صفحات مميزة

مؤتمر “سوتشي” مقالات مختارة

مَنْ تعمد ابتذال الآخر في سوتشي: بوتين أم الأسد؟/ صبحي حديدي

قد تتطلب الموضوعية التبصّر، قليلاً، قبل اتهام الاستخبارات الروسية بالغباء والحمق وسوء التقدير والتدبير؛ بافتراض أنها كانت شريكاً في إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بجدوى عقد ما سُمّي بـ»مؤتمر الحوار الوطني» السوري في منتجع سوتشي، واتكاءً على مآلات الفشل الكارثية التي أسفر عنها، في نهاية المطاف. للمرء هنا أن يسارع، مطمئناً، إلى استبعاد مقادير مماثلة من الحماقة يمكن أن ينسبها البعض إلى وزارة الخارجية، في شخص الوزير سيرغي لافروف أو نائبه وذراع الخارجية الضارب ميخائيل بوغدانوف؛ لسبب جوهري أوّل هو أنّ إدارة بوتين، وبالنظر إلى تنشئة الرئيس نفسه في جهاز الـKGB، وإلى طبيعة النظام الذي يقوده منذ 1999، تعتمد على جهاز الأمن أكثر بكثير من أيّ جهاز سياسي أو دبلوماسي مدني آخر.

فما الذي أطاش صواب سيرغي ناريشكين، رئيس أجهزة الاستخبارات الروسية والمقرّب جداً من بوتين، حتى نصح رئيسه بعقد هذا المؤتمر، مدركاً ـ كما يقول منطق العقل والتعقل، بالطبع ـ أن دعوة 1600 مندوب، إلى جلسة واحدة تدوم ساعات قليلة؛ يمكن أن يؤول إلى أية نتيجة أخرى سوى الفشل الذريع، بعد المهزلة الفاضحة السقيمة؟ وعلى نطاق أعرض، ينطلق من إنجازات الكرملين ابتداءً من العام 2012، على صعيد السياسة الخارجية عموماً، والخيارات في سوريا بصفة خاصّة؛ أليس من الإنصاف التسليم بأنّ موسكو وجّهت «ضربات معلّم» فائقة البراعة، والجسارة أيضاً (ليس أقلها إعادة إحياء نظام القطبين، والانتشار العسكري خارج روسيا، وتجميل نظام بوتين عن طريق تنمية شعبيته كقائد روسي قومي صاحب سطوة كونية…)؛ بحيث يصعب أن تقترن بتلك الضربات حماقةٌ موصوفة من الطراز الذي كشفت عنه وقائع سوتشي؟

وهكذا، إذا جاز منح أجهزة بوتين فضيلة الشك (في أنها، منطقياً هنا أيضاً، أكثر ذكاء بالقياس إلى سجلها وأفعالها طيلة سبع سنوات من مناصرة نظام بشار الأسد خلال الانتفاضة)؛ فهل يجوز ترجيح تأويل آخر، نابع من خلفيات أخرى، ومسببات مختلفة، سواء خطط لها الكرملين ذاته؛ أم تولاها شريك سوتشي الثاني، في أنقرة؛ أم قفز إليها النظام السوري، بتسهيل من الشريك الثالث في طهران؟ في عبارة أخرى، هل أُريد لمؤتمر سوتشي أن يكون على هذه الشاكلة، الهابطة الهزيلة، التي تعلن الفشل مسبقاً؛ لأنّ هذا بالضبط، وليس أيّ مستوى من النجاح، هو المطلوب عن سابق قصد وتصميم؟ وإذا صحّ ترجيح مثل هذا، فمَن الذي تعمّد ابتذال الآخر في المحصلة كما شهدها العالم، والسوريون على نحو خاصّ: بوتين، أم الأسد؟

موسكو، بادئ ذي بدء، تشتغل اليوم على الملفّ السوري من زاوية أنها أنجزت، أو توشك على إتمام، الشطر العسكري من مشروعها في سوريا؛ والذي اختزله بوتين، خلال زيارته إلى قاعدة حميميم، في حكاية القضاء على «الإرهاب»، وكان يعني «داعش» أساساً، وإن اشتمل التلميح على سواها، و«جبهة النصرة» تحديداً. بذلك فإنّ الشطر التالي هو العملية السياسية، إذْ لن يستقرّ الوجود العسكري الروسي في سوريا على نحو مرضٍ، يوازي الكثير من ذاك الرصيد العسكري والمالي والسياسي الذي استثمره الكرملين، إلا إذا توفر في البلد نظام مستقرّ في الحدود الدنيا. استطراداً، ولأنّ موسكو تعرف أنّ الأسد لم يعد رقماً وارداً يُحتسب في مستقبل سوريا، حتى إذا توجب إعادة تأهيل بعض مفاصل نظامه (الجيش، الأجهزة الأمنية، شرائح الموالاة الاجتماعية المختلفة العابرة للطوائف ولكن داخل الطائفة العلوية أيضاً…)؛ فإنّ الحاجة إلى استدراج المعارضة السورية إلى المعادلة السياسية أمر بات مطلوباً، بل لا غنى عنه أيضاً.

من هنا ولدت صيغة مؤتمرات أستانة، التي تُبقي موسكو في قلب اللعبة التفاوضية دون أن تجعل منها طرفاً راعياً أو محرّكاً أو ضامناً؛ وتُدخل المعارضة السورية ـ وهي هنا، المعارضة الخارجية حصرياً، أياً كانت هيئاتها ـ كندّ مقابل للنظام، بما يكسر عملياً ذلك «التحريم» الذي كان الأسد يفرضه على معارضين ليسوا بالنسبة إليه سوى «إرهابيين». على قدم المساواة، وهذا جزء بالغ البراعة في الروليت الروسية، إذا جازت الاستعارة؛ كانت جولات أستانة تفرغ جولات جنيف/ فيينا من معظم محتواها التطبيقي، ليس لأنّ طاولات التفاوض تعددت وتبعثرت، فحسب؛ بل كذلك لأنّ المرجعيات ضاعت بين الأمم المتحدة وقراراتها، وبين ما يجري تفريخه في أستانة من وثائق ومشاريع دساتير و… تنازلات!

أيضاً، في متابعة الروليت إياه، كان نجاح موسكو في استدراج المعارضة السورية قد اقتضى، كذلك، استمالة حلفاء هذه الأخيرة، ممّن يتولون الجانب العسكري أوّلاً، قبل الجوانب الدبلوماسية أو المالية أو اللوجستية. ذلك دفع موسكو إلى عقد سلسلة تسويات مع حليف المعارضة الراهن الأبرز، أنقرة؛ وذلك بعد طور عاصف تضمّن إسقاط السلاح الجوي التركي طائرة روسية، وفرض موسكو عقوبات اقتصادية على تركيا، وتوتراً لم يشهد له تاريخ العلاقات الثنائية مثيلاً. وفي رأس ذلك الجهد الروسي للانفتاح على أنقرة، توجّب الإذعان لهاجس تركي قديم ومتأصل، هو مناهضة أيّ كيان مستقلّ أو شبه مستقلّ يقيمه الكرد على الحدود السورية ـ التركية. ولم يجد الكرملين عناء في الاستجابة، لأنّ موسكو لن تكون أوّل، ولا آخر، قوّة كونية تغدر بالكرد بعد تحالف؛ كما أنّ أيّ عمل عسكري تركي ضدّ الكرد في سوريا إنما يخدم المصالح الروسية، إذْ يدقّ إسفيناً في علاقات أنقرة مع واشنطن، راعية الكرد في سوريا.

ذلك، أيضاً، كان يردّ بعض الصاع إلى التطورات الأخيرة التي طرأت على الموقف الأمريكي من الملفّ السوري، سواء لجهة مستويات الدعم التسليحي المتزايدة للقوى الكردية، أو المشاركة العسكرية الميدانية الفعلية في توجيه «قوات سوريا الديمقراطية» شرق الفرات، وفي مواقع عديدة على امتداد منطقة الجزيرة؛ أو لجهة الحديث عن تشكيل قوّة كردية، برعاية أمريكية، قوامها 30 ألف جندي على طول الحدود السورية ـ التركية. هذا التصعيد، إذْ يستحق توصيفه هكذا، بدا في ناظر موسكو أشبه بالجزء الثاني المتمم لنظرية الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، حول ترك الروس يغرقون في المستنقع الروسي؛ أي الجزء الذي يعني استثمار التورّط الروسي على الأرض، دون الاضطرار إلى سداد رأسمال كبير، أو تكبد خسائر باهظة!

وهكذا، في التأرجح (الإيجابي، الماهر والمرن كما يتوجب القول) بين مرجعيات حميميم وأستانة وجنيف، لعلّ الكرملين اختار أن يُظهر للعالم بأسره ثالثاً، وللجمهور الانتخابي الروسي ثانياً، ثمّ للسوريين أنفسهم أوّلاً؛ مقدار السخف الذي يمكن أن يتصف به أي «حوار وطني» سوري ـ سوري، يكون طرفه الأول «جمهور النظام»، القادم في رحلة سياحية للغناء والرقص والتدافع على الطعام؛ وطرفه الثاني «معارضة» بائسة تابعة، تنطق أنقرة باسمها في قاعة المؤتمر وهي نائمة على بلاط مطار سوتشي! وهذا قد يعني أنّ موسكو تعمدت تذكير الأسد بحقيقة سلطته «الشعبية»، إذا توهّم انتصاراً ما، يسوّل له الخروج من النير الروسي وإفشال مؤتمر سوتشي عن طريق ابتذاله؛ كما تعمدت تذكير المعارضة السورية بأنّ غيابها عن سوتشي ليس أشدّ هزالاً من حضورها في جنيف أو فيينا، فضلاً عن إمكانية اقتياد أفراد من أمثال أحمد طعمة يسهل أن تُلصق بهم صفة «المعارضة»!

ولعلّ خلاصة الرسالة الروسية تبدو هكذا، إذن: الملفّ بات في موسكو، ولها أن تخلط سوتشي بأستانة وجنيف وفيينا؛ إذْ أنّ ما استثمرته في سوريا، قرابة 30 شهراً بصفة خاصة، غير قابل للخسائر، ناهيك عن الأرباح غير المضاعفة!

٭ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

 

 

 

 

سوتشي فشل الحل الروسي/ بشير البكر

لم يخرج مؤتمر سوتشي بما كانت تطمح إليه روسيا. وانتهى إلى فشل ذريع، على الرغم مما سخرته موسكو له من إمكانات، كي يكون تتويجا سياسيا لتدخلها العسكري المباشر في سورية منذ سبتمبر/ أيلول 2015، وكان الهدف الأساسي منه إنقاذ بشار الأسد من السقوط، وقال ذلك، عدة مرات، وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف الذي يعتز بأنه صاحب الإنجاز السوري بشقيه، الدبلوماسي والعسكري، هو من أوقع رئيسه فلاديمير بوتين في ورطة سوتشي على أساس حساباتٍ لا تبتعد عن رهانات النظام السوري وحليفه الإيراني، فحواها أن الشعب السوري يبحث عن حل بأي ثمن، ولم يعد معنيا بالشعارات التي رفعتها الثورة السورية، ومنها في الصميم إسقاط النظام.

حين بدأت التحضيرات لمؤتمر سوتشي منذ عدة أشهر، أرسل السوريون إلى روسيا أكثر من رسالة، تؤكد على أن هذا المسار لن ينطلي على السوريين الذين يفاوضون من أجل حل سياسي على أساس القرارات الدولية التي نصت على رحيل النظام. ولم يكن لدى السوريين أي مشكلة للجلوس على الطاولة الروسية، كما حصل في أستانة، وعبر عدة جولات، لكن موسكو أرادت ان تدعو الثورة السورية إلى لعبة روليت روسية تطلق، في نهايتها، الثورة رصاصةً على رأسها وتنتهي.

شحنت روسيا إلى سوتشي بضاعة النظام السوري الكاسدة، وأرادت، من مؤتمر مفبرك، أن تعيد تدويرها لتستخرج منها حلا، لكن المسرحية تحولت إلى فضيحةٍ، بسبب الإخراج الروسي الرديء الذي لم يتمكّن من تسويق نظام مستهلك.

وتبين في رفض السوريين “سوتشي” أن العزيمة لا تزال مشدودة، على الرغم من كل ما حصل على مدى سبع سنوات. ولذلك جاء قرار رفض المشاركة في المؤتمر بمثابة عملية تصويت واستفتاء على مقاطعة كل ما يمت للروس وإيران ونظام بشار الأسد، لكن الروس لم يتعاملوا مع هذه الرسالة، على الرغم من أنها تصل إليهم كل يوم، وعلى أثر كل غارة يقوم بها طيرانهم الحربي على المدنيين.

تبين من خلال “سوتشي” أنه ليس مصادفة انخراط الروس في حماية نظام الأسد، فهم كنظامين يقفان على أرضيةٍ واحدة. وبالنسبة لبوتين، يعتبر الأسد ابنا نجيبا لعقيدة التدمير والقتل البوتينية التي تم استنباتها في الشيشان، وصارت مبدأ للنظام الروسي، يطبقه في كل مكان وزمان. وعلى هذا الأساس، لا يكترث بوتين بالقوانين الدولية في التعامل مع المدنيين. وحين دعا المعارضة السورية إلى سوتشي، فإنه في حسابه إنما جلب مهزومين إلى الطاولة، ليوقعوا صك الاستسلام، ومن هنا فهو يستغرب أن يقول السوريون لا.

أراد الروس أن يمرّروا “سوتشي” بشتى الوسائل. وحين تعذّر ذلك، استمروا في سلوك القتل والتدمير، وعلينا أن ننتظر مزيدا من القتل والتوحش في الفترة المقبلة، ما دام بوتين لم يحقق مراده، وسيخوض الانتخابات الرئاسية في مارس/ آذار المقبل، من دون تحقيق السلام للشعب السوري.

نجاح المعارضة في إفشال سوتشي سوف يعرّضها لدفع ثمن كبير. ولذا عليها أن تعد العدة لذلك، وتجعل من الوحشية الروسية مادة للتحرّك، دوليا ضد روسيا من أجل تسجيل المسؤولية المباشرة عن كل ما أصاب السوريين من مآس منذ سبتمبر/ أيلول 2015.

واحدة من القضايا التي يجب أن يتمسك بها السوريون هي مقاضاة الروس والإيرانيين على ما ارتكبوه من جرائم في هذا البلد، ومثلما أن استخدام الأسلحة الكيميائية بات جريمةً موثقة دوليا، فإن المسؤولية عنها يتحملها ليس النظام وحده فقط، وإنما إيران وروسيا.

مرة أخرى، يفشل الروس في دفع عربة الحل السوري إلى الأمام، والسبب أنهم تحولوا إلى عدو للشعب السوري، ولم يعد هناك من السوريين من لديه وهمٌ بأن بوتين سوف يتخلى عن الأسد، من أجل سورية ديمقراطية.

العربي الجديد

 

 

 

 

‏”غصن الزيتون” ومطب سوتشي: الفرص والتحديات/ خالد خوجة

‏مطب سياسي ومفترق طريق عسكري تمر به ثورة سوريا، بينما تقترب من نهاية عامها السابع. ‏فمع مباركة دي ميستورا مخرجات مؤتمر سوتشي، ‏ونقلها إلى جنيف، ‏يكون بوتين قد حقق إنجازاً استراتيجياً بفرض رؤيته للحل السياسي في سوريا، التي يصرّ فيها على أن الحل يبدأ بتعديل دستور 2012 وإجراء انتخابات يحق للدكتاتور بشار الأسد المشاركة فيها بعد نهاية فترته الرئاسية، متجاوزاً بذلك بيان جنيف والقرار 2118، الذي ينص على الانتقال السياسي للسلطة.

ومما ساعد بوتين في ذلك هو بيان الدول الخمس، أميركا وفرنسا وبريطانيا والسعودية والأردن، قبل يومين من انطلاق سوتشي، الذي أتى متوافقاً مع مضمون البيان المشترك الذي عقد في فييتنام بين بوتين وترامب، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وقريباً من الطرح الروسي للحل السياسي في سوريا. وبذلك، يكون بوتين قد حقق هدف التسليم لمبادرته من قبل اللاعبين ‏الدوليين والإقليميين، بما فيهم أعضاء مجلس الأمن، مع ضمانه موقف الصين لانتزاع قرار جديد من مجلس الأمن يناسب المعادلة الجديدة وينسخ القرارات السابقة، ويبقى الاختلاف قائماً في تفسير موضوع بقاء الاسد بين روسيا وإيران من جهة، وباقي الدول من جهة ثانية، كما سيبقى الاختلاف مستمراً على مناطق النفوذ ومستقبل النظام الإداري في سوريا، بين إدارتي ترامب وبوتين. وما يزال نجاح هذا المسار مرهوناً باستمرار سكون الشارع الثوري الرافض لهذا الطرح، بعد أن بدأ كل من “هيئة التفاوض” و”الإئتلاف الوطني” بضبط تصريحاتهما على إيقاع سوتشي.

‏في ظل هذه الأجواء، فإن إرهاب الدولة الذي يمارسه نظام الكيماوي، إلى جانب الإرهاب الذي يدار بالوكالة، والذي ساهمت فيه الولايات ‏المتحدة الأميركية بعد إيران والنظام نفسه ‏لملء الفراغ الناتج عن إنهيار الدولة، ‏ما يزال يشكل تحدياً كبيراً أمام الشعب السوري واستقرار سوريا. ‏فإلى جانب المجموعات الإرهابية التي أطلقها النظام من معتقلاته مع بداية الاحتجاجات في سوريا، والمليشيات الشيعية التي زجت بها إيران والتي ناهز عدد مقاتليها 80 ألفاً، عملت الولايات المتحدة الأميركية على استغلال الفراغ الناتج في الشمال وحوض الفرات، الذي يعتبر خزينة سوريا لما يحتويه من مصادر للطاقة والغذاء، ودخلت في حرب الوكالة عن طريق منظمة “PYD الارهابية”، التي لا تقل خطورة عن “داعش” و”النصرة”، لا في الأسلوب ولا في دورها الوظيفي، الذي يهدد لحمة المجتمع السوري ووحدة الأراضي السورية.

لذلك، فرغم معارضة الشارع وقوى الثورة لمسار سوتشي، الذي يحظى بتأييد تركيا، أتى دعم عملية “غصن الزيتون” من أطياف ثورية واسعة، سياسية وعسكرية، لأهمية هذه العملية في محاربة الإرهاب في المنطقة، إلى جانب مساهمتها في إيجاد ممر يصل المناطق المحررة في ريف حلب بمدينة إدلب، ‏التي تواجه خطر تكرار سيناريو حلب إثر بدء “جبهة النصرة” بالانسحاب من مساحات واسعة من ريفي حماة وإدلب.

لنلق نظرة على مرحلة ما قبل عملية “غصن الزيتون”، والفرص والتحديات أمامها:

دور إدارة أوباما في تأسيس وحدات حماية الشعب

‏بعد اتخاذ قرار دعم الجيش السوري الحر خلال اجتماع نواة مجموعة أصدقاء الشعب السوري في اسطنبول عام 2013، عملت الولايات المتحدة الأميركية على الالتفاف على القرار ‏بدعمها للمجموعات الإرهابية التي نزلت من جبال قنديل باتجاه القامشلي وعفرين، وانتظمت ضمن الفرع السوري لحزب “العمال الكردستاني PYD” مستفيدة من “عملية الحل”، التي أطلقتها الحكومة التركية قبل عامين من تلك الأثناء، والتي سمحت بمقتضاها لأفراد حزب “العمال الكردستاني” بمغادرة تركيا مقابل تسليم أسلحتهم؛ وبدأ البنتاغون بدعم تأسيس البنية التحتية لـ”وحدات حماية الشعب” الكردية، الجناح المسلح لـ”PYD”، ومع الإعادة إلى الأذهان استعانة النظام بصالح مسلم زعيم “PYD” الذي توجه بدوره من جبال قنديل إلى دمشق في بداية الحراك الشعبي لقمع تظاهرات الأكراد في الشمال، ‏ليتم بعدها اغتيال رئيس تيار “المستقبل” الكردي، المناضل مشعل تمو، وقمع التظاهرات في مدينة عامودا، ففُتح الطريق أمام منظمة “PYD” لكي تلعب دور الوكيل لأكثر من لاعب في الساحة السورية. إلاّ أن إدارة أوباما ‏كانت أكثر تأثيراً من بين اللاعبين على هذه المنظمة، ونتيجة ‏لدعم إدارة أوباما تم تأسيس الجناح العسكري لها “YPG” وتجهيزه بالعتاد والذخيرة اللازمة لنشرها مباشرة في المناطق الشمالية، تحت غطاء دعم المعارضة المعتدلة التي حملت اسم “قوات سوريا الديموقراطية”، ضمن حملة علاقات واسعة في الغرب لصالح الـ”PYD”، بينما عمل البنتاغون على تحييد الجيش الحر ومنع هيكلته بشكل يظهره كبديل لجيش النظام. ‏

وكان برنامج التدريب والتجهيز مثالاً حياً على انحياز إدارة أوباما إلى “قوات سوريا الديموقراطية”، على حساب الجيش الحر، إذ كانت ‏المعايير التعجيزية توضع أمام المرشحين من الجيش الحر إلى البرنامج المذكور، بينما كانت‏ “قوات سوريا الديموقراطية” معفاة من نفس المعايير، ‏ما أدى إلى إنهاء ذلك البرنامج واستمرار الدعم الى “YPG” تحت غطاء “سوريا الديموقراطية”، رغم صدور تقارير دولية من منظمة حقوق الانسان التابعة للأمم والمتحدة والشبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت جرائم حرب ارتكبتها هذه المنظمة، وتحدثت عن حرق القرى بهدف تغيير التركيبة الديموغرافية للمناطق التي سيطرت عليها، واغتيال المعارضين السياسيين، وتجنيد الأطفال، والتعذيب في السجون، وكذلك وثق “الإئتلاف ‏الوطني” عمليات التهجير القسري عن طريق اللقاء المباشر مع ضحايا هذه المنظمة. ‏ونتيجة لسياسات الولايات المتحدة الاميركية، عملت هذه المنظمة على توظيف الدعم الذي تلقته من البنتاغون بما يخدم دورها الوظيفي وطبيعتها الارهابية. ‏وتم فضح الدعاية الإعلامية لهذه المنظمة بأنها تحارب الإرهاب، عندما كشف تقرير لـ”بي بي سي” عن عبور آمن لنحو 250 مقاتل من “داعش” وفرته “YPG” لهم مع 3500 من أفراد عوائلهم إلى مناطق يسيطر عليها الجيش الحر.

دخول تركيا كلاعب إقليمي إلى الساحة السورية الفرص والتحديات

تركيا تشاطر سوريا في حدودها الجنوبية مسافة 911 كم، وتعاني منذ 35 عاماً من حرب الوكالة التي ينفذها حزب “العمال الكردستاني” لصالح أطراف دولية، ودخولها المتأخر كلاعب إقليمي في الساحة السورية مع بدء عملية “درع الفرات”، ثم نشر قواتها في إدلب وعملية “غصن الزيتون” الأخيرة حظي بدعم الحاضنة الشعبية في الشمال. وفي حال تحولت المناطق التي تقع تحت سيطرة مشتركة بين الجيش التركي والجيش الحر إلى مناطق آمنة، في إطار هذه العملية،فإن ذلك سيساعد قوى الثورة في إعادة هيكلة الجيش الحر مع اكتسابه خبرة القتال مع جيش نظامي للمرّة الأولى، ومحاربة الإرهاب الذي يعمل بالوكالة إلى جانب إرهاب القاعدة وإرهاب الدولة، والانتقال من وضع الدفاع إلى استراتيجية الهجوم نحو ريفي حماة ومدينة حلب، وفتح الطريق لعودة المهجرين وتقنين توزيع المساعدات الإنسانية للمناطق المحررة، وتأسيس نموذج حكومي مدني تحت قيادة وطنية ثورية، وتعزيز موقف الثورة في عملية الحل السياسي والحفاظ على وحدة الأراضي السورية.

ولكن ما تزال تكمن تحديات كبيرة أمام تلك الفرص، أهمها استمرار كل من النظام و إيران وأميركا في حرب الوكالة عن طريق دعم المنظمات الإرهابية، مما يهدد وحدة الأراضي السورية، ثم الإحتمال المتوقع لاستدارة روسيا نحو منظمة “PYD” وإنقاذها في عفرين، عن طريق تكرار عرضها تسليم المدينة للنظام، ما يعني وضع حد لعملية “غصن الزيتون”، وبالتالي استمرار حالة الهشاشة في المشهد السوري؛ فلا النظام رغم محاولات تعويمه قادر على الاستمرار بعد انقطاع حبل العلاقة بينه وبين الشعب، ولا قوى الثورة المتشتتة تبدي استعدادها لإعادة تشكيل نفسها سياسياً وعسكرياً.

الامتعاض الحاصل في الحاضنة الشعبية للثورة تجاه هذا الوضع بدأ بالتبلور على شكل محاولات لإعادة تشكيل المعارضة، ولا بد من أن تنتج تلك المحاولات إطاراً سياسياً أكثر التصاقاً بأهداف الثورة وارتقاءً لمستوى تضحياتها، والتحديات المتراكمة على طريقها، بعد وضوح المواقف الإقليمية.

المدن

 

 

 

 

كيف فشل مؤتمر سوتشي؟/ عمر كوش

فشل مؤتمر سوتشي في جمع مختلف الأطراف السورية لتحقيق غايته المعلنة، إجراء “حوار وطني سوري”، على الرغم من التحضيرات المسبقة والدعاية الإعلامية التي رافقته، إذ قاطعته قوى المعارضة السورية في الداخل، من مجالس محلية وهيئات مجتمع مدني، ومختلف التنظيمات السياسية والفصائل المسلحة المعارضة، خصوصا بعد الحملات الشعبية التي دعت إلى مقاطعته، وحققت في ذلك ما يشبه إجماعاً وطنياً في صفوف المعارضة على مقاطعته، الأمر الذي دعا هيئة التفاوض المنبثقة عن اجتماع “الرياض 2” إلى اتخاذ قرار بمقاطعته في اجتماعها في فيينا، وحتى الذين ذهبوا باسم وفد الفصائل المعارضة إلى سوتشي لم يدخلوا سوى مطارها، بعدما فوجئوا برفع علم النظام على شعار المؤتمر، وحين طالبوا برفع علم الثورة السورية تعرّضوا للإهانة، ثم عادوا أدراجهم إلى أنقرة “بخفي حنين”.

ولعل أبرز علامات الفشل أن الغالبية العظمى ممن جلبتهم موسكو من داخل سورية وخارجها إلى منتجع سوتشي لا يمثلون قوى أو تشكيلات حقيقية معارضة للنظام، بل هم من أزلام النظام وأنصاره، ونتاج تفريخ أجهزته الأمنية المتعدّدة، ولا يمكنهم الانخراط في أي حلّ سياسي ديمقراطي، ينقل سورية من عهود الاستبداد إلى عهد الحرية والتعدّدية. لذلك بدا الأمر وكأن الروس جمعوا النظام ورصفاءه في جمعٍ هو أقرب إلى الكرنفال، قاطعه السوريون المطالبون بالحرية والخلاص من نظام الأسد الاستبدادي، وكل من يدافع عن أهداف الثورة التي ضحّى من أجلها السوريون، وسقط خلالها أكثر من نصف مليون سوري، إلى جانب مئات آلاف الجرحى والمصابين والمفقودين والمعتقلين، وملايين المهجّرين، فضلاً عن الدمار الهائل الذي ألحقه نظام الأسد وحلفاؤه بقراهم وبلداتهم ومدنهم؟

وطاول الفشل أيضاً طريقة تنظيم المؤتمر وسيره، بدءا من التأخر في افتتاحه، وصولاً إلى

مقاطعة كلمة وزير الخارجية، الروسي سيرغي لافروف، باسم الرئيس فلاديمير بوتين، الذي سمع بلا شك ما قاله أحد الحاضرين عن القتل الذي تمارسه مقاتلاته العسكرية بحق المدنيين السوريين. إضافة إلى خلافاتٍ ظهرت مع تركيا وإيران، على الرغم من أنهما طرفان راعيان للمؤتمر، وتوترات بين المشاركين، وفوضى وضجيج وانسحابات رافقت جلساته، الأمر الذي اضطر المنظمين إلى اختصارها إلى بضع ساعات، بدلاً من يومين، حسبما كان مقرّراً.

وأقصى ما انتهى إليه “سوتشي” كان معدا له مسبقاً، وهو اختيار 150 عضواً من المشاركين، ترك أمر انتقاء “لجنة دستورية” من بينهم إلى المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، في حين أن البيان الختامي للمؤتمر تضمّن ما عرفت باسم المبادئ السياسية الـ 12 التي سبق وأن وضعها دي ميستورا، وقدّمها لوفدي المعارضة والنظام في جولات جنيف التفاوضية الفاشلة. ولم تخرج صياغة البيان الختامي عن اللغة الخشبية التي اعتاد عليها الساسة الروس، وتتعامى عن مسؤولية نظام الأسد الاستبدادي في كل ما جرى للسوريين، وعما قام به جيشه المذهبي، وأجهزته الأمنية الفاشية، من جرائم بحق غالبية السوريين، وصوّرهم البيان وكأنهم يمكن أن يكونوا شركاء في “دولة ديمقراطية وغير طائفية، مؤسسة على قاعدة التعددية السياسية والمساواة بين المواطنين”.

ولم يخرج المؤتمر عن كونه محاولة جديدة من الساسة الروس لضرب الثورة السورية، تضاف إلى محاولاتهم المتكرّرة ضدها، منذ لحظة اندلاعها في منتصف مارس/آذار 2011، حيث وقف الساسة الروس، طوال السنوات السبع الماضية، إلى جانب نظام الأسد المستبد، وقدموا له مختلف أنواع الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري، بل وخاضوا، إلى جانب مليشيات نظام الملالي الإيراني، حروباً ضد غالبية السوريين من أجل منع سقوطه.

وأراد الساسة الروس من مؤتمرهم في سوتشي تصوير ما جرى في سورية، طوال السنوات السبع الماضية، وكأنه نزاع أهلي، أو صراع بين أطراف سورية، بما يعني نكرانهم ثورة

الشعب السوري ضد نظامٍ مستبد. ولذلك سموه في البداية “مؤتمر الشعوب السورية”، إذ حاولوا تسويق أن الخلاف هو بين شعوب سورية، أي أنه نزاع أهلي، والنظام جزء من هذا النزاع. ولذلك اقتضى الأمر جمع كل الأطراف والطوائف والشعوب، في مؤتمر تدعو إليه كل “مكونات الشعب السوري، وقواه السياسية والمدنية، والعرقية والمذهبية والفئات الاجتماعية”، حسبما زعم البيان الختامي، من أجل تقديم مسوغات حلّ روسي، تظهر فيه روسيا كأنها تريد حل هذا النزاع الأهلي عبر إصلاحات أو تعديلات دستورية، تحت نير حكم الأسد. وبالتالي فإنه مؤتمر كان غرضه الأساسي تشويه القضية السورية، بل وتصفيتها بوصفها قضية عادلة لشعب يريد الخلاص من الاستبداد، من خلال القفز فوق القرارات والبيانات الدولية والأممية التي تدعو إلى انتقال سياسي، يفكّك النظام القائم، وينقل البلاد إلى ضفة التعددية السياسية، خاصة بيان جنيف1 والقرارين الأمميين 2118 و2245.

غير أن الساسة الروس لن ينجحوا في تحقيق أغراضهم من “سوتشي”، كونهم طرفاً يقف إلى جانب النظام بقوة، من خلال تدخلهم العسكري المباشر إلى جانب مليشيات نظام الملالي الإيراني، للدفاع عن نظام الأسد ضد إرادة غالبية السوريين. وبالتالي، فإنهم في موقع العدو والخصم بالنسبة للسوريين، ولا يمكن أن يتحول الخصم والعدو إلى وسيط أو حكم، لا في سوتشي، ولا في سواها.

العربي الجديد

 

 

 

 

سوريّو المؤتمرات/ عمر قدور

قبل نحو ثلاث سنوات تواصل معي شخص عبر صفحتي على فايسبوك، معرّفاً بنفسه أنه يعمل مع مجموعة لإنقاذ الوضع السوري، وهذه المجموعة تتواصل مع مكتب المبعوث الدولي. ملخص تصور المجموعة هو أنه قد حان الوقت كي يتحرك العقلاء لإنقاذ البلد، وهذا التحرك تنبغي قيادته من قبل التكنوقراط بعد أن خربت السياسة البلد، وفي كعكة التسوية التي يقودها المبعوث الدولي يجب الحصول على قسم مؤثر منها فلا تُقتسم بين الأسد والمعارضة فحسب. وقبل سنتين تواصل معي سوري آخر ليستكشف ما إذا كنت موافقاً على حضور ورشة عمل ترعاها دولة أوروبية، ويحضرها سوريون معارضون وموالون لتنظيم الأسد، ولم تكن لديه إجابة عن غاية الورشة وفوائدها سوى أنه يجب علينا الخروج من هذه التصنيفات، وأننا في النهاية جميعاً سوريون.

مع الاعتذار عن الاستهلال الشخصي؛ أغلب الظن أن دعوات مماثلة قد وُجهت إلى كثر، وكانت المؤتمرات تُعقد طوال سنوات، حالها حال ورشات العمل البعيدة عن الإعلام أو الورشات التابعة لمؤسسات الإن جي أوز. وإذا تقصّينا العدد الضخم من المؤتمرات والورشات فسنحصل ضمن روادها على عالم سوري موازٍ نكاد لا نعلم عنه الكثير، بما أن أغلب الرواد تنحصر فعاليتهم في حضور تلك اللقاءات، وينتظرون موسم فعاليتهم المنشود بعد إبرام تسوية يكونون جزءاً منها، أو على الأقل قاعدتها التقنية المحايدة سياسياً والتي تحظى برعاية دول غربية.

في مناسبات أخرى، مدروسة على الأرجح، نُقلت إلينا عبر الإعلام صورُ لقاءات من هذا النوع، وشاهدنا مثلاً كيف تبكي أم ثكلى موالية وأم ثكلى لابن معارض، وكيف يمكن لهما أن تتعانقا وتبكي كل منهما ابنها على كتف الأخرى! ما يؤدي بمخيلتنا إلى سيناريو آخر، لو كانت النوايا صافية، سيناريو يُظهر بشار الأسد من جهة ومندوب عن المعارضة من جهة أخرى، يتجهان إلى العناق على نحو ما نرى في نهايات الأفلام المصرية القديمة إذ يصرخ كلٌّ من البطلين باسم الآخر، بعد أن أمضيا الفيلم في عداوة سببها كيد العذّال. وفي نهاية، تليق أكثر من سابقتها بعصرنا الحالي، قد نشهد الاثنين بعد أشهر يعيدان مشهد العناق وهما يستلمان جائزة نوبل للسلام.

إلى جانب عالم المؤتمرات والورش هناك عالم التنظيمات والمنظمات السورية التي لا نسمع بها، إلا أنها تشارك مشاركة حثيثة في هذه اللقاءات، أو ثمة أشخاص محددون دائمو المشاركة باسمها. هناك أيضاً تنظيمات أو منظمات يجري تشكيلها على عجل، فقط من أجل مشاركة في مؤتمر ما، وبالطبع لن يُكلف منظمو المؤتمر أنفسهم تحري واقع تلك التنظيمات، أو حتى عدد الأسماء الوهمية الموجودة في كشوفاتها، وبالطبع ليس من مهمة أية جهة تنظم مؤتمراً تقصي الحقائق على نحو بوليسي.

وللحق يملك بعض المنتسبين إلى عالم المؤتمرات خبرات سابقة، ومنهم من اكتسبها من المنظمات التي دأبت أسماء الأسد على إنشائها لتمنح حكم زوجها ملمحاً حداثياً، ولا يندر أن يشارك الزملاء السابقون وقد انقسموا بين موالاة و”معارضة” في الورشات ذاتها فيسترجعوا معاً ذكرى الأيام الخوالي، ثم يقررون أنه يجب استعادتها بعيداً عن السياسة التي عكّرت صفوها. وبصرف النظر عن مصدر امتلاك الخبرات يتفق أصحابها على تحييد أنفسهم عما يجري، واعتبار المقتلة السورية نوعاً من القضاء والقدر، أو جريمة يُفضّل تقييدها ضد مجهول، أو نوعاً من عراك بين صبيان في الشارع يمكن فضّه عندما يجتمع العقلاء من الأهالي.

قسم صغير فقط من سوريّي المؤتمرات يعلو صوته لانتقاد المعارضة بشدة، ويتجاهل النظام بذريعة أنه لا يمكن إطلاقاً أن يكون موالياً. لكن الغالبية منهم تميل إلى لغة بعيدة عن السجال، وحضورها هادئ وخفيف على العكس من نشاطها المؤتمراتي. وإذا اقتضى الأمر إظهار موقف ما فالأرجح أن هؤلاء ستغلب على مواقفهم مسحة إنسانية محايدة أيضاً، بمعنى الحرص على إظهار التعاطف مع الضحايا من دون توجيه إدانة إلى المجرم. الإدانات عموماً ليست موجودة في عُرف هذه الفئة، وحتى إذا اقتضى الموقف إدانة الطرفين ستأتي الإدانة تلميحاً مع الاستدراك السريع بأن لا وجود لحل سوى العفو عما مضى وفتح صفحة جديدة.

البعض منهم تدرب فيما يعرف بمؤسسات اليوم التالي، وأصبح اليوم التالي وفق تعريفه هو اليوم الذي تنتهي فيه “الأزمة”، وعلى أي نحو كان. الحديث في نوعية النهاية ينتمي إلى السياسة التي لا يخوض فيها أولئك المتأهبون لليوم التالي، أما ما بدأوا به من ورشات تتعلق بالعدالة الانتقالية فقد طُوي منذ أعلنت الأمم المتحدة نفسها التوقف عن احتساب عدد القتلى في سوريا. وطُوي أيضاً بموجب التوجه الدولي لقبول بقاء بشار، وما عاد اليوم التالي هو اليوم التالي لسقوطه أو تنحيه بل اليوم الذي تُستهل فيه مرحلة التشارك معه تحت شعارات من قبيل أولوية السلم الأهلي، أو أولوية إعادة الإعمار.

ولأن هؤلاء بعيدون عموماً عن المشاكسة فهذه الخصلة أيضاً سمة وجودهم على وسائل التواصل الاجتماعي، هم لا ينخرطون في النقاشات الحادة أو الاصطفافات في هذه المواقع، وعلى الأرجح تربطهم صداقات افتراضية واسعة مع المتخالفين. إلا أنهم على رغم شبكة صداقاتهم الافتراضية الواسعة يبقون بعيدين عن بؤرة الأحداث، ويراهنون باستمرار على قبول عام يتأتى من كتابات لا تستثير حفيظة أحد، ولأنهم كذلك فهم يثيرون الاستغراب حقاً عندما يكتشف أصدقاؤهم الافتراضيون أو الواقعيون أن ذلك الهدوء يخبّئ وراءه دأباً من نوع آخر. النقطة التي يمكن وصفها بالمركزية بالنسبة لهؤلاء هي “الحرب”، فلا توقف عند المقدمات التي أدت إليها، ولا عند ما يعقبها. وعطفاً على النأي عن السياسة يظهر الإصلاح المطلوب متمثلاً باللامركزية الإدارية مع مشاريع التمكين الاقتصادي الصغيرة كأنه الحل السحري، وبمحض المصادفة كان هذا هو الاقتراح الإيراني منذ انخراط الحرس الثوري في المقتلة السورية، وهو إلى حد كبير ما تريده موسكو عبر مؤتمر سوتشي الذي يحضره الآن بعض من سوريّي المؤتمرات، بينما اعتذر البعض الآخر مُحرجاً بحكم الضجة التي رافقت نشر قائمة المدعوين إليه.

ولعل من حسن حظ من ذهبوا إلى سوتشي أن الأنظار ستكون متجهة إلى طرائف وفد الأسد، أي أنهم “كما يرغبون دائماً” لن يثيروا انتباهاً عاماً يُذكر، ثم سيعودون لينتظروا مؤتمراً آخر من المؤتمرات التي لا حصر لها عن سوريا وهم على يقين من تلقي الدعوات، وعلى يقين من كونهم النوع المفضّل لدى منظمي المؤتمرات.

المدن

 

 

 

باريس وفيينا: لا لسوتشي/ عروة خليفة

من المفترض أن تبدأ اليوم أعمال مؤتمر سوتشي الذي دعت إليه موسكو في ختام الجولة السابعة من مباحثات أستانا نهاية شهر تشرين الأول من العام الفائت، وكانت هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة أعلنت مقاطعتها للمؤتمر في ختام جولة التاسعة من مفاوضات الحل السياسي، التي جرت بشكل استثنائي في فيينا.

وعلى الرغم من إعلان الهيئة لرفضها حضور المؤتمر، إلا أن منصة موسكو المشاركة في الهيئة سارعت إلى إعلان تبرؤها من هذا الرفض، باعتبار أن ممثليها قد صوتوا مع عدد من الأعضاء الآخرين بنعم لسوتشي، وتحدثت بعض التسريبات في الساعات الأخيرة عن احتمال مشاركة بعض أعضاء الهيئة بصفتهم الشخصية، بالمقابل فإن هيئة التنسيق المشاركة أيضاً في هيئة المفاوضات أعلنت عبر رئيسها حسن عبد العظيم الالتزام بقرار المقاطعة.

هذه التطورات التي ارتبطت خلال الأيام الماضية بتحركات سياسية إقليمية ودولية، كانت ضمن حزمة من التوجهات التي حملت أيضاً تبعات ميدانية على الأرض في سوريا.

وكانت عدة مصادر مقربة من المعارضة السورية قالت إن هيئة التفاوض قد تعرضت لضغوطات كبيرة من الرياض وأنقرة لحضور مؤتمر سوتشي، الأمر الذي جعل زيارة وفد الهيئة إلى موسكو واللقاء بوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إيذاناً باتخاذ القرار بالذهاب إلى المؤتمر، لكن بروز موقف الولايات المتحدة خلال اجتماع مصغر عُقِدَ في باريس على هامش مؤتمر دولي تحت شعار «شراكة دولية ضد الإفلات من العقاب»، أتاح هامشاً لـ «لا» لم يعد الحلفاء التقليديون للمعارضة السورية في الإقليم يوفرونه.

من باريس أرسلت الدول المجتمعة هناك، والتي ضمت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والأردن والسعودية، ورقةً «غير رسمية»، تضمنت مقترحات حول شكل الدستور وتحديد صلاحيات الرئيس، ومنح مزيد من النفوذ السياسي لـ «حكومات الأقاليم».

واشترك كل من وفد النظام السوري ومنصة موسكو برفض هذه الورقة، التي حملت رسائل سياسية من واشنطن حول مؤتمر سوتشي أكثر مما حملته من توصيات حول مفاوضات المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، فقد صنع الإعلان الجديد عن الموقف الأمريكي والتحفظ الغربي تجاه مؤتمر سوتشي، بالإضافة إلى اجتماع باريس وما نتج عنه، هامشاً للمعارضة السورية لرفض الذهاب إلى المؤتمر في اللحظة الأخيرة، بعد أن أجلت هيئة التفاوض إعلان قرارها حتى انتهاء أعمال جولة المفاوضات في فيينا.

المعارضة والإقليم

شكَّلَ الموقف التركي المعلن والسعودي-الإماراتي غير المعلن من الذهاب إلى سوتشي، ذروةً جديدة في علاقة الحلفاء التقليديين للمعارضة السورية بالمسألة السورية، هذا المشهد كان بدأ بالتشكل منذ انخراط تركيا في مباحثات أستانا التي قامت برعايتها بالاشتراك مع إيران وروسيا، أما على الجانب السعودي فقد شكَّلَت اجتماعات «الرياض 2» العنوان الأبرز للتحول في الموقف من الوضع في سوريا.

التحول الإقليمي كان نتيجة لعدة تحولات في الأوضاع السياسية والعسكرية للإقليم، وبالذات ضمن الدول المعنية بهذا التحول (السعودية وتركيا بشكل رئيسي)، إلا أن الأسباب الموضوعية للتحول كانت جزءاً من صورة متكاملة تضافرت مع رغبة لدى صانعي السياسات الخارجية في البلدين (بقيت غير معلنة طوال العامين الماضيين) «بالانتهاء من الملف السوري والتعقيدات التي جلبها على سياساتهم».

توجهٌ مشابه كانت الدوحة قد سبق وعبرت عنه من خلال تصريحات وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم الشهيرة «تهاوشنا على الصيدة»، في تصريح قد يكون تعبيراً مكثفاً عن الموقف الإقليمي الحالي من الوضع في سوريا، مبرره الرئيسي طوال الفترة الماضية هو «التراجع الأمريكي» أمام النفوذ الروسي والإيراني في الشرق الأوسط، إلا أن موقف واشنطن الأخير قد يكون فرصة لإعادة معاينة مواقف القوى الإقليمية وبالذات الحلفاء التقليديين للمعارضة السورية، باعتبارها تعبيراً عن رغبة كامنة لدى تلك الدول بالقبول بالحل الروسي في سوريا (إعادة تعويم النظام السوري، فرض حل عسكري، وانهاء أي فرصة لوجود معارضة سياسية)، مقابل إخماد المخاطر المباشرة التي تواجه سياساتها وطموحاتها في المنطقة.

تحول بنيوي في المعارضة السورية

استطاعت المعارضة السورية، المتمثلة بهيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة، رفض حضور مؤتمر سوتشي في اختبار للتركيبة الجديدة التي صُنِعَت في «الرياض 2»، إلا أن الألغام المزروعة بحرص داخل بنية الهيئة الجديدة، ستكون قابلة للانفجار في أي لحظة، مُمهدةً لإنهاء أحد مؤسسات المعارضة السورية الرئيسية، من دون وجود أي رغبة إقليمية بدعم تماسك مؤسسات المعارضة. وتبدو ورقة الدعوات التي تسربت على وسائل التواصل الاجتماعي مساء أمس الأول تعبيراً واضحاً عن موقف الدول الإقليمية من المعارضة السورية، فقد تولت ثلاث جهات/شخصيات توجيه الدعوات لما يفترض أنهم المعارضون السوريون، إذ تشاركَ كل من ريم تركماني ورندة قسيس وأحمد الجربا توجيه الدعوات لأكثر من ثلاثمئة شخص يُفترض بهم أن يمثلوا جانب المعارضة السورية، ويمثل الثلاثة نموذجاً للعلاقات العابرة للصراع الإقليمي والدولي بالإضافة إلى موقف ضبابي من المحددات الأساسية التي تتضمنها القرارات الدولية والمطالب السياسية للمعارضة للحل السياسي، مما يجعلهم النموذج المثالي المقبل ربما للجيل الجديد من المعارضة السورية، وإن صحت قائمة الدعوات المسربة، فإنها تشكل نقلة جديدة لبنية وشكل ما قد يُطلَقُ عليه المعارضة السورية، فبعد التحول الذي حصل في مباحثات أستانا حيث تحملت المكاتب السياسية التابعة للفصائل مسؤولية التفاوض مع النظام، يبدو أن الوجوه (القديمة-الجديدة) قد تكون معبرةً عن مسار تريد موسكو فرضه بموافقة إقليمية، يتمثل بشكل جديد من التفاوض المبني على رؤيةٍ روسيةٍ خلاصتها الرئيسية هي بدء ما تسميه «حواراً وطنياً»، ينتهي بإعادة إنتاج النظام السوري، وتتويجها كمتحكم رئيسي بمصير الصراع في سوريا.

على الرغم من التحولات الإقليمية، والتقدم العسكري الذي تحرزه قوات النظام في إدلب بمظلة الطيران الروسي، لم تستطع موسكو أن تخرج سوتشي حتى بمظهر مسار أستانا، فحتى الفصائل العسكرية والقوى السياسية المرتبطة عضوياً بالموقف التركي لم تخرج بموقف موحد يوافق على الذهاب إلى سوتشي، ورَفَضَ بعضُ من ذهبَ من ممثليها مغادرة مطار سوتشي، محتجين على وجود علم النظام في شعارات المؤتمر، وهو ما أدى إلى تأخير بدء أعماله. فشلُ موسكو هذا، الذي انتهى بظهور المؤتمر على شكل مهزلة سمجة، شكّلَ ضربةً لاستراتيجية موسكو لمرحلة «ما بعد الانتصار العسكري»، لترد الأخيرة بمجازر في مختلف مدن وبلدات إدلب، وعلى وجه الخصوص سراقب التي تتعرض لحملة قصف جوي واسعة النطاق، كرسالة إلى هؤلاء الذين أفشلوا مؤتمرها.

في النهاية، يبدو أن ما اعتقدته القوى الإقليمية حول تحكمها المطلق بمجريات الأوضاع في سوريا، هو تقدير بعيد عن الصحة.

موقع الجمهورية

 

 

 

الحاضرون في «سوتشي»/ فايز سارة

أخيراً قررت موسكو عقد مؤتمر «الحوار السوري – السوري» بمن حضر. وهو قرار بدا إلزامياً بالنسبة لموسكو، التي سعت إلى تأكيد انتصارها العسكري في سوريا عبر زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى قاعدة حميميم الجوية في سوريا، ولقائه الملتبس مع رئيس النظام الحاكم في دمشق بشار الأسد، لكن التأكيد هزته عمليتان استهدفتا قاعدة حميميم خلال أسبوع واحد، وجعلتا الانتصار العسكري الروسي محط شك والتباس في موسكو ذاتها، كما في كثير من عواصم مهتمة وتراقب الوضع السوري على مدار الساعة.

ولا شك في أن ما حدث في قاعدة حميميم بين أسباب رئيسية دعت موسكو إلى السعي الحثيث لعقد مؤتمر سوتشي تحت كل الظروف للتأكيد على دورها في سوريا عبر جلب السوريين إلى سوتشي، وإعلان موافقتهم على الرؤية الروسية للحل في سوريا، وإطلاق إعلان روسي بانتصار سياسي، يتوج انتصارها العسكري المعلن بزيارة القاعدة الروسية في حميميم.

وطوال الفترة الممتدة بين الإعلان عن مؤتمر سوتشي وموعد انعقاده في أواخر يناير (كانون الثاني) الحالي (اليوم هو ثاني أيام المؤتمر)، بذلت موسكو أقصى طاقتها لإنجاح المؤتمر عبر كل أدواتها وقنواتها السياسية والدبلوماسية والأمنية والعسكرية، بالتركيز على ضمان نجاحها في ثلاث نقاط أساسية؛ أولاها: حضور سوري كثيف ونوعي عبر جلب النظام والمعارضة وطيف سوري واسع لتأمين تمثيل غير مسبوق. والثانية: ضمان حضور أممي ودولي، يعطي «مؤتمر سوتشي» شرعية توازي أو تقارب شرعية «مؤتمر جنيف»، وتكون معبراً له إلى الأخير، بحيث تظهر في الأخير البصمة الروسية في الحل الدولي للقضية السورية. والنقطة الثالثة تتمثل في إصدار بيان أو نداء تمرره موسكو في سوتشي، يحمل أقصى ما يمكن من الرؤية الروسية في القضية السورية.

وسط المساعي الروسية، لم يكن غريباً أن يتشارك كل من الرئيس بوتين ومؤسسة الرئاسة، ووزير الخارجية سيرغي لافروف، وكبار أركان وموظفي وزارته، وجهاز المخابرات الروسي، في القيام بكل ما يمكن من خطوات على طريق إنجاح مؤتمر سوتشي، من دون أن ينسى الكرملين استخدام آلته العسكرية في سوريا للضغط العسكري الميداني ودفع المعارضة السياسية والعسكرية للذهاب إلى مؤتمر سوتشي تحت تأثير هجمات الطائرات الروسية في إدلب وحلب والغوطة على التجمعات المدنية ومواقع تشكيلات المعارضة المسلحة، التي كانت تتعرض في الوقت ذاته إلى هجمات واسعة من قوات النظام وحلفائه على الأرض.

ومثلما فشلت جهود موسكو في دفع الهيئة العليا للمفاوضات؛ الممثل الرئيسي للمعارضة السورية نحو الذهاب إلى «سوتشي»، فإنها لم تقنع نظام الأسد بإجراء أي تغيير مختلف في التعامل مع «سوتشي»، الذي أصر على أن يكون وفده برئاسة المندوب السوري الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري وليس شخصاً آخر. وبالتوازي مع ما سبق، فإن الجهود الروسية لم تقنع شركاءها في «جنيف»، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، بتبديل نظرتها إلى مؤتمر سوتشي، وإمكانية جعله جسراً لعبور روسي مقبول إلى تسوية تتم في «جنيف»، خصوصاً في ضوء الفشل الذريع الذي أصاب دورتيه الأخيرتين «8» و«9» في جنيف وفيينا على التوالي.

ولئن تم إقناع الأمم المتحدة عبر عملية معقدة بعد أخذ ورد في مجلس الأمن الدولي بإرسال ستيفان دي ميستورا للمشاركة في مؤتمر سوتشي، فإن تلك المشاركة ستؤثر بصورة سلبية على الطموحات الروسية في المؤتمر، التي تعتزم موسكو تمريرها في «نداء موسكو» المنتظر صدوره عن المؤتمر.

والنداء نفسه؛ حسبما تسرّب عن نصه، لا يقدم شيئاً في معالجة المسائل الأساسية في القضية السورية، ومنها وقف إطلاق النار، وتطبيق اتفاقات خفض التصعيد، ولا حتى في النقاط التي يفترض أنها غير تفاوضية، من طراز رفع الحصار عن المناطق المحاصرة، والسماح بمرور المساعدات الطبية والإنسانية، وإطلاق سراح المعتقلين، والكشف عن مصير المختطفين.

خلاصة القول بما يحضر في المؤتمر من نقاط ثلاث؛ أنها ستكون ضعيفة؛ سواء في التمثيل الدولي، أو في محتوى «نداء موسكو» الذي سيصدر عن المؤتمر، والأسوأ سيكون في حالة الحاضرين السوريين؛ إذ هم أضعف مما رغب الروس في التمثيل الواسع، حيث تغيب الهيئة العليا للمفاوضات؛ الجسد الرئيسي للمعارضة السياسية والمسلحة، إضافة إلى أنه من اللافت هامشية القسم الأكبر من الحاضرين الموصوفين بتمثيل المعارضة والفعاليات الشعبية والمدنية، والأمر نفسه ينطبق على ممثلي وفد نظام الأسد الذي يتقدمه سفير شهير بإشكالياته وعدوانيته ليس في التعامل مع المعارضة فحسب؛ بل حتى مع كل من لا يتوافق مع مواقف وسياسات نظام الأسد وحلفائه.

ولأن الأمر على هذا المستوى من التردي والسوء، فإنه من غير المنتظر أن يعبر مؤتمر سوتشي عن انتصار سياسي روسي في سوريا، ولن يحقق المؤتمر أياً من أهدافه الأخرى، وسيكتفي الروس بإنجاز وحيد؛ هو أنهم استطاعوا أن يعقدوا المؤتمر فحسب.

الشرق الأوسط

 

 

 

تراجع روسي عن «لجنة الدستور» في «وثيقة سوتشي»/ إبراهيم حميدي

تنتظر موافقة طهران وأنقرة… ووفد دمشق يحمل «خطوطاً حمراء»

توصل المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا مع الجانب الروسي إلى مسودة نهائية لـ«وثيقة سوتشي» لمؤتمر الحوار السوري، حصلت «الشرق الأوسط» على نصها؛ تضمنت موافقة موسكو على شرط الأمم المتحدة، بترك تشكيل «اللجنة الدستورية»، وتحديد مرجعيتها وآلية عملها وأعضائها إلى دي ميستورا، وعملية جنيف برعاية الأمم المتحدة، في وقت علم أن المدعوين إلى المؤتمر تبلغوا خلال لقاء موسع في دار الأوبرا بدمشق «الخطوط الحمر»، بينها «رفض بحث صوغ دستور جديد والجيش والأمن» والتمسك بمبدأ «تعديل الدستور الحالي».

عليه، تراقب دول غربية، بينها أميركا وفرنسا وبريطانيا، التي قررت المشاركة على مستوى منخفض، وبصفة مراقبين، ما إذا كانت موسكو ستحصل على موافقة تركيا وإيران على الصيغة النهائية لـ«وثيقة سوتشي» اليوم.

وقال مسؤول غربي لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن وزير الخارجية وليد المعلم ومسؤولاً أمنياً اجتمعا في قاعة واسعة في دار الأوبرا في دمشق، بمئات المدعوين إلى سوتشي، قبل توجههم إلى سوتشي. وقرأ المسؤولان على الحاضرين أسماء اللجان المنبثقة من المؤتمر، كان بينها «لجنة رئاسية» ضمت عشرة أسماء، بينهم الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي صفوان القدسي المنضوي تحت لواء «الجبهة الوطنية التقدمية» (تكتل أحزاب مرخصة) ورئيسة «منصة آستانة» رندة قسيس ورئيس «تيار الغد» أحمد الجربا ورئيس اتحاد نقابات العمال في دمشق جمال القادري والأكاديمية أمل يازجي (من الحزب القومي السوري الاجتماعي) ومييس كريدي (معارضة الداخل). وكان بين الأسماء التي تليت قائد «جيش إدلب الحر» فارس البيوش ورئيس تيار «قمح» هيثم مناع ونقيب الفنانين زهير رمضان.

وقرأ أحد المسؤولين، بحسب المسؤول الغربي الذي اطلع على مضمون اللقاء، «لجنة مناقشة الدستور الحالي»، وتضم 25 عضواً، بينهم عضو الوفد الحكومي إلى جنيف النائب أحمد الكزبري والشيخ أحمد عكام ورئيس مجموعة موسكو قدري جميل ورندة قسيس وأمل يازجي، إضافة إلى «لجنة التنظيم» و«لجنة الإشراف على التصويت».

«خطوط حمراء»

وفي اجتماع اخرى، جرى استعراض يستعرض المسؤولان «الخطوط الحمر» والتعليمات للمشاركين، ويؤكدا أن مسودة «وثيقة سوتشي» التي نشرتها «الشرق الأوسط» الأسبوع الماضي، ليست دقيقة، بل تم توزيع المسودة من دون مقدمة البيان، وخاتمته، بسبب اعتراض دمشق على بنود فيها.

وشملت «التوجيهات» عدم قبول الحديث عن صوغ دستور جديد، والتمسك بتعديل الدستور الحالي للعام 2012، وفق الأصول والآليات في مجلس الشعب (البرلمان) الحالي، علماً بأن هذه نقطة خلافية مع باقي الدول، ذلك أن الأمم المتحدة وروسيا ودولاً غربية تتحدث عن «دستور جديد يمهد لانتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف الأمم المتحدة بموجب القرار 2254 وضمن عملية جنيف». و«نصح» المسؤولان، الحاضرين، بـ«رفض التطرق إلى الجيش والأمن» باعتبار أن أحد بنود البيان الـ12 تتعلق بالدعوة إلى «وضع الجيش تحت سلطة الدستور»، وأن «تعمل أجهزة الأمن بموجب القانون وقواعد حقوق الإنسان». ولدى التطرق إلى رئيس النظام بشار الأسد «تم التأكيد على أن الأمر يعود إلى الشعب السوري». كما شملت «النصائح» عدم التطرق إلى «أمور طائفية»، من دون أن تشمل التعليمات «رفض مصافحة المعارضين».

وإذ قررت واشنطن وباريس ولندن إرسال دبلوماسيين من مستوى منخفض بصفتهم «مراقبين» إلى سوتشي، أنجز دي ميستورا وفريقه التفاوض مع الجانب الروسي على صوغ البيان الختامي للمؤتمر بموجب تفاهمات سياسية بين الطرفين أدت إلى مشاركة المبعوث الدولي.

وكان اتفاق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على سلسلة من المبادئ، بينها أن يقتصر مؤتمر سوتشي على اجتماع واحد، لا يتضمن تشكيل لجان محددة، ولا خطوات تتعدى إقرار بيان متفق عليه وفق الصيغة الواردة الأخيرة، أدى إلى تكليف غوتيريش مبعوثه دي ميستورا بحضور «سوتشي» رغم تصويت «هيئة التفاوض السورية» المعارضة لصالح مقاطعة المؤتمر. ويعني اتفاق غوتيريش – لافروف طي صفحة اللجان التي قرر الجانب الروسي تشكيلها واقرار المبادئ السياسية الـ 12 التي سبق وان صاغها دي ميستورا.

عليه، تم تعديل مسودة البيان بحيث يتم الاكتفاء بإقرار مبدأ اللجنة الدستورية، على أن يحدد عددها وتوازناتها السياسية ومرجعيتها وآلية عملها من قبل الأمم المتحدة. وعلمت «الشرق الأوسط» أن موسكو رفضت الخوض مع أنقرة وطهران في مسودة البيان المتفق عليها مع الأمم المتحدة، خصوصاً الفقرة الأخيرة، ونصت على: «لتحقيق ذلك، اتفقنا على تشكيل لجنة دستورية من حكومة الجمهورية العربية السورية ووفد واسع من المعارضة السورية لصوغ إصلاحات دستورية كمساهمة في العملية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة انسجاماً مع قرار مجلس الأمن الدولي 2254». وزادت: «إن اللجنة الدستورية ستضم على الأقل ممثلي الحكومة والمعارضة وممثلي الحوار السوري – السوري في جنيف وخبراء سوريين وممثلي المجتمع المدني والمستقلين وقادة العشائر والنساء. وهناك اهتمام خاص لضمان تمثيل للمكونات الطائفية والدينية. وأن الاتفاق النهائي (على اللجنة) يجب أن يتم عبر عملية جنيف برعاية الأمم المتحدة، بما يشمل المهمات والمرجعيات والصلاحيات وقواعد العمل ومعايير اختيار أعضاء اللجنة».

وحلت هذه الفقرة بدلاً من فقرة سابقة كانت موسكو قدمتها، ونصت على: «وافقنا على تشكيل لجنة دستورية تضم وفد الجمهورية العربية السورية ووفد المعارضة ذوي التمثيل الواسع لتولي عملية الإصلاح الدستوري بهدف المساهمة في تحقيق التسوية السياسية تحت إشراف الأمم المتحدة، وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254، لذلك فإننا نلتمس من الأمين العام للأمم المتحدة تكليف مبعوث خاص لسوريا للمساعدة في عمل اللجنة الدستورية في جنيف».

عملياً، تتجه الأنظار، بحسب المسؤول، إلى المرحلة المقبلة، خصوصاً على ثلاثة أمور: الأول، موافقة الدول الضامنة الثلاث، روسيا وإيران وتركيا، على مسودة البيان المتفق عليها بين موسكو وجنيف. الثاني، موقف دمشق والقادمين منها على الوثيقة، وما إذا كانت ستعتبر الاتفاق غير ملزم باعتبار أنه ليس بين المشاركين مسؤولون رسميون. الثالث، مدى تنفيذ دي ميستورا تشكيل اللجنة الدستورية. وبين الخيارات أن تختار الدول الثلاث، روسيا وتركيا وإيران، ثلاثة أضعاف أعضاء اللجنة، ثم يتم اختيار الأعضاء من قبل فريق دي ميستورا.

«فسحة» و«فراغ» في منتجع

بمجرد وصول المدعوين إلى سوتشي، بدأوا بنشر صور وفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي، كان بينها فيديو لمشاركين في طريقهم من دمشق إلى المنتجع الروسي على البحر الأسود يغنّون أغنية «لاكتب اسمك يا بلادي».

كما نشروا صوراً ولافتات رفعت في مطار سوتشي، كانت واحدة عملاقة تتمنى «السلام للشعب السوري»، إضافة إلى فتيات وشباب روس في الزي التقليدي حاملين الحلويات والمشروبات للترحيب بالمشاركين.

وتضمن برنامج المؤتمر تفاصيل أمس واليوم، اللذين يتضمنان الكثير من «وجبات» الفطور والغداء والعشاء تتخللها «جلسات المؤتمر»، إضافة إلى وقت كاف لـ«الفسحة» و«وقت فراغ».

وإلى نحو 1600 تمت دعوة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي والأمانة العامة للأمم المتحدة، فضلاً عن مصر والعراق ولبنان والأردن وكازاخستان والسعودية، لحضور المؤتمر بصفة مراقبين، إضافة إلى روسيا وإيران وتركيا كبلدان ضامنة لاتفاق وقف الأعمال القتالية والمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا.

وأفاد موقع «روسيا اليوم» بأن 500 صحافي يمثلون 27 دولة، يغطون المؤتمر.

الشرق الأوسط

 

 

 

 

 

محاصصة «الضامنين» للدستور السوري… وغضب في دمشق من «سوتشي»/ إبراهيم حميدي

دي ميستورا ينتظر تقديم موسكو قائمة الـ150 مرشحاً

لم تغير مشاركة دمشق بوفد من نحو 1200 شخص ولا مقاطعة «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة لـ«الحوار الوطني السوري» في سوتشي من نتائج المؤتمر، ذلك أن التفاوض الفعلي كان يجري في غرف وممرات جانبية بغياب السوريين، إذ إن الدول «الضامنة» الثلاث، روسيا وإيران وتركيا، اتفقت مع الأمم المتحدة على صيغة البيان الختامي، وعلى أن تقوم كل دولة بترشيح 50 عضواً إلى اللجنة الدستورية على أن يباركها زيادة أو نقصاناً المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، الأمر الذي هو أشبه بـ«محاصصة ثلاثية» للدستور السوري المستقبلي.

دمشق التي لم تستطع تحمل مسؤولية إفشال «سوتشي» الذي رعاه الرئيس فلاديمير بوتين قبل انتخابات الرئاسة في 18 مارس (آذار) المقبل، «غاضبة» من نتائج المؤتمر، وكان أحد التجليات أن جميع وسائل الإعلام الرسمية وموالين لدمشق نشروا البيان الختامي من دون مقدمته وخلاصته السياسية وحرفوا الوثيقة الرسمية المتفق عليها بيان «الضامنين» الثلاثة.

بحسب المعلومات المتوفرة لـ«الشرق الأوسط»، فإن نتائج «سوتشي» أنجزت قبل بدء المؤتمر ذلك أن مفاوضات ماراثونية جرت بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش نهاية الأسبوع الماضي بعد قرار «هيئة المفاوضات» المعارضة مقاطعة المؤتمر، إذ إن الأمم المتحدة ربطت مشاركتها بسلسلة من الشروط بينها أن يقتصر المؤتمر على جلسة واحدة من دون تشكل لجان مؤسساتية وتكرار سيناريو «مسلسل اجتماعات آستانة»، وأن يقرر المبعوث الدولي مرجعية وأسماء وآليات عملية اللجنة الدستورية واختيار أعضائها من قائمة تقدمها الدول «الضامنة» الثلاث، إضافة إلى إقرار المبادئ السياسية الـ12 التي كان أعدها دي ميستورا، ورفض رئيس وفد الحكومة بشار الجعفري البحث فيها في الجولتين السابقتين من مفاوضات جنيف.

المفاجأة الإيجابية، كانت أن ما تم الاتفاق عليه بين الأمم المتحدة وموسكو تحقق. جرت محاولات لتغيير مسودة البيان المتفق عليه لكنها لم تنجح، خصوصاً عندما لوح دي ميستورا بالانسحاب صباح الافتتاح. بالتالي، لم تؤثر عملياً الاعتراضات والمطالبات من أعضاء الوفد القادمين من دمشق، ومقاطعة ممثلي الفصائل المسلحة وعودتهم من مطار سوتشي إلى أنقرة، إذ إن الوفد التركي تكلف الحديث باسم المعارضة، فيما تحدثت طهران وموسكو باسم دمشق.

لوحظ أن وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) و«وكالة الأنباء السورية الرسمية» (سانا) نشرتا أمس البيان الختامي لـ«سوتشي» وفق تفسيرهما، إذ إن البيان خلا من المقدمة والخلاصة التي تتحدث عن آلية تشكيل اللجنة الدستورية. وأفادت «سانا» بأنه «تم الاتفاق على أن تكون النسبة في لجنة مناقشة الدستور الحالي ثلثين تدعمهم الحكومة، وثلث للأطراف الأخرى، لمناقشة الدستور الحالي حيث تتكون اللجنة من 150 عضواً هم مندوبون لمؤتمر الحوار الوطني السوري – السوري، ويتم اختيار الرئيس ونائبه وأمين السر من تكوين اللجنة». وبحسب تفسير «سانا»، يتخذ أعضاء اللجنة «القرار بالأغلبية حول ضرورة المساعدة من خلال الخبراء بطريقة تقديم المشاورات إلى أعضاء اللجنة».

كما لوحظ أن «سانا» عدلت في البيان الختامي، إذ ذكرت أنه «شدد على أهمية المحافظة على الجيش والقوات المسلحة، وأن يقوم بواجبه وفقاً للدستور بما في ذلك حماية الحدود الوطنية والشعب من التهديدات الخارجية ومكافحة الإرهاب حماية للمواطنين، حيثما يتطلب ذلك. وإن تركز المؤسسات الأمنية والاستخباراتية على الحفاظ على الأمن الوطني وتعمل وفقاً للقانون»، علما أن وثيقة المؤتمر الرسمية لـ«سوتشي» نصت على «بناء جيش قوي يقوم على الكفاءة ويمارس بواجباته وفق الدستور»، وأن تعمل «أجهزة الاستخبارات والأمن القومي لحماية أمن البلاد وفق مبادئ سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان بحسب نصوص الدستور والقانون، ويجب أن يكون استخدام القوة مقتصراً على تفويض من مؤسسات الدولة ذات الصلة».

وعكس هذا الموقف «غضباً» في دمشق من نتائج المؤتمر الذي سعى مسؤولون إلى وضع «خطوط حمراء» له قبل سفر المشاركين من العاصمة السورية إلى المنتجع الروسي، مقابل صمت إيراني ونشر مجتزئ للبيان الختامي. وقال مسؤول غربي إن طهران «فاجأت الحاضرين بقبول البيان في سوتشي»، قبل أن يشير إلى نشر وسائل إعلام إيرانية تفسير دمشق للبيان.

كما أن مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية الخاصة حسين جابري أنصاري التقى شخصيات من المعارضة السورية في سوتشي وسط أنباء عن استعدادات إيرانية لعقد مؤتمر مماثل لـ«سوتشي» في طهران.

في المقابل، أعربت أنقرة عن الارتياح لنتائج المؤتمر عبر اتصال الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان. كما أن الخارجية التركية أصدرت بيانا بنتائجه و«الطريقة البناءة». وقال مسؤول تركي: «أهم نتائج المؤتمر الدعوة إلى إنشاء لجنة دستورية واختيار مجموعة تتألف من 150 مرشحاً لهذه اللجنة، إذ قدم الوفد التركي الذي منح تفويضاً بتمثيل جماعات المعارضة التي لم تحضر المؤتمر، قائمة تضم 50 مرشحاً بالتشاور مع المعارضة». ومن المقرر أن يشكل دي ميستورا اللجنة دستورية «تبحث عن التمثيل النسبي للمعارضة»، وأنقرة «سترصد عن كثب عملية إنشاء اللجنة الدستورية كضامن للمعارضة».

عليه، تترقب دول غربية شاركت كـ«مراقب» المرحلة المقبلة ومدى وفاء موسكو بنتائج المؤتمر وممارسة نفوذها على دمشق وطهران اللتين تريدان شراء الوقت إلى ما بعد انتخابات بوتين في 18 مارس، كي تقدم موسكو رسميا قائمة الـ150 مرشحاً إلى دي ميستورا كي يبدأ عمليه في اختيار 45 – 50 عضواً للجنة من قائمة «الضامنين» وخبراء وسياسيين من خارجها.

وبدأت عواصم غربية تبحث كيفية المواءمة بين «الوثيقة الخماسية» التي صاغتها واشنطن وحلفاؤها، وتضمنت تفاصيل المرجعية السياسية للعملية الدستورية، وصلاحيات الرئيس ورئيس الوزراء، وطابع النظام السياسي السوري من جهة، ووثيقة سوتشي التي رعتها موسكو و«الضامنين» التركي والإيراني من جهة ثانية، على أن تكون الورقة المبنية الجديدة من الوثيقتين مرجعية سياسية لعمل اللجنة الدستورية.

الشرق الأوسط

 

 

 

 

سوتشي: من اللا ـ ورقة إلى اللا ـ مؤتمر/ بكر صدقي

ابتكر المبعوث الأممي ستيفان ديمستورا تعبير «اللا ـ ورقة» لوصف ورقة تقدم بها، في إحدى جولات مفاوضات جنيف، كانت عبارة عن مقترحات للنقاش الداخلي بين الطرفين السوريين المفترضين في المفاوضات، ولطالما كانت هذه، في حقيقتها، «لا ـ مفاوضات» على منهج الترمينولوجي الخاص بديمستورا. فالوفدان لا يلتقيان وجهاً لوجه، ويقوم الوسيط الأممي العجوز بدور المكوك النشط بين غرفتي الوفدين، ناقلاً الأفكار والمقترحات والردود المتقابلة بينهما. وتظهر «اللا ـ نتائج» التي انتهت إليها الجولات المتتابعة لمسار جنيف كم كان كل ذلك عبثياً وبلا طائل. ذلك لأن الوفد الممثل للنظام لم يكن يحضر عن قناعة بالبحث عن حل سياسي، بقدر ما كان يكرر «ثوابته» التي يمكن اختصارها في الشعار الشهير «الأسد أو لا أحد»، في الوقت الذي تواصل قواته المعززة بالميليشيات الإيرانية والطيران الروسي «حرق البلد» على ما ذهب إليه الشعار الثاني الملازم للأول.

برغم عبثية مسار جنيف، كان ما يميزه عن المسارات البديلة التي أخذ الروس يطرحونها منذ سقوط حلب، هو الدور المحوري للأمم المتحدة، والمظلة السياسية التي توفرها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وقرارات هذا المجلس التي تبقى، برغم كل ما يمكن أن يقال بحقها، مرجعية متعددة الضامنين، وتعكس موازين القوى الدولية القائمة. في حين أن مسارات آستانة وسوتشي تعبر، في أحسن الافتراضات، عن تحالف ثلاثي روسي ـ إيراني ـ تركي، وقائمة أساساً على الإرادة الروسية المنخرطة في الحرب لمصلحة النظام الكيماوي.

أطلق بوتين فكرة مؤتمر سوتشي، بدايةً، بعد إعلان انتصار قواته من قاعدة حميميم على شاطئ المتوسط، بحضور تابعه السوري بشار الأسد. «مؤتمر الشعوب السورية»، كما أطلق عليه في البداية، كان فكرة طموحة أراد منها بوتين تظهير انتصاره العسكري سياسياً، في وقت كانت فيه الإدارة الأمريكية غارقة في مشكلاتها الداخلية المتعلقة بشرعية سيد البيت الأبيض المتهم بالاستفادة من خدمات روسية في حملته الانتخابية ضد المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون. ثم غير الروس اسم المؤتمر بسبب اعتراضات كل من النظام والمعارضة اللذين لا يستسيغان تعبير الشعوب السورية المتعارض مع العقيدة الراسخة بصدد «الوحدة الوطنية». فأصبح «مؤتمر الحوار الوطني السوري» في استعادة لاسم اجتماع مماثل جرى، في صيف 2011 في دمشق، برئاسة فاروق الشرع.

في غضون ذلك أطلقت الإدارة الأمريكية رؤيتها الخاصة بشأن الصراع في سوريا، وعادت بزخم إلى الحضور في الميدان وفي أروقة الدبلوماسية. فأعلنت أن قواتها وقواعدها العسكرية القائمة شرقي نهر الفرات وشماله، باقية إلى أجل غير مسمى. وحددت أهدافها بمواصلة مكافحة الإرهاب حتى ضمان عدم عودة «الدولة الإسلامية»، ومواجهة النفوذ الإيراني في سوريا، وضمان الوصول إلى حل سياسي مستدام، وفقاً للقرارات الأممية ذات الشأن، يتضمن، في نهاية المطاف، طي صفحة حكم عائلة الأسد. وخطت واشنطن بعض خطوات في اتجاه تطبيق رؤيتها هذه، منها الإعلان عن تشكيل جيش من 30 ألف مقاتل في منطقة نفوذها، وعقد اجتماع خماسي في واشنطن لمجموعة اتصال دولية جديدة بشأن سوريا، بموازاة الثالوث الروسي ـ الإيراني ـ التركي وفي مواجهته، وإعادة فتح ملف جرائم السلاح الكيماوي التي ارتكبها النظام منذ 2013 إلى اليوم.

هذه التطورات شجعت المعارضة السورية على اتخاذ قرارها، في اللحظات الأخيرة، بمقاطعة اجتماع سوتشي، مع مساندة فرنسية ـ أمريكية، إذ اقتصر حضور هاتين الدولتين على إيفاد مراقبين. وهكذا بدا أن اجتماع سوتشي تم إفشاله قبل انطلاقه، وبخاصة بعدما سبقه، بأيام، مؤتمر فيينا في إطار مسار جنيف، برعاية أممية ودولية. كان بوسع روسيا التغطية على هذا الفشل المبكر بتأجيل «سوتشي» مرة أخرى، بدعوى وجوب «الإعداد جيداً». لكنها لم تفعل، ربما بسبب اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي يريد بوتين دخولها بزخم تحقيق إنجاز سياسي يتوج «نصره» العسكري على سوريا، فلم يبق ما يكفي من الوقت لإنقاذ المؤتمر من الفشل، خاصةً بعد اتضاح نوايا واشنطن الجديدة. حتى اللحظات الأخيرة راهن الروس على كسر إرادة الهيئة العليا للمفاوضات، بالتهديد والوعيد، أو بإغراء وقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية. وإذ أعلنت «الهيئة» المعارضة رفضها حضور اجتماع سوتشي، عادت حمم نيران النظام تصب على الغوطة المحاصرة. ومن جهة أخرى تمكن الروسي من إحضار بعض أعضاء الهيئة (منصة موسكو) المحسوبين عليها أصلاً.

لكن العقبات أمام لا ـ مؤتمر سوتشي لم تقتصر على الهيئة العليا والأميركيين والفرنسيين، فقد برزت مشكلات كبيرة من داخل جماعة سوتشي نفسها: تركيا التي اعترضت على وجود الإرهابي معراج أورال المتهم بتفجيرات مدينة الريحانية، في ربيع 2013، التي راح ضحيتها 52 قتيلاً من المدنيين، فضلاً عن مجازر بانياس الطائفية. ووفد الفصائل السورية التابعة لأنقرة الذي رفض مغادرة المطار وقاطع اللا ـ مؤتمر في آخر لحظة، في حين فوّض أحمد طعمة الوفد التركي أن يتكلم باسمه، على ما نقل عنه. (كان الرد الروسي على تلكؤ أنقرة فورياً وقاسياً: اعترضت نيران الطيران الروسي ومدفعية ميليشيات النظام الكيماوي، قافلة عسكرية تركية كبيرة متجهة من شمال محافظة إدلب إلى جنوب مدينة حلب. الحصيلة: قتيل وجريحان من القافلة التركية. وصلت الرسالة، فشارك الوفد التركي في اللا ـ مؤتمر).

كل هذه التفاصيل كانت كافية وتزيد ليعلن عن فشل موسكو المدوي فيما أرادته من هذا الاجتماع المصمم، أصلاً، للحصول على موافقة المجتمعين الـ1600 على مخرجات أعدت مسبقاً لتعويم «الحل» الروسي القائم على توثيق «النصر» العسكري. ولعل في تصريحات الناطق الروسي بشأن «تسليم السلطة لديمستورا» لإيجاد حل سياسي للصراع السوري في جنيف، ما يطابق إعلان الفشل بصورة مواربة. «لجنة تعديل الدستور» المنبثقة عن اللا – مؤتمر تتألف من 150 شخصاً «ستضم أيضاً معارضين قاطعوا سوتشي» على ما قال لافروف، سيرأسها ديمستورا في جنيف!

إن لم يكن هذا محاولة لإنقاذ ماء وجه موسكو، فماذا يكون؟

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

 

 

وضع كاريكاتوري في سوتشي/ سلامة كيلة

انعقد مؤتمر سوتشي السوري، وكانت النتائج هي ما تسرّب قبل انعقاده، أي تشكيل لجان لصياغة الدستور، لكن الأساسي فيما جرى هو طبيعة الحضور، بعد أن رفضت الهيئة العليا للمفاوضات الذهاب، كذلك الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وهيئة التنسيق، وفصائل مسلحة كثيرة، ذهب منها فقط وفد أستانة، ولم يحضر لسبب بسيط أن روسيا رفضت دخوله. وبالتالي، جاءت الكتلة الأكبر من الحاضرين من “الداخل”. من هم هؤلاء؟ هم كوكتيل من أطراف النظام، من “المنظمات الشعبية”، ومن “العشائر”، وممثلي النساء والثقافة والأديان والأقليات والقوميات. ويقول الروس إن هؤلاء هم ممثلو الشعوب السورية، لكنهم في الواقع كانوا يمثلون طرفاً واحداً هو النظام الذي وزّع الأشخاص بين مؤيد ومعارض. فقد انتقت الأجهزة الأمنية من النقابات ومجمل المنظمات الشعبية الأطراف التي تدعم النظام، والأطراف “المستقلة”، وكذلك “المعارضة”، ليتشكّل كوكتيل يمثل “وجه سورية” الذي ظهر أنه أُخذ من القفى. لهذا سيكون هؤلاء ممثلي المعارضة و”المستقلين” والداعمين للنظام، مع تمليحةٍ من بعض من أدى أنه معارض خلال السنوات السابقة، أو تاه فوصل إلى سوتشي.

كوكتيل سلطوي مزيّن ببعض من قال عن نفسه معارضة، أو لبس لبوس المعارضة، فيما هو في الحقيقة لا يعرفها. وبدا الأمر مهرجاناً احتفالياً أكثر منه جلسات حوار، بالضبط لأن الوقت الذي أُعطي له لا يكفي ليتحدث عُشر من حضر. بالتالي، أتى كل هؤلاء لكي يقال إن الوثيقة التي صاغها الروس هي نتيجة حوار سوري سوري، وإن السوريين هم قرروا ذلك. لهذا ما جرى هو كاريكاتور حوار، وكاريكاتور وطني، بكل معاني الكلمة. وهنا، لأن الروس هم من قرَّر كل شيء. فلا هو احتفال، ولا هو مؤتمر، ولا هو سياحة. هو مسرحية فيها من الهزل ما باتت تظنه روسيا في ذاتها. وهو بالتالي حل كاريكاتوري، كما روسيا كاريكاتور إمبريالية.

ظن الروس أنهم انتصروا على الأرض، على الرغم من أن كل الأرض التي سيطروا عليها حققوا ذلك عبر مساومات، وضغوط وحشية على الشعب، ومساومة مع أميركا، وبتواطؤ تركي، وبسحب داعشها من بادية تدمر، لكي تقول إنها انتصرت و”حرَّرت” مناطق واسعة! وبهذا، فإن انتصارها كاريكاتوري أساساً. وها هي تريد تكريس هذا الكاريكاتور بمسرحيةٍ هزليةٍ لا تقلّ كاريكاتورية عن “انتصارها”. وهي هنا تستفيد من توطؤ تركيا، وغض النظر الأميركي. تركيا التي فرضت ذهاب وفد أستانة، ودعم جماعة الإخوان المسلمين للذهاب إلى المؤتمر، بعد أن بادلت عفرين بإدلب، كما كانت بادلت جرابلس والباب بحلب.

على الرغم من ذلك كله، لم تستطع روسيا سوى أن تكون كاريكاتوراً مضحكاً. ولا شك في أن كاريكاتور إمبريالية يُنتج كاريكاتور صراع، وكاريكاتور حل، لكنه ينتهي بشكل مأساوي. بدأ التدخل الروسي في سورية ملهاة، ولا شك في أنه سينتهي مأساة، لأنه مسخرة. من السهل أن يجري جمع ألفين من الأشخاص، ومن السهل تزوير الحقائق، واعتبار نصف هؤلاء معارضة. ومن السهل صياغة الحل، والتأكيد على توافق “الشعوب” السورية عليه، وأن كل هؤلاء يريدون استمرار بشار الأسد، وفقط يريدون تعديل الدستور لكي يستوعب “الرأي الآخر”. هذا الذي أقام بشار الأسد سلطته الفظة على أمجادة. لكن من المستحيل أن يكون هناك حل، حيث أن “الرأي الآخر” الذي هو معظم الشعب السوري لا يرضى من جرت فبركته من ساسة “من الدرجة العاشرة”، وأقصد الروس طبعاً. فهم من طينة هؤلاء الذين جرجرتهم أميركا إلى مستنقع أفغانستان، هم من طينة البيروقراطية التي كانت علقة دمّرت الاشتراكية.

يمكن أن توهم الروس بما شاؤوا، لكن المؤكد أنه لا “سوتشي”، ولا حتى “جنيف” يمكن أن تقود إلى حل من دون أن يتحقق أول مطلب طرحه الشعب السوري، حينما قرَّر الثورة، ولن أقول هنا إسقاط النظام فهذا أمر آخر، لكنه اقتدى بالثورات العربية الأخرى، حيث يجب أن يُزاح الرئيس ومجموعته. وفي سورية، بات الأمر أكبر، لأنه بات علينا تحريرها من كل المحتلين.

العربي الجديد

 

 

 

سوتشي.. تطبيع بطعم الاستبداد/ وسام الدين العكلة

ينعقد اليوم وغدا (29 – 30/1/2018) مؤتمر منتجع سوتشي على البحر الأسود، تقول موسكو إن الهدف منه المساهمة في حل القضية السورية، من خلال حوار بين “الشعوب السورية” كما يسميها الروس، لوضع دستور جديد للبلاد، ووقف العمليات العسكرية، والبدء بالعملية السياسية التي تتوقع موسكو منها إنهاء المأساة السورية، ولكن على طريقتها الخاصة، بالإبقاء على النظام الاستبدادي في دمشق، وعدم التطرّق أو مناقشة مصير رأس هذا النظام، لإبقاء بشار الأسد في السلطة حتى عام 2035، بحسب مسودة الدستور التي سبق أن قدمتها موسكو في أستانة، وذلك بعد أن جعل الروس وجوده فيها مسألةً محسومة، ليس باستطاعة أحد تحدّيها.

وترى موسكو أن استمرار المفاوضات والحل السياسي على أساس مرجعية مؤتمر جنيف لن يؤمن أهداف إيران وروسيا بإبقاء بشار الأسد في السلطة. وعليه، يجب العمل على إيجاد صيغة جديدة للحل السياسي في سورية. لذلك يأتي الإصرار الروسي على انعقاد مؤتمر سوتشي، وتقف وراء هذا الإصرار عدة أهداف، منها توهم بوتين بقدرته على الانفراد في فرض حل للقضية السورية، ومحاولة إيجاد مرجعية جديدة للحل السياسي في سورية من خلال نسف مسار مفاوضات جنيف، أو التشويش عليها على الأقل، لتمييع قرارات مجلس الأمن، والقرارات الأممية الأخرى التي تشكل المرجعية الأممية للحل في سورية، وبالتالي الالتفاف على القرارات التي تنص على تشكيل هيئة حكم انتقالية، لا يكون النظام مشاركاً فيها، وفي مقدمتها بيان جنيف لعام 2012 والقرار 2118 لعام 2113 والقرار 2254 لعام 2015.

ومن الأهداف التي تسعى روسيا إلى تحقيقها من وراء المؤتمر إظهار نفسها حريصة على التوصل إلى السلام في سورية، وتوسيع نفوذها في الملف السياسي، مستغلة التراجع الواضح لدور الولايات المتحدة والأطراف الدولية والإقليمية الأخرى في هذا الملف. كما تسعى موسكو عبر لعبها دور “صانع السلام” إلى تخفيف حدة الصورة الدموية التي تظهر بها أمام العالم جرّاء عمليات القتل الواسعة التي ترتكبها طائراتها في سورية، بدعوى محاربة الإرهاب.

تصب جميع الأهداف التي تسعى روسيا إلى تحقيقها من هذا المؤتمر في صالح موسكو وحليفها نظام الأسد، بدءاً من أجندة المؤتمر، وقائمة المدعوين لحضوره التي وصلت إلى نحو 1500 شخصية، والرسائل السياسية التي تريد روسيا إيصالها برعايتها هذا المؤتمر. فمعظم الجهات والشخصيات المدعوة للمؤتمر مرتبطة بروسيا وأجهزة المخابرات التابعة للنظام، بغرض تمييع المعارضة الحقيقية، وإضعاف دورها في التوصل إلى حل يتناسب مع تضحيات الشعب السوري.

“تسعى أطراف في مقدمتها الولايات المتحدة، إلى منع موسكو من استثمار مخرجات مؤتمر سوتشي، لتظهر أمام الرأي العام الدولي بمظهر المنتصر”

وعلى الرغم من التهديدات التي وجهتها موسكو إلى المعارضة السورية فيما إذا رفضت الحضور، أو وضعت شروطاً مسبقة للمشاركة في المؤتمر بأنها ستكون خارج العملية السياسية، فقد قرّرت الهيئة العليا للمفاوضات، بأغلبية أعضائها، عدم الذهاب إلى المؤتمر لعدة أسباب، أهمها الغموض الذي يحيط بالمؤتمر، وعدم امتلاكه أجندةً واضحة للحل، والإصرار على بقاء مصير بشار الأسد خارج المحادثات التي ستجري داخل أروقة المؤتمر، إلى جانب اعتراض الهيئة على مكان انعقاد المؤتمر، ورعاية روسيا له، وقائمة المدعوين الذين وجهت إليهم روسيا دعوات للحضور.

وحتى تتواءم مخرجات مؤتمر سوتشي مع ما تشتهيه، فقد صاغت موسكو وثيقةً له تنص على ضرورة تشكيل جيش وطني يعمل بموجب الدستور، وأن تلتزم أجهزة الأمن بالقانون وحقوق الإنسان، وتوفير تمثيل عادل لسلطات الإدارات الذاتية. ومن المقرّر، بحسب التصور الروسي، أن يؤدي مؤتمر سوتشي إلى تشكيل ثلاث لجان: لجنة رئاسية للمؤتمر، ولجنة خاصة بالإصلاحات الدستورية، ولجنة للانتخابات وتسجيل المقترعين. كما أن من المحتمل أن تجري في مؤتمر سوتشي مناقشة إقامة “حكومة وحدة وطنية”، تجمع النظام والمعارضة، وهو مطلب روسي، دأبت موسكو على جعله أمراً واقعاً، بحيث يبقى الأسد على رأس السلطة، أي التطبيع مع النظام، وطي صفحاته السوداء الممتلئة بالضحايا طوال السنوات الماضية، وإعادة إنتاج الاستبداد في سورية، بعد تطعيم بعض مؤسساته بمظاهر احترام حقوق الإنسان، والمحافظة على الجذر الاستبدادي في صورته الأصلية، والإبقاء على الذهنية الاستبدادية لإدارة هذه المؤسسات، وفي مقدمتها الجيش والأمن.

في المقابل، تسعى أطراف أخرى، في مقدمتها الولايات المتحدة، إلى منع موسكو من استثمار مخرجات مؤتمر سوتشي، لتظهر أمام الرأي العام الدولي بمظهر المنتصر واللاعب الأساسي في الملف السوري، وإشعارها بأن كل ما حققته في سورية يبقى هشاً في ظل التعقيدات التي تتسم بها القضية السورية، فقد طرح وزير الخارجية الأميركية، ريكس تيلرسون، خلال جولة المحادثات الأممية في مقر الأمم المتحدة في فيينا، أخيرا، وثيقة خماسيةً، أعدها وزراء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسعودية والأردن في مباحثاتٍ تمت في باريس في 23 من شهر يناير/ كانون الثاني الجاري، على هامش مؤتمر يتعلق بمنع انتشار السلاح الكيميائي واستعماله، خصوصاً في سورية. وتضمنت الوثيقة الخماسية مبادئ الحل السياسي السوري، حيث أكدت على ضرورة إجراء إصلاحات دستورية، وتحديد صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والإدارات المحلية، تمهيداً لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، بإشراف الأمم المتحدة، إضافة إلى وجود ربط واضح بين مساهمة الدول الغربية بإعادة إعمار سورية وتحقيق الانتقال السياسي.

وبحسب وكالة الأناضول، تناقش الوثيقة المنهجية التي ستكون عليها المفاوضات في جنيف، استناداً إلى قرار مجلس الأمن 2254، مع التركيز، بشكل مباشر وفوري، على مناقشة

“الولايات المتحدة تريد أن تظهر للأطراف الفاعلة في القضية السورية أن استراتيجيتها في سورية ستشهد انعطافة مفصلية مهمة تجاه فرض حل سياسي للملف السوري”

إصلاح الدستور، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، كما طالبت بخروج المليشيات الأجنبية من سورية، والشروع في عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، ووقف القصف، وإيصال المساعدات.

وأوصت الوثيقة المبعوث الخاص للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، أن يعمل على تركيز جهود الأطراف على مضمون الدستور المعدل، والوسائل العملية للانتخابات التي تشرف عليها الأمم المتحدة، وإيجاد بيئة آمنة ومحايدة في سورية، يمكن أن تجري فيها هذه الانتخابات. وجاء في الوثيقة أن الرئيس، المعدلة صلاحياته، يجب أن يكون محققاً لتوازن كل القوى، وضامناً استقلال المؤسسات الحكومية والمركزية، أما الحكومة فيرأسها رئيس وزراء، مع منحه صلاحيات موسعة، وصلاحيات للحكومات المحلية، كما أن البرلمان سيتكون من مجلسين، يكون ممثلاً في مجلسه الثاني من كل الأقاليم، للتأثير على عملية صنع القرار في الحكومة المركزية، من دون وجود سلطة رئاسية لحل البرلمان. كما تناولت الوثيقة أيضاً “إصلاح أجهزة الأمن”، بحيث تخضع للسلطة المدنية وإنهاء الحصانة عنها، إضافة إلى عملها في شكل حيادي مع خضوعها للمساءلة والمحاسبة.

وتبدو هذه الوثيقة متمايزة عما تطرحه موسكو في مؤتمر سوتشي، إلا أنها لم تشر إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية، ولا تتحدث عن تنحي بشار الأسد عن السلطة، والاكتفاء بتقليص صلاحيات الرئيس لصالح رئيس الوزراء، وتوسيع صلاحيات الحكومات المحلية على أساس اللامركزية، وتشكيل برلمان ذي مجلسين، على غرار الموجود في الأنظمة البرلمانية ومنح دور أكبر للأمم المتحدة، للإشراف على تطبيق الحل السياسي، خصوصا فيما يتعلق بالانتخابات، وتشكيل هيئة انتخابية محايدة ومتوازنة، والسماح للاجئين والنازحين بالمشاركة في الانتخابات، وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254.

يبدو أن الولايات المتحدة تريد أن تظهر للأطراف الفاعلة في القضية السورية أن استراتيجيتها في سورية ستشهد في الفترة المقبلة انعطافة مفصلية مهمة تجاه فرض حل سياسي للملف السوري، وأن هناك تبدلاً حصل في أولوياتها في المنطقة، بعد الانتهاء من محاربة “داعش” التي كانت تتقدم أولوياتها، وتمكّنها من فرض وجود عسكري لها على المدى المتوسط في منطقةٍ تتمتع بأهمية استراتيجية بالغة، لاحتوائها على مصادر الطاقة والثروات الأخرى، يجعلها لاعباً أساسياً في أية رؤية للحل السياسي مستقبلاً، ولتحجيم الدور الروسي، وكذا الإيراني المتزايد على وجه التحديد، والذي يثير حفيظة الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

حتى آخر قطرة دم سورية/ مروان قبلان

تكاد الفوضى تغدو السمة العامة لكل ما يجري في سورية هذه الأيام، في ميدان التفاوض أو في ميادين القتال، أو حتى في العلاقة بين أطراف الصراع، حلفاء كانوا أو أعداء. ففي ميدان السياسة، تتزاحم المبادرات وتتنافس المسارات حول شكل الحل، أو اللا حل، ومدى ملاءمته للقوى الإقليمية والدولية ذات المصلحة، فلا تكاد تنتهي جولة مفاوضات هنا حتى تبدأ واحدة هناك، بالمشاركين أنفسهم أو بغيرهم. وفي حين تدعم الدول الغربية مسار جنيف الذي انطلق في يناير/ كانون الثاني 2014، وتشعب إلى فيينا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 نتيجة التدخل العسكري الروسي في سورية، تمكنت روسيا من إنشاء مسار آخر في أستانة، نتيجة معركة حلب في ديسمبر/ كانون الأول 2016، والتفاهم التركي – الروسي الذي تحول ثلاثياً بانضمام إيران إليه. وبسبب الفشل في تحويله مساراً سياسياً، بعد أن كان مخصصاً لمناقشة قضايا عسكرية، مثل وقف إطلاق النار ثم مناطق “خفض التصعيد”، ظهر سوتشي الذي يتوقع هو الآخر أن يتحول مساراً جديداً، إنما لمناقشة قضايا سياسية، مثل الدستور والانتخابات وغيرها، وهي القضايا نفسها التي يناقشها مسار جنيف. هناك طبعاً مسار ثنائي روسي – أميركي منفصل، يطفو إلى السطح فقط مع ظهور نتائجه، كما حصل في قمة هامبورغ (ألمانيا) ودانانغ – فيتنام، بين الرئيسين، الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين.

انعكست فوضى المسارات فوضىً في تمثيل المعارضة ومشاركتها، ففي كل مسارٍ تبرز مجموعة من المعارضة العسكرية والسياسية، يتغير شخوصها بحسب الظروف والرعاة والمصالح، فردية كانت أو حزبية. وقد بلغت الفوضى ذروتها أخيراً بشأن مؤتمر سوتشي، ففيما رفضت الهيئة العليا للمفاوضات المشاركة، بضغط أميركي – فرنسي واضح، خشية أن يؤدي ذلك إلى تكريس سوتشي بديلاً عن جنيف، شاركت فصائل الشمال المحسوبة على تركيا، والتي تقاتل معها في عفرين، كما شارك محسوبون على تيارات وقوى سياسية في المعارضة، بما فيها الائتلاف الوطني، بصفة شخصية، على الرغم من أن تياراتهم قاطعت!

فوضى الميدان تبقى الأسوأ على الإطلاق، ففي حين تقدم روسيا غطاء للعملية العسكرية التركية، ولفصائل المعارضة التي تقاتل ضمنها في عفرين، يقصف سلاح الجو الروسي على بعد كيلومترات فقط الفصائل نفسها لتمهيد الطريق أمام تقدم قوات النظام في محافظة إدلب. ليس هذا فحسب، بل تضرب الفوضى أطنابها بين حلفاء المعسكر الواحد، ففي حين تؤمن روسيا غطاء للعملية التركية في عفرين، يرفض النظام وحلفاؤه الإيرانيون التدخل التركي، على الرغم من أنه يخدم أجندتهم الرافضة للتطلعات الكردية المدعومة أميركياً. طبعاً النظام الذي عزّ عليه يوماً الانحناء لشعبه، ابتلع اعتراضاته بأمرٍ من القيصر، وقد غدا مجرد تابع صغير في معسكره، يعتمد بقاؤه عليه.

لا يقتصر التناقض والتضارب على معسكر النظام، بل يطاول المعسكر المقابل أيضاً، ففي حين تعد تركيا والولايات المتحدة حلفاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلا أن كلاً منهما يساعد خصوم الآخر، فواشنطن تزود خصوم تركيا الأكراد بالسلاح، فيما تعمّق تركيا علاقتها بموسكو، عدو “الناتو” الأول، وتشتري منها منظومة صواريخ إس 400 التي تتعارض كلياً مع أنظمة الحلف الأطلسي ودفاعاته الجوية. ويحتفظ الأكراد أيضاً بعلاقات مع روسيا والنظام السوري، على الرغم من أن واشنطن تعد حليفهم الأكبر. أما إسرائيل، الغائب الحاضر في الصراع السوري، فهي من جهة حليفة للولايات المتحدة، لكن رهاناتها في الحد من نفوذ إيران وحلفائها في سورية يعتمد على رضا روسيا التي تسمح لها بتوجيه ضرباتٍ محددة ضد حزب الله وقواعد إيران في سورية، علماً أن روسيا تعد غطاء إيران الجوي في حربها على المعارضة السورية.

وسط فوضى المصالح هذه وتضارب الأجندات، ضاع السوريون وتحطمت أحلامهم، وغدوا مجرد بيادق في ميدان الحرب والسياسة، يقاتلون هنا ويتفاوضون هناك، يشاركون هنا ويقاطعون هناك، حسب مشيئة الراعي وتفاهماته الدولية، من دون أن يفهموا بالضرورة حقيقة ما يجري حولهم. لم يعد قطعاً للحرب الدائرة في سورية علاقة بمصالح السوريين أو تطلعاتهم، بل غدت حرب الآخرين على أنقاض بلادهم، أو ما تبقى منها: أميركا ضد روسيا، تركيا ضد الأكراد، إسرائيل ضد إيران، إيران ضد الجميع، ولن تتوقف هذه الحرب حتى آخر قطرة من دمائنا، نحن “الحمقى” أو “المساكين” السوريين، كيفما اخترت أن تنظر لها.

العربي الجديد

 

 

من أستانة إلى سوتشي.. سلام زائف في سورية/ علي العبدالله

ما إن أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، توفر فرصة إطلاق عملية سياسية في سورية بعد تحقق “النصر” العسكري، ودوران عجلة التحضير لعقد “مؤتمر الحوار الوطني السوري” في مدينة سوتشي الروسية، الذي كان قد دعا إليه، حتى بدأت تتضح ملامح التسوية السياسية التي يسعى سيد الكرملين إلى تمريرها؛ إن من خلال المحدّدات التي أطلقها أركان حكومته، أو من خلال المدعوين إلى هذا المؤتمر، بوصفهم ممثلين لمكونات الشعب السوري، القومية والدينية والمذهبية والاجتماعية، وقواه السياسية والمدنية والعسكرية، وطبيعة الحل الذي اختاره لشعب آخر من دون اعتداد بمطالبه وتطلعاته التي عبّر عنها بخروجه ضد الاستبداد والفساد، ودفعه غاليا من دم أبنائه وإمكاناته ومصالحه ثمنا لنيل الحرية والكرامة.

بدأ “نضال” الرئيس الروسي بقتل السوريين من دون تمييز بين مشارك في الصراع أو غير مشارك، بين عسكري ومدني، فقد استهدفت طائراته المدن والبلدات والقرى، وتعمدت قصف تجمعات السكان في الأسواق وأمام الأفران وفي المشافي والمدارس، من أجل الترويع والترهيب، وحسم الصراع في مدة قصيرة، باستسلام الثوار أو بسحقهم تحت وابل القنابل بكل صنوفها الذكية والغبية، الارتجاجية والفراغية، الفسفورية والنابالمية، وبمختلف الأحجام والأوزان. قال جنرالاته إنه من 30 سبتمبر/ أيلول عام 2015 وحتى 20 سبتمبر/ أيلول 2017، قام الطيران الروسي بـ 30650 طلعة جوية في أنحاء متفرقة من الأراضي السورية، منها 5165 طلعة في 2015 و13848 طلعة في 2016، نفذ خلالها 92006 غارات على مواقع الإرهابيين، منها 13470 غارة في 2015 و50545 غارة في 2016 تمكن خلالها من تدمير 96828 هدفا وموقعا للإرهابيين (رصدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان الغارات الروسية واستنتجت أن 85% منها استهدف مدنيين).

وتفاخر (جنرالات) بوتين بفعالية أسلحة بلادهم، وبكمية الطلبات التي انهالت على مصانعها من دول عديدة، وبالخبرة التي اكتسبها جنودهم في التدريب بلحم السوريين ومدنهم وبلداتهم

“تعرض بوتين للابتزاز من معظم الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في سورية، خصوصا بعد إعلانه الترشح للانتخابات الرئاسية الروسية”

وقراهم. وقد سمحت المشاركة العسكرية في سورية بالتحقق من الاستعداد القتالي لجميع الطيارين العسكريين تقريبا، وفق وزارة الدفاع، وأن نحو من 90% من أفراد القوات الجوية تلقوا خبرة قتالية. وقد نفذ الحملة الروسية ثلاثة أرباع طواقم الطيران بعيد المدى، وحوالى 80% من الطائرات التكتيكية التشغيلية و88% من طائرات النقل العسكري، وحوالى 90% من الطيارين. ولاحظت الأركان العامة أن نتائج الطلعات القتالية كشفت عن الجوانب الإيجابية والسلبية للتدريب على الطيران، وكانت الاستنتاجات التي تم التوصل إليها أساسا لتغيير عملية التعلم والتدريب. وفق تقرير على موقع قناة آر تي الروسية. هذا ما حدث، لا مدنيين قتلوا ولا مشافي ومدارس وأفران وخزانات مياه دمرت؛ ولا ملايين فرّوا من جحيم القنابل، تحولت المذبحة إلى أرقام، والقتلى، كل القتلى، إلى إرهابيين.

ترافق العمل العسكري مع تحرك سياسي ودبلوماسي، منسق مع النظامين الإيراني والسوري، لأجل تطويق قوى الثورة السياسية والمسلحة، بتشكيل أطر وكيانات سياسية معارضة (منصات) تتبنى سقوفا منخفضة من الصراع في سورية، وبمواقف وقرارات دولية مرتبطة بحسابات ومصالح قوى إقليمية ودولية، وصياغة اقتراحات وحلول على إيقاع التوازنات العسكرية التي أخذت تميل لصالح النظام وحلفائه، وقبض ثمن المشاركة في حماية النظام سياسيا (استخدام حق النقض 11 مرة لمنع محاسبة النظام)، وترجيح كفته العسكرية اتفاقات تسمح ببقاء القوات الروسية على الأراضي السورية مدة 49 سنة تتجدد من دون حاجة لمفاوضات جديدة لـ 25 سنة (حميميم الجوية وطرطوس البحرية)، وأخرى تسمح لها باحتكار إعادة الإعمار.

غير أن حساب البيدر اختلف عن حساب الحقل. لم يستسلم الثوار، على الرغم من التضحيات الكبيرة، وخسارة معارك، ومغادرة مدن وبلدات وقرى عزيزة على قلوبهم، ترعرعوا فيها وتشكلت في أحيائها وأسواقها وساحاتها وأزقتها مشاعرهم وعواطفهم وتطلعاتهم وطموحاتهم، ولم يقبل المواطن العادي الذي قُتل أبناؤه وبناته ودمر مصدر رزقه، العودة إلى ما قبل ثورة الحرية والكرامة، بقي يعبر عن موقفه بتفضيله النزوح والتشرد واللجوء إلى الخارج القريب والبعيد على الاستسلام ورفع الراية البيضاء.

دفع صمود الثوار وتحمّل المواطنين أعباء المواجهة قيادة الأركان الروسية إلى تغيير في خططها وتكتيكاتها بتكريس جزء كبير من نشاطها الميداني في عقد مصالحاتٍ محليةٍ، تحت سيف الحصار والتجويع والضغط العسكري، حيث تتيح المصالحة إخراج كتائب ومناطق من ساحة المواجهة، وتوظيف العملية في تمزيق صفوف الثوار، والفصائل المسلحة ببذر الشقاق والخلاف في صفوفها، وفي زعزعة ثقة الحاضنة الشعبية بقوى الثورة، ودفعها إلى حالة من اليأس والانفكاك النفسي والعاطفي عن بيئة الثورة وحواملها، وتخفيف العبء العسكري على قوات النظام، وإتاحة فرصة التفرغ لمناطق أخرى، قبل أن توسع دائرة تخفيف الضغط العسكري على قوات النظام بعقد مفاوضات عسكرية بين النظام وفصائل معارضة في أستانة،

“روسيا غير قادرة على تفعيل دور سياسي قوي، بعد أن فعلت كل ما في استطاعتها لتسريع فرض حل في سورية”

برعاية مشتركة مع تركيا، انضمت إليها إيران، وطرح فكرة “خفض التصعيد” بعقد اتفاقات روسية تركية إيرانية، تنفذ فيها عمليات تجميد القتال في مساحات محددة، فترة زمنية محددة (تم الاتفاق على أربع مناطق لخفض التصعيد: الغوطة الشرقية، ريف كل من حمص وحماة ومحافظة إدلب) وتركت ثغرة تسمح للنظام وحلفائه بخرق الاتفاقات، وذلك بلازمة استثناء المناطق التي لـ “داعش” وجبهة النصرة، بمسمياتها الأخرى، مواقع فيها. وهذا أتاح لقوات النظام تشديد الحصار على مدن الغوطة الشرقية وبلداتها، حيث يعيش نحو أربعمائة ألف مواطن، وحرمانها من دخول المساعدات الإنسانية، الغذاء والدواء، وقصفها بشكل دائم من أجل إجبار قوات المعارضة على الدخول في مصالحة مع النظام، وقضم مساحات شاسعة في ريفي حمص وحماة ومحافظة إدلب. كل هذا بالتوازي مع عمل دؤوب لإرباك المعارضة، وتمزيق صفوفها، وإفشال محادثات جنيف التي تتم برعاية الأمم المتحدة.

حاولت روسيا دفع محادثات أستانة نحو مناقشة قضايا سياسية عبر مناقشة قضايا الإصلاح الدستوري، والانتخابات البرلمانية والرئاسية، وطرح مشروع دستور لسورية على وفدي النظام والمعارضة  والدول الراعية، ولما لم تنجح في ذلك، دعا الرئيس الروسي إلى عقد مؤتمر للحوار تحت اسم “مؤتمر الشعوب السورية”، واقترحت وزارة الدفاع الروسية عقده في قاعدة حميميم، قبل أن تغير الاسم إلى “مؤتمر الحوار الوطني السوري” وتقرّر عقده في سوتشي. وتحولت الدعوة إلى عقد هذا المؤتمر إلى مادة للتجاذب بين روسيا وحلفائها، حيث لم تلق قبولا لا لدى إيران (لا تقبل بأقل من عودة نظام الأسد إلى ما كان عليه)، ولا لدى النظام السوري وإيران اللذين ما زالا يراهنان على الحسم العسكري. وهناك تحفظات تركية لجهة هدف المؤتمر والقوى التي ستحضره، وبينها وبين الولايات المتحدة وحلفائها، لجهة علاقته بمحادثات جنيف والرعاية الدولية للحل. وقد دفع هذا كله القيادة الروسية إلى تأجيله وإعادة النظر في صيغته، وفي لائحة المدعوين إليه (تحولت اللائحة من دعوة 33 كيانا سياسيا وعسكريا إلى دعوة 1600 شخص، يدعون باعتبارهم ممثلين لقوميات وأديان ومذاهب وعشائر وقوى سياسية وعسكرية ومدنية سورية)، والعمل على تعزيز حظوظه في النجاح، عبر إقناع الدول الراعية محادثات أستانة بتبنيه، بعد أخذ تحفظاتها بالاعتبار، وتحديد موعد عقده الجديد يومي 29 و30 يناير/ كانون الثاني الجاري.

لم تنته العقبات التي تعرقل عقد المؤتمر، فقد تعرض الرئيس بوتين للابتزاز من معظم الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في سورية، خصوصا بعد إعلانه الترشح للانتخابات الرئاسية الروسية التي ستجري في شهر مارس/ آذار المقبل، ومراهنته على نجاح مؤتمر سوتشي في إيجاد حل للصراع في سورية، وفق مصالحه ومصالح حلفائه، بصورةٍ تسمح له بتقديمه لجمهوره في الانتخابات المرتقبة، بعضهم يريد تنازلاتٍ من بوتين في مقابل منحه هالة صانع “السلام” في سورية. فيما يريد آخرون قطع الطريق عليه في ذلك، وإحراجه أمام جمهوره الانتخابي. بدأت مؤشرات ذلك بإطلاق أردوغان تصريحه اللافت، قبل أسابيع، في تونس، حينما أكد استحالة التوصل إلى حل في سورية، بوجود الأسد. ولاحقاً، تم الحديث عن إعادة إحياء النواة الضيقة لـ “أصدقاء سورية” الداعمة للمعارضة، في اجتماع سيتم عقده لمندوبيها، في اسطنبول، خلال شهر فبراير/ شباط المقبل، بمبادرة فرنسية – تركية مشتركة، وتحذيرهم (الأتراك) من فشل مؤتمر سوتشي، بل وانهيار مسار أستانة، برمته، إن لم تتوقف حملة النظام العسكرية على إدلب، المدعومة بغطاء جوي روسي كثيف، وتلكؤ إيران في الإقرار بـ “سوتشي”، على الرغم من الإلحاح الروسي، وتذرع النظام السوري بـ “الإعداد الجيد”، تعبيرا عن تحفظه على المؤتمر (النظام يرفض حتى الآن البحث الجدي في صوغ دستور أو تعديل دستور عام 2012 خارج آليات مجلس الشعب (البرلمان)، إضافة إلى رغبته في تأجيل الحل السياسي إلى “ما بعد استعادة كامل الأراضي”). وتعرّض قاعدة حميميم العسكرية الروسية لهجمات غامضة، من طائرات بلا طيار، بتقنيات عالية، لإحراج القدرات العسكرية الروسية، قبل أسابيع من الانتخابات، وإعلان واشنطن تخفيض تمثيلها في مفاوضات أستانة، وإظهار لا مبالاة مطلقة حيال “سوتشي”، وتمسّكها بمحادثات جنيف باعتبارها المسار الشرعي الوحيد، والإعلان عن بقاء قواتها في سورية مدة غير محددة “حتى تحقيق الاستقرار ودفع الأسد وأسرته خارج السلطة”، وتشكيل قوة حرس حدود من 30 ألف فرد، وطرح ملف الأسلحة الكيميائية في سورية بقوّة في مجلس الأمن ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي، متهمة روسيا “بتعمّد التضليل والتمويه لحماية نظام الأسد”، وتشكيل “شراكة دولية لمكافحة إفلات مستخدمي الأسلحة الكيميائية من العقاب” من 24 دولة في اجتماع باريس، وطرح تصور للحل (اللاورقة) بالاتفاق مع فرنسا وبريطانيا والسعودية والأردن، ورفعه إلى الأمم المتحدة، كي لا تبقى المبادرة الروسية وحيدة على الطاولة. في تحرّكٍ يؤكد نيتها العمل على إفشال ذلك المؤتمر (قال القائم بأعمال نائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد ساترفيلد، في إفادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، إن واشنطن تمتلك وسائل عدة لتقليل التأثير الروسي في نتائج المحادثات السورية).

جرى تعديل أهداف المؤتمر؛ فغدا لوضع أرضية لحل قائم على إجراء إصلاحات دستورية وانتخابات برلمانية ورئاسية، يشارك فيها رأس النظام وحكومة وحدة وطنية بمشاركة

“موسكو تتجاهل جذر الصراع والنظام وإيران مع الحسم العسكري”

المعارضة. وطمأنة رأس النظام بإعلان موسكو رفض أن يحضر المؤتمر من يدعو لتنحيه. وهذا لم يرض لا المعارضة ولا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ولا الأمم المتحدة (تضمنت رسالة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى الجانب الروسي سلسلة معايير ليوافق على إيفاد المبعوث، ستيفان دي ميستورا، إلى المؤتمر، بينها أن يكون جلسة واحدة ضمن عملية جنيف، وأن يكون ضمن مفاوضات جنيف وتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، إضافة إلى تشكيل الأمم المتحدة لجنة الدستور وعبر مسار جنيف الذي وبدت الأمم المتحدة متمسكة به، لبحث تنفيذ القرار 2254 وتنفيذ تشكيل جهاز الحكم وإطلاق عملية صياغة الدستور، وصولاً إلى انتخابات)، فلجأت القيادة الروسية إلى تعديلات وتحويرات، علها تحوز على رضا الأمم المتحدة والمعارضة السورية، فأعلنت أن “سوتشي” ليس بديلا لمحادثات جنيف، بل مكمل لها وفي خدمتها، وتضمنت مسودة وثيقة المؤتمر بنود دي ميستورا الإثني عشر، التي نالت رضا المعارضة في جلسة جنيف 8، ووجهت دعوة إلى الهيئة العليا للمفاوضات لزيارة موسكو للبحث في تحفظاتها وهواجسها، كما استعانت بدول إقليمية لها دالة على المعارضة للضغط عليها كي تحضر المؤتمر، ودعت أعضاء مجلس الأمن والسعودية ومصر والأردن والإمارات لحضور المؤتمر مراقبين.

استقر تصور روسيا لمؤتمر سوتشي أخيرا على تشكيل ثلاث لجان: رئاسية للمؤتمر، الإصلاحات الدستورية، الانتخابات وتسجيل المقترعين، مع تصور أولي لمحتوى الحل السياسي، انطوى على: تشكيل “جيش وطني يعمل بموجب الدستور”، والتزام أجهزة الأمن بـ “القانون وحقوق الإنسان”، وتأكيد الحكومة السورية “الوحدة الوطنية” وتوفير “تمثيل عادل لسلطات الإدارات الذاتية”. وفق نص مسودة وثيقة المؤتمر التي صاغتها.

واضح أن روسيا غير قادرة على تفعيل دور سياسي قوي، بعد أن فعلت كل ما في استطاعتها لتسريع فرض حل في سورية؛ بذلت جهوداً غير عادية لاستنزاف بيان جنيف1 ونصوصه.

“دفع صمود الثوار وتحمّل المواطنين أعباء المواجهة قيادة الأركان الروسية إلى تغيير في خططها وتكتيكاتها”

بذلت جهوداً غير عادية لفرض تغييراتٍ داخل المعارضة، وتدخلت عسكريا عامين، فإنها ما زالت تواجه صعوبات كثيرة في التوفيق بين مطالب اللاعبين الإقليميين والدوليين على الساحة السورية. وكشفت الأيام الأخيرة حجم الصعوبات التي تعترض طريقها؛ فالأمم المتحدة لا تخفي معارضتها محاولة تكريس “سوتشي”، وتحويل جنيف صندوق بريد، مهمته انتظار الرسائل الواردة من “سوتشي”. واشنطن تعود تدريجياً إلى التشدّد، ولو من بوابة رفض أي حلول تكرس سورية حلقة في “الهلال الإيراني”. الأوروبيون يظهرون، على الرغم من تمسكهم بالاتفاق النووي مع إيران، استعداداً أكبر للنظر في سياسات زعزعة الاستقرار التي تنتهجها الأخيرة. إسرائيل تعبر أكثر من ذي قبل عن تبرّمها من عجز روسيا عن إبعاد المليشيات الإيرانية عن المناطق الحدودية، وتصعّد غاراتها في العمق السوري. وهذا دفع وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، إلى محاولة إغواء جميع الأطراف، والإعلان عن الاستعداد للاستجابة لتطلعات الجميع، فقال في مؤتمر صحافي، استعرض فيه نتائج عمل وزارته خلال عام 2017 “نحاول عبر مبادرة عقد مؤتمر الحوار السوري تحقيق المواءمة لمصالح جميع الأطراف السورية وكل اللاعبين الخارجيين الذين قد يؤثرون على الأوضاع هناك، وتريد ضمان مصالحها ضمن إطار التسوية السورية”. وإن “سوتشي” مكمل لمفاوضات جنيف، وليس بديلا عنه، مع أنه سبق ووضع “سوتشي” مقابل “جنيف”، حين قال “إن لا تقدم في الجولة التاسعة للمفاوضات بين السوريين في المدينة السويسرية من دون عقد مؤتمر الحوار الوطني في المنتجع الروسي، والأخذ في الاعتبار نتائج جولات أستانة، مع أنها (روسيا) تدرك أنه كي تحصل على شرعية لمؤتمر سوتشي من الأمم المتحدة لا بد من تقدم في مفاوضات جنيف.

وقال المحلّل الروسي، ديمتري فرولوفسكي، لمدونة ديوان من مركز كارنيغي للشرق الأوسط في 24/1/2018، “يقرّ الكرملين حالياً بأنّ واشنطن، من خلال إقامة منطقة خاضعة لها فوق ما يقارب الـ 25% من الأراضي السورية في الشمال والشرق، تعتزم ضمان دور مؤثّر لها في تسوية سياسية، وفي مستقبل البلاد ما بعد الحرب. كما ستساعد هذه المنطقة الولايات المتحدة على تأمين معقل لها في المشرق، والتأثير على علاقات روسيا بحلفائها الإقليميين. الكرملين مستاء من هذا التطوّر، بل إن مسؤولين روسا يتهمون البيت الأبيض بانتظار القوّات الروسية للقيام بكلّ الأعمال القذرة، قبل القفز في اللحظة الأخيرة والمطالبة بحصته”.

تكمن نقطة ضعف الموقف الروسي في تجاهله جذر الصراع في سورية (ثورة شعب ضد نظام مستبد وفاسد) وترجيح عناصر الصراع على سورية في الحل الذي تريد تمريره، ما يجعله ليس أكثر من سلام زائف، لا يحقق الاستقرار والاستمرار، ويحول سورية إلى دولة محتلة من أكثر من طرف، وعرضة لصراع مديد من أجل طرد المحتلين، وإقامة نظام سياسي وطني وعادل.

العربي الجديد

 

 

 

 

مؤتمر سوتشي و«السوريون» حصراً: ماذا بعد؟/ وائل مرزا

لم يكن ثمة بد من مشهد سوتشي لكي يكتمل سيناريو المسرحية الهزلية التي يضع الروس المسألة السورية في إطاره، تحت سمع وبصر النظامين الإقليمي والدولي، وبقبولهما.

هنالك تقزيمٌ لكل ما هو إنساني وأخلاقي في ما يحصل، إلى درجة تكاد تصبح الكتابة الجدّية فيها عن الموضوع، بغرض التحليل، عبثاً لا طائل من ورائه.

سمع المعنيون بالموضوع، من السوريين وغيرهم، الكم الهائل من الكوميديا السوداء التي سبقت ورافقت انعقاد المؤتمر، ورأوا بأم أعينهم تفاصيل الأحداث والتصريحات والمواقف السوريالية التي شكّلت وقائعه وأحداثه. أكثر من هذا، سيسيل حبرٌ كثير خلال الأيام المقبلة في معرض «تحليل» كل ما جرى وتفسير كل ما قيل.

من هنا، لن نكرر ما سبق أن رآه الناس وسمعوه، ولن ندخل في منافسة التحليلات لما حصل وسيحصل.

يكفينا تلخيص دلالات ما جرى من ممارسات، يُفترض أن تدخل في مفهوم «السياسة»، بعبارة لخص بها الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، المعروف بصراحته، رأيه في السياسة قائلاً: «من المفترض في السياسة أن تكون ثاني أقدم مهنة في العالم، لكنني أدركت مع الوقت أن هناك شبهاً كبيراً بينها وبين أقدم مهنة». ربما يرفض كثيرون هذا الرأي، وربما يجرح الكلام البعض، وصحيح أن بالإمكان الإشارة إلى الدلالات التي أرادها ريغان من عبارته بشكل آخر، أقل صراحة وأكثر تهذيباً. لكن الواقعية تفرض نفسها بقوةٍ هنا. والواقعية تلك تقول إن دلالات العبارة كانت ولا تزال وستبقى موجودة، بدرجة أو أخرى، ليس في الولايات المتحدة فقط، وإنما في كل مكان يضم ساسةً وسياسة في هذا العالم. وها هي سوتشي، بكل من وراءها، علناً أو سراً، تؤكد تلك الحقيقة بشكلٍ فاقع.

في ما عدا ذلك، لا يبدو عملياً سوى الحديث عما يمكن أن يفعله السوريون بقضيتهم بعد هذا المفصل الفارق. وهذا حديثٌ لا يجب أن يقتصر على قرارات ومخططاتٍ ورؤى تستوعب ما سيجري بعد اليوم وتتعامل معه، فهذا مهمٌ ومطلوب. لكن الأهم والأكثر إلحاحاً يدخل في جوهر ما يمكن أن نسميه «مراجعات» شاملة لم تعد الحركة في أي اتجاهٍ صحيح ممكنةً بغيابها.

ليس هذا مقام الدخول في مهاترات مع أي جهة، لكن المرحلة تتطلب درجة عالية من الشفافية والصراحة. والاستحقاقات المقبلة تتطلب الارتقاء إلى مستوى شعارات تمثيل الثورة التي ترفعها المعارضة بأطيافها السياسية والعسكرية العديدة اليوم.

لا مشاحة في الاعتراف بأن المعارضة السياسية السورية بجميع أطيافها ومكوناتها لم تكن مستعدةً لأداء مهمةٍ بحجم المهمة التي باتت، فجأةً، مسؤولةً عن أدائها. فكلنا يعلم طبيعة الظروف التي كانت تعمل فيها على مدى العقود الماضية. وثمة فارقٌ كبير بين القيام بدور «المعارض» على الطريقة التي كانت سائدةً في سورية ما قبل الثورة، ودور «الناشط» بعد انطلاقها، وبين دور القيادة السياسية لثورةٍ فرضت نفسها بتعقيدات قلما عرفها التاريخ.

ولا نبالغ إذا قلنا إن الدور الذي نتحدث عنه من أصعب الأدوار التي يجب أداؤها على مستوى العمل العام، ما يتطلب إدراك حقائق محددة.

فثمة تراكمٌ نظري وعلمي يتعلق بالثورات يمكن الاستفادة من معطياته، لكن الثورة ليست عملية هندسية محسوبة المقاييس، ولا مشروعاً تجارياً أو اقتصادياً يمكن تصميمه وتنفيذه وفق خطة موضوعة بإحكام.

والثورة لا تشبه أي ظاهرةٍ أخرى في حياة الناس. إذ لا تسري عليها العادات والأعراف والقوانين التي يتآلفون عليها في أيامهم العادية. وحين نتحدث عن الثورة السورية تحديداً فإننا نحاول ملامسة ظاهرةٍ جديدة كلياً، خاصة إذا أخذنا بالاعتبار كل ما فيها من خصوصيات سياسية وثقافية واجتماعية وجغرافية.

من هنا، لا يكون معيباً إذا تواضعت المعارضة السورية واعترفت بصعوبة المهمة الملقاة على عاتقها. فهذا الاعتراف علامةٌ صحيةٌ يمكن أن تكون أول خطوةٍ فعلية في تشكيل قدرتها على أداء دورها المطلوب. لا حاجة للمكابرة والادّعاء في مقامٍ لا يحتاج لمثل هذه الممارسات. وسيكون الشعب السوري أول من يتفهّم هذه الحقيقة، ويحترم القائلين بها، ويعود لإعطائهم المشروعية المطلوبة.

ثمة حاجةٌ ملحةٌ اليوم لأن يغادر جميع الساسة المعارضين السوريين إقطاعياتهم و «كانتوناتهم» و «مساراتهم». فالسياسة بالتعريف السائد هي فنّ الممكن. والممكنُ في الواقع السياسي السوري المعاصر يفرض عليهم جميعاً الخروج من نفق المماحكات القاتلة المتعلقة بتمثيل السوريين وثورتهم، والتي تكاد تغرقهم وتُغرق الثورة إلى الأبد. يكفي مثالاً أن نستحضر الأزمة المقبلة التي يمكن أن تنتج عن قيام بعض من حضرَ سوتشي وانسحب منها بـ «تفويض» الوفد التركي لكي يكون «حاملاً مطالبنا ساعياً لتحقيقها»، بناءً على «تمثيل قوى الثورة والمعارضة».

لا توجد اليوم جهة يمكن أن تدّعي احتكار التمثيل المذكور بأي درجةٍ من الدرجات.

ليس من طبيعة الدنيا الكمال، ولم يقل أحدٌ إن مشروع التمثيل السياسي للثورة السورية سيكون مشروعاً كامل الأوصاف. لكن الموقف الطبيعي من مثل هذا الوضع يتمثل بالمساهمة الفعالة والعملية في استكمال المشروع، لكي يصبح قادراً على تحقيق حد أدنى لهدف توحيد المعارضة وخدمة الثورة داخلياً وخارجياً.

لا توجد ملائكةٌ تمشي على الأرض في هذه الدنيا، فلا تخطئ في حساب أو تحتاج الى مراجعة موقف أو إعادة النظر في رؤيةٍ محددة أو سياسةٍ بعينها. لا يوجد هذا في العالم من حولنا، ولا في منطقتنا العربية، ولا في سورية، ولا في أجسام المعارضة بالتأكيد، يسري هذا على الأفراد والجماعات والشعوب كما يسري على الدول والحكومات. فنحن بشكلٍ عام نعيش في عالمٍ معقّد يتميز بمتغيّراته المتسارعة التي لا يكاد يستطيع أحدٌ ملاحقتَها وأخذها بالاعتبار في حساباته بشكلٍ كامل. ونحن، كسوريين تحديداً، نعيش ظاهرةً ربما كان تكرارها في التاريخ ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، بالصورة التي نراها، من الأمور النادرة في حياة البشر.

من الطبيعي إذاً لأي جماعة أو فرد أو هيئةٍ أن تخطئ أو يخطئ في الحسابات أو في السياسات أو في المواقف، أو في ذلك كله. وهذا يصدقُ على أجسام المعارضة في زمننا الراهن كما لا يصدق على جهةٍ أخرى مسؤولةٍ أمام شعبها وبلادها.

هذه حقائقُ تعرفها جميع الأطراف، ومن مصلحة السوريين جميعاً أن يبني عليها أصحابُ العلاقة داخل أجسام المعارضة وخارجها، أساساً لنقلةٍ جديدة في عملهم خلال المرحلة المقبلة.

هذا ليس واجباً سياسياً وأخلاقياً فقط، وإنما هو أيضاً دليل نضجٍ سياسيٍ وثقافيٍ للسوريين، خاصةً لمن تصدى لمواقع المسؤولية منهم.

بكلام آخر، ليست المشكلة أن نخطئ في الحسابات أو السياسات أو المواقف. وإنما تكمن المشكلة في الإصرار على تجنب أي مراجعة، والوقوع في عقلية المكابرة والعناد التي توحي بلسان الحال بأننا قومٌ لا نخطئ، بغض النظر عن أي شعارات نطلقها بلسان المقال. ذلك أن الوقوع في هذا الفخ هو الخطوة الأولى في سلسةٍ من الأخطاء ليس لها نهاية. هذا قانون من قوانين الاجتماع البشري يسري على السوريين كما يسري على العالم أجمع.

اجتهدَ البعضُ من أطياف المعارضة «الحقيقية»، وقرر حضور سوتشي. واجتهد البعض الآخر وقرر مقاطعته. بنى الطرفان اجتهادهما، علناً في الأقل، على القاعدة نفسها: إن القرار المُتخذ كان خطوة على طريقٍ طويل لمحاولة تحقيق أهداف الثورة.

لا مجال هنا للخوض في النيات، فهذا ترفٌ لا تحتمله المرحلة الراهنة، ولا يحتمله بالتأكيد المستقبل المقبل. خاصةً في ظل المشهد الذي رآه الجميع خلال جولات جنيف وأستانة، وأخيراً سوتشي. وفي ظل الواقع الذي نتج عنها.

ثمة حاجةٌ لدرجةٍ عاليةٍ جداً من الواقعية المسؤولة في هذا المقام. وهي تنبعُ من قراءةٍ دقيقةٍ لما حصلَ كما حصل، وليس كما توقع البعض حصوله أو تمنى البعضُ الآخر حصوله.

لا مجال هنا لإصرار المعارضين السوريين على الحياة في الأوهام أو التفكير الرغائبي أو التفسيرات الخاصة للحدث. فهذا أيضاً نوعٌ آخر من الترف السياسي لا يحتمله المقام.

من هنا، قد يكون مطلوباً زيادة جرعة الرقابة الشعبية الخارجية على أجسام المعارضة بأشكال مختلفة. ليس فقط من قبل الإعلاميين والمثقفين والنشطاء والساسة خارجها، وإنما أيضاً من السوريين جميعاً، لأنهم أصحاب الحق قبل غيرهم في طرح الأسئلة والحصول على الإجابات.

فالإنسان العادي هو أول من يتأثر بالسلبيات والآلام والكوارث التي تنجم عن الخطأ في الحسابات وفي السياسات. من هنا، يبقى هو صاحب الحق الأول في أن يكون له رأي في الموضوع، وفي أن تُفتح له مداخل وأبواب طرح ذلك الرأي عبر القنوات والمنابر الإعلامية والسياسية والثقافية. فالإنسان الذي لا يُمنح ذلك الحق لن يشعر يوماً بالانتماء والولاء الحقيقيين مهما صرّح وتغنّى بعكسِ ذلك. لأنه سيدرك ببساطة في أوقات الشدّة بأنه مدعوٌ ليدفع ثمن خطأ لم يكن سبباً فيه. وبأن وجوده في الساحة إنما يُعتبر «تكملة عدد» وليس وجودَ مواطنةٍ حقيقية بكل ما تقتضيه من حقوق وواجبات.

«السياسة أهم بكثير من أن تُترك للساسة وحدهم». هكذا تؤكد المقولة الشهيرة.

ولن تعدمَ ثورةٌ أظهرت إبداعَ أهلها في كثيرٍ من المجالات القدرةَ على ابتكار إطارٍ لرقابةٍ شعبيةٍ عامة على أجسام المعارضة تُصحح مسارها، لتؤدي دورها المطلوب، ولا تُصبح لعنةً على البلاد وأهلها وثورتهم نهاية المطاف.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

 

وما الفائدة من مؤتمر سوتشي؟/ ماجد كيالي

أخيرا حسمت المعارضة السورية أمرها، في ختام اجتماعات فيينا (فجر يوم 27 يناير) بإعلان رفضها المشاركة في مؤتمر سوتشي، الذي سيعقد أواخر هذا الشهر، والذي كانت روسيا وضعت ثقلها وراء عقده طوال الفترة الماضية، سيما بعد أن أعلنت على لسان رئيسها الانتصار في سوريا، وأن المهمة انتهت فيها.

طبعا لا يمكن التقليل مما فعلته روسيا، منذ تدخلها العسكري المباشر (سبتمبر 2015) لصالح النظام، في حربه على فصائل المعارضة المسلحة، وسعيه إلى وأد الثورة السورية، بواسطة سلاح الجو تحديدا، الذي شن ألوف الهجمات، التي ذهب ضحيتها الألوف وتدمير أحياء بكاملها، ما أدى إلى خسارة المعارضة لكثير من المناطق، وتوسيع النظام للمناطق التي تخضع لسيطرته. فبالنتيجة فقد تمكّنت روسيا عبر كل ذلك من فرض ذاتها كمقرّر أساسي في الصراع السوري، حتى على حساب إيران، كما تمكّنت من إقامة العديد من القواعد العسكرية في طرطوس واللاذقية، وأخذ عطاءات ضخمة من النظام في عديد من القطاعات الاقتصادية ومشاريع الإعمار.

بيد أن مشكلة روسيا تكمن في أن قدراتها على الاستثمار السياسي والاقتصادي محدودة، مع كل محاولاتها فرض نفسها كقوة عظمى، تضاهي الولايات المتحدة، أو كفاعل دولي وإقليمي لا يمكن تجاوزه، فهي لا تستطيع تحويل قوتها العسكرية إلى استثمارات سياسية، وهو ما تبيّن من الاضطراب في التحضير لمؤتمر سوتشي، وتأجيل موعده أكثر من مرة، وحتى في سعيها الحثيث إلى استقطاب المعارضة لهذا المؤتمر، وأخيرا تحجيم طموحاتها المرجوة منه، كما أن روسيا تعرف حدود قدراتها الاقتصادية ما يعني أنها من دون دعم دولي ستأخذ بلدا مدمّرا لا تستطيع أن تستفيد منه ولا أن تفيده.

نلاحظ هنا أن المحاولة الروسية لعقد مؤتمر سوتشي لفرضه كمسار تفاوضي بديل عن جنيف، اضطرتها إلى التنازل لتركيا بخصوص عمليتها في عفرين، وهو أمر سيتيح لتركيا تعظيم دورها في سوريا، على حساب إيران بالطبع، الشريك الأساسي للنظام، وحليف روسيا الأول في المنطقة.

أيضا، هذا اضطرها إلى التخلّي عن حلفائها الأكراد بطريقة مخجلة، ومن ثم إلى الرضوخ لموقف الولايات المتحدة، بشأن عقد المؤتمر لمرة واحدة، وأن تصدر عنه فقط مجرد توصيات، وأن يؤكد أن المسار التفاوضي الوحيد هو ذلك الذي يجري في جنيف، في ظل مرجعية القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي (2015)، بل إن روسيا صارت تستجدي الأمم المتحدة، والمبعوث الدولي ستافان دي ميستورا لمجرّد الحضور والمشاركة في المؤتمر المذكور، ما يفيد بإخفاق ذريع للسياسة والدبلوماسية الروسيتين، وما يفيد بأنّ القوة الروسية العسكرية مجرّد قوة حمقاء غير عاقلة ولا يمكن التعويل على الاستثمار فيها.

ما ينبغي ملاحظته، أيضاً، أن إخفاق المسعى الروسي من مؤتمر سوتشي جاء بعد تحوّلات لافتة في الموقف الأميركي، تفيد باستعداد للانخراط المباشر السياسي والميداني في الصراع السوري، وهو ما تمّ التصريح عنه في شأن الإصرار على مسار جنيف كمسار تفاوضي وحيد لحلّ الصراع السوري، وأن لا دعم لإعمار البلد قبل تحقيق الانتقال السياسي، مع رصد مبالغ كبيرة لدعم فصائل المعارضة السورية، وإقامة العديد من القواعد العسكرية في شمال وشرق سوريا.

ناهيك عن منطقة خفض التصعيد في جنوبي سوريا. ومعلوم أنّ هذا الموقف الأميركي بات له حاضنة دولية أيضاً، وهو ما تمّ التعبير عنه في التوافق في باريس (25 يناير) على “لا ورقة” مع وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا والسعودية والأردن، تتضمن ما يمكن اعتباره بمثابة خارطة طريق للشروع في تحقيق الانتقال السياسي في سوريا، وإقفال الحدود أمام ميليشيات إيران، التي تمرّ من طهران إلى لبنان عبر سوريا والعراق.

على ذلك فإن رفض المعارضة السورية المشاركة في مهرجان سوتشي كان موفّقا ومناسبا، ليس لأن روسيا شريكة للنظام فقط وتريد خلق مسارات للتهرب من مفاوضات جنيف ومرجعيتها الدولية، وإنما أيضا لأنها تتلاعب بالقضية السورية وتريد جعلها مجرّد ورقة مساومة مع الولايات المتحدة لتعزيز مكانتها الدولية والإقليمية. وما يؤكد ذلك أنها لم تضغط على النظام في أي شيء، كما تبين من اجتماعات فيينا، وأن كل همها يتركز على تعويمه.

في كل الأحوال لن تخسر المعارضة شيئاً مع عدم حضورها المؤتمر المذكور، الذي يتم التحضير له بحيث يكون مجرد مهرجان للخطابة والتصفيق أو مسرحية عبثية، لا معنى ولا جدوى منها، فمن الذي سيختار الـ1600 شخصية من المدعوين؟ وكيف؟ وما الذي يمكن لهؤلاء أن يفعلوه في يوم أو في عشرة أيام، هذا أولا. ثانيا، ليس لهذا الاجتماع/ المهرجان أي تغطية سياسية دولية، وهو لا يستند للمرجعية الدولية، التي هي مهمة جدا للمعارضة للتغطية على ضعفها في موازين القوى إزاء النظام وحلفائه. ثالثا مشاركة المعارضة في المؤتمر ستؤدي إلى تقويض ما تبقى من مصداقيتها، والمزيد من الخلافات في صفوفها وتوسيع الفجوة بينها وبين شعبها، لذا لا جدوى ولا فائدة من المشاركة فيه، فثمة مسار جنيف التفاوضي وهو يكفي.

السؤل الآن، على ضوء كل ما تقدّم، إلى روسيا، فإذا كانت تريد مؤتمرا في سوتشي وفق مواصفاتها ومواصفات النظام، إذن ما شأنها بحضور المعارضة أو بعدم حضورها؟ والمعنى أن روسيا تستطيع أن تجلب “المعارضات” التي ترضى عنها، وتجلب ما تريد من الموالين للنظام، بمعزل عن تلك المعارضة التي تحاربها، ليتفاوضوا في ما بينهم بسلام ووئام، حول رؤيتهم لشكل سوريا القادمة، وبعد ذلك لكل حادث حديث، إذ لا معنى لمحاولاتها العبثية الدؤوبة تمييع المعارضة بفرض أشخاص موالين للنظام، أو لا يعدّون أنفسهم حقا على المعارضة.

وبغض النظر عن مؤتمر سوتشي أو غيره، ففي الحقيقة لم تجر ولا مرة عملية مفاوضات، طوال السنوات الماضية، ولم يجلس وفد النظام مقابل وفد المعارضة، لا في جولات مفاوضات جنيف ولا في جولات مفاوضات أستانة، فكل ما جرى مجرد مسرحية مفاوضات، علما أنه حتى المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، كان الطرفان يجلسان ويتفاوضان وجها لوجه.

واضح من ذلك أن روسيا تتساوق مع النظام بتلاعبها بالمعارضة بعملية المفاوضات وبمحاولاتها لإذلال السوريين، لذا من الجيّد أن المعارضة السورية فوّتت هذه اللعبة العبثية غير المجدية.

كاتب سياسي فلسطيني

العرب

 

 

 

 

سوتشي كنهاية للمشروع الروسي/ ساطع نور الدين

الجدل الحاد الدائر هذه الايام بين السوريين، على اختلاف تشكيلاتهم الموالية والمعارضة حول وقائع مؤتمر سوتشي وغرائبه ونتائجه، لا يخفي حقيقة جوهرية هي ان روسيا تعرضت لهزيمة سياسية حاسمة، تشكل ترجمة عملية للضربة العسكرية الحرجة التي تلقتها في السادس من الشهر الماضي عندما شنت جهة “مجهولة” غارتين جويتين بطائرات “درون” على قاعدتيها العسكريتين، الجوية في حميميم والبحرية في طرطوس، أصابتا الهيبة الروسية في الصميم، وهزتا المكانة الروسية في سوريا، بل وفي العالم كله.

إتسم الجدل السوري بالطرافة، والشماتة، وبدا أشبه باللهو السياسي، الذي يبني على المكان والزمان ، وعلى الحضور والغياب، وعلى الإهتمام والازدراء، أسباباً للفرقة والنزاع ، والتنافس في التعبير عن موقف مرتجع من روسيا ودورها السوري الذي يقف اليوم عند مفترق حاسم..يمكن تلمسه بوضوح شديد في مؤتمر سوتشي، الذي كادت موسكو نفسها تتخلى عن فكرة إنعقاده في إعقاب الهجوم على قاعدتيها العسكريتين في سوريا.

لم يسفر الجدل عن أي فرز جديد للقوى السورية، مثلما لم يؤد الى إنتظام التحالفات والخصومات، وبدا ان أحداً من طرفي الصراع السوري لم يلاحظ حراجة الموقف الروسي. فالنظام الذي أغرق المؤتمر بالحضور الاستعراضي الكثيف، كان يحاول التوكيد على حيازته غالبية سورية. والمعارضة التي قاطعت، كانت تسعى الى التعويض عن خساراتها العسكرية بالإحتفاظ بشرعيتها السياسية. اما نصف الحضور الذي إلتزمته تركيا وحلفاؤها فقد كان بمثابة وقوف في منتصف الطريق بين موسكو وعفرين.

الخلاصة الأهم لمؤتمر سوتشي كانت وستبقى هي ان روسيا نفسها فقدت حماستها لذلك المحفل السوري الغريب، قبل ان يحين موعد إنعقاده، بعدما أدركت ان مشروعها السوري بات يصطدم بجدار مسدود، يمكن هدمه بالمزيد من الغارات الجوية والصواريخ العابرة للقارات، لكن لا يمكن القفز من فوقه للاعلان عن إنتصار عسكري -سياسي ما زال بعيداً، ولعله أصبح مستحيلاً في أعقاب الغارة على القاعدتين الروسيتين في سوريا.

والطريف أنه بينما كانت المجموعة الاتية من طرف النظام لتغزو المؤتمر وتكتسح قاعته تهتف لروسيا وبوتين، كان الجانب الروسي يعترف بتواضع طموحاته، وتراجع نفوذه، ويقر بأن المؤتمر لم يعد إنقلاباً على مسار جنيف الدولي، ولن يكون بديلاً منه..ويسلم بأن اللجنة الدستورية التي شكلت هي مجرد ترجمة لقرارات جنيف، سيتولى المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا نفسه تشكيلها وتنظيم عملها  وقيادة مهامها.

وبهذا المعنى ، كان المؤتمر أول إعتراف روسي صريح بالفشل في إدارة الصراع السياسي السوري. ومثلما لم يكن بإمكان موسكو مواصلة التباهي بالانتصارات العسكرية الاخيرة على الارض السورية في أعقاب الإغارة على القاعدتين الروسيتين، اللتين تمثلان العنوان الاهم للحضور الروسي في شرقي المتوسط.. لم يكن بمقدور موسكو  ان تتقدم بمشروعها الخاص للحل السياسي السوري، الذي كانت ترغب قبل أسابيع قليلة في أن يقوم على إجبار المعارضة على رفع راية الاستسلام لنظام الرئيس بشار الاسد.

لكن المؤتمر ليس نهاية الدور الروسي في سوريا. الإغارة على القاعدتين كانت بمثابة إنذار لموسكو بان التفويض الدولي الذي مُنح لها من أجل المساهمة في جزء من معركة التخلص من “الإرهاب الاسلامي”في سوريا، قد إنتهى، وثمة حاجة الى كبح جماح بوتين وجنونه المبني على أن حملته العسكرية والسياسية السورية ستفرض على خصوم روسيا الإعتراف مجددا بروسيا كدولة عظمى ذات مصالح تحظى بالاحترام في شرقي المتوسط وفي بقية أنحاء العالم.

في سوتشي بدا ان روسيا صارت مكشوفة، من دون شركاء أو حلفاء. قاطع الغرب المؤتمر، وغاب العرب، وترددت إيران في مباركة ذلك الاستعراض السياسي الروسي، وجاملت تركيا بحضور متواضع ومشروط. وقد يكون “حضور” إسرائيل الذي تمثل في زيارة رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو الى الكرملين بالتزامن مع إنعقاد المؤتمر ، هو الدليل الوحيد على أن روسيا لم تخسر تفويضها السوري بشكل نهائي بعد.

المدن

 

 

 

 

 

إفراغ مؤتمر سوتشي من محتواه ووظيفته قبل انعقاده/ عبدالوهاب بدرخان

كان مؤتمر سوتشي قد تحوّل معركة صامتة ومموّهة بين الولايات المتحدة وروسيا، قبل أن تصبح علنية، لكنها بقيت ديبلوماسية، إذ لم يكن الأميركيون على مستويات متفاوتة يخفون أنهم يريدون «إفشال سوتشي»، ولماذا؟ لأنه يراد منه تكريس الاحتكار الروسي لحل الأزمة وفقاً للأفكار والأهداف التي حدّدتها موسكو وراعت فيها مصالح إيران. كانت ترغب في أن يعامل تركيا بالمثل، واستخدمت معركة عفرين في هذا السياق، إلا أن خلافات الدولتين على أسس الحل لم تتغيّر. لذلك بقيت أنقرة في هذا الملف أقرب الى التحالف مع واشنطن في العمل على «انتقال سياسي» في سورية، فيما بقيت أقرب الى موسكو في معالجتها لما تعتبره تهديدات لأمنها القومي.

اتخذت «معركة سوتشي» وجوهاً عدّة، أهمها إفصاح الولايات المتحدة عن ملامح استراتيجيتها الجديدة بالنسبة الى سورية. وفيها شقّان رئيسيّان: الأول، الحفاظ على وجود مديد في مناطق الشمال الشرقي التي تشمل معظم محافظة الرقة وبعض نواحي دير الزور وريف حلب الشمالي، والإعلان عن إنشاء جيش من ثلاثين ألف جندي لـ «حراسة حدودها». والثاني، العمل من خلال مسار جنيف التفاوضي على انتقال سياسي حقيقي، ورفض أي مساهمة مع الحلفاء في عملية إعادة الإعمار ما لم يكن هناك حل سياسي قيد التطبيق… وما لبثت هذه الاستراتيجية أن لاقت عناصر ترفدها في السعي الفرنسي الى إيجاد «مجموعة اتصال» في شأن سورية، وجاء مؤتمر باريس لإطلاق «المبادرة الدولية لملاحقة المسؤولين عن الهجمات بالسلاح الكيماوي» برسالة تذكّر روسيا بأنها شريكة في اتفاق 2013 لتدمير الترسانة الكيماوية السورية، ما يجعلها مسؤولة عن استمرار النظام في استخدام مخزونه منها، بالتالي فإنه سيكون ملاحقاً على جرائمه أيّاً تكن سيناريوات إنهاء الأزمة.

على هامش هذا المؤتمر، تبلورت مجموعة الدول الخمس (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والسعودية والأردن) كصيغة مصغّرة ومستحدثة لمجموعة «أصدقاء الشعب السوري». وعلى رغم أن «اللاورقة» التي تبنّتها وسلّمتها الى المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، كأفكار لتسهيل مفاوضات جنيف وتحسين أدائها، شكّلت إطاراً لتجاوز عقبة «مصير الأسد»، إلا أنها لا تسلّم ببقائه بل تعتبره مشروطاً وموقّتاً. بل تطرح تقليص صلاحيات الرئيس في الدستور المقبل وتوسيعها بالنسبة الى رئيس الوزراء والبرلمان. وهو ما بدا أشبه بدعوة الى موسكو لتلاقي الدول الـ5 في منتصف الطريق، فلا مطالبة بـ «رحيل الأسد» مقابل توافق على حلّ سياسي يؤمّن خروجه ورموز نظامه من السلطة.

أما الرسالة الأوضح التي وُجّهت الى موسكو فمفادها أن مفاوضات جنيف وفقاً للقرار الدولي 2254 تبقى المسار الوحيد للبحث في الحل السياسي، أي أنه لن يُعتدّ بما يخرج عن مؤتمر سوتشي. فالدول الـ5 لم تشأ في النهاية أن تعرقل هذا المؤتمر على نحوٍ مباشر، إلا أن ضغوطها عليه أدّت الى خفض التوقّعات الروسية منه، حتى غدا الهمّ الرئيسي لموسكو أن تمرّر انعقاده وتحاول فرض وقائع تمكّنها من التأثير لاحقاً في مسار جنيف. ولا شكّ في أن موقف الدول الـ5 رفع أي ضغط تركي عن المعارضة السورية بل شجّعها على القرار الذي رجّحته مداولاتها منذ فترة طويلة فحسمت موقفها بمقاطعة سوتشي. وبطبيعة الحال، فإن عدم حضور المعارضة أغاظ الروس، الذين سهّلوا العملية التركية في عفرين واضطرّوا أيضاً للقبول بتغييب الأكراد إرضاءً لتركيا، التي اقتصرت مساهمتها في «إنجاح» سوتشي على تأمين حضور المجلس التركماني.

ظهر الغضب الروسي في التناقض بين القول إن عدم مشاركة المعارضة «لا يغيّر شيئاً» وبين تهديد من القاعدة العسكرية في حميميم بأن المقاطعة ستكون لها تداعيات على الأرض، وبالعودة الى الخيار العسكري. واقعياً تحوّلت التحضيرات لمؤتمر سوتشي الى كابوس كريه لموسكو، وصارت مقتنعة بأن هدفها الحقيقي من انعقاده قد اهتزّ. قبل ذلك، كانت هناك خلافات مع طهران والنظام اللذين أرادا أن يكون «الحل» بآلية مباشرة ومتفق عليها «بين الحلفاء»، لا في سوتشي ولا في جنيف. وعندما نوقش تشكيل لجنة لإعداد الدستور تُعلَن في نهاية مؤتمر سوتشي طلب النظام أن تكون حصّته 15 من 24 عضواً في اللجنة، كما طالب بأن يصدر تشكيل اللجنة بمرسوم رئاسي من الأسد. وأثار عدم الاستجابة امتعاضاً لدى النظام، الذي وسّط الإيرانيين، لكن الروس يريدون لجنة دستورية يديرونها هم وليس النظام. في غضون ذلك، كان هناك ما ينكّد على الروس، إذ إن القناة المركزية لقاعدة حميميم أجرت استفتاءً حول السؤال: ماذا تعني لك روسيا؟ صديقاً أم عدواً؟ ولم تتردد في نشر النتيجة التي أظهرت أن 78 في المئة يعتبرونها عدواً، إلا أنها علّقت مؤكّدة أن هذا لا يؤثّر في «الواقع الحقيقي» للعلاقات بل يعبّر عن «انخراط جزء كبير من الأوساط الشعبية في فكر التنظيمات المتطرفة». وكان واضحاً أن المشاركين في الاستفتاء لم يكونوا جميعاً من المعارضة بل كانت غالبيتهم من الوسط الموالي للنظام.

كان إصرار فلاديمير بوتين شخصياً على مؤتمر لـ «شعوب سورية» هو ما حفّز إدارة دونالد ترامب على حسم استراتيجيتها بتوجّهات أكثر وضوحاً من تلك التي اتّبعتها إدارة باراك اوباما. ويكمن الوضوح في خمسة أهداف حدّدها ريكس تيلرسون في خطابه في جامعة ستانفورد: 1) هزيمة تنظيمي «داعش» و «القاعدة» فلا يشكّلان لاحقاً أي تهديد. 2) حلّ الصراع بين الشعب السوري ونظام الأسد من خلال عملية سياسية تقودها الأمم المتحدة وفقاً للقرار 2254 و «أن تعمل سورية كدولة مستقرّة ومستقلّة وموحدة تحت قيادة ما بعد الأسد». 3) تقليص النفوذ الإيراني في سورية وحرمانها من حلم إقامة قوس (هلال) شمالي وجعل جيران سورية بمأمن من كل التهديدات (الإيرانية). 4) إيجاد الظروف التي تمكّن اللاجئين والمشرّدين داخلياً من العودة في شكل آمن وطوعي الى بلادهم. 5) خلو سورية من أسلحة الدمار الشامل (في إشارة الى أن واشنطن لم تتخلَّ عن وجوب «المساءلة والعدالة» إنصافاً لضحايا الهجمات الكيماوية).

وبالنسبة الى إدارة ترامب، فإن تقليص النفوذ الإيراني متلازم مع ضرورة «إنهاء سلطة الأسد وعائلته ونظامه» وفقاً لموجبات «ما بعد داعش»، ذاك أن الأسد ظنّ خطأً، وفق تيلرسون، بأنه «سيحافظ على السلطة (بعد سقوط حلب) من دون أن يعالج المظالم التي ارتكبها في حق الشعب السوري». ولعل ما تعتبره واشنطن أكثر خطراً لمرحلة «ما بعد داعش» أن لدى نظام الأسد «استراتيجية أبعد من البقاء في السلطة» وهي «اجتذاب العناصر الراديكالية في المنطقة واستخدامها لزعزعة استقرار جيرانه». وتستخدم واشنطن هذا الخطر لتبرير وجودها العسكري المديد في سورية، إذ إن أي فراغ سيكرر السيناريوات التي شهدها العراق بعد انسحاب اوباما غير المنظّم و «السابق لأوانه».

كرة جنيف ستبقى في الملعب الروسي بمعزل عما يسفر عنه مؤتمر سوتشي وعما تنوي موسكو استغلاله من مخرجاته للتأثير في مسار جنيف، الذي لا ترى الدول الـ5 منصة أخرى سواه للبحث عن حل سياسي. ما لا تقوله هذه الدول، لكنّ روسيا وحليفيها إيران والنظام يعرفونه، أن أي حل يعكس القرار 2254 «سيهيّئ لرحيل الأسد» واستطراداً سيشكّل خطراً على المصالح التي رتّبتها روسيا مع الأسد، وبتأكيد مصالح إيران، فالاستراتيجية الأميركية تعتقد أن «تقليص النفوذ الإيراني وطرده من سورية يعتمدان على أن تكون سورية ديموقراطية». والأمر الآخر الذي ستأخذه روسيا في الاعتبار هو أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لن يقدما أي مساعدات لإعادة إعمار أي منطقة خاضعة لسيطرة نظام الأسد، ولن يشجّعا العلاقات الاقتصادية بينه وبين أي دولة لكن «بمجرّد أن يتنحّى الأسد عن السلطة ستشجّع أميركا بكل سرور تطبيع العلاقات بين سورية والدول الأخرى».

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

خسارة الروس في سوتشي/ عبد الرحمن الراشد

في الوقت الذي تحاول فيه موسكو كسب سباق الوقت لتحقيق اتفاق سلام «مناسب» في سوريا، نفذت قوات الأسد 93 غارة على ريف إدلب، بينها طائرات هليكوبتر ترمي القنابل المتفجرة على الأحياء المدنية. وقام حزب الله اللبناني بقصف الغوطة، وهي من ضواحي دمشق، حيث يحاصر أربعمائة ألف شخص.

كيف يحدث هذا كله والمتفاوضون يناقشون مسودة سلام؟ ولماذا يظن الروس والإيرانيون، والدول الداعمة لهذا الخط، أن المتفاوضين عن المعارضة السورية يتجرأون على القبول بأي صيغة حل والرسالة التي ترسل إلى الشعب السوري هي القتال والتدمير والتشريد؟

قد يرى مفاوضو سوتشي أن التصعيد العسكري جزء من وسائل الضغط على المعارضة لإجبارها على القبول بالاتفاق، وهذا ما يحدث عادة في الحروب! لكن ليس صحيحاً في الحالة السورية؛ أولاً، القتال لن يحسم الآن مناطق النفوذ. وثانياً، لا يستطيع المفاوضون التوقيع دون موافقات محلية، ودون دعم من الدول الإقليمية والأخرى الكبرى الموالية. وكل ما يحدث من قصف للمدن والبلدات السورية هو إفساد لمفاوضات سوتشي، وليس العكس.

والأسوأ من تكثيف العمليات العسكرية هو ما تسرب من معلومات عن مسودة المفاوضات. جاءت مخيبة للآمال، حيث لم تتضمن أي تبديل يمكن أن يقنع السوريين والعالم بجدية السلام في سوتشي. المعروض على المعارضة لا يزيد عن كونه فرض الوضع الحالي كما هو. يملي واقعاً يبقي على النظام السياسي، وكيان الحكومة، ما يجعله مجرد اتفاق استسلام. وسيقال إنها بالفعل وثيقة فرض الواقع الحالي، وهنا يمكن أن نقول إن إكراه السوريين على القبول بها سيؤدي إلى استمرار القتال سنين أخرى، وسيفقد النظام السوري كل ما حارب من أجله الروس والإيرانيون وحققوه له من انتصارات في السنوات الثلاث الماضية.

لكن حتى مع اختلافنا مع الروس في التفاصيل السورية لا يمكننا تجاهل أهمية مفاوضات سوتشي، وأهمية فرصة السلام التي يمكن تحققها لو طرحت بصيغة معقولة. فالمصلحة السورية، لكل السوريين، نهاية الحرب، وتلبية المطالب المعقولة والعادلة، التي تلبي توقعات المعارضة في المشاركة في المؤسسات السيادية العليا، وتحقيق سلامة المنطقة بإخراج كل الميليشيات الإيرانية وغيرها، وتأمين سيادة واستقلال سوريا.

فشل سوتشي يعني فشل الروس، وبسببه ستتسع دائرة النزاع أكبر مما نرى الآن. وهي قد ازدادت تعقيداً مع دخول الأتراك في الحرب وانقسام المواقف حول دخولهم الأراضي السورية، وما رافقه من خلاف مع الولايات المتحدة التي أصبحت تنشط عسكرياً في حرب سوريا، مثل روسيا وإيران.

نحن نعرف أن الروس يملكون أوراقاً مهمة، وهي قدرتهم في الضغط على النظام في دمشق وعلى إيران، التي تمكنهم من فرض حل معقول على الطاولة أفضل مما هو معروض الآن.

ونخشى أن كل الدلائل تقول بالفشل، بسبب إصرار حلفاء دمشق على فرض اتفاق استسلام وليس سلام. بعدها ستحمل الوفود حقائبها وتسافر إلى فيينا، لتبدأ من جديد رحلة سلام مختلف، قد لا يكون حظه أفضل من حظوظ مؤتمرات سوتشي وجنيف السابقة.

الشرق الأوسط

 

 

 

واشنطن لن تدع روسيا تقطف وحدها ثمار التسوية في سوريا/ ثريا شاهين

تستبعد مصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع، ان يتوصل مؤتمر سوتشي للحوار السوري الى نتيجة تُسهل تنفيذ القرار ٢٢٥٤ للحل في سوريا. فالمعارضة السورية لا سيما منصتي الرياض والقاهرة لم تشاركا به.

وفي الاساس، واشنطن لم تكن لتشجع على انعقاده، وهي قاطعته، لان لديها علامات استفهام حول ما اذا كان انعقاده يأتي تحت سقف جنيف ام لا. مع الاشارة الى ان رفض المعارضة السورية حضوره جاء على خلفية ان لا ضمانات تسلمتها من روسيا حول المقررات التي ستصدر عنه.

بعد تقديم واشنطن استراتيجيتها حول سوريا، هناك موقف اميركي جديد، هو انها تريد الحفاظ على مصالحها في سوريا، وانها فعلاً موجودة، وان على كل الافرقاء اخذ دورها في الاعتبار بصورة اساسية.

وقبل عقد مؤتمر فيينا، كانت لدى روسيا شكوك ازاء ما يمكن ان تفعله واشنطن خصوصاً حول الضغط لعدم مشاركة فصائل في المعارضة السورية في مؤتمر سوتشي، اذا لم يخرج مؤتمر فيينا باختراق جدي.

كل ذلك، بحسب المصادر، للقول، ان روسيا وحدها لا يمكن ان تنتج حلاً، من دون الولايات المتحدة. والولايات المتحدة لا يمكنها ان تنتج حلاً من دون روسيا. روسيا تندفع جداً في الموضوع السوري، وتوحي ان مؤتمر سوتشي يأتي بالتزامن مع انتهاء الاعمال العسكرية. وتريد ازاء ذلك الولايات المتحدة ان ترد على روسيا عبر الوضع في الرقة وعفرين، والسعي لانشاء منطقة امنية على الحدود مع تركيا، وكل ذلك للقول، بحسب المصادر، ان الازمة السورية ليست على طريق الحل، ولم تنتهِ المعارك بعد، وان الولايات المتحدة لها دورها وهي لن تسمح، بأن تستفرد روسيا بالوضع السوري.

الازمة الراهنة في سوريا طويلة الامد، هناك محاولات للحل السياسي استناداً الى الموقف الروسي والى الموفد الخاص للامم المتحدة ستيفان دي ميستورا.

بالنسبة الى موسكو، فان الولايات المتحدة تعرقل اي حل لا ترضى عنه في سوريا، وان سياسة واشنطن غير واضحة ومتقلبة منذ ان تسلم الرئيس دونالد ترامب السلطة. وليس هناك من طرف دولي يدرك تماماً ما الذي تريده الادارة الاميركية. والآن تتوضح الامور فهي تريد مناطق نفوذ لها في سوريا، لكن الافق السياسي غير واضح، فهناك مصالح دول، والوضع السوري مفتوح على كل الاحتمالات ولم يحن بعد اوان الحل السياسي الحقيقي. وواشنطن ايضاً غير موافِقة على الحل الذي تضعه روسيا. ويفترض ان يحضر في سوتشي ١٥٠٠ شخصية سورية وهذا عدد كبير. انما اجتماع فيينا أشار الى المشاركة في سوتشي الذي يُعدّ من العوامل المساعدة للحل، مثل مؤتمر استانة.

وتقول مصادر ديبلوماسية، ان الموقف الاميركي يأتي قبيل استحقاقات كبيرة ستصل اليها سوريا والمنطقة. ابرزها مرحلة اعادة اعمار سوريا، ومرحلة الاصطفافات الاقليمية المقبلة، ثم موضوع عملية السلام اذا كان هناك من سلام حقيقي وفعلي. انها صفقة العصر في فلسطين والقدس وما سيلي ذلك.

ويبقى ان التحول الحقيقي في سوريا هو بقاء الاسد ام رحيله، لكن الولايات المتحدة باتت تعمل في اتجاه ان رحيله هو جزء من التحضير لما بعد الصراع.

والآن لم يحن بعد موعد اقتسام النفوذ الاميركي والروسي في سوريا لاتضاح موعد الحل السياسي. ومن دون الاتفاق بين الدولتين العظميين حول اقتسام مغانمهما لن تتبلور صورة الحل ولا مضمونه.

ويتبين من عرض وزير الخارجية الاميركي راكس تيليرسون لاستراتيجية بلاده حول سوريا، ان محاربة «داعش» تبقى اولوية، وان تعزيز الوجود في سوريا هو لضمان عدم عودة هذا التنظيم مجدداً والاولوية ايضاً لمحاربة نفوذ ايران في سوريا. الا ان تيليرسون لم يعلن كيفية انهاء سلطة النظام السوري ولا طريقة الضغط للتوصل الى انجاز العملية السياسية، لا سيما وان كل الاطراف الدولية تدرك تماماً انه من دون الضغط على النظام للتوصل الى هذا الحل، لن تُؤتي المفاوضات بثمارها حتى لو استمرت ٢٠ سنة. وكذلك من دون الضغوط على روسيا للضغط بدورها على النظام لن يتم التوصل الى شيء. حتى ان الضغط على ايران مهم في عملية الحد من دعمها للنظام، لكن في النهاية الروس هم الذين ساهموا في استمرارية النظام وليس الايرانيون.

المستقبل

 

 

 

سوتشي ونواطير “انتصارات” روسيا/ بسام مقداد

تصرّ روسيا على عقد مؤتمر “الحوار الوطني السوري” في سوتشي. المنتصر يجب أن يجيد حماية انتصاره من المتطاولين عليه، والمدعين ملكيته. وليس كالسوريين والشيشان من يعرف أن روسيا “تجيد الإنتصار”، وتجيد حماية “انتصاراتها” وتنصيب نواطير محليين لها. وليس مؤتمر سوتشي، كما تريده موسكو، سوى احتفال بـ”الإنتصار” الروسي في سوريا وتنصيب رمضان قاديروف سوري ناطوراً له.

ليس للمدعوين من السوريين إلى المؤتمر، أو الاحتفال، حق الاعتراض على مجرياته كما رسمتها روسيا، بل هم يملكون حق الحضور فقط، من دون تنغيص جوه بالحديث عما يزال يجري من قتل وتدمير في الغوطة وعفرين وإدلب وسواها. فما ذكرته المعارضة السورية من أسباب لعدم حضورها إلى سوتشي هو مجرد “هراء” على حد تعبير وكالة “نوفوستي”. فقد نقلت الوكالة عن  مصدر قوله، إن روسيا ليست ملزمة بشيء أمام أحد في “هيئة التفاوض السورية”. وإذا كان ممثلو هذه الهيئة لا يرغبون في التحدث إلى أحد “فمن الواضح أن ليس لديهم ما يقولونه”.

وتنقل الوكالة عن السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسيبكين قوله، إن تطور الأحداث على الجبهات في سوريا لن يطيح بمؤتمر “الحوار الوطني السوري” في سوتشي، فالمفاوضات سوف تجري بغض النظر عما يدور على الأرض “فمن المؤكد أن ما يحدث سوف يخلق صعوبات للتسوية السياسية، إلا أن الكونغرس في سوتشي سوف يعقد، بغض النظر عن الوضع العسكري” . ولبنان، بحسب الوكالة، مدعو للمشاركة في المؤتمر بصفة مراقب، إلى جانب الأمم المتحدة والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وكل من مصر والأردن والعراق والسعودية وكازاخستان.

إعلان موسكو عن عقد مؤتمر سوتشي “بغض النظر” عما يجري على الجبهات في سوريا، يعكس إصرارها “كمنتصر” في الحرب السورية، على تصورها للحل السياسي للمقتلة السورية، وجعل الجميع يوقعون على هذا التصور ويشرعونه.

في وقت سابق من يناير/كانون الثاني، أعلن الممثل الخاص للرئيس الروسي في سوريا ألكسندر لافرنتيف، أن منتدى سوتشي سوف يطلق العمل على دستور سوري جديد، ينبغي “أن يتناسق مع التشريعات السورية، وأن يتوافق مع الدستور القائم بشكل صارم”. وذهب الرجل أبعد من ذلك في إصراره على أن اللجنة الدستورية، التي ستعمل على الدستور الجديد، أو على تعديلات في الدستور القائم “يجب أن يوافق عليها الرئيس الحالي بمرسوم، بما يتفق مع الدستور المعمول به”. ويرى لافرنتيف، أنه من الممكن أن تنشأ في سوتشي هيئة ما للعمل على الدستور، تضم مختلف الاختصاصيين من مختلف الفصائل المعارضة ومن الحكومة المركزية، وقد تتخذ هذه الهيئة “قراراً بعقد اجتماعاتها في دمشق مباشرة”.

ولماذا سوتشي إذاً، طالما أن الهيئة التي ستعمل على الدستور الجديد أو إدخال تعديلات على القديم يجب أن يوافق عليها الرئيس الحالي، ويمكن لها أن تجتمع في دمشق تحت جناحه؟

هذا التساؤل يطرحه خبير المجلس الروسي للشؤون الدولية يوري بارمن، خلال مقابلة له في صحيفة “نيزفيزمايا غازيتا” في 26 يناير/كانون الثاني . ويقول “لست أفهم أبداً كيف سيدور الحديث في سوتشي عن الدستور، إذا لم تكن الهيئة العليا للمفاوضات موجودة، ولم يكن ممثلو السلطة الذاتية الكردية حاضرين أيضاً؟”.

ويقول الرجل بأنه تحدث، منذة فترة وجيزة، مع أحد مستشاري المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، الذي قال له “إذا رفض (نصر) الحريري سوتشي، فإن خيارات دي ميستورا سوف تكون محدودة أيضاً. مثل هذا الخيار منطقي، وهو يُناقش منذ زمن بعيد …”.

ويضيف بارمن، بأن الأكراد يشككون في ضرورة المشاركة في المفاوضات في سوتشي، لأن عفرين قد تم التخلي عنها للأتراك “في ظل الموافقة الصامتة من قبل اللاعبين الدوليين. وإذ تحمل الخارجية الروسية المسؤولية عن تأزم الوضع في عفرين للولايات المتحدة الأميركية، تتهرب من الإجابة عن السؤال ما إذا كانت روسيا قد أعطت موافقتها المباشرة على العملية التركية في الجيب الكردي، الذي كان يتواجد فيه مستشارون عسكريون روس”.

ويقول بارمن، إن أوساط الخبراء البريطانيين لا تعتبر أن عملية سوتشي قد أضافت حتى الآن شيئاً مهماً لعملية جنيف. وينقل عن الباحث في المعهد البريطاني “RUSI” مايكل ستيفنس قوله، إن روسيا تتبوأ مركز الصدارة  في الحركة على الأرض. فقد أشار وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى أن تواجداً كردياً ما سوف يشارك في المفاوضات، إلا أنه لم يحدد شكل هذا التواجد بالضبط. ومن المهم، على قول ستيفنس، معرفة كيف تنسق عناصر النظام السوري مع تركيا، خاصة في ما يتعلق بالوضع في إدلب، الذي ينطوي على مشاكل كبيرة لأنقرة. ومن المهم أيضاً معرفة ما إن كانت فصائل الجيش السوري الحر ستتمكن من إخلاء إدلب، وما هي الشروط التي ستضعها سوريا في عفرين. لكن هذه القضايا جميعها، على قوله، هي قضايا تكتيكية، على الرغم من صعوبة مناقشتها. إلا أن القضية الأهم هي ما إن كان سيتم القبول بنوايا روسيا طرح فكرة حكومة واحدة لسوريا الموحدة تحت سلطة الرئيس السوري بشار الأسد. ويقول ستيفنس، إنه يعتقد أن هذا لن يحصل، وإن كان ليس من خيار تقريباً أمام الكثير من الفصائل المعارضة سوى القبول بالواقع بعد أشهر.

ومع ذلك تمضي روسيا في الإعداد والحشد لـ”عراضة سوتشي”، غير آبهة بما يجري على الجبهات المختلفة للمقتلة السورية، ومن دون أن تتوقف عند “تفاصيل صغيرة”، مثل “الهراء” المتمثل برفض “الهيئة السورية العليا للمفاوضات” حضور هذه “العراضة”. في سوتشي ينبغي أن يشهد الحضور “للنصر الروسي” في سوريا ويوقعون على شرعية “نواطير” ذلك النصر المحليين.

المدن

 

 

 

سيران” إلى سوتشي؟

يستمر المشاركون في مؤتمر “الحوار الوطني السوري” بالتوافد إلى سوتشي في روسيا، الإثنين، عبر رحلات مباشرة من مطار دمشق الدولي، للقادمين مباشرة من سوريا.

حقوق النقل الحصرية كانت من حصة شركة طيران “أجنحة الشام” التي قالت إنه “تم اختيارها لنقل المشاركين السوريين في اجتماعات سوتشي”. الشركة المملوكة من قبل عصام شموط، أعربت عن سعادتها بهذا الاختيار “الذي يعكس الثقة بهذه الشركة الوطنية التي وضعت نفسها وأسطولها وكوادرها في خدمة جميع السوريين منذ تأسيسها”.

وأضاف بيان الشركة العاملة منذ عام 2007: “من دواعي الفخر أن يكون للشركة مساهمتها الرمزية في صنع السلام ومستقبل سوريا، عبر نقل السوريين المؤمنيين بالسلام إلى اجتماعات سوتشي”. وتملك الشركة طائرتي بوينغ وطائرة إيرباص، وانحصرت وجهة رحلاتها الجوية خلال السنوات التي أعقبت الثورة السورية إلى العراق وإيران، قبل أن تعود لتسيير بعض الرحلات إلى الكويت والسعودية والسودان.

ونُشرت في مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد مصورة من إحدى رحلات “أجنحة الشام” إلى سوتشي، ويظهر فيها المسافرون وقد دخلوا الأجواء الروسية بعد 3 ساعات من الطيران، وهم ينشدون أغاني وطنية. الرحلة كانت أشبه بكرنفال غنائي موالٍ للنظام، عززه وجود الممثلين سلمى المصرى وبشار اسماعيل وسعد مينا.

القوائم باسماء المشاركين، التي نشرتها الخارجية الروسية، تُظهر أن عدداً كبيراً حضر عبر علاقات شخصية مع ريم تركماني ورندة قسيس ومجد نيازي وهيثم مناع وأحمد الجربا. وهؤلاء المعارضون، إن أمكن وصفهم بذلك، يحيط بهم غموض كبير، وسط اتهامات موجهة لهم من قبل أوساط المعارضة بـ”الإرتزاق” وصعود سلم الأحداث لتحقيق أمجاد شخصية. ولا تبدو تلك الأوصاف غريبة عن أولئك، في ظل ما تحيط ببعضهم من معلومات عن حصولهم على تمويل خارجي باسم “المعارضة المدنية العلمانية”، رغم أن مواقفهم ملتبسة، ولطالما صبت في مصلحة “علمانية” دكتاتورية النظام.

وبحسب برنامج المؤتمر، سيقضي المشاركون في المؤتمر يومهم الأول في سوتشي في الفنادق، في حين سيحضرون، الثلاثاء، 4 جلسات للمؤتمر، قبل أن يعودوا أدراجهم الأربعاء.

وسائل إعلام روسية كانت قد أشارت إلى أن عدد المدعوين للمؤتمر أكثر من 1600 شخصية “يمثلون كافة المكونات والشرائح والقوى السياسية في المجتمع السوري”. وأضافت: “يشكل العرب غالبية المدعوين إذ تبلغ نسبتهم نحو 94.5 في المئة، مع ذلك تمت دعوة ممثلين عن الأكراد والأزيديين والدروز والآشوريين والأرمن والشركس والداغستانيين والتركمان وغيرهم من إثنيات سوريا. وسيمثل معارضة سوريا الداخلية في المؤتمر الموفدون من مجلس الشعب والأحزاب الرئيسة كحزب البعث والجبهة الوطنية التقدمية والحزب الاشتراكي وغيرها، إضافة إلى شخصيات بارزة تمثل جميع المعتقدات الدينية في سوريا، ووجهاء قبائل ومشايخ وممثلون عن نقابات العمال والدوائر الفنية”.

كما يشارك، بحسب الإعلام الروسي “ممثلون عن الفصائل المسلحة التي انضمت إلى اتفاقات المصالحة مع الحكومة.. أما المعارضة السورية في الخارج، فسيمثلها أكثر من 300 مشارك، من بينهم منصتا موسكو وأستانة وتيار الغد السوري وحركة المجتمع المدني.. وبصفة مراقب، تمت دعوة الأمم المتحدة والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي ومصر والعراق ولبنان والسعودية والأردن وكازاخستان للمشاركة في المؤتمر”.

الحافلة-الطائرة التي أقلت المشاركين إلى جنيف، هي أشبه بـ”السيران” الذي يقوم به أهالي الشام، للترويح عن أنفسهم أيام الجمعة باتجاه محيط دمشق. سيران المشاركين في سوتشي، مبادرة روسية، صممت قوائم المشاركين فيها شخصيات إشكالية، وتكفّل بنقل الركاب رجل الأعمال السوري عصام شموط.

المدن

 

 

 

هل سجلت سوتشي أولى انتكاسات حملة بوتين الرئاسية؟

رأي القدس

ما يسمى «مؤتمر الحوار الوطني السوري»، الذي انعقد بالأمس في منتجع سوتشي الروسي، بدأ من عيب تكويني فادح: أن روسيا، الدولة التي دعت إليه واحتضنته، هي ذاتها التي تدخلت عسكرياً قبل سنتين لإنقاذ النظام السوري من السقوط، وهي التي ارتكبت جرائم حرب ضد سكان عشرات القرى والبلدات والمدن السورية. روسيا إذن هي الخصم الفعلي للطرف الثاني الافتراضي في المؤتمر، أي قوى الشعب السوري المتضررة سواء حضرت أم غابت، وبالتالي لا يمكن لخصم أن يكون حكماً أيضاً لصالح النظام الذي ساندته روسيا منذ سنتين ونيف.

العيب الثاني كان الانطلاق من فرضية تنظيمية يعرف الراعي نفسه أنها كاذبة وباطلة، أي الزعم بأن الوفود إلى المؤتمر تمثل فعلاً «كافة مكونات المجتمع السوري، وقواه السياسية والمدنية، والعرقية والمذهبية والفئات الاجتماعية»، كما جاء في نصّ البيان الختامي. فبمعزل عن مقاطعة المؤتمر من جانب قوى المعارضة في الداخل، من أحزاب سياسية وهيئات مجتمع مدني وحكم محلي، اتخذت الموقف ذاته غالبية أطراف المعارضة الخارجية التي سبق للمجتمع الدولي وللدولة الراعية ذاتها أن تعاملت معها رسمياً. هذا بغض النظر عن لوائح الـ»فيتو» التي وضعتها هذه الدولة الراعية أو تلك، على مشاركة بعض القوى أو الأفراد.

العيب الثالث كان إغماض موسكو العين عن حقيقة أن القادمين من سوريا للمشاركة في المؤتمر يصعب أن يمثلوا طرفاً مناهضاً للنظام، وحاملا لمطالب إصلاح جذرية تخدم الأهداف التي من أجلها ثار الشعب السوري ودفع الأثمان الباهظة من دماء شهدائه وعذابات نازحيه ومهجريه ومعتقليه ومفقوديه، بالإضافة إلى الدمار الهائل الذي أصاب العمران والزرع والضرع نتيجة تعنت النظام ولجوئه إلى الخيارات العنفية المفتوحة. هؤلاء أنصار النظام أو تفريخ أجهزته المختلفة، وهيهات أن ينخرطوا في مشروع وطني ديمقراطي يقوم على أنقاض نظام بات خارج التاريخ ونقيض قيم الإنسانية المعاصرة.

العيب الرابع هو افتراض موسكو أن مجرد استقطاب إيران وتركيا إلى مشروع هذا المؤتمر يكفي لترويض الفئات الموالية لهذين البلدين، سواء قاتلت ضد النظام أم إلى جانبه. ولم يكن انقلاب المؤتمر إلى مسرحية فاشلة، عمادها الازدحام الفوضوي والضجيج الأجوف والمقاطعات المتعاقبة، إلا الدليل على أن أنقرة واصلت اقتفاء مصالحها في بطاح عفرين وليس على شواطئ سوتشي، وكذلك فعلت طهران المنشغلة بشارعها الشعبي المشتعل.

وأما العيب الأخير فهو اعتماد لغة خشبية في صياغة البيان الختامي، تصف سوريا المستقبلية لا صلة البتة تجمعها بسوريا الراهنة، خاصة من حيث التعامي عن مسؤولية نظام استبدادي وراثي حكم البلد طيلة 48 سنة ولا يمكن لرأسه، أو لجيشه الفئوي أو لأجهزته الفاشية، أن تكون شريكة في إقامة «دولة ديمقراطية وغير طائفية مؤسسة على قاعدة التعددية السياسية والمساواة بين المواطنين»، كما يقول البيان الختامي.

بهذا فإن فشل سوتشي يسجل أولى انتكاسات الحملة الانتخابية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي تفاخر بأنه «أنجز المهمة» العسكرية في سوريا، وخال أن إنجاز المهمة السياسية مجرد تحصيل حاصل. لكن الطائرات الحربية الروسية التي قصفت سراقب عشية المؤتمر بعثت رسالة مختلفة، هي الوحيدة الصادقة التي استلمها المواطن السوري.

القدس العربي

 

 

 

المعارضة السورية: لا نعترف بنتائج سوتشي/ عدنان علي

أكدت المعارضة السورية أنها غير معنية بنتائج مؤتمر سوتشي الذي قاطعته، وطالبت المجتمع الدولي بالتركيز على جوهر المشكلة في سورية، وهو سبل التخلص من النظام الديكتاتوري الحاكم، وإقامة نظام ديمقراطي بديل، وعدم الانشغال بقضايا مثل تعديل الدستور، والذي لم يكن محل اهتمام النظام في يوم من الأيام.

وقال عضو الائتلاف الوطني السوري المعارض، ياسر الفرحان، إن المشكلة في سورية ليست دستورية، بل في النظام الديكتاتوري الذي يتسلط على البلاد والذي لا يأبه بالدستور والقوانين، في إشارة إلى نظام بشار الأسد. وأضاف الفرحان، في تصريح لـ”العربي الجديد”، تعليقا على نتائج مؤتمر سوتشي الذي اختتم أعماله أمس الثلاثاء، والتي تضمنت تشكيل لجنة لإعادة كتابة الدستور السوري، وجرى تكليف المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بمتابعة الأمر، أنه “حتى لو مضت الأمم المتحدة في تبني مقررات سوتشي لن يكون هناك حل ما لم توافق جميع الأطراف عليه، بما فيها المعارضة التي قاطعت المؤتمر، والتي لا يمكن أن تقبل العمل تحت ولاية النظام وتوقيع رئيس هذا النظام”.

وتابع: “رأينا أن بعض المعارضين الذين حضروا بصورة شخصية رفضوا حتى الدخول إلى قاعة المؤتمر، لمجرد وجود علم النظام على شعار المؤتمر”.

وأقر الفرحان بأن المعارضة ستكون في موقف صعب، خلال المرحلة المقبلة، نتيجة تبنّي الأمم المتحدة، ممثلة بمبعوثها دي ميستورا، قرارات سوتشي، والتي تتقاطع، إلى حد ما، مع الورقة التي قدمتها بعض الدول الغربية قبيل المؤتمر، لكنه قال “نحن نعوّل على شعبنا وثورتنا وأصدقائنا، خاصة تركيا، بأنه لا يمكن أن يفرض علينا شيء بعد كل هذه السنوات من التضحيات”.

ورأى الفرحان أن غالبية المجتمع الدولي قد تنظر بإيجابية إزاء مقررات سوتشي، خاصة لجهة قبول النظام بالمبادئ الـ12 التي كان قدمها دي ميستورا خلال جولات التفاوض في جنيف، لكن نعتقد أن “هذه المبادئ قاصرة عن تلبية متطلبات الشعب السوري، وهي لم تتطرق إلى مصير مجرمي الحرب الذين ارتكبوا الفظائع في سورية، وعلى رأسهم رئيس النظام”.

من جهته، قال عضو وفد المعارضة إلى مفاوضات أستانة، العقيد فاتح حسون، إنه “لا يمكن الاعتراف بمقررات مؤتمر قاطعناه، وهنا دور الأمم المتحدة في تسخير هذه المقررات بما يخدم العملية السياسية في جنيف، التي نعتبرها الأساس في تحقيق الانتقال السياسي وتطبيق كامل القرار 2254”.

وحول الدور الذي أناطه المؤتمر بالمبعوث الأممي في متابعة قراراته، قال حسون، في حديثه مع “العربي الجديد”، إن دي ميستورا “ليس ولي أمر الثورة السورية، هو مبعوث دولي وميسر، وكل النسب في تشكيل لجنة الدستور يجب أن تكون برضى قوى الثورة والمعارضة وضمن التوافق الدولي”، مشيرا إلى تصريح الخارجية التركية بصفتها ضامنا للمعارضة بأنها تنتظر من المبعوث الدولي تشكيل لجنة دستورية وفق مسار جنيف وبموجب القرار 2254، حيث ستتم فيها مراعاة التمثيل النسبي للمعارضة، و”هو ما يتوافق مع مطالبنا”.

وكان مؤتمر سوتشي تبنّى، بحسب المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرينيتييف، ثلاث وثائق سيتم العمل بها في إطار جنيف.

وأوضح لافرينتييف، في مؤتمر صحافي عقده مساء أمس، أنه “تمت المصادقة على 3 وثائق، وهي البيان الختامي ورسالة المشاركين، وكذلك قائمة المرشحين للجنة المعنية بدراسة القضايا المتعلقة بصياغة الدستور”.

اقــرأ أيضاً

انتهاء مؤتمر سوتشي بإعلان تشكيل لجنة دستورية

وأوضح لافرينتييف أن الوثائق التي تم إقرارها في مؤتمر سوتشي ستحال إلى دي ميستورا، لمواصلة العمل بها، مؤكدا أن “مؤتمر الحوار الوطني السوري يسعى إلى دعم عملية جنيف بالتوافق مع قرار 2254 لمجلس الأمن الدولي”، ولم يستبعد عقد جولة ثانية من مؤتمر الحوار الوطني السوري، لكن بشكل وإطار مختلف، حسب تعبيره.

وأوضح أن اللجنة الدستورية تضم مبدئيا 150 شخصا، لكن “التشكيلة النهائية للجنة وكذلك إطار عملها سيحددهما دي ميستورا، الذي بإمكانه إدراج أفراد آخرين فيها”.

وأشار إلى أن ثلي أعضاء اللجنة الدستورية سيضمّان ممثلين عن النظام السوري، فيما سيشمل الثلث الآخر مندوبين من المعارضة، لكنه لفت مع ذلك إلى أن هذه الهيئة قد ينضم إلى عملها ممثلون عن مجموعات المعارضة السورية، التي لم تشارك في مؤتمر سوتشي.

من جهته، اعتبر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن مؤتمر سوتشي نجح كخطوة نحو التسوية، مشيرا إلى أن اللجنة الدستورية المشكلة ستعمل في إطار عملية جنيف.

وفي تناقض مع كل الوقائع على الأرض، حيث أعدت روسيا والدول الضامنة مسودة أعضاء اللجنة الدستورية، وكلف دي ميستورا بغربلتها ومتابعة عملها، بدون أي وجود لطرف سوري، قال لافروف، خلال مؤتمر صحافي: “النقطة الأهم تكمن في تمسّكنا الصارم بالمبدأ الأساسي لبيان 2254 لمجلس الأمن الدولي، والذي ينص على أن السوريين أنفسهم فقط هم من سيقررون مصير بلادهم”.

وأضاف لافروف أن “تشكيل اللجنة الدستورية سيحال إلى الأمم المتحدة، بالتوافق مع قرار 2254″، لافتا إلى أن “تنظيم عمل هذه الهيئة الجديدة، التي ستقوم بإعداد الدستور السوري، سيجري في جنيف”.

وأشار لافروف إلى أن كلا من روسيا وتركيا وإيران اتفقت على مساعدة دي ميستورا في تطوير نتائج مؤتمر الحوار الوطني السوري في الأمم المتحدة، فيما أكد استعداد موسكو للمشاركة في مفاوضات سلام حول سورية على جميع الأصعدة، معتبرا أن “غياب بعض المجموعات من المعارضة السورية عن مؤتمر سوتشي ليس كارثة”.

من جانبه، قال دي ميستور إن تشكيلة اللجنة الدستورية ستكون واسعة إلى أقصى حد ممكن، “فيجب أن تضم على الأقل، ممثلي الحكومة والمعارضة الذين يشاركون في مفاوضات جنيف، وخبراء سوريين وممثلين عن المجتمع المدني السوري، إضافة إلى ممثلي العشائر والنساء، والتمثيل الملائم للمكونات العرقية والدينية”.

ولفت إلى أنه سيتم تشكيل اللجنة “في أسرع وقت ممكن، فسورية لا يمكن أن تنتظر”.

وفي تصريحات صحافية، قال دي ميستورا إنه ينوي إجراء مشاورات مع عدد واسع من الجهات الفاعلة، بما فيها ممثلو المعارضة الذين تغيّبوا عن مؤتمر سوتشي، على أن يعدّ – بناء على نتائج هذه المشاورات – قائمة “من 45 إلى 50 شخصا” سيدخلون في اللجنة الدستورية المزمع تشكيلها.

وحسب مصادر عدة، فإن دي ميستورا تلقّى، خلال مؤتمر سوتشي، قائمة تضم نحو 150 شخصا مرشحين من جانب روسيا والنظام السوري للمشاركة في اللجنة الدستورية، على أن يقوم هو بالاختيار النهائي لأعضاء اللجنة.

وقالت مصادر لـ”العربي الجديد” إن المبعوث الدولي قد يختار مجموعة إضافية تعمل بالتنسيق مع مكتبه، لرفد المجموعة الرئيسية الرسمية، بما يصل إلى 25 اسما إضافيا.

وحسب هذه المصادر، فإن معظم المرشحين ليكونوا في عضوية اللجنة وتم تسليم أسمائهم للمبعوث الدولي، جرى اختيارهم في دمشق، ومنهم صفوان قدسي ومحمد ماهر قباقيبي وأحمد كزبري وسحر سرميني وجمال قادري والممثل زهير رمضان وأيمن الأسود وهيثم مناع.

العربي الجديد

 

 

 

ورقة “الخمس” السورية.. دلالاتها وأثرها على مسار سوتشي/ عامر راشد

إستراتيجية جديدة

رسائل متعددة

إشكاليات كبيرة

حملت الأيام القليلة الماضية تحولاً مهماً في السياسة الأميركية بشأن الملف السوري والمنطقة عموماً؛ بدأ بكشف وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون عن عزم واشنطن الاحتفاظ بوجود عسكري لأجل غير مسمى في سوريا، في إطار إستراتيجية أوسع تشمل العراق وأفغانستان، “لمنع عودة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)”.

وكان لافتاً ربط تيلرسون هذا الهدف بهدف آخر -فيما يخص سوريا- وهو “تمهيد الطريق أمام مغادرة الرئيس بشار الأسد السلطة في نهاية المطاف”، وفُهم من ذلك أن إدارة دونالد ترمب بصدد إطلاق إستراتيجية جديدة تعيد بها الولايات المتحدة انخراطها في الملف السوري، بعد سنوات من سياسات التردد والانكفاء التي انتهجتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.

إستراتيجية جديدة

الخطوط العامة للإستراتيجية الأميركية الجديدة بخصوص سوريا كشفت عنها ورقة الدول الخمس (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسعودية والأردن)، أو ما اصطُلح على تسميتها -في الورقة ذاتها- بـ”المجموعة الصغيرة”.

فأهمية هذه الورقة -دون الانتقاص من مكانة الدول الأربع الأخيرة- تكمن أولاً في أن الأميركيين هم من عملوا على صياغتها، كتطبيق عملي للتغيرات التي اعتمدتها إدارة ترمب على المستوى الإستراتيجي بدفع من جنرالات البيت الأبيض، وأظهرت جدية في التعامل معها -حتى الآن- لجهة الخطاب السياسي والتحرك على الأرض.

وهي تعبير عن أحد المحاور المهمة في السياسة الخارجية، يتشابك مع العديد من الملفات المهمة الأخرى إذا لم نقل الأهم، وفي مقدمتها ملف العلاقة مع روسيا والملف الإيراني وارتباطه بملفيْ العراق واليمن.

الورقة حملت عنوان “ورقة غير رسمية بخصوص إحياء العملية السياسية في جنيف بشأن سوريا”، وجاء في ديباجتها: “تناقش هذه الورقة المنهجية التي ستكون عليها عملية المفاوضات في جنيف استناداً إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254، مع التركيز بشكل مباشر وفوري على مناقشة إصلاح الدستور وإجراء انتخابات حرة ونزيهة”.

إلا أن الورقة -في جوانب عديدة منها- تثير أسئلة أكثر مما تقدم إجابات حول منهجيتها وبنودها، رغم أنها أُدرِجت تحت مسمى توصيات “غير رسمية”، وقُدمت إلى مبعوث الأمم المتحدة في سوريا ستيفان دي ميستورا لوضع مسار للمحادثات المستقبلية في جنيف.

أول الأسئلة التي أثارتها الورقة يتعلق بتوقيت الإعلان عنها بالتزامن مع الجولة التاسعة من المفاوضات السورية، التي جرت استثناء في فيينا بسبب استضافة جنيف لـ”منتدى دافوس”، كما أن التوقيت جاء على أبواب انعقاد مؤتمر سوتشي.

في الجزئية الأولى؛ وجَّهت الورقة نقداً لاذعاً لأداء دي ميستورا دون أن تسميه صراحة، بتأكيدها -في الفقرة الأولى- أن العملية التفاوضية بقيادة الأمم المتحدة لم تحقق أي شيء يذكر منذ استئنافها عام 2017، بل وأكثر من ذلك اعتبرت الورقة أن “تسميات الجولات” أثارت بلا داع توقعات بإحراز تقدم ملموس في كل جولة.

وبتزامن الورقة مع الجولة التاسعة -التي انتهت بالفشل كسابقاتها- يتضح أن أول أهداف طرحها في هذا التوقيت هو إعادة توجيه دفة المفاوضات، وتغيير منهجية عمل دي ميستورا لجهة الأولويات، كما تراها واشنطن وحلفائها في “المجموعة الصغيرة”.

وفي الجزئية الثانية -ربطاً بتوقيت إصدارها قبل أيام من انعقاد مؤتمر سوتشي- حملت الورقة رسالة إلى موسكو، مفادها أنه لا يمكن لروسيا أن تشق عبر مؤتمر سوتشي مساراً خاصاً كبديل عن مسار جنيف. ولا يمكنها الإبقاء على استفرادها بالملف السوري، بل عليها إعادة حساباتها بعد أن قرَّرت إدارة ترمب الانخراط في مختلف جوانب الملف السوري.

رسائل متعددة

وكحصيلة مباشرة للورقة؛ ساعد توقيت طرح الورقة في اتخاذ “هيئة التفاوض” قرارها بمقاطعة مؤتمر سوتشي، وبانضمام “هيئة النسيق” للمقاطعة، واعتذار واشنطن وباريس عن عدم المشاركة بصفة مراقب، ففَقَدَ المؤتمر زخمه الذي كان مفترضاً، وراهنت موسكو حتى اللحظة الأخيرة من التحضيرات على إمكانية تحقيقه.

هناك رسالة أخرى لا تقل أهمية عن الرسالة الأولى أرادت واشنطن وحلفاؤها في “المجموعة الصغيرة” إيصالها لروسيا وإيران وربما لتركيا أيضا، وبالطبع للسوريين المشاركين في مؤتمر سوتشي؛ وهي تحذير الورقة من أن عملية إعادة إعمار سوريا ستتم “عندما يكون هناك انتقال سياسي شامل”، عبر مفاوضات تعتمد القرار رقم 2254 و”بقيد تنفيذ بيان جنيف2012، مثلا عند بناء بيئة محايدة”.

ووجهت الورقة بذلك ضربة قاصمة للوثيقتين الأولى والثانية التي أعدتهما موسكو لتكونا مخرجات لمؤتمر سوتشي، وهما “البيان الختامي” و”نداء سوتشي”؛ فقد وضعت “المجموعة الصغيرة” ثمانية أسس وضوابط بشأن “مضمون الدستور الجديد أو نصه الفعلي أو الإصلاح الدستوري”، تنسف الأسس التي اعتمدتها مسودة “البيان الختامي” لمؤتمر سوتشي بمبادئه الاثني عشر.

كما أن اشتراطات “المجموعة الصغيرة” لإعادة الإعمار” تُفقد “نداء سوتشي” أي قيمة عملية، حيث إن النقطة المحورية فيه هي “إعادة الإعمار”، وهي مهمة لا يمكن لروسيا أن تنهض بها دون تعاون المجتمع الدولي.

وبقليل من التدقيق؛ يلاحَظ أن السياق الذي قدمت فيه “المجموعة المصغرة” ورقتها يعطي انطباعاً بأن الهدف منها هو دعم عملية المفاوضات في جنيف، وقطع الطريق أمام أي قنوات تفاوضية موازية، غير أن المبادئ التي اعتُمدت في الورقة تجعل رؤيتها لمنهجية عملية المفاوضات في المرحلة القادمة رؤيةً إشكالية.

فرغم الحديث في ديباجة الورقة عن أن “المفاوضات في جنيف ستكون استناداً إلى قرار مجلس الأمن الدولي 2254، مع التركيز بشكل فوري ومباشر على مناقشة إصلاح الدستور، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة”؛ فإننا نجد أن الورقة لا تثبّت تفسيرات سبق أن قُدّمت في مواجهة تفسيرات موسكو والنظام السوري للقرار 2254، بل تقدم تفسيرات جديدة لبعض بنود القرار يرقى بعضها إلى تعديل جوهري في منطوقه.

ففي فقرة “مناقشة الدستور في محادثات جنيف”؛ تحدد المبادئُ المقدمة على شكل توصيات -بشكل مفصل- المخرجاتِ التي يجب أن تخرج بها مفاوضات جنيف بشأن مضمون الدستور، فيما يخص “الصلاحيات الرئاسية، الحكومة، البرلمان، القضاء، لا مركزية السلطة، الحقوق والحريات الأساسية، إصلاح قطاع الأمن، الانتخابات”.

إشكاليات كبيرة

وتبرز إشكالية كبيرة في بندين: الأول البند المتعلق بالبرلمان والذي نص على أن “يتكون البرلمان من مجلسين، يكون ممثلاً في مجلسه الثاني من كافة الأقاليم، للتأثير على عملية صنع القرار في الحكومة المركزية”. والبند الثاني المتعلق بـ”لا مركزية السلطة/ موازنة المصالح الإقليمية”، وينص على “منح سلطة واضحة للحكومات الإقليمية استناداً إلى مبادئ اللامركزية/ تفويض السلطة، مع العمل بمبدأ فصل السلطات أيضاً”.

والإشكالية هنا أن النصين مبهمان مما يجعلهما عرضة للالتباس؛ فهل المقصود منهما تحويل نظام الحكم في سوريا إلى نظام فدرالي؟ وهل هذان البندان بوابة لإقامة كيانات اثنية وطائفية تحت مسمى أقاليم؟ وهذا السؤال المركّب يُطرح من قبل النظام والمعارضة معاً، وبشكل يثير حفيظتهما على حد سواء.

ويلاحظ أن الورقة اجتزأت البند الأول من فقرة المبادئ والخطوط التوجيهية في “بيان جنيف1″؛ حيث اكتفت بالتأكيد على أنه “في مرحلة من عملية الإصلاح، ستكون هناك حاجة إلى تغييرات ملموسة في نظام الحكم لتهيئة بيئة آمنة..”، بينما ينص بيان جنيف1 على “إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تهيئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية، وأن تمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذية”.

أي أن “المجموعة الصغيرة” أسقطت في ورقتها مطلبَ “إقامة هيئة حكم انتقالية”، مما قد يُفسَّر بأنه موافقة ضمنية على استمرار نظام حكم الأسد في المرحلة الانتقالية، الأمر الذي سيثير مخاوف المعارضة بصرف النظر عن مقولة “إن مجمل المبادئ الواردة في الورقة تضمن عملياً الوصول إلى تهيئة بيئة آمنة، لا سيما أن العملية برمتها وُضعت بيد الأمم المتحدة”.

وهذه بحد ذاتها أيضاً ستكون قضية خلافية، وفقاً لما ورد في القرار 2254 الذي أعرب فيه مجلس الأمن “عن دعمه لعملية سياسية بقيادة سورية تسيّرها الأمم المتحدة…”.

وفي الفقرة الأخيرة من ورقة “العناصر التي تساهم في بيئة آمنة ومحايدة” تمت صياغة البند (أ) بطريقة حمّالة للأوجه، بالحديث عن “مشاركة الأطراف السورية الحقيقية في مفاوضات جنيف، خاصة في القضايا الدستورية”.

ومن شأن هذه الصيغة أن تثير حفيظة النظام والمعارضة من زاويا مختلفة، وحفيظة تركيا أيضاً كطرف إقليمي لا يمكن تجاوز دوره في الملف السوري، بما في ذلك موقفه من تمثيل “حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي”، الذي تصنفه أنقرة على أنه “النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني”.

وأخيراً؛ فإن إبعاد تركيا عن “المجموعة الصغيرة” -بصرف النظر عن الحجج التي سيقت لتبرير ذلك- ربما يدفع الحكومة التركية لاتخاذ موقف سلبي من الورقة، وإيجاد مقاربات مع روسيا وإيران لتعطيلها، في مناورة للضغط على واشنطن وحلفائها في “المجموعة الصغيرة” لأخذ الاشتراطات والملاحظات التركية بعين الاعتبار.

ناهيكم عن أن الورقة لن تمرّ بسهولة دون تفاهمات مع روسيا، وثمن ذلك معروف أيضاً، وهذا يرجِّح أن الورقة ستخضع لعمليات مساومة قد تطول، ومن المقدَّر لها أن تؤثر سلباً على العملية التفاوضية في المدى المباشر.

فغياب دور الولايات المتحدة وحلفائها خلال السنوات السبع الماضية أحدث وقائع على الأرض استغلتها روسيا لإحكام قبضتها عسكرياً وسياسياً في سوريا، ولا يُمكن تجاوزها بمجرد إظهار واشنطن عزمها العودة بقوة إلى الملف السوري.

جميع حقوق النشر محفوظة، الجزيرة

2018

 

 

 

 

 

لغز سوتشي في قلب القيصر الروسي/ فاروق يوسف

مؤتمر سوتشي كان غامضا من حيث الهدف منه حتى بالنسبة للمشاركين فيه. أما بالنسبة لمَن قاطعه من السوريين فإن الأمور أخذت منحى لا علاقة له بحقيقته. لقد سجل المقاطعون نقطة في المكان الخطأ. ذلك لأن حضورهم، لو أنهم حضروا، كـان من شأنه أن يكون شبيها بحضور الآخرين، مجردا من أيّ قيمة تُذكر كما أن غيابهم لم يؤثر في شيء.

كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد خطط لمؤتمره في المنتجع الروسي ليكون مظلة تحتمي بها شعوب سوريا بعيدا عن المفاوضات الأممية التي لم تُفض حتى اللحظة إلى نتيجة تبشر بشيء من الأمل. لم يكن الغرض من لقاء سوتشي أن يكون بديلا لجنيف كما فهم البعض من المعارضين. من السذاجة التفكير في أن يوما واحدا من مهرجان احتفالي تحضره شخصيات لا خبرة لها بدهاليز السياسة وألغازها يمكن أن يحقق اختراقا عجزت منظمة الأمم المتحدة عن تحقيقه في أوقات سابقة.

لم يكن اليوم السوري في سوتشي ماراثونياً.

فما من أحد ينتظر شيئا لافتا ومرئيا. بوتين نفسه لن يكون جادا في الإجابة على سؤال من نوع “ما الذي يمكن أن يربحه السوريون من ذلك اليوم المعقّد والطويل والمليء بالخطابات المتناقضة؟”.

وإذا ما كان هناك مَن خفّض من سقف التوقعات فلأنه وقع في الفخ. ذلك لأن مؤتمر سوتشي كان من غير سقف. ولكنه لم يكن خطة عبثية إذا ما وضعناه في مكانه التاريخي. وهو ما يعني استبعاد فكرة أن ينحصر المؤتمر في حدود البحث عن حل للمسألة السورية. ما يفكر فيه بوتين هو شيء، وما يفكر فيه السوريون هو شيء آخر. وليس لزاما على بوتين أن يفكر نيابة عن سوريي الحكم والمعارضة معا.

ما أنجزته روسيا على الأرض في سوريا في وقت قياسي عجز الغرب كله (الولايات المتحدة ووكلاؤها في المنطقة) عن إنجازه.

لا أحد في إمكانه أن ينكر أن روسيا حسمت الصراع الدامي والكارثي في سوريا لصالحها لا من خلال الإبقاء على الحكومة السورية في دمشق فحسب، بل وأيضا، وهذا هو الأهم، من خلال احتواء سوريا باعتبارها منطقة نفوذ أساسية لها في المنطقة. ولو لم يكن ذلك هو الهدف لما نسقت روسيا مع إسرائيل بما يضمن أمن الدولة العبرية وتحييدها في الصراع.

كان ذلك التمهيد مهما من أجل أن يعلن فلاديمير بوتين رعايته لشعوب سوريا.

لذلك لم يكن حضور المعارضة والحكومة ضروريا في مؤتمر سوتشي.

فكرة يسيرة لم يفهمها المعارضون الذين وصلوا إلى مطار سوتشي واعترضوا على وجود علم سوريا في شعار المؤتمر.

لو لم يكن ذلك العلم موجودا لكانوا جزءا من الطبخة.

ولكن ذلك الاعتراض لا يمثّل بالنسبة للروس إلا أمرا ثانويا. لم يكن المعترضون إلا رقما ناقصا يمكن تعويضه أو نسيانه.

فالهدف من ذلك المؤتمر سيظل غامضا. غير أن التكهن الأقرب إلى الواقع يمكن أن يدلنا إلى حقيقة أن بوتين أراد من خلال ذلك المؤتمر أن يعلن سيادته على سوريا من خلال اعتراف شعوبها بذلك.

أكان الرئيس الروسي في حاجة إلى توقيع المعارضة على بيانه؟

يمكن لبوتين أن يستغني عن جميع الأطراف بما فيها الحكومة السورية. فالصراع الذي خاضه الروس ولا يزالون لا يتعلق بتحديد مَن يحكم سوريا، أو الكيفية التي يتم من خلالها ذلك الحكم. تلك الأمور وإن شكّلت جوهر الصراع السوري – السوري فإنها بالنسبة للروس جزء من الماضي الذي تم طي صفحته.

ما يفكر فيه الروس يتعلق بمستقبل وجودهم في روسيا. وهو ما دعا الرئيس فلاديمير بوتين إلى استقدام ممثلي شعوب سوريا، حسب تعبيره، لتقديم البيعة من خلال الاعتراف به رجل الحل الذي كان مستحيلا.

لقد أساء المعارضون فهم سوتشي حين اعتبروه خطوة منحرفة في طريق التفاوض.

كاتب عراقي

العرب

 

 

 

 

 

 

سوق الحميدية في سوتشي؟/ راجح الخوري

ماذا كان في وسع فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان أن يقولا صباح الأربعاء الماضي، غداة انهيار الآمال التي علقتها موسكو على مؤتمر سوتشي؟… هل يقولان إن الأمر كان بمثابة خيبة كبيرة؟… لا طبعاً؛ لهذا كان كافياً القول إنهما مرتاحان لنتائج المؤتمر.

مرتاحان، لكن عن أي نتائج نتحدث، وهل كان هناك من نتائج تدعو إلى الارتياح، إذا كان كل ما توصل إليه المؤتمر هو تشكيل ما سُمي «لجنة دستورية»، لن يكون من مهمتها وضع دستور جديد للبلاد، يمكن أن يحيي مسألة الانتقال السياسي التي عطّلها سيرغي لافروف منذ البداية في مؤتمر «جنيف – 1» في 30 يونيو (حزيران) من عام 2012، بل محاولة «إصلاح» أو «تعديل» الدستور، وحتى هذا قيل إن أوساط وفد النظام في سوتشي رفضته قائلة إن الأمر لن يتعدى «مناقشة» الدستور، بما يعني عقد حلقات للنقاش المجوّف طبعاً!

ليس من المبالغة القول إن كل الآمال التي أطلقتها موسكو في مؤتمرات آستانة الثمانية، مؤكدة أن مؤتمر سوتشي يمكن أن يتحوّل محطة حاسمة تضع أساس الحل للأزمة السورية المتمادية، وخصوصاً أن بوتين قبل أشهر أعلن أنه سيكون «مؤتمر الشعوب السورية»… كل هذه الآمال قد انهارت الآن، عندما وقف مبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لافرينتيف ليعلن عن النتائج الهزيلة للمؤتمر: تمت الموافقة على ثلاث وثائق، وهي البيان الختامي للمؤتمر، وأسماء المرشحين للجنة مناقشة الدستور (سيكون عددهم 150، بما سيعني استحالة تحقيق أي تفاهم بينهم قبل سبع سنوات أخرى من العراك) ومطالب المشاركين، التي ستذهب إلى الاستيداع لدى ستيفان دي ميستورا، في محاولة مكشوفة لإعطاء غطاء الشرعية الدولية إلى أعمال المؤتمر!

كانت موسكو تريد إعطاء مؤتمر سوتشي حجماً بانورامياً عندما وجّهت الدعوات إلى 1600 شخص، حضر منهم 1511، وكانت النسبة الغالبة من الذين حضروا من مؤيدي النظام وحزب البعث ومنصتي موسكو والقاهرة، في حين رفضت عشرات الفصائل المعارضة وهيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية الحضور، في وقت أعلنت فيه الإدارة الذاتية الكردية مقاطعة سوتشي، متهمة روسيا وتركيا بالاتفاق على الهجوم الذي تتعرض له عفرين!

حاولت أنقرة المساعدة في إنقاذ الوضع عندما دفعت وفداً من المعارضة التي تدعمها للذهاب إلى سوتشي، في حين كان قد تم استئخار افتتاح المؤتمر في انتظار وصول هذا الوفد المؤلف من مائة شخص، لكن رئيس الوفد أحمد طعمة ورفاقه رفضوا فور هبوطهم في مطار سوتشي الذهاب إلى المؤتمر وعادوا إلى أنقرة، اعتراضاً منهم على الأعلام والشعارات واليافطات المرفوعة التي ترمز إلى النظام والتي كان الروس وعدوا بإزالتها.

لكن الأتراك تلقوا صدمة بدورهم عندما اكتشفوا مثلاً أن بين الحضور المدعو باسم كيالي رجل النظام الذي يرأس «جبهة تحرير لواء الإسكندرون» والمتّهم بتنفيذ عمليات إرهابية منها مجزرة بانياس عام 2013، والإعدامات التي نفذها في منطقة البيضا.

لكن خيبة من نوع مختلف كانت قد أصابت بوتين عشية عقد المؤتمر، بعدما تأكد أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وحتى الأمم المتحدة لن تشارك في سوتشي، الذي أراد أن يحوّله منصة دولية تعطي موسكو دوراً محورياً في سوريا، يرسّخ نفوذها المتصاعد في المنطقة؛ ولهذا قرر ألا يحضر شخصياً المؤتمر وكلف سيرغي لافروف تمثيله، وعلى هذا كان من اللافت أن دي ميستورا كان يجلس في قاعة جانبية عند بدء الجلسات!

طبعاً، ليس من الواضح كيف تصوّرت موسكو أنه وسط هذه التعقيدات يمكن إنجاح مؤتمر فضفاض يحضره 1511 شخصاً، منهم 107 من المعارضة الخارجية، والباقون من مؤيدي النظام، يقوم بمعالجة مشكلة متداخلة دموية معقدة وطويلة، تنسحب عليها وفوقها حسابات وتقاطعات إقليمية ودولية، وتتداخل فيها رهانات متناقضة وحتى متصارعة ضمناً، على ما يحصل مثلاً بين موسكو وطهران، وبين طهران وأنقرة، وبين هذه العواصم الثلاث التي قيل إنها «ضامنة» وقف النار التي لم تتوقف!

وهكذا، عندما صعد لافروف إلى المنصة ليلقي خطاباً نيابة عن بوتين دبت الفوضى وغرقت القاعة في هرج ومرج، عندما وقف بين الحضور عدد يصرخون متّهمين موسكو بقصف السوريين وقتلهم، ووقف آخرون يشيدون بالتدخل الروسي، ووسط ضحكات لافروف الصفراوية قالت الوكالات إن أحدهم وقف صارخاً: «هذه سوق الحميدية وليست مؤتمراً يحل الأزمة السورية»!

كل ما أنتجته سوتشي هو الحديث عن تشكيل لجنة دستورية ليس من الواضح أين تبدأ وأين تنتهي مهماتها كما قلنا، بدليل أن مؤيدي النظام يعتبرون أن الأمر يقف عند حدود المناقشة دون التطرّق إلى التعديل أو الإصلاح؛ ولهذا يبدو دي ميستورا أمام مهمة مقفلة سلفاً بعدما دعاه البيان الختامي إلى المساعدة في إنجاز أعمال هذه اللجنة في جنيف!

لكن العودة إلى جنيف لن تكون وفق دفتر شروط سوتشي، وخصوصاً بعدما تعمّدت واشنطن وبريطانيا وفرنسا عدم الحضور، وبعدما أعلن وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان يوم الثلاثاء، في وقت متزامن مع بداية مؤتمر سوتشي أن «حل الأزمة السورية هو من خلال حلٍ ترعاه الأمم المتحدة في جنيف، وأن فرنسا تنظر إلى هذا بصفته هدفاً ضرورياً ومباشراً، والحل لا يأتي من سوتشي، بل يجب أن يأتي من الأمم المتحدة»!

في أي حال، إن العودة إلى الأمم المتحدة وجنيف هي عودة مباشرة إلى «عقدة عملية الانتقال السياسي» التي نجح لافروف في دسها ونسف «جنيف – 1» عام 2012 عندما اختلف مع هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية حينها، على مبدأ خروج الرئيس بشار الأسد من السلطة، وعلى التفسير السياسي العملي والواضح لشعار الانتقال السياسي الذي يرفضه النظام منذ مهمة كوفي أنان ونقاطه الست، إلى الأخضر الإبراهيمي ومهمته المستحيلة، إلى دي ميستورا الذي وصل حاملاً خريطة تقترح وقفاً تدريجياً للنار يبدأ من حلب… لكن يا حصرماً رأيته في حلب!

عشية سوتشي، وتحديداً قبل أربعة أيام من افتتاحه، قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: إن الولايات المتحدة كانت ولا تزال حتى الآن تحدد عزل الرئيس بشار الأسد هدفاً لها، ونحن مقتنعون بأن هذا يخالف القانون الدولي ولا يسهم في التسوية السياسية، لكن ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركي كرر عشية مؤتمر سوتشي أن الأسد لن يبقى في السلطة؛ ولهذا فإن احتفالية الصخب الروسية من آستانة إلى سوتشي ليست أكثر من محطات على درب الآلام السورية… مفهوم؟

الشرق الأوسط

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى