.

يعكس جنيف 2 عمق التفاهم الأميركي الروسي وحاجته إلى إطفاء الأزمات، كما يعكس حاجة القوى الإقليمية إلى مخرج من حالة الاستنزاف التي لم تعد مجدية وقد طال أمدها وتهدّد بمضاعفات على الدول المجاورة. لن تتوقف هذه الدول عن محاولات الاستثمار السياسي في الأزمة السورية ولن تتخلى عن أوراقها وحلفائها لكنها جادة في التفاوض وفي إيجاد التسويات التي تحفظ العناصر المهمة من مصالحها في الحل السياسي بعد تراجع عوامل القوة العسكرية. هذه القوة العسكرية تقريباً استنفدت إمكاناتها على إحداث تحوّل جذري أو نوعي وهي عاجزة أصلاً عن إعادة بناء الدولة السورية على أساس القوة أو النظام الأمني أو من حول نواة عصبية واحدة أو طائفة أو جماعة. قد تطول جولات العنف في سوريا لكن المستقبل بدأ يرتسم في خفض منسوب الدفع الخارجي عبر الحدود وفي جدية التفاهم الأميركي الروسي وتأكيده مبادئ جنيف واحد وفي انكفاء الموقف التصعيدي الذي طبع الدول الإقليمية المتدخلة كلها. ومن دلائل ذلك تركيا وإيران والمملكة السعودية والعراق ولبنان. كل هذه الأطراف تقوم بعملية تراجع منظّم بعدما دفع الشعب السوري هذا الثمن الباهظ لمصلحة كل هذا الخارج.

السفير

من السذاجة أن لا يتشدد الأسد؟/ فاتح عبدالسلام

جميع دول العالم المعنية بالأزمة السورية تقر محاربة جبهة النصرة ودولة الإسلام في العراق والشام وتعدهما تنظيمين إرهابيين يقاتلان في سوريا، وهي النتيجة التي يسعد بها النظام السوري ويعدها قسم من المعارضة وإن لم تصرح بذلك محاولة لإنقاص قوتها النارية والقتالية. لكن ذلك القسم من المعارضة مخطيء في ذلك، حيث إن بنادق داعش والنصرة في تصادم دموي الآن، والمشكلة ليست في الدول التي تعادي الثورة السورية ورايات الإسلام المرفوعة وإنما المشكلة في تنظيمين كل منهما يحتكر تفسير بند الجهاد لنفسه حصرياً.

ميدانياً تكفلت الجبهة الإسلامية المدعومة من السعودية بمقاتلة هذين التنظيمين أينما استطاعوا الى ذلك سبيلاً وهم يفعلون ذلك لمصالحهم المستقبلية لكن الأسد يسعد بهذه النتيجة في الوقت الحاضر، حيث تنشغل قواته باستعادة مناطق أخرى.

وقد باشرت المنابر في المساجد بالسعودية وكلها موجهة من الحكومة بمهاجمة الذين يعملون على التغرير بالشباب للقتال في سوريا، وهي الدولة التي يصفها الرئيس السوري بشار الأسد بمنبع الفكر الوهابي الذي يهدد العالم كله. وهذه نتيجة يستخلصها السعوديون لصالح الأسد بعلم منهم أو بدونه، لافرق.

الأمم المتحدة تتبنى دعوة إيران الى مؤتمر جنيف الثاني ضاربة عرض الحائط رأي الائتلاف المعارض ، وهي النتيجة التي انتظرها الأسد طويلاً ليصب جنيف الثاني في صالح نظامه، وهي فرصة ذهبية لتعزيز موقفه دولياً.

العالم يدين المقاتلين الوافدين في سياق عناوين داعش والنصرة، ولا يأتي على ذكر مقاتلين يشتركون بارتكاب الفظائع كسواهم ويعملون تحت عناوين مليشيات قادمة من خارج سوريا، وذات تمويل ودعم من إيران هي لواء أبي الفضل العباس وكتائب عصائب أهل الحق وحزب الله بشقيه اللبناني والعراقي وكتائب سيد الشهداء.

كل ذلك يصب في صالح الأسد ، فلِمَ يريدون من الأسد أن يتراخى والعالم يعمل لصالحه؟. لعلها فرصة الأسد الوحيدة للتشدد الآن في جنيف الثاني أو سواه، ومن ثم سحب تنازلاته الشكلية القليلة التي بذلها سابقاً، بعد أن نجح في إدارة الصراع على جبهة حلفاء ثابتة في حين إن أعداءه مجموعة من منتظري ردود الأفعال ليتحركوا بعدها ببطء وسذاجة أحياناً.

الزمان

لماذا يفسد الإيرانيون «جنيف»؟/ عبد الرحمن الراشد

الهدف كان منع مؤتمر جنيف الثاني من الانعقاد بأي وسيلة ممكنة، وبالتالي منع مشروع بديل لبشار الأسد، وإبقاء المعارضة السورية محاصرة في إسطنبول خارج الحدود.

ولهذا الغرض تآمر الروس والإيرانيون ونظام الأسد لإفساد المؤتمر بخطوات مختلفة. فالروس مارسوا ضغطا كبيرا للسماح لإيران بوفد يشارك في المؤتمر، وبالتالي تغيير معادلة الحضور لدعم الوفد السوري. أيضا، الروس سعوا منذ البداية إلى مؤتمر بشروط مسبقة، وتحديدا رفض مقررات مؤتمر جنيف الماضي الذي تبنى مشروع نظام يجمع بين المعارضة وبعض من نظام الأسد، مع إبعاد الأسد نفسه عن الحكم. وأراد الروس مسح المقررات السابقة لأنها تتضمن صراحة دعوة لسحب القوات الأجنبية المقاتلة على الأرض السورية، والمعني بها هنا الحرس الثوري الإيراني وعصائب الحق العراقية، وميليشيات حزب الله اللبنانية. والجميع متفقون على إبعاد الجماعات الجهادية الأجنبية مثل «داعش».

بالنسبة لإيران، وكذلك الأسد، الأفضل أن لا يعقد مؤتمر جنيف، أو أن يجري تخريبه من الداخل.

ما حدث من فوضى أمس، شارك فيها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الذي غرر به الإيرانيون قائلين إنهم قبلوا بمقررات «جنيف» الأول، وبناء عليه وجه إليهم الدعوة التي سببت صدمة للدول والمعارضة السورية. كل الدول المعنية تعرف أن النظام الإيراني، وكذلك السوري، لا يعتد بتصريحاته ولا بوعوده الشفهية. الآن تطالب الدول إيران بأن ترسل قبولها بمقررات مؤتمر جنيف الأول وتوصياته، حتى تصبح دولة مؤهلة لحضور المؤتمر الثاني.

كانت أماني النظام السوري وحلفائه أن يمتنع الائتلاف عن الحضور إلى جنيف، نتيجة الاختلافات ببن أعضائه، وسعى الروس إلى فرض مجاميع تدعي أنها معارضة لنظام الأسد، وهي في الحقيقة معارضة من اختراعه، لكن محاولاتهم باءت بالفشل ولم يعد ممثلا للشعب السوري سوى المعارضة، وبالطبع وفد نظام الأسد الذي ميز نفسه بنجومه الكبار من الوزير وليد المعلم ونائبه فيصل مقداد، وسفيره لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري.

الفوضى التي ضربت بأطنابها مؤتمر جنيف قبل انعقاده لم تكن مصادفة، بل نتيجة محاولات إفشال متعمدة لمنعه من الانعقاد، وبالتالي دفن ما جرى الاتفاق عليه في المؤتمر بإبعاد الأسد، وجرى ربطه بالفصل السابع لمجلس الأمن. والخيار الثاني أن ينعقد بلا وفد المعارضة ومن دون أي التزام من جانب الثلاثي السوري الإيراني والروسي.

ومن دون الاتفاق على اعتماد قرارات «جنيف» الأول يكون «جنيف» الثاني مقبرة لمشروع الانتقال في سوريا، وبالتالي إدامة النظام واستمرار الصراع والدم والمأساة.

الشرق الأوسط

هل ولد مؤتمر “جنيف 2” حول السلام في سوريا ميتا؟

واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN) — تعهد وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، لدى توليه المنصب في فبراير/شباط العام الماضي بتغيير معادلة “التفاضل والتكامل” في التعامل مع الرئيس السوري، بشار الأسد.

لكنه، منذ قراره مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، جلب طرفي النزاع المتناحرين إلى طاولة الحوار في جنيف، في خطوة يعتقد أنها سترسخ الدعم الدولي للمعارضة السورية، بشقيها السياسي والعسكري -وهو ما يفسح المجال أمام الزعيم السوري للتفاوض حول خروجه من السلطة- اتخذت السياسة الأمريكية تأثيرا معاكسا.

وبالفعل تغيرت حسابات التفاضل والتكامل بالنسبة إلى الأسد، فالمعارضة السياسة على وشك الانهيار، والجانب العسكري منها يقاتل تنامي المليشيات الإسلامية المتشددة، في حين يعتبر نظام دمشق مركزا لتطبيق اتفاقية نزع الترسانة الكيماوية، وها هو يتوجه الآن إلى جنيف معتقدا أنه أكثر قوى، وقواته تواصل قتل المئات أسبوعيا بالبراميل المتفجرة، فما من سبب يدعو الأسد للاعتقاد بأنه لن يفلت من هذه الأزمة.

والسبت، صوت الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية لصالح “جنيف 2″ وسط انقسام مرير حول المشاركة في المؤتمر المخصص لإيجاد حل للأزمة السورية، ويزعم بعض أعضاء المعارضة أن أمريكا تجرهم نحو الفشل مع رفضها تقديم موارد كافية لـ”لجيش السوري الحر” من شأنها تغيير موازين القوى على واقع الأرض.

وقال أوبي شاهبندر، مستشار للمعارضة السورية، إنه: وضع المعارضة يحول دون أي عملية سياسية ناجحة ما لم تزيد الولايات المتحدة من دعمها، ففي الوقت الراهن، يظن النظام أنه يحقق الانتصار إذ نجح في تفادي ضربات عسكرية وعقوبات غربية وعواقب جرائم حرب مستمرة.. هذه هي المكونات التي تجعل من الخروج بأي نتائج ناجحة من جنيف غير مرجحة.”

وقام السفير الأمريكي لدى سوريا، روبرت فورد، ولأشهر بجولات مكوكية إلى تركيا للالتقاء بأعضاء المجلس الوطني السوري، حيث قام وعدد من المسؤولين الأمريكيين، واستعدادا لـ”جنيف 2″، بحض المعارضة على تقديم خطة انتقالية يلعب فيها المجلس دورا بارزا في حكومة ما بعد الأسد، قد تضم بعض أعضاء الحكومة السورية الراهنة.. لكن حاليا، تحول الأمر إلى مجرد توسل للمجموعة للمشاركة في المؤتمر.

تظل الإدارة الأمريكية على موقفها المطالب بضرورة تنحي الأسد، لكن الأخير يتحدث الآن عن إعادة الترشح في انتخابات يرجح الكثيرون أنها ستزوّر، أما المعارضة التي أصبغ عليها المجتمع الدولي صفة الشرعية، فتبدو في موقف الضعيف.

وقال سلمان شيخ، مدير مركز بروكينز الدوحة: المعارضة السورية في كبسولة فضاء تتجه لجنيف وتتفكك في الجو وهذا قد يعتبر واحدا من أكبر إخفاقات الغرب.”

افتقار العزيمة لاستخدام القوة ضد الأسد أو تسليح المعارضة، بجانب فشل مجلس الأمن الدولي في إتخاذ موقف موحد حتى حيال الأزمة الإنسانية المتنامية، يترك واشنطن أمام القليل من الخيارات منها مؤتمر “جنيف 2” الذي يعتقد قلة، منهم وزير الخارجية الأمريكية، بأنه أكثر من مجرد بحث في “صندوق” الدبلوماسية وإيجاد نوع من التجاوب للأزمة السورية، عوضا عن التحمس لإيجاد حل سياسي لها.

أضف إلى ذلك، فأنه ما اتفاق بعد على محددات مباحثات جنيف، فالولايات المتحدة والأمم المتحدة بالإضافة إلى الدول العربية والغربية تعمل على أن يكون منبرا للتفاوض حول تشكيل حكومة انتقالية في سوريا، وعلى الجانب الآخر يقف النظام السوري، وروسيا وإيران، التي لن تشارك رسميا في المحادثات، إلا أن شبح الآلاف من مقاتليها الداعمين للأسد سيخيم على أجواء جنيف – يطالبون بأن يكون منصبّا على محاربة الإرهاب وتنامي نفوذ المليشيات المتشددة و إعادة تأهيل نظام الأسد.

انتشال سورية من بين الأنقاض بعد غارة جوية على حلب

ومع تنامي نفوذ مليشيات القاعدة وبسط سيطرتها على المزيد من الأراضي السورية، تبقى فرص الأسد الأقوى.

ورغم الضغوط التي مارستها لإقناع المعارضة بالمشاركة في “جنيف 2″ لكن توقعات واشنطن بنتائجه تظل دون التوقعات، فقد أقر بعض المسؤولين الأمريكيين بأن جلب الخصمين المتنازعين تحت سقف واحد يعتبر نجاحا في حد ذاته، وقال أحدهم: مفهومنا الأولي بشأن المؤتمر إنه بإمكاننا المساعدة في تشكيل حكومية انتقالية.. لكننا استوعبنا الآن، وبعد 8 أشهر، أن تحقيق تقدم سياسي هو الأكثر تحديا.”

وينظر إلى أول مباحثات مباشرة بين طرفي النزاع السوري كإنجاز في حد ذاته لإعادة تحريك التفاوض حول نقل السلطة، ويعتبرها وزيرا الخارجية الأمريكي والروسي بانها فرصة لبناء الثقة بين الجانبين، ويتضمن ذلك احتمال التوصل لهدنة وإيصال المساعدات الإنسانية وتبادل السجناء بين الجانبين.

ومع تراجع احتمال إحراز تقدم في شق مناقشة تشكيل حكومة انتقالية، لن يبقى أمام المؤتمر سوى التركيز على الأزمة الإنسانية في سياق المناقشات حول المستقبل السياسي في سوريا.

وشرح مسؤول أمريكي بارز قائلا “للوضع الإنساني جانب كبير الأهمية.. الأزمة الإنسانية هائلة ومن الملائم التركيز عليها”.. مازالت لدينا الرغبة برؤية حكومة انتقالية، ولم نيأس من ذلك بعد، لكننا أيضا نفكر ماهي أهدافنا الأخرى .”

ومع قناعة واشنطن بأن “جنيف 2” لن يشكل نقطة تحول في الأزمة السورية، إلا أنها تأمل في أن يكون منطلقا لتلك العملية، إلا أن هناك تخوفا من جانب البعض في المعارضة السورية من عملية مفتوحة لا نهاية لها تفشل في وقف دوامة العنف والمعاناة. وأضاف شاهبندر: “لن يحدث شيئا بين ليلة وضحايا ولكن كذلك لن تستمر إلى ما لا نهاية.. النظام سيواصل المماطلة في العملية فيما يستمر في قصف المدن وزيادة رقعة حملة التجويع.”

ويبقى عامل مهم  في مساعي إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وهي ضرورة توسيع قاعدة المشاركين في العملية لتشمل المزيد من السوريين المؤثرين على واقع الأرض.

النكتة المروعة/ عبدالله إسكندر

تؤشر الملابسات التي رافقت توجيه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون دعوة لإيران لحضور مؤتمر «جنيف 2» لإقرار الحل السياسي للصراع في سورية، قبل ان يضطر الى سحبها، الى حجم المشكلات والعراقيل التي على المؤتمرين ان يتخطوها قبل ان يتصدوا لمعالجة قضايا الحل التي يقف النظام السوري وداعموه والمعارضة وداعموها على طرفي نقيض.

إيران موجودة مباشرة، باعترافها، على الارض في سورية. كما تعترف القوى اللبنانية والعراقية المرتبطة بإيران، بشكل علني، بأنها تقاتل الى جانب النظام في سورية. وهذا ما يفرض تنسيقاً سياسياً ايضاً، بما يجعل ايران جزءاً من المنظومة الدفاعية العسكرية والسياسية للنظام السوري. وما دامت غرفة العمليات الموحدة الايرانية – السورية واحدة، لن يتأثر سير مؤتمر «جنيف 2» سواء حضره مسؤولون إيرانيون في وفد مستقل، الى جانب المجتمعين الآخرين الذين دعاهم بان، أو سحبت هذه الدعوة. ففاعلية إيران في الأزمة السورية تكمن في مكان آخر، ولن تتأثر بحضورها المؤتمر او بعدمه.

لكن رغبة طهران بحضور «جنيف 2» مسألة تتعلق بموقعها وحجمها وليس بالأزمة السورية. لذلك تمسكت في ان تجلس مع القوى الدولية والاقليمية الى طاولة واحدة من أجل تسجيل حضورها وأهميتها عندما يتعلق الامر بمعالجة قضية اقليمية ملتهبة. فإيران تريد الذهاب الى جنيف لاسباب ايرانية وليس سورية.

ويكشف اسلوب طهران لاستدراج دعوتها الى المؤتمر، من الامين العام للامم المتحدة، المدى التي يمكن ان تذهب اليه في مناوراتها التي تلامس الاحتيال، مستغلة الحماسة الساذجة لبان كي مون لإنجاح المؤتمر. لقد استدرج وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف بان، خلال اتصال هاتفي، الى ان يوجه اليه الدعوة عبر ابلاغه بالموافقة على أسس الدعوة الى «جنيف 2»، وعلى اصدار بيان علني بذلك. وعندما وصلت الدعوة تنصل الوزير من تعهده، بما يطرح اسئلة كثيرة في شأن الوثوق باية مواقف او اتفاقات لاحقة مع إيران.

وفيما تتوافق طهران مع موسكو على السعي الى تحويل المؤتمر من آلية لنقل السلطة الى هيئة حكم ذات صلاحيات رئاسية تشرف على تأسيس نظام جديد، الى مؤتمر لـ «مكافحة الارهاب»، تكون تعمل على توظيف الجهد الدولي الذي ينطوي عليه المؤتمر من أجل دعم استراتيجية النظام الذي يدّعي ان كل حربه على مواطنيه هي من أجل «مكافحة الارهاب».

واضح ان الديبلوماسية الروسية، على لسان الوزير لافروف الذي عقد اجتماعاً تنسيقياً قبل أيام في موسكو مع نظيريه الايراني ظريف والسوري وليد المعلم، ستعمل على نسف أسس «جنيف 2» بما هو آلية لانتقال السلطة وإنهاء نظام الاسد، عبر اولوية «مكافحة الارهاب». وما لم تعلنه طهران وموسكو بشكل صريح قاله الأسد في مقابلته مع وكالة «الصحافة الفرنسية». قال الرئيس السوري: «الشيء البديهي الذي نتحدث عنه بشكل مستمر هو أن يخرج مؤتمر جنيف بنتائج واضحة تتعلق بمكافحة الإرهاب في سورية. هذا هو القرار الأهم أو النتيجة الأهم التي يمكن لمؤتمر جنيف أن يخرج بها»، معتبراً ان «أي نتيجة سياسية تخرج من دون مكافحة الإرهاب ليست لها أي قيمة».

الوجه الآخر لعملة «مكافحة الارهاب»، ما قاله الأسد عن «الائتلاف» المعارض الذي من المفترض ان يكون جزءاً من الهيئة الانتقالية. لقد قال: «لنفترض بأننا وافقنا على مشاركة هؤلاء (الائتلاف) في الحكومة، هل يجرؤون على المجيء إلى سورية؟… فكيف يمكن أن يكونوا وزراء في الحكومة؟ هذه الطروحات غير واقعية على الإطلاق، نستطيع أن نتحدث عنها بصيغة النكتة أو المزاح».

هكذا اذن، التوصل الى حل مع المعارضة يصبح نكتة ومزاحاً بالنسبة الى النظام السوري. فالمطلوب اذن عقد مؤتمر في جنيف من أجل تأكيد الإعتراف بالنظام السوري ومساعدته على الاستمرار في معركته ضد مواطنيه على النحو الذي نشهده منذ ثلاث سنوات. هل هناك نكتة مروعة أكثر وأشد سوداوية؟

الحياة

مستقبل سوريا في متاهة جنيف

 ‘قبل ايام من انعقاد مؤتمر جنيف الثاني ليس واضحا بعد للمستضيفين كم كرسي ينبغي لهم ان يعدوا ولمن. فهل سيأخذ الائتلاف الوطني السوري ذاك الجسم المعقد الذي يضم تحت جناحيه معظم فصائل المعارضة السياسية، بالتحذيرات الامريكية ويحترم مندوبوه حضور المؤتمر؟ وهل ايران ستدعى وفي اي ظروف؟ وبالاساس على ماذا بالضبط ستجري المفاوضات؟

‘الجلبة الدبلوماسية التي تسبق انعقاد المؤتمر تثير نوعا من الصخب والتقديرات التي تتغير كل يوم بل وكل ساعة. كل مقابلة صحفية يمنحها زعيم، مندوب معارض او دبلوماسي مطمور، تجر وراءها سلسلة تفسيرات جديدة تسرق الاوراق، على فرض ان ثمة اوراقا كهذه.

فاللقاءات التي اجراها وزير الخارجية السوري وليد المعلم مع نظيره الروسي سيرجيه لافروف واللقاء مع بوتين هي من عداد هذه الحالات. وكان وزير الخارجية الايراني محمد ظريف عرض في موسكو مذهبه وشروطه لانضمام ايران.

‘وتنتظر الولايات المتحدة الان ما ستطلعها عليه روسيا قبل ان تتمكن من ان تبشر المعارضة واصدقائها بكيفية تصرفها. عندها فقط سيكون ممكنا على الاقل التخمين كم غرفة فندقية سيتعين على المضيفين ان يحجزوا.

‘محدثة الصدمات الرئيسة في الارجوحة السورية هي بالذات الولايات المتحدة التي من الصعب ادراك وتيرة الانعطافات السياسية التي عرضتها في السنوات الثلاثة الماضية. في البداية ايدت رحيل بشار الاسد كشرط لكل حل سياسي. بل انها اوشكت على مهاجمة سوريا بسبب استخدام السلاح الكيميائي. ووحدها نجدة روسيا وايران اللتين استخدمتا ضغوطا هائلة على الاسد، منعت حربا جديدة في الشرق الاوسط. ولم تنتهي بعد قضية نزع السلاح الكيميائي وفجأة اكتشفت الولايات المتحدة بان الخطر في سوريا ليس الاسد بل منظمات الارهاب الاسلامية المتفرعة عن القاعدة. تقرير ‘وول ستريت جورنال’ هذا الاسبوع عن لقاءات اجراها رجال الاستخبارات الامريكيين مع كبار مسؤولي نظام الاسد يعزز فقط تقارير سابقة نشرها رجال المعارضة عن التغيير الذي طرأ على السياسة الامريكية في صالح الاسد.

‘في الخطاب الدبلوماسي نشأ الان تعبير جديد قديم، ‘الحرب ضد الارهاب’ الذي يعني تفضيل التصدي للمنظمات المتطرفة على الكفاح ضد النظام.

وهذا تعبير يهدد ايضا المعارضة السورية وذلك لانه اذا ما اصرت سوريا وايران بشدة على أن يتكرس مؤتمر جنيف للبحث في الحرب ضد الارهاب فان مسألة نقل الحكم ورحيل الاسد من شأنها ان تدحر الى الزاوية. كما أن هذا هو أحد الاسباب التي تجعل المعارضة تتردد في المشاركة في المؤتمر. فقد كان مندوبوها مستعدين لصيغة يقال فيها ‘الحرب ضد العنف’ والتي تلقي بالذنب ايضا على النظام السوري، وليس فقط ‘الحرب ضد الارهاب’ والتي تتضمن حسب تفسير الاسد الميليشيات غير الاسلامية ايضا. ولكن هذا المطلب للمعارضة رفض حاليا.

‘وفي مسألة اشراك ايران ايضا لا تزال واشنطن لم تقل الكلمة الاخيرة. ولكن من موقف قاطع كان يقول ان ايران لا يمكنها أن تشارك في المؤتمر لانها طرف في النزاع، انتقلت وزارة الخارجية الامريكية الى الحديث عن شروط مشاركة طهران، أولها هو الطلب ان تعترف ايران بالقرارات التي اتخذت في مؤتمر جنيف الاول في حزيران 2012.

الشرط المركزي الذي تقرر في ذاك المؤتمر هو نقل الحكم من الاسد، ولكن على تفسيره تنقسم روسيا والولايات المتحدة. ويبدو أن واشنطن، التي تفحص الان ايران عبر الاتفاق المرحلي في مسألة النووي، كفيلة بان تتراجع عن هذا الشرط ايضا. واضح لكل الاطراف المعنية، باستثناء المعارضة السورية بان اشراك ايران حيوي من أجل فرض تنازلات سياسية على الاسد. غير أن ايران ترفض حاليا، وعن حق من ناحيتها، كل شرط مسبق لمشاركتها، بما في ذلك الاقتراح في أن تحظى بتمثيل في المؤتمر الفرعي للاجتماع. وذلك لانه اذا ما شاركت ايران فسيكون هذا حسب شروطها، واذا لم تشارك فيمكنها أن تعرقل من الخارج الاتفاق الذي سيتحقق اذا ما تحقق. وهكذا فان ايران ستكسب في كل الاحوال.

ايران وروسيا ليستا ذاتي المصلحة الوحيدتين في هذه العقدة الدبلوماسية. فللسعودية، قطر وتركيا ايضا مصلحة كبيرة في الشكل الذي سيرسم فيه مؤتمر جنيف الثاني مستقبل سوريا. السعودية التي تدعم ماليا وعسكريا بعض الميليشيات المسلحة تتطلع لان تضمن رحيل الاسد عن دمشق. قطر هي الاخرى لها موالون خاصون بها في سوريا.

ولكن بينما تسعى قطر الى ان تضمن ان يكون للمنظمات الاسلامية، ولا سيما للاخوان المسلمين في سوريا نصيب محترم في الحكم المستقبلي، فان السعودية تمقت حركة الاخوان (في مصر او في سوريا) وتسعى الى الدفع الى الامام لحركات دينية معتدلة الى جانب حركات علمانية. اضافة الى ذلك فانها تسعى الى تعطيل نفوذ ايران في سوريا وفي لبنان.

ومع ان ‘أصدقاء سوريا’ الذين اجتمعوا هذا الاسبوع في الكويت، تعهدوا بتبرع اكثر من 2.4 مليار دولار لاعادة بناء سوريا الا ان هذه التعهدات، التي حسب التقديرات بالكاد ستغطي 5 في المئة من المبالغ اللازمة لهذا الغرض، مشروطة بهوية الحكم التالي.

‘تقضم تركيا هي الاخرى أظافرها بعصبية متزايدة. فالدولة التي قادت الحملة الدولية ضد الاسد بل وطالبت بمهاجمة جيشه، من شأنها أن تجد نفسها في موقف غبي إثر عدم قراءته على نحو جيد الخريطة السياسية في الوقت المناسب، فقدت علاقاتها مع مصر والان ستفقد ايضا فرصة لموقع في سوريا اذا ما بقي الاسد.

صحيح أن الاسد تحدث في الاسابيع الاخيرة بشكل ‘يدعو’ فيه تركيا الى أنت تستأنف معه العلاقات، الا ان اردوغان سيجد صعوبة جمة في ان يحول بحركة حادة سياسته ويشرح تذبذبه. الامر صحيح على نحو خاص في ضوء حقيقة أن اردوغان يعيش احدى ساعاته الاصعب في السياسة، حيث في الخلفية قضية فساد تعرض حكمه للخطر.

الاسد هو الاخر ليس معفيا من الترددات. فالتعبير الذي يكثر من استخدامه وزير اعلامه، عمران الزعبي هو ‘ارادة الشعب’. ويتناول هذا التعبير مسألة الترشيح المحتمل للرئيس في الانتخابات القادمة. ارادة الشعب هي ارادة الاسد ومسألة الانتخابات تضع امامه معضلة صعبة. فالولايات المتحدة ستطلب الا يتنافس الاسد في الانتخابات للرئاسة وانه في نهاية الفترة الانتقالية (التي عليها ايضا ينبغي الاتفاق) سيختفي عن المشهد السياسي. الاسد، ايران وروسيا يرفضون هذا الشرط الذي تتمسك به اجزاء من المعارضة السورية. آخرون سيطالبون الا يرحل الاسد فورا.

ولكن الى جانب الاسد يقف تفسير قانوني يعتمد على الدستور السوري المعدل الذي صيغ بعد بداية الثورة. فالدستور يقضي بان يواصل الرئيس اداء مهامه حتى موعد الانتخابات التالية، حتى لو مر موعد الانتخابات الدستوري.

وبالمقابل، ذات الدستور يقيد الرئيس بولايتين فقط، وهاتان ستنتهيان في شهر تموز القريب القادم. معضلة الاسد اي البندين يتمسك به: اذا ما اختار أن يكون في كامل الفترة الانتقالية التي قد تستمر لسنة، سنتين أو أكثر فانه’ لا يمكنه دستوريا ان يتنافس على الانتخابات. أما اذا قرر التنافس مرة اخرى في تموز فيتعين عليه ان يدخل تعديلا على الدستور، الامر الطفيف من ناحيته، مما سيضمن له ولاية اخرى على الاقل.

وهكذا يتبين فجأة للمعارضة السياسية والعسكرية للاسد بانها ليست بعد المسؤولة عن المسار السياسي الداخلي والخارجي. وان الاسلاميين والقاعدة بالذات هم الذين سيملون النتائج.

تهديد القاعدة بعدم المشاركة في المؤتمر لنزع الشرعية عنه يبدو في هذه اللحظة هو الوسيلة الوحيدة المتبقية لها كي تحاول تحقيق انجاز سياسي ما. غير أن هذا التهديد يبدو بائسا وتعيسا في ضوء تصميم القوى العظمى على منع تحول سوريا الى دولة لمنظمات الارهاب.

تسفي برئيل

هآرتس 21/1/2014

جنيف 2: برنامجان وفخاخ كثيرة/ موناليزا فريحة

ينعقد جنيف 2 اليوم ببرنامجين وهدفين وفخاخ كثيرة. كلّ من وفد المعارضة والنظام يتأبط أجندته الخاصة. يتطلع كلاهما الى إلغاء الآخر. واشنطن وموسكو المصرتان على عقد جنيف 2 مختلفتان ضمناً على تفسير بيان جنيف 1. حرب الواسطة بين السعودية وايران في سوريا، في ذروتها.

تذهب المعارضة، أو من بقي منها، الى جنيف، سعيا الى تطبيق مقررات جنيف 1. تطمح الى هيئة لنقل السلطة من الرئاسة الى الحكومة المقبلة. ضمانتها تصريحات “أصدقاء الشعب السوري” بأن لا مكان لبشار الاسد في السلطة الانتقالية.

وفي المقابل، يذهب وفد النظام الى حشد تأييد لـ”معركته ضد الارهاب”. لا نقل الصلاحيات في برنامجه ولا الحديث عن مستقبل الاسد ضمن التفويض الممنوح له. هدفه احراج المعارضة باقتراح لوقف النار ليست قادرة على التزامه، وربما عرض السماح بايصال مساعدات انسانية الى مناطق محاصرة،بشروطه واشرافه.

في ظروف كهذه، تبدو الشروط الدنيا لنجاح اي مؤتمر سياسي معدومة. وفي وضعه الراهن يبدو جنيف 2 “حديث طرشان” لا مؤتمر سلام. حتى الدعوة الرسمية الى المؤتمر لا تتضمن مهلة واضحة لانهاء المحادثات أو لاقامة الادارة الانتقالية التي يتطلع اليها الغرب، هذا اذا وافق الاسد أصلا على ترك السلطة. وعندما يتباهى الاميركيون بأن مفاوضات السلام حول فيتنام استمرت سنوات، تزداد التساؤلات عن هدف هذا المؤتمر.

على رغم الصعوبات، ليست أسباب الحماسة المفرطة للاميركيين لعقد المؤتمر في هذا الوقت واضحة. هل هم حقا مقتنعون بأن الدفع في اتجاه تأليف هيئة انتقالية سيشجع الانشقاقات في صفوف معسكر الاسد؟. كلام وزارة الخارجية الاميركية عن رسائل تردها من مناصرين للنظام متحمسين لحل سلمي،ليس كافياً ليبنى عليه.

مضى وقت طويل مذ كان الرهان على انشقاقات في معسكر الاسد قادرة على حسم الازمة. لم يعد سلام سوريا في أيدي السوريين ولا في أيدي فريقي النزاع الداخليين. بات واضحا أن سلام سوريا لن يبدأ الا خارج حدودها. صارت تسوية الأزمة تفترض تسويات اكبر: تسويات بين الوكلاء الدوليين والاقليميين لهذه الحرب، لم تنضج بعد.

على شراسة الحرب بالواسطة المحتدمة في سوريا، ثمة اقتناع متزايد لدى الوسطاء الرئيسيين بالحاجة الى حل تفاوضي للأزمة. أثبت الاتفاق الكيميائي بين واشنطن وموسكو أن الحلول لم تستنفد بعد، ولكن هل يمكن المصالح المشتركة بين القوتين العظميين والتي استولدت الاتفاق الكيميائي أن تنسحب على تسوية تفاوضية أكثر تعقيدا لانهاء الحرب الدائرة في سوريا؟. وهل تمهد المفاوضات على تسوية شاملة للملف النووي الايراني لانفراجات في علاقات طهران مع دول الخليج؟.في انتظار الاجوبة، لن يكون جنيف 2 في احسن تقدير الاّ تمهيداً لمؤتمرات أخرى آتية.

النهار

جنيف 2 .. لغة تفاوض أم مواقف والتزامات/ مطلق سعود المطيري

تجتمع اليوم الاربعاء اكثر من 30 دولة في منتجع مونترو السويسري للمشاركة في مؤتمر جنيف 2 لحل الأزمة السورية، فبعد تجاذبات حادة بين انصار طرفي الازمة، والتي كان آخرها دعوة الامين العام للامم المتحدة ايران للمشاركة في المؤتمر ومن ثم سحب الدعوة، فدعوة ايران للحضور ومن ثم منعها مكسب للطرفين، فالتحالف الوطني يرى ان المنع جاء نتيجة تمسكه بموقفه الرافض لحضور الوفد الايراني، وفريق النظام سوف يعتبر حضوره للمؤتمر مع سحب الدعوة من أهم حليف له دليلا واضحا على نواياه الصادقه للوصول لحل سلمي للأزمة السورية.. فإن رأى المفاوض باسم التحالف الوطني أن ذلك مكسب يحسب لصالحه أي عدم حضور ايران، فقد يخسر نقاطا حيوية في التفاوض، فعليه ان يبتعد عن هذا المكسب ويعطيه من يستحقه وهو الامين العام للامم المتحدة فهو الذي قدم الدعوة لايران عندما كان يرى انها جزءا من الحل، وذلك على اعتبار ان طهران تقبل باستحقاقات جنيف 1، وعندما تبين له ان ايران تريد الحضور بدون شروط مسبقه سحب الدعوة..

العقبة العنيفة التي ستواجه وفد التحالف الوطني هي الموقف الروسي الذي سوف ينقل التفاوض الى أرض مكافحة الارهاب، فروسيا ترى ان ما يحدث في سورية هو حرب بين الارهاب والنظام، فإن نجحت في ذلك سيكون المؤتمر دعما للنظام وشرعيته في محاربة الارهاب، وهنا على التحالف ان يقدم نفسه على طاولة المفاوضات بأنه حضر المؤتمر باسم الشعب السوري وليس باسم الارهاب، وانه لن يأتي لجنيف باسم الجماعات الارهابية، ويذكر المفاوض الروسي بأن الامدادات العسكرية للنظام التي زادت قبل جنيف 2 منذ ديسمبر حسب رويترز « تسلم نظام الاسد من روسيا شحنات من الاسلحة والامدادات العسكرية بما فيها طائرات بدون طيار « كل هذا السلاح لم يقض على الارهاب ولكنه قضى على أمن وحياة المواطنين العزل، فالادانة لا توجه لامدادات السلاح ولكنها توجه لتبرير استخدام النظام للسلاح « الحرب على الارهاب» .

فروسيا في المؤتمر سوف تتمسك بعنوان مشاركتها وهو مكافحة الارهاب وسوف تعطل جميع المبادرات التي تهدف الى الوصول الى حل نهائي ولا نقول توافقي لان شروط التوافق غير موجودة اطلاقا عند الطرفين، وعلى هذا ستسحب موسكو عدم التوافق الى مراحل تفاوضية لاحقة وتطلب ما سبق واعلنه وزير خارجيتها سيرغي لافروف : « لن تنتهي عملية التسوية السلمية في مؤتمر جنيف 2 بل سيكون بداية جولات لاحقة» فروسيا وجودها في المؤتمر جاء للدفاع عن شرعية بشار الاسد وليس لإدانته، ولن تجد بابا تدخل معه للدفاع عن حليفها الا باب الارهاب، وستكون هذه الحجة مقنعة لجميع الاطراف لانها حجة روسية وليست لانها صحيحة، فموسكو حاضرة لتؤثر وتحدد مسار المحادثات وليست حاضرة لتتلقى الاتهامات، فعلى الطرف الآخر ان يركز على المسار ويبتعد عن الاتهام.

وزير الخارجية الامريكي يقول : « أي شخصية لاتستحوذ على التوافق الكامل لايمكن ان تقود سورية وأي عملية سياسية في سورية يجب ان تكون قائمة على جنيف1 « المقصود ان بشار الاسد يجب ان يُبعد عن الحكم والبحث عن التوافق في شخصية اخرى، الا ان المستحيل هو ما يريده الوزير الامريكي وهو التوافق والرضا المتبادل، فكل المؤشرات تدل على صعوبة الرضا والتوافق بين الخصوم السوريين، الا إن كان يقصد الوزير كيري التوافق والرضا الروسي – الامريكي وليس السوري، وهنا عليه ان يتخلى عن عبارة الرضا المتبادل، ويستبدلها بعبارة الالتزام المتبادل بين واشنطن وموسكو لإنهاء الأزمة السورية.

الرياض

قطار العيادة الدولية/ غسان شربل

كانت المعارضة السورية تفضل ألا تأتي الى جنيف. تفضل المعارضات العربية عادة أسلوب الضربة القاضية. لكن الحسم في الميدان تعذّر. جاءت وهي تعرف ان الموعد الذي نصبه الاخضر الابراهيمي يتضمن تدريبات على تجرّع شيء من السُم. لم يكن قرار حضورها سهلاً. استلزم مناقشات ومناكفات وضغوطات وضمانات. وفي النهاية اتخذت قرارها وجاءت. حصلت قبل دخول القاعة على هديتين. الاولى سحب الدعوة التي كانت وُجهت الى ايران. والثانية التأكيد على ان الهدف من «جنيف 2» هو تطبيق «جنيف 1».

كان النظام السوري يفضل ألا يأتي الى جنيف. ليس من عادته الجلوس مع معارضيه. ثم إنه مدعو للجلوس معهم تحت سقف واحد وخارج الارض السورية وتحت مظلة الامم المتحدة. كان النظام يفضل اسلوب الضربة القاضية. حاول لكنه لم ينجح. منع المعارضة من اقتلاعه، لكنه لم ينجح في اقتلاعها. يعرف النظام ان دعوة الابراهيمي تتضمن بنداً غير معلن، هو التدرب على تقريب كأس السُم من الشفتين. يعرف أن الجلوس مع وفد «الائتلاف» تحت سقف واحد يفقده قدراً من شرعيته ويحرمه من حق القول إنه الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري. كان يعرف ان الدعوة تشبه الاستدعاء، وأنها تحظى بموافقة لافروف الذي أسعفه في الملف الكيماوي. لم يكن أمامه غير المجيء فجاء.

كانت جلسة الافتتاح في مونترو غنية بالرسائل والدلالات. سمع الطرفان السوريان من الحاضرين أن لا حل في سورية إلا الحل السياسي. وهذا يعني ان تتدرب المعارضة على اعتبار النظام شريكاً في البحث عن الحل. وهذا يعني ايضاً ان يتدرب النظام على اعتبار المعارضة شريكة في هذا الحل. شنّ الوزير وليد المعلم في كلمته حملة عنيفة على الارهاب والارهابيين والمتدخلين. لكنه جلس في النهاية تحت سقف واحد مع وفد سوري لا يتهمه العالم بممارسة الارهاب، خصوصاً بعد تصدي معارضين سوريين لـ «داعش» وارتكاباتها. شنّ الجربا حملة قاسية على النظام، لكنه جلس مع المعلم تحت سقف واحد.

لم يتوقع احد في مونترو ان يكون الحل وشيكاً او قريباً. بعضهم تخوف من تصاعد الاهوال على الارض السورية في موازاة معركة ديبلوماسية مريرة حول الملف السوري، لكنهم شددوا على ان مونترو شهدت بداية عملية جدية وصعبة. وقالوا ان الفرصة المتاحة لا تتعدى ستة اشهر، وأن الفشل سيدفع الدول الداعمة للمعارضة الى تزويدها بما يمكّنها من إحداث تعديل جدّي في ميزان القوى. وربطوا المهلة باستحقاقات بينها موعد انتخابات الرئاسة في سورية في الصيف المقبل.

واضح أننا في الطريق الى مفاوضات صعبة وشاقة ستشهد الكثير من المناورات والانتكاسات. مفاوضات يصعب عزلها عن مسار المفاوضات الايرانية – الاميركية والتجاذبات الاميركية – الروسية حول اكثر من ملف. صعد الطرفان السوريان الى قطار العيادة الدولية. سيجدان صعوبة في تقبّل عقاقير الابراهيمي ووصفاته، وستحاول روسيا حرف الأضواء باتجاه ملف محاربة الارهاب للعثور على دور جديد للنظام. سيسعى حلفاء المعارضة الى التشديد على الهيئة الانتقالية التي تحدث عنها «جنيف 1» وسيتمسكون بضرورة إخضاع النظام لجراحة قبل اعادة تأهيل ما يبقى منه. مرارات الإقامة في القطار ستكون اقل من مجازفة القفز منه.

لن تكون رحلة القطار الطبّي سهلة. سيتدفق الدم وسيقاوم المريض. سيراهن الابراهيمي على تعب الفريقين وقسوة النزيف. سيحاول التقدم ببطء موزعاً الضمادات والضمانات. سيطلب مساعدة لافروف وكيري. وسيكرر المحاولات. إنها مأساة سورية. كانت تأتي سابقاً الى المواعيد الكبرى في جنيف مع الرؤساء الاميركيين بوصفها لاعباً. جاءت هذه المرة في صورة ملعب يرشح دماً.

الحياة

“سكاكين” مونترو والنعي الإيراني/ زهير قصيباتي

«لا معجزات» في مونترو، المنتجع السويسري لمؤتمر «جنيف2» السوري… لا جديد حمله وفد النظام إلى المفاوضات سوى ثلاث لاءات وعشرات الاتهامات والشتائم:

– لا بشار الأسد سيسلّم السلطة الى حكومة انتقالية،

– ولا النظام سيوقف «الدفاع عن سورية» بطريقته ضد «إرهابيين مرتزقة»،

– ولا شرعية للمعارضين في الخارج الذين اعتبرهم وزير الخارجية وليد المعلم «خونة» و «عملاء» لإسرائيل، يسهّلون مهمّة «أَكَلَة الأكباد والقلوب»، و… بقر البطون.

ولعل رئيس وفد المعارضة رئيس «الائتلاف الوطني السوري» أحمد الجربا لم يكن بحاجة إلى اختبار وفد النظام حين دعاه إلى توقيع وثيقة «جنيف1»، وقبول نقل السلطة. وأصر كذلك على «لا» كبيرة واحدة شرطاً لبدء التفاوض، وهو يعلم أن لا «معجزات» قد يجترحها أحد من الحاضرين، خصوصاً أميركا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا.

«لا» دور للأسد في المرحلة الانتقالية، كانت ذاك الشرط، وهي نتيجة في الطروحات الأميركية التي تحمّلها موسكو مسؤولية «شطط» في تفسير بيان «جنيف1»، فكرر وزير الخارجية الأميركي جون كيري استبعاد أي دور للرئيس الأسد لأن «الرجل الذي قاد شعبه بوحشية، لا يمكنه أن يحكم». أما نظيره الروسي سيرغي لافروف فشكّك عمداً بشرعية تمثيل «الائتلاف» المظلة الرئيسية للمعارضة ولم يرَ «مجموعات ناشطة في سورية» حاضرة في قاعة مؤتمر «جنيف2».

لم يكن مفاجئاً بالطبع، أن تتناغم لغة موسكو والنظام السوري في تناول مسألة الإرهاب وأولوية مكافحته، وأن يصبّ رئيس الوفد السوري المعلم كل لعنات الحرب والخراب على «سكاكين في الظهر» تلقتها دمشق من دول مجاورة… ولا أن يكرر «أدبيات» دولة اعتبرها مدنية في سورية و «تآمر» عليها العالم كله، بدءاً من الإقليم الى الاستعمار ما قبل مئة سنة ونيف.

استمع الحضور هذه المرة الى منظومة «أدبيات» النظام السوري كاملة، لأكثر من نصف ساعة في كلمة المعلم الذي قاطعه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مرات، لعله يمحو من الذاكرة «سقطة» توجيهه الى إيران دعوة للحضور إلى المنتجع من أجل إنقاذ السوريين، من دون أن توافق علناً على بيان «جنيف1»، ونقل السلطة في دمشق إلى هيئة انتقالية.

وأما طهران فلم تفاجئ أحداً أيضاً، إذ أصدرت على لسان الرئيس حسن روحاني شهادة نعي لمؤتمر مونترو تعتبر انه مات قبل ولادة المفاوضات. ولم يُدهِش وزير الخارجية محمد جواد ظريف الحضور، ولا الدول الكبرى التي «وبّخها» مكرراً أنها ستندم على عدم دعوة إيران. أليست بلاده بين «اللاعبين المؤثرين» كما يقول روحاني لتبرير تشاؤمه بالمؤتمر؟

لا يكفي طهران أن تكون المظلة الروسية لتحالفها مع النظام السوري، حاضرةً. والأهم أن العاصفة التي أثارتها «سقطة» بان كي مون قبل تراجعه عن دعوة الجانب الإيراني إلى المشاركة في المؤتمر، إذ شغلت الكبار عشية الافتتاح، كرّست اقتناعهم بأن ما يسعى إليه روحاني هو ببساطة قبض ثمن لبدء تطبيق اتفاق جنيف النووي… على الساحة السورية.

المعضلة الأم، في مونترو، ما زالت هي هي، بصرف النظر عن غياب المفاجأة في موقفَي وفدَي النظام والمعارضة السوريَّيْن. فلا لافروف ولا كيري تطوّعا لتفسير أي أساس لتوقّع «معجزة» توافُق الوفدين على «الهيئة الانتقالية ذات الصلاحيات الكاملة». صحيح أن الوزير الروسي ما زال لا يضمن نجاح المفاوضات مئة في المئة، لكن الصحيح ايضاً أن وفد النظام لم يحمل إلى المنتجع سوى دعوة من يعتبرهم متورطين بـ «التآمر لتدمير سورية» الى استعادة «المنطق والعقل»، ورفع الغطاء والدعم عن «العملاء» المعارضين في الخارج.

وبين النعي الإيراني للمؤتمر، والحملة التي شنها المعلم للتخويف من «أَكَلَة الأكباد والقلوب» وقاطعي الرؤوس ومهجِّري المسيحيين من سورية، من دون أي اعتبار للبراميل المتفجّرة التي تتساقط على «الإرهابيين»… لا عزاء للسوريين إلا الصمود مجدداً وبآلاف القتلى في انتظار المفاجأة- «المعجزة»!

حتى بافتراض تكليف الغرب النظام الإيراني «تدجين» حليفه السوري، بعدما تولّى الروسي صفقة نزع أسنانه الكيماوية، فالعقدة هي أي مدى للتدجين، ما دام النظام في دمشق مصراً على سحق «الجيش الحر» وشطب «الائتلاف»، وتطويع معارضة الداخل بعد استفرادها! فمطلب المعلم الوحيد من السوريين هو ترك «الشعب السوري يقرر»… من قصر الرئيس.

وأما «زوبعة» حديث الأسد الذي نُشِر في موسكو، وتنصّل منه ليرد بآخر لا يخفي عزمه على «تلبية رغبات الشعب إذا أراد» ترشحه مجدداً للرئاسة، فلعلها تحجب توتراً صامتاً، ولكن ما زال الطريق طويلاً لتوقّع تبدّل الدفاع الروسي عن «شرعية الرئيس».

الأكيد، أن لا شيء تبدّل لدى نظام دمشق وفي إصراره على استكمال الإجهاز على «مسمى الثورة» ومقاتليها، بعد نحو ثلاث سنوات من الحرب. وكما قال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في مؤتمر مونترو، «هل يُعقل أن يكون 130 ألف قتيل جميعهم إرهابيين»؟!

عين الوزير المعلّم على «سكاكين في الظهر»، و «السحر الذي ينقلب على الساحر» التركي، وأما لسانه فعلى طريقة لافروف الذي ظن أمس انه يدقّ ناقوس «الخطر من أن تتحول سورية إلى بؤرة للإرهاب، تهدد الشرق الأوسط بفوضى».

فما الذي يحصل في سورية سوى حمم البراميل على رؤوس السوريين، وطلب النظام تعاطفاً دولياً وتعاوناً معه «لمنع انهيار الشرق الأوسط»؟

بداية بائسة في مونترو الباردة، وما دام قطار جنيف في محطة دفاع النظام عن «قرار الشعب السوري» قصف نفسه بالبراميل وتخريب مدنه وقتل نسائه وأطفاله وشبابه، ستبقى الدعوات إلى وقف النار والتسوية السياسية، مجرد تمنيات بحبر من دم.

الحياة

“جنيف-2”: بروفة أولى/ حسان حيدر

الذين عايشوا سنوات الحرب الاهلية اللبنانية يتذكرون لا بد المحاولات المتعددة التي بذلت من دون جدوى أو جدية لوقف الاقتتال، سواء في القمم العربية المتعاقبة أو في مؤتمري الحوار اللبناني في جنيف ولوزان، الى ان وصل الجميع بعد 15 عاماً الى محطة الطائف السعودية التي كانت ثمرة توافق دولي واقليمي على انهاء الحرب. آنذاك كانت ايران في بداية هجمتها في المنطقة وكان نظام حافظ الاسد لا يزال يمسك بمعظم اوراق القرار اللبناني، فلم تستطع استخدام نفوذها في تعطيل الحل الذي صاغه التوافق العربي.

اليوم انتقل الثقل من دمشق الى طهران. وبعدما كانت سورية طرفاً في الصراع على الامساك بورقتي لبنان وفلسطين، صارت هي نفسها ساحة للصراع، ولم تعد سياسة دمشق سوى صدى للقرار الايراني، ولهذا يصح القول ان مؤتمر «جنيف-2» المنعقد حالياً لتلمس حل شبه مستحيل للحرب السورية، ليس سوى «بروفة» تمهيدية هدفها رسم خريطة لمواقع ومواقف مختلف الاطراف، وستليها لا بد «بروفات» أخرى عديدة قبل الوصول الى الحل الفعلي، طالما ان إيران التي توقعت سلفاً فشل المؤتمر ترى في أي تغيير في دمشق تهديداً لمصالحها، وتواصل دعم نظام بشار الاسد بالمال والسلاح والرجال بلا حدود، لانها تعتبره العمود الفقري لنفوذها في المنطقة.

اما موسكو التي تحاول تلافي التناقض بين موقفها كراع دولي للحوار بين النظام والمعارضة وقبولها مبدأ نقل السلطة في «جنيف-1»، وبين دعمها المفتوح بالسلاح والخبرة العسكرية لنظام الاسد، فتتلطى وراء صلابة الالتزام الايراني في سورية للمحافظة على قاعدة لنفوذها في المنطقة، وخصوصاً انها استطاعت تسويق قلقها من اتساع دور المتشددين في صفوف المعارضة لدى الاميركيين الذين يخشون التطرف نفسه.

ويعني هذا ان لا قرار دولياً بعد بوقف الحرب في سورية، ولا اتفاق على مرحلة انتقالية فعلية، وان حصيلة المؤتمر لن تتجاوز محاولات لمعالجة قضايا تفصيلية مثل تخفيف الحصار عن مدنيين هنا، او تحقيق هدنة انسانية هناك، وفتح ممرات للاغاثة الى مناطق الطرفين، أي اتفاقات جزئية لا تلبث ان تنهار في اطار سعي كل منهما لتحسين مواقعه.

وثمة معطى آخر لا يمكن القفز فوقه، وهو ضرورة إنجاز ملف اتلاف الترسانة الكيماوية السورية برعاية دولية، والذي قد يمتد الى ما بعد الموعد المحدد في منتصف العام الحالي. وبانتظار ذلك سيبقى الوضع من دون أي تغيير أو انتقال، لأن نظام الاسد طرف رئيسي في هذا الاتفاق الذي لا بد من تنفيذه.

وقد اتضح من المواقف الحادة والمتباعدة التي وردت في كلمات الوفود خلال اليوم الافتتاحي ان المؤتمر عبارة عن كباش ديبلوماسي بين فريقين يعكس موازين الكباش العسكري على الارض، والذي تحول حرب مواقع مرشحة للاستمرار الى أجل غير محدد، بانتظار ان يستنتج الطرفان (الدوليان – الاقليميان) معاً ان مواصلتها تضر بمصالح كل منهما. عندها فقط ستوضع أسس الحل الذي قد يكون مختلفاً تماماً عن كل ما هو متداول.

لكن حتى الآن ليس هناك في الافق ما يوحي بامكان حصول تغيير في الموقف الايراني من الوضع في سورية، لا عبر الاتفاق النووي والرفع المتدرج للعقوبات الاقتصادية، ولا عبر التلويح بإمكان ضم طهران الى «التحالف الدولي ضد التطرف».

الحياة

لا إيران ولا الأسد ولا روسيا مع “نقل السلطة”/ عبدالوهاب بدرخان *

عشية «جنيف 2» انكشفت تماماً وجوه الثلاثي، روسيا وإيران والنظام السوري. يريدون المؤتمر لتغيير أجندته، ولاستدراج المجتمع الدولي الى الرواية النافية وجود أزمة وصراع بين شعب سورية ونظامها، ولتوجيه الاهتمام الى معالجة «الواقع الارهابي» الذي ساهموا بقوة في زرعه وتخصيبه وجعلوه كابوساً ووبالاً على المعارضة في مناطق سيطرتها. وعشية المؤتمر، بدأ يُسلّط أيضاً مزيد من الضوء على الدور الاستخباراتي الايراني – العراقي – السوري في تصنيع «داعش»، كما ظهرت شهادات وصور جديدة تؤكد ارتكابات قوات النظام في المجازر وفي معسكرات الاعتقال.

الحقيقة التي انفضحت لها عنوان واضح: دمشق وطهران ضد حل سياسي وفقاً لبيان «جنيف 1». فماذا عن روسيا التي ثرثرت كثيراً وطويلاً في شأن هذا الحل، وطوّبت نفسها «عرّابة» له؟ الأرجح أنها ستتولّى بنفسها دفع أولوية «محاربة الارهاب»، التي دأبت منذ أسابيع التمهيد لها. أي أنها، هي أيضاً، غير معنية بـ «هيئة حكم انتقالي» لا يريدها النظام، ولا ايران. وهكذا، فالنتيجة العملية الملموسة للمؤتمر، قبل افتتاحه، أنه اضطر أطراف المثلث الجهنمي للاعتراف بأنها كانت تكذب طوال الوقت. فعدا روسيا، لطالما كرّرت ايران أنها تحبذ الحل السياسي، وذكّرت دائماً بأن لديها مشروعاً للحل، لكنها لم تستطع ترويجه في أي محفل دولي. والأكيد أن هذا المشروع لا يتماشى مع المزمع طرحه في جنيف، وإلا لكان سهّل دعوتها الى مؤتمر لا تطيق تصوّر عقده في غيابها، بل يستفزّها ألا يعترف المجتمع الدولي بأنها هي التي أبقت نظام الاسد على قيد الوجود.

أما النظام الذي يشارك في المؤتمر بناءً على «موافقته» على «جنيف 1» فانبرى رئيسه للقول إن دعوة الأمين العام للأمم المتحدة الى المؤتمر تنطوي على «نكتة» اذ تشير «هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة». والواقع أن تحليل تصريحات بشار الأسد الأخيرة الى «فرانس برس» يستوجب الاستعانة بعلم النفس الاجتماعي – السياسي، على خطى دارسي من سبق من ديكتاتوريين. فهذا حاكم يتحدّث عن «فوزه» الحتمي في انتخابات رئاسية مقبلة، كما لو أنها عنوان المستقبل، وليس لديه ما يقوله لنحو الثلثين ممن يُفترض أنه «شعبه» تسبب بمأساتهم قتلاً وتعذيباً، مجازر وتهجيراً ونزوحاً، تدميراً لبيوتهم وحرقاً لأرزاقهم ونهباً لممتلكاتهم. فهو مسؤول فقط عن بقاء سلطته وبقائه فيها، باعتباره مكسباً لسورية، فإذا خسرته تعمّ الفوضى في كل الشرق الأوسط. أما لماذا يرسل الأسد وفداً الى جنيف، فلأنه يتوقّع «نتائج واضحة تتعلّق بمكافحة الارهاب»، ويستبعد وزراء من المعارضة لأنهم «لا يجرؤون على المجيء الى سورية». ولم يجرؤ الصحافي على سؤاله: ممَّ يخشون؟ فالجواب هو «القتل» في طبيعة الحال.

كانت خيبة الأمل الصامتة مدوّية في دمشق بعد اعلان «الائتلاف» المعارض مشاركته في مؤتمر «جنيف 2»، ولم يُسمع صدى تلك الخيبة إلا في إعلام لبناني موالٍ للنظام السوري تبرّع بتفنيد الظروف التي أحاطت بالتصويت على القرار، وحتى بتقريع «الائتلاف» لأنه خالف نظامه الأساسي الذي يحرّم التفاوض مع النظام. فحتى اللحظات الأخيرة، راهن النظام على أن «الائتلاف» سيخلّصه من استحقاق يمقته اسمه «جنيف 2»، بل راهنت معه روسيا وإيران على أن المعارضة ستخفق في اتخاذ قرار المشاركة وفي تشكيل وفدها الى المؤتمر. ولو فعلت لكانت أعفت الثلاثة معاً من أي التزامات، ولكانت الدول الداعمة للمعارضة هي التي تلقت الطعنة في الصميم.

لكن الاجتماع الثلاثي في موسكو استبق فشل تلك المراهنة بالانتقال الى تنقيح استراتيجية المبارزة في جنيف. فالمعلومات بعد لقاء باريس، أفادت بأن مجموعة الدول الـ 11 استطاعت إقناع قيادة «الائتلاف» بالمشاركة في «جنيف 2». وأوضحت التطوّرات لاحقاً أن ثلاثي موسكو توافق أولاً على ضرورة تأمين مشاركة ايران، وثانياً على الشروع فوراً في طرح مسألة الارهاب، وبالتالي على التصدّي معاً وبقوة للبحث في «حكومة انتقالية». أي أن روسيا وإيران لا تزالان متمسّكتين بحل «يبقي النظام مع الاسد».

بالنسبة الى ايران، كان معروفاً أن المبعوث الدولي الأخضر الابراهيمي تحمّس دائماً لمشاركتها في «جنيف 2»، وهو أكد قبيل اجتماع موسكو أنه والأمين العام بان كي مون «يؤيدان» دعوتها وتساندهما روسيا. وأجرى بان في الكويت، على هامش مؤتمر الدول المانحة، لقاء طويلاً مع نائب وزير الخارجية الايراني حسين عبد اللهيان، كما التقى الوزير الاميركي جون كيري.

وفي مؤتمره الصحافي، أشار بان الى أن «الدعوة» لا تزال تحت البحث، وبعد أربعة أيام اختار أسوأ اخراج ممكن لإعلان أن محادثات هاتفية بينه وبين الوزير الايراني محمد جواد ظريف أسفرت عن توجيه الدعوة الى طهران. كان إخراجاً سيئاً، أولاً لأن «الدعوة» جاءت بعد أربع وعشرين ساعة على قرار المشاركة الذي اتخذه «الائتلاف» السوري المعارض بصعوبة بالغة، وثانياً لأن من غير المألوف أن يكتفي الأمين العام للأمم المتحدة بالتزامات شفوية في مسألة بهذه الحساسية، فإيران تتمنّع عن التزام بيان «جنيف 1» لأنها ببساطة غير موافقة عليه. بدا الأمر كما لو أن بان كي مون ضحية خدعة سياسية أو شريك فيها، اذ وقع في فخ الاحتيال الايراني، وتأثر بإلحاح موسكو والابراهيمي اللذين تذرّعا بضرورة توفير عناصر النجاح لمؤتمر «جنيف 2».

لا شك في أن سحب بان كي مون دعوته، شكّل صفعة قاسية لطهران التي تدقّق عادة في خطواتها، وإذا خسرت، فهي تكره أن تخسر على هذا النحو. وبالنسبة الى ديبلوماسيتها الجديدة، في عهد حسن روحاني، تعدّ هذه الواقعة سقطة وتناقضاً مع الخط الواقعي الذي بلورته في المفاوضات النووية. ولا يعني ذلك سوى أن الملف السوري لا يزال يدار بعقلية «الحرس الثوري» والجناح المتشدد، ولم ينــل الاصلاحيــون تفـــويــضاً لإدارته ببراغماتيتهم، فكان أنهم استـــهانوا بالشروط التي فرضتها الولايات المتحدة على دعوتهم، ثم أنهم قللوا من شأن ردّ فعل «الائتلاف» كطرف يمكنه نسف المؤتمر. أما «الندم» الذي توعّد به ظريف، فلن يثبت سوى أن أي دور ايراني «ايجابي» لم يكن سوى خدعة اخرى.

وبالنسبة الى المعارضة، كان قرار المشاركة صعباً لكنه عقلاني. ما ساعد على اتخاذه، تطوّر معاكس للتوقعات، اذ صدرت بيانات من مجالس عسكرية عدّة في الداخل تفوّض «الائتلاف» وتمنحه غطاء لإرسال وفد الى جنيف، مع شروط ثلاثة: رحيل بشار الأسد، ورحيل أعوانه، وتشكيل هيئة انتقالية وفقاً لبيان «جنيف 1»… كانت المعارضة الأشد للمشاركة متوقعة من الداخل، لكن مسارعة عدد من المبعوثين والسفراء الى الاجتماع بالقادة العسكريين للفصائل الرئيسة توصلت الى تغليب المرونة، ما أحدث توازناً مع الانشقاق الحاصل في صفوف معارضي الخارج. وقد اضطر «الائتلاف» الى تجاوز المنشقّين واتخاذ قراره بناءً على اعتبارات المصلحة الوطنية. لم يكن في إمكانه أن يصفع الدول والحكومات التي ناوأت نظام الاسد حتى لو كانت لديه مرارة من خذلانها. ولم تكن هناك أي حكمة في اهدار فرصة الحضور في «جنيف 2» كطرف مدافع عن شعبه ضد نظام صار بدوره «طرفاً» لحظة دخوله قاعة المؤتمر.

والآن، فيما يتهيّأ «الائتلاف» للتفاوض، كيف سيكون موقف المعارضات الأخرى على أنواعها، هل ترى نجاحه خسارة لها أم تعتبر فشله «فرصة» لها؟ الأكيد أنها مدعوة الى تغيير اسلوبها والى عدم التسبب بإفشاله خدمةً للنظام. الأكيد أيضاً أن «الائتلاف» مُطالَب، بموازاة التفاوض في جنيف، بأن يطلق حملة تواصل وتشاور وتنسيق مع أطراف المعارضة كافة لمعالجة المآخذ والاعتراضات. فالذهاب الى جنيف ليس نهاية المطاف بل بدايته.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

جنيف والرؤى المتناقضة/ هشام ملحم

ليس من المبالغة القول ان مؤتمر جنيف 2 لحل النزاع في سوريا هو من اكثر المؤتمرات الدولية التي عقدت في العقود الاخيرة من غير ان تتوافر لها سلفاً حتى ابسط شروط النجاح. المتفاوضون الرئيسيون جاؤوا الى جنيف مرغمين، وهم اضافة الى الطرفين الراعيين: واشنطن وموسكو، يطرحون الازمة وتصورات حلولها بطرق متناقضة في المطلق تجعل من الصعب للغاية ان لم يكن من المستحيل التوصل الى حل تفاوضي. الرئيس الاسد كان ولا يزال يرفض مضمون مرجعية المؤتمر أي “انتقال السلطة”. الاسد يرى ان التطورات الميدانية الاخيرة هي لمصلحته، وغطرسته وصلت الى حد الاعلان – عمليا – عن ترشحه لولاية ثالثة عشية المؤتمر.

خطاب وزير الخارجية الاميركي جون كيري في جنيف كان واضحا لجهة اعادة تأكيده رفض واشنطن بقاء الاسد في السلطة والدعوة الى حكم بديل. لكنه لم يطرح – وليس من واجبه ان يفعل – تصوره للحكم البديل، فهذا واجب المعارضة. لكن المشكلة هي ان الرئيس اوباما منذ بدء النزاع وتحديداً بعد اقدام النظام على التطهير المذهبي لمناطق سنية، وبعد بروز التنظيمات الاسلامية السنية المتطرفة، يطرح النزاع على انه صراع مذهبي في اطار اقليمي.

وزير خارجية سوريا، وليد المعلم القى خطابا ديماغوجيا وسورياليا وكأن سوريا التي تستبيحها عائلة واحدة منذ 42 سنة وحزب فاشي منذ اكثر من نصف قرن، هي سويسرا، حمّل فيه الدول المجاورة والغرب والمعارضة مسؤولية كل الفظائع التي شهدتها سوريا في السنوات الثلاث الاخيرة، طارحا نظامه الضالع في الارهاب الداخلي والخارجي على انه ضحية ارهاب اسلامي ظلامي. ومن جهتها، روسيا تشاطر صوغ النظام السوري نظرته الى الصراع على انه ضد الارهاب الاسلامي المتطرف.

المعارضة الممثلة في جنيف، لم تطرح بشكل متكامل وواضح ما هو تصورها لمستقبل سوريا بعد حكم الاسد، اكثر من المطالبة باطاحة النظام واقامة نظام تمثيلي. المعارضة لم توضح موقفها من الاقليات المسيحية والعلوية والكردية (التي لا يمكن حكم سوريا من دون مشاركتها). على سبيل المثال، هل تقبل بحكم ذاتي للاكراد؟ هل تتعامل مع البعثيين في المستقبل كما تم التعامل معهم بعد اطاحة صدام حسين في العراق؟ اضف أن المواقف الايجابية لبعض اقطابها (وبينهم مسيحيون) من تنظيمات متطرفة مثل جبهة النصرة كان لها اثر سلبي للغاية.

صحيح ان المعارضة السورية المشرذمة نجحت في ارغام النظام على الجلوس امامها الى طاولة المفاوضات واعطائها – مرغما – شرعية تمثيل قطاع كبير من السوريين الذين يرفضون النظام برمته، لكن هذا الانجاز الرمزي يمكن ان يتبخر اذا لم تقنع السوريين والعالم من منبر جنيف بانها تملك البديل.

النهار

المعلم في حضرة الجربا!/ راجح الخوري

سقطت البراميل المتفجرة على “جنيف – 2” قبل ان تهبط طائرات الوفود الى هذا المؤتمر الذي يستقطب 31 وزيراً للخارجية، في اطار بازار دولي اشبه بالمسخرة لأنه لن يتمكن من ان يوقف ولو للحظة شلال الدم في سوريا المدمرة.

المساخر كثيرة والوقائع المظلمة اكثر. وليد المعلم لم يحمل معه ابجدية جديدة، كرر ما يقوله بشار الاسد من “ان الرئيس والنظام خطوط حمر”، لكنه ابلغنا ان الجلسة المقبلة يفترض ان تعقد في دمشق، ولست ادري في اي سجن باعتبار ان المعارضة مجموعات من الارهابيين يفترض ان تدخل السجون لا قاعة المؤتمرات، ثم انه نزع المسوّغ القانوني والسياسي للمؤتمر ما لم يتحول تكليفاً دولياً للنظام وحلفائه بضرب الارهابيين والتكفيريين، اولئك الذين اطلقهم النظام من سجونه واستجلبهم على رائحة انهر الدماء المسفوحة منذ ثلاثة اعوام!

ومن المساخر ان الرفيق سيرغي لافروف الذين هلكنا بالحديث عن حق الشعب السوري في تقرير مصيره، ابلغنا امس ان هناك تفاهماً روسياً – اميركياً على ادارة العملية السياسية بالاستناد الى ما سمّاه مبادرة مشتركة ترفض تغيير النظام، ولست ادري ولا لافروف يدري، رأي الشعب السوري بالتغيير من عدمه، لكن ربما قمة اوباما وبوتين الهاتفية عرفت ماذا يريد السوريون، الذين لشدة انقساماتهم لا يعرفون ماذا يريدون، فبعضهم حط في المؤتمر وبعضهم اعتبر الامر خيانة، والبعض الآخر يفضّل المتاريس على المؤتمرات!

لمزيد من المساخر اقرأوا تقرير صحيفة “الدايلي تلغراف” عن التعاون الوثيق بين النظام السوري ومقاتلي “داعش” و”النصرة” والذي يصل الى حد تمويلهم، في وقت يريد النظام ان يتحوّل “جنيف 2” من وضع اسس “الانتقال السياسي” وتشكيل الحكومة الجديدة، الى اعلان عالمي للحرب على الارهابيين وتكليفه مع حلفائه هذه المهمة الجليلة. ولاستكمال دائرة السخرية تذكروا ان جون كيري الواقع في الخديعة منذ ثلاثة اعوام، ابلغنا قبل يومين “ان الاسد لن يستطيع ان يخدعنا”!

لنتصور كيف تم تهريب بان كي – مون من الباب الخلفي الى المؤتمر لكي يهرب من اسئلة الصحافيين عن دعوة ايران والتراجع عنها، وعمن دفعه الى هذا ربما بهدف نسف المؤتمر المنسوف اصلاً.

يحتاج “جنيف 2” الى سلسلة طويلة من المؤتمرات الاقليمية والدولية لكي يتلمس طريقه لحلحلة كرة الصوف السوري التي تقطر دماً، لكنه حقق تراجعاً متبادلاً من الطرفين، عندما جلس الاستاذ وليد المعلم في حضرة الرئيس احمد الجربا وجلست الاخت سهير الاتاسي في حضرة المستشارة بثينة شعبان، فما كان مرفوضاً في الجوهر صار مقبولاً في الشكل… اما البراميل المتفجرة التي تساقطت امس على رؤوس الجائعين في سوريا فلم يصل دويّها الى مونترو!

النهار

صوت الوهابية في مونترو!/ خليل حرب

العواطف الجياشة ــ والملتوية ــ التي عبّر عنها وزير الخارجية القطري خالد العطية أمام مؤتمر مونترو امس، أسبابها مفهومة، لكن ما قاله، يستحق وقفة.

من المفهوم أن يحاول العطية الخروج من تحت عباءة سلفه الشيخ حمد بن جاسم بن جبر الذي هيمن طويلاً على المشهد السياسي للإمارة ــ المملكة. يفتقر العطية الى الدهاء والدراية والحنكة التي ميزت سنوات حمد بن جاسم في وزارة الخارجية ثم في رئاسة الحكومة الى جانبها. ولهذا، فإن مؤتمراً مثل مونترو لتناول الملف السوري الذي أصاب السياسة القطرية بالقنوط طوال ثلاثة أعوام، يشكل مناسبة مهمة لتقديم نفسه كصاحب رؤية أو نهج، ولو كان شكليا، أمام مثل هذا المنبر الدولي.

الازمة السورية التي تسببت في تعجيل الأمير السابق حمد بن خليفة آل ثاني قراره التنحي مبكرا وتسليم مقاليد الحكم الى ابنه الامير تميم في صيف العام 2013، لا تزال فرصة مناسبة للوزير القطري الجديد، ليؤكد استمرار حضور دولة قطر كلاعب في المشهد الاقليمي، ولو كان هذا الدور سلبياً.

فبينما كان العطية يتفوق على عواطف المعارضين في «الائتلاف» السوري بالتعبير عن مشاعره الإنسانية إزاء الأزمة السورية، كان يقدم في ما بين السطور كلاماً واضحاً عن مرامي السياسة القطرية التي جلبت عليها الكثير من الانتقادات خلال العامين الماضيين، حتى من أقرب الحلفاء في الغرب، ما شوّه صورة الدوحة حتى في شوارع «الثورات العربية» التي ناصرتها كما في مصر وتونس.

وبعدما حدد أولويات قطر باعتبارها من الداعمين الأساسيين للفوضى العسكرية في سوريا، كمطالبة دمشق بتنفيذ «جنيف 1» وبيانات «أصدقاء سوريا» وفتح «ممرات آمنة»، تأكيدا على أن قطر من حماة الديموقراطية والحرية للشعوب، رمى الوزير القطري الجديد أفكاره الفذة: «لا يمكن بحال من الأحوال أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء… ولا يجوز أخذ الشعب السوري رهينة ظرف دولي، أو انتهازية سياسية».

وكادت إشارة العطية الى رفضه «عودة عقارب الساعة الى الوراء»، أن تكون مقنعة لولا أنه أتبعها بالدفاع المستميت عن «الوهابية»، بما تجسده من عودة الى البدايات الأولى والأشكال الأولى للتفسير الديني المجتزأ للإسلام، والمتهم الآن بإباحة الدم في أنحاء المنطقة.

فبينما كان العطية يحاول درء فكرة «محاربة الإرهاب» عن جدول اهتمامات الجالسين في قصر مونترو قال حرفيا: «إن القضية ليست قضية إرهابيين، فالنظام في سوريا لم يتحمّل في الماضي، ولا يتحمّل حاليا ولا حتى رأيا أو تياراً مختلفا، الوهابية التي يتحدث عنها النظام جاءت بأجيال تتمتع بأفضل مستوى تعليمي وصحي وأطلقت الأقمار إلى الفضاء، الوهابية لم تضرب البشر والحجر بكل ما هو فتاك كما يفعل النظام السوري وأعوانه. أيضاً الوهابية لم تحاصر وتجوّع الشعب إلى أن اضطر لأن يتخذ لحم القطط والكلاب طعاماً له».

لماذا اختار العطية بصفته الممثل للسياسة القطرية التي عرفت في السنوات الاخيرة بارتباطها العلني مع تيارات «الإخوان المسلمين» في المنطقة كلها، من الخليج وصولا الى المغرب، الدفاع عن «الوهابية» الآن؟

صحيح أن الامير القطري المتقاعد افتتح قبل نحو عام المسجد الوهابي الأكبر في الإمارة، وأطلق عليه اسم «الإمام محمد بن عبد الوهاب»، لكن المتعارف عليه، أن «الوهابية» المتحدرة من بعض أنحاء الجارة السعودية، و«الإخوانية»، تياران لا يلتقيان على وئام. وصحيح ايضا أن قطر لم تعد تخجل من التباهي بتمويل تيارات «السلفية الجهادية» في المنطقة وفي سوريا تحديدا. وصحيح ايضا أن قطر وهي تدعم حريات الشعوب، تستضيف «قاعدة السيلية» التي «حررت» العراق، ولم تحرر قطر، وتموّل «الجهاديين» في شمال مالي وتضخ ما تضخ من استثمارات في جيوب فرنسا التي تقاتلهم، وصحيح ايضا أنها اختارت مونترو، وسويسرا عموما، جمهورية الحياد السياسي ومؤتمرات السلام العالمي، لمطالعة الدفاع عن الوهابية المتآخية مع مملكة التناقضات مثلها، ولم ينتفض أحد، بمن في ذلك جون كيري. ولهذا نقول قولنا هذا ونستغفر الله لي ولكم.

السفير

نقل الصراع السوري الى سويسرا

رأي القدس

تحولت مدينة مونترو السويسرية الوادعة أمس الى حلبة صراع بين ممثلي النظام السوري الذي حضر الى مؤتمر جنيف 2 مركزا على محاربة الارهاب، ووفد المعارضة الذي لا يقبل بأقل من رحيل الرئيس بشار الاسد.

ورغم انتشار العنف والقتل خلال السنوات الثلاث الماضية الذي اودى بحياة اكثر من 130 ألف شخص وشرد ثلث سكان سوريا، ورغم قناعة الكثيرين بأن طريق جنيف 2 طويل ومعقد، الا ان قلة تتوقع نجاحه بتضييق الخلاف بين الطرفين، فالحرب بالصواريخ والدبابات والمدافع والقنابل في حمص وحلب وريف دمشق ودير الزور انعكست مبارزة بالكلمات وتبادل الاتهامات. لم تكن العشر دقائق المخصصة للطرفين الاساسيين كافية ليوزع رئيس وفد النظام وزير الخارجية السوري وليد المعلم، اتهاماته شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، وتطلب الامر اكثر من ضعف هذا الوقت، ليشن هجوما كاسحا على الدول العربية دون التطرق الى الهدف الاساسي من المؤتمر وهو تشكيل هيئة انتقالية بصلاحيات كاملة، بل معتبرا ضرب الارهاب هو القضية والهدف الاساسي من المؤتمر.

وليد المعلم دعا في كلمته المعارضة لحوار سوري ـ سوري على الارض السورية، رغم انه يعلم ان مصير هذه المعارضة لو وطأت ارض سوريا لن يختلف عن مصير 11 الف معتقل تعرضوا لتعذيب وقتل في السجون السورية حسبما جاء في تقرير نشر يوم الاثنين وكتبه مدعون سابقون في جرائم الحرب، مستندين الى 55 ألف صورة قدمها مصور منشق بالشرطة العسكرية السورية لجثث تم التمثيل فيها وتقطيعها وتبدو عليها آثار التعذيب، اضافة لعشرات الآلاف الآخرين الذين لم يتم توثيقهم بعدسة هذا المصور.

اما المعارضة، والتي وصل وفدها الى مونترو بمزيد من الخلافات، فان خطابها الذي القاه رئيس الائتلاف احمد الجربا، لا يقل تحديا، مذكرا العالم بالانتهاكات الممنهجة لحقوق السوريين الانسانية. المبارزة بالكلمات تعدت وفدي النظام والمعارضة بل كانت الصفة الغالبة على معظم الخطابات الـ45 التي القيت في افتتاح المؤتمر، وربما تختصر كلمتا وزيري خارجية روسيا سيرغي لافروف والولايات المتحدة جون كيري، الازمة السورية لما تعكسانه من تغليب مصالح بلديهما على حل الازمة، ففي حين ركز كيري في كلمته على ان لا مكان للرئيس الاسد في الحكومة الانتقالية، كرر لافروف موقف موسكو بضرورة عدم تدخل ‘لاعبين خارجيين’ في شؤون سوريا الداخلية، متجاهلا دور موسكو وتأثير تدخلها على اطالة امد الحرب.

انهاء الازمة لا يتطلب حضور اكثر من اربعين وفدا الى مونترو ومحادثات لعشرة ايام في جنيف، بل يتطلب اولا ارادة روسية ـ امريكية، ويبدو انه حتى الآن لا يعدو الامر بين الطرفين اكثر من التفاهم على ادارة الازمة، وليس على حلها. فحديث الرئيسين فلاديمير بوتين وباراك اوباما عشية جنيف 2، ناقش المؤتمر وكيفية دفع مصالح البلدين، وخلال المؤتمر جلس وفد النظام السوري على يمين الوفد الروسي، فيما جلس وفد المعارضة على يمين الوفد الامريكي، وبعد الجلسة الاولى في مونترو جلس كيري ولافروف لبحث آليات التفاوض بين وفدي السلطة والمعارضة، وكل هذا لا يعكس ارادة حقيقية لحل الازمة، التي يبدو ان المهم لموسكو فيها الحصول على ضمانات امريكية ودولية على الحفاظ على مصالحها في سوريا المستقبل، فيما تضمن امريكا التخلص من الحركات الارهابية وتحافظ على وجود نظام يراعي الاستقرار في المنطقة ولا يهدد حليفتها الاساسية اسرائيل، ويبدو ان الدموع التي يذرفها الطرفان على الضحايا، ليست اكثر من دموع التماسيح.

ما نخشاه من المؤتمر هو ان يكتفي بقرارات واجراءات لتحسين الاوضاع الانسانية، سواء فتح ممرات آمنة لايصال المعونات وتبادل معتقلين أو رفع الحصار عن المدنيين، او تحسين اوضاع اللاجئين. وهذه الامور على اهميتها يجب ان لا تكون الهدف أو النتيجة من المؤتمر.

القدس العربي

الأسد خط أحمر وسوريا إلى الجحيم!/ سهيل كيوان

الآن وصلنا إلى المفاوضات،وصلنا عبر الطريق الأصعب، وبعد بحار من الدماء، مررنا في طريق الآلام كلها، ولمّا نصل بعد، وصلنا إلى المفاوضات ولم يشبع العالم لا المتقدم ولا المتأخر، لا البشري ولا المتوحش من مشاهدة دماء السوريين أنهارًا، وصلنا ولم يحرّك العالم ساكنًا وهو يرى أطفال سوريا يرتجفون حتى الموت الكيميائي.

يصل النظام بعد ثلاث سنوات من استنزاف شعبه على أمل تحقيق نصر مستحيل على ثورة لم تأت من كوكب بعيد، بل أتت من الشعب السوري الذي غذاها بدمائه الزكية.

وصل وفد النظام للتفاوض ليس مع شعبه بل مع القوى الدولية، وصل بعدما كذب ألف مرة وقال’خلصت خلصت’، وصل بعدما زعم أن الثورة ليست سوى بعض المشاغبين والمخرّبين، وبعدما صوّر ثورة شعب لم يشهد التاريخ الحديث مثيلا لها بأنها فبركات تلفزيونية وفوتو مونتاج، وبعدما زعم أن الناس لا يخرجون للتظـــاهر، وإنما لتلقي رشوة تافهة عبارة عن (ساندويشة) كباب وعشرة دولارات لكل مشارك، يأتي وفد النظام بعدما قطع ونحر حناجر كثيرة غنّت للثورة، وبعدما شوّه صورة شعبه، ثلاث سنوات وهو يحاول إقناع العالم أن الشعب السوري ليس ناضجًا ولا يستحق الحـــرية، رغم حضارته الممتدة في عمق التاريخ البشري لآلاف السنين، ورغــــم إهدائه للإنسانية أولى أبجدياتها فهو شعب يذبح الأبرياء ويشـــق صدورهم ليأكل قلـــــوبهم وأكبادهم، هو شعب متعطّش للدم وللحـــم البشـــري، وصل النظام إلى التـــفاوض وهو يبث ويؤكد للعالم أنه ليس هناك سوى مسلمين سلفيين متعطشين للدماء وخصوصًا دماء الأقليات، وأنهم ليسوا سوى مجمــــوعات من الجهلة تدمّر الآثار والفنون الإنسانية، يأتي إلى جنيف 2 وهو يصوّر الثورة كمجموعة من الأوباش تهتك الأعــراض وتنهب بيوت الناس وأملاكهم، يأتي وقد صوّر أنها حرب بين عرب وأتراك وأكراد وسنة ووهابية وشيعة وعلــــوية، وأن القتل والذبح يمارس على الهوية، وكذلك تدمير المقامات والأضرحة والمقدسات ودور العبادة، صوّر الشعب السوري وكأنه مجموعات مسلحة قادمة من بلاد واق الواق، ولهذا فالسلاح الكيميائي ليس كثيرًا عليهم، لأنه مُعدٌ أصـــلا لهم وليس لغيرهم، وصل وفد النظام وهو يحثّ العالم أن يختار بينه هو العلماني المتنور الإنساني وبين ظلاميين لا هم لهم في الدنيا سوى الذبح والنكاح،وها قد جئنا نطلب عونكم في محاربة المجموعات الإرهابية، فنحن وأنتم أيها الغربيون (وإسرائيل من ورائكم) ضحايا للإرهاب الإسلامي.

يأتي النظام بعدما صوّر أن الصراع هو صراع بين أناس متنورين منفتحين يؤمنون بحق المرأة وبين أناس يوجههم كبتهم الجنسي، وما قتالهم وتضحياتهم إلا لتحقيق أخيلة جنسية مريضة في الدنيا والآخرة يسمونها (جهاد النكاح)، يأتي بعدما صوّر وأصر خلال المؤتمر بأن شعبَه الثائر عميل ومجرور وتابع ويعمل لأجندات أجنبية ولا إرادة له، وكأن مخلوقات فضائية هبطت في مدنه وقراه واغتصبته، يأتي بعدما قال للعالم أتركنا فنحن طائفيون ومذهبيون وعمر صراعنا ألف وأربعمائة سنة، صراعنا ودماؤنا ليست سوى ثارات قديمة لا علاقة لها بالحرية والعدالة، كل ما يجري ليس سوى أحقاد تاريخية!

يأتي النظام بعدما تسبب بترحيل وتشريد الملايين وكشفهم للاستغلال الوحشي، ووضَع عائلات السوريين تحت رحمة التجار والسماسرة والإستغلاليين والحقيرين، وبعدما أرغم بعضهم على الهرب من الجحيم إلى البحر ليغامر فيصل شاطئ الغربة أو تبتلعه الأمواج، يأتي وقد حوّل عشرة ملايين من السوريين والفلسطينيين إلى محتاجين للدعم الغذائي، وبعد كل هذا يقول هذا الوفد ‘الأسد خط أحمر’.

خط أحمر لأنه لم يترك فرصة إلا للنار والدماء، خط أحمر لأنه لم يترك سلاحًا إلا واستخدمه في وجه شعبه!

‘خط أحمر’ لأنه قبض أرواح السوريين بالكيميائي، خط أحمر لأنه لم يرُدّ ولو بقنبلة صوتية على غارات إسرائيل المتكررة على منشآت سورية عسكرية ومدنية، خط أحمر لأنه لو لم يستخدم صواريخه بعيدة المدى ضد شعبه لأكلها الصدأ. خط أحمر لأنه استعان بقوات الحرس الثوري الإيراني ولواء أبو الفضل العباس وقوات حزب الله والدعم العسكري الروسي المستمر لقمع شعبه!

كل هذا ولم ينته الأمر بعد، فالمخفي أعظم بكثير مما رآه العالم، وعما قريب سوف تبدأ الجرائم المهولة بالظهور، عشرات آلاف الجماجم تنتظر الكشف عنها في المقابر الجماعية السّرية والتي اعتبرت مفقودة أو داخل المعتقلات.

في المقابل تأتي المعارضة محملة بالأخطاء، تأتي وقد سمحت للنظام بتفتيتها وتقسيمها بين صالح وأقل صلاحية وغير صالح، تأتي المعارضة بعدما اختُرقت وارتكبت جرائم وحشية باسمها، تأتي المعارضة وقد أخطأت عندما بنت أوهامًا بأن أمريكا والغرب سيتدخلون عسكريًا لدعمها، تأتي وقد سقط بعضها وحوّل الصراع من اجتماعي سياسي إلى صراع مذهبي طائفي بتوجيه سعودي هدَفَ لدفن الثورة العربية في أرض الشام، والحؤول دون انتقالها إلى شبه الجزيرة العربية خصوصًا بعد بزوغ براعمها في بداية الثورات العربية، تأتي المعارضة وقد تلاعبت بها الأهواء شاءت ذلك أم أبت، بإرادتها أو بغير إرادتها، فقد أدلى كل من يستطيع بدلوه، وكل من له مصالح، وتحوّل الشعب السوري والفلسطينيون على أرضه إلى رهائن بأيدي نظام لا يرحم ومعارضة مرتبكة مُخترقة مشوّهة، ورغم هذا فالمسؤولية كلها تقع على كاهل النظام المجرم، وهو الذي يجب أن يدفع ثمن جرائمه التي كانت أمًّا لكل الجرائم التي تفرّعت وتناسلت عنها، والتي نشأت في تربة العنف الوحشي الذي مارسه النظام وما زال يمارسه وسوف يستمر بممارسته ظنا منه أنه سينقذه من انهياره الذي بات محتومًا مهما تفذلك وتشاطر وتفلسف.

القدس العربي

خطوة أولى نحو التقسيم/ ساطع نور الدين

 ما زال الطريق طويلا وشاقا. وهو ليس معبدا بالنوايا الحسنة، بل بالاوهام الخطرة. ما زالت سوريا والسوريون في مستهل معمودية الدم والنار، الاقسى والابشع، في تاريخ العرب، وربما العالم.

اسوأ انطباع تركه مؤتمر مونترو السوري انه تعامل مع ما جرى في السنوات الثلاث الماضية، كأنه تفصيل يمكن شطبه ونسيانه بسهولة، والانتقال غدا الى طور جديد من الحرب. لم تظهر علامات التعب على اي من المتحاربين، ولم تظهر علامات الضجر على اي من حلفائهم الخارجيين. قتال الى الابد، حتى تصفية الاخر من الوجود.

هو مؤتمر السلام الاغرب في التاريخ: لم يجروء أحد من رعاته على اقتراح هدنة مؤقتة او وقف لاطلاق النار، لساعات على الاقل، كي لا تضغط ارقام القتلى والجرحى والجوعى ، ولم يغامر احد في طلب فك الحصار عن مدنيين محاصرين، على الاقل كبادرة انسانية، او كدليل على ان المؤتمرين مهتمون فعلا بانهاء الكارثة التي حلت على السوريين. الاجماع الوحيد الذي رسخه المؤتمر هو ان الحرب خرجت عن سيطرة الجميع وباتت اكبر واخطر من ان يستطيع احد انهاءها الان.

بدا في مونترو ان كل ما سبق من جولات القتال كان امتحاناً للارادة التي لم تلن لدى الجانبين، بل هي اكتسبت زخما اضافيا، عبرت عنه الكلمات والنظرات والاشارات المتبادلة في المؤتمر الذي كان مهددا بالانفراط في اي لحظة، لو اتيح لاعضاء الوفدين ان يقتربا من بعضهما البعض. كان جلوسهما في قاعة واحدة، اشبه بتلبية دعوة محرجة الى مأدبة عاجلة، وجهتها دول كبرى ليس لديها ما تفعله سوى تنظيم المبارزات الخطابية، والمناورات الدبلوماسية التي تداري العجز او تموه التورط في سفك الدماء السورية. كان الوفدان  يتحينان الفرصة للعودة الى جبهات القتال، التي استأذنا بمغادرتها لساعات لا اكثر.

لم يكن من السهل التثبت من ان الوفدين ذهبا الى تلك المدينة السويسرية البعيدة، لانهما توصلا الى الاستنتاج بان معركتهما الداخلية بلغت حدها الاقصى، وبات الحسم فيها صعبا ، أو صار طموحهما المتبادل بإزالة الاخر من الوجود مستحيلا. كل ما أرادا قوله في مونترو: ها نحن جئنا فقط بداعي الحرج امام الضغط الدولي الشديد، وبدافع تبديد الانطباع الاكيد بان الحرب هي خيار السوريين وقدرهم الوحيد حتى النهاية التي لا تحتمل بقاء الاخر باي شكل من الاشكال.

ما زالت سوريا في البدايات الاولى، في مرحلة الحوارات الاولى التي خاضها اللبنانيون في مطلع حربهم الاهلية في منتصف السبعينات من القرن الماضي. ما زال أمامهم الكثير من المؤتمرات قبل ان يصلوا الى التسوية التي تنهي الحرب، بعد ان ينكسر احد طرفيها طبعا. لعل زمنهم لن يخضع للمقياس اللبناني، لان دموية صراعهم قد لا تحتمل الانتظار 15 سنة، وكراهيات حلفائهم قد تتطلب تغييرا اسرع من ذاك الذي تمناه لبنان.. ولم يدركه حتى اليوم.

ربما يكون المسار التفاوضي الذي افتتح في جنيف، مجديا، ان لم يكن في التوصل الى التسوية، ففي التسرع في القتال، والتوهم في النصر،عندها يمكن ان تفلت سوريا من حرب لانهاية لها، او من تقسيم يلوح اليوم اكثر من اي وقت، نتيجة موازين القوى المتقاربة التي ادت الى انعقاد مؤتمر مونترو، ونتيجة العبث الدولي المتزايد في القواعد المؤسسة للوطنية السورية الراهنة.. حيث صار الحديث عن خطيئة اتفاق سايكس بيكو، فاتحة لاي نقاش غربي حول مستقبل المشرق العربي، وخاتمة لاي حوار سوري ( وعراقي، وربما لبناني لاحقا) حول مصير تلك الجغرافيا الملعونة اليوم بالمذابح الطائفية، التي كان يفترض ان ترتكب في النصف الاول من القرن الماضي، لكن التاريخ ارجأ حصولها الى القرن الحالي، لسوء الحظ.

المدن

سوريا.. ما المنتظر من «جنيف2»؟/ طارق الحميد

 المؤكد أنه لا شيء، وستكون معجزة لو نتج عن «جنيف2» حكومة انتقالية، أو تنحي الأسد، لكن المؤكد أيضا أن عدم انعقاد المؤتمر سيكون كارثة، ولذا سعت إيران لإفساده استغلالا للخطأ الذي ارتكبه الأمين العام للأمم المتحدة، وهو الخطأ المشابه لـ«زلة» لسان وزير الخارجية الأميركي قبل الضربة التي كانت مرتقبة على الأسد، وذلك عندما تلقف الروس تلك «الزلة» وأفسدوا الضربة، وباقي القصة معروف.

 اليوم لا يمكن التفاؤل بما سينتج عن «جنيف2» لأن كل المؤشرات تقول إن الأسد لم يشعر باليأس بعد، وإن كان يعي أن الطريق أمامه مسدود، وعلى عكس بعض من هم حوله، وخصوصا بعد التصريحات الأميركية الأخيرة بأن هناك شخصيات في النظام الأسدي تواصلت مع واشنطن مطالبة بإيجاد حل ومخرج من هذه الحرب، إلا أن الأسد لا يشعر بذلك طالما أن هناك دعما إيرانيا له، و«تلاعبا»، أو قل تأرجحا روسيا بالموقف تجاه الأسد، وهو تأرجح يعكسه تناقض ما يقوله الروس خلف الأبواب المغلقة، وما يفعلونه على أرض الواقع، ولذلك لا يمكن أن يعول على مواقف حقيقية من الأسد الذي لا يفهم إلا لغة القوة التي لا يملكها «جنيف2» بالطبع.

 ولكي تكون هناك حلول حقيقية في سوريا فلا بد من حدث «ضخم» لا يهز إيران وروسيا وحسب، بل بمقدوره أيضا أن يحرك الغرب عن مواقفهم المتساهلة تجاه الأسد، وخصوصا أنه رغم كل التقارير الدولية الأخيرة الجادة التي أثبتت أن الأسد متورط حقيقة في جرائم حرب توجب محاكمته دوليا، مثل الصور التي أظهرت القتل الممنهج بحق السوريين، وكذلك التقرير الذي نشرته قبل أمس صحيفة «التلغراف» البريطانية عن تعاون بين الأسد وتنظيم القاعدة بهدف تشويه سمعة المعارضة السورية، ومحاولة إظهار أن ما يحدث في سوريا هو إرهاب، إلا أن أمرا ما لم يصدر عن المجتمع الدولي! ولذا فلكي يكون هناك تحرك دولي جاد تجاه سوريا، وحلول حقيقية، فلا بد من حدوث أمر «ضخم» في سوريا من شأنه تغيير الواقع على الأرض، وإيصال رسالة واضحة للمجتمع الدولي مفادها: تحركوا الآن، وعدا عن ذلك فلا يمكن توقع الكثير من مؤتمر «جنيف2».

 وبالنسبة للغرب في «جنيف2» فليس لديهم تصور واضح، وآليات ملزمة للتنفيذ، فكل ما يقال يعتمد على تعاون روسيا للضغط على الأسد، وليس هناك ما يثبت جدية الروس بالطبع، وخصوصا أن الروس غير معنيين بوقف المعاناة السورية بقدر ما هم حريصون على مواصلة تسجيل النقاط أمام الإدارة الأميركية الضعيفة، وعليه فمن الصعب توقع الكثير من «جنيف2» ما لم يكن هناك «واقع» جديد على الأرض في سوريا من شأنه قلب المعادلة، وإجبار جل الأطراف على إعادة التفكير بموقفهم من الأسد، وخصوصا روسيا وإيران، اللتين لا تؤمنان بالنيات الحسنة، بل بلغة المصالح والواقع على الأرض.

الشرق الأوسط

هل تتجه محادثات السلام في سوريا نحو الكارثة؟/ كولام لينش

عندما أرسل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الدعوات لحضور محادثات السلام حول سوريا بداية هذا الشهر, كانت حكومة الرئيس بشار الأسد من أول المدعوين الذين لبوا الدعوة.

ولكن هناك ما هو مريب في هذا الأمر.

وزير الخارجية السوري وليد المعلم, أشار في رده على الأمين العام للأمم المتحدة بأن حكومته لم تعد تقبل خطة الأمم المتحدة للعملية الانتقالية في سوريا, وهي الخطة التي تعتبر محور محادثات هذا الأسبوع.

القضية, كما تراها دمشق, لا تتعلق بالحاجة إلى دفع الرئيس إلى التنحي, ولكنها تتعلق بحشد المجتمع الدولي خلفهم من أجل القضاء على الجهاديين الدوليين الذين يسعون لفرض حكم إسلامي قاس في سوريا.

وكتب المعلم في رسالته  إن :” أولوية هذا الشعب هي مكافحة الإرهاب ومطالبة الدول الداعمة له بوقف تمويل وتسليح وتدريب وإيواء المجموعات الإرهابية، التزاما بقواعد القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة”.

هذه النقطة ما هي إلا واحدة من مجموعة واسعة من التهديدات التي تواجهها محادثات السلام المقرر أن تنطلق يوم الأربعاء وذلك بحفل افتتاح في مونترو في سويسرا, تليها مفاوضات مفتوحة في جنيف. يوم السبت, وافق التحالف الوطني السوري الذي يفترض أن يمثل المعارضة السورية في سويسرا على حضور المحادثات. ولكن يوم الأحد, بدا أن المفاوضات تتعرض للخطر. وذلك عندما أعلن الأمين العام بان كي مون أنه أرسل دعوات في اللحظات الأخيرة إلى مجموعة من الدول من ضمنها إيران لحضور افتتاح المحادثات. وصرح بان كي مون للصحفيين في نيويورك :”أعتقد أن توسيع الحضور الدولي في ذلك اليوم سوف يكون أمرا هاما لإظهار التضامن قبل الدخول في العمل الصعب الذي سوف يشرع فيه وفدا الحكومة والمعارضة السورية بعد يومين في جنيف”.

يبدو أن قرار الأمين العام كان مفاجئا للولايات المتحدة وقادة المعارضة السورية على حد سواء. لؤي الصافي, العضو في التحالف الوطني السوري, أعلن على التويتر يوم الأحد مساء أن التحالف سوف ينسحب من المؤتمر ما لم يلغي الأمين العام للأمم المتحدة دعوة إيران لحفل افتتاح المؤتمر يوم الأربعاء. بيان الخطيب وهي متحدثة أخرى في التحالف الوطني قالت إن ملاحظات الصافي لا تمثل “موقفا رسميا” للمعارضة السورية.

حتى لو تم حل الأزمة الراهنة, وتم إقناع المعارضة السورية بحضور الاجتماع فليس هناك مجال كبير للتفاؤل. المعارضة السورية منقسمة بصورة حادة وليس لديها الكثير من النفوذ على الكثير من قوات التمرد على الأرض في سوريا, مما يثير تساؤلات حول قدرتها على فرض أي قرار يتوصل إليه لوقف القتال.

وهناك طبعا, اختلافات أساسية حول أهداف المؤتمر. من غير المستغرب أن قلة هم الذين يتوقعون تقدما حقيقيا في محادثات الأسبوع القادم. بعد حوالي ثمانية أشهر من إلغاء خطط لاستئناف المفاوضات فإن مجرد عقد المؤتمر أصبح غاية بحد ذاته.

يقول ريتشارد غوان, الخبير في شئون الأمم المتحدة في مركز جامعة نيويورك للتعاون الدولي :” السؤال ليس ما إذا كان هذا المؤتمر سيفشل ولكن كيف سوف يفشل”. و قال أيضا إنه يخشى أن الوسطاء سوف يؤسسون على نفس القضية التي أعاقت الوصول إلى اتفاق في مؤتمر جنيف الأول المتمثلة في مستقبل الرئيس الأسد في سوريا. وأضاف :” هذا الأمر محرج لجميع الأطراف حيث تأمل أن تنتهي الأمور وأن لا يتصرف أي طرف من الأطراف بطريقة سيئة”.

الراعون الثلاثة لمؤتمر السلام السوري – الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة- وافقوا مسبقا على أن دعوات اجتماع الأسبوع القادم لن ترسل ما لم يتم التوافق عليها بالإجماع. الأمم المتحدة وروسيا مارسوا ضغوطا كبيرة على واشنطن لدعوة إيران, بحجة أن وضعها كداعم رئيس للحكومة السورية يجعل من وجودها في المحادثات أمرا حيويا. ولكن الولايات المتحدة رفضت, قائلة إن على إيران أن توافق أولا على هدف جنيف الرئيس – وهو تشكيل حكومة انتقالية في سوريا.

بان كي مون قال من جانبه إنه وجه الدعوة إلى إيران بعد أن أكد له جواد ظريف وزير خارجية إيران أن حكومته تدعم الأهداف الرئيسة للمؤتمر, التي تتضمن الدعوة إلى حكومة انتقالية. حيث قال بان :” وزير الخارجية وأنا اتفقنا على هدف المفاوضات هو تشكيل حكومة انتقالية بالتراضي مع صلاحيات تنفيذية كاملة. ولهذا, وكراع ومستضيف للمؤتمر, قررت أن أصدر دعوة لإيران للمشاركة”.

نظريا, فإن الهدف من ما يسمى مؤتمر جنيف 2 هو تتنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 30 يونيو 2012. ويلزم ذلك البيان الحكومة والمتمردين وقف العنف وتشكيل حكومة انتقالية بقيادة سورية تملك صلاحيات تنفيذية كاملة تقودها شخصيات مقبولة من كلا الطرفين.

بعد تواصل بان مع إيران, قالت جين بساكي المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية إن دعوة بان لإيران يجب أن “تلغى” إذا لم تقر إيران بشكل تام وعلني بيان جنيف الأول. وأضافت إن الولايات المتحدة ترى أن دعوة بان “مشروطة بدعم إيران الصريح والعلني للتطبيق الكامل لبيان جنيف الذي يتضمن إنشاء حكومة انتقالية بتراضي الطرفين تملك سلطات تنفيذية كاملة. وهو أمر لم تقم به إيران علنا . كما إننا قلنا مرارا أنه أمر مطلوب”.

من جانبه أخبر بان المدعوين  في وقت سابق في رسالة وجهها لهما إن  “المؤتمر يهدف إلى مساعدة الأطراف السورية في إنهاء العنف والوصول إلى اتفاق شامل للتوصل إلى تسوية سياسية”.

ولكن النظام السوري أوضح أنه ليس لدى الأسد أي خطط للتنحي, وفي رده على دعوة بان, قال وزير الخارجية السورية :” إننا لا نوافق على نقاط محددة” من المبادرة التي تدعمها الأمم المتحدة “لأنها وببساطة  تتعارض مع الموقف القانوني والسياسي لسوريا؛ كما أنها لا تلبي المصالح العليا للشعب السوري”.

الجهود السورية قبل المحادثات تهدف إلى تأطير الجدل الدولي في سوريا حول التهديد العالمي الذي يشكله المتطرفون الإسلاميون الذين شكلوا عامل جذب للمقاتلين الأجانب الذين أصبحوا يتدفقون إلى البلاد من جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا.

أجهزة الأمن والمخابرات الأوروبية – وخشية من أن الجهاديين المحليين الذين يقاتلون الآن في سوريا سوف يعودون إلى ديارهم وهم متشبعون في فنون الإرهاب – قاموا باتصالات سرية مع نظرائهم السوريين.

وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قال يوم الخميس إن موسكو وطهران وقفوا جنبا إلى جنب مع سوريا في قتالها ضد الإرهاب. وأضاف بعد لقاء جمعه مع وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف :” روسيا إلى جانب الشعب السوري والإيراني وهم يسعون إلى إزالة الإرهاب في سوريا, وهذا هو موقفنا المشترك”.

حتى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري – الذي ربما كان أكثر الداعمين الشفويين لجنيف 2- قرع الجرس, وأشار إلى أن “سوريا أصبحت أقوى مغناطيس للإرهاب مقارنة بأي مكان آخر حاليا”.

ولكن كيري استقى درسا آخرا من صعود الإرهاب في سوريا مختلف عن الحكومة السورية ومؤيديها. حيث قال بأن ظهور الإرهاب في سوريا يلفت النظر إلى الحاجة إلى وجود تغيير سياسي – وكرر التزام أمريكا بضرورة تنحي الأسد.

وقال كيري :”من غير المنطق تخيل أن أولئك الذي خلقوا هذا المغناطيس بوحشيتهم .. يمكن أن يقودوا سوريا بعيدا عن التطرف باتجاه مستقبل أفضل”.

كلام كيري الصارم, لم يساهم بصورة كبيرة في تهدئة المخاوف من أن الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الرئيسيين تنظر إلى أن المتطرفين السوريين يشكلون تهديدا أكبر لمصالح الولايات المتحدة من الرئيس الأسد, الذي كان تعاونه حاسما في إزالة الأسلحة الكيماوية وسوف يكون حيويا إذا وصلت الأمم المتحدة إلى اتفاق لإيصال المساعدات الإنسانية لأماكن القتال المحاصرة في سوريا.

يقول جوشوا لانديز, المتخصص في الشأن السوري في جامعة أوكلاهوما :”العالم جميعه يدور حول قصة الإرهاب حاليا. ما رأيناه العام الماضي تقريبا هو أن الغرب يتخلى عن خطوطه الحمراء التي تنص على أن على الأسد الرحيل. الأسد ليس ذاهب إلى أي مكان”.

ويضيف :” ليس لدى أمريكا أي نية في التخلص من الأسد, وهم يبقون عليه في نقاط الحوار لأن ذلك هو الطريقة الوحيدة لجلب المعارضة إلى الطاولة”.

حتى الآن, الأخضر الإبراهيمي المبعوث الدولي إلى سوريا, يقلل من مستوى التوقعات في حصول انفراجة كبيرة, كما أخبر عددا من الدبلوماسيين أنه يأمل أن تشكل هذه المحادثات بداية لعملية سياسية.

ويخطط الإبراهيمي لافتتاح محادثات سياسية لمناقشة القضايا الشائكة, والضغط للتوصل إلى اتفاق لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المدن المحاصرة, وذلك وفقا لمصدر دبلوماسي في الأمم المتحدة. مسئول آخر في الأمم المتحدة حذر أنه ليس من الحكمة التنبؤ بخطط الإبراهيمي. وأضاف :” إنه يبقى أوراقه قريبة جدا من صدره”.

الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة يسعون أيضا للتوصل إلى اتفاق من شأنه وضع حد للقتال في بعض المناطق, وترتيب صفقة لتبادل الأسرى.

في رسالته إلى الشخصيات البارزة التي سوف تلتحق بمحادثات السلام حول سوريا, أشار بان إلى الحاجة الملحة لإنهاء الحصار الإنساني الذي منع وصول حاجات الحياة الأساسية لما يزيد على 2.5 مليون سوري. وأضاف بان في رسالته :”على الحكومة وجميع الأطراف الأخرى أن تسمح فورا بوصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل إلى جميع المناطق المتضررة من الصراع. وعلى العنف أن يتوقف بالسرعة الممكنة. وجميع الهجمات ضد المدنيين يجب أن تتوقف”.

في بداية المحادثات, اقترحت الحكومة السورية وقفا لإطلاق النار في حلب وقدمت قائمة من المعتقلين للوسطاء من أجل التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى. ولكن الكثيرين شككوا في استعداد سوريا لتنفيذ التزامها أو قدرة المعارضة على إقناع المقاتلين المنقسمين على تنفيذ أي وقف لإطلاق النار.

وقال غوان من جامعة نيويورك إن هناك “خطرا حقيقيا بأنه لن يكون هناك سوى اتفاق محدود جدا” يتعلق بوصول المساعدات إلى المدنيين في مدينة حلب المنكوبة. ولكن الاتفاق “يمكن أن ينكث” سريعا بعد بداية المؤتمر. كما أن الولايات المتحدة والقوى الأساسية الأخرى تواجه انتقادا بسبب عجزها عن احتواء انتشار العنف في سوريا وتصوير الأمر على أنه “انتصار للدبلوماسية”.

ويضيف أحد الدبلوماسيين الأوروبيين :”لا زلنا متشككين. لقد سمح النظام سابقا بوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة, ولكن القناصين (التابعين للنظام على الأرجح) أجبروا القوافل على الرجوع”.

قبل أن تغضب دعوة إيران جهود السلام الدبلوماسية في سوريا, أخبر نجيب الغضبان, ممثل الائتلاف الوطني السوري في الولايات المتحدة الفورين بوليسي إن المعارضة ترحب بأي التزام جديد من قبل النظام لإنهاء حصار المدن السورية. ولكنه اعترف أن المعارضة ليست واثقة تماما من أن المتمردين السوريين “سوف يقبلون ما سوف نتوافق عليه”. وأضاف الغضبان إن  الغاية من المحادثات السياسية أكبر من مجرد توسيع وصول المساعدات الإنسانية.

وأضاف :” مؤتمر جنيف يدور حول أمر واحد فقط وهو الانتقال الديمقراطي من خلال إطار حكم جديد, ليس فيه مكان للأسد”. كما قال إن  الولايات المتحدة والقوى الأساسية الأخرى “تضغط علينا من أجل الذهاب بناء على هذا التفاهم ومن خلال المشاركة سوف نختبر ذلك. إن كان هناك أي شيء أقل من ذلك فسوف ننسحب”.

فورين بوليسي

ترجمة : مركز الشرق العربي

وزيرنا في “جنيف 2″/ حـازم الأميـن

كم كان محقاً سمير جعجع عندما قال بالأمس أنه ليس مضطراً لأن يغطي مشاركة حزب الله في القتال في سورية عبر قبوله المشاركة في الحكومة. كلمة عدنان منصور (وزير خارجيتنا المبجلة) في مؤتمر جنيف 2 هي خير دليل عما يريده حزب الله من الحكومة في المرحلة المقبلة. لقد كانت الكلمة مخجلة ومخزية اذا ما قيست بمدى تمثيلها لبنان. كانت كلمة حزب الله.

فقط حزب الله، ولا أحد غير حزب الله. يكاد المرء يقول إنها لم تكن كلمة حركة أمل، وهي وإن اقتربت من أن تكون كلمة الحزب السوري القومي الإجتماعي، لكنها لم تبلغها بالتمام، ذاك أن القوميين يُقاتلون الى جانب النظام في سورية، لكن وزيرنا العملاق لم يَفِهم حقهم، فتجاهل هذه المشاركة، وقصر مديحه للقتال هناك بحزب الله!

انه وزير الحكومة التي تبرع فيها حزب الله بواحد من مقاعد الشيعة الى وزير سني. وهو وزير حكومة الحياد والنأي بالنفس عن الوقائع السورية. وزير ميشال سليمان ونجيب ميقاتي، لكنه ذهب الى جنيف 2 ليُمثل حزب الله. أليس هذا درساً كافياً في ظل مشاورات تشكيل الحكومة؟

ثم يا أيها الوزير، أي نأي بالنفس هذا الذي تحدثت عنه في كلمتك وأنت من اعترف بلسانه وفي نفس الكلمة بأن حزب الله يُشارك في القتال هناك؟

لكن لخطاب الوزير الكبير وجه آخر أيضاً، يتمثل في ركاكة غير مسبوقة، وهي ركاكة تؤشر الى عمق المأزق الذي يكابده حزب الله في خطاب المشاركة في الحرب السورية. ففي عرف الوزير “أن من يقول أن الإرهاب يضرب لبنان بسبب مشاركة حزب الله في القتال هناك، فانه بذلك يُبرر للإرهابيين أعمالهم”! اذاً ممنوع على اللبنانيين مناقشة مسألة بحجم مشاركة حزب “لبناني” في القتال في سورية، ومن تساوره نفسه بذلك فهو يدعم الإرهاب. هذا كلام وزير خارجية لبنان، وليس كلام النائب نواف الموسوي. وفي كلمة الوزير إشارة الى أن الإرهاب وصل إلى لبنان قبل أن يصل حزب الله إلى سورية! “غوغل سيرش” كفيل بتصحيح معلومات الوزير طبعاً.

والحال أن عدنان منصور (نسخة جنيف 2) لم يكن جزءاً من الوفد السوري على ما تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي ذلك كطرفة. لقد ذهب الرجل ليُمثل لبنان على أبواب تشكيل حكومة جديدة ربما جاء فيها وزيراً لمرة أخرى، في ظل ما حققه من انجازات، وهذه أيضاً ليست طرفة، ذاك أن حزب الله لن يجد دمية أكثر طواعية، وهو أي الحزب، في ظل مأزق خطابه لا يستطيع تخريج وظيفته في سورية بأكثر من خطاب السذاجة والتعامي الذي ابتكره وزيرنا الكبير.

الأهم من هذا كله أن حجم حزب الله في سورية إذا ما قيس بحجم مشاركته في جنيف 2 عبر الوزير منصور، فان الأثمان الكبرى التي دفعها الحزب هناك لا مجال لتصريفها بأكثر من تمثيل هزيل بحجم منصور.

موقع لنان ناو

أسباب امتناعي عن حضور «جنيف 2»: الأطراف المتحاورة لا تملك قرارها/ فيكين شيتيريان

لن أذهب إلى مونترو لحضور افتتاح المؤتمر السوري، ولا إلى قصر الأمم، مقرّ الأمم المتحدة الرئيس في جنيف للمشاركة في النقاشات التي ستلي افتتاح هذا المؤتمر، ليس بسبب عدم اكتراثي لمصير سورية، فإنني أهتمّ بهذا الموضوع على الصعيدين المهني والشخصي، ولا بسبب صعوبة الوصول إلى المكان المذكور أو تكاليف السفر الباهظة إلى سويسرا؛ إذ إنّ منزلي يبعد من مونترو مسافة ساعة بالقطار. وللوصول إلى قصر الأمم، ليس عليّ إلا أن أستقلّ أحد القطارات، فأنا أعيش في جنيف.

السبب الوحيد الذي يقف وراء عدم رغبتي بحضور المؤتمر هو ببساطة أنني لا أتوقّع أن يخلص هذا اللقاء إلى نتائج مهمّة.

لن أذهب إلى مونترو لأنّ بشّار الأسد، الرئيس السوري، وشقيقه ماهر الأسد، لن يكونا حاضرين. ويؤدّي أعضاء الوفد الذي يمثّل الطرف السوري الرسمي دور المراسلين، علماً أنّهم لا يتمتّعون بصلاحية صناعة القرارات. كما لا يمكنهم إجراء نقاشات في شأن تطبيق أي مبادئ، أو اتّخاذ قرارات حول تقديم بعض التنازلات الأساسية.

وتشتمل المعارضة على رجال سياسة يتفاخرون بأنفسهم أمام كاميرات التلفزيون، علماً أنّهم لا يؤثّرون في شكل كبير في الجماعات المقاتلة في صفوف المعارضة، ولا يتمتّعون بصلاحية صناعة القرارات، كما أنّهم يعجزون عن تأدية دور المراسلين. وفي حال نجحوا في إجراء النقاشات مع ممثلّي النظام، ستتّهمهم الجماعات المقاتلة في المعارضة بالخيانة، وببيع دم الشهداء مقابل حفنة من الذهب. ويُشار إلى أنّ كلّ ذلك لن يشكّل أي فارق كبير، لأنّه على أي حال لا تجرؤ الشخصيات السياسية في أوساط المعارضة على الدخول إلى سورية، أو إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام، أو إلى الأراضي التي يستولي عليها المقاتلون في المعارضة.

وحتّى لو نجحت القيادات السياسية التابعة للطرفين في التوصّل إلى اتّفاق سياسيّ، لا يمكنني أن أتخيّل كيف ستنجح في التفريق بين الأطراف المتنازعة. ومن المعروف أنّ المعارضة لا تتمتّع بقيادة وسيطرة مركزيّتين. وحتّى أهمّ كتائب اللواء في البلاد، تشتمل في الحقيقة على مجموعة من الأشخاص المتنازعين في ما بينهم، والمؤلّفة من أفراد محليين، بالكاد تجمعهم الأموال ومصادر التسلّح المركزيّة. وما يوحدّهم هو كراهيّتهم للنظام، أو خوفهم منه. أمّا خريطة تشكيلات المقاتلين من المعارضة التي تتغيّر باستمرار، فتسلّط الضوء على النقص في التنظيم. وإن وافق جزء من الجماعات المقاتلة في صفوف المعارضة على التوصّل إلى اتفاق سياسيّ، سيتّهمه آخرون حتماً بالخيانة، اعتقاداً منهم بأنّه مهما كان الحلّ السياسي الذي سيتوصّلون إليه، لن يكون كفيلاً بتبرير التضحيات التي سبق أن قدّموها. ومن شأن كلّ عمل من أعمال العنف التي ستنشب بعد الإعلان عن نتائج مؤتمر «جنيف 2» أن يكون ذريعة لهؤلاء المتطرّفين.

والجدير ذكره أنّ النظام يتميّز بتركيبته الصارمة من حيث القيادة والسيطرة، وعلى رأسها الرئيس. إلا أنّ لديّ شكوكاً حول قدرة هذا النظام على إصدار أمر يقضي بإبعاد المقاتلين عن خطوط الجبهة، وعودتهم أدراجهم. وها إنّ معضلة الأمن تتفاقم، والخوف يزداد. إذاً، يتعذّر حتّى على النظام في هذه المرحلة أن يضع حدّاً للحرب.

ولا شكّ في أنّ الأميركيين والروس، هم الذين يشدّدون على الحاجة إلى التوصّل إلى حلّ سياسيّ في جنيف، على عكس الأطراف السورية المتنازعة، ليس بسبب رغبتهم في وضع حدّ للمأساة المستمرّة في سورية، فهم ليسوا ساذجين إلى هذا الحدّ، بل ببساطة بغية أن يجاهروا ببذلهم أقصى جهودهم كديبلوماسيين متحضّرين لوضع حدّ لحرب همجيّة. وبعد ذلك، يتبرّأون من فعلتهم ويتّهمون السوريين بالتسبّب بأي فشل محتمل. إلى ذلك، تشوب الاتفاق الأميركي- الروسي حول مستقبل سورية شائبة صغيرة، ألا وهي عدم اتّفاق الطرفين على ما إذا كان بقاء بشّار الأسد هو المشكلة أو الحلّ. وفي حين تصرّ واشنطن على ضرورة تنحية الأسد عن الحكم، وإعطاء «حكومة انتقالية» افتراضيّة إمكانية السيطرة الفعلية، تصرّ موسكو على أنّ هدف المؤتمر هو «محاربة الإرهاب»، وتواصل تزويد جيش الأسد بالأسلحة. ولا بدّ من القول إنّ القوى العظمى تشهد انقسامات داخلية، شبيهة بالانقسامات بين السوريين.

على أي حال، بعد أسابيع قليلة على مرور مؤتمر «جنيف 2»، سيكون بوتين منهمكاً بأحداث عدّة، كألعاب «سوتشي» الأولمبية الشتوية، والإرهاب المنتشر شمال القوقاز، إضافة إلى الوضع في أوكرانيا. وسيركّز أوباما جهوده على سحب قوّاته من أفغانستان، وعلى التعامل مع فضيحة التجسس التي طاولت «وكالة الأمن القومي»، وكيفيّة السيطرة على موازنة الدولة. إذاً، سيتذرّع كلاهما بحجج كافية للتهرّب من إيجاد حلّ للأزمة السورية.

بهدف التوصّل إلى حلّ سياسيّ جدّي، ينبغي أن تكون الأطراف المتنازعة مستعدّة لتقديم تنازلات سياسيّة. غير أنّها لا تبدي أي استعداد للتنازل في هذه المرحلة، إشارةً إلى أنّ الأطراف المذكورة تسعى للانتصار من خلال تدمير خصومها.

وقد ينجح مؤتمر «جنيف 2» في أفضل الأحوال، في تأمين الإغاثة للأشخاص الذين لا يزالون تحت الحصار منذ أشهر عدة، والمباشرة في تبادل الأسرى، والتوصّل في نهاية الأمر إلى وقف إطلاق نار، وذلك قبل أن يندلع القتال مرّة أخرى.

جنيف

الحياة

بين لاهاي وجنيف – 2/وليد شقير

هي صدفة طبعاً أن يتزامن انعقاد جنيف – 2 مع بدء المحاكمات في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في لاهاي. ولم تكن هذه الصدفة لتحصل لولا هذا الجنوح الإجرامي للحل الأمني الذي قرر النظام السوري اعتماده منذ 15 آذار (مارس) 2011 ضد شعبه مخلفاً المآسي التي نشهدها يومياً والتي تنكشف كل يوم ذروة جديدة لها تجعل مما يجري في بلاد الشام حالة لم يشهد مثلها التاريخ الحديث مثلما قالت مفوضة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون.

قد يكون التاريخ القديم أيضاً لم يشهد هذا القدر من الإجرام الجماعي المتنقل بين منطقة وأخرى، إذا جمعت الذاكرة مشاهد الإجرام السابقة في سورية مع ما نشر في صحيفة «الغارديان» عن قتل زهاء 50 ألف مواطن سوري في المعتقلات تحت التعذيب وبالتجويع، كما كان يجري في القرون الوسطى وقبلها لكن بوسائل بدائية أكثر وبوتيرة أقل.

إلا أن صدفة محكمة لاهاي مع مؤتمر جنيف – 2 تدفع الى المقارنة وتظهير أوجه الشبه بين الحدثين، وإلى تحديد أوجه التمايز بينهما. وإذا كانت المحكمة حدثاً قضائياً ومؤتمر جنيف – 2 حدثاً سياسياً بامتياز، فإن ما يجمع بينهما الكثير: ثقل ممارسات النظام السوري وحلفائه على المجتمعين السوري واللبناني، بدء عملية طويلة الأمد للتصدي للجرائم قد تطول وتأخذ سنوات أخرى.

الفارق يكمن في أن محكمة لاهاي تتهيأ من أجل تحويل «القاضي الصامت»، الذي هو القانون، الى قاض ناطق يصدر حكماً غير قابل للّبس يترجم فيه القضاة مبادئ العدالة بأحكامهم. أما في جنيف – 2 فإن القاضي سيبقى صامتاً، لأنه لن يصدر أحكاماً حيال المجرمين. وما يحول دون ذلك هو ألاعيب السياسة ومناوراتها. فالمؤتمر سياسي وليس قضائياً… لأن التوازنات حالت حتى الآن دون تحويل طلب مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الجرائم المرتكبة في حق السوريين، من النظام بداية وأولاً وأخيراً ومن بعض المجموعات المعارضة التي استنسخت أسلوب النظام، الى القضاء الدولي والمحكمة الجنائية الدولية. وعندما يمتنع الروس والصينيون عن إدانة إجرام النظام في مجلس الأمن يصبح الإجرام جزءاً من اللعبة السياسية. ألم يبرر بعض معارضي المحكمة الدولية الخاصة بلبنان رفضهم لها ووصفها بأنها مسيّسة بالقول إن القتل (اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري) جزء من الحرب الجارية منذ سنوات بين مشروع سياسي وآخر؟ هو التبرير الذي يعتبرون أن بموجبه كان من الطبيعي أن يقتل الحريري. وبالتالي من الطبيعي أن يجري في سورية ما تشهده من قتل وتدمير مرعِبيْن، إذا كان الهدف الإبقاء على نظام الأسد وعائلته في السلطة.

في تقريره السنوي الثاني عن عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، (عن عامي 2010 و2011) قال رئيس المحكمة السابق الراحل أنطونيو كاسيزي، أحد أعمدة القانون الدولي وأساتذته الكبار الذي تتلمذ على يده قانونيون بينهم لبنانيون في الجامعات العالمية الكبرى مستشهداً بقول الفيلسوف هيغل: «فلتأخذ العدالة مجراها كي لا يفنى العالم». واستشهد في مجال آخر من التقرير نفسه بتعاليم الفيلسوف القانوني الكبير هانس كلسن عن أن الرغبة في العدالة «رغبة غريزية تضرب جذورها في قلب الإنسان لأنها ليست سوى تعبير عن رغبة الإنسان التي تأبى الفناء في تحقيق السعادة الحقيقية والسعادة الاجتماعية». ورأى كاسيزي أن المجتمع اللبناني في حاجة الى عمل مؤسسة دولية نزيهة «لا تقيّدها قيود أي إيديولوجية أو أي برنامج سياسي»، معتبراً أن طلب لبنان إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي هدفه «تأكيد مبدأ المساءلة القضائية وتطبيقه على أولئك الذين انحرفوا انحرافاً جسيماً عن قواعد الكرامة البشرية، وترسيخ المفهوم القائل بأن لا بقاء للديموقراطية من دون العدالة».

إذا كانت العدالة تهدف الى منع استخدام القتل في السياسة، فإنها بالتعريف غير سياسية لأنها تستند الى مبادئ فوق السياسة.

هذا ما يحصل في لاهاي. أما في جنيف – 2 فإن المجتمع الدولي عاجز عن وقف الجرائم التي ترتكب في سورية لأنه لم يقرر بعد منع القتل كوسيلة للإبقاء على نظام سياسي بات مرفوضاً من أكثرية شعبه، لكنه بقي ورقة في يد دول تستخدمه وتستفيد من القتل الذي يمارسه، على مسرح السياسة الإقليمية والدولية. ويفترض المرء أن بديل العدالة هنا قد يكون قراراً بمعالجة النزاع، أو بتحقيق المصالحة بين متنازعين، أو بفرض تسوية سياسية عليهم، عبر خطة ملزمة يقرها مجلس الأمن.

قد يأتي يوم تحال الجرائم المرتكبة في سورية الى العدالة الدولية، لكن أشواطاً يفترض أن تسبق هذه الخطوة تقتضي بسَن القانون الدولي الذي يتيح اللجوء إليها وهو تحديداً أن يقرر مجلس الأمن قيام بديل للنظام الحالي، وأن يوقف المذبحة التي تتعرض لها سورية، بإرسال قوات حفظ سلام دولية تشرف على تقاسم جديد للسلطة السياسية، ينهي تفرد مجموعة صغيرة تتحكم بفئات واسعة من الشعب، عبر الاستبداد والقهر اليومي.

في جنيف المطلوب هو الحد الأدنى من «العدالة السياسية» في مواقف الدول، فهل يتحول المؤتمر الى محكمة للعدالة السياسية بموازاة سير العدالة القضائية في لاهاي؟

الحياة

ورقة مكافحة الإرهاب ارتدت على الوفد السوري في مونترو/ راغدة درغام

محطة مونترو لم تكن كما اشتهتها ديبلوماسية المحور الروسي/ الإيراني/ الصيني/ «حزب الله» الداعم للنظام السوري في دمشق. ومحطة جنيف-2 للمفاوضات بين ممثلي الحكومة السورية وممثلي المعارضة انطلقت وسط تصلّب المواقف، و «رفع السقف»، ومعارك الأولويات، والخلاف على المرجعيات. على رغم هذا، ما حدث في مونترو شكّل إنجازاً يستحق البناء عليه بوعي وتعقل بعيداً عن الشماتة. فالمهم هو التركيز على الغابة وليس على الشجرة حصراً، لأن مستقبل سورية هو الغابة ذات الأشجار الصعبة والكثيفة. فالأمر يتطلب الحكمة والمثابرة بالذات على مستوى راعيي مؤتمر جنيف-2، الولايات المتحدة وروسيا، وعلى أيدي الأمم المتحدة التي باتت تملك «عملية» جنيف – 2 عبر الأمين العام بان كي مون وممثله الأخضر الإبراهيمي، كما عبر مجلس الأمن الذي أطلق مؤتمر جنيف – 2 في قراره 2118، فلقد شارك وزراء خارجية الدول الخمس الدائمة العضوية في تجمع مونترو على أساس دعوة بان كي مون التي أبرزت أن الهدف منه هو تنفيذ بيان جنيف – 1 لإنشاء هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة تشمل الأمن والجيش والاستخبارات يتفق عليها الجانبان السوريان في تسوية سياسية.

انعقاد مونترو بحد ذاته يشكّل تحوّلاً مهماً في المسيرة السياسية والديبلوماسية المعنية بالأزمة السورية بمجرد تواجد وفد رسمي للمعارضة السورية ممثلاً برئيس الائتلاف أحمد الجربا في القاعة سوياً مع وفد رسمي لحكومة بشار الأسد ممثلاً بوزير الخارجية وليد المعلم. فهذا إقرار بأن زمن استفراد حزب البعث بالسلطة في سورية ولّى وهو إقرار بأن في سورية اليوم معارضة معترفاً بها دولياً مهما حاول الوزير المعلم تحجيمها بوصفها «مرتزقة».

ذلك المشهد، حيث الإجماع الدولي على أن مرجعية جنيف – 2 هي تنفيذ جنيف – 1 كان عنوان مونترو الأساسي، وضع ديبلوماسية المحور الموالي للنظام في دمشق في موقف حرج لم يكن في صالحها.

فديبلوماسية المحور راهنت على إفشال المعارضة السورية لانعقاد مؤتمر جنيف – 2 بشقي الزخم الدولي في مونترو والمفاوضات بين النظام والمعارضة في جنيف. راهنت على انقسامات المعارضة وشرذمتها وعدم تمكنها من حضور المؤتمر لأن فيه نوعاً من الإقرار باستمرار حكم الأسد إلى حين الاتفاق على هيئة الحكم الانتقالي. خاب أمل هذا المحور عندما تمكن الائتلاف الوطني السوري من حضور مونترو وإعلان الاستعداد للتفاوض مع النظام في جنيف – 2. فالغياب كان من شأنه أن يوفّر لديبلوماسية المحور، ذخيرة نزع الشرعية عن المعارضة وتوطيد شرعية النظام.

لذلك قررت دمشق إضافة عنصر ثانٍ إلى الأولوية القاطعة التي توجهت بها إلى مونترو وجنيف – أي مكافحة الإرهاب – فذهبت إلى سلخ شرعية تمثيل المعارضة عبر الائتلاف معتبرة أن المعارضة السورية هي داخلية حصراً وأن كل الذين في معارضة الخارج ليسوا سوى «مرتزقة».

هذه الاستراتيجية حملها وليد المعلم إلى مونترو وطرحها في خطابه كما في مفاوضاته مع الأمم المتحدة. انطلق من منطق: لكم أولوياتكم ولنا أولوياتنا. حمل أولوية مكافحة الإرهاب حيثما ذهب وأرفقها باعتبار أن ممثلي المعارضة لا يمثلون أحداً وبالتالي فلا شريك للنظام في صنع المستقبل السوري، ولا بديل عنه لمكافحة الإرهاب.

ورقة الإرهاب ارتدت على الوفد السوري في مونترو كما ارتدت عليه بدعة إعادة تعريف مرجعية المفاوضات وكذلك استراتيجية اللاشريك في وفد المعارضة.

الأمين العام للأمم المتحدة قال إنه فوجئ وأصيب بـ «خيبة أمل» إزاء موافقة دمشق على حضور المؤتمر الذي أوضح مرجعيته في رسالة الدعوة ثم إعلانها أن الهدف، بحسب أولوياتها، هو مكافحة الإرهاب.

وزير الخارجية الأميركي جون كيري تحدث بلغة عنيفة ضد بشار الأسد عندما وصفه بأنه هو شخصياً «المغناطيس الذي يجذب الإرهابيين إلى المنطقة». قال أيضاً إن مستقبل سورية لا يمكن أن يُقرر على أساس «تشبّث رجل واحد أو عائلة واحدة بالسلطة». تعهّد بأن «لا مكان لرجل انقلب على شعبه» بدعم من «إيران ومنظمة إرهابية عبرت من لبنان». وزاد أن «لا صدقية لهذا النظام» وأن «لا خلاص لسورية من التمزق ما دام بشار في السلطة».

كانت دمشق تأمل أن توطّد ديبلوماسياً ما تسميه الشراكة الاستخبارية مع الدول الغربية في مكافحة الإرهاب. سرّبت المعلومات بأن الاستخبارات البريطانية والأميركية وغيرها هرولت إلى دمشق للتنسيق مع النظام ضد «القاعدة» وأمثالها ومشتقاتها. اعتقدت أن مونترو تشكل فرصة نافذة على حشد سياسي وديبلوماسي وراء مكافحة الإرهاب عبر الشراكة مع النظام في دمشق. إنما هذا لم يحدث، فكانت تلك خيبة أمل أخرى لدمشق وحلفائها في المحور الروسي/ الصيني/ الإيراني/ «حزب الله». لا سيما أن تجمّع مونترو الدولي أعطى الفرصة لممثل المعارضة أحمد الجربا ليقول للنظام من منصة دولية: الإرهاب هو إرهابكم.

بمواجهة استراتيجية النظام القائمة على مكافحة الإرهاب وجعله المرجعية البديلة لمؤتمر جنيف – 2، أطلقت المعارضة استراتيجية توطيد مرجعية جنيف – 2 وربط الإرهاب بالنظام. لذلك اعتبر الجربا أن القرار 2118 لمجلس الأمن الذي صدر عن السلاح الكيماوي في سورية ودعا إلى جنيف – 2 أسّس لمؤتمر جنيف». بهذا أرفق مرجعية جنيف – 1 بقرار لمجلس الأمن وصفه بأنه فرصة حقيقية لإنجاز حل سياسي يجنب سورية والمنطقة شلالات من الدماء، خصوصاً أن سورية أصبحت بفعل إرهاب الأسد ومرتزقته مرتعاً للإرهابيين الذين يشكلون الوجه الآخر للأسد ويهددون السلم والأمن في المنطقة والعالم.

الجربا اعتمد إلى القرار 2118 والذي هو وليد فك حصار الفيتو الروسي – الصيني عن مجلس الأمن بعدما نجحت روسيا في وقف الضربة الأميركية التي تعهد بها الرئيس باراك أوباما عبر إقناع حكومة الأسد بتدمير ترسانة الأسلحة الكيماوية. بهذا ارتكزت استراتيجية المعارضة على إبراز الدعامة الإضافية التي وردت في دعوة بان كي مون إلى مونترو وجنيف، أي القرار 2118. كذلك ارتكزت على تقديم «الجيش الحر» بأنه في «مواجهة مرتزقة الإرهاب الدولي»، بما في ذلك، بحسب قوله، «الحرس الثوري» الإيراني و «حزب الله».

إيران أبعدت نفسها عن مونترو وجنيف بسبب إصرارها في البدء على «الغموض» في موقفها من بيان جنيف -1 الذي ينص عملياً على قيام نظام بديل لنظام البعث الحاكم في سورية، ثم بسبب تماديها في فن المراوغة والحنكة الديبلوماسية عبر الأمين العام بان كي مون الذي أراد لإيران أن تكون جزءاً من عملية جنيف وأن تتواجد على طاولة مونترو وتستخدم اعتدالها الجديد بهدف التأثير على النظام في دمشق. لذلك حاول أن يجد وسيلة للتغلب على عرقلة عدم إعلان طهران موقفاً داعماً لمرجعية جنيف – 2، فكاد يهدر لقاء مونترو عندما راهن على حسن النوايا الإيرانية وأعلن أن وزير الخارجية جواد ظريف تعهد له شفوياً بالاستعداد لدعم وإنجاح مونترو وجنيف – 2 وأن إيران تفهم تماماً أن المرجعية هي بيان جنيف – 1.

لو صدقت طهران في موقف كهذا لشكّل ذلك حقاً نقلة نوعية في الموقف الإيراني ولكان ذلك مؤشراً واضحاً على انتصار منطق معسكر الاعتدال الإيراني الذي يمثله الرئيس حسن روحاني على منطق معسكر التطرف الذي يمثله «الحرس الثوري». ولو حدث حقاً أن وافقت إيران على بيان جنيف – 1 لكانت لذلك الموقف انعكاسات فائقة الأهمية ليس فقط نحو سورية وإنما نحو لبنان أيضاً بل إقليمياً.

لذلك عندما أعلن بان كي مون أنه، بناءً على التعهدات الشفوية الإيرانية، قرر توجيه دعوة لإيران لحضور المؤتمر، سادت أجواء التفاؤل بصفحة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط ما لبثت أن تبددت. فلقد توضح لبان كي مون أن طهران لن تصدر بياناً يؤيد ما نقله عنها شفوياً، فشعر بالخدعة واضطرب ثم ثار غضبه عندما أدرك أنه كان ربما ساذجاً في اعتقاده أن ما سمعه من جواد ظريف أزال الغموض المتعمد عن الموقف الإيراني.

بسحبه الدعوة، نزولاً عند ضغوط أميركية وفرنسية وبريطانية وكذلك نتيجة موقف الائتلاف الذي هدد بعدم حضور المؤتمر ما لم تعلن طهران صراحة قبولها بمرجعية جنيف – 1، فضح بان كي مون الموقف الإيراني من دون تعمد أو قصد. فلقد كان هدفه الأساسي ضمان تواجد إيران في مونترو، لكن إيضاح طهران في بيان صدر عنها في اليوم التالي أنها تعارض المرجعية ولا تقبل أن تحضر على أساسها أدى ببان كي مون إلى سحب الدعوة والإعراب عن «خيبة الأمل» بالموقف والتصرف الإيراني.

بان كي مون قد يملك «عملية» جنيف – 2 لكن العبء الحقيقي يقع على أكتاف الولايات المتحدة وروسيا. الفجوة بينهما واسعة، روسيا وافقت على مرجعية جنيف – 1 اعتقاداً منها أن مؤتمر جنيف – 2 لن يبصر النور.

ليس واضحاً إن كان الموقف الروسي الموافق على أن هدف جنيف – 2 هو تنفيذ بيان جنيف – 1 كان صادقاً منذ البداية لأن موسكو تتمسك حتى الآن ببقاء بشار الأسد في السلطة أقله إلى حين الانتخابات الرئاسية المقبلة ولا تقبل بعملية سياسية انتقالية عبر هيئة حكم ذات صلاحيات كاملة تحل مكان النظام الحاكم.

ربما كان الهدف توزيع الأدوار بين طهران وموسكو ودمشق وبكين، إنما وقعت أكثر من مفاجأة وأصيبت استراتيجية المحور بنكسة وانتكاسة. وربما هناك اختلاف بين الموقفين الروسي والإيراني.

موسكو تجد نفسها الآن، ومعها بكين، في موقف يعرضها للمساءلة. الديبلوماسية الروسية – الصينية عطّلت مجلس الأمن وشلّته عبر فيتو مزدوج مارسته ثلاث مرات وذلك تجنباً لتنفيذ فعلي لبيان جنيف – 1 الذي أجمعت عليه الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. تلك الديبلوماسية تمسكت ببشار الأسد في السلطة وكانت «عقدة الأسد» أهم العِقد.

الآن، تعمل ديبلوماسية النظام السوري على استبدال فكرة «هيئة الحكم الانتقالي» في سورية بتعبير «حكومة موسعة» في دمشق تضم حكومة النظام مُطّعمة بعناصر معارضة الداخل حصراً باستبعاد كامل لمعارضة الخارج.

موسكو تريد أن تكون مفاوضات جنيف مجرد محطة لقطار مفاوضات رفع العتب ريثما تقع محاولات جديدة لتحميل المعارضة السورية مسؤولية الإفشال.

واشنطن تتحدث عن سعيها وراء ضمانات وتطمينات روسية مُقنعة بأن بشار الأسد لن يترشح للرئاسة مجدداً كي يكون ذلك مدخلاً عملياً للتنازلات الضرورية من جميع الأطراف كي يتم التوصل حقاً إلى تسوية سياسية للأزمة السورية.

واشنطن وموسكو باتتا تدركان الآن أن إطالة النزاع في سورية لن تقضي على نمو الإرهاب ومشتقات «القاعدة» بل إن الإطالة ستفاقم نمو الإرهاب وتوسعه خارج الحلبة السورية. هذا جزء مما يدفع الدولتين إلى العمل معاً في المسألة السورية.

إنما الهوة بين المواقف الأميركية والروسية تكاد تكون بعمق الهوة في مواقف النظام ومواقف المعارضة في هذا المنعطف. قد يكون ذلك في إطار «رفع السقف» عشية المفاوضات. قد تكون الهوّة حقيقية. وقد تكون الديبلوماسية الأميركية والروسية ذات شق علني تصعيدي وآخر يتمعن في صنع عناصر التسوية الكبرى التي تبدو هذا الأسبوع بعيدة المنال.

محطة مونترو سجّلت نقاطاً لصالح المعارضة ومَن يدعمها. والآن، حان وقت استثمار ذلك بحكمة في محطة إنقاذ سورية من أتون الدمار.

الحياة

المعلم واللجوء السياسي!/ راجح الخوري

في حضور اربعين دولة، وخلال اربعين دقيقة، قدم وليد المعلم نموذجاً حياً عن الارهاب الذي يمارسه النظام السوري منذ اربعين عاماً. ليس في وسع احد ان ينكر ان المعلم والوفد السوري حاولا ارهاب مؤتمر “جنيف 2″، وهو ما يعكس سيكولوجياً ثقافة الترهيب المنسحبة عليهم منذ اربعة عقود، إذ لم يتنبه المعلم الى انه راح يقمع بان كي – مون لا بل قمعه امام انظار العالم، لكن عمليات القمع السورية برزت في محطات اخرى في مونترو:

السفير بشار الجعفري قمع الامم المتحدة “لأن تنظيمها للمؤتمر كان مخيباً للآمال” ربما لأن الدول الاربعين التي حضرت تؤيد انتقالاً سياسياً يوقف المذبحة المتمادية في سوريا، ولأنها كانت غاضبة امام صور التعذيب الخارجة من سجون النظام والتي نشرتها “الغارديان” وبثتها “سي ان ان”.

الجعفري متخم بثقافة الترهيب، فعندما سأله الصحافيون عن صور 11000 معتقل ماتوا تحت التعذيب في سجون النظام لم يحاول ان ينكر، قال في بساطة ان التعذيب موجود في معظم دول العالم، والأمر ليس غريباً فلطالما هو ايضاً عذّب الوفود بخطبه امام الامم المتحدة.

الوزير عمران الزعبي هرب غاضباً من سؤال صحافي سوري تكرر 16 مرة: “لماذا لا تلقون البراميل المتفجرة على “داعش” و” النصرة” بل على بيوت الناس؟”. كان يمكن ان يذهب هذا الصحافي لملاقاة وجه ربه لو كان في دمشق. ولأن النظام عمّق في جماعته ثقافة الترهيب، لم يتردد الصحافيون الذين ارسلهم الى المؤتمر في الاطباق بالزعيق في وجه صحافية غربية لأنها استهجنت تصفيقهم بعد خطاب المعلم، رغم اشتباكه المعيب مع بان كي – مون… ثم ألم تلاحظوا حبور اعضاء الوفد السوري عندما واصل المعلم قمع بان المبتسم!

اذا كانت هذه تصرفات وزراء النظام وديبلوماسييه، فكيف تكون تصرفات سجّانيه في الاقبية التي خرجت منها تلك الصور المخيفة؟ لهذا ليس كافياً ابداً مستر جون كيري ان تظهر الانفعال في مؤتمرك الصحافي بعد صمت اميركي عن المذابح مستمر منذ ثلاثة اعوام، ولا يكفي ان تقول: “بشار الاسد هو من يجذب الارهاب من انحاء العالم، ولا يمكن ان نقبل بأن تبقى السلطة في يد فرد واحد او عائلة، ولا سلام واستقرار وانقاذ لسوريا من التجزئة والتقسيم ما دام بشار في السلطة”… هذا كلام يحتاج الى ترجمة!

ذهب النظام لتحويل جنيف مؤتمراً يلزّمه وحلفاءه “الحرب على الارهاب”، لكنه قدم عرضاً ارهابياً مذهلاً، حتى احمد الجربا غرق في الضحك… اما المعلم ورفاقه الذين يعرفون انهم ارتكبوا اخطاء قد لا يغفرها النظام، فعليهم ان يتذكروا ان جنيف افضل مكان في العالم لطلب اللجوء السياسي!

النهار

عدم اتفاق أميركا وروسيا على بديل من الأسد ينعكس سلباً على مسار الحل السياسي/ اميل خوري

بين انعقاد الجلسة الأولى لمؤتمر جنيف 2 لحل الأزمة السورية وانعقاد مؤتمر الطائف لحل الأزمة اللبنانية فرق شاسع، فمؤتمر جنيف ينعقد بحثاً عن حل للأزمة السورية في حين أن مؤتمر الطائف انعقد للموافقة على حل صار اتفاق مسبق عليه بين قيادات لبنانية سياسية وحزبية وقيادات دينية، فضلا عن اتفاق بين الدول المعنية بالازمة اللبنانية ولاسيما الولايات المتحدة الاميركية والمملكة العربية السعودية وسوريا.

لذلك يخشى بعض المراقبين ان يطول التوصل في جنيف الى حل سياسي سريع للأزمة السورية كما يطول الحل العسكري بعدم توصل أي طرف الى التغلب على طرف آخر بعد مرور ثلاث سنوات من القتال.

في اتفاق الطائف وافق المدعوون اليه بعد عشرين عاما من المناقشات على “وثيقة الوفاق الوطني اللبناني” التي عرفت باتفاق الطائف، وهذه الوثيقة وضعت دستوراً جديداً للبنان قام حكم فيه على أساسه، وتشكلت اول حكومة وفاق وطني لتنفيذ بنوده وجعل سوريا وصية على لبنان لتحفظ الامن والاستقرار فيه بوجود جيش سوري يبلغ تعداده اكثر من 25 الفاً. أي إن القيادات اللبنانية دعيت الى مؤتمر الطائف لا لتناقش مشاريع حلول، بل لتوافق على مشروع حل حظي قبل ان يطرح على المؤتمر بموافقة المعنيين بوضع لبنان عربياً ودولياً. في حين أن المدعوين الى مؤتمر جنيف هم على خلاف حول مشروع حل للأزمة السورية، وهو خلاف لا يقتصر على القيادات السورية بل يشمل القيادات في الدول المعنية ولاسيما الولايات المتحدة الاميركية وروسيا. وما لم يتم التوصل الى اتفاق بين هاتين الدولتين الكبريين، فمن الصعب جدا ان تتوصل القيادات السورية، الموالية منها والمعارضة، الى اتفاق. فالقيادات الموالية تصر على بقاء الرئيس بشار الاسد في السلطة، وان الشعب السوري وحده هو الذي يقرر مصيره كما يقرر شكل الحكم والنظام ويأتي بممثليه في مجلس النواب من خلال صناديق الاقتراع، وليس لهذه القيادات من جهة اخرى تفسير واحد لبنود اتفاق جنيف 1، فمنها من يرى ان هذه البنود لم تأت على ذكر مصير الرئيس الاسد، ومنها من تعتبر ان دعوة بند من بنود هذا الاتفاق الى تشكيل حكومة سورية تنتقل اليها الصلاحيات كاملة بمثابة دعوة ضمنية للرئيس الاسد بالتخلي عن السلطة، وتقف الولايات المتحدة الاميركية مع هذا التفسير في حين تقف روسيا مع تفسير الوفد الرسمي السوري وتولي اهمية اكبر لمعالجة الوضع الانساني في سوريا والعمل على وقف النار حتى إذا طال البحث عن حل سياسي، لا تظل العمليات العسكرية وشلالات الدم تقلق الجميع وتضغط للتعجيل في الحل.

والسؤال المطروح هو: لماذا لم تتوصل الولايات المتحدة الاميركية وروسيا الى حل للازمة السورية حتى إذا ذهب المدعوون الى جنيف فلمناقشة ما اتفقت عليه الدولتان العظميان مع إدخال تعديلات عليه إذا لزم الأمر، لا أن يترك الوفدان السوريان الرسمي والمعارض يتصادمان ويتهاجمان ويحوّلان المؤتمر الى سوق عكاظ لا احد يعرف متى ينتهي؟

ثمة من يقول إن روسيا لم تتوصل بعد الى اتفاق مع الولايات المتحدة الاميركية على شكل الحكم البديل من حكم الرئيس الاسد، وهو اتفاق ضروري لئلا تتحول سوريا الى عراق آخر اذا تخلى الاسد عن السلطة قبل الاتفاق على البديل. والى ان يتم التوصل اليه ترى روسيا ان يبقى الرئيس الاسد في السلطة على ان يفوّض صلاحياته بصورة موقتة الى الهيئة الانتقالية التي نص عليها اتفاق جنيف واحد، وتحديد مدة سنة او اقل يتم خلالها وضع دستور جديد لسوريا وتجرى انتخابات نيابية على اساسه برقابة دولية ثم اجراء انتخابات رئاسيّة. ويبدو أيضاً ان روسيا والولايات المتحدة الاميركية لم تتوصلا بعد الى اتفاق على تسمية الشخصيات المرشحة لقيادة الحكومة الانتقالية. ولوحظ ان وزير الخارجية السوري وليد المعلم عبّر في كلمته المتشددة في المؤتمر عن الموقف الروسي ايضا الذي يرى ان الشعب السوري هو الذي يقرر وحده مصيره ومستقبله وليس لأي دولة ان تقرر ذلك بالنيابة عنه، وانه لا يوجد قانون دولي يتيح لهذه الدولة او تلك ان تحدد من يحق له ان يترشح او لا يترشح لرئاسة الجمهورية.

وثمة من يرى، فضلا عن عدم وجود توافق اميركي – روسي حتى الآن لحل الأزمة السورية، ان روسيا يهمها اشراك ايران في اي اتفاق لأنها الاقدر على تذليل العقبات التي تعترض اي حل سياسي، وانها اذا ظلت خارج هذا الحل فقد تجعل الوضع الميداني في سوريا يفرض دورها ومشاركتها في المؤتمر كي تساهم في البحث عن حل.

وما لم يتم التوصل الى اتفاق على حل سياسي سريع للازمة السورية، فإن لبنان يظل يعاني سياسيا وامنيا واقتصاديا ويتحمل فوق طاقته عبء تدفق اللاجئين السوريين اليه. وما دام اطراف لبنانيون يشاركون في الحرب السورية بعضهم مع النظام وبعضهم ضده، ولم يتفق الزعماء اللبنانيون على الانسحاب من هذه الحرب التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فلن يكون في الامكان إبعاد التداعيات السورية عنه والتي تصبح قاتلة إذا ما طالت، واصبح الحل السياسي متعذرا كالحل العسكري.

النهار

خطأ تجاهل الدور الإيراني في مؤتمر جنيف/ فاتح عبدالسلام

الخطب التي ألقيت في افتتاح مؤتمر جنيف الثاني للسلام وإنهاء الصراع الدموي في سوريا أخذت أعلى سقف لها في التصعيد، وانتابها التكرار في القول والوصف والموقف والتسييس والتدليس. وهذا شأن مَن يدخل في مفاوضات مجهولة النتائج ،إذ يبدأ من السقف العالي ليُري خصمه الموت قبل أن يرضى بالحمى، وقبل أن يقبل بسقف أقل.

بيد إن السقف الأقل في الموضوع السوري هو نقطة الخلاف الرئيسة المعقدة والملخصة للأزمة برمتها، حتى ليبدو المؤتمر أحياناً كالنفخ في قربة مقطوعة كما يقول المصريون. ولعل هذا هو سبب مقاطعة بعض المعارضين الإشتراك في هكذا مؤتمر، كأن الذي يدخل من بابه يخرج من شباكه من دون أن يشعر.

النظام السوري في يوم افتتاح مؤتمر جنيف استعاد مطار حلب الدولى وهبطت أول طائرة مدنية فيه في دلالة رمزية على قوة تقدمه في الميدان، الأمر الذي يمنحة أسباباً جديدة للتمسك بسقفه العالي وإجبار خصومه على الهبوط من مدرجاتهم العالية.

المعارضة تمسكت بأمور ذات بعد عاطفي وانفعالي كبير من حيث اجبارها الأمم المتحدة على سحب دعوتها لإيران في الحضور، في حين إن إيران لاعب أساسي مؤثر في المعادلة السورية، رضينا أم أبينا، ولا يمكن تخريج أي حلول من دونها. ولو حضرت ايران لكانت في مواجهة مسؤوليتها الدولية والأخلاقية للمساهمة في إنهاء الصراع الدموي في سوريا والمتورطة فيه هي أيضاً كسواها من دول عربية كالعراق والخليج. انه تصرف نعامات لا يليق بواقعية سياسية مطلوبة.

هل كان طرفا الصراع يحتاجان الى طاولة عريضة كبيرة تبسط لهما في جنيف ليعيدا مقولاتهما ومواقفهما التي يقولانها في أي مكان وأي وقت؟ الجواب مرتبط بالتزامات الدول الكبرى لاسيما روسيا والصين في جعل المقررات والاتفاقات فيما لو حصلت أمراً ملزماً. لكن يبدو من كلمات ممثلي العواصم الكبرى انهم لا يملكون شيئاً، لكنهم مستعدون لدعم القرارات لاحقاً في مجلس الأمن. وأبقى مصراً على أن الوضع في سوريا يحتاج التعامل بواقعية مع الدور الإيراني وعدم تجاهله، وهو الدور الذي يمكن أن يحرك ورقة السقوف العالية.

إن حضور الوفد الإيراني كان يمكن الإفادة منه كمساعد للحل لاسيما أن إيران لها جولة خاصة بها في جنيف على صلة بمفاوضاتها النووية.

المسألة غير مرتبطة بمن تحب أو تكره.

الزمان

إيجابيتان على هامش سلبيات “جنيف 2″/ راجح الخوري

مؤتمر «جنيف 2» الذي بدأ الأربعاء انتهى قبل أن يبدأ، يمكن القول إنه انتهى منذ زمن بعيد بعدما تمكن سيرغي لافروف من تفخيخ مقررات «جنيف 1»، بدس لغم الغموض المتصل بمصير بشار الأسد. لكن قبل الحديث عن وقائع المؤتمر وأوهامه، من الضروري أن نتوقف عند إيجابيتين حققتهما بطريقة غير مباشرة، الخلافات التي سبقت الذهاب إلى مونترو:

أولا – أن الجدال الذي أحاط بتوجيه الدعوات وخصوصا إلى إيران، ثبت ضرورة أن يكون الهدف الأساس للمؤتمر، ترتيب مسألة «الانتقال السياسي» وتشكيل حكومة تتولى كل الصلاحيات، وهو ما نص عليه المؤتمر الأول.

إن تأكيد حتمية «الانتقال السياسي» مهم جدا قياسا بالأجواء التي سادت انطلاقا من التطورات الميدانية الأخيرة، والتي كانت تريد أن يتحول «جنيف 2» مؤتمرا دوليا لإعلان الحرب على «داعش» والمتطرفين والإرهابيين، بما يحجب جوهر الأزمة التي تتصل بالمعارضة السورية وبالثورة وبمطالب الشعب السوري المذبوح، وهو ما خطط له النظام السوري بالتعاون مع موسكو وطهران منذ بداية الأزمة.

ويكفي في هذا السياق قراءة تقرير «الدايلي تلغراف» يوم الثلاثاء الماضي عن التعاون بين النظام و«القاعدة»، وأن نتذكر تصريحات لافروف والأسد والمسؤولين الإيرانيين، ليتبين أن المطلوب ترتيب صيغة تبقي الأسد في إطار «منظومة تعاون لاجتثاث الإرهاب»، فعندما قال جون كيري: «إن الأسد هو الذي خلق الوحش الإرهابي»، سارعت الدبلوماسية الروسية إلى التشجيع على ظهور مقالات، مفادها أن من الضروري قيام تحالف بين الأسد والمعارضة لمحاربة «داعش» و«النصرة» وأخواتهما، وليس سرا أن أجهزة استخبارات غربية عدة استأنفت اتصالاتها مع النظام السوري انطلاقا من هذه الخلفية الواهمة!

ثانيا – الإيجابية الثانية تتمثل في أن الدعوة المفاجئة التي وجهها بان كي مون فجر يوم الاثنين الماضي إلى إيران لحضور المؤتمر، والتي دفعت «الائتلاف الوطني» إلى التهديد بالمقاطعة وأثارت رفضا قويا من السعودية وأميركا وفرنسا وبريطانيا، أدت من ثم إلى تظهير الموقف الإيراني والإضاءة على حقيقته السلبية لجهة تدخله عسكريا مع أذرعه اللبنانية والعراقية في المعارك إلى جانب النظام.

كما أدت إلى التركيز على أن المطلوب من إيران، هو الموافقة على عملية «الانتقال السياسي»، وهو ما ترفضه لأنه يناقض كل حساباتها الإقليمية، فإذا كان المرشد علي خامنئي قد أعلن منذ البداية أنه لن يسمح بسقوط الأسد، وهو ما ردده حزب الله وعمل له نوري المالكي، فإن استبعاد إيران بسحب بان كي مون دعوته لها، يشكل ترسيخا نهائيا لمبدأ «الانتقال السياسي».

ولكن، هل يسقط ذلك مراهنة الأسد مع إيران وروسيا على ما تردد في الأسابيع الماضية، من أن أميركا والدول الغربية ستضطر في النهاية إلى تجرع مرارة كأس الانكفاء عن المنطقة، والقبول بأن يقوم ثلاثي الأسد وطهران وموسكو، بالتصدي لمنظمات «داعش» وأخواتها، ليس في سوريا، بل في العراق والإقليم، وهو ما يسهل أو يبرر التدخلات الإيرانية لخلخلة الأنظمة الإقليمية!

لعل هذا ما كان قد دفع رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني، إلى التبشير بأن «الشرق الأوسط الجديد هو في مرحلة التبلور»، بما يعني أن الرهان يقوم ضمنا على محاولة حصر مهمات «جنيف 2» بمحاربة الإرهابيين والتكفيريين وتلزيم العملية إلى الأسد وإيران وروسيا، وفي ظل هذا التلزيم يمكن لطهران إغراق دول المنطقة في الاضطراب بحجة محاربة الإرهاب، تمهيدا لفرض استراتيجيات الهيمنة وإدارة الإقليم، فالمطلوب في النهاية أن يتوارى الأميركي أمام الروسي، وأن يبقى الأسد، وأن ترسخ إيران محور نفوذها الإقليمي الذي تقوم على بنائه منذ ثلاثة عقود!

ويبقى السؤال: لماذا كانت دعوة بان كي مون المفاجئة إلى إيران التي اضطر إلى سحبها، وخصوصا أن حسين أمير عبد اللهيان، مساعد وزير الخارجية الإيرانية، كان قد رفض قبل ساعات مبدأ «الانتقال السياسي» وأكد أن إيران حليف قوي للأسد، هل لأن هناك في الكواليس من سعى لنسف المؤتمر تهربا من مسألة «الانتقال السياسي» وتخصيبا للإرهابيين بما يعمق الحاجة إلى من يتولى محاربتهم؟

عمليا، سقطت «البراميل المتفجرة» على المؤتمر قبل أن يبدأ، ويكفي أن نقرأ تصريح وليد المعلم عن أن «الرئيس والنظام خطوط حمراء»، وأن الجلسة الثانية للمؤتمر يجب أن تعقد في دمشق، وربما في سجن المزة مثلا ما دامت المعارضة في نظر النظام وحلفائه هي «داعش» و«النصرة» اللتين ولدتا وترعرعتا في أحضان النظام!

الشرق الأوسط

المشكلة الجوهريّة لجنيف 2/ حازم صاغية

في الجلسة الافتتاحيّة لمؤتمر جنيف 2، كان الشيء الوحيد الذي اتّفق عليه رؤساء الوفود السوريّة والدوليّة أنّ العمليّة صعبة وطويلة. وهم، في ذلك، على حقّ.

فالتفاوض في مؤتمر جنيف 2 لا يجري بين منتصر حقّق انتصاراً كاسحاً ومهزوم مُني بهزيمة كاسحة. ذاك أنّ النظام السوريّ لم ينتصر ولم يُهزم، والشيء نفسه يقال في المعارضة. أمّا الولايات المتّحدة الأمريكيّة وحلفاؤها الغربيّون فتراجع وزنهم قليلاً من غير أن يخسروا الموقع المقرّر، فيما روسيا الفيدراليّة تقدّمت قليلاً من دون أن تستطيع منافسة القوى الغربيّة على موقعها الراجح.

الأمر إذن ليس تنظيماً لاستسلام وتوقيعاً على صكوكه.

كذلك فالتفاوض في جنيف 2 لا يسري عليه مبدأ توسيع القواسم المشتركة بين طرفين مختلفين، ومن ثمّ البناء على تلك القواسم وتحويلها إلى معادلة سياسيّة جديدة. ذاك أنّه لا توجد أيّة قواسم مشتركة بين الطرفين السوريّين، فيما القواسم المشتركة بين القوى الدوليّة المعنيّة بالأمر قليلة من جهة، وصعبة الربط بالموضوع السوريّ المباشر من جهة أخرى.

فالطرفان السوريّان يشكّك كلّ منهما بصدق تمثيل الآخر وبشرعيّته، الأمر الذي عبّر عنه بكلّ وضوح وليد المعلّم، وزير خارجيّة سوريّا ورئيس وفدها، حين خوّن المعارضة، مكرّراً لازمته حول العدوان الخارجيّ، وهذا بعدما أعلن عشيّة توجّهه إلى سويسرا بأنّ بشّار الأسد “خطّ أحمر”. وبدورها عبّرت المعارضة مراراً عن تشكيكها الجذريّ بسلطة الأسد وبشرعيّتها، متمسّكة على نحو صارم بما توصّلت إليه توصيات مؤتمر جنيف 1 لجهة استبعاد الأسد في المرحلة الانتقاليّة. ولم يكن قليل الدلالة، رمزيّاً وفعليّاً على السواء، أن تظهر، قبل يومين على افتتاح المؤتمر، تلك الصور – الوثائق التي تدين النظام السوريّ بقتل 11 ألف مواطن بعد تجويعهم وتعذيبهم. لقد علّق البعض، بحقّ، على تلك الصور – الوثائق باعتبارها استعادة لضحايا المحرقة النازيّة.

أمّا دوليّاً، فثمّة بون شاسع يفصل بين التصوّر الأمريكيّ – الأوروبيّ لطبيعة الصراع الدائر في سوريّا، ولمستقبل البلد ونظامه تالياً، وبين التصوّر الروسيّ المقابل. وقد كانت المشادّة الأخيرة التي سبقت انعقاد المؤتمر، حول المشاركة الإيرانيّة فيه، كاشفة للفارق الضخم بين التصوّرين.

صحيح أنّ ثمّة قاسماً مشتركاً هنا يتعلّق بمسألة الإرهاب، بيد أنّ الانتقال من هذا العنوان إلى العنوان السوريّ البحت موضوع مشكَل وحمّال أوجه. فالنظام في دمشق ومن ورائه روسيا يسعيان، بقدر من التذاكي، إلى حرف جنيف 2 عن هدفه الأصليّ، أي الحكم الانتقاليّ، إلى مسألة الإرهاب. وهذا ما يصعب تمريره. لا بل يمكن في إطار موضوعة الإرهاب نفسها أن يقال، مثلاً لا حصراً، إنّ المعارضة السوريّة المسلّحة هي أكثر من تصدّى، ويتصدّى، لـ”داعش” وإرهابها، كما يمكن الجدل بأنّ حزب الله، في المقابل، طرف إرهابيّ، خصوصاً وأنّ مدينة لاهاي كانت تشهد في الوقت ذاته محاكمة لبعض عناصره المدانين بقتل رئيس الحكومة اللبنانيّ الراحل رفيق الحريري. وهذا ناهيك عن المجال المفتوح دائماً للتذكير بدعم الأسد ونظامه النشاط الإرهابيّ في العراق ولبنان، فضلاً عن الحجّة القائلة إنّ أنظمة مستبدّة كنظام الأسد هي العنصر الأفعل في توليد الإرهاب.

قصارى القول إنّ المؤتمرين في جنيف ليسوا متّفقين على شيء، أمّا ما هم متّفقون عليه فمختلفون على تعريفه، ما يعزّز تعقيد المشكلة بدل أن يسهم في تذليلها.

وتوصيف كهذا يسمح بالقول إنّ مؤتمر جنيف 2 لا يعدو كونه مرآة من مرايا السياسة الأوباميّة، حيث تترافق النوايا الحسنة مع عجز الإرادة، كما تصطدم النزعة السلميّة (الباسيفيّة) المستقيلة من وحدانيّة القوّة بأطراف لا تفهم إلاّ لغة القوّة. والحال أنّ تلك السياسة، التي تمثّل ذروة التخبّط الاستراتيجيّ الأمريكيّ لحقبة ما بعد الحرب الباردة، ليست من النوع الذي يحلّ المشكلات أو يحاصرها. وهذا، في أغلب الظنّ، ما سوف يعانيه المستقبل السوريّ الكئيب في انتظار عناصر جديدة، داخليّة أو خارجيّة، قد تطرأ على المعادلة.

موقع 24

الطهاة في الممرات/ غسان شربل

يبحث الاخضر الابراهيمي عن الحل في بحر من الدم والفشل. هذا ما يشعر به الصحافي حين يقترب من مقر المفاوضات السورية في جنيف. ولولا الفشل لما كانت مهمة الابراهيمي ولا المشهد الذي شهدته مدينة مونترو السويسرية حين جلس وليد المعلم وأحمد الجربا تحت سقف واحد.

يبدأ الفشل من الارض السورية نفسها. فشل الجيش السوري في سحق المعارضة. فشل في إعادة فرض سلطته على كامل الاراضي السورية. استعانته بحلفاء من الخارج حسّنت بعض اوضاعه، لكنها لم تحسم الصراع. في المقابل، فشلت المعارضة السورية في دحر النظام. الانشقاقات لم تفكك آلته العسكرية. المقاتلون الجوالون الذين وفدوا بذريعة مقاتلة النظام تحولوا عبئاً على المعارضة واضطرت الى مقاتلتهم.

فشلت الدول الاقليمية الرئيسية في وضع اطار يحاصر النار السورية تمهيداً لإطفائها. استدرجها النزاع السوري خصوصاً حين احتل موقعه على خريطة النزاع الشيعي – السنّي. انخرطت بدرجات متفاوتة وبدت سورية مسرحاً لنزاع اكبر منها. الإطفائي الاقليمي غير موجود.

فشل مجلس الأمن في اتخاذ قرار يمنع سورية من الانحدار في اتجاه الهاوية. احبطت روسيا جملة محاولات غربية. كان يمكن تهمة استخدام السلاح الكيماوي ان تكون قاتلة للنظام السوري. قدم له لافروف طوق النجاة. التقط سيد البيت الابيض العرض. لا يريد ارسال الجيش الى حرب جديدة. بدا جلياً ان القيادة الاميركية للعالم مصابة بعطل واضح في المكتب البيضاوي. تقدم فلاديمير بوتين موقظاً شيئاً من ممارسات الحرب الباردة. في المقابل، فشلت روسيا ومعها ايران في تمكين النظام السوري من الحسم. تداخل ملف الازمة السورية مع ملف المفاوضات الاميركية – الايرانية. من يسجل نقاطاً في الثاني لا يستطيع تفادي قدر من التنازلات في الاول.

من اهوال اليوميات السورية والفشل المتعدد الأطراف ولدت فكرة جنيف. تفاهم اميركي – روسي على عدد من المبادئ، بينها اعتبار الحل السياسي الخيار الوحيد للخروج من الازمة والعمل لمنع انهيار مؤسسات الدولة السورية العسكرية والأمنية وتشكيل هيئة حكم انتقالية غير بعيدة في مفهومها عن مجلس الحكم الذي شكل غداة اقتلاع النظام العراقي مع الالتفات الى الفوارق الكثيرة. لكن الفترة الفاصلة بين «جنيف 1» و «جنيف 2» اظهرت ان التفاهم الاميركي – الروسي ليس كاملاً وأن الشيطان يكمن في ما هو ابعد من التفاصيل.

في جنيف كل شيء يوحي ان المفاوضات ستكون طويلة ومريرة. هذا ما يستنتجه الصحافي اذا تحدث الى الطهاة الدوليين الموزعين في الممرات. والطهاة معروفون وحاضرون. روبرت فورد السفير الاميركي السابق في دمشق. وإريك شوفالييه السفير السابق في المكان نفسه. وجون ولكس المبعوث البريطاني الى الازمة السورية. والسفير التركي السابق في دمشق عمر اونهن. ألمانيا ليست غائبة وكذلك السويد. لكن ثمة من يعتقد ان لافروف يستحق لقب كبير الطهاة.

يتفق الطهاة على الاهمية الرمزية والفعلية لجلوس المعلم والجربا تحت سقف واحد. تسمع في الممرات «ان الامر في النهاية في يد السوريين انفسهم». كأنهم يغسلون ايديهم سلفاً من الاهوال المقبلة في سورية «قبل ان يشعر كل من الطرفين بأنه ضعيف ومستنزف وعندها تنطلق المفاوضات الفعلية». وتسمع ايضاً ان المشكلة هي ان النظام السوري غير قابل للإصلاح وأن فتح كوة صغيرة في جداره يعني الانهيار. ثمة من يلمّح الى ان الحل قد ينتظر خليفة اوباما في البيت الابيض. هذا فظيع.

يستطيع الطهاة الانتظار طويلاً في الممرات والردهات. ولكن ماذا عن السوريين المبعثرين على اطراف بلادهم المشتعلة. ماذا عن السوريين العالقين على ارض وطنهم يتقلبون على نار الطهاة.

الحياة

هل يستطيع السوريون وحدهم قيادة بلادهم في مرحلتها الانتقالية؟/ جمال خاشقجي *

بينما ننتظر خلال هذا الأسبوع، وربما الذي يليه، نجاح أو فشل «جنيف2»، لنتفكر في من سيقود سورية في «المرحلة الانتقالية» التي ستفضي إلى سورية الجديدة الحرة الديموقراطية غير المقسمة، والتي تعيش سلاماً مع ذاتها وجيرانها؟ هل طلبتُ الكثير؟ إنه الحد الأدنى الذي تطالب به المعارضة، ومعظم الفصائل المقاتلة، وكذلك كل دول المنطقة، فلا أحد يريد سورية تحكمها طائفة تلغي أخرى، أو يحكمها الجيش، ولا سورية مقسمة، حتى «جبهة النصرة» المحسوبة على «القاعدة» قال زعيمها إنهم مجرد فصيل مع آخرين، ولن يفرضوا رأيهم في تحديد مستقبل بلادهم.

لا يبقى غير «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، والذي اجتمعت كل الفصائل على رفضه وقتاله، ولكن لم تحسم معركتها معه بعد، فهو لا يعترف حتى بفكرة «الدولة السورية» ناهيك عن أن يقبل بديموقراطية وتعددية. إنه يتحدث عن دولة إسلامية خالصة، ولا بأس بخلافة، وبالتالي سيبقى شوكة في خاصرة الجمهورية السورية القادمة ومرحلتها الانتقالية، بغض النظر عمن يقودها، مثلما هو شوكة متفاوتة في حجمها في خاصرة معظم الدول العربية والإسلامية.

إذا ضغط الروس في جنيف ودمشق أيضاً بما يكفي على حليفهم السوري، وتم الاتفاق على تشكيل «هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية وسلطة كاملة على الجيش والشرطة وأجهزة الأمن»، كما توافقوا مع الأميركيين، وكما جاء في مضمون الدعوة إلى «جنيف 2»، فإن ذلك يعني بالضرورة اختفاء بشار الأسد من المشهد، ما يعني انهيار نظامه، وربما فوضى، وثوار يقتحمون المباني الحكومية والقصور الرئاسية والخاصة، وحالات انتقام، واقتتال حتى بين الفصائل، خصوصاً مع وجود «داعش» التي ستعلن دولة إسلامية كلما اقتحم مقاتلوها مخفراً أو بلدية، فيعمد فصيل آخر إلى طردها وقتالها.

هنا يأتي تفسير جملة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف «إنّ تمسكَ البعض بفكرة إسقاط النظام السوري لا يبشر بخير»، التي صرّح بها قبيل توجهه إلى جنيف، ففسرها البعض على أنها تعني تمسكاً روسياً ببقاء بشار، وفسّرها آخرون بأنه يقصد النظام لا بشار، مستندين إلى تصريح سابق له عن أن روسيا غير متمسكة بشخص الأسد. نعم… مضطرون في هذا الضباب السياسي إلى استخدام تقنيات الكلمات المتقاطعة لقراءة المشهد السوري.

إن روسيا التي أصرّت على «جنيف 1» والذي يقول بتشكيل «هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية»، تعلم أن ذلك يستحيل مع وجود بشار الأسد، ليس في الحكم فقط، بل حتى في سورية نفسها كمواطن – بعد تشكيل الهيئة – إذا ما أريد منها إنهاء الحرب وإحلال السلام، فهو ليس بالزعيم المنتخب ليتقاعد وينصرف لعلاج عيون ضحايا الحرب التي كان سببها. إنه ديكتاتور يعيش بمنطق «أنا النظام والنظام أنا»، وعندما يختفي تنهار المنظومة الأمنية من حوله، وبالتالي سينهار النظام ما لم تكن هناك «هيئة» تمسكه.

من السذاجة أن يتوقع أحد أن توافق المعارضة السورية ومن خلفها الشعب والتنظيمات المقاتلة على بقاء الجيش، مع بضعة وعشرين جهازاً أمنياً تحت ذريعة «حماية النظام والدولة السورية من الانهيار»، فلا الجيش جيش وطني محل توافق شعبي مثل الجيش المصري أو التونسي، ولا أجهزة الاستخبارات تقوم بدور يُحمد في حماية الوطن والشعب من تهديدات خارجية، بل كانت أدوات النظام والأقلية الحاكمة في إخضاع الغالبية بالقتل والقهر والترهيب. إنها ترمز إلى حقبة ثار فيها الشعب السوري، فهي مثل أمية بن خلف، وما كان يرمز إليه بالنسبة إلى الصحابي الجليل بلال بن رباح – رأس الكفر أمية… لا نجوت إن نجا – بل إن أركان تلك الأجهزة يعلمون ذلك، فلن يهتموا لأي تطمينات تأتيهم من وليد المعلم وهو يعلن التوصل إلى اتفاق «هيئة الحكم الانتقالية»، ولا حتى من موسكو، وإنما سينظرون تجاه بشار الأسد، فإن قال إنه يرفض ما أعلن في جنيف، وإنه باقٍ معهم ولهم رئيساً شرعياً للبلاد، فحينها سيقلبون المخاطر بين أيديهم، فينهار بعضهم ويبقى آخرون مع زعيمهم يترقبون، أما إن اختفى ولم يسمعوا له حساً ولا خبراً، فلن يتوجهوا إلى المطار في انتظار «هيئة الحكم الانتقالية»، وعفا الله عمّا سلف، وإنما سيصرخون «نفسي… نفسي» وكل يدبر أمره وأمر أسرته، ما بين لاجئ إلى العراق أو لبنان، أو إلى ضيعته وجبله، في انتظار مواجهة أخرى ستكون من أعقد مسائل «هيئة الحكم الانتقالية»، وهي طمأنة الأقلية العلوية، وإعادتها إلى سياق الدولة السورية الواحدة.

من يستطيع فعل كل ذلك؟ هل تستطيع «هيئة الحكم الانتقالية» المكونة من المعارضة وبعض من بقايا النظام غير الملطخة أيديهم بالدماء (هل يوجد هؤلاء؟) قيادة المرحلة الانتقالية وحدهم؟ أعتقد أن لا فكاك من دور لقوات حفظ سلام عربية تدخل سورية لدعم الهيئة، وربما تعزز بوحدات تركية يكون لها دور في الشمال السوري. هل يمكن أن يقبل السوريون بوضع بلادهم تحت وصاية الأردن مثلاً لفترة زمنية محددة وبقرار أممي؟ أسئلة كثيرة ناتجة من الحال السورية غير الجلية، والشيء الوحيد المؤكد أن هيئة حكم انتقالية سورية لن تستطيع وحدها القيام بمهمة بناء سورية الجديدة، وحفظ الأمن فيها، ولا بد من قوة خارجية تمد لها يد المساعدة، و «الشقيق» وقت الضيق.

* إعلامي وكاتب سعودي

الحياة

العرب والسيادة/ مصطفى زين

لا بد أن يشعر دعاة إلغاء سيادة الدول، وجلهم من اليمين المتطرف أو اليسار المتطرف التائب، بالنشوة، فقد حقق مؤتمر «جنيف 2 « حلمهم. في هذا المؤتمر لم تلغَ سيادة الدولة السورية على أرضها فحسب، بل أُلغيت سيادة الشعب السوري بمعارضيه والموالين، وبمسلحيه والسلميين.

قاد حملة إلغاء السيادة في أميركا مثقفو المحافظين الجدد في عهد جورج بوش، ومثقفون عرب في بلادنا. كان الهدف شن الحروب على دول خارجة عن إرادة واشنطن، بحجة أن الأنظمة التي تقمع شعوبها لا تستحق التمتع بالسيادة.

مؤتمر جنيف كرس إلغاء السيادة السورية. حملة إلغائها بدأت مع التمرد على الدولة في درعا، ومنذ بدأ السفراء، خصوصاً سفيري فرنسا إيريك شوفالييه والولايات المتحدة روبرت فورد، ينزلون إلى الشارع لتحريض المتظاهرين والنطق باسمهم، ووضع الشروط لإنهاء التظاهرات ثم الإشراف على تشكيل «المجلس الوطني» في إسطنبول والمشاركة الفاعلة في تأسيس «الائتلاف». ومنذ أن «نصحت» وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون المسلحين آنذاك بعدم تسليم أسلحتهم إلى السلطة مقابل العفو عنهم.

لم يكتف ممثلو المجتمع الدولي بذلك، بل حاولوا جاهدين نزع شرعية الحكم، من خلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن، مرة لأن النظام يفتك بشعبه، ومرات لأنه يخالف القانون الدولي ويرتكب المجازر ويمتلك أسلحة كيماوية لن يتوانى عن استخدامها ضد المدنيين. كل ذلك تمهيداً لشن حرب على دمشق تشبه الحرب على العراق أو ليبيا «لإعادة السيادة إلى الشعب» ونشر الديموقراطية والعدالة وإنصاف السوريين الذين يتعرضون للإبادة.

في كل هذه المراحل كانت القوتان العظميان، أميركا وروسيا، تخوضان معركتهما الخاصة، الأولى باسم المعارضة، والثانية باسم النظام وبالتنسيق معه. ولم يكن صوت الشعب السوري مسموعاً في عواصم القرار، عدا قلة لا تمثل إلا نفسها أو بعض «الألوية» و «الكتائب» المعتمدة في تسليحها وتدريبها وإدارة معاركها، على الخارج الذي راهن على قلب المعادلة بالقوة على الأرض. أما النظام، فمجرد وجوده في قاعة واحدة لإجراء مفاوضات مع المعارضة بإشراف دولي، يعني أنه سلّم بالأمر الواقع وبمشاركة المعارضة ومن وراءها في السيادة، وبحق المشاركين -أجانب وعرباً- في قول كلمتهم في ما يدور في دمشق، خصوصاً أن أحداً منهم ليس وسيطاً محايداً، فالجميع يسعى إلى فرض نفوذه من خلال هذا الطرف السوري أو ذاك، بعد أن تهدأ المعارك.

ليس من سيادة كاملة لأي دولة على أرضها، الحلفاء يخرقون هذه السيادة (القواعد الأميركية في ألمانيا واليابان مثال على ذلك)، لكن هذا الخرق يكون بالتفاهم بين الدولتين وبشروط يلتزم بها كل منهما. ومن غير المعهود أو من المستبعد أن تتدخل إحداهما في الشؤون الداخلية للأخرى، أو تنحاز إلى المعارضة وتدعمها لتغيير النظام فيها، أو لفرض هذا الزعيم أو ذاك.

أما عربياً، من الصومال إلى اليمن فالعراق ومصر ولبنان وكل بلاد الشام، فالسيادة ليست للأنظمة ولا للشعوب. التدخل في شؤون مصر ليس جديداً، ولم يكن نتيجة «الثورة» أو استغلالاً لها، فالولايات المتحدة كانت تدعم «الإخوان» ضد الجيش، مهددة بقطع المساعدات عنه، ثم تخلت عن هذا الموقف. وفي العراق لا يختلف اثنان على أن أميركا وإيران، فضلاً عن تركيا، تتنافسان على مد نفوذهما إلى بغداد.

أما في لبنان، فتدخل السفراء في شؤونه لا تخطئه عين، كأنه عاد إلى حكم القناصل أيام الحكم العثماني. لم يصل رئيس للجمهورية أو للحكومة أو لمجلس النواب إلى منصبه إلا بتوازنات دولية وإقليمية. وها هم اللبنانيون ينتظرون الظرف المناسب منذ تسعة شهور ليشكلوا حكومتهم، تتجاذبهم رياح «الربيع العربي» والإرادات الدولية المتضاربة. الجميع ينتظر المنتصر في سورية ليقرر موقفه. وهل نتحدث عن فلسطين وسيادتها؟

يقول ممثل «تجمع أحرار سورية» عضو الهيئة السياسية في «الائتلاف الوطني» زياد أبو حمدان إن الائتلاف «سيارة صنعت في الخارج لكن سائقها سوري» يقودها حيث يشاء.

هذه السذاجة في التحليل تعبير دقيق عن تفكير مختلَف الطبقات السياسية في معظم البلدان العربية، فسائقو السيارات المصنوعة في الخارج لم يقودوها مرة إلا في اتجاه هذا الخارج.

الحياة

مَنْ يحمي مَنْ، مستر كيري؟/ الياس الديري

يبدو أن حبل المفاجآت في مفاوضات جنيف سيكون طويلاً، وعلى أكثر من صعيد. لكن المهم في كل ذلك ألا يكون كحبال الكذب والأوهام التي تضرب بها الأمثال.

على أن ما تقدَّم المفاجآت المتعدّدة كان وزير الخارجيَّة الأميركي جون كيري بطله ونجمه. وخصوصاً بعدما جرَّد حملة ضروساً على النظام السوري، وأعلن “الاصرار على شرط رحيل الرئيس بشَّار الأسد والمحيطين به… وعدم اشراكهم في أي هيئة حكم انتقالي”.

ولا سبب لنقل هذه الجملة بحرفيتها، إلاّ كونها صادرة عن وزير الخارجيَّة الأميركي. فالكلام الأميركي كثيراً ما فاجع الناس بتبخُّره قبل صياح الديك أحياناً، وبعد تورُّط المعنيّين به مباشرة في كلّ حين.

حتى صاروا يقولون في الملمات، وحين يصدر تعهُّد أميركي لكذا أو كيت “هذا كلام أميركي لا تُبنى عليه آمال ولا حلول”.

لكن اللافت في حكاية كيري انه تابع حملته هذه خلال مقابلة تلفزيونيَّة مع قناة “العربية”، معلناً بكل تأكيد وثقة “أن هناك دولاً كثيرة عرضت فعلاً مبادرة إرسال قوات لحفظ السلام في سوريا الجديدة”.

ومن غير أن يسمّي هذه الدول، أو يتوقف عند هذه النقطة على أهميَّتها إذا كانت متكئة على حقائق ووقائع ملموسة، فجَّر الوزير البشوش والمهضوم مفاجأته التالية، مشيراً الى “أن العالم سيحمي العلويّين والأقليّات في سوريا بعد سقوط الأسد، كما أنه سيحمي المؤسسات السوريَّة من الانهيار”.

عند هذا الحد سكتت شهرزاد الأميركية، وسكت كيري عن الكلام المباح، رافضاً الدخول في التفاصيل. سواء من حيث الدول التي عرضت “المبادرة”، أو تلك التي تعبِّر عن اشتراك العالم بأسره، أو بدوله الكبرى في القوّة التي ستوفّر الحماية للأقليّات…

لسبب من الأسباب، لا لسبب مهمّ جداً، شاء البعض أن يسأل وزير خارجيَّة أميركا عن “النموذج الأميركي” الذي ستتخذه الأقليات السورية، واقليّات المنطقة العربيَّة بأسرها، مثالاً يُحتذى ويطمئن اليه الناس المعنيون؟

تُرى، هل إن الوضع العراقي هو المثال الحي لهذا الوعد الجديد؟ أم هي أفغانستان؟ أم إنه في لبنان ولثلاث تجارب أوصلت الوطن الصغير واقليّاته الى الهجرة الجماعيَّة؟

حتى الوضع السوري في بدايات المجازر وأهوال البراميل والمواد الكيماويَّة، كادت البوارج وحاملات الطائرات الأميركيَّة ان تتحرّك… ليحصل لاحقاً ما حصل، وما لا يزال ماثلاً في الأذهان وعلى الأرض السورية.

إذاً، مَنْ يضمن للأقليات السوريَّة وغير السورية التزام “النظام الأميركي” مواقفه الجديدة ضد النظام السوري؟

يقول المَثَل الشعبي “مَنْ جرَّب المجرَّب كان عقله مخرّباً”.

النهار

ثمن الأسد روسياً… وإيرانياً!/ راجح الخوري

كل ما تمكن الاخضر الابرهيمي من تحقيقه حتى الآن هو اقناع الوفدين السوريين بعدم رفع الاعلام لا علم النظام ولا علم المعارضة . يبدو الامر شكلياً الا ان له مدلولا وبعدا سيكولوجيا على الاقل لأن هذا يوحي بأن النظام يقبل ضمناً بفقدان حصرية الكلمة ووحدانية التمثيل!

لم نكن في حاجة الى تصريح احمد الجربا ليبلغنا ان سيرغي لافروف يقول”ان موسكو ليست متمسكة بالاسد “، فقد سبق ان لمّح الروس الى هذا، وقبل الذهاب الى جنيف كان معروفاً ان المسألة في العمق عندهم كما عند الايرانيين، ليست متوقفة على شخص الاسد، بل على حصة كل منهما من كعكة النفوذ والعلاقات مع النظام الجديد، فالمهم ليس مستقبل الشخص بل مستقبل العلاقة مع سوريا الجديدة !

ولم يكن احد في حاجة الى الجربا ليبلغه “ان بشار الاسد بات صورة من الماضي”، فالحسابات السياسية البسيطة عند الذين دعموا الاسد وتمسكوا به حتى الآن، تقول انه لا يمكن الحفاظ على المصالح والاحتفاظ بكعكة النفوذ في سوريا مع رئيس اثبت مؤتمر جنيف كم هو وحيد ومعزول وكم هو مطالب بالرحيل. حتى وليد المعلم وهو ديبلوماسي عريق، يعرف ضمناً انه بات يقاتل عن نظام فاقد الصلاحية والشرعية، فبعد طوفان المأساة وعشرات آلاف القتلى وملايين المشردين لا يمكن قطعاً، حتى للروس والايرانيين التوهم ان في وسعه ان يستمر حاكماً رغم انف السوريين والعالم اجمع !

عندما يطالب الابرهيمي الطرفين بتقديم ورقة عمل سيقدم الجربا ورقة “جنيف – 1” التي اقرها العالم، اما المعلم فسيقدم نسخة مكررة من الخديعة التي قدمها في خطبته الطويلة في الجلسة الافتتاحية بعدما اشتبك مع بان كي – مون، داعياً المؤتمر الى شن حرب على الارهاب والتكفيريين !

المفاجىء ان جون كيري بات يحرص يومياً الآن على تكرار القول ان الاسد هو الذي صنع وحش الارهاب ويحاول ان يخدع العالم بالدعوة الى دعمه مع حلفائه الايرانيين لمواجهة ” داعش” و”النصرة” واخواتهما، لكن ليس خافياً انه لطالما كانت هذه المنظمات الارهابية عدة الشغل للنظام وقد استعملها للتخريب في العراق ولبنان والاردن ومخيمات الفلسطينيين ، وآخر الابداعات تبيّن الآن انه هو الذي يموّلها !

سيحاول وفد النظام اغراق المؤتمر بالتفاصيل الجانبية للتنصل من “جنيف – 1” وإلزاماته في ما يتصل بالانتقال السياسي، كالحديث عن فتح طرق واطلاق اسرى، لكنه لن يتمكن من ان يسقط اجماع العالم بما فيه الروس وحتى الايرانيين، على ان صفحة النظام قد طويت، لهذا فان حديث الابرهيمي عن بناء الثقة بين الطرفين وهم ما لم يكن “جنيف – 1” اساساً … والمعلم قد يؤمر بالانسحاب لتستمر المذبحة !

النهار

“سوريا الجديدة”… وداعاً للاقليات/ سميح صعب

وجد وزير الخارجية الاميركي جون كيري الحل للاقليات في “سوريا الجديدة” بتوفير حماية دولية لها، معلناً ان كثيرا من دول العالم ابدت استعدادها لارسال قوات الى سوريا بعد ان يتم التوصل الى تسوية في جنيف 2 اساسها تنحي الرئيس بشار الاسد. واختار كيري موضوع الاقليات للتعليق عليه في مقابلته مع قناة “العربية” كي يرد على الموقف الروسي القائل بأن تغيير النظام الحالي في سوريا من دون بديل يتوافق عليه السوريون انفسهم سيعرض مصير الاقليات في سوريا ولا سيما منها العلويون والمسيحيون والدروز وغيرهم للخطر على غرار ما حصل في العراق بعد الغزو الاميركي عام 2003، اذ هجر معظم مسيحييه واقليات أخرى بينما كانت القوات الاميركية منشغلة بحماية وزارة النفط.

لا يعدو الوعد الاميركي كونه من قبيل ذر الرماد في العيون او من قبيل سياسة النعامة التي تدفن رأسها في الرمل فتعتقد ان أحداً لا يراها. الا تكفي نظرة واحدة يلقيها كيري على ما اطلق عليه هو نفسه في افتتاح مؤتمر جنيف2 “سوريا الجديدة” كي يتبين له ان التنظيمات الجهادية التي تسيطر على المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، تتقاتل مع نفسها، “داعش” و”جبهة النصرة” اللتان تنتميان الى تنظيم “القاعدة” تتقاتلان في ما بينهما. وهذان التنظيمان نفسهما قاتلا مع “الجبهة الاسلامية” “الجيش السوري الحر” و “جيش المجاهدين” الذي انشيء حديثا يتقاتل مع “داعش”. وفي “سوريا الجديدة” التي تدعمها من اميركا ودول الخليج العربي وتركيا مئات من الفصائل الاسلامية التي نشأت في السنوات الثلاث الاخيرة.

ومن السذاجة الاعتقاد، كما تروج المعارضة السورية في الخارج وواشنطن نفسها، ان بعض هذه التنظيمات اوجده النظام السوري كي يستخدمه فزاعة امام العالم الغربي ليكف عن دعم المعارضة يغير طابع الحرب السورية ويجعلها حرباً على الارهاب ويصرف النظر عن المطالبة برحيله. واذا ما كانت “داعش” من اختراع النظام، فكيف يدعو ايمن الظواهري الى مهادنتها وعدم قتالها.

ما يجري على الارض السورية أخطر بكثير مما يعتقده كيري و”اصدقاء الشعب السوري” وسائر فصائل المعارضة السورية في الخارج. فإذا كانت الفصائل المسلحة غير قادرة على التعايش في ما بينها ويكفر بعضها بعضا، فكيف ستقبل بالتعايش مع الاقليات حتى لو أتى كيري بجيوش العالم كله لحمايتها؟

في جنيف2 ظن البعض ان لهجة تصالحية ستسود المؤتمر الدولي وان اميركا قد تعتمد سياسة اكثر واقعية حيال الاحداث في سوريا. ولكن بدا ان المؤتمر استكمال للحرب الدائرة منذ ثلاث سنوات.

النهار

المعارضة السورية كسبت جولة افتتاح المؤتمر وتحرك كيري رفع سقف التزامات بلاده/ روزانا بومنصف

على رغم ان انطلاق مؤتمر جنيف 2 كان فرصة للنظام السوري عبر الوفد الذي يمثله من اجل ان يجدد مواقفه المبنية في الواقع على رفض ما جاء الى جنيف من اجله اي الموافقة على سلطة انتقالية من مؤيديه ومن المعارضة امام حضور ديبلوماسي واعلامي كثيف بات النظام يفتقده، فان التقويم الديبلوماسي لانطلاق اعمال المؤتمر صب في مصلحة تسجيل وفد المعارضة السورية نقاطا اكبر لمصلحته خصوصا اذا ما قيست بنسبة التردد والانقسامات حول المشاركة في مؤتمر جنيف 2. ولم يفت التقويم الديبلوماسي الاشارة الى جملة امور قد يكون ابرزها في الدرجة الاولى الاندفاع الاميركي الذي عبرت عنه مواقف قوية لوزير الخارجية الاميركي جون كيري ان في افتتاح المؤتمر او في مواقف لاحقة. فالوزير الاميركي استقطب الاضواء في وضع النقاط على الحروف ازاء النظام من خلال توجيه جملة رسائل داعمة لوفد المعارضة من جهة وتساهم في اضعاف صدقية النظام. فهو من جهة اعلن عن نية بلاده زيادة الدعم للمعارضة بهدف ايجاد وسائل دعم اضافية على النظام للوصول الى حل للازمة كما اعلن من جهة ثانية عن الارادة في حماية اقليات سوريا بعد سقوط الاسد مشددا على ان العالم سيحرص على حماية المؤسسات السورية من الانهيار، الامر الذي قد يوجه رسالة مهمة الى من يستمر في دعم الاسد بان ليس عليهم الخوف ازاء استمرار التمسك بالاسد او ببقائه فيما المؤتمر ينعقد للبحث عن سلطة بديلة. وهذا الموقف اذا كان جديا ولم يحظ باي رد فعل من الدول الراعية للنظام والداعمة له فانما يعني عمليا بان المجتمع الدولي هو من سيحمي الاقليات ولا دور لها عمليا في تأمين حمايتها لنفسها على عكس ما يدور الجدل وراء الكواليس عن بديل علوي من الاسد لضمان العلويين وطمأنة الروس والايرانيين. وهي نقطة يمكن ان توظفها المعارضة من اجل التأكيد للسوريين بان رحيل الاسد لن يتركهم لمصلحة المتطرفين الذين تحاربهم المعارضة وفي ظل ضمانات دولية ينبغي العمل على تثميرها.

وفي رد مباشر على الرسائل التي حملها وفد النظام السوري وعدم اهتمام الولايات المتحدة باغراء الوفد للمشاركة في محاربة الارهاب اتهم كيري الاسد بانه من يضلل العالم وهو من اتى بالارهاب وان الاسد هو عقبة امام السلام في سوريا وهو من ارتكب جرائم حرب. ولعل اهمية هذه المواقف انها عبرت عن التزام اميركي واضح في عدم السماح لمؤتمر جنيف 2 بان يحيد عن اهدافه كما يشاء النظام السوري من خلال تكرار كيري ان الهدف هو حكم انتقالي في سوريا كما انها لم تلق اي رد فعل جدي مناقض من حلفاء النظام كروسيا مثلا التي لم يصدر اي رد فعل من جانب وزير خارجيتها سيرغي لافروف على قول نظيره الاميركي ان لا مكان للاسد في مستقبل سوريا ولم يقل احد من داعمي النظام اكانت الصين او روسيا بالرد ببقاء الاسد واقتصر ذلك على الوفد الممثل للنظام مما اظهر عزلته الى حد بعيد فيما عبر عن ذلك بلغة غير عملية ومملة كان عليه ان يطورها في مقابل خطاب اكثر تماسكا لوفد المعارضة السورية.

وتقول مصادر ان الجولة الاولى التي عبر عنها انطلاق مؤتمر جنيف 2 قد تكون ربحتها المعارضة السورية ان من خلال الدعم القوي الذي تلقته علنا من مختلف الدول المشاركة او من خلال اقصاء ايران عن المشاركة في المؤتمر فضلا عن اضطرار وفد النظام الى الجلوس للتفاوض ولو قسرا او على لاشيء كما يفهم من موقفه مع وفد اتهمه في جلسة الافتتاح بالارهاب فيما هو بات يشكل ندا له على طاولة التفاوض الى حد تهديد وزير الخارجية وليد المعلم بالانسحاب في حال لم تكن جلسات التفاوض جدية على نحو يناقض موقفه الاساسي لا بل يظهر حراجة موقفه في حال انسحب مبكرا ولم يجلس للتفاوض مع المعارضة اقله شكلا باعتبار ان ذلك يحرج حلفاءه الروس الذين فاخروا في وقت من الاوقات باقناع النظام بالمشاركة في مؤتمر جنيف 2 في مقابل عجز الاميركيين عن اقناع المعارضة والتي لم تنجح فيها حتى اللحظة الاخيرة في حين ان بقاء الوفد للتفاوض يشكل احراجا بالنسبة اليه ولو لم يبد استعدادا للتفاوض على اي امر جدي.

ولا يقلل التقويم الديبلوماسي لجلسة انطلاق مؤتمر جنيف 2 اهمية عوامل شكلية انما مهمة تمثل احدها في صدور التقرير الذي يحمل النظام مسؤولية تعذيب المعتقلين والاسرى في السجون السورية واثباتات دامغة على وفاة اكثر من 11 الف معتقل تحت التعذيب فيما تمثل عامل آخر في دفاع المعلم في معرض انتقاده او اتهامه دولا عربية وغربية بانها وراء الحرب على سوريا عن ” بضع عشرات من شباب مقاوم كانوا مع الجيش وسموه تدخلا خارجيا ” في اشارة الى الدعم الذي يتلقاه النظام فيما كانت تنقل شاشات التلفزة، اللبنانية على الاقل، وقائع جلسات المحاكمة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري في لاهاي لخمسة من عناصر ” حزب الله” المتهمين بتنفيذ عملية الاغتيال والتي سارع ممثل المعارضة الى التقاط المناسبة للاشارة الى المحاكمة الجارية في لاهاي في جريمة اغتيال الحريري.

الا ان كل ذلك لا يتصل سوى بالجلسة الافتتاحية التي انطلقت جيدة بالنسبة الى المعارضة والتي يمكن ان تستمر كذلك اذا احسنت توظيفها ولم تقع في خلافاتها مجددا علما ان عدم نجاحها قد يساهم في افشال المحادثات سريعا.

النهار

الخوف من الجهاديين تحت رحمة التعاون الاستخباري: استنفار أوروبي لتفادي «الهجمات» السورية/ وسيم ابراهيم

لا يبدو أن ألمانيا راضية عن الجهود الحالية لمواجهة خطر «الجهاديين» الغربيين في سوريا. ويعد وزير داخليتها توماس دومايزر بفعل المزيد. ويقول بلهجة لائمة إن نقص تبادل المعلومات يمثل «مشكلة للأمن الألماني والأوروبي»، وإنه لا يريد رؤية هذا التهديد ينام ويصحو في بلاده.

يشاركه نظراؤه هذا الهاجس، فالقضية كانت موقع بحث بين وزراء العدل والداخلية الاوروبيين خلال اجتماعهم التشاوري في أثينا أمس. وقد حضر الاجتماع المنسق الاوروبي لمكافحة الارهاب جيل دي كيرشوف، الذي يعمل على هذا الملف ومن ضمنه رصد وتقييم «تطرف» مجموعات المعارضة السورية المسلحة.

ونقل مصدر ديبلوماسي حضر الاجتماع لـ«السفير» أن «الجميع صار مدركاً نقص الأدوات اللازمة لتطويق الظاهرة وتلافي مخاطرها، وأن هذا يجعل التعويل ينصب على الاستخبارات وعملها السري». وأشار المصدر إلى أن الحل الوحيد، ضمن هذه الظروف، هو تعاون الاستخبارات الغربية خصوصاً مع تركيا. وهو يقصد طريقة العمل التقليدية، أي عبر إرسال لوائح بالاشخاص ذوي السوابق و«الجهاديين المحتملين»، وطلب توقيفهم والتحقيق معهم قبل دخولهم إلى سوريا أو بعد خروجهم منها.

وهكذا يكون القلق الاوروبي تحت رحمة أجندة الاستخبارات التركية، سواء بالنسبة لأجنداتها أو مدى قابليتها للتعاون. وبحسب المصدر، فإن «حساسية موضوع كالتعاون الاستخباري تمنع نقاشها علناً، وأنه برغم إلمام الجميع بالتقارير عن محاولات للتعاون الامني مع النظام السوري، إلا أنه لم تتم إثارة ذلك لا في اجتماعات بروكسل ولا في اجتماع أثينا».

ويفتقد الاوروبيون لاتفاق دولي لتبادل بيانات المسافرين، خصوصاً مع الولايات المتحدة، بعد رفض البرلمان الاوروبي تمريره خوفاً على انتهاك الخصوصية بعد فضائح التجسس الأخيرة. وقد أصبح تبادل هذه البيانات الوسيلة الأهم لتحديد ورصد من يغادرون إلى سوريا، لذلك تقوم الدول الاوروبية بالتعويض عبر اتفاقات ثنائية، أو عبر منصات تعاون غير رسمية.

وقبل اجتماعه بنظرائه الاوروبيين، قال الوزير الالماني إنهم سيناقشون «الارهاب، وخصوصاً المتصل بالوضع في سوريا». أما أحد أبرز مصادر قلقه فهو الأرقام التي لديهم، إذ أعلن أن «270 شخصاً غادروا ألمانيا الى سوريا فقط العام الماضي». طبعاً هذه تبقى تقديرات الحد الادنى، كونها تمثل الحالات التي تم التثبت منها ضمن ظاهرة محكومة بالغموض والسرية. وعلى طريقة المثل القائل «لا ننام بين القبور ولا نرى منامات مرعبة».

وقال دومايزر إن الأمر لا يحتمل التهاون، موضحاً «لا نريد أن يشارك أناس من ألمانيا في الحرب الاهلية في سوريا، ولا أن يعودوا إلى هنا ويحاولوا القيام بهجمات». ولكنه لفت إلى الافتقاد للوسائل اللازمة لمواجهة ظاهرة «الجهاديين»، مشيراً إلى أنها «مسألة مقلقة، ونحتاج تبادلاً دولياً حول طرق السفر (المستخدمة للعبور إلى سوريا)، ونحن نحاول منعهم من المغاردة، لكن هذا ليس سهلاً».

ويكتسب كلام المسؤول الألماني أهمية خاصة، فالقضية ليست جديدة عليه إطلاقاً. فهو شغل منصب وزير الدفاع قبل انتقاله إلى وزارة الداخلية، وتقارير أجهزة الاستخبارات الالمانية كانت فوق مكتبه على مدار سنوات الأزمة السورية. من هنا، عندما يتحدث مسؤول مثله عن «نقص معلومات» فهو بالتأكيد يعني ذلك، وبالأحرى: هذا هو الواقع.

وفي هذا السياق، شرح دومايزر أنه «يجب علينا التعامل مع حقيقة أن الحدود مفتوحة ويمكن عبورها بالسيارة»، لافتاً إلى الحاجة إلى مزيد من «تبادل المعلومات»، لأن نقصها «يمثل مشكلة للامن الالماني والاوروبي». وعبّر الوزير الألماني عن حيرته في أسباب اجتذاب أزمة سوريا مقاتلين غربيين، في حين لم يحصل ذلك مع أفغانستان وباكستان، ولكنه اعتبر أن هذا يظهر «الخطر الكامن، ولذلك على الاتحاد الاوروبي العمل معاً وهذا ما سنفعله».

ويعقد موضوع الملاحقة والرصد عدم وجود مراقبة حدودية في فضاء دول «شنغن» الاوروبي (26 دولة)، ويضاف إلى ذلك القلق الذي سبق أن أعلنته ايطاليا من امكانية تسرب أعضاء من «القاعدة» بين المهاجرين غير الشرعيين إليها.

وفي هذا الإطار، أوضح دي كيرشوف أن قانون «شنغن» ينص على عدم التدقيق بشكل منهجي في هويات الاوروبيين عند الدخول والخروج، بل «صممت جميع ادوات الرقابة على الحدود الخارجية لرصد الاجانب، لا الاوروبيين». اكثر من ألفي شاب اوروبي توجهوا الى سوريا او ينوون ذلك بحسب المعلومات التي جمعتها الدول الاعضاء. وجاء هؤلاء من فرنسا وبلجيكا وألمانيا وهولندا وبريطانيا والسويد والدنمارك واسبانيا وايطاليا، بحسب كيرشوف.

ويحمل هؤلاء جنسية اوروبية واحدة او جنسيتين. كما ان بعض الساعين الى المغادرة اجانب يقيمون في اوروبا بشكل شرعي. وأوضح كيرشوف «لديهم وثائق هوية… ويمكنهم على سبيل المثال التوجه بسهولة من بروكسل الى الرباط بجواز سفر مغربي والدخول الى تركيا بلا تأشيرة والتوجه الى سوريا والعودة الى بلجيكا بجواز بلجيكي».

ومن مؤشرات التخبط فوضى الارقام والتقديرات. وأعادت سيسيلينا مالمستروم، المفوضة الاوروبية للشؤون الداخلية، ترديد أن عدد «الجهاديين» الاوروبيين «1200 شخص على الاقل». لكن بحسب آخر تصريحات المسؤولين الاوروبيين، خلال هذا الشهر، وحدهم الألمان والفرنسيون يقدرون بحوالي ألف شخص.

ووفقاً لما قاله مصدر في دائرة مكافحة الارهاب لدى الاتحاد الاوروبي لـ«السفير» فإن «التقديرات صارت بحدود ألفي شخص».

وناقش الوزراء الاوروبيون أيضاً الاستراتيجية التي اقترحتها المفوضية الاوروبية أخيراً. ومن توصياتها كان إنشاء مركز اوروبي لنشر المعرفة ضد التطرف، وتمويل مبادرات وبرامج للتوعية والوقاية، رصدت لها 20 مليون يورو. كما ستقوم «شبكة التوعية ضد التطرف»، التي أنشأها الاوروبيون في العام 2011، برعاية مؤتمر دولي حول «المقاتلين الأجانب» في سوريا أوائل العام الحالي.

وفي الوقت ذاته، لا تزال قصص «الجهاديين»، وتنويعاتها، تغري وسائل الاعلام الغربية. وقد نشرت صحيفة «دو ستاندرد» البلجيكية تقريراً بعنوان مثير: «عروستا القاعدة الحاملان عادتا من سوريا». ويتحدث التقرير عن زوجتي جهاديين بلجيكيين، أحدهما لقي مصرعه، عادتا إلى بلجيكا مع اقتراب موعد إنجابهما.

وسخر بارت دو ويفر، رئيس بلدية أنتويرب حيث تقيم السيدتان، من القصة، وقال إن «هؤلاء الذين «يقرفون» من المجتمع الغربي، يختارونه إذا تعلق الامر بالرعاية الطبية».

وظهرت مؤشرات على مسارعة الاوروبيين في تطبيق توصيات المفوضية، خصوصاً الدول الاكثر تعرضا لظاهرة «الجهاديين». ومن إحدى النصائح كانت شن حرب دعائية ضد شبكات التطرف والتجنيد، واستخدام ضحاياها وخصوصاً من ارتدّوا عنها لنشر رسائل مناوئة. المثال الأقرب قيام التلفزيون البلجيكي الحكومي، الناطق بالهولندية، ببث تقرير في نشرته الرئيسية، قبل بث مادة وثائقية طويلة، عن شاب بلجيكي عاد حديثا من سوريا وحذر من السفر إليها.

ميخائيل ديلفورتريه (25 عاماً)، هو مسلم حديث العهد، قادته جماعة «شريعة لأجل بلجيكا» إلى التطرف. أنكر أنه قاتل في سوريا، كي لا يدين نفسه طبعاً، وقال إن صورته وهو يحمل الكلاشينكوف كانت مجرد عبث صبياني للتباهي على «فايسبوك». مع هذا حمل رسالة واضحة لمن يشاهده، وقال «أعرف أنهم سيحبسوني هنا، ولكني أفضل أن أكون سجيناً على أن أموت هناك في مكان مثل عش الدبابير».

السفير

جنيف والتكفير و”الفوضى الخلاقة”/ عبدالله سليمان علي

أجمع المشاركون الذين تداولوا الكلام في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر «جنيف ـ 2»، على حقيقة أن الإرهاب ضرب أطنابه فوق الأراضي السورية، وبات يشكل تهديداً تنبغي معالجته.

لكن فريقاً من المشاركين، يمثل غالبيتهم وعلى رأسهم وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ربط بشكل مباشر بين تفشي الإرهاب وبين النظام السوري، واعتبر أن الأخير هو المسؤول عن ذلك، بينما ذهب الفريق الثاني، ويمثله بشكل أساسي وزير الخارجية السوري وليد المعلم، إلى أن الإرهاب في سوريا مرتبط بدول إقليمية معروفة ومشاركة في المؤتمر، محمّلاً إياها المسؤولية عنه. وبدا جلياً أن القضية الجوهرية لم تعد هل الإرهاب موجود أم لا، فالجميع أصبح يعترف بوجود الإرهاب وبما يمثله من خطر، لكن الخلاف انتقل إلى قضية أخرى، وهي تحديد الجهة التي ينبغي تحميلها مسؤولية الإرهاب.

وبغضّ النظر عن صحة وجهة نظر كل فريق والأدلة التي يملكها لإثبات ما يراه، تبقى الحقيقة أن الاختلاف حول الإرهاب وتنظيماته في سوريا، سيشكل مناخاً ملائماً لينمو هذا الإرهاب ويكبر ويستمر في الانتشار. وعلى المواطن السوري أن يصبر على مشاهد الذبح والتمثيل وتقطيع الرؤوس والأطراف وحرق الأحياء والأموات، ريثما يجري الاتفاق على تحديد الجهة المسؤولة. ومن هذا الجانب يبدو أن مؤتمر «جنيف ـ 2» قد يتحول إلى مظلة لشرعنة الإرهاب وإمداده بسبل الحياة والبقاء، وليس مكافحته والقضاء عليه.

والمستفيد الأول من كل ذلك، هو تنظيم «القاعدة» العالمي الذي أصبح فجأةً بعيد المنال عن أي إدانة أو تنديد، مهما كان التعبير عنهما رمزياً. ويمكن لزعيم «القاعدة» أيمن الظواهري أن يتنفس الصعداء وهو يشاهد وزراء خارجية عدة دول عظمى، مع لفيف من الدول الأخرى، يتحاشون التلميح إليه بأي كلمة من شأنها التذكير بموقعه كرأس الهرم في أخطر تنظيم مصنف على أنه إرهابي من قبل حكومات الدول التي ينتمي إليها وزراء الخارجية أنفسهم. ولا شك أنه سيبتسم ابتسامة ماكرة، وهو يرى فرع تنظيمه في بلاد الشام، الذي تمثله «جبهة النصرة»، قد أصبح في منطق بعض الوزراء حليفاً في مكافحة الإرهاب.

وهذا يطرح التساؤل: لماذا تتجاهل الإدارة الأميركية أنها أول من بادر إلى تصنيف «جبهة النصرة» على أنها تنظيم إرهابي، بينما كان قادة «الائتلاف الوطني» المعارض يدافعون عنها، ويعتبرونها جزءاً من «الحراك الثوري» كما قال جورج صبرا أكثر من مرة؟

وللعلم فإن دفاع قادة المعارضة السورية عن «جبهة النصرة» كان في وقت لم يقع فيه الخلاف بعد بين زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني وبين زعيم تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) أبو بكر البغدادي، ما يعني ضمنياً أنهم كانوا يدافعون في الوقت ذاته عن الجماعات التي انضمت إلى البغدادي بعد الخلاف ومن بينهم كبار الأمراء والقادة، أمثال أبو أيمن العراقي وأبو يحيى العراقي وحجي بكر وأبو علي الأنباري وعبد المجيد العتيبي وأبو عبادة المغربي وأبو بكر القحطاني، فهؤلاء جميعاً كانوا أمراء تحت راية «جبهة النصرة» عندما كانت تحظى برعاية «الائتلاف السوري». فهل غيرت الإدارة الأميركية رأيها في «جبهة النصرة»؟

يغدو هذا السؤال أكثر مشروعية في ظل الحملة الإعلامية الملحوظة التي استهدفت على مدى الأشهر الماضية تلميع صورة «جبهة النصرة» عبر التمييز بينها وبين «داعش» وإظهار «النصرة» على أنها تمثل تياراً معتدلاً، بينما «داعش» هو الشيطان الذي ينبغي التخلص منه. وما مقابلة قناة «الجزيرة» مع زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني إلا مثالاً بسيطاً على هذا التلميع.

وفي المقابل نذكر كيف امتنعت «الجزيرة» عن بث شريط لمحمد مراح، بطل أحداث تولوز تحت ضغوط السلطات الفرنسية. وكيف حوكم تيسير العلوني بالسجن لمدة سبعة أعوام لإجرائه مقابلة مع الزعيم الراحل لـ«القاعدة» أسامة بن لادن، بينما إجراء مقابلة مع الجولاني، والذي وضعت الولايات المتحدة مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات عنه، يمرّ وكأن شيئاً لم يكن، وأين مراح ومراهقته «الجهادية» من الجولاني وخطورته؟.

ربما لم تغير الإدارة الأميركية موقفها من «جبهة النصرة»، ولكن من الواضح أن قاعة «جنيف ـ 2» مثلت محطة تقاطعت فيها المصلحة الأميركية التي طالما بشرنا وزراء خارجيتها منذ كوندليسا رايز بمشروع «الفوضى الخلاقة» مع مصلحة «القاعدة» الذي يقوم مشروعه على التكفير والعنف، فدفع هذا التقاطع، المؤقت أو المتكرر، في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر جنيف إلى غياب أي إشارة عن خطورة «القاعدة»، ونسيان أن في سوريا تنظيمات سبق لأميركا نفسها أن قالت إنها إرهابية.

يذهب البعض إلى درجة القول أن مشروع «الفوضى الخلاقة» هو نفسه مشروع التكفير والعنف. ويتساءل هؤلاء، إذا لم يكونا نفس المشروع فماذا يمكن أن تكون «الفوضى الخلاقة» التي ينظِّر لها أصحابها على أنها تمهيد لتشكيل شرق أوسط جديد يتضمن تقسيم المقسم وتفتيت المفتت؟

وفي المقابل، بحسب آخرين فحتى إذا كان المشروعان متغايران ومستقلان عن بعضهما ويخدمان أهدافاً مختلفة، فذلك لا يعني أنهما لا يتكاملان أو تتقاطع مصلحتهما في نقاط كثيرة. فلن تجد الإدارة الأميركية أفضل من التكفير والعنف وسيلة لنشر فوضاها الخلاقة، كما أن التنظيمات التكفيرية أكثر ما تتغذى، ويمكنها البقاء والتكاثر في ظل مناخ فوضوي «خلاّق» يحظى برعاية إقليمية ودولية تغطي على ما يرتكب فيه من انتهاكات وموبقات.

ومهما يكن وفي أحسن درجات حسن النية، فإنه لا يمكن القول أن هذين المشروعين يتناقضان مع بعضهما أو يضر أحدهما بمصلحة الآخر.

يعزز ذلك على الساحة السورية أن أميركا سارعت إلى الاتصال بـ«الجبهة الإسلامية» فور إنشائها، وصرحت أنها تريد فتح حوار مع الفصائل المكونة لها، رغم أن «أحرار الشام»، التي تهيمن على «الجبهة الإسلامية»، تنتمي بحسب تعريفها عن نفسها إلى تيار السلفية «الجهادية» الذي هو المصطلح العلمي المرادف للنهج الذي يقوم عليه تنظيم «القاعدة». علاوة على أن «الجبهة الإسلامية» متحالفة مع «جبهة النصرة»، التي تقول أميركا إنها إرهابية. وبدل أن يدفع هذا التحالف الولايات المتحدة إلى معاقبة «الجبهة الإسلامية» لتحالفها مع تنظيم إرهابي، نراها تندفع للتحاور معها.

وهذا يدفعنا إلى القول في النهاية أن الخشية، كل الخشية، أن تنجح الولايات المتحدة في التقاط لحظة تقاطع المصالح بينها وبين «القاعدة»، وتجعل من قاعة مؤتمر جنيف سقفاً يظلل شرعية هذا التقاطع، لتدخلنا في عصر طويل من الفوضى التي لا تخلق إلا التكفير والعنف.

السفير

صمت اسرائيلي غير عادي إزاء المسألة السورية!

صحف عبرية

مؤتمر جنيف الثاني، الذي جاء للمساعدة في ايجاد حل للازمة في سوريا انعقد بداية’ في بلدة مونتريه السويسرية. مؤتمر مهني تقرر مسبقا منذ زمن بعيد، ترك الفنادق في جنيف في اشغال كامل واليوم فقط سينتقل مندوبو اكثر من’ 30 دولة مشاركة في المؤتمر الى المدينة التي تحققت فيها في تشرين الثاني تسوية مؤقتة لمشكلة مدنية مشتعلة اخرى: المشروع النووي الايراني. ايران نفسها اضطرت للتنازل عن مشاركتها، بعد ان تراجع الامين العام بان كي مون بضغط امريكي عن الدعوة’ الرسمية لطهران. ومع ذلك، واضح أنه في نظر الغرب، في سوريا، مثلما في مسألة النووي، تحولت ايران من قلب المشكلة الى جزء من الحل.

‘ الرئيس الامريكي، براك اوباما ألمح بذلك في مقال واسع نشر في بداية الاسبوع في مجلة ‘نيو يوركر’. فقد اعترف اوباما بانه شعر بانه ‘ملاحق’ كنتيجة للوضع في سوريا، ولكنه في نفس الوقت قال انه منسجم مع قراره الامتناع عن التدخل العسكري هناك، ورسم بحذر على مسمع من محرر المجلة دفيد ريمنك الطريق البطيء للحل في سوريا: ‘سيتعين علينا العمل مع الدول التي استثمرت الكثير في ابقاء نظام الاسد في الحكم الروس والايرانيين’، اعترف. سنوات الحرب الاهلية الثلاثة في سوريا وصفها بانها ‘معركة وحشية بين نظام مستعد لان يفعل كل شيء كي يبقى وبين معارضة منقسمة وغير منتظمة’. وغاب عن المقابلة كل نداء للبيت الابيض لتغيير الطاغية السوري.’

‘ وزير الخارجية الامريكي جون كيري، مندوب الرئيس في المؤتمر، حافظ على القليل من الجمر عندما ضمن في خطابه أول امس مطلب عزل بشار الاسد. يبدو كيري دوما كمن يوجد في درجة واحدة اعلى، اكثر حماسة، من رئيسه في كل مسألة اقليمية، من سوريا وحتى الفلسطينيين. ولكن دعوته هذه المرة بدت مثابة ضريبة لفظية. فقد تسلمت الولايات المتحدة عمليا ببقاء الاسد ما ان فرضت عليه الى جانب روسيا، في آب الماضي نزع السلاح الكيميائي بعد مذبحة المدنيين قرب دمشق. وحتى الان انهى النظام ازالة 27 طن من المواد الفتاكة من اصل نحو 1.200. ليس للاسد ما يسرع اليه: فالنزع الحذر والمتدرج للسلاح الكيميائي يوفر له نوعا من بوليصة التأمين من التدخل الدولي المنسق ضده.

 ‘ الخيار بين الاسد والقاعدة

في الجلبة التي تدور على الحدود الشمالية تحافظ اسرائيل على هدوء غير عادي. ففي الخطاب بمناسبة اليوبيل لكلية الامن القومي في بداية كانون الثاني ألمح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالهجمات الجوية المنسوبة لاسرائيل ضد القوافل التي تحاول نقل السلاح النوعي من سوريا الى حزب ا لله. وباستثناء ذلك يركز نتنياهو على الثناء الذاتي في عجائب الديمقراطية الاسرائيلية، في ظل المقارنة بما يجري في دمشق، بينما النواب العرب يشتكون من الاسكات والظلم. ولكن اي بشرى تتوقعها اسرائيل من سويسرا وماذا تريد ان يحصل في سوريا؟

‘ من الصعب ان نحصل اليوم على جواب مباشر في القدس على هذا السؤال. الدعوات المباشرة لاسقاط الاسد اختفت من القاموس منذ قبل بضعة اشهر. في 2013 كان لا يزال يتحدث النائب في حينه افيغدور ليبرمان، الوزير يوفال شتاينتس والسفير المنصرف في واشنطن مايكل اورن، عن الحاجة الى تغيير الحكم في دمشق. ولكن احداث الاشهر الاخيرة في سوريا، وعلى رأسها سيطرة المنظمات المتماثلة مع القاعدة على أجزاء من اعمال المعارضة في الدولة، غيرت الموقف الاسرائيلي بشكل يشبه ما حصل في واشنطن وفي العواصم الاوروبية. وفي نفس الوقت اثبت نظام الاسد، في ظل ابداء استثنائي لوحشية عديمة القيود، قدرة تمسك بالحكم.

‘ في الخيار بين الاسد والقاعدة، تفضل اسرائيل استمرار القتال (بينما تغدق من بعيد مظاهر العطف الفارغة من المضمون على الضحايا). وحتى لو كانت الامور لا تقال صراحة يخيل انه اذا ما احتدمت المعضلة، فستفضل اسرائيل على الاطلاق الاسد. فتجمع عشرات الاف مقاتلي الجهاد العالمي في الجانب السوري من الحدود في هضبة الجولان ساهم في التغيير التدريجي في موقف اسرائيل.

 ‘ شريك موضوعي

 ‘ واستمرت المناوشات بين اسرائيل والمنظمات الفلسطينية في غزة هذا الاسبوع ايضا ولكنها لم تصبح حاليا مواجهة اشد. فمنذ يوم الاحد اطلق صاروخ وثلاثة قذائف هاون نحو النقب، وانفجرت عبوة ناسفة بانجاه دورية للجيش الاسرائيلي كانت تتحرك على طول الجدار الفاصل. وهاجم سلاح الجو اراضي القطاع ثلاث مرات، مرتان منها في عمليتي اغتيال، قتل فيهما نشيطان فلسطينيان واصيب نشيط آخر وفتى ابن 12. لم يسجل رد فلسطيني على هذه الهجمات.

‘ وفي هذه الاثناء اعلنت المخابرات الاسرائيلية عن احباط خطة للمنظمة المتماثلة مع القاعدة في قطاع غزة لتنفيذ عمليات استعراضية كبيرة في نطاق الخط الاخضر. واكثر رئيس الوزراء ووزير الدفاع، كالعادة، من التهديد على حماس بانها ستدفع الثمن اذا ما استمرت النار من غزة. الغارات الجوية التي تستهدف بعضها اهدافا لحماس، استهدفت تذكير المنظمة بمسؤوليتها.

‘ ولكن في الاحاديث لغير الاقتباس يقول الكثير من كبار مسؤولي جهاز الامن اقوالا مختلفة تماما: وكأنهم يدافعون عن حماس، ان لم يكن يعشقونها (تقريبا). فالمنظمة تعرض هناك بصفتها شريكا موضوعيا، بتشجيع موسمي مناسب تهديد مصري وبين الحين والاخر هجوم اسرائيلي سيتعزز حكمها في القطاع، وان كان لهذا الغرض عليها هي نفسها بين الحين والاخر ان تضرب الفصائل الاكثر تطرفا، التي تبقي نار المقاومة لاسرائيل. والارتفاع الحاد الذي سجل قبل اسبوع بنار الصواريخ يعرض في هذه الاحاديث كظاهرة موضعية، تنبع من اعتبارات داخلية لقسم من اعضاء المنظمات الى جانب الوهن المؤقت لقبضة حماس في المنطقة.

‘ من لا يشارك في هذا الانفعال هو جهاز المخابرات الاسرائيلية. مسؤول كبير في الجهاز تحدث اول امس مع المراسلين في اعقاب كشف خطة القاعدة للقيام بعمليات انتحارية في مباني الامة في القدس وفي السفارة الامريكية في تل أبيب اوضح بان حماس تتخذ فقط خطوات محدودة لكبح جماح الفصائل الاكثر تطرفا في القطاع.

نحو 900 من رجال القوة الامنية الخاصة بحماس وان كانت انتشرت على مقربة من الحدود مع اسرائيل لمنع الصواريخ الا انها لم تجري اعتقالات وبالتأكيد لم يقدم أحد الى المحاكمة.

وبشكل مفعم بالمفارقة بعض الشيء، فان ردود الفعل الاسرائيلية المختلفة واحيانا المتضاربة، يذكر بالجدال الطويل عن معالجة السلطة الفلسطينية لارهاب حماس والجهاد الاسلامي، في الضفة والقطاع، في التسعينيات وبعد ذلك في السنوات الاولى للانتفاضة الثانية. يريدون ويستطيعون أم لا يريدون ولا يستطيعون؟ في المرة السابقة، كما يذكر، هذا لم ينته على خير .

عاموس هرئيل

هآرتس 24/1/2014

القدس العربي

من يعلّم «المعلّم» ثقافة العصر؟!/ يوسف الكويليت

لا يزال وزير خارجية سورية “المعلم” يعيش ثقافة المذياع في الخمسينيات من القرن الماضي وخطب التهييج والصراخ، فقد ظهر متوتراً مخاصماً الحضور عدا روسيا بأنهم إما متخلفون مثل بدو الجزيرة العربية، والذي ينطق بمفرداتهم اللغوية!! أو الآخرون الذين رسم لهم خطوطاً حمراً بأن سلطة حكومة الأسد ستفجر المنطقة كلها، فكان مسخرة الرأي العام العالمي الذي انتظر مشروعاً للحل واعترافاً أدبياً وأخلاقياً بالجرائم التي قامت بها تلك السلطة، ولم ينقصه إلا أن يعيد ذكريات الزعيم السوفيتي «خروتشوف» عندما ضرب على منصة الأمم المتحدة بحذائه؟!

الغريب أن من تناولوا الحدث السوري لم يستعملوا هذا الهياج وحتى لافروف وزير خارجية روسيا لم يذكر الأسد أو يدافع عن النظام لقناعته أن الواقع المشاهد في الجرائم أكبر من منطق التبرير، لكن وليد المعلم حاول قلب الطاولة بمشهد كوميدي لأن بند تغيير السلطة لا يعني إعفاءها من جرائمها التي ستلاحقها، والمعلم أحد من ستطالهم المحاكمات، وقد جاءت كلماته متجاوزة الوقت، وهذا دلالة أن الذي يستهين بنظام جلسة دولية، لا يهمه ماذا يحدث في بلده، إذا كان بقاء الرئيس وسلامته، المقايضة الثابتة في الموقف كله..

سبق الحديث والتساؤل عمّن جلب الإرهاب لسورية، ومن كرسه في العراق ولبنان، ومن قتل ثلاثين ألف بريء في حماة، ومن باع الجولان ومن، ومن، إلى آخر الذكريات المؤلمة بما فعله نظام أسرة الأسد، وفي ذات التوقيت جاءت محاكمات الضالعين بقتل الحريري لتضع حزب الله ونظام الأسد في نفس التهمة وهناك من الوثائق والصور ما يجعل تلك السلطة أمام ملاحقات قانونية وقضائية سوف لن تستثني أحداً..

جنيف (2) هي بداية محاكمة للنظام قبل المصالحة، وهو انتصار لسورية الشعب والوطن وممثليه، ومع أن الأدوار ستتقاسمها أمريكا وروسيا، إلا أنهما، فيما يبدو، على وفاق بأن لا مكان للأسد أو من استعان بهم بحربه ضد السوريين لأنهم المشكلة والعقبة، ويستحيل مكافأة مجرم بإعطائه أي شرعية أو ضمانات لسلامته وهناك مصلحة مشتركة ألا تدخل سورية وضع الصومال أو أفغانستان طالما الأمور يمكن التوفيق فيها بين من يديرون المعركة الدبلوماسية بثقلهم السياسي والعسكري..

الحضور المكثف لمؤتمر المصالحة، لا يظهر التفاؤل بنجاح جنيف (2) لأن الهوة التي تفصل الطرفين كبيرة ومعقدة، ونظام تعوّد الاستئثار بالسلطة لا يمكنه قبول التخلي عنها إلا بقوة دولية تفرض الأمر الواقع، والمعارضة ذهبت بشروط أقرتها اجتماعات جنيف (1)، وهنا تبدأ الأزمة ولا تنتهي، لأن مبعوثي النظام يعتقدون أنهم جاءوا لبحث بند واحد فقط وهو مكافحة الإرهاب، وهذا قبل أن يحرجهم، قد لا يقبل به المندوبون الروس الذين يعدون أنفسهم شركاء ثابتين في حلحلة هذه المشكلة وموقّعون على الاشتراطات التي بموجبها تم صياغة بنود جنيف (2). وعموماً فمجريات الأحداث قد تطول وتأخذ سنوات طالما قد ينتهي الشوط الأول منها بالتعادل، ويصبح الإبراهيمي حكم ساحة لشوط آخر قد لا ينتهي بأي نصر لأي من الطرفين..

الرياض

اللاعبون الجدد في الشرق الأوسط/ الحسين الزاوي

في أجواء انعقاد مؤتمر “جنيف 2” الذي يبحث بصعوبة بالغة سبل إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، بدأت تطفو على السطح تساؤلات كثيرة عن قدرة القوى الكبرى على بسط نفوذها وهيمنتها على الجغرافيا السياسية للعالم . إذ إنه ورغم نهاية مرحلة القطبية الواحدة نتيجة تراجع الدور الأمريكي، فإن القوى الكبرى الأخرى، وفي طليعتها روسيا والصين، لا يمكنها ممارسة نفوذها من دون الاعتماد على حلفاء إقليميين أظهروا خلال الفترة السابقة قدرة هائلة على التأثير في مجريات الأحداث . ويؤشر هذا الواقع الجديد إلى تدشين الشرق الأوسط لمرحلة جديدة من الصراع السياسي المعتمِدِ على لاعبين جدد يمتلكون هامشاً كبيراً من الاستقلالية عن دول المركز والقوى الكبرى الممثلة لجانب مهم من الإرادة الدولية؛ ويتجلى ذلك بوضوح من خلال التحركات التي تقوم بها قوى إقليمية من أجل فرض وقائع جديدة على الأرض، وصولاً إلى تحقيق مكاسب سياسية لا تحظى بالضرورة بموافقة القوى التقليدية الكبرى .

لقد بتنا نعيش أزمنة جديدة، حيث صار لكل قوة إقليمية زمنها الخاص، وتحوّل الشرق الأوسط إلى ساحة للهجوم والهجوم المضاد، ولم يعد أمام القوى العظمى سوى دعوة حلفائها من أجل التوصل إلى حلول سياسية توافقية لأزمات المنطقة المستعصية . هذا السيناريو السياسي كان مستبعداً، إلى أبعد الحدود، قبل عشر سنوات خلت، حينما كان يقتضي زمن الأحادية القطبية أن تأمر أمريكا فلا تجد أمامها سوى القبول والإذعان . صحيح أن “إسرائيل” كانت تتمتع دائماً بنوع من القدرة على التأثير في السياسية الأمريكية بفضل اللوبي اليهودي، لكنها لم تكن لتجرؤ على أن تسفه وتسخر من الجهود الدبلوماسية لواشنطن كما فعل مؤخراً وزير الدفاع الصهيوني موشي يعلون؛ ف”إسرائيل” مقتنعة الآن أكثر من أي وقت مضى، بأن أمنها يجب أن يكون مسألة سيادية، وأنها غير مجبرة على الرضوخ لمطالب الإدارة الأمريكية في ما يتعلق بالملفين الفلسطيني والنووي الإيراني .

وفي السياق نفسه، عبّرت المملكة العربية السعودية عن رغبتها الواضحة في الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية في المنطقة بعيداً عن الوصاية الأمريكية، وأكدت لحلفائها التقليديين في واشنطن بوضوح لا لبس فيه، أنها لم تعد تتفق مع المقاربة الأمريكية بشأن الملفات الإقليمية الكبرى، وفي مقدمها الملف النووي الإيراني، وأنها ستحتفظ بحقها في التحرك بكل حرية واستقلالية في ما يتعلق بالأزمة السورية وفق الأسلوب الذي يتلاءم مع مصالحها الحيوية في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط .

أما إيران التي قدمت بعض التنازلات التكتيكية في ما يعلق بملفها النووي، فقد حاولت أن تُرسل رسائل مشفرة لخصومها التقليديين في المنطقة، تؤكد من خلالها أن لها تطلعات ومطالب “مشروعة” تتعلق بمصالحها الاستراتيجية وأمنها القومي، لا يمكنها أن تتخلى عنها مهما كلفها ذلك من ثمن . بل إن حلفاءها في لبنان، وفي مقدمهم حزب الله، يذهبون إلى أن مستقبل الصراع في سوريا يتجاوز سقف الحسابات السياسية الظرفية بين الأطراف المختلفة، لأنه يتعلق بمسألة وجود وديمومة المقاومة، ومن ثمة فإن حسم الصراع في سوريا على حسابها سيمثل ضربة قاسمة للتوازن الهش في المنطقة وللصراع مع “إسرائيل” .

إن عودة النغمة الدبلوماسية السلمية والهادئة للتحركات الغربية والأمريكية في الشرق الأوسط، يؤشّر لنهاية غوغائية دبلوماسية الحرب التي اختارتها واشنطن في عهد جورج بوش الابن . كما تفصح وتؤكد في اللحظة نفسها، أن القوى الكبرى لم تعد تملك القدرة على التحرك بشكل منفرد من دون التنسيق مع القوى الإقليمية التي تمتلك القسم الأكبر من مفاتيح حل الصراع في المنطقة، وهو الأمر الذي فهمته الإدارة الأمريكية بشكل متأخر بعد إخفاقها المدوي في العراق وأفغانستان . ويشدد على أهمية هذا الواقع الجديد بكل رهاناته الكبرى والمصيرية، الكثير من المراقبين والمحللين؛ حيث يرى المفكر الفرنسي “برتراند بادي” أن طبيعة الصراعات الدولية الجديدة تحمل سمات غير مسبوقة، فقد باتت تتسم بطابع غير مركزي أكثر من أي وقت مضى وأضحت تستعصي على سيطرة القوى التقليدية الكبرى . إذ إن مجمل هذه الصراعات يتم تنشيطها من قبل فاعلين محليين، وبالتالي فإن عدم الوعي بالطابع المعقد والمركب لهذه التطورات يؤدي حتماً إلى توسيع رقعة الصراعات الحالية، ولا مندوحة في كل الأحوال من العودة إلى هذه القوى المحلية والإقليمية من أجل التوصل إلى حلول سلمية قابلة للتطبيق على أرض الواقع . وبالنسبة إلى قدرة المجموعة الدولية على حل هذه الأزمات يؤكد “بادي” أنه من دون البرازيل والهند ودول أخرى مؤثرة، فإن المجتمع الدولي الحالي ناقص بل ومبتور، لأن إبعاد هذه القوى الصاعدة عن مجلس الأمن يُضعف من قدرة هذا الأخير على التعبير بشكل كامل عن إرادة المجتمع الدولي برمته، خاصة أن الصراعات الحالية تتميز عن الصراعات السابقة بمفارقة شديدة الصعوبة: فهي من جهة تنغمس في طابعها المحلي وتزداد استقلالاً عن القوى الكبرى، ولكنها من جهة أخرى أكثر “عولمة” من حيث تأثيراتها السلبية في السلم العالمي، الأمر الذي يتطلب تدعيم المجتمع الدولي المؤسسي بفاعلين مؤثرين جدد .

ويمكن الاستنتاج عطفاً على ما سبق، أن مستقبل الشرق الأوسط واستقراره يمرّ في المرحلة المقبلة، حتماً، عبر بوابة التوافق ما بين القوى المحلية والإقليمية الفاعلة في المنطقة، ذلك أن التعنت لن يفيد أي طرف لأنه سيؤدي إلى مزيد من الانقسام بين شعوب المنطقة على اختلاف انتماءاتها الدينية والطائفية . أما الصراع العربي “الإسرائيلي” فسيحتفظ بصبغته الوجودية ولن يؤثر في التوازنات الإقليمية إلا بالقدر الذي تتدخل فيه القوى الغربية من أجل دعم “إسرائيل”، لأن التفوق “الإسرائيلي” الحالي على المستويين التكنولوجي والعسكري، يمثل في مجمله محصّلة تعاون وثيق بين هذه الدولة المارقة والقوى الغربية الكبرى، وفي مقدمها الولايات المتحدة الأمريكية .

الخليج

محادثات جنيف ونهاية الحروب الأهلية/ صالح عبد الرحمن المانع

بدأت يوم الثلاثاء الماضي محادثات جنيف لإنهاء الحرب الدموية التي يشنّها الأسد ضد شعبه. وقد شهدت هذه المحادثات ولادةً عسيرة، حيث إنها في الأصل كانت فكرةً طرحتها روسيا من أجل تخفيف الضغط والانتقاد الموجه إليها في دعمها السافر لنظام الأسد. كما وجدت الدول الأخرى في هذه المفاوضات مخرجاً دبلوماسياً يرفع عنها الحرج في تمنّعها عن إمداد قوات المعارضة بما تحتاجه من عتاد. وشهدت المفاوضات قبيل ساعات قليلة من بدئها إشكالات المشاركة الإيرانية، التي كادت تئدها قبل بدئها.

ومع أنّ العديد من المحلّلين لا يُبدون الكثير من التفاؤل تجاه نجاح هذه المفاوضات، إلا أنّ عقدها في حدّ ذاته كان هدفاً طالما تطلّعت لحدوثه العديد من الدول الكبرى.

وكان واضحاً من خطابات المشاركين في حفل الافتتاح النبرة الانتقادية لسياسات الحكومة السورية، غير أنّ هذه السياسات لم تكن يوماً لتتأثر بمثل هذه الانتقادات في ضوء سياسة الأرض المحروقة والشعب المقتول، أو المشرّد، التي تنتهجها قوات الأسد.

وبدا واضحاً من الإسهاب الذي مارسه وليد المعلّم، وزير الخارجية السوري، في خطابه، أنّ الهدف من وجود الوفد السوري هو إطالة أمد التفاوض، وليس الوصول إلى حلول جذرية للحرب السورية.

وللمسألة السورية شقّان، أحدهما عسكري والآخر دبلوماسي، وسيكون الشقّ الأخير انعكاساً ومرآة للشقّ العسكري. فعلى الأرض تحقق قوات الأسد مكاسب عديدة، على رغم عدم قدرتها على السيطرة على حلب في الشمال، ودرعا في الجنوب، أو على ريف دمشق نفسه. كما أنّ لها اليد الطولى في الحصول على العتاد والإمدادات، وكذلك المقاتلين الذين يصلون إليها، ليس فقط من «حزب الله» أو إيران والعراق، ولكن أيضاً من بلدان غرب أفريقيا. وقد أثارت ورقة قدّمها الباحث د. سعود السرحان، في ندوةٍ عُقدت مؤخراً، عن المقاتلين الأجانب الذين جندتهم كلاً من إيران و«حزب الله» للقتال في سوريا، اهتمام كثيرين. وقد أحصى عددهم ليصل إلى حوالي 15 ألف مقاتل، منهم 1000 إلى 1500 مقاتل من الحرس الثوري الإيراني، وتسع منظمات عسكرية أخرى. كما قدّم قائمة بأهم الضبّاط الإيرانيين الذين قُتلوا في المعارك في سوريا، ومنهم الجنرال حسن شاطري، والعميد محمد جمالي زادة، والجنرال أبو الفضل شيروانيان.

وعلى رغم ما يقال بأنّ ما يدفع هؤلاء المقاتلين هو حماسهم الديني، وما تضفي عليه الحكومة السورية من بُعدٍ طائفي، فإنّ هذه الحرب القذرة لم تحظَ بموافقة أربعة من مراجع الشيعة الكبار في العراق، ومنهم السيد السيستاني. والحقيقة أنّ حرب الأسد ضد شعبه، مثلها مثل أي حرب أهلية أخرى ستستمر طالما كان ميزان القوى العسكري يميل لصالحه، غير أنّ منظِّر الحرب الشهير «كلاوسفيتز»، في كتابه عن الحرب، يرى أنّ مثل هذا الميزان غير كافٍ لتفسير مسار الحرب، فالبُعد الأخلاقي وحماس المقاتلين وشجاعتهم تؤثِّر في مسار الحرب، وفي طول أمدها.

وإذا ما نظرنا إلى حربٍ قريبة، ولكنها لا تتمتّع بنفس سمات الحرب السورية، فإنّ الحرب الأهلية الأخيرة في لبنان استمرّت زهاء خمسة عشر عاماً، حتى تمّ إنهاك جميع المشاركين في تلك الحرب، واضطروا إلى الجلوس إلى مائدة المفاوضات في الطائف عام 1989.

ولا يكفي الإنهاك العسكري لتفسير نهاية الحروب الأهلية، فتدخّل الدول الإقليمية مهمّ جداً لدفع الأطراف المتقاتلة لإيجاد صيغة حلول سلمية، فالحرب الأهلية في لبنان عام 1958، توقّفت بسبب تدخّل القيادة المصرية في اقتراح حلول بديلة، وإدخال قائد الجيش حينئذ (فؤاد شهاب)، كشخصية محايدة يمكن أن تقود البلاد إلى شاطئ الأمان.

وفي الحرب الأهلية في شمال مالي، في منتصف التسعينيات، ساعدت الوساطات السعودية والجزائرية في وأد الحرب، وإشراك قادة حركة «الأزواد» المقاتلة في حكومةٍ ديمقراطية جديدة تحكم من العاصمة باماكو. ولكن النقطة الرئيسة في إنهاء تلك الحقبة من الحرب، هي تحوّل الحكومة المالية حينئذٍ من حكومةٍ عسكرية إلى حكومةٍ ديمقراطيةٍ جامعة لمعظم الفئات والقبائل في البلاد.

ولا يمكن القول إنّ الحروب الأهلية تنتهي بنجاح مفاوضات السلام، فمثل هذه الاتفاقيات ربما تمثّل نقطة هدوء أو مجرد وقف لإطلاق النار، ربما تعقبه تفصيلات سياسية تنصّ على تغيير في النظام السياسي القائم وقواعده. فحرب 1860 في لبنان، وما سُمِّي حينئذٍ بأحداث الستينات، لم تنتهِ إلا بتدخّل السلطنة العثمانية، وتعيين داوود باشا كحاكم مسيحي تحت دولة مسلمة، والياً على لبنان. وسادت البلاد حالة من الهدوء لأكثر من نصف قرن، إلا أنّ أزمة 1958، أدخلت البلاد من جديد في منعطفٍ تاريخي، سرعان ما خرجت منه بفضل التدخلات الدبلوماسية الحميدة. واستمرّت تلك الهدنة لقرابة عقدين لتشتعل الحرب مجدداً في منتصف السبعينيات. وبعد أكثر من عقدين من السلم في لبنان بعد اتفاقية الطائف، يكاد لبنان ينزلق اليوم في حربٍ أهلية طائفية جديدة.

أما بالنسبة لسوريا، فإنّ الدول الكبرى التي خذلت الشعب السوري بعدم دعمها لمقاومته، الواجب الأول عليها هو الضغط على النظام السوري لوقف إطلاق النار على شعبه ووقفه عن ضرب المدن والسكان بالبراميل والصواريخ الحارقة. والثاني فتح ممرات إنسانية آمنة لنقل الغذاء والدواء للمدنيين والجرحى في المدن السورية. وثالث الواجبات، فكّ الحصار الجائر على القرى السورية والمخيّمات الفلسطينية، خاصةً مخيّم اليرموك، الذي بدأت الناس فيه بأكل الجيفة ولحوم القطط والكلاب لتسد رمق جوعها.

كما أنّ مثل هذه المفاوضات قد يستمر إلى ما لا نهاية، لأنّ الأسد وأزلامه لا يريدون التنازل عن سلطتهم الجائرة على شعبهم. ولذلك، فإنّ تزايد الضغط الدبلوماسي على النظام السوري، وعلى حلفائه، ومواصلة دعم قوات المعارضة، من شأنه أن ينهك نظام الأسد وينهك حلفاءه الذين يريدون استمرار هذه المعارك، وحرق المدن، طالما بقيَ هذا الديكتاتور في سدة الحُكم.

الاتحاد

آخر الأنظمة العربية غير المحترمة!/ طارق الحميد

إذا كان من شيء قد أثبتته الجلسة الافتتاحية لمؤتمر «جنيف 2» فهو أن منطقتنا الآن تشهد لحظة أفول آخر الأنظمة العربية غير المحترمة وهو نظام بشار الأسد الذي لم يتحدث وفده في جنيف بلغة دبلوماسية، ولم يقدم منطق دولة، بل عنجهية وشتائم وغرورا متناهيا، رغم كل هذا الدم السوري.

ما سمعناه، وسمعه العالم، من وليد المعلم، وزير خارجية الأسد كان ردحا، وتجنيا، وليس لغة دبلوماسية، بل تزويرا للحقائق، واستمرارا للخطاب الفاسد الذي عرفته منطقتنا طوال العقود الأربعة الماضية، مثله مثل لغة نظام صدام حسين ورموزه، ومثله مثل نظام معمر القذافي ورجاله، وبالطبع فإن ما قدمه المعلم هو لسان حال رجال إيران بالمنطقة سواء حسن نصر الله، أو وزير خارجية لبنان الذي لا يختلف عن أي متحدث باسم حزب الله. ما سمعناه في «جنيف 2» لا يقول لنا إننا أمام حل سياسي، بل يقول لنا إننا أمام آخر الأنظمة العربية غير المحترمة؛ ففي ذلك المؤتمر زاد وليد المعلم من عزلة معلمه الأسد ونظامه، حيث أظهر للعالم بأن نظام الأسد ككل لا يرتقي لحكم دولة مثل سوريا، وإنما يجب أن يكونوا في قفص محكمة العدل الدولية، ولم يفعل ذلك وليد المعلم وحده، بل وكل الوفد الأسدي!

في ذلك المؤتمر أدان المعلم الروس، وربما نفرهم من الظهور علنا كحلفاء للأسد لحظتها، كما أدان المعلم إيران، حيث رأى السوريون والعرب النظام الذي تدعمه إيران وتؤيده بالرجال والسلاح ضد العزل من السوريين! وبذلك المؤتمر الدولي عرفت المنطقة وأهلها أي مستوى من الأنظمة، ذاك الذي تدعمه طهران، التي ذهب رئيسها «المسالم» روحاني يوزع التهم ضد السعودية في دافوس مثله مثل المعلم الذي كان يمثل أحد آخر الأنظمة غير المحترمة في منطقتنا بجنيف، والذي حاول أن يظهر أنه ند للمجتمع الدولي رغم أن أركان هذا النظام الأسدي يغازلون أميركا سرا، وكما كشفت واشنطن مؤخرا، مثل ما أنهم، أي أعضاء وفد الأسد، يغازلون بعضا من الدول العربية بالسر، وخصوصا بعضا من دول الخليج العربي التي يهاجمونها الآن، وهو ما فعله سابقا أركان نظام صدام حسين، وأطولهم لسانا، ثم انتهوا لاجئين لدى بعض من الدول التي يتهمونها بالرجعية، تماما كما فعل المعلم في جنيف!

ولذا فإن أهم ميزة لمؤتمر «جنيف 2» للآن هو أن المجتمع الدولي المتقاعس قد تأكد أنه يتعامل مع نظام دموي إجرامي لا يمكن الصبر عليه، خصوصا أنه يلعب بورقة الإرهاب الذي يموله ويرعاه أصلا، ولذا فقد تصدى وزراء العواصم الغربية لوفد الأسد، مثلما بات ملحوظا مؤخرا التغير في التغطية الإعلامية الغربية تجاه سوريا، حيث بات الإعلام الغربي الآن يسلط الضوء على علاقة «القاعدة» بالأسد. وعليه فإذا كان «جنيف 2» يفتقر للقرارات الحاسمة فإن أفضل ما فعله للآن أنه عرى نظام الأسد دوليا، وأثبت أنه آخر الأنظمة العربية غير المحترمة في منطقتنا.

الشرق الأوسط

مؤتمر لإنقاذ سوريا.. أم لتدويل مصيرها؟/ باسم الجسر

كم تبدو بعيدة تلك الأيام التي كانت فيها النخب العربية تحلم بـ«الوحدة العربية».. يوم ثارت بوجه السلطنة العثمانية، وبعد أن تحررت الشعوب العربية من تحكم الغرب بمصيرها، ويوم تطلعت، بعد نكبة فلسطين، إلى وحدة قومية عقائدية بقيادة حزب أو زعيم جماهيري يجدد دور صلاح الدين التاريخي!.. فمن يتأمل، اليوم، بما آلت إليه «الأمة العربية» من انقسام وتفكك وتمزق، لا يسعه سوى طرح سؤال كبير واحد، وهو: هل أضاعت الأمة أو الشعوب أو النخب العربية طريق نهضتها وأفق مصيرها؟!

والإجابة المفجعة هي: نعم. فمن منا – أو غيرنا – يستطيع تبصر الأفق الذي تدفع أو تندفع إليه سوريا، أو مصر، أو ليبيا، أو اليمن، أو السودان، أو لبنان؟ هل الاستمرار في التمزق والتفكك والحروب الأهلية، أم قيام أنظمة حكم سلطوية جديدة ترضخ الشعوب لها تخلصا من الفوضى أو نجاة من الموت أو التشرد، أم الاستنجاد بالدول الكبرى (الاستعمارية سابقا) أو مجلس الأمن لوقف دوامة الانتحار البطيء الذي أوقعت نفسها فيه؟! أوليس مؤتمر «جنيف 2» ورحلات وزير الخارجية الأميركي المكوكية إلى تل أبيب ورام الله عناوين بليغة لحالة العجز السياسي العربي عن معالجة وحل القضايا المصيرية؟! أوليس هذا الانقسام المذهبي في سوريا والعراق ولبنان، وهذا الاقتتال بين أبناء وطن واحد ودين واحد وعائلة واحدة من أبلغ أمارات البلاء الذي حل بالعالمين العربي والإسلامي، إن لم نقل من علامات الساعة؟!

لقد حلت الدعوة الدينية، في السنوات الأخيرة، كديناميكية سياسية (أو حبل إنقاذ) محل الوطنية والقومية والاشتراكية وغيرها من الآيديولوجيات، في معظم الدول والمجتمعات العربية، بعد أن فشلت الأنظمة التي قفزت تحت شعاراتها إلى الحكم أو بررت تمسكها به. وما نراه، اليوم، من تمزقات ونزاعات في مصر وسوريا ولبنان واليمن، بين الجماعات أو الأحزاب أو التنظيمات السياسية الإسلاموية (من إخوان إلى سلفيين إلى «قاعدة» إلى حزب الله و«الدعوة» و«النصرة» و«داعش»… إلخ)، لا يبشر بأي استقرار أو أمن أو سلام أو نهضة تنموية أو أي وحدة أو اتحاد.. بل ينذر بعكس ذلك تماما، أي بحروب أهلية تدوم مائة سنة، وفي أحسن الأحوال، نشوء عشرات الدويلات العرقية والطائفية والمذهبية على أنقاض حلمي الخلافة الإسلامية والدولة العربية الموحدة، وأي شكل آخر من الاتحاد أو التكتل.

إن مؤتمر «جنيف 2» ومساعي وزير الخارجية الأميركي لتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، قد تكون آخر محاولات واشنطن والدول الكبرى لتحقيق «نوع من السلام» والاستقرار في الشرق الأوسط. وما الانسحاب الأميركي من العراق وأفغانستان ونأي واشنطن عن التدخل المباشر في سوريا ومصر وليبيا (الذي يذكر بالانسحاب البريطاني من شرق السويس في الخمسينات من القرن الماضي)، إلا دليل على أن مرحلة تاريخية دولية جديدة قد افتتحت لا تقل انعكاساتها السلبية على مصائر الشعوب العربية والإسلامية عن انعكاسات حقبة الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن والحقبة التالية لسقوط حائط برلين، على العالم بأسره.

صحيح أننا أشهرنا عجزنا عن تقرير مصيرنا أو حل مشاكلنا الكبرى بأنفسنا، ولكن هل بات الحل الوحيد المتاح لنا هو تسليم أمرنا إلى الدول الكبرى ومجلس الأمن والمجتمع الدولي لتفتح أمامنا أبواب خلاصنا من محنتنا؟! وهل تستطيع الدول الكبرى والمجتمع الدولي ومجلس الأمن والمؤتمرات إنقاذ شعوب أضاعت بوصلة مصيرها؟! وتلك هي حال معظم الشعوب العربية والإسلامية، قبل وبعد ما سمي بـ«الربيع العربي»، فبينما يدخل العالم عصرا جديدا هو عصر التواصل السريع والمباشر والمكثف بين البشر، عصر الفضائيات والكومبيوتر وارتياد الفضاء وترابط مصالح الشعوب وتعاونها من أجل إنقاذ البيئة والحياة على الأرض.. نشهد تيارات سياسية رجعية وعنفية تشد بعقولنا ونفوسنا إلى الوراء، وتستخدم الدين سلاحا سياسيا للوصول إلى الحكم، مستعدية بل معلنة الحرب على كل الشعوب والدول التي لا تقول قولها، أي على ثلاثة أرباع البشرية، بما فيها تلك التي تشاركها في الدين وتختلف عنها في ممارسة دينها بالمودة والتسامح والرفق، وليس بالتشدد والقسوة والإرهاب والانتحار.

بين بداية الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط ودخول موسكو وطهران بقوة على المسرح السياسي والقتالي السوري، يتضاءل كثيرا الأمل في نجاح بل جدوى مؤتمر «جنيف 2»، وتدخل سوريا و«الربيع العربي» معها شتاء جديدا وطويلا.

الشرق الأوسط

جنيف.. وعيد الجلاء!/ حسين شبكشي

منذ اللحظات الأولى لظهور وفد بشار الأسد في مؤتمر «جنيف 2» المنعقد في مدينة مونترو السويسرية، أيقن الناس أنهم أمام مجرمين بامتياز، واسترجعوا كل الأسباب التي تجعلهم يكرهون هذا النظام الدموي المجرم. فيبدو أن وليد المعلم اعتقد أنه يخطب في حزب البعث فرع جنيف، فأسهب وأطال وغرّد بكلمات مطاطة، كعادة البعثيين في النظام السوري، يرددون كلاما بلا معنى وبلا مضمون ولكنه «عبث كلامي» فهمه كل الناس، وملوه وسئموه، وكذلك كان الأمر بالنسبة «لشكل الوفد» الذي كان غارقا في الرموز والإشارات الموجّهة للغرب، فالوفد الذي قدم نفسه كوفد يمثل دولة علمانية كان من ضمنه قسيس من الكنيسة الشرقية للروم الأرثوذكس مدججا بزيه الديني كاملا، ويُضاف للقسيس جوقة منتقاة من رموز الطوائف السورية الأخرى، لونا الشبل بنت جبل الدروز بصبغة شعر مبالغ في لونها لمحاكاة الغرب أيضا، وبثينة شعبان ابنة طائفة العلويين التي تدافع عن الأسد باللغة الإنجليزية، دون أن تفهم عقلية المتلقي، ليصبح ما تقوله أشبه بالفيلم المدبلج، وعمران الزعبي صاحب الكنية اللافتة، فهو، كما يظهر من كنيته، ابن درعا التي انطلقت منها الثورة السورية ضد حكم الطاغية بشار الأسد، وعمّت سريعا مناطق حوران، وطبعا هناك وزير الخارجية وليد المعلم ابن العائلة الدمشقية المعروفة، يُضاف لهم مجموعة من المساعدين لأداء أدوار مختلفة ضمن الوفد من الإعلام، ومع الوفود المشاركة.

كان مضمون خطاب وليد المعلم دلالة صريحة على حالة الإنكار الكامل والمأساة الحقيقية التي يمثلها نظام الأسد في المنطقة عموما، وفي سوريا تحديدا، نظام قتل مئات الآلاف وشرد ودمر وأصاب وأهان أكثر منهم، ومع كل ذلك وبكل فجاجة يتجرأ بالقول إن سوريا تواجه إرهابا، وإن من يثور عليها إرهابيون، ومن حضروا ليفاوضوها كمعارضة هم إرهابيون، وإن الدول التي جاءت لهذا المؤتمر دول راعية للإرهاب. هذا النوع من الحديث لا يتطلب مؤتمرا للحوار السياسي في جنيف، ولكن يتطلب إرسال وفد الأسد إلى فيينا عاصمة الطب النفسي ومسقط رأس عالم الطب النفسي وتحليله سيغموند فرويد، فالذي يقدمه هذا الوفد من طرح يندرج تحت توصيف الانفصام والإنكار، ولكن الأرجح وبلا سخرية أنه يندرج تحت توصيف الخبث والجبروت والاستخفاف بالآخر.

لم يتلفظ وفد الأسد بحرف واحد يخص المقاومة والممانعة و«الكلام السخيف إياه»، الذي كان يردده هو وحلفاؤه، لأنه من غير المقنع طرح هذا الخطاب الخشبي والنظام يحاصر مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق، وهو الأكبر في سوريا، ويدكه بالرصاص والصواريخ قاصفا إياه ومَن فيه ليلا ونهارا، ومحاصرا ساكنيه مانعا عنهم الماء والغذاء والدواء، وحليفه الذي كان يمده في لبنان بالعتاد والسلاح والمال بحجة المقاومة ضد إسرائيل، تنظيم حزب الله، ها هو يقاتل بكل قوته مع نظام الأسد ضد الشعب السوري، وبالتالي متنازلا عن جبهة المقاومة ضد إسرائيل، ولذلك اضطر لأن يستخدم «ورقة» الطوائف، خاصة المسيحيين منهم، وإظهار المطران كابوتشي ضمن الوفد بلباسه الكنسي وصليبه الكبير واضحا أمام الكاميرات فوق صدره.

الرخص السياسي الذي هبط به نظام الأسد إلى مستويات غير مسبوقة من الأسباب الإضافية لحث المجتمع الدولي بكل مرجعياته على ضرورة الخلاص منه، لأنه يمثل أبشع ما في الإنسانية وأسوأ ما فيها؛ ذبح شعبه وأراق دماءه عبر عقود طويلة من الزمن، والإنكار التام لذلك وعدم الإحساس بفداحة ما عمل ولا خطأ ما ارتكب.. إنها أنظمة جُرّدت من إنسانيتها ومن آدميتها، وسُلطت على شعوبها.

مؤتمر جنيف جاء ليؤكد ما كان معروفا، وليعيد تذكير الناس بحجم المأساة التي يعيشها السوريون لأكثر من ثلاث سنوات الآن، وإن كانت حقيقة المأساة تجاوزت العقود الأربعة المأساوية، وهي عمر نظام الأسد أبا وولدا من بعده. جمهوريات سوريا في عهد الأسد انتقلت من جمهورية الخوف إلى جمهورية الرعب إلى القتل إلى الإنكار. نعم، مؤتمر جنيف من الضروري أن يسعى، وبشكل جدي جدا، للقضاء على الإرهاب في سوريا، وإخراج جميع المجرمين الذين أتوا للقتل والاقتتال في هذا البلد العظيم، ولكن أول الإرهابيين هو بشار الأسد ونظامه، وبالتالي مطلوب تخليص سوريا منه ومن المجرمين الذين معه، لأنهم لا يحكمون سوريا، بل يحتلونها.

آن الأوان لأن تحتفل سوريا بعيد الجلاء الحقيقي لها.

الشرق الأوسط

تأملات في الفترة الانتقالية/ وليد أبي مرشد

بعد ثلاث سنوات من حرب أهلية قضت على أكثر من مائة وثلاثين ألف سوري وشرّدت تسعة ملايين آخرين، يعتبر مؤتمر مونترو (أو جنيف 2) فرصة لا تفوت لتوصل السوريين المؤتمنين فعلا على مصير وطنهم، إلى تسوية شاملة لنزاعهم السياسي.

وبعد ثلاث سنوات من المآسي المتلاحقة والمجازر المتكررة، لا يتوقع أحد، سواء كان من المعارضة السورية أم من النظام الطامع إلى حكم من بقوا أحياء من أبناء بلده، التخلي عن أهدافهما والاتفاق على مستقبل سوريا لمجرد التقائهما حول طاولة مفاوضات في مونترو.

الجلسة الافتتاحية لمفاوضات «جنيف 2» أظهرت أنها بداية صعبة لمسيرة تسوية شاقة وطويلة الأمد. وإذا كان انطلاقها كشف خلافا أميركيا – روسيا على تفسير مفهوم «الحكومة الانتقالية» وصلاحياتها الكاملة (التي نص عليها اتفاق «جنيف 1») فذلك لا يحرم المعارضة السورية من تسجيل إنجازين بارزين لصالحها وإن بمساندة ممثلي نحو ثلاثين دولة في المؤتمر:

– الإنجاز الأول كان استبعاد أوثق حليف عسكري ولوجستي للنظام للسوري، أي إيران، عن لعب أي دور مباشر في تحديد مستقبل سوريا السياسي. وهذا الإنجاز قد يتخذ بعدا إقليميا ودوليا لافتا على خلفية قرار روسيا الاستمرار في مشاركتها في أعمال المؤتمر رغم اعتبار الكثير من المحللين أن سحب دعوة إيران للمؤتمر، بعد ساعات قليلة من توجيهها، كان بمثابة «صفعة دبلوماسية» لطهران.

– أما الإنجاز الثاني فقد تمثل في إحباط محاولة النظام استبدال مطالبة اتفاق «جنيف 1» بإقامة حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة في دمشق بدعوة دونكيشوتية لمحاربة الإرهاب الدولي، الأمر الذي أكده الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بإعلانه أن الهدف الرئيسي لمؤتمر «جنيف 2» هو «مناقشة كيفية تطبيق إعلان جنيف 1»، فقط لا غير.

إلا أن ما كشفته الجلسة الافتتاحية لمؤتمر «جنيف 2» عن ارتهان أي تسوية قريبة للنزاع السوري بخلاف أميركي – روسي على مفهوم الحكومة الانتقالية المقترحة وصلاحياتها، مؤشر أولي على احتمال إطالة أمد النزاع إلى أن تلتقي مصالح موسكو وواشنطن، يوما ما، على قاسم مشترك في الشرق الأوسط.

يفترض بهذا الاحتمال المأسوي أن يشكل حافزا وطنيا لكل السوريين للخروج من إطار لعبة المصالح الأميركية – الروسية المتناقضة في الشرق الأوسط واعتماد الواقعية في مقاربتهم لأي تسوية سريعة لخلافاتهم.. قبل «خراب البصرة». وإذا كانت الواقعية السياسية تستوجب تنازلات من الجانبين، فمن تحصيل الحاصل أن الجهة الأولى بتقديم تنازلات تمهد، ميدانيا، للتسوية هي الجهة الأقوى عسكريا.. والأضعف شعبيا، أي النظام.

بأي منظور واقعي، أقصى ما يصح توقعه من «جنيف 2» هو الدعوة إلى هدنة ميدانية تتبعها إقامة آلية شرعية – ديمقراطية تؤمّن، بإشراف دولي، جوا مواتيا لمواصلة السوريين حربهم… بوسائل سلمية طبعا.

نادرا ما تنتهي مواجهات الحروب الأهلية بهدنة سياسية أو حتى بالتخلي عن السلاح إذا كانت، كالحرب السورية، حصيلة عقود من مصادرة أقلية ما لحقوق الأكثرية في مكونات السلطة، في مرحلة يمر فيها شعبها بتحولات عميقة، اجتماعية وثقافية، وحتى ديموغرافية. (في هذا السياق يكفي أن يكون عدد سكان سوريا قد تضاعف مرتين منذ بدء حكم آل الأسد في السبعينات).

من هنا صعوبة الاستهانة بالأهمية السياسية والاجتماعية للفترة الانتقالية المقترحة لسوريا وقد تكون الحرب الأهلية «الباردة» الدائرة حاليا في لبنان خير دليل على أن التخلي عن السلاح، والاحتفاظ بالضغائن، لا يؤسسان لدولة مستقرة – ما يسمح بالاستنتاج أن «إدارة» الخلافات السورية لفترة انتقالية غير قصيرة، تمهيدا لحسمها سياسيا عبر صناديق الاقتراع – كما يحلو لإعلام النظام أن يكرر بين الفينة والفينة – يفترض أن يكون ثمرة مؤتمر «جنيف 2» الوحيدة وعنوان المرحلة المقبلة في دمشق.

الشرق الأوسط

“جنيف السوري”…ملاحظات أولية/ غازي العريضي

بعد جولات عنف كثيرة وحروب كبيرة بدأت عام 75، وبعد مؤتمرات حوار في الداخل لبنانية – لبنانية، وعربية– لبنانية، شارك فيها أعضاء اللجان العربية التي شكلت لرعاية ومتابعة الوضع اللبناني، والسلطة اللبنانية، والأطراف المتحاربة، وبعد موجات من المبادرات العربية والإقليمية والدولية وزيارات عدد كبير من الموفدين الدوليين والإقليميين إلى لبنان، انعقد مؤتمر جنيف لبنان خارج الأراضي اللبنانية عندما وصلت الأمور إلى حد استحالة اللقاء في لبنان بين القوى اللبنانية المعنية.

حرب لبنان علمتني الكثير، وتجربة جنيف هذه، حضرت أمامي وأنا أتابع مشهد جنيف – 2 السوري. في جنيف عقد المؤتمر الأول من أجل لبنان ثم تلاه «لوزان» في مارس 1984، وهو بمثابة جنيف 2 السوري. لا جنيف ولا لوزان أثمرا حلاً في لبنان. الحل جاء بعد خمس سنوات ونيف من انعقادهما، جاء من الطائف، والطائف بني عليهما وعلى ما سبقهما من أفكار ومبادرات وطروحات وبرامج ومشاريع تراكم طرحها في المنتديات واللقاءات والزيارات والمؤتمرات الكثيرة الداخلية والخارجية انطلاقاً من عام 1975، تابعت جنيف 2 السوري.

على وقع تأكيدات من جماعة النظام بأن لا جنيف 1 ولا جنيف 2 ولا جنيف 10 سيحل الأزمة، وتأكيدات من قبل جماعة المعارضة أن لا ثقة بالنظام، ولا أمل بالحل من خلال هذا المؤتمر، وسمعت الخطابات والتصريحات، واستذكرت تجربة لبنان فسجلت الملاحظات التالية:

1 – جاء الفريقان إلى «جنيف 2 » تحت الضغط الأميركي الروسي. أميركا وبريطانيا وصلتا إلى حد تهديد المعارضة بوقف كل أشكال الدعم المقدمة لها، إذا لم تشارك في جنيف 2.

حصر التمثيل في «مؤتمر أصدقاء سوريا» الثاني، الذي انعقد في باريس بـ«الائتلاف الوطني» كممثل شرعي وحيد للشعب السوري ترجمة لمواقف الدول العربية والأجنبية الداعمة للائتلاف، ولما أقر في «مؤتمر أصدقاء سوريا» الأول، الذي عقد في لندن.

الائتلاف واجه متاعب كثيرة، انقسامات في الداخل، خروج «المجلس الوطني السوري» من صفوفه. انسحابات أعضاء آخرين، تشكيك في قانونية قرار المشاركة في جنيف 2 لناحية عدد المشاركين، حملة ضد الائتلاف أنه لا يمون على شيء في الداخل وميدانياً على الأرض، فكانت «الجبهة الإسلامية» التي أعلن قيامها قبل أيام من المؤتمر والهجوم على «داعش»، وتحقيق مكتسبات معينة في هذا الاتجاه لإضفاء شرعية وتكريس قوة لمن سيفاوض في جنيف.

في المقابل ذهب النظام تحت الضغط الروسي، بكل انضباط وقف وزير الخارجية السوري وليد المعلم في موسكو قبل أيام من انعقاد المؤتمر وقال: «ننتظر ساعة الصفر من الوزير لافروف لنعلن التزامنا (بمبادرة وقف إطلاق نار، وفتح معابر وإطلاق سراح أسرى) وسنذهب إلى جنيف- 2.

وترافق ذلك مع تحقيق خطوات ميدانية متقدمة على الأرض خصوصاً في حلب وفتح مطار المدينة، وهذا ما اعتبره النظام وحلفاؤه مكسباً مهماً، إذاً، ذهب الفريقان تحت الضغط من الخارج، وفي جو الضغط في الداخل، 2 – منذ البداية لم يكن ممكناً اللقاء السوري – السوري في سوريا، بسبب تنكّر النظام للمعارضة من الأساس والذهاب إلى الخيار الأمني، وصولاً إلى الحرب المفتوحة بكل تشعباتها والتداخلات فيها، فأصبحت لعبة أمم كبيرة، وكان لا بد من اللقاء في الخارج.

3 – انعقد المؤتمر والأسد في موقعه، هذا ليس مكسباً للنظام وفشلاً للمعارضة بالمعنى السياسي الدقيق للكلمة، السبب بسيط، من أتى بالطرفين إلى جنيف 2، لم يكن قد اتفق على إزاحة الأسد، ربما أخطأ البعض في التقدير.

فريق قدّر أن خروج الأسد حتمي، والفريق الآخر قدّر وقررّ أن بقاءه انتصاراً له، والتقديران خاطئان حتى الآن، لماذا؟ لأننا كتبنا وذكّرنا أكثر من مرة، أن الاتفاق الروسي الأميركي قائم على المعادلة التالية: واشنطن تقول: «بدء العملية السياسية ليس مشروطاً بتنحي الأسد». وموسكو تقول: «انتهاء العملية السياسية ليس مربوطاً ببقاء الأسد»، والعملية بدأت. ولكنها لم تنته، فلننتظر إذاً النهاية. وعندما يتفق الطرفان الكبيران الراعيان، فلكل حادث حديث.

4 – في سياق الاتفاق الروسي الأميركي، تأكيد مشترك على محاربة الإرهاب.

لكن المؤتمر هدفه محدد، ولم يذهب في هذا الاتجاه، كأولوية، بل انطلق على قاعدة المعادلة المذكورة مع التشديد على أهمية موضوع الإرهاب في العملية السياسية، وهو موضوع غير الكثير من المعادلات، والتوازنات في الحرب السورية، وبالتالي في الحسابات.

5 – في جنيف لبنان ولوزان لبنان، وكل مؤتمرات لبنان، كان النظام السوري صاحب كلمة فصل ودور أساس، ولاعباً مؤثراً، فوض في مرات كثيرة بإدارة الشأن اللبناني، لأنه حجر الزاوية.

في جنيف سوريا، شئنا أم أبينا، سوريا أصبحت الساحة والملعب. والنظام لم يعد اللاعب الفعلي المقرر. المقررون هم في الخارج. أميركا، روسيا، إيران وتأثيرات من هنا وهناك.

لم يعد ثمة حجر، بل النظام متهم بتدمير الحجر، وقتل البشر.

وهو رغم الإنجازات الأخيرة في الزاوية قياساً على ما كان عليه حجر الزاوية الصعب الثقيل في مكانته. كانت سوريا تجمع كل الأوراق، أصبح النظام فيها ورقة من أوراق التداول في بازار السياسات والحسابات الإقليمية والدولية.

كانت سوريا، وكان نظامها الهيبة. باتت طائرة وفده تتوقف في اليونان لا تزود بالوقود إلا بعد دفع «النقود» نقداً من قبل وزير خارجيته.

وسيل من التهم بارتكاب مسلسل من المجازر الجماعية بحق شعبه يسبق ويلاحق وفده إلى وفي المؤتمر وعلى شاشات العالم.

6 – سمعنا كلاماً قاسياً من الطرفين، هو أمر طبيعي في أول لقاء، وحمام الدم مستمر في سوريا.

لكن القرار الأميركي الروسي كان يقضي ببقاء الوفد مهما كلف الأمر.

7 – جنيف 2 السوري، هو محطة سياسية مهمة، وجولة سياسية مهمة في لقاء الطرفين، فرضتها ظروف إقليمية ودولية، سبقتها جولات أمنية، رافقتها أعمال أمنية وستليها أعمال أمنية كبيرة في سوريا رغم ما يمكن تنفيذه من خطوات لها علاقة بتبادل أسرى وفتح معابر، هي ضرورة في إدارة الحرب اعتدنا عليها في لبنان.

8 – جنيف لبنان كان البداية، لوزان لبنان، كان المحطة الثانية، وسبقهما مبادرات ومؤتمرات إقليمية ودولية، شكلت هدنات، لم تكن النهاية إلا بعد سنوات كما ذكرنا.

وهي بنيت على ما تم طرحه في السابق، لكن في النهاية تغير النظام اللبناني.

بقيت المكونات الطائفية والسياسية، وبقي لاعبون وغاب آخرون.

لكن النظام تغير جوهرياً. جنيف 2 السوري هو البداية، سوف يكون المسار طويلاً.

شاقاً وصعباً، والأثمان كبيرة، وسنكون أمام جولات عنف جديدة في سوريا، وفي الجوار المتأثر بها في الأشهر المقبلة، أي قبل انتخابات الرئاسة في دمشق. إلا أننا وفي كل الحالات نحن أمام بداية، ولا بد من نهاية، وسيتغير فيها ومعها النظام مهما توهم كثيرون.

لأن ذلك حقيقة من حقائق السياسة، التي تعلمناها في أكثر من محطة.

9 – كان لا بد من دعوة إيران للمشاركة لأننا شئنا أم أبينا لا نستطيع إنكار دورها المؤثر لاسيما بعد اتفاقها مع الغرب وميل أميركا تحديداً إلى إشراكها، وستكون شريكة في المحطات المقبلة.

10 – في جنيف لبنان ولوزان وقبلهما وبعدهما، ومع كل التمايزات التي كانت موجودة في صفوف المعارضة، كان ثمة مرجعية لها بالواقع أو الأمر الواقع تصدر القرار وتدير العملية، كانت مجسدة بالنظام السوري.

للنظام اليوم مرجعية هي روسيا وإيران، ولكن ليس للمعارضة مرجعية سورية واحدة في الداخل أو الخارج وليس لها مرجعية إقليمية دولية واحدة وهذا ما ينبغي العمل على معالجته انطلاقاً من تجربة السنوات الثلاث في الحرب السورية واستعداداً للعمل في المرحلة المقبلة انطلاقاً من جنيف 2، هذه ملاحظات أولية سريعة.

غازي العريضي

وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني

الاتحاد

“الطائف السوري” ما زال طيفاً/ أسعد حيدر

ما زال انعقاد “الطائف” السوري بعيداً. مؤتمر “جنيف – ” خطوة على طريق طويل، لكنها كانت خطوة ضرورية، لأنّها ظهّرت بعض الخطوط والألوان في خريطة الوضع السوري والإقليمي والدولي. من ذلك، أنّ طموح الرئيس بشار الأسد في تحويل المؤتمر إلى “حرب عالمية ضدّ الإرهاب”، يكون هو رأس الحربة فيها مقابل تثبيته في السلطة، قد فشل. أيضاً طموح المعارضة في خروج الأسد من السلطة فوراً قد فشل. أيضاً وهو الأهم أنّ القوى الدولية والإقليمية غير قادرة على إنتاج حل يؤكد فوزها بحصة “الأسد” مجتمعة ومتفرقة. السبب أنّ الشرخ أفقياً وعمودياً عميق جداً.

تحوّلات مهمّة حصلت قبل “جنيف -” أو “مونترو -“، تؤشر إلى بعض المتغيرات والتغييرات. من ذلك:

* أنّ حرب المعارضة السورية ضدّ “داعش”، قد سحبت ورقة استراتيجية مهمة جداً من يد الأسد كان يريد استثمارها أمام العالم، نتيجتها الأولى أن لا خيار للسوريين والعالم بينه وبين هذه المعارضة “الداعشية”، سوى دعمه والتمديد له.

* تبلور قناعة في الغرب، أنّ إهمال المعارضة وعدم تسليحها وترك الأسد يستخدم كل الأسلحة إلاّ السلاح الكيماوي (وبعضها مثل صواريخ السكود والبراميل المتفجرة أشد فتكاً وهي في حالات كثيرة تقع آثارها المادية والنفسية في اطار الجرائم ضد الإنسانية) قد ولّد يأساً غير مسبوق لدى السوريين جعل الكثيرين منهم ينزلقون نحو التطرّف. هذا الوضع هو الذي أنتج مؤخراً نقاشاً مهماً في واشنطن ولندن حول ما إذا كان عدم استخدام القوّة ضدّ الأسد كان خطأ كبيراً، وأنّ هذا الغرب سيجد نفسه في لحظة “سبريتيشية” (نسبة إلى “سبريتيشية” في يوغسلافيا) مضطراً وبكلفة أكبر للتدخل.

[ تأكد الغرب أن الأسد لعب دوراً أساسياً وفعالاً في تغذية الإرهاب ومنظماته بالرجال والقيادات التي أطلق سراحها من معتقلاته، وأنّه استقدم بواسطة حليفه الجديد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي عشرات القياديين من “القاعدة” في عملية هروب منظّمة وواسعة، وأنه يستخدم انتشار الإرهاب كما فعل دائماً في مقايضة معلوماته بتقديمات غربية له ولنظامه.

[ إنّ المعتقلات السورية تكاد تشبه المعتقلات النازية. التقرير الذي نشره ثلاثة من المدّعين العامين الدوليين والمدعوم بخمسين ألف صورة للمعتقلين الذين ماتوا من الجوع المنظم والتعذيب الممنهج على مثال “الهولوكست”، في توقيت مدروس جيداً، قد أكد ما كان متداولاً. وقد جرى رفد هذا التقرير بتقارير صحافية من دمشق (جورج مالبرونو في “الفيغارو”) تفيد أنّ النظام ينفذ سياسة تجويعية أدّت إلى أن يأكل المدنيون الفئران وأنه في فترة زمنية محدودة توفي طفلاً من الجوع.

الانتصار مستحيل، وكما يبدو أنّه ممنوع على النظام والمعارضة. القوى شبه متوازنة، والخوف والقلق من المستقبل مزروع لدى كل الأطراف. جرائم “داعش” و”النصرة ” دفعت العلويين نحو التشدّد. حالياً يقف مائة ألف علوي على سلاحهم لحماية الجبل العلوي و ألف درزي في الجبل الدرزي، لحماية أنفسهم من هذا “الغول” القاتل. بدورهم السُنَّة يعيشون يومياً مختلف أنواع القتل المبرمج لتعميق أحقادهم ضدّ الآخرين، كما أنّ الأكراد يتجهون نحو الصيغة الكردية العراقية. لذلك كله إن الحل النهائي سيخرج من “المختبر” الأميركي – الروسي، وهو لن يكون بعيداً عن صيغة المزج المدروس بين بعض مكوّنات النظام الحالي والمعارضة المعتدلة.

يبقى أنّ الثمن يرتفع يوماً بعد يوم، إلى حين الوصول إلى “الطائف السوري”، بدورهم فإنّ اللبنانيين سيتابعون الرقص فوق “جمر” الحالة السورية، خصوصاً وأنّ علاقة الأطراف صارت عضوية بالحرب في سوريا سواء كان ذلك سياسياً أم مذهبياً أم عاطفياً أم بالرجال والسلاح.

المستقبل

“جنيف ـ2”: ساعة الحقيقة/ د. نقولا زيدان

ينعقد مؤتمر جنيف 2 (مونترو) في ظل أجواء هي أقرب للتشاؤم والاكفهرار من المراهنة على نجاحه وامكانية التعويل عليه لتحقيق وانجاز الأهداف التي أعد من أجلها. فباستثناء وفدي النظام الأسد ونبرته العالية من جهة ووفد المعارضة المفرط في تفاؤله حول امكانية تحقيق غالبية مطالبه هناك، فإن باقي الوفود داخلة الى أروقته بسقف منخفض من الآمال والتوقعات.

وإذا كانت المعارضة السورية قد حققت نجاحاً ملحوظاً من خلال تهديدها بالعودة عن قرارها بالمشاركة فيه في حال مشاركة ايران التي تعتبرها طرفاً منخرطاً في النزاع المسلح الدائر في سوريا موجهة انذاراً حاسماً لأمين عام الأمم المتحدة بضرورة سحب دعوته لطهران للاشتراك فيه، وهذا ما حصل فعلاً، فإن هذا النجاح يظل جزئياً ومحدوداً بالنسبة للمهمة الرئيسية ألا وهي تنحي الأسد وتشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات طبقاً لبيان جنيف1 الذي رفضت ايران الموافقة عليه كشرط أولي لقبول اشتراكها في أعماله. ولا بد في هذا المجال من ملاحظة الموقفين السعودي والأميركي اللذين كانا عاملين حاسمين لعودة “بان كي مون” عن دعوته غير المدروسة الأبعاد. فقد حسمت الادارة الأميركية أمرها في هذا المجال كما انها كانت رسالة قوية من “الرياض” موجهة لإيران التي بالغت خطأ في استنتاجاتها العجلى بانعدام قدرة العرب على الممانعة بل المواجهة حيال طموحاتها الاقليمية المزدادة شراهة بعد عقدها مع الغرب اتفاقها النووي.

تجلّت تعبيرات سقف النظام الأسدي المرتفع في العديد من المواقف عشية المؤتمر: مقابلة الأسد الاستفزازية مع احدى وكالات الأنباء العالمية التي يجدد فيها عزمه على ترشيح نفسه لولاية جديدة، استخفافه الأرعن بالمعارضة السورية واصفاً اشتراكها في الحكومة الانتقالية المتوخاة بأنها عبارة عن “مزحة” وانها مسألة غير جدية، تصريح وليد المعلم فور وصوله بأن الأسد “خط أحمر”… أما المعارضة السورية فقد أحسنت صنعاً بمزاوجة تفاؤلها المبدأي بقول رئيس الائتلاف ان معركة المفاوضات ستكون قاسية.

يتبيّن لنا وبالملموس ان الرئيس الايراني “روحاني” ليس قادراً عملياً على التملص بين قبضة الحرس الثوري الايراني وقائده قاسم سليماني وسائر صقور النظام، فالذي جرى في ما يتعلق بالأزمة السورية ان تصريحات وزير خارجيته محمد جواد ظريف حوّل امكانية سحب القوات الأجنبية من سوريا قد ذهبت ادراج الرياح خلافاً للوجه البشوش الذي قدمه لنا في لبنان ومحاولته الناجحة في تهدئة روع حزب الله ونصحه له بمهادنة قوى 14 آذار في المرحلة الراهنة. إلا أن تصريحاً واحداً لم يصدر من أوساط الحزب حول احتمال سحب مقاتليه من سوريا ما يؤكد مجدداً أن الكلمة الفصل في هذا المجال ما زالت بيد الحرس الثوري كما هي الحال على الساحة الايرانية كما نعلم.

ليس الايرانيون وحدهم في منطقتنا من يجيدون الرهان على عامل الزمن والوقت المستقطع والنفس الطويل كما هي لعبتهم المفضلة الشطرنج، بل الروس أنفسهم كما ينبئنا التاريخ منذ الحروب النابوليونية وصولاً لإلحاقهم الهزيمة بالجيوش الهتلرية في الحرب العالمية الثانية فقد امتص الفريقان ضربة استبعاد “طهران” عن مؤتمر جنيف2 ليردوا في مكان آخر متى أتيحت لهم الفرصة. فكما أنقذت موسكو وطهران الأسد من سقوط وشيك، فإن روسيا قد تأخذ على عاتقها انقاذه في جنيف2، إلا إذا كانت المعلومات حول امكانية تخليها عنه أثناء المفاوضات مقابل الإبقاء على نظامه وذلك كما يزعم المراقبون لأن بدعة جديدة تطل علينا مباشرة قبل بدء الجلسة الأولى ألا وهي تداول صيغة مثيرة للاهتمام والريبة في آن معاً: تنحي الأسد من جهة والابقاء على النظام من جهة أخرى بذريعة الحفاظ على الدولة والمؤسسات ووحدة الأراضي السورية وبالأخص المؤسسة العسكرية السورية. ويعتقد هؤلاء المراقبون ان اتفاق كيري لافروف يتضمن هذه القراءة المشتركة للحل السياسي المنشود. فالأميركيون غير راغبين في تكرار خطأهم الفادح في العراق عندما حلّوا الجيش العراقي هناك فأصبح مهمة عصية إعادة استنهاضه من جديد. ولعل هذا ما يفسر سلوك أميركا المريب حيال الجيش السوري الحر وتلمس الأعذار الواهية في دعمه لوجستياً وتلبية مطالبه الملحة مما أتاح للأسد فرصة ذهبية ليس لاستجلاب قوات ايرانية وميليشيات حزب الله ولواء أبو الفضل العباس فحسب بل كذلك استقدام قوات داعش وفتح “بشار” أبواب سوريا على مصراعيها أمام شتى المجموعات الارهابية الأخرى.

يتحدث الفرنسيون عن جنيف2 انه فرصة نادرة لإحلال السلام في سوريا لكنهم لا يشيرون فقط الى المهلة الزمنية المرتقبة لإرساء هذا السلام مع هذا الكم الهائل من الفصائل والمجموعات السلفية التي تقاتل هناك. لسوف يتطلب عودة السلم الأهلي الى سوريا حتى بعد رحيل الأسد، حقبة زمنية ليست قصيرة على الاطلاق. ومن المرجّح ألا تغامر الأمم المتحدة بإرسال قوات دولية الى هناك.

لقد كان لافتاً عشية المؤتمر بمكان نشر صور مشاهد التعذيب حتى الموت التي تظهر لنا مدى بربرية ووحشية النظام الأسدي بحق المعتقلين والموقوفين، تلك المشاهد التي تذكرنا كثيراً بمعسكرات الاعتقال النازية. فهل ستشكل هذه الوثائق احدى المواد التي ستضمنها أوراق العمل أثناء المؤتمر؟

يعتقد بعض المراقبين ان توقيت نشرها الآن هو الرسالة الأكثر فصاحة ودوياً في الرد على الأسد ومن ورائه النظامان الايراني والروسي في كل ما له علاقة بالإرهاب، فبشار الأسد الذي لجأ الى الخداع والمراوغة والتضليل والتمويه والتعمية في التعاطي مع جميع المبادرات العربية والاقليمية (التركية على سبيل المثال) والدولية (كوفي أنان والنقاط الست) وإفشال جهود المراقبين العرب والدوليين، هو الذي استقدم داعش الى سوريا وهو المسؤول الأول عن دخول القاعدة ونشوء تنظيم النصرة، وهو الذي استنفر الغرائز المذهبية والطائفية عند الأقليات بل هو الذي شجع وسهّل للمجموعات الكردية المسلّحة أعمالها العسكرية وإعلانها الانفصال. بل كانت ذروة ممارساته استدعاء قوات الحرس الثوري الايراني وحلفائه وصولاً الى حزب الله اللبناني للتدخل العسكري المكشوف والعلني لمناصرته في مواجهة الانتفاضة الشعبية المسلحة وذلك بذريعة الدفاع عن المقامات الشعبية المقدسة. لقد أدخل وحلفاؤه سوريا بل المنطقة العربية في دهليز الصراع السني الشيعي المسلح وفي اتون الارهاب الذي راحت موجاته الارتدادية تطاول العراق ولبنان كل ذلك ليسوق نفسه في الغرب بطلاً مزوراً لمكافحة الارهاب. لا بل حتى روسيا نفسها تلقفت هذه السياسة التدميرية الاجرامية وتبنتها محاولة حرف مؤتمر جنيف2 عن أهدافه الأساسية الداعية لتشكيل حكومة سورية انتقالية كاملة الصلاحية لتحول المؤتمر عن مساره فيصبح مؤتمراً لمكافحة الارهاب بالمنظور الأسدي والقراءة الأسدية.

فكما أنقذت الديبلوماسية الروسية الأسد من الضربة العسكرية الدولية واستطاعت استغلال تلكؤ وتأرجح سياسة الرئيس أوباما وتخاذله الفاضح حيال جرائم الأسد الكيماوية، فقام الاسد بحركة التفافية ماكرة بتسليم مخزونه الكيماوي وأفلت بذلك من العقاب فإنه بالضبط عن طريق حرف مؤتمر جنيف عن أهدافه ومساره، يعتقد الروس انه باستطاعتهم انقاذه ثانية وهذا بالضبط ما كان سيسعى إليه الوفد الايراني هناك لولا اقصاؤه.

كل هذه الأسئلة المحقة وهذه الاحتمالات والفرضيات والعوامل المؤثرة نسمعها وندركها الآن ونحن ما زلنا في بداية المؤتمر.

المستقبل

انسوا إطاحة الأسد.. لهذه الأسباب لن يسقط/ قابيل كوميريدي

 (CNN)– قال لي أحد الدبلوماسيين الأجانب في سوريا صيف 2012، إنّه ليس لدى “الفرنسيين والبريطانيين والأمريكيين أي فهم بشأن ما يحدث هنا.”

في ذلك الوقت كان من الممكن لأجنبي مثلي كان قد وصل مؤخرا إلى دمشق قادما من لندن، أن يتخيل رحيلا مؤكدا للأسد رغم أن الإدارة الأمريكية وقتها أيضا نأت بنفسها عن اعتبار نظامه “ميتا يتحرك.”

ولكن لم يكن الأمر كذلك بالنسبة إلى أي دبلوماسي قضّى سنوات في سوريا. فقد رفض جميعهم التسليم بتقارير الإعلام الأمريكي التي تتحدث عن سقوط النظام البعثي.

فبالنسبة إليهم، يتمتع الأسد بشعبية جارفة لدى الأقليات كما أنّ إخلاص الجيش له يبدو تقريبا مطلقا.

واليوم يبدو الأسد أقوى مما كان عليه قبل 15 شهرا فآلة حزب البعث مازالت الهيكل الوحيد الذي يعمل في البلاد، كما أن الحياة اليومية في دمشق، معقل الأسد، تستمر في الغالب كما كانت من قبل. كما أنه لم تكن هناك انشقاقات جديرة بالاهتمام والجزء الأغلب من الجيش العربي السوري، رغم فقدانه لأكثر من 30 ألف عسكري، مازال مخلصا له، وخلال الشهرين الماضين استعاد أراض من المعارضة خارج دمشق.

والآن بدلا من إدخال بعض التوازن على موقفها، مازالت واشنطن لا تتزحزح بشأن ضرورة تنحي بشار. وفي تقديري فإنّ ذلك أمر غير واقعي بالمرة، فبغض الطرف عن صعوبة إطاحته، فإنّ ذلك لو تحقق سيزيد من اضطرام نار العنف ويطيل من أمده.

و”بيان جنيف” الذي يشكل المبادئ الأساسية لمطالب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، لا يدعو واقعيا لإطاحة الأسد الذي لن يستسلم، على الأرجح، من دون تهديد ذي مصداقية من الولايات المتحدة.

وادعى كيري أنّ التهديد مازال “على الطاولة” وفي الحقيقة فإنّ خيارات بلاده تبدو محدودة لمجرد أنّ المعارضة التي جاءت إلى سويسرا لا تملك أرضية قوية داخل سوريا. وربما ليس لها سوى شعبية أكثر بقليل من المجاهدين الذي يقاتلون النظام.

وغالبية الأراضي التي لا تسيطر عليها القوات الحكومية، واقعة تحت قبضة جماعات على علاقة بتنظيم القاعدة الذي يرفض محادثات السلام ويعرف أنه سيكون المستفيد الأول من أي محاولة يقوم بها الغرب لإطاحة بشار الأسد.

وحتى العناصر “المعتدلة” في المعارضة تبدو خارج سيطرة الولايات المتحدة وماجرى بشأن دعوة إيران للمحادثات دليل على ذلك لاسيما أن كيري عمل شهورا لضمان مقعد لطهران.

فقد عارضت تلك العناصر “المعتدلة” حضور طهران بضغط من المملكة العربية السعودية التي ترى في أي حضور لغريمها في المنطقة انتصارا خسارة لها.

وباعتبارها الداعم الرئيس للمعارضة، لعبت المملكة العربية السعودية دورا حيويا في تحويل سوريا إلى ملجئ للجهاديين الأجانب الذي تجمعهم نفس عقيدة منفذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

لكن كان أيضا غباء إيران بعد أن ألحق موقفها ضررا بمصالحها برفضها الالتزام بشروط مسبقة، قد تؤدي إلى ظهور حكومة انتقالية تابعة للملكة العربية السعودية، وذلك حتى قبل بداية المحادثات، مما أدى إلى استبعادها وبالتالي إعلان نصر دبلوماسي سعودي.

لهذه الأسباب لم يكن مستغربا أن يعتبر الأسد، رغم أنه رئيس للبلاد في خضم مجازر طالت الكثير من السوريين، المفاوضات “نكتة.” ولم يكن قراره إرسال وفد لسويسرا سوى محاباة لروسيا التي جنبته عملية عسكرية عندما شددت على أهمية العمل الدبلوماسي. ولذلك سارع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى اعتبار التقاء أطراف النزاع نجاحا.

لكن إطار العمل الذي تم تحديده سابقا للمفاوضين يبدو في خبر كان وحتى من وضعه، الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان، غادر منصبه في تعبير واضح عن إحباطه.

وبالنسبة إلى السوري العادي فإنّ لقاء المفاوضين ليس سوى استعراض عديم المعنى . في هذه الأثناء، يرفض الأسد الرحيل شعورا منه بالنصر، والمعارضة ترفض تخفيض سقف مطالبها، والغرب عاجز عن التدخل العسكري وعن التأثير دبلوماسيا فيما القاعدة تفتح عينيها انتظارا.

في كل تلك الأثناء، باتت سوريا مسرحا لمجازر وقودها حرب غير مباشرة بين المملكة العربية السعودية وإيران، الغريمين اللذين يتزعمان كل على حدة طائفته، السنية والشيعية. والحوار بين الرياض وطهران سيكون أكثر فعالية لوقف دائرة العنف من التفاوض بين الأسد ومنافسيه الذين ينشطون في الخارج . وسيكون من الأفضل لو وجهت واشنطن جهودها لجمع الغريمين السعودي والإيراني.

وبصفة عاجلة، ينبغي أن يتركز طموح واشنطن على إنهاء العنف. وبدلا من الدفع صوب رحيل الأسد، فسينبغي عليها أن تعمل على الحصول على اتفاق براغماتي يقسم السلطة على أساس المصالحة لا تغيير النظام. كما أنه عليها الضغط على حليفيها في المملكة العربية السعودية وقطر لوقف دعمهما للإسلاميين المتشددين. وإذا لم يتم ذلك، فإنّ ألسنة اللهب التي تكوي سوريا ستنتقل هبوبها قريبا إلى الغرب.

– كاتب هندي مختص بشؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا وشرق أوروبا

(ما ورد في المقال يعبّر فقط عن موقف كاتبه ولا يعكس بأي حال من الأحوال وجهة نظر CNN)

في تجارة الإرهاب/ نهلة الشهال

في مؤتمر «جنيف 2»، باع وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، الأميركيين وحلفاءهم من البضاعة التي روّجوا هم أنفسهم لها: الخوف من الإرهاب وضرورة محاربته. لخص الرجل مجمل الموقف في سورية بمسألة الإرهاب، معتبراً أن ليس من ثورة سوى مسمّاها. وهو بذلك يعيد صياغة التاريخ ووقائعه كما يحلو له. وقد قدم على أية حال خطاباً مغْلقاً وسردية لا تنفع معها المحاجّة، وهي ليست مصاغة لهذا الغرض.

بل نعت المعلم الإرهاب بـ «الخارجي»، منزّهاً السوريين عنه، إلى أي جهة انتموا (عدا ربما بعض «المرتزقة» من ضعاف النفوس، وممن لا يستحقون بالتالي الذكر)، وملقياً تبعات الأمر الجلل على «آخر»، هو بالضرورة «غريب». وهذا تزوير ثانٍ حيث لا يستقيم الوصف، بحكم الانخراط العلني في المعمعة لسوريين هم بلا شك الغالبية الساحقة من المسلحين المقاتلين في البلد. لكنه منحى معلوم، يجعل ممن يرتكب الفعل الإرهابي، لو كان فرداً، شخصاً معتوهاً أو مصاباً بدرجة متقدمة من العصاب، وينعت الجماعات المرتكِبة، لو كانت محلية، بصفات تجعلها استثناء، شذوذاً عن السياق الطبيعي. وأما الأرجح فهو الاعتداد بأجنبيتها، بمعنى انتمائها إلى بلد وجنسية آخرَيْن، مكان يأتي منه الشر وافداً. وفي أكثر من بلد أوروبي، يشار الى الأصول الأجنبية للشبان الذين ينخرطون في مثل هذه الأعمال، ويُعبَّر عن الاندهاش حيال واقعة ولادتهم في البلد الذي استضاف أهلهم، ومنحهم في الأغلب جنسيته.

وفي حادثة محمد مراح (آذار- مارس 2012)، الذي قَتل في شكل فردي عسكريين فرنسيين (بعضهم من أصول مغاربية!) ثم هاجم وقتل أطفالاً في مدرسة يهودية في تولوز، دار جدال حول «مكان» دفنه بعد مقتله على يد القوات الخاصة، بما أن والده رغب في «استرجاعه» إلى الجزائر (رفضت سلطاتها السماح بذلك)، فاعتبر دفنه في مدافن المدينة التي ولد فيها وعاش ثم قتل، «اضطرارياً»، بل رأت ممثلة اليمين المتطرف في السماح به تدنيساً للأرض الفرنسية (رغم حيازته جنسيتها).

وفي بريطانيا، أُقر تجريد من يغادرها من البريطانيين للالتحاق بالقتال في سورية من جنسيته. ومن الجلي أن المقصود بالإجراء هو من اكتسبها وليس «الأصلاء». فأكثر ما يقلق سلطات تلك البلدان ويثير إعلامها في آن، هو انجرار («انحراف»؟) بعض هؤلاء «الأصلاء» إلى الالتحاق بالمجموعات «الإرهابية» في سورية، متفحصين حالتهم وباحثين عن أسبابها المرَضية. وفي كل الأحوال، لا يتوقف وزير الداخلية الفرنسي مثلاً عن إحصاء الملتحقين بسورية، وعن رصد حركتهم ذهاباً وإياباً بقدر الممكن، ثم خصوصاً التساؤل عما سيفعلون في البلد بعدما تدربوا عسكرياً وذاقوا طعم القتال. وفي كل هذا سلوكٌ يشبه كثيراً ما قاله السيد المعلم، وإن اختلفت المفردات والصياغات.

لكن وزير الخارجية السوري لم يكتفِ بهذا، بل رمى شباكه باتجاه ما يُفترض أنه استدعاء التأييد لما يرتكبه نظامه باسم مكافحة الإرهاب. وهو استثمر في خطابه (وفي الوضعية المتعالية التي اعتمدها) المأزق القائم في بلده المتمثل بانتشار القتال المسلح، وانفلات العنف الدموي الذي يطاول جميع الناس، وتحوّل سورية فعلاً بؤرة جذب للمقاتلين الأجانب من كل صوب (المؤيدين للنظام والمعارضين له). كما استثمر تهافت المعارضة الرسمية المقولبة التي سُرِّبت محاضر اجتماعها الفضائحي في اسطنبول قبيل انعقاد «جنيف 2»، بقصد مقارعة تسريب ونشر صور ضحايا التعذيب والتصفيات المنسوبة إلى النظام، وإن كانت الفضيحتان مختلفتين تماماً في الطبيعة والمستوى.

في ذلك المأزق تحديداً تكمن «قوة» النظام السوري التي بات يشير إليها أكثر من طرف (وليس في تطور قدراته على الحسم العسكري، «مفتاح الحل» كما ادعى وزير الداخلية السوري). وحوله تنتظم المفاوضات الفعلية، غير المرئية في مؤتمر «جنيف 2»، والمساومات لو وُجِدت، سواء بين روسيا والولايات المتحدة أو على المستوى الإقليمي. ولكن ما هو المدى الممكن للقدرة على الاستمرار في استثمار التهديد بالإرهاب؟ أو متى ينقلب السحر على الساحر؟

في العراق، يعرض نوري المالكي على أبناء عشائر الفلوجة والرمادي تصفية مجموعات «داعش» «المتسللة الى منطقتهم» في مقابل منحهم الأمان، وإلا فهو يجهّز للحسم العسكري، وسيكونون هم مَنْ يدفع الثمن. وهذه معادلة تعاني عطبين، أولهما البدء بالقصة من آخرها، من اللحظة الراهنة مقطوعة عن سياقها، فيتم تجاهل السبب الفعلي والظرف اللذين أوصلا الأنبار الى حالتها الراهنة: الإهمال والازدراء المديدان، ثم القمع الدموي للاعتصامات المدنية، وهي مطلبية واحتجاجية، استمرت هناك أكثر من سنة. والثاني تخيير الأهالي بين الموت و… الموت، إما بالقتال ضد «داعش» أو على يد السلطة. فماذا بعد، وكيف يمكن أن تستقر الأمور للمالكي أياً تكن المخارج التي سيتخذها الموقف؟

وفي مصر، بُني مسرح الإرهاب على فرعين، أولهما يشبه حال الأنبار لجهة الإهمال والازدراء المديدين لأهالي سيناء، ومعاملة كل تحرك لهم بالقمع، ما يدفع عادة الى التجذر والعنف المقابل. وأما الثاني، الأحدث، فيتمثل بالهجوم على اعتصام «الإخوان» في رابعة واقتلاعه وسط بحر من الدماء المراقة، ثم معاملة كل تحرك لهم بعنف مفرط، وإحاطتهم بالتحريم وبكثير من المرويات الخرافية حولهم. لا يعفي ذلك «الإخوان» من مسؤوليتهم عن خياراتهم الكارثية، حين كانوا في السلطة وبعدما أزيحوا عنها. لكن مسرح الإرهاب، بأحداثه الفعلية وتلك الأخرى المفتعلة، كان شرطاً لازماً لصوغ الهستيريا القائمة حول «المصرية» (إلى درجة اتهام «الإخوان» بأنهم غرباء عن الأمة)، والدولة، والأمن… ما فتح الطريق عريضاً أمام التسليم للجيش ولقائده الفريق السيسي، بوصفه المخلِّص من ذلك الرعب المسمى «الإخوان» (الذين كانوا قبلها بقليل يحوزون تأييداً نسبته تُداني نصف الشعب). فكيف للفريق الذي يبدو أنه سيصبح الرئيس بعد أشهر قليلة، أن يخلّص مصر فعلاً مما هي فيه، على كل المستويات؟ ثم لو استمرت حوادث العنف التي أوصلت إلى تسليم الأمر له، لكان ذلك مصيبة (عليه وعلى البلد)، ولو توقفت لاضطر إلى مجابهة سائر القضايا من دون إجماع الخوف الذي بناه.

وهذه كلها، مضروبة بمئة أو بألف، حال الاستعصاء السوري… بانتظار «جنيف 3» وأخواتها.

الحياة

تصنيع البديل “المقبول”/ بشير هلال

قُبَيْل تراجع بان كي مون عن دعوته ايران إلى حضور مؤتمر «جنيف 2»، توجَّه فيتالي تشوركين سفير روسيا لدى الأمم المتحدة الى المعارضة السورية مُهدِّداً بالقول إن تلويحها بالانسحاب من المؤتمر إذا بقيت الدعوة قائمة «سيكون خطأً كبيراً». ولكن بعد قرار سحب الدعوة في اليوم التالي لم يستطع وزير الخارجية سيرغي لافروف غير قبوله، واستنتاج «ان المعارضة السورية أرغَمت الأطراف الأخرى على الإذعان لمطالبها»، مضيفاً أن القرار خطأ لكنه لا يشكل «كارثة». يُضاف ذلك إلى تراجعٍ آخر قوامه التخلي عن المعارضة القريبة من روسيا، ممثلة بـ «هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي».

وإذا كان بان كي مون اعلن في تبرير قراره خيبته من «عدم تلبية ايران توقعاته التي بناها على المشاورات»، لم يَفُته التذكير بأن الولايات المتحدة كانت على اطلاع مستمر على المشاورات التي سبقت إعلان توجيه الدعوة إلى طهران، كما لو كان يشير بذلك إلى انه كان يتوقع قبولها الصامت استناداً إلى معايشته خلفيات سياستها الحالية.

بهذا المعنى فإن رد الفعل الحادَّ لـ «الائتلاف» المتقاطع مع ردٍ جزئي اوروبي وخليجي (فرنسي سعودي خصوصاً) هو الذي اضطر ادارة بوتين إلى ترك الإصرار على مطالبتها بدعوة ايران، والإدارة الأميركية إلى تغليب وجهة استبعادها موقتاً.

المفارقة أن ذلك لم يكُن تعبيراً عن قوة طارئة أُضيفت إلى «الائتلاف» الذي كان يشهد في اللحظة ذاتها انسحاب مجموعة الـ 44 منه (بصرف النظر عن اسبابه الحقيقية وبينها الشخصي بالتأكيد)، ثم «المجلس الوطني» بالتزامن مع ضغوط المجموعات العسكرية تحت عنوان رفض «جنيف 2»، الأمر الذي قد يجيز طرح السؤال بالصيغة التالية: لماذا ربح الائتلاف سياسياً فيما هو مضطربٌ تنظيمياً وتمثيليته للتشكيلات «الثورية» ضعيفة وقليل الوجود ميدانياً؟

ثمة متغيرات ثلاثة استفاد منها «الائتلاف» في موقفه:

الأول بدء مسار استعادة الثورة السورية قوتها الأخلاقية والسياسية عبر الدلالة الرمزية لتجديد التعبير عن منطلقاتها التحريرية، من خلال الصدام مع «داعش» وممارساتها في المناطق «المُحرَّرة». صدامٌ ما زال مفتوحاً ولن يقفله نداء الظواهري العاجل إلى الجماعات الجهادية في سورية «لوقف المعارك الدائرة بينها». إذ هي ليست بين هذه الجماعات حصراً ولا جوهراً، كما أنها متعددة المستويات والمضامين. فهي تلتقي مع التظاهرات التي خرجت في أكثر من منطقة «محررة» منددةً بتكفيرية وقمعية وغرابة و»أجنبية» «داعش» وعدم تصديها للنظام وبؤس وسذاجة برنامجها المُعبَّر عنه في «ولاية الرقة»، بمنع التدخين والأغاني والموسيقى وفرض النقاب، ومع دلالات هجمة اهل دوما على مخازن «جيش الإسلام» المتهم بخطف رزان زيتونة ورفاقها، وتلك مخازن ملأى بالمواد الغذائية، فيما يجوع الدومانيون.

المتغيّر الثاني، التقرير الذي انتشر على نطاقٍ عالمي وشمل التلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي، وأعدَّه ثلاثة مدعين سابقين في المحكمة الجنائية الدولية، عملوا في محاكم جرائم الحرب ليوغوسلافيا السابقة وسيراليون. التقرير احتوى أدلة دامغة عن «التعذيب والقتل الممنهج لحوالى 11 ألف معتقل، على يد النظام بأسوأ وسائل التعذيب» التي تُذكِّر بمُعتقَلات الموت النازية، ما أحرج المترددين بين المسؤولين الغربيين وأطاح عملياً محاولات النظام وشركائه جر «الغرب» إلى جبهة ضد الثورة السورية تحت شعار «مكافحة الإرهاب».

المتغيّر الثالث هو إدراك الولايات المتحدة نهاية الجانب الاستعمالي التاريخي في بقاء النظام، سواءً بهدف تحقيق اعادة انتشارها الاستراتيجية بأقل كلفة ممكنة، أو لاستنزاف ايران بعد تراجعها في اتفاق جنيف المرحلي، او لحماية إسرائيل بإضعاف وضبط خصومها. فالنظام بلغ حداً من الضعف والتآكل العميق في قدرته على الحكم، يجعل كل رهان على استئناف دوره التاريخي غير ممكن عملياً، وبالغ الكلفة أخلاقياً وسياسياً. فقد منحه النظام الدولي، الذي لا يزال وزن اميركا مُرجِّحاً فيه رغم كل مظاهر الانسحابية الإرادوية، سنوات ثلاثاً من حرية التدمير والحرب الشاملة واستخدام أشد الأسلحة فتكاً، واستقدام السلاح الروسي والإيراني والميليشيات المؤقلمة وضمان توسيع الاختلال الأصلي الفادح في ميزان القوى، من دون أن يستطيع القضاء على ثورة متشظية تنظيمياً وتعبوياً، وضعيفة التسييس وفقيرة في التمويل الذي شكل، بسبب طبيعة «المانحين» ودوافعهم وسياساتهم، عامل تجزئة وإعاقة بنيويتين.

وهذا ما عبَّر عنه وزير الخارجية الأميركي جون كيري في خطاب افتتاح «جنيف «2 وفي تصريحاته اللاحقة، بتأكيده أن الأسد «ارتكب جرائم حرب» وهو «أكبر جاذبٍ للإرهاب والإرهابيين في المنطقة»، و«لا يمكن إنقاذ سورية طالما الأسد في السلطة».

نجحت المتغيرات الثلاثة في تبديل مشهدية «جنيف 2» من منصة لفرض «مكافحة الإرهاب» كقضية شارطة إلى منصة لإبراز عزلة النظام، وخفض لهجة الحليف الروسي وانقباض القدرة التهويلية للشريك الإيراني، ما دفع وفد النظام الى تبني خطابٍ عدواني وخرق الأعراف الديبلوماسية بما زاد عزلته. لكن العزلة وحدها لا تنتج حلاً يُبشر الجميع بأن التفاوض عليه سيكون شاقاً وطويلاً، بخاصة وسط تمسك الرئيس باراك أوباما بخيار رفض الحرب، كما أكَّد لمجلة «نيويوركر»، تجنباً لأخطارها، واعتقاده بأن المخرج المتوافر هو «العمل مع الدول المتورطة التي استثمرت الكثير لإبقاء الأسد في السلطة، تحديداً الإيرانيين والروس».

وبذلك فمهمة التفاوض المُعقد في «جنيف 2» أو ما يليه من «جنيفات» خلال مهلة الأشهر الستة المُروَّج لها، ستكون فعلياً تركيب وشرعنة بديلٍ لا تتمكن «الدول المتورطة» من رفضه. وهذا يعني إشراك «كل مَنْ لم يتورط بدماء السوريين»، وبوسائل تقبلها كقوات «حفظ سلام»، ولأهدافٍ تخفف مظاهر خسارتها مثل «منع انهيار المؤسسات» و»حماية العلويين والأقليات بعد سقوط الأسد»، كما قال كيري في مقابلته مع قناة «العربية». في هذه النظرة الأميركية المُرجِّحة ثمة مكانة خاصة لإجراءات التهدئة التدرجية، تُشبِع الحاجة الى تقليص التدمير والتجويع والتهجير والنزوح وخطر الحرب الأهلية، لكنّ فيها أيضاً أخطاراً على نوع التغيير إن لم تتمكن قوى الثورة من استثمار التهدئة الاحتمالية لاستعادة زخمها الشعبي والتصدي لأمراء الحرب والمجموعات الجهادية، كـ «داعش» ونظيراتها، التي يمكن أن تصبح محطة إعادة تشكيلٍ سلبية للمشهد السياسي السوري المقبل، تحت شعار مكافحتها.

الحياة

سيرة مؤتمر “جنيف 2” الذي لا يريده النظام ولا المعارضة

                                            مع انطلاق المؤتمر الدولي المنعقد في سويسرا، من أجل إنهاء الصراع في سوريا، نشر موقع “بي. بي. سي” تقريراً موسعاً عن المسار السياسي الدولي الذي أفضى إلى مؤتمر “جنيف 2” (22 كانون الثاني 2014)، وفيه:

طيلة شهور سعى دبلوماسيون أميركيون وروس ومن الأمم المتحدة لإقناع الطرفين المتصارعين في سوريا لحضور ذلك المؤتمر الذي أطلق عليه اسم “جنيف 2”. واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون “أنه ذنب لا يغتفر إذا لم تستغل هذه الفرصة”، لوضع نهاية لهذا الصراع الذي أودى بحياة أكثر من 200 ألف شخص، وشرد نحو تسعة ملايين و500 ألف شخص عن منازلهم.

في أيار من العام الماضي اتفق وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف على العمل من أجل “جمع الطرفين المتصارعين في سوريا على طاولة الحوار” لوقف النزاع الدموي. وقال كيري إن البديل هو “اقتراب سوريا أكثر من حافة الهاوية والفوضى”. وبالرغم من ذلك فإن المحاولات الأولى لترتيب المؤتمر باءت بالفشل. واكتسبت مبادرة كيري ولافروف زخما أكبر بعد هجوم بالأسلحة الكيميائية شنته القوات النظامية السورية علي ريف دمشق في الحادي والعشرين من أب من العام الماضي وأسفر عن مقتل مئات الأشخاص.

وفي السابع والعشرين من أيلول تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار رقم 2118 والذي طالب بتدمير أو التخلص من الترسانة السورية من الأسلحة الكيميائية بحلول منتصف العام الجاري 2014. كما دعا القرار إلى “عقد مؤتمر دولي في أقرب وقت ممكن لتطبيق بيان جنيف 1 حول سوريا” وطالب كافة الأطراف السورية بالمشاركة بشكل جاد وبناء والالتزام بتحقيق المصالحة والاستقرار.

صدر بيان جنيف1 في الثلاثين من حزيران عام 2012 عقب اجتماع عقد في مدينة جنيف السويسرية لدول مجموعة العمل الدولي حول سوريا. وأعلن البيان أن أي تسوية سياسية للأزمة السورية يجب أن تتضمن مرحلة انتقالية من خصائصها:

توفير مستقبل يمكن أن يشارك فيه كافة السوريين.

تحديد خطوات واضحة وفق جدول زمني حاسم باتجاه تحقيق ذلك المستقبل.

أن تكون هذه التسوية قابلة للتحقق في مناخ من الأمن والهدوء والاستقرار للجميع.

أن يتم التوصل لهذه المرحلة الانتقالية بسرعة دون مزيد من إراقة الدماء والعنف.

وحدد البيان الخطوات الرئيسية في المرحلة الانتقالية وهي:

تأسيس هيئة حكم انتقالي بسلطات تنفيذية كاملة تتضمن أعضاء من الحكومة السورية والمعارضة ويتم تشكيلها على أساس القبول المتبادل من الطرفين.

مشاركة جميع عناصر وأطياف المجتمع السوري في عملية حوار وطني هادف.

مراجعة النظام الدستوري والقانوني في سوريا.

إجراء انتخابات حرة ونزيهة وتعددية لشغل المؤسسات والمناصب الجديدة التي يتم تأسيسها.

تمثيل كامل للمرأة في كافة جوانب المرحلة الانتقالية.

أعلنت الحكومة السورية في 27 من تشرين الثاني الماضي أنها ستشارك في المؤتمر لكنها أضافت أن وفدها لن يقوم “بتسليم السلطة لأي طرف”. وقال بيان لوزارة الخارجية السورية إن الرئيس بشار الأسد سيرسل ممثليه إلى جنيف “لتحقيق مطالب الشعب السوري وأولها القضاء على الإرهاب” وذلك في إشارة إلى المعارضة.

وانتقدت الوزارة موقف بريطانيا وفرنسا لإعلانهم أن الأسد ليس له دور في مستقبل سوريا، وهو موقف الائتلاف الوطني الذي يمثل التيار الرئيسي للمعارضة السورية.

وقبل ثلاثة أيام من المؤتمر قال الرئيس بشار الأسد في مقابلة إن هناك احتمالا كبيرا لترشحه لفترة رئاسية ثالثة في الانتخابات المقرر إجراؤها في حزيران المقبل. واستبعد الأسد فكرة تقاسم السلطة مع المعارضة، داعيا مؤتمر جنيف 2 إلى التركيز على” حربه ضد الإرهاب”.

رفض الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية المشاركة في جنيف 2 من دون ضمانات بأن الأسد سيتخلى عن السلطة، لكن الضغوط من حلفائه الغربيين والعرب جعلته يوافق على المشاركة في 18 من كانون الأول الماضي.

وقاطع نحو ثلث أعضاء الائتلاف الذي يبلغ عدد أعضاؤه 119 شخصا التصويت الذي جرى في اسطنبول حول حضور المؤتمر، بينما صوت أقل من نصف عدد الأعضاء لصالح المشاركة. وقال العديد ممن قاطعوا التصويت أنهم فعلوا ذلك لاعتقادهم بأن نشطاء المعارضة والمقاتلين داخل سوريا يرفضون مؤتمر جنيف 2 ويرفضون تفويض الائتلاف بالمشاركة.

وكان المجلس الوطني السوري وهو من أكبر كتل المعارضة السورية قد أعلن انسحابه من ائتلاف المعارضة رفضا للمشاركة في المؤتمر، معتبرا أن المشاركة تمثل تراجعا عن تعهده بعدم الدخول في حوار قبل رحيل الأسد عن السلطة. كما رفضت “هيئة التنسيق الوطنية” وهي من قوى المعارضة في الداخل المشاركة، بينما أعلنت القوى الكردية رغبتها في إرسال وفد للمشاركة في جنيف على أن لا يكون جزءا من وفد الائتلاف المعارض. أما عن القوى الميدانية على الأرض، فقد أعلن رئيس المجلس العسكري الأعلى للجيش السوري الحر في 26 من تشرين ثاني رفضه المشاركة لأنه لم يتم الإعلان صراحة أن المؤتمر سيفضي إلى تنحي الأسد عن السلطة.

من جانبها حذرت الجبهة الإسلامية، وهي تحالف قوي من الجماعات الاسلامية المقاتلة من أنها ستعتبر المشاركة في جنيف بمثابة “خيانة”.

لكن ماذا عن إيران؟ وجهت، على غير المتوقع، دعوة إلى إيران من جانب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في 19 كانون الثاني للمشاركة في المؤتمر. وأعرب كي مون عن اعتقاده بأن إيران يجب أن تكون جزءا من الحل في سوريا. لكن بمجرد أن أعلنت إيران قبولها للدعوة وتعهدت بلعب دور “إيجابي وبناء”، أعلن الائتلاف السوري المعارض تعليق مشاركته في المؤتمر مشترطا استبعاد إيران لكي يعود عن قراره. أما الولايات المتحدة فقد اعتبرت أن دعوة كي مون إلى إيران مشروطة بإعلان الأخيرة موافقتها الصريحة على تطبيق بيان جنيف 1، مشيرة إلى أن إيران ترسل مقاتلين لدعم قوات الأسد على الأرض كما تدعم حزب الله الشيعي اللبناني الذي يقوم بالمهمة ذاتها. وبعد يوم من توجيه الدعوة سحب كي مون دعوته بعد إعلان إيران رفضها الموافقة على بيان جنيف 1 وبخاصة مطالبته بتشكيل حكومة انتقالية في سوريا.

وصفت الولايات المتحدة المؤتمر بأنه “أفضل فرصة للمعارضة السورية لكي تحقق أهداف الشعب السوري وثورته”، بالرغم من أن تحقيق تقدم ملموس أمر غاية في الصعوبة.

ويرجع ذلك إلى أن الطرفين الرئيسيين لديهما أهداف متناقضة تماما، فالحكومة السورية أكدت مرارا أن مسألة رحيل الأسد عن السلطة ليست محلا للتفاوض، بينما يؤكد ائتلاف المعارضة أنه لا يجب أن يكون للأسد أي دور في هيئة الحكم الانتقالي التي نص عليها بيان جنيف 1.

وقبل أيام من انعقاد جنيف 2، قال وزير المصالحة الوطنية السوري علي حيدر: “لا تتوقعوا شيئا من جنيف 2، فلن يحل جنيف 2 أو جنيف 3 أو 4 الأزمة السورية. الحل بدأ وسيستمر عبر الانتصار العسكري للدولة”.

وحتى في حال التوصل إلى أي نوع من التسوية السياسية فسيكون من المستحيل تقريبا تطبيقها على الأرض، إذا أخذنا في الاعتبار أن معظم الفصائل الرئيسية المقاتلة على الأرض غير راضية عن مؤتمر جنيف 2.

“جنيف 2”.. وجها لوجه/ عبد الله بن بجاد العتيبي

  بعد لأي انعقد أخيرا مؤتمر «جنيف 2» الخاص بالأزمة السورية في منتجع مونترو بسويسرا بحضور ممثلين عن المعارضة والنظام وبحضور العديد من الدول المعنية بالأزمة السورية من شتى أنحاء العالم.

السؤال الذي يجب طرحه: هل سينجح المؤتمر في إنهاء الأزمة السورية أم لا؟ ومع كل الحشد الدولي السياسي والإعلامي فإن اتفاقا نهائيا ينهي الأزمة السورية برمتها غير ممكن بعد لعدم توفر الشروط اللازمة والضغط الدولي الفاعل لإجبار الأطراف على اتخاذ خطوات جريئة باتجاه مشروع إنقاذ شامل، وافتراض أن طرفي التفاوض متساويان من حيث القوة ومن حيث المسؤولية عن الجرائم البشعة في سوريا هو افتراض خاطئ من الأساس، وما بني على الخطأ لا يورث إلا خطأ.

إن الخطاب الذي ألقاه وزير خارجية نظام بشار الأسد، وليد المعلم، بكل ما حواه من خطابة وبيان وشعارات قومية وبعثية شبه منقرضة يشكل إشارة رمزية لطريقة تفكير النظام، ذلك التفكير البعثي الدموي الصلف الذي يريد أن يصنع ما يشاء كيفما يشاء وقتما يشاء من دون حسيب ولا رقيب، وهو خطاب أبعد ما يكون عن الدبلوماسية وروح التفاوض فضلا عن التنازل، ورمزية أخرى وهو أن نظاما رفض أن يلتزم كغيره من الدول بالوقت المحدد للحديث سيرفض بشكل أكبر أي التزام بنتائج المؤتمر.

إن رحيل بشار الأسد لن يكون عبر التفاوض أبدا وما لم يشعر بتهديد مباشر فإنه كغيره من الديكتاتوريين العتاة لن يمضي ويترك شعبه بسلام، وشواهد التاريخ القديم والمعاصر أكثر من أن تحصى.

الأزمة السورية نموذج للقضايا الدولية شديدة التعقيد، فحجم التداخل والتشابك بين المصالح الدولية والصراعات الإقليمية والتعقيدات الداخلية وإحن التاريخ وقوى الإرهاب كبير وضخم وغير قابل للفرز وبالتالي يجب أن تجري مراعاة كل ذلك لإيجاد مخرج حقيقي قابل للنجاح.

كان لافتا التصعيد في الخطاب الدبلوماسي الذي تبناه جون كيري قبل المؤتمر وأثناءه ضد النظام السوري وبشار الأسد، ولكن شدة الخطاب وحدة اللهجة لم تعد تشكل ضغطا، وخاصة أن إدارة الرئيس أوباما صعدت من قبل بأكثر من هذا ثم تراجعت، وهي على الرغم من كل الدعم الذي تحظى به تجاه الأزمة السورية من غالب الدول الغربية ودول المنطقة والعالم مع موقف متقدم يحسب لفرنسا لم تزل تقدم رجلا وتؤخر أخرى وهي تنتظر الجانب الروسي ليصنع الفارق في نتائج المؤتمر، والجميع يعلم أن روسيا صعدت من جديد على حساب الولايات المتحدة لتكون قوة دولية تشكل قطبا دوليا جديدا، وسوريا تشكل مواجهة وجها لوجه بين الطرفين مع تقدم الروس في التأثير والفاعلية بشكل أكثر وضوحا في صراعات المنطقة.. السعودية ومعها دول الخليج وغالب الدول العربية باتت تواجه الجمهورية الإسلامية في إيران وجها لوجه. لقد ظهرت الخلافات بشكل حاد على السطح ولم تعد اللغة الدبلوماسية التقليدية ناجعة أو مفيدة، فحدة المواجهات والصراعات وانتشارها وتعدد مستوياتها بين الطرفين أوجبت عليهما أن يتواجها في غالب الملفات الشائكة في المنطقة. وقد نجحت السعودية في حضور جنيف وإقناع المعارضة السورية بالحضور وغابت إيران مما يشكل نجاحا للسعودية والعرب على الأقل في هذه المرحلة وعلى هذا المستوى. ولقد ختم سعود الفيصل خطابه محذرا من خذلان جديد للشعب السوري.

وفد نظام بشار الأسد يواجه الائتلاف السوري وجها لوجه لأول مرة في «جنيف 2» على طاولة افتتاح المؤتمر مع الدول المشاركة، وقد التقيا أمس (السبت) وجها لوجه، ومن المتوقع أيضا اليوم (الأحد)، مع المبعوث العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي، وحين بدا وفد الأسد غير ملتزم ومتعاليا ولا قيمة لديه للوقت ولا للحضور الدولي، فقد بدا السيد أحمد الجربا رئيس ائتلاف المعارضة ملتزما، حيث تحدث بوقته المحدد وعرض قضيته وقضية شعبه وكان يفتش عن شريك، وختم خطابه بكلمة صادقة ومعبرة حين أكد أن «وقت السوريين من دم».

قد ينجح التفاوض في بعض القضايا الإنسانية كالإغاثة والأسرى ونحوها من القضايا ولكنه غير مهيأ لإحداث أي اختراق سياسي ذي أهمية وتأثير على الأرض في سوريا وغيرها من دول المنطقة، فالإرهابيون السنّة يواجهون الإرهابيين الشيعة وجها لوجه، بنفس الأساليب والأدوات والتفكير المدمر، وهي نقطة مواجهة طالما حذر منها بعض الكتاب والمتابعين بأن سير الأحداث في المنطقة يدفع إليها بشدة، وهكذا كان، وهي مواجهة لن يكون من السهل إيقافها حتى تتعب أطرافها وتخسر وتعاني وحتى يكتشف الإرهابيون عبث التشبث بالآيديولوجيا المتطرفة، وذلك أمر يحتاج لسنين عددا ما لم تفرض الحلول السياسية نفسها وتحظى بالدعم اللازم لتحقيق النجاح والأمن والقضاء على الإرهاب بكافة أشكاله.

يغذي تلك المواجهة الإرهابية كوامن التاريخ الأعمق والأكثر تخلفا كالطائفية، فيسهل رصد المواجهة الطائفية وصراعاتها وتفاصيلها في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وهي حقيقة مؤلمة ومخيفة ولكن يجب الاعتراف بها ورسم طرق مواجهتها أو التعامل معها. لقد تواجه الإرهابيون والطائفيون، إنها مواجهة الأشرار وصراع الأشرار الذي لا يمكن أن ينتج خيرا.

في كل قضية من هذه القضايا ثمة وجهات نظر في قراءتها وتحليلها ومقاربتها، تلك التي تتعمق في التفاصيل لتخرج برؤية عامة، وتلك التي تبحث في الأمور العامة من فلسفة وتاريخ وثقافة وسياسة لتطبقها على التفاصيل لحدث معين هنا أو هناك، وكلتاهما مفيدة حين يجري طرحها بعلم ومنطق.

غير بعيد من جنيف ومن منتدى دافوس أطلق وزير خارجية إيران محمد ظريف دعوة لخروج جميع المقاتلين الأجانب من سوريا، وهو ركز على تنظيم القاعدة وتهرب من علاقة دولته بـ«القاعدة» ودافع عن حق حزب الله وكتائب العراقيين الشيعة في الدفاع عما يعتقدونه مقدسات داخل سوريا، وهو موقف مهما حاول تغطيته بلغة دبلوماسية فإنه يظهر الدور الإيراني المعادي للشعب السوري والدول العربية، وهو غالط كعادته في تطرقه لمشاكل إيران مع الدول العربية.

أخيرا، فإن الحرب الأهلية في سوريا تتجلى فيها جميع الصراعات.. السياسية الدولية والإقليمية والداخلية، والهوياتية الخطيرة كالطائفية والإثنية والقبلية، والمحلية التي تتضح في الصراعات المسلحة المنتشرة على كامل الخريطة السورية بين المجموعات المسلحة، وأي حل في سوريا يجب أن يضمن تجاوز كل هذه الصراعات، وهو أمر لم يزل بعيد المنال.

الشرق الأويط

“مجموعة أصدقاء النظام السوري”/ عبدالله إسكندر

عندما يُذكر اسم ميشال سماحة، تقفز الى الذهن فوراً صورة الوزير اللبناني السابق وهو ينقل في سيارته متفجرات اعترف بأنه تسلمها من رجل المخابرات السوري اللواء علي المملوك وأنه كلف الإشراف على تفجيرها في إفطار رمضاني في شمال لبنان، من اجل اذكاء الفتنة الطائفية في هذا البلد. وفي انتظار كلمة القضاء اللبناني الذي لم يلبّ المملوك، ولا مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان، طلب المثول أمامه لسماع شهادتهما في هذه التهمة الارهابية، تبقى صورة ميشال سماحة المتفاني في الدفاع عن النظام السوري والمرتبط بأجهزته والمنفذ لحملاته الاعلامية.

وقبل ان يضبط الرجل وفي حوزته متفجرات، وتوجه اليه تهم ارهابية، تولى، برعاية من الاجهزة السورية، متابعة شبكة من العاملين في الصحافة العالمية يزودهم بـ «المعلومات» التي كان النظام يعتبر انها تصب في خدمته. وتنسب الى الرجل مجموعة اشاعات ومعلومات مضللة، مستقاة من الاجهزة السورية وامتداداتها، وتسريبها الى صحف اجنبية، تتعلق خصوصاً باغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري ومزاعم عن مسؤوليات في التفجير الذي اودى به، وبالمواجهة التي خاضها الجيش اللبناني ضد «فتح الاسلام» في مخيم نهر البارد ومزاعم تمويل تيار «المستقبل» للتنظيم الارهابي الذي تأكد لاحقاً انه مرتبط في شكل ما مع الاجهزة السورية. اي ان تلك الاشاعات شكلت، في خطورتها السياسية والامنية، الوجه الآخر لـ «فتح الاسلام»، ويتساوى مفعولها مع مفعول المتفجرات. اي ان الرجل دافع عن متهمين بالقتل قبل ان يُتهم بنية القتل.

وعندما اندلعت الحركة الاحتجاجية في سورية، قام ميشال سماحة ومنذ اليوم الاول بنشر كمية كبيرة من اشاعات وأكاذيب مماثلة، سواء شخصياً او عبر شبكة الصحافيين التي يرعاها، تلاقي ادعاء النظام عن «الجماعات المسلحة الارهابية».

لقد قام بدور قائد «مجموعة اصدقاء النظام السوري» التي يدافع اعضاؤها عنه بذريعة انه علماني ويحارب التكفيريين. انهم يفعلون ما كان يفعله قائدهم المعتقل في سجن لبناني، لجهة تبرير القتل وقتل أحلام الشعب السوري.

وعشية انطلاقة مؤتمر «جنيف 2» الذي يريده النظام ان يكون مؤتمراً لـ «مكافحة الارهاب»، حفلت صحف كثيرة في العالم، وفي آن واحد، بالتحقيقات عن مدى انتشار نفوذ «التكفيريين» وطرق وصولهم الى سورية من الجوار وأوروبا. وجرى التوسع في وصف ممارسات هؤلاء، بدءاً من «جهاد النكاح» الذي سرّبته قناة تلفزيونية مرتبطة بالنظام السوري، مروراً بـ «أكلة الأكباد المشوية» الذين ذكرهم وزير الخارجية السوري وليد المعلم في جلسة افتتاح المؤتمر، وصولاً الى غزو اقليمي – دولي «تكفيري – صهيوني» للأراضي السورية. ومثلما تثار شكوك كثيرة في شأن ارتباط ممارسات همجية يقدم عليها مسلحون في سورية، وينسبها النظام الى المعارضة، تثار شكوك مبررة في وجود شبكة صحافية يغذيها النظام ويرعاها، ليس فقط داخل الصحف والمحطات المعروفة بعلاقتها المباشرة بالنظام وشعاراته، وإنما ايضاً في صحافة يُفترض ان تكون محايدة.

وتتعزز هذه الشكوك عندما تصبح هذه الإشاعات المبثوثة هنا وهناك مرجعاً لممثلي النظام في المحاججة لفرض جدول الاعمال الذي يلبي مصالحهم، وليس التقيد بمضمون الدعوة الى المؤتمر ووظيفته الاساسية.

ويبدو النظام السوري حالياً في حاجة متزايدة الى مثل هذه الشبكة، بعدما انكشفت كل الآليات التي اعتمدها لتغطية ممارساته خلال السنوات الثلاث الماضية من عمر الحركة الاحتجاجية، والتي اعتمد فيها كل ما يخطر في البال من وسائل قتل وتدمير وكذب ونفاق. فمهمة وليد المعلم في جنيف ليست اقل من إقناع العالم بأن عشرات الدول تهاجم سورية، في الوقت الذي يملك هذا العالم وثائق مصورة عن قيام النظام بقتل عشرات الآلاف واعتقال مئات الآلاف وتشريد الملايين. ولم يعد كافياً مقال من هنا وتحقيق من هناك للقيام بالمهمة المستحيلة في تغطية الطبيعة الاستبدادية للنظام السوري ومناوراته الإعلامية وكمية الجثث التي يخلفها يومياً، او قلب معادلة الحل السياسي.

الحياة

الأزمة السورية… والمعادلة الصفرية/ جيمس زغبي

أود لو أمكنني أن أشعر بالتفاؤل إزاء مؤتمر «جنيف 2»، ولكن ذلك صعب، وفي حين أن كل ما يحدث يبدو جيداً، إلا أنه «لا يزال من غير الواضح هو جيد من أجل ماذا!»،

ولعل الاستماع إلى الكلمات في الجلسة الافتتاحية يرسخ في الذهن تماماً أنه لا أحد من المشاركين متأهب للتعامل مع الواقع الذي أضحى هو أكثر مأساة إرعاباً في هذا القرن الجديد.

وأثناء السنوات الثلاث الماضية، وقع الشعب السوري ضحية لحرب مستعرة لا تهدأ، وفي حين يتجادل الفرقاء المتصارعون بشأن المخطئ منهم والمصيب وما ينبغي فعله الآن، ويبقى الأمر الذي لا مراء فيه هو تلك الأعداد الضخمة ممن قتلوا أو أجبروا على النزوح من منازلهم.

ولعل ما لا يؤخذ كثيراً في الحسبان، وإن كان حقيقة ملموسة، هو الدمار المادي الذي حل بالمناطق التي كانت جميلة وكنوزاً للتراث العالمي، والتدمير المعنوي الذي نزل بالأطفال السوريين الذين سيحملون ندوب هذه الحرب على مدار جيل كامل.

وعلى رغم ذلك كله لا يزال القتال مستمراً بلا هوادة، في حين لا يرغب أي طرف -أو ربما هو غير قادر- في قبول مسؤولية المساهمة في إنهائه، ومع أن الناس منهكون، يبدو أن النظام والمعارضة وداعميهم لا يكَلّون ولا يملّون.

وقد مرت الآن أعوام ثلاثة على هذه الفوضى الدامية، وما كان يجب أن يتم استيضاحه من الخارج بات الآن مؤكداً، فهذا الصراع لا يدور وفق معادلة صفرية تتكشف عن رابح وخاسر، ولن ينتهي بإعلان أحد الجانبين الانتصار الحاسم على الآخر، فلا يمكن للنظام ورعاته الدوليين أو المعارضة والدول الداعمة لها تحقيق الانتصار في النهاية.

وربما أن هذه الحقيقة المجردة ليست -أو ربما لا يمكن أن تكون- مقبولة من قبل أي من الطرفين، وهو ما يبقي الصراع دائراً.

وبينما يَسهل إلقاء اللوم على الأطراف المتصارعة، يشاركها الخطأ أيضاً أولئك الذين مولوها وسلحوها ومدوها بالدعم السياسي من دون قيد أو شرط. ومن دون شك، فإن استمرار القتال ومواصلة دعمه أسوأ بكثير من أن تكون مجرد جهود غير مثمرة!

ولا تزال الأوهام تتراكم، فالمعارضة التي تأكلها الانقسامات وتعتريها الهشاشة ممثلة في مؤتمر جنيف بوفد، لا يزال يقول إنه يتحدث باسم الشعب السوري، في حين أن الواقع على الأرض يشي بخلاف ذلك.

وتلقي المعارضة باللوم على الولايات المتحدة في عدم دعمها، بينما ترفض قبول تحمل المسؤولية عن اضطراباتها، إذ لا يزال بعض من عناصرها يكررون أن ثورتهم ديمقراطية وتعددية، ولكن القوى الرئيسة تمارس القتال، حتى بعض أولئك الذين يشار إليهم الآن بصفة «المعتدلين» يمكن اعتبارهم أي شيء بخلاف هذا الوصف.

ومن بين القوى الثورية الأساسية جماعات متطرفة منظمة ارتكبت أفعالاً مقيتة ضد المدنيين، وحتى الآن يصر ائتلاف المعارضة على وجوب تنحي النظام كشرط مسبق، وكأنهم متأهبون للحكم بدلاً منه.

ومن جانبه، يواصل النظام الحديث عن «شرعيته»، ولكن سلوكه أسقط عنه الحق في ادعاء هذه السلطة، فقد كان نظاماً ديكتاتورياً وحشياً قبل اندلاع الحرب، وأكسبه الصراع على نحو صحيح لقب «مجرم حرب».

وفي هذا السياق كان من المثير للغضب بشكل خاص الاستماع إلى وزير الخارجية السوري في كلمته الافتتاحية أمام المؤتمر يتحدث عن الشعب السوري، ويحاضر على وزير الخارجية الأميركي قائلاً: «لا ينبغي لأحد، يا سيد كيري، أن يسحب الشرعية من الرئيس السوري بخلاف السوريين أنفسهم»!

وبكل تأكيد، فقد قضى هذا النظام نحبه، وكذلك لا تبدو هذه المعارضة في وضع يمكنها من القيادة، وهنا تكمن المأساة السورية، وليس فقط أنه لا أحد يمكنه الانتصار، فالحقيقة أنه لا أحد يستحق النصر ولا يمكنه -بأي حال- أن يحكم البلاد.

والمؤكد أن الشعب السوري يستحق ما هو أفضل، وهؤلاء الذين يصرون على أن ثقافة الشعب السوري تنطوي على الانفتاح والتسامح والتقدمية محقون، غير أن هذه الامتيازات تتبخر بسرعة.

وقد تمخضت أعوام الصراع الثلاثة عن واقع جديد من التعصب والعنف وشرّ العداء الطائفي، وبات من الصعب بناء سوريا جديدة، ولكن السوريين يستحقون فرصة أخرى.

وفي الحقيقة، لم أناصر الحرب يوماً وأجد غصّة في نفسي أن أفعل ذلك الآن، ولكن الاقتناع يزداد في نفسي شيئا فشيئاً بأن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي تقع عليهما مسؤولية فعل شيء، وربما يتطلب الأمر استخدام القوة للمساعدة على إنهاء هذا الصراع.

ولو أخفق مؤتمر «جنيف 2» في إحراز تقدم في التوصل إلى أية تسوية ذات مغزى، أعتقد أنه لابد من اتخاذ إجراء.

وهناك مطالب لابد من طرحها أمام الأطراف كافة، فيجب على النظام وقف هجومه العدواني على المناطق التي يسيطر عليها الثوار والمناطق المأهولة بالسكان، إذ إن التدمير الذي أحدثته الهجمات على الأحياء والمعاناة التي حلت بالمدنيين الأبرياء غير مقبولة.

وفي غضون ذلك، يجب الضغط على المعارضة لترتيب صفوفها، كي تصبح أكثر شمولية وتتبنى أجندة غير طائفية للتغيير، كما ينبغي أن يكون هناك تطهير لصفوفها من المتطرفين الطائفيين.

وعلى الطرفين أن يوافقا على بدء مفاوضات جادة، من دون شروط مسبقة، للتوصل إلى سلطة انتقالية ترتكز رؤيتها على اتفاق «جنيف 1».

وفي حين يبدو تشكيل حكومة انتقالية تتقاسم السلطة أمراً غير سهل وسيستغرق وقتاً، إلا أنه يجب على كلا الجانبين نبذ مفهوم أنه يمكن أياً منهما الحكم بمفرده.

وما لم يحدث ذلك في غضون فترة محددة من الوقت، عندئذ ربما تجد الولايات المتحدة أنه من الضروري حشد تأييد دولي لشن هجمات في سوريا ضد كل من النظام والمناطق التي تسيطر عليها الجماعات المتطرفة.

ويتعين أن تكون هذه الضربات على الأرجح واسعة النطاق وتستمر بما يكفي لتغيير حسابات الأطراف المتقاتلة، وربما يختار الروس أن يكونوا جزءاً من هذا الحل أو لا، ولكننا سنضيع وقتاً طويلاً عندما يتوقف تقرير مصير سوريا على «الفيتو» الروسي.

وفي الوقت نفسه، على الولايات المتحدة أيضاً أن تقود جهوداً تهدف إلى تدشين قوة حفظ سلام بعد التوصل إلى اتفاق وصندوق لإعادة الإعمار والتسوية من أجل سوريا ولمساعدة ملايين اللاجئين النازحين في الداخل والخارج.

الاتحاد

مبارزة حول سوريا على ضفاف بحيرة ليمان/ خطار أبو دياب

مونترو الواقعة على ساحل الريفييرا السويسري، ومقر مهرجان الجاز الشهير، شهدت يوم الأربعاء 22 يناير عزفا من نوع آخر في افتتاح «مؤتمر جنيف 2» حول الأزمة السورية. وهذا الحشد الدبلوماسي النادر لكبار العالم والمعنيين بهذا الملف، تصادف انعقاده مع التئام دورة جديدة من منتدى دافوس الاقتصادي في جبال الآلب. هكذا تجذب سويسرا المحايدة الأنظار لتصبح عاصمة العالم السياسية والاقتصادية لبرهة من الزمن لعل مصيرا أفضل لسوريا والمشرق، بعد تسعين عاما على اتفاقية لوزان (ترسيم حدود دول في الإقليم عام 1923)، يرتسم بين جبالها وبحيراتها، وبعد أقل من قرن على أفول الحقبة العثمانية وتكريس غلبة الأوروبيين ووأد “المملكة السورية العربية” في المهد.

هذه المرة في عاصمة أوروبية، لا يقود اللعبة في هذا القرن منتصرو بدايات القرن الماضي، بل نعود نحو الثنائية وكأننا في الحرب الباردة. تحت رعاية الأمم المتحدة الرمزية، يقود أوركسترا مونترو وجنيف العرّابان وضابطا الإيقاع الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف. لم تكن ولادة هذا الحدث يسيرة، إذ تطلبت حوالي سنة ونصف من المناورات والتجاذبات سال خلالها شلال الدم، وزادت المعاناة من الكارثة الإنسانية وتحول النزاع السوري إلى أول نزاع إقليمي- دولي متعدد الأقطاب في القرن الحادي والعشرين.

قبل يومين من الاستعراض السياسي- الإعلامي في مونترو، كادت مسألة دعوة إيران أن تنسف أو تؤخر الموعد المنتظر، وهنا ينكشف ميزان القوى الحقيقي على الساحة الدولية. لم تتمكن روسيا الاتحادية من تمرير مناورتها لأن فرنسا والمملكة العربية السعودية كانتا يقظتان، ولأن واشنطن التي كانت تخشى ضياع جهدها طلبت إعلانا، ولو من على رؤوس الشفاه، توافق فيه طهران على محددات جنيف 1، كما استنتج الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من خلال مداولاته مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف. ومن الواضح أن المرشد الأعلى آية الله العظمى السيد علي خامنئي هو الذي يقرر ولا ينوي أبدا التخلي عن الورقة السورية. ولذا ضحّت موسكو بحضور طهران، واعتبرته مجرد خطأ لأنه ليس هناك من تناغم كامل بين الطرفين إزاء مستقبل الرئيس السوري وشكل المرحلة الانتقالية. ومن دافوس أتت الكلمة الفصل للرئيس الإيراني حسن روحاني الذي اختصر اقتراح الحل في سوريا في إجراء انتخابات حرة في بلد ربع سكانه مشرد وبنيته مدمرة والنزاع الأهلي فيه مستشر تحت سطوة آلة التسلط وغول العنف. هكذا عكس ما كان يتعجل البعض في استنتاجاته، ليست هناك حتى الآن صفقة شاملة أميركية- إيرانية تبعا للاتفاق النووي المرحلي، ولا يزال الدور السعودي وازنا عندما يتصل الأمر بخيارات واشنطن في قضايا مشتركة.

في قاعة فندق قصر مونترو كان من المهم التقاط الإشارات المعبرة في المهرجان الخطابي الافتتاحي. لوحظ من خطاب لافروف استمرار روسيا في دعم النظام بشكل واضح ورزين دون إصرار، مما يترك اللعبة مفتوحة ولو على المدى المتوسط. في المقابل كلمة كيري كانت حازمة حول نزع شرعية الأسد في تكرار لمواقف سابقة مع التلويح بخيارات بديلة، وهذا التلويح دبلوماسي الطابع من أجل عدم إفشال المسار ولأن ذلك يستدعي تأييد أوباما وعدم عودة فرض الفيتو في مجلس الأمن. ومقابل «استفزاز» المعلم، لفت الأمير سعود الفيصل النظر بتوجهه إلى رئيس الائتلاف المعارض بلقب فخامة الرئيس، أما لوران فابيوس فبرهن عن صلابة الموقف الفرنسي مع ترويجه للقبول بمقاربة واقعية من أجل تحديد سقف زمني لمسار معقد لأن الجربا كان على حق في قوله إن “ثمن وقت السوريين دم”.

مع انتقال الوفدين السوريين إلى جنيف بدأ وقت الجد ولحظة الحقيقة المنتظرة. للوهلة الأولى، كل مناورات النظام لتحريف المؤتمر عن هدفه والالتفاف عليه لحصره في الشأن الأمني لم تفلح. وعلى عكس إشارات مرتبكة ومتناقضة بين أعضاء وفد النظام (بثينة شعبان تقول إنها جاءت فقط لبحث الحرب ضد الإرهاب، بينما يقول فيصل المقداد إن سوريا موافقة على جنيف 1)، بدا موقف الائتلاف متماسكا لجهة الإصرار على التزام واضح ببحث مسألة تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، وبعدها إجراءات عملية مثل عمليات وقف إطلاق نار وتبادل معتقلين وإدخال مساعدات إلى المناطق المحاصرة.

في أحسن أحواله، إذا تيسر لمؤتمر جنيف 2 الاستمرار في أعماله لن يقود إلا إلى ترتيبات مؤقتة وهشة، وليس من الضرورة أن يضع اللبنات لحل سياسي متوازن يحفظ ما تبقى من سوريا ووحدتها ودولتها. سيتوقف الأمر على تغيير في الموقف الروسي وعلى مقاربة أميركية أجرأ وهذا لا يبدو في متناول اليد. ولذا نخشى ألا تكون الحوارات أو التجاذبات على ضفاف بحيرة ليمان ثرثرة دون طائل في ظل نكسة الحوكمة العالمية وغياب الزعامة الدولية وعدم توافر حد أدنى من التوافق الإقليمي.

أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك- باريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى