صفحات سوريةمنذر بدر حلوم

مائدة الفصل السابع وكأس روسية فارغة!


منذر بدر حلوم *

يشي سير الأحداث والعمليات السياسية المواكبة لكل المشاريع التي طرحت لحل الأزمة السورية بأن الخطط كانت توضع لكي تفشل وأن ما بعد هذه الخطط هو المطلوب.

في وقت مبكر جداً من عمر الثورة السورية بدأ السير على خطى ليبيا، من تغيير علم البلاد، إلى تشكيل الجيش الحر، مروراً بلواء الضباط الأحرار وعديد الكتائب، إلى شعارات العسكرة وطلبات الحظر الجوي والمنطقة الآمنة والممرات الإنسانية، إلى تسميات الجيش النظامي بكتائب الأسد، إلى تشكيل أصدقاء سورية ومؤتمراتهم ودورهم في تعزيز مشروعية بنية سياسية على حساب أخرى وما قد يتخذونه من توصيات تمهّد للخيار الذي أُفشلت من أجله المبادرات، إلى قرار مجلس وزراء جامعة الدول العربية الصادر اليوم (2 حزيران/يونيو 2012)، على غرار القرار الذي حسم أمر ليبيا ومهّد لاتخاذ قرارٍ تحت الفصل السابع سمح بالعمليات العسكرية ضد الجيش الليبي، بل ضد ليبيا.

هل يعني ذلك وجود جهات أخرى غير النظام السوري المطلوب هزيمته وزواله يساهم في إفشال المبادرات؟ النظام السوري، بالتأكيد، مسؤول قانونياً وأخلاقياً عما يجري في البلاد من قتل وخراب. فما وصلت إليه البلاد جاء نتيجة حتمية لمواجهة الاحتجاجات الشعبية بطريقة أمنية عسكرية بالغة القسوة والوحشية. ولكن تعقيدات الوضع وتعدد مرجعيات الأطراف الفاعلة المختلفة فيه تفيد بوجود جهات أخرى يمكن أن تساهم في إنجاح أو إفشال مبادرة ما من المبادرات بدرجة غير قليلة الأهمية.

قام المجلس الوطني، وعلى الأخص القوة المسيطرة عليه (الإخوان المسلمون) بأداء يحشر الواقع السوري في الممر الليبي، ويجعله ممراً وحيداً إجبارياً. وتزامن ذلك مع أداء ديبلوماسي يصادق من يدعو إلى عسكرة الثورة وحسم الأمر مع النظام بقوة السلاح الخارجي ويعادي كل من يرى خلاف ذلك، كما تزامن مع علاقات خارجية تقوم على العداء مع روسيا والصين، بدلاً من البحث معهما في سبل أخرى تجبر النظام على التنحي وتوفر الدم السوري وتجنّب سورية الخراب ومجتمعها التفكك والاقتتال.

ومن اللافت أن تأتي المطالبة لوضع مبادرة عنان موضع التنفيذ بقوة الفصل السابع في وقت ظهرت فيه دلائل على إمكانية تمرير حل على غرار الحل اليمني، يؤدي إلى رحيل رموز النظام وحفظ البلاد. لا شك في أن مجزرة الحولة الرهيبة تدفع إلى أعلى مستويات الشعور بالخطر، وقد تدفع إلى انفعالات كبرى، ولكن هذا مفهوم أن يتم على المستوى الشعبي وليس على مستوى أصحاب القرار. فهنا يجدر استخلاص العبرة وتجنّب مجازر أكبر وأبشع قد تحصل، إذا لم تفهم تعقيدات الوضع السوري ولم توضع عبرة الحولة موضع الدرس الصحيح. فلماذا يتم استبعاد روسيا وتسفيه دورها وصولاً إلى جعلها جزءاً من المشكلة مقارنة بآخرين يوضعون موضع من يحل ويربط؟

صحيح أن مكتب بوتين وضّح بثبات موقف روسيا بتوازنه واتساقه ومنطقيته، ولكن العبارة جاءت متزامنة مع «عدم استعداد روسيا لتغيير موقفها تحت الضغط»، فهل ممارسة الضغط عليها هو الطريق الصحيح لجعلها تساهم في حل الأزمة بطريقة آمنة؟! أليس مؤشراً مهمّاً أنّ بوتين عبّر بعد ذلك عن شعور روسيا بخطر الحرب الأهلية، مما يشير إلى أن روسيا تضع موقفها من الأزمة السورية في السياق الصحيح الذي يدرك خطورة الحال وتعقيدات الوضع، ولكنه لا يقبل الاستعداء والإملاءات في الآن نفسه. وقبل ذلك، كانت لقاءات بعض الشخصيات السورية مع الجانب الروسي أفادت باستعداد روسيا للعب دور في تسوية على الطريقة اليمنية. وتم البدء بإعداد مبادرة تأخذ في الاعتبار موافقة روسيا الأولية وإمكانية موافقة الأطراف المختلفة في سورية على ما يأتي فيها. وهنا بدأ التعطيل. فالإخوان المسلمون المهيمنون على المجلس الوطني عبّروا عن عدم موافقتهم على حل (يمني)، وهذا ما يشي بموقف من طبيعة ذلك الذي تتبناه القوى الراعية والداعمة للإخوان، ويفيد بتعطيل متعدد الجوانب لهذا المسعى لا يقتصر عليهم. فالقوى التي ترعى الإخوان وتدعمهم تملك أدوات وقنوات أخرى للتأثير في الواقع السوري، وبالتالي في إمكانية تعقيده نحو الإقرار بعدم صلاحية الخيار اليمني. ومن جهة أخرى، وفي خطوة يمكن فهمها في إطار إفشال مبادرة الحل اليمني، تم نزع المبادرة من اليد الروسية ووضعها في اليد الأميركية. ولا تُخفى على أحد حاجة روسيا إلى ورقة رابحة تعيد اليها الاعتبار على الساحة الشعبية السورية وتحفظ لها مصالحها المستقبلية. وليس أصلح لذلك من أن تكون صاحبة مبادرة لحل الأزمة السورية تنتهي برحيل رموز النظام وبانتقال سلمي آمن للسلطة وفق خريطة طريق تتفق عليها الأطراف تجنّب سورية ضريبة دم ودمار باهظة. هل تعب السوريون من الموت والخراب وضغط تأمين الحاجيات اليومية؟ نعم. وهل يقبلون بتسويةٍ تخلّصهم من النظام وتفتح أمامهم آفاق حياة آمنة؟ نعم. وهل في إمكان روسيا أن تلعب مثل هذا الدور؟ بالتأكيد. وهي على استعداد لذلك. ولكن روسيا من أجل أن تلعب هذا الدور، كان يجب أن تكون اللاعب الرئيس فيه. كان يجب أن تكون صاحبة المبادرة. كان المطلوب أن تعد المبادرة وتناقش وتوضع بين يدي الروس ليطرحوها، وليس أن توضع بالتوازي مع ذلك في أيدي لاعبين آخرين. ولكن الفعل المعطّل تم. وتم في ظرف حرج وشديد الخطورة. وبالتوازي مع ذلك يتم توظيف مجزرة الحولة لاتخاذ قرارات لا تحول دون ارتكاب مجازر أفظع منها. وكأن التاريخ الدامي للنظام مع الشعب السوري على مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية لم يكن فيه من الفظائع ما يوقظ الضمير العالمي والسياسي منه على وجه الخصوص؟

* كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى