صفحات الرأيوائل السواح

مشروعية تخوف علمانيي سورية من هيمنة الإسلاميين


وائل السواح *

هل ينبغي للعلمانيين والليبراليين السوريين أن يقلقوا من احتمال وصول الإسلاميين إلى السلطة في حال سقوط النظام السياسي بعد الانتفاضة العارمة التي يقوم بها السوريون هناك؟

ثمة مؤشرات تقود إلى الجواب بـ: نعم. ففي مصر وتونس والمغرب فازت القوى الإسلامية بالغالبية النيابية التي تتيح لها أن تحكم، وربما تعدِّل الدستور وتقوم بوضع دستور جديد على أساس الشريعة الإسلامية، بينما يتوقع في الجزائر أن تضاعف الأحزاب الإسلامية مقاعدها إلى المثلين في الانتخابات البرلمانية التي ستجرى العام المقبل.

ويبدو أن التناقض بين الخطاب الإسلامي المعتدل (البراغماتي أحياناً) الذي يقدم في بعض الدول العربية لا يصمد كثيراً أمام الواقع. ففي تونس، أفضل الأمثلة بين أيدينا، يبدو خطاب راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الذي فاز بأعلى نسبة في الانتخابات النيابية، معتدلاً بحق، حتى أنه يقول إنه مع حرية تغيير العقيدة والدين للأفراد. ومع ذلك، نجد أن الخناق يُضَيَّق على المفكرين العلمانيين والفنانين والمثقفين والنساء. وقام إسلاميون سلفيون باحتلال مباني كلية الآداب في الجامعة التونسية، للمطالبة بتمكين المنقبات من الجلوس للامتحانات، وتخصيص مسجد في حرم الجامعة، والتفريق بين الطلاب الإناث والذكور، وعدم السماح للنساء بتدريس الرجال. حدث ذلك من دون أن يقوم الغنوشي بإدانة هذا الاحتلال، على رغم رمزيته الكبيرة. فكلية الآداب المركز الحقيقي للعقلانية التونسية التي ميزت هذا البلد فكرياً على مدى العقود السابقة.

وفي ليبيا، كان أول تصريح أدلى به مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي هناك بعد سقوط القذافي أن ليبيا الجديدة ستعيد القانون الإسلامي الذي يسمح بتعدد الزوجات. وفي مصر، كرر الإخوان مراراً أثناء الانتفاضة المصرية أنهم يؤيدون دولة مدنية ديموقراطية. ولكنهم سرعان ما أخذوا يتنصلون من تعهدهم بإعادة تفسيرهم لمفهوم الدولة المدنية الديموقراطية. والتنصل مارسته رموز إخوانية معتدلة كعبد المنعم أبو الفتوح ومحمد سليم العوا، عندما طرحا فكرة الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية. ولعل السادة في تنظيم الإخوان سيجدون صعوبة في تفسير كيف تكون الدولة مدنية بمرجعية إسلامية. لقد استُخدم تعبير دولة مدنية كنوع من التواطؤ بين الليبراليين والإسلاميين خلال الثورات. فمن جانب قبِِل الليبراليون به كبديل عن مصطلح الدولة العلمانية التي تسبب ضيق صدر للإسلاميين وأنصارهم عموماً. ومن جهة قبل الإخوان هذه الفكرة كبديل مخفف عن مفهوم الدولة الإسلامية الذي أصبح يشكل عبئاً، والذي يصعب استحضاره من دون تذكّر التجارب المرة في أفغانستان والسودان والصومال وغزة. وقد فُهِم ضمناً من استخدام المصلح أنه يدل على دولة ديموقراطية أولاً، تقوم على مبادئ المدنية، مقابل الأسس العسكرية والإكليروسية، وتستند أساساً على مفهوم المجتمع المدني الذي يمكن أن يشكل كفة التوازن مقابل سلطة الدولة. ومن هنا ينبغي أن تحترم هذه الدولة الحريات الفردية، بما فيها حرية الاعتقاد والتعبير، ولا تقوم بالتضحية بحرية الأفراد على مذبح الجماعة (الشعب، الجمهور، الطائفة، إلخ). فكيف، والحال هذه، تكون الدولة المدنية ذات مرجعية إسلامية؟

مجرد الربط بين المفهومين يقوض فكرة مدنية الدولة لأنه سيقوض فكرة المواطنة القائمة على المساواة، باستبعاد كل من هو غير مسلم، بل استبعاد المسلمين الذين لا يقبلون بالإسلام كمرجعية لهم في الحياة الدنيا.

وأيضاً في مصر، تدور الآن دعوات إلى تحريم بيع المشروبات الكحولية وملابس البحر، كما يعبر كثير من المصريين عن خشيتهم من الاعتداء على المسيحيين خصوصاً بعدما أعلن ياسر برهامي أحد أكبر قادة السلفيين أن «اليهود والنصارى كُفار». وكانت ثالثة الأثافي إعلان سلفيين عن تشكيل «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمصر».

في سورية، يتبنى الإخوان خطاباً معتدلاً ويتفقون مع الليبراليين على مفهوم الدولة المدنية. ولكن يجدر الانتباه إلى أن الإخوان أنفسهم لم يسعوا إلى تغيير برنامجهم السياسي الذي أقروه في 2005، والذي يدعو إلى «الهوية العربية الإسلامية للمجتمع السوري،» وإلى أن «دين الدولة الإسلام». ولا تزال المرجعية السياسية للإخوان السوريين تستند إلى قاعدة أساسية وهي أن «الله سبحانه وتعالى قصر الحكم عليه وحده»، وهي تقصر كل التشريعات البشرية على اجتهادات يمكن للمسلمين تقديمها فقط من خلال تلك الأحكام بواسطة «الاجتهاد من خلالها والبناء عليها». أما المواطنة في الوثيقة الإخوانية فـ «انتماء شرعي يقوم على أساس هويتنا الإسلامية،» وهي تدعو إلى «أسلمة القوانين تدريجياً»، لاعتقاد محرر الوثيقة أن «الشريعة المنزلة من عند الله رحمة للعالمين أرفق وأحكم وأرعى لمصلحة الناس أجمعين». وبذلك يرجع المشروع الإخواني إلى المربع الأول. فمَنذا الذي يمكنه بعدئذ أن يقول عكس ما جاء به المشروع الإخواني «الحضاري» من كلام منزل لا مجال لمناقشته؟

أضف إلى ذلك أن الإخوان لا يشكلون جميع الإسلاميين، بل يمكن أن يبدوا أكثر اعتدالاً من كثير من إسلاميين ظهروا أو سيظهرون على الساحة السياسية. ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بعدد الأحزاب التي سيفرزها الشارع السوري في المستقبل. ولا يبدو المثال الذي يقدمه مشايخ يظهرون على قنوات فضائية أصولية مثالاً مشرقاً، يمكن استخدامه لتبيان اعتدال المسلمين. وأخيراً يأتي نائب سابق في مجلس الشعب ليهدد في شريط مصور طائفة سورية بعينها بالعقوبة الجماعية بعد سقوط النظام، ليعطي دليلاً جديداً على موقف فئة من الإسلاميين من سورية المستقبل.

كل ما سبق يجعل من المفهوم التخوف الذي يبديه العلمانيون والليبراليون من أن تكون سياسة الإسلاميين السوريين مجرد وسيلة للوصول إلى الحكم، عبر انتخابات تقوم على أساس ديموقراطية المرة الواحدة. ولذلك نرى كثيرين منهم يصرون على التوصل إلى مبادئ أولية وأساسية لا تخضع لتصويت أو تقبل تبديلاً، مبادئ تلغي فكرة الأكثرية والأقلية في ما خص حقوق الإنسان كما نص عليها العهد-الشرعة الدولية والحريات الأساسية ومسألة المساواة التامة بين جميع السوريين بغض الطرف عن الجنس أو الدين أو الانتماء القومي. فكما أن حق الحياة لا يمكن التصويت عليه، وكما أن قانون عودة العبودية لا يمكن أن يدرج على جدول أعمال أي برلمان، فالتفكير والاعتقاد والتعبير والتجمع حقوق أولية وأساسية، لا يمكن أن تخضع لتصويت أو استفتاء. والاتفاق على هذه المبادئ عامل أساس في وضع تصور لسورية ديموقراطية حقيقية، فإذا تم الاتفاق عليها، يمكن لصندوق الاقتراع، وقتها، أن يحدد من الذي يحكم البلاد لأربع سنوات مقبلة.

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى