صفحات مميزة

مابعد سقوط تل أبيض  -عرب وأكراد- نقاشات وتحليلات

تل أبيض في خرائط الأكراد/ علي العائد

إلى أي حد وجد أكراد الجزيرة السورية في تشكل دولة إسرائيل إلهاماً لهم؟

لا أحد يعرف!

هناك، كان الاحتلال البريطاني الذي سهل مهمة اليهود في إقامة دولتهم، بمساعدة من التقصير العربي الفاضح. وهنا، كان احتلال داعش للمنطقة، بعد تواجد شكلي لنظام بشار الأسد، وتواجد فعلي ومثير لشكوك بقية مكونات الشعب السوري من قبل قوات حماية الشعب “الكردية”.

لا توجد مصادر كردية، أو عربية، تنفي، أو تؤكد، هذا التشابه الظرفي بين بدايات التفكير بإقامة دولة إسرائيل في القرن التاسع عشر، وبين الظروف الحالية التي يستغل فيها الأكراد الفوضى المستمرة منذ انطلاق الثورة السورية.

في بدايات الثورة، خرج الأكراد، مثلهم مثل باقي الثائرين على الحكم الدكتاتوري الوراثي في سوريا، وعانوا ما عاناه بقية السوريين في مناطق متعددة تكاد تغطي الجغرافيا السورية كلها.

ميز الأكراد أنفسهم، من بين بقية السوريين، بسعي مبكر إلى إثارة شكوك مواطنيهم من العرب، في الجزيرة كلها. وقابلهم العرب بحذر مبالغ فيه جعل الأعمال الانتقامية تتكرر من هذا الطرف، أو ذاك، بين فترة وأخرى. كثرت ادعاءات المظلومية من كل طرف دون أن يتمكن أحد من توثيق حوادث بوصفها تطهيراً عرقياً ممنهجاً.

وبقيت الحوادث فردية كما يصفها كل طرف منهما حين يكون متهماً.

هنالك انعدام ثقة أججه حكم البعث على مدى أكثر من خمسين سنة، وهنالك تعريب لأسماء بعض القرى الكردية. كما كان هنالك “تبعيث” لبعض أسماء القرى في الجزيرة. وتمت مصادرة أراض كردية في فترات متلاحقة بحجج لم يقبل بها الأكراد، ولم يوافقوا على أحكام التعويض التي منحتها لهم محاكم البعث (عشر ليرات سورية للهكتار). كما تشارك العرب والكرد في خضوعهم لإجراءات الإصلاح الزراعي في ستينيات القرن الماضي، حين استولى حكم البعث، وقبله حكم دولة الوحدة السورية المصرية، على جزء من أراضي كبار المُلَّاك ووزعها على من لا يملكون أرضاً.

في سردية أخرى، كانت أعداد أكراد الجزيرة تنمو بنسبة 50% سنوياً، وتفسير ذلك هو هجرة الأكراد من تركيا إلى سوريا بأعداد كبيرة. هؤلاء هم الذين كانوا يحملون هويات أجانب ويقيمون في قرى القامشلي منذ الستينيات. وفي بدايات الثورة السورية، قدم لهم بشار الأسد رشوة بمنحهم حقهم في الجنسية السورية لتحييدهم عن الثورة. نجح النظام في مسعاه جزئياً، فانصرف كثير من الأكراد للتخطيط والاستعداد للمرحلة المقبلة، والمطالبة بوضع خاص للمنطقة، أو حكم ذاتي، أو نوع من الفيدرالية، وربما دولة كردية مستقلة.

المشكلة معقدة، ولا يمكن للسلاح أن يحلها بين السوريين، من الأكراد والعرب، ناهيك عن تداخل المشكلة الكردية، إقليمياً ودولياً.

ومتابعة لما يجري الآن في تل أبيض، ستكون المنطقة هي العقدة الأكبر في مشكلة الأكراد في سوريا.

فمنذ أكثر من عامين، بدأت المواقع الإلكترونية تردد مصطلحاً جديداً على عامة العرب؛ روج آفا (كردستان الغربية). وفي الفترة القريبة الماضية، بدأ ينتشر في المواقع الكردية، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، اسم “كري سبي”، وهي المقابل العربي لاسم تل أبيض.

ما أعرفه أن والدي، وهو من مواليد عام 1939 في قرية قريبة من تل أبيض، لم يسمع باللفظ الكردي للاسم، أي كري سبي.

إذاً، المشكلة أبعد من حكم البعث، وأبعد من استقلال الدولة السورية عام 1946، ونحن أمام سردية أخرى من الجانب الكردي يعيدها باحث كردي إلى ما قبل 500 عام.

تبلغ مساحة منطقة تل أبيض (10 آلاف كيلومتر مربع). ووفق الخرائط الكردية، نصف هذه المساحة تنتمي إلى “روج آفا”، أي حوالي سدس مساحة “كردستان سوريا” (30 ألف كيلومتر مربع)، التي تمتد من القامشلي حتى لواء اسكندرونة على البحر المتوسط (اللواء يتبع لتركيا حالياً باسم ولاية هاتاي).

تل أبيض تقع في منتصف المسافة بين القامشلي واللواء، ما يعني أن كونها عربية سيشكل قطعاً في التواصل الجغرافي للمناطق التي يؤكد أكراد أنها جزء من “كردستان التاريخية”.

تتكون منطقة تل أبيض من مدينة تل أبيض التي تتبع لها ناحيتا سلوك، وعين عيسى، وتضم المنطقة 630 قرية، منها 27 قرية كردية (المعركة المقبلة في تل أبيض… والأكراد يستعدون – خليل الهملو – صحيفة الحياة – الإثنين، 15 يونيو/ حزيران 2015).

بالطبع، الخرائط تختلف من حزب إلى آخر، لكن أغلبها يجعل من سوريا وتركيا دولتين لا تتشاركان بأي حدود. أيضاً، لابد لهذه الدولة من إطلالة على بحر، والحل هو لواء اسكندرون على البحر المتوسط.

هنا، سيدخل العامل التركي في مسألة الاسكندرون، على الأقل. شكل الدولة المقترحة يضم نصف منطقة تل أبيض الممتدة 70 كم على حدود دولة أتاتورك. تل أبيض تصل بين مناطق التواجد الكثيف للأكراد في كل من سوريا وتركيا، ناهيك عن التواصل الجغرافي بين القامشلي والموصل وصولاً إلى كردستان العراق.

مرة أخرى، المسألة معقدة، ولا رأس للأكراد، أو العرب، يمكنهما من حل المشكلة، ففي القوميتين هنالك رؤوس حامية، بينما لن يجد الأكراد من يصغي لهم في الجانب التركي.

في تركيا، جرب الأكراد العمل المسلح، الذي حصد حوالي 40 ألف قتيل من الجانبين خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، دون نتيجة فعلية يمكن ترجمتها إلى سياسة. لعل بعض الأكراد يعتقدون الآن أن الفوضى في سوريا ستتيح لهم حسماً عسكرياً سهلاً يقيمون بعده دولة كردية في سوريا، أو أن ذلك سيضعهم في موضع تفاوضي مريح إذ استقرت الأوضاع وجلس العرب والكرد على طاولة السياسة.

تل أبيض، بمعظم قراها المحيطة بها، على الأقل، أصبحت خارج سيطرة داعش، الذي نفذ انسحاباً منظماً في اتجاه الرقة.

هذا التحرير لمنطقة تل أبيض من داعش أصبح مسألة أيام، وستكون مدينة الرقة معكوساً لستالينغراد بتحريرها من داعش الذي سينسحب باتجاه دير الزور والعراق.

عندها، سيسترخي المقاتلون الأكراد. ولعلنا نسمع من السياسيين الأكراد ما يخفض منسوب الشك بين القوميتين العربية والكردية في الجزيرة السورية!

موقع 24

 

 

سقوط تل أبيض يعمق الفجوة بين واشنطن وأردوغان/ ابراهيم حميدي

عمًق سقوط مدينة تل أبيض قرب الحدود السورية التركية في قبضة مقاتلي «وحدات حماية الشعب الكردي»، الفجوةَ بين واشنطن والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وعزز إمكان ربط الإدارات الكردية الثلاث في «غرب كردستان»، وزاد من قلق أنقرة من قيام كيان مماثل في شمال العراق. لكن هذا السقوط طرح أسئلة عن أسباب انسحاب «داعش» من تل أبيض من دون قتال فيما يتقدم في مناطق أخرى بينها تدمر وسط سورية.

وكان مقاتلو «وحدات حماية الشعب» دخلوا بمشاركة رمزية من «الجيش الحر» إلى المدينة من طرفها، وحاصروها وقطعوا الطريق بينها وبين الرقة معقل «داعش» في شمال شرق سورية قرب العراق. وتعتبر استعادة تل أبيض النكسة الثانية للتنظيم منذ إعلان «الخلافة» في حزيران (يونيو) العام الماضي وإزالته الحدود بين سورية والعراق، وذلك بعد خسارته مدينة عين العرب (كوباني) في الخريف الماضي.

واللافت أن «داعش» لم يقاتل بقوة للبقاء في تل أبيض، مع أن خسارته المعبر الحدودي مع تركيا يقطع خط إمداده الرئيس باتجاه مدينة الرقة. وبسيطرة الأكراد على هذا المعبر يزداد تحكمهم بالمناطق الحدودية مع جنوب تركيا، حيث يتمتع «حزب العمال الكردستاني» بزعامة عبد الله أوجلان بنفوذ كبير.

ويعود القلق التركي إلى أن مقاتلي «الاتحاد الديموقراطي الكردي» برئاسة صالح مسلم المحسوب على «حزب العمال» والمصنف على قائمة الإرهاب الأميركي، يحقق المكاسب بدعم واشنطن، إذ شكلت غارات التحالف الدولي- العربي غطاء جوياً لتقدم المقاتلين في استعادة لمعركة عين العرب. وقتذاك، ترددت أنقرة في دعم الأكراد وضبطت المساعدات العسكرية التي أرسلها رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني المقرب من أنقرة، فردت واشنطن بإلقاء الذخيرة من الجو إلى الأكراد لزيادة الضغط على أردوغان.

هذه المرة، لعبت مقاتلات التحالف دور سلاح الجو للأكراد بتنسيق بين الجانبين، ما زاد شكوك أنقرة، خصوصاً أن ذلك حصل وسط ترك «داعش» يتقدم في تدمر ومناطق أخرى، واتهامات من أنقرة وفصائل إسلامية مقربة من تركيا بحصول عمليات «تطهير عرقي» لريف تل أبيض نفذها الأكراد بتهجير العرب السنة ودفع حوالى 23 ألفاً منهم إلى تركيا، والتمسك بـ «وحدة سورية كخط أحمر» ورفض «التقسيم»، مقابل اتهام «وحدات حماية الشعب» هذه الفصائل وأنقرة بـ «تجميل صورة داعش والتهوين من إرهابه وشرعنة بقائه».

وقال مسؤول تركي لـ «رويترز»، إنه «تم إبلاغ الولايات المتحدة في كل من أنقرة وواشنطن بانزعاج تركيا مما حصل في تل أبيض، إذ يجبر التركمان والعرب على الهجرة. هناك محاولة لتعديل الوضع الديموغرافي»، فردت السفارة الأميركية في أنقرة بالقول على حسابها في «تويتر» إن التهجير حصل بسبب المعارك بين «داعش» والأكراد.

ويتقاطع قلق حكومة أردوغان وفصائل إسلامية من أن الهدف إزالة الحواجز التي تربط إقليم الجزيرة شرق سورية بإقليمي عفرين وعين العرب (كوباني) في شمالها، علماً أن «الاتحاد الديموقراطي» أعلن قبل سنة عن قيام ثلاث إدارات ذاتية تمتد في شريط مواز لتركيا. لكن ما رفع حدة القلق أن هذا التطور جاء بعد حديث عن وجود أمر واقع لـ «إقليم النظام» يمتد من قلب مدينة دمشق إلى القلمون وحمص وطرطوس واللاذقية. ويترقب معارضون إذا كان الأكراد سيسمحون بعودة اللاجئين إلى قرى تل أبيض أم أن هذا سيكون رداً على «سياسة التعريب» التي اتبعها حزب «البعث» ضد القرى الكردية قبل عقود.

ويُعتقد أن الدعم الأميركي لتقدم الأكراد في تل أبيض جاء استكمالا لنتائج الانتخابات البرلمانية وعدم فوز «حزب العدالة والتنمية» بأغلبية تسمح له بتشكيل حكومة بمفرده وعدم حصوله على أغلبية الثلثين التي كان يطمح إليها أردوغان، مقابل دخول «حزب الشعوب الديموقراطي» (الكردي) إلى البرلمان.

وتأتي هذه التطورات بعد قلق واشنطن من الانتصارات التي حققتها فصائل إسلامية ضمن تحالف «جيش الفتح»، بينها «جبهة النصرة»، بالسيطرة على محافظة إدلب في شمال غربي البلاد واتهام واشنطن ودول غربية أنقرة بعدم القيام بما يكفي لـ «خنق» تنظيم «داعش» وإغلاق الحدود وتلويح بإمكان إخراج تركيا من «حلف شمال الأطلسي» (ناتو).

الحياة

 

 

 

 

عرب وأكراد و… كوارث آتية/ حازم صاغية

قبل أيّام حدّد أبو محمّد الجولاني طبيعة المنطقة وصراعاتها. فهي، عنده، كناية عن هويّات متحجّرة على نفسها، لا يأتي اختلافها ممّا يصدر عنها من أفعال، بل يأتي من مجرّد كونها هويّات. ووصفُ زعيم «جبهة النصرة» انحطاط مؤكّد في القول والتفكير، إلّا أنّه يحاول أن يواكب الانحطاط المقيم في الواقع بفضله وأفضال أمثاله.

وما قاله الجولاني، وما يجري اليوم على أوسع نطاق، يجد له أصولاً كثيرة، من ثورة الخميني «الإسلاميّة» في 1979 إلى قاموس صدّام حسين عن «الصفويّة» و «المجوسيّة» و «الفرس»، ناهيك عن التكوين الطائفيّ والفئويّ لنظامي البعث في سوريّة والعراق.

لكنّ التنازع الجاري في شمال سوريّة بين ضحيّتين، أي العرب والأكراد، آخر تعابير الانحطاط هذا، وأعلاها حتّى إشعار آخر.

والأشدّ بؤساً في هذا التنازع ندرة الأكراد الذين يؤكّدون حصول تطهير عرقيّ، وندرة العرب الذين ينفونه، وقلّة الأكراد القابلين بالتسميات العربيّة للأمكنة المشتركة، وقلّة العرب المتسامحين مع التسميات الكرديّة لها.

وهنا أيضاً قد يُقَرّ بدور كبير أسّسته سنوات الاستبداد المديدة، كبتاً للجماعات وحؤولاً دون النقاش العامّ، فضلاً عن تعديلات قسريّة في الواقع والطبيعة. لكنْ ما من شيء يشجّع، في ما يهبّ علينا من ثقافة سياسيّة، ومن تعبيرات عنها يحملها التصريح والبيان و «الفايسبوك»، على استبعاد الأسوأ، أو عدم تصديق الأسوأ.

فكما يصرّ الأكثر طائفيّة بين اللبنانيّين على تلك المزاوجة الفولكلوريّة بين الهلال والصليب، يحضر تعبير «الإخوة العرب» أو «الإخوة الأكراد» مقدّمةً لمواقف، وربّما أعمال، لا تحتمل الآخرين ولو في الصين.

وهذا هو الأساس قبل أن تؤجّجه مواقف إقليميّة أو دوليّة يصعب ألّا تسعى إلى تأجيجه. فعرب سورية عاشوا، حتّى التشبّع، ثقافة الأمّة والقوميّة من دون دولة، وها هم أكرادها يتبعونهم خطوةً خطوةً على طريق الزعم القوميّ الفارغ على رغم انتفاخه، والذي يتأدّى عن استحالته تعاظم الولاء لجماعة لا تجد معناها إلّا في كراهيّة الجماعات الأخرى، وفي نبش كتب التاريخ، الفعليّ منها والخرافيّ، لتبرير هذه الكراهيّة وشحذها.

يحصل هذا فيما عقولنا مخدّرة وساهية عن الأسئلة الحارقة والراهنة حول أيّة سورية ممكنة وعادلة للمستقبل، وأيّة علاقات ممكنة وعادلة بين جماعاتها، وكيف التفكير بصلة بين الدول الممكنة والبديلة وصيغة شرق أوسطيّة لا تُحلّ المسألة الكرديّة، وكذلك الفلسطينيّة، من دونها.

وإذا جاز القول، ضدّاً على النزعة الاستبداليّة السائدة، أنّ الكارثة السوريّة الراهنة كارثة الأكثريّة التي تُُضرب بالبراميل وتُدمّر مدنها، كما هي في الوقت نفسه، كارثة الأقلّيّات التي تتعرّض للتطهير العرقيّ، جاز أن يقال، بالمعنى نفسه، إنّ الطرفين العربيّ والكرديّ في شمال سورية شريكا الحقّ نفسه بمقدار ما هما شريكا تبديد هذا الحقّ بالباطل نفسه.

وليس من دون دلالة أن تنفجر المشكلة هذه فيما تُستكمل هزيمة الثورة السوريّة على يد الحرب الأهليّة المتضامنة مع تفاقم البُعد الإقليميّ للنزاع. وفي الإطار هذا، سيبقى لافتاً أنّ الجماعات لم تعد تطلب حقوقها من النظام بمقدار ما باتت تطلبها من جماعات أخرى يُفترض أنّها شريكتها في المعاناة التي تسبّب بها النظام إيّاه.

وأغلب الظنّ أنّ الآتي سيكون أعظم، طحناً للعرب والأكراد، ولسواهم، أوَقَفوا مع هذا أم وقفوا مع ذاك، لأنّهم إنّما يقفون مع أسوأ مواضيهم كما صاغها أبو محمّد الجولاني.

 

 

 

عن بعض نقاشات السوريين: ضعف الرغبة بصنع إجماع وطني/ ماجد كيالي

بين قضايا كثيرة ناقشها النشطاء السوريون، في الآونة الأخيرة، وفي الحيّز الوحيد المتاح لهم في «فايسبوك»، ثمة قضيتان استقطبتا أكثرية اهتماماتهم، وأثارتا الخلافات والانقسامات، وحتى تراشق الاتهامات، في ما بينهم. تمثّلت القضية الأولى بحادثة «العلم»، وملخّصها قبول خالد خوجة رئيس الائتلاف المعارض بتنحية علم الثورة السورية جانباً، في المؤتمر الصحافي الذي جمعه مع لؤي حسين (أواسط أيار الماضي)، وذلك استجابة لطلبه. أما الثانية فجاءت كرد فعل على دخول قوات «الحماية الشعبية»، المحسوبة على حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) لبلدة تل أبيض، القريبة من الحدود التركية، بعد طرد «داعش» منها، مع ما تبع ذلك من نزوح أهالي البلدة، في ما اعتبر بمثابة «تطهير عرقي»، لمصلحة الكرد.

بديهي أن المشكلة ليست في النقاش ولا حتى في الاختلاف، بشأن هذه القضية أو تلك، وإنما في غياب معنى النقاش، أي غياب إرادة التوصل إلى إجماعات مشتركة، بشأن القضايا المطروحة، بدلاً من الإجماعات أو البديهيات القديمة التي تبين زيفها وهشاشتها.

أيضاً تكمن المشكلة في سيادة المعايير المزدوجة في التعاطي مع القضية الواحدة، ما يعني غلبة النظرة الهوياتية على المسائل المطروحة. وفي الواقع فإن كثيرين، من الذين هالهم تنحية علم الثورة، في المؤتمر الصحافي المذكور، لم يخطر في بالهم استنكار رفع عديد من فصائل الجماعات الإسلامية المسلحة لراياتها الخاصة، وحتى قيام بعضها بتمزيق علم الثورة. ويأتي ضمن ذلك عدم رفع هذا العلم في العرض العسكري الذي أقامه زهران علوش لفصائل من «جيش الاسلام» في الغوطة، قبل الحادثة المذكورة، بأسبوعين فقط (أواخر نيسان).

القصد، أن الحساسية لقصة العلم في حادثة معينة والسكوت عنها في حادثة أخرى، تشي بضعف الادراكات لأهمية هذه المسألة، ووجود نوع من انفصام أو معايير مزدوجة، لا سيما أن الحديث يدور عن حالة ثورية باتت تكابد الافتقاد للحد الأدنى من الإجماعات الوطنية، وضمنه محاولة لون معين فرض رؤيته عليها، بوسائل الغلبة والقسر.

أما في قصة «تل أبيض»، فقد تم الانقسام على أساس قومي بين السوريين، عرباً وكرداً، هكذا اعتبر نشطاء سوريون (عرباً) أن ما جرى في تلك المنطقة هو بمثابة تطهير عرقي، ربما يأتي في إطار التمهيد لإقامة كيان كردي، على غرار ما جرى في العراق، مع التساؤل عن مغزى قيام التحالف الدولي بتغطية الكرد في قتالهم «داعش» في حين لم يقم بمثل ذلك لدعم جماعات أخرى تقاتل التنظيم ذاته. وبديهي، أن النشطاء الكرد لم يسكتوا على هذه الاتهامات، إذ اعتبرها بعضهم نتاجاً للعصبية القومية، ولنظرة فوقية كرسها النظام البعثي طوال العقود الماضية، مع إنكارهم لأية توجهات انفصالية؛ مع ذلك فإن الطرفين استخدما خطاباً قومياً، اتسم غالباً بالتسرع والعصبية، غذى منهما تسمية «تل أبيض» باسم كردي، لم يكن متداولاً سابقاً.

عموماً فقد كان الأجدى للنقاش بشأن ما جرى في تل أبيض إبداء بعض الحذر، وتجنب المبالغات، لا سيما أن كل الأماكن التي شهدت صراعات مسلحة في سوريا إبان الأعوام الماضية، حصل فيها نزوح ومآسٍ، لعشرات بل مئات ألوف السوريين، من كل الانتماءات، بسبب الخوف من قصف وحصار النظام، أو هرباً من بطش «داعش» أو غيرها من الجماعات المسلحة المتطرفة. وربما كان الأصوب للسوريين، بدل الاشتغال ببعضهم، التركّز في مواجهة النظام، و»داعش»، وأي من أشباهها، بدلاً من تحويل القصة إلى صراع بين عرب وكرد، لأن ذلك لن يفيد الطموحات القومية للكرد، ولا قضية السوريين بالتخلص من نظام الاستبداد.

بيد أن كل ذلك يوضح أن الاختلافات، عند الطرفين، تنبع من عقلية أحدية ومغلقة، تتأسس على وجود سردية واحدة تمتلك الشرعية والعدالة، وتنفي السرديات الأخرى، أو تهيمن عليها. وأن هذه السردية (عربية أو كردية) تعلي من قيمة الأرض، والصراع على الأرض، في حين لا تولي الاهمية ذاتها للإنسان، أو للصراع على نوعية حياة الانسان أو حقوقه، وتبعاً لذلك فهي في تركيزها على وحدة الأرض – الجغرافيا، لا تولي الاهتمام عينه لوحدة السوريين بوصفهم شعباً، أي أنها تطلب وحدة الأرض على حساب تغييب أو تهميش هذا المكون أو ذاك.

هكذا، فبعد أكثر من أربعة أعوام من الثورة، ورغم الكارثة، والتضحيات الجمة، والتصدع المجتمعي، ما زال ثمة من لا يريد أن يدرك، أو أن يعترف، بوجود سرديات سورية متعددة، ومتنوعة، بقدر تنوع مكونات المجتمع السوري، وبقدر ما يتيحه الموقع المتميز لسوريا، أو بلاد الشام عموماً. أيضاً، ثمة من لا يزال لا يدرك أن محاولة السوريين بناء إجماعات جديدة، تفرض عليهم صوغ عقد اجتماعي جديد، يتأسس على التفهم المتبادل، واحترام الاختلاف، والقبول بالتعددية، القومية والدينية، وتالياً تفهم المخاوف المشروعة المتبادلة، وضمنه مخاوف الكرد من إنكار وجودهم كشعب وكقومية، ومخاوف العرب السوريين من تقسيم البلد.

والحال، ومثلما لا يجوز بدعوى العروبة إلغاء القوميات الأخرى، وضمن ذلك مثلاً إنكار الكرد كجماعة قومية ولها حقوق قومية. أيضاً، لا يجوز بدعوى الأسلمة تهميش أو إلغاء الطوائف الأخرى وإخراجها من إطار الشعب، عدا انه لا يحق لأحد احتكار الإسلام، أو ادعاء تمثيل المسلمين، خصوصاً وأن «السنّة» لا يتشكلون أو لا يتمثلون وضعهم كطائفة، وان الجماعات الاسلامية ذاتها، عدا عن عدم اعترافها بالثورة، مختلفة في مرجعياتها ومقاصدها، بل إنها تكفّر بعضها البعض وتتقاتل في ما بينها.

على ذلك، ربما كان قدر السوريين أن يدركوا بالطريقة الصعبة، وبالأثمان الباهظة، أن لا حل لهم، للحفاظ على وحدة بلدهم، إلا بإعادة الاعتبار للإجماعات الأولية للثورة، باعتبارها ثورة شعبية من أجل الحرية والكرامة وانهاء نظام الاستبداد والفساد. وأن البديل عن هذا النظام هو إقامة نظام ديموقراطي، لا مركزي، يتأسّس على اعتبار السوريين مواطنين أحراراً ومتساوين من دون أي تمييز قومي أو ديني بينهم. إذ في هكذا نظام يستطيع السوريون بتنوعاتهم واختلافاتهم الأيديولوجية والإثنية والدينية، كجماعات وكأفراد، التعبير عن ذاتهم وصوغ مجتمع موحد، من دون صراعات هوياتية، أو انقسامات عمودية. وبديهي، أن البديل عن كل ذلك إما إعادة إنتاج نظام استبدادي آخر، ولو بلبوس مختلف، وإما تعريض سوريا للتمزيق، وتعريض شعبها للضياع.

المستقبل

 

 

 

 

 

ليس هناك تطهير عرقي كردي ضد العرب/ بدرخان علي

نشرت وسائل إعلام سورية وعربية تقارير وأنباء مكثفة في الأيام الأخيرة عن تطهير عرقي مزعوم  ضد العرب والتركمان في تل أبيض. هنا محاولة سريعة لقراءة ما حدث في المدينة، وفي شمال سوريا بشكل عام، ولحقيقة وجود مخطط دويلة كردية في سوريا.

الموجة الأخيرة من النزوح في تل أبيض كانت بمعظمها من العرب والتركمان، هرباً من المعارك التي انطلقت ضد “داعش” التي تحتل المنطقة. وتعد تل أبيض نقطة حيوية هامة جداً للتنظيم حيث المعبر الحدودي مع تركيا- المتورطة في دعم لوجستي على الأقل لتنظيم داعش – وشريان رئيسي لعاصمة “داعش” في الرقة، إذ تقع تل أبيض شمال الرقة حوالي 100 كلم على الحدود التركية مباشرة. ويتكون نسيجها الاجتماعي من الأكراد والعرب والتركمان والأرمن، وتعد نسبة الأكراد في المدينة أكثر من نصف السكان بقليل وفي الريف أقل من ذلك.

الفصائل المشاركة على الأرض بتغطية من طيران التحالف الدولي هي: وحدات حماية الشعب والمرأة – معظم مقاتلوها شباب وشابات أكراد – وفصائل من الجيش الحر من أبناء المنطقة العرب توحّدت مع الوحدات الكردية في إطار “عملية بركان الفرات” التي تشكلت قبل فترة، واشتركت في معركة كوباني- عين العرب ضد داعش. في المعارك الأخيرة في تل أبيض حصل نزوح باتجاه الحدود التركية، وتم اتهام الأكراد بتهجير العرب والتركمان. إلا أن الهروب كان بسبب المعارك بحد ذاتها كما في كل المعارك في سوريا وغيرها، حيث يهرب المدنيون والنساء والأطفال والشيوخ وكل من لا يريد القتال والبقاء. لست على أرض المعركة ولا أستطيع نفي حدوث انتهاكات فردية محدودة إن حصلت، لكن الحديث عن تهجير مقصود غير صحيح على الإطلاق لا بل مغرض. الحقيقة التي لا يرغب البعض بذكرها هنا بخصوص الوضع في تل أبيض هي التالية أنه لم يبقَ أكراد في تل أبيض وريفها حتى ينزحوا في الموجة الأخيرة. لقد هجِّروا ونهبت بيوتهم وأرزاقهم وتشرّدوا في تركيا وغيرها… كما تهجر الأرمن أيضا ودُمِّرت الكنيسة الأرمنية… كانت البداية في تموز 2013، وعلى يد “الأحرار” واستمرت على يد “داعش” إلى أن أفرغت المدينة وريفها من سكانها الأكراد بشكل كبير.

بروباغندا مضادة

وهذه حقيقة مخزية لجميع من تكلّم هذه الأيام بشكل مغرض عن تهجير مقصود للعرب والتركمان على يد الأكراد . وذلك للتغطية على ما جرى سابقاً ضد أكراد المنطقة حين هجروا ونهبت بيوتهم وأرزاقهم وتشردوا في تركيا وغيرها… حتى قبل ظهور “داعش”. وكل هذا الحديث المفتعل مؤخرا عن تهجير الأكراد للعرب في تل أبيض وريفها هو للتغطية على ملف التهجير السابق بحق الأكراد، وتلبية لرغبات حكام تركيا – داعمي الكثير من فصائل المعارضة السورية- المتوتّرين جداً هذه الأيام مع بروز كردي في شمال سوريا، وكذلك انتصار الأكراد انتخابيا في تركيا.

أريد أن أضيف هنا حقائق أخرى قد تخفى على القارئ العربي نتيجة وجود بروباغندا مضادة للأكراد في خطاب بعض وسائل اعلام المعارضة السورية، خصوصا ذات الطابع الاسلامي أو القومي العروبي أو المزيج الاسلامي العروبي أو تلك المدعومة من تركيا وتعمل على قلب الوقائع وتقديمها بشكل مقلوب تماما. قد يستغرب البعض أن أكبر نسبة للنازحين من محافظة الحسكة هم الأكراد، وأن منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية المطلقة شمال حلب بدأ التغيير الديمغرافي يظهر بشكل واضح لصالح العرب، حيث عشرات الآلاف من المواطنين العرب نزحوا من ريف حلب بسبب المعارك على مدار السنوات المنصرمة باتجاه منطقة عفرين، بالمقابل هناك نسبة غير قليلة من السكان الأكراد في عفرين نزحوا إلى تركيا وباتجاه أوروبا، وإلى اليوم ليس هناك احتكاكات بين السكان الأصليين والوافدين لا بسبب قومي ولا غيره . بينما رأى الجميع كيف أن منطقة كوباني – عين العرب وريفها المكون من غالبية كردية ، تم إفراغها بشكل كامل ما عدا بضعة آلاف من المقاتلين وعدد أقل من مؤازريهم في مجالات الاعلام والإغاثة والطبابة والخدمات البسيطة .

كل هذا النزوح الكردي باتجاه الخارج وفراغ مناطق بأكملها من سكانها يجري على قدم وساق ويظل التهديد بما يسمى “تكريد المناطق العربية” في سوريا أو “تهجير العرب” هو الغالب في وسائل إعلام المعارضة ووسائل التواصل الاجتماعي.

بصرف النظر عما طرأ على نبرة الخطاب السياسي والشعبي الكردي من تغيّرات خلال الأزمة السورية، بالترافق مع زيادة الانقسام الاجتماعي – الأهلي في سوريا عموماً وزيادة الشرخ الطائفي في البلد بأكمله، حيث احتداد الهويات الإثنية والطائفية بسبب الحرب وحلقة العنف والعنف المضاد… رغم ذلك فإن الحديث عن دويلة أو دولة كردية في سوريا يبقى في إطار الشعارات والشعارات المضادة . وذلك بسبب عوامل ذاتية التوزع الديمغرافي المنتشر في الشمال السوري والتداخل السكاني والاجتماعي الكبير بين الأكراد والعرب وباقي الإثنيات. صحيح أن هناك مناطق ذات غالبية كردية مطلقة – مثل منطقة عفرين – إلا أنها في جوار عربي بشكل كامل ومنفصلة بشكل شبه تام عن أقرب منطقة كردية لها وهي كوباني-عين العرب… ومنطقة الجزيرة فيها تداخل كبير… ولأسباب أخرى محلية وإقليمية ودولية . أظن ان هذه الحدود المرسومة لن تزول في المدى المنظور . ولست مقتنعاً بأن الغرب يحضّر لتقسيم المنطقة إلى دويلات أو دول .

ليس من أجل مجاملة أحد أو إطلاق شعارات الوحدة الوطنية التي تبيّن كم هي واهية لدينا في الواقع، ولا من أجل طمأنة أحد ، أقول أن ليس هناك رغبة لتنفيذ هكذا مخطط أيضاً . إلا أنه في الوقت عينه بات وجود دولة مركزية في دمشق تلغي الوجود الكردي في السياسة والثقافة والمجتمع غير ممكن أيضاً. قد يكون نموذج الإدارة الذاتية المحلية مقبولاً لجميع سكان المناطق الكردية والمختلطة حتى تتوقف الحرب على الأقل. لا أدري على أي شكل سترسي الدولة السورية الحالية بعد توقف الحرب (وإن كانت ستتوقف الحرب في المدى المنظور!) لكن “الحقيقة الكردية” لم يعد ممكنًا إخفاؤها كما في عهود البعث والاستبداد واللون القومي الواحد. وأرى أن ذلك سيكون تحقيقاً للعدالة أيضاً، وليس انتهازية كردية لظروف الحرب السورية كما بات يقال أيضاً، حيث هناك آلاف الشهداء الأكراد من وحدات الحماية الشعبية والمرأة ضحوا في سبيل عدم وقوع مناطقهم تحت الاحتلال “الداعشي” والفصائل المتشددة الأخرى.

النهار

 

 

 

عن الفاشيّات المتربّصة والمتوثّبة في سورية/ هوشنك أوسي

شهدت صفحات التواصل الاجتماعي حالة من التراشق بالتخوين والشتائم بين الكرد والعرب السوريين، لدرجة غير مسبوقة، بحيث يمكن القول إن هؤلاء السوريين ليسوا من اقتسم العيش على هذه الأرض التي تسمّى سورية، قبل وبعد وجود الكيان السوري، وأن هؤلاء المتصارعين على صفحات التواصل، لو توفرت في أيديهم بنادق وقنابل، لاستخدموها!

هذه الفورة العصبية القوميّة، قد نصفها بالحرب الأهليّة الخفيّة، المتوارية خلف الكلام المنمّق عن التلاحم والوحدة الوطنيّة. صحيح أن الاحتراب الكلامي تم ضمن الفضاء الافتراضي، لكن الصحيح أيضاً أن هذه الحالة المرضيّة تعطي مؤشّرات جد خطيرة عن تنامي ما يمكن تسميته بـ «الفاشيّات المتربّصة والمتوثّبة» لدى الطرفين، بصرف النظر عن الخوض في مَن كان «الفعل» ومَن كان «الرد».

عبّرت حالة التسمم هذه عن نفسها عبر إصدار بيانات عسكريّة وسياسيّة ومقالات رأي وتقارير إخباريّة وبرامج تلفزيونيّة، فاقت في نسبتها لدى الجانب العربي ما حصل لدى الجانب الكردي. وقد بدأت، حين وردت أخبار وتقارير، غير مستندة إلى وثائق ومعطيات ملموسة ودامغة، تشير إلى ارتكاب مقاتلي «وحدات الحماية الشعبيّة» (YPG) المحسوبة على حزب «الاتحاد الديموقراطي» (PYD) عمليات تهجير قسري وتطهير عرقي بحق العرب، بعد دحر القوات الكرديّة إرهابيي تنظيم «داعش» في ريف الحسكة. وتلقّف كثيرون من الكتّاب والمثقفين والساسة العرب، المحسوبين على المعارضة السوريّة، هذه الأنباء المشكوك والمتشبه بها، بسرعة، وأضافوا الكثير من «البهارات» عليها، وضخموها، وبالغوا في إصدار أحكام موتورة، ليس فقط تجاه PYD وذراعه العسكريّة، بل تجاه عموم الكرد، بمن فيهم الذين ينتقدون سياسات وممارسات الحزب. وظهر بعض الإخوة العرب وكأنّهم يحبذون بقاء تلك المناطق العربيّة تئن وترزح تحت الحكم «الداعشي»، كونهم عرباً، بدل تحريرها بيد الكرد! وحين بدأ النشطاء والكتّاب الكرد يطالبون بالتأكّد من صحّة هذه الأخبار وبتقديم الدلائل على هذه الجريمة قبل إطلاق الإحكام، وُصف هؤلاء بالدفاع عن PYD وبتبرير انتهاكاته، فقط لكونه حزباً كرديّاً، وأنهم بذلك يدافعون عن نظام الإجرام الأسدي، باعتبار PYD على علاقة ما معه، متناسين أن ارتكاب PYD الكثير من الانتهاكات بحق الكرد المختلفين معه، وتعرّضه للكثير من الانتقادات والإدانات الكرديّة، لا ولن يدفع منتقديه الكرد للقبول باتهامات ممارسته «التطهير العرقي والتهجير القسري بحق العرب»، من دون تقديم قرائن دامغة، عجز عن تقديمها أصحاب الاتهامات!

وقد اتضح أن تلك الاتهامات ملفّقة ومفبركة، روّج لها البعض إرضاءً لنوازع عصبويّة دفينة، إلى جانب تقاطعها مع تصريحات مسؤولين أتراك صبّت في نفس طاحونة تشويه الكرد وتأليب العرب عليهم. واتضح أن الحدث، بمجمله، عملية نزوح حدثت وتحدث في كل بقعة عصفت وتعصف بها المعارك داخل سورية. وهذا مع إقرار المقاتلين الكرد بحدوث بعض الانتهاكات في قريتين عربيتين، اعتذروا عنها، وأعادوا القرويين إلى بيوتهم. زد على ذلك، عودة أهالي «تل أبيض» أنفسهم إلى سكناهم، بعد استكمال تحريرها من «داعش»! وهذا يفنّد ويكذّب كل اتهامات «التطهير العرقي» للكرد!

هذا السلوك الأرعن، قابلته ردّة فعل كرديّة رعناء، توازيها شدّةً، بحيث اتسعت دائرة النقد والاتهام بالشوفينيّة والعنصريّة (البعثيّة – الداعشيّة)، لتشمل العرب والمسلمين جميعاً، وانزلق النقد ببعض الكرد نحو الشتم والتشهير والتشويه المقذع.

انزلاق النخب العربيّة والكرديّة إلى هذا الحضيض ونفخها في الاحتراب جعلا أحد «المعارضين» العرب السوريين يشتم الكرد وقضيتهم وصولاً إلى أن «الشعب الكردي الذي يريد انتزاع اسمه كشعب، عليه واجب التصرف كشعب وليس كعصابات إجرام، تثبت مرة بعد مرة أنه لم يتعرف على الحضارة». هذا الانزلاق المرعب، يعزز حنين السوريين إلى نظام الأسد، ويفاقم خيبة الأمل الكرديّة بالثورة السوريّة، ويدعم موقف PYD ويعطيه المزيد من المبررات، ومواقف فاشيّة كهذه تصدر عن معارضين عرب سوريين، تحرج كثيراً المعارضين الكرد السوريين المعتدلين الذين ما زالوا على عهدهم ومشاركتهم في الثورة السوريّة، بحيث يصبحون بين نارين، نار العنصريين العرب ونار العنصريين الكرد!

إذاً هنالك حالة من التسمم الاجتماعي والسياسي والثقافي البعثي، لم يبرأ منها من يزعم معارضة نظام البعث – الأسد، ما لا يؤكّد فحسب تفاقم «الردة» عن الثورة وقيمها، بل الانغماس في مستنقعات العصبيّة والتشنّج وضخّ العداوات.

فالكراهية والنفس الفاشي العدواني تجاه الكرد دفعا هؤلاء «المعارضين» إلى تخوين بعض فصائل «الجيش الحر» التي تقاتل، إلى جانب المقاتلين الكرد، تنظيم «داعش» الإرهابي، بل تخوين ولعن وشتم «الائتلاف» السوري، بسبب تواجد الكرد فيه! وبالتوازي فالكراهية والنفس الفاشي العدواني تجاه العرب دفعا ببعض الكرد إلى تخوين وشتم الأحزاب الكردية المنضوية في «الائتلاف»، واتهامها بأنها «دواعش» و «مرتزقة»!

إن علاقة «الاتحاد الديموقراطي» المدانة مع نظام الأسد، يجب ألاّ تدفع منتقديه من الكرد والعرب إلى اختلاق الأكاذيب والافتراءات بحقه، وتصريحات «الائتلاف» وبيانات الكثير من المجاميع الإسلاميّة المتطرّفة المعادية للكرد، بعد فشلها في تحرير المناطق السورية من «داعش»، ورفضها أن يكون التحرير على أيدي الكرد، لا ينبغي أن تدفع الكرد إلى تخوين كل العرب، وتفضيل كفّة العلاقة مع النظام السوري. فمع وجود هذه الحالة، تغدو فكرة العيش الوطني المشترك ضرباً من الخرافة والمستحيل.

* كاتب كردي سوري.

الحياة

 

 

 

 

تل أبيض: «إعادة تدوير» موقع تركيا/ محمد نور الدين

ينقل أحمد سيفير، كبير مستشاري الرئيس التركي السابق عبد الله غول، انه كان يعارض دائماً سياسة أردوغان – داود أوغلو، ولا سيما في سوريا ومصر. يقول إنهما كانا يتصرفان كما لو أنَّ أردوغان رئيس حكومة مصر وسوريا، أكثر منه رئيساً لحكومة تركيا، وداود أوغلو كما لو أنَّه وزير خارجية سوريا ومصر، أكثر من كونه وزيراً لخارجية تركيا. وينقل سيفير عن غول قوله إنَّ أردوغان وداود أوغلو، بذلك، كانا يعرِّضان مصالح تركيا للخطر، وأنهما فقدا إبرة القبان. وقد قال ذلك غول لداود أوغلو في وجهه.

كلام سيفير جاء في كتاب أحدث ضجة كبيرة في الأوساط السياسية والشعبية، وخصوصاً داخل حزب «العدالة والتنمية». إذ إنَّ الكتاب الذي أسماه سيفير «12 عاماً مع عبدالله غول»، تضمَّن كماً كبيراً من المواقف التي لم تُعرف عن غول علناً، ولكنَّه قالها خلف الكواليس لكل من أردوغان وداود أوغلو، وكلّها تنتقد سلوكهما في العديد من القضايا.

الكتاب قوبل بانتقادات عنيفة من داخل حزب «العدالة والتنمية»، ووصفه النائب عن الحزب شامل طيار بأنَّه قنبلة يدوية ألقيت داخل الحزب. على اعتبار أنَّ الكتاب يعرِّي الخلافات بين قادة الحزب، وهنا آخر آلية بعدما تلقَّى الحزب ضربة قاصمة في الانتخابات الأخيرة تنتظر من يتحمل مسؤوليتها.

بطبيعة الحال، وجِّهت انتقادات لغول بأنَّه رغم انتقاداته غير العلنية، فإنَّه كان في النهاية يسير في ما كان يقرره أردوغان. وانتقاداته لم تحدث تغييرا في حينه. بل أكثر من ذلك، صادق غول، كرئيس للجمهورية، على أكثر القرارات غير الديموقراطية مثل الرقابة على الانترنت وتغيير قوانين القضاء. والذريعة أنَّ غول لم يكن يريد الاصطدام بأردوغان، فكان ذلك على حساب تعزيز الديموقراطية والعدالة.

معركة تل أبيض التي انتهت باندحار تنظيم «داعش» عن المدينة المختلطة من عرب وتركمان وأكراد، أعادت التذكير بما كان غول يعتبره أخطاء في سياسة أنقرة تجاه سوريا.

بل أكثر من ذلك، فإنَّ ردة فعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على استيلاء الأكراد على تل أبيض، واعتبار ذلك تهديداً لتركيا، وأن على الآخرين أن يأخذوا في الاعتبار الحساسيات التركية، إنَّما تكرر تأكيد مسألتين:

الأولى هي أنَّ تركيا لا تقلق أبداً من وجود «داعش» على حدودها، بينما تقلق من وجود قوات الحماية الكردية. وهو ما يؤكِّد التحالف الوثيق بين سلطة حزب «العدالة والتنمية» و «داعش». ولن تغير الصور، التي حرصت أنقرة على نشرها لمن تقول إنَّهم عناصر من التنظيم لجأوا إلى تركيا وقد رفعت قوات الأمن أيديهم على الحائط لتفتيشهم واعتقالهم، صورة تركيا الداعمة لـ «داعش».

الثانية، أنَّ العقدة التركية لا تزال هي هي. أي العداء لكل ما هو كردي. وقد كرَّر أردوغان الخطأ نفسه، الذي ارتكبه سابقا في عين العرب (كوباني)، وتبشيره بأنَّها على وشك السقوط، في تل أبيض بقوله إنَّ الأكراد هناك باتوا تهديداً لتركيا.

في هذا السياق، يبرز الموقف الكاريكاتوري لرئيس الحكومة أحمد داود أوغلو الذي تحدث عن التنسيق بين النظام و «داعش» والقوات الكردية، بحيث دخلت القوات الكردية تل أبيض من دون مقاومة من «داعش» الذي أخلى عناصره من هناك. يقول داود أوغلو إنَّ النظام التقى مع «داعش» في منطقة في الحسكة على مقربة من منطقة فيها الأكراد، وأن التنسيق كان من أجل مهاجمة «داعش» لـ «الجيش السوري الحر» شرق إعزاز من أجل تشكيل شريط حدودي بين التنظيم والأكراد، على أن يقدم النظام الدعم الجوي، وبذلك استولى «داعش» على عشر قرى قرب إعزاز.

يريد داود أوغلو من ذلك أن يبعد الشبهات عن علاقة تركيا بـ «داعش» من جهة، وليقلل من أهمية هزيمة تركيا في تل أبيض.

موقف أردوغان وداود أوغلو من الوضع في تل أبيض هو في الوقت نفسه رسالة إلى الداخل التركي وأحزاب المعارضة من أن التغيير تجاه سوريا لن يكون بمقدار ما يشتهون، وهو ما يجب أن يحفزهم على عدم القبول بتحالفات مع حزب «العدالة والتنمية»، إلَّا ضمن شروط ملزمة. ولكن هذا قد يحفز حزب الحركة القومية للاقتراب أكثر من «العدالة والتنمية» في ما خص «التهديد الكردي».

تطرح تطورات تل أبيض العديد من الأسئلة والتساؤلات المرتبطة بما يرسم للدور الكردي سواء في تركيا أو في سوريا، في خريطة الشرق الأوسط الجديدة.

السؤال الأول، هل ترتكب قوات الحماية الكردية عمليات تطهير عرقي في تل أبيض لتكون المدينة كانتوناً كردياً رابعاً يضاف إلى الجزيرة وكوباني وعفرين؟ الجواب هو أنَّ الأكراد، حتى الآن، لم يمارسوا أيّ نوع من التطهير العرقي في المناطق التي يسيطرون عليها منذ فترة طويلة. فلماذا يرتكبون هذا التطهير الآن الذي يتعارض كلياً مع طروحاتهم بشأن سوريا متعددة وديموقراطية؟

جواب آخر جاء على لسان صالح مسلم رئيس «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي السوري، وهو الحزب الأكبر المهيمن على المناطق الكردية في سوريا، في حديث مع صحيفة «راديكال» بقوله إنَّ هذه مجرد أكاذيب تروِّج لها تركيا لتأليب الرأي العام ضدّ الأكراد، ولتحرف الأنظار عن هزيمة حليفها «داعش». ووفقاً لتقارير أمنية تركية، فإنَّ الطائرات الأميركية هي التي مارست التطهير العرقي عبر قصفها لخمس قرى عربية في منطقة تل أبيض، فغادروها إلى تركيا لتصبح خالية من سكانها. أي إنَّ الأميركيين هم الذين يمارسون، بقوة القصف الجوي، سياسة تطهير المنطقة. وبالعودة إلى صالح مسلم، فإنَّه يقول إنَّ الباب مفتوح لعودة كل المهجرين، وأن قيادة المنطقة وإدارتها ستتشكَّل من كل القوى الموجودة على الأرض. بل يقول مسلم إنَّ المعابر الحدودية مع تركيا لن تكون بعهدة قواته فقط، بل ستكون بالشراكة مع قوى المعارضة الأخرى ومنهم «الجيش السوري الحر»، وذلك لطمأنة تركيا.

السؤال الثاني عمَّا إذا كان الأكراد يتجهون إلى تشكيل شريط كردي داخل سوريا على امتداد الحدود مع تركيا؟ الجواب بالنفي ليس واقعياً، والقرار الكردي لم يعد كردياً صافياً. فهم نجحوا في كوباني بفضل الدعم الجوي الأميركي، ونجحوا في تل أبيض أيضاً بفضل الدعم الجوي الأميركي. لذلك، فإنَّ توسيع رقعة سيطرتهم الحدودية تفوق قدراتهم العسكرية الذاتية وتحتاج إلى تحالفات متعددة. ومجرد ربط الكانتونات الثلاثة جغرافياً، أمر يحتاج بالتأكيد إلى قرار كبير. وهنا لن يقف الأكراد عند ما حقَّقوه حتى الآن، إذ سيعملون على الاتصال الجغرافي بالكانتون الثالث، أي عفرين، ودون ذلك مساحة جغرافية يسيطر عليها «داعش» وتشكل الشريان الوحيد لتسليح المعارضة إلى حلب شمالاً. وليس مستبعداً، وفقاً لهذا السيناريو، أن تمتدّ «الحرب الكردية» إلى الغرب.

وهذا ما أثار قلقاً تركياً بالغاً من تشكيل شريط حدودي داخل سوريا يسيطر عليه الأكراد بحماية أميركية لا تكون تركيا قادرة على التدخل فيه، وفي ما وراءه بفضل الحماية الأميركية لهذا الشريط العازل. وتبقى تركيا بالتالي خارج أيّ اتصال جغرافي مع المناطق العربية في العراق وفي سوريا، خصوصاً في حال تمَّت محاصرة واستئصال الوجود المعارض المدعوم من تركيا في إدلب وجسر الشغور بشكل أو بآخر.

ربما استفادت واشنطن من هزيمة أردوغان في الانتخابات الأخيرة، ليس فقط لإذلاله بل أيضاً لفرض خرائط جديدة على تركيا تعيدها إلى حجمها الطبيعي بل أصغر، بعدما تمادت في إظهار فائض قوة انكسر في النهاية. وهو ما يعتبره الإعلام المؤيد لأردوغان خطة لـ «محو» تركيا وإعادة حبسها داخل الأناضول. ولكن السؤال الأساسي الذي يعيد التذكير بمعارضة غول لسياسات أردوغان ـ داود أوغلو: لماذا كان على سلطة حزب «العدالة والتنمية» في الأساس أن تحرِّك نوازعها العثمانية وفق حسابات خاطئة، وأن تكابر بعد فشلها، فتمضي إلى المزيد من الرهانات العقيمة التي فاقمت الفشل ليتحوَّل إلى كارثة فعلية؟

 

 

 

أكراد أميركا وسنّتها/ محمد ابرهيم

بدا النجاح الذي حققه الأكراد في تمدّدهم على طول الحدود التركية – السورية، على حساب “داعش”، وكأنه جزء من الصراع الصامت داخل الإئتلاف الدولي حول مصير كل من سوريا والعراق. وبعد أن فُسِّر تمدد “داعش”، وصولا إلى تدمر في سوريا والرمادي في العراق، باعتباره الرد التركي على التلكؤ الأميركي في تبني برنامج أنقرة لإنهاء الحرب السورية، يُفسَّر اليوم تمدّد الأكراد باعتباره الرد الأميركي على التفلّت التركي.

وقيمة النجاحات الكردية المتواصلة عند الحدودالتركية – السورية أنها تغلق عمليا كل المنافذ التي تستعملها “داعش” لتلقي العون التركي الذي لم يعد سرا، خصوصا مع ردود الفعل المعلنة من جانب الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان الذي بدا قلقا من النجاحات الكردية، فيما كان مطمئنا لتوسع “داعش”. وما يبقى من الحدود التركية مع سوريا، خارج السيطرة الكردية، فإنه يوجّه دعم أنقرة للمعارضة السورية في الاتجاه الذي ترضى عنه واشنطن، رغم الالتباس الذي يشكلّه وزن “النصرة” ضمن القوى المسيطرة في هذه المناطق.

ويأتي الدعم الأميركي للأكراد في ما يبدو جزءا من سياسة أميركية جديدة في توظيف الغطاء الجوي الذي تشكله حملة “الائتلاف الدولي” على “داعش”. يشهد على ذلك أن تحركات “داعش” العسكرية، في حملاتها الكبرى، سواء في تدمر أو في الرمادي، لم تشهد تدخلا، جويا، معوّقا من الائتلاف، وذلك نظرا إلى الطرف الذي استهدفه الهجوم الداعشي. فعندما يكون المستهدف هو النظام السوري أو الحكومة العراقية المتلكئة في تنفيذ التوصيات الأميركية بتغيير علاقتها بسنّة العراق، تقف الولايات المتحدة على الحياد، ولو كان الحياد لمصلحة “داعش”.

أما عندما تكون الحملة على “داعش” جزءا من خطة تباركها أميركا، فإننا نجد فاعلية ملحوظة في الدعم الجوّي، وقد حظي بهذا الدعم الأكراد، دائما، والحكومة العراقية بحسب التفاهم، او سوء التفاهم، الذي كان يغلب على علاقتها بواشنطن. واليوم تلفت النظر حماسة واشنطن في التعاطي مع مشروع تسليح القبائل السنية وتدريبها في العراق، ولو اقتضى ذلك زيادة الجنود الأميركيين،على الأرض، في العراق، بما يشكّل رديفا لحماستها في دعم الأكراد.

أحد التفسيرات التي تُعطى لهذه الانتقائية الأميركية في منح الدعم هو رسم خرائط جديدة في المدى السوري – العراقي، فيما التفسير الأميركي المعلن هو أنه في ظل قرار حاسم من الإدارة الأميركية الحالية بعدم التورط، أرضا، في النزاعات، ينبغي الاقتصاد في استعمال المظلة الجوية الدولية وذلك بتوظيفها في خدمة قوى “أرضية” محلية مستعدّة للانخراط في التصور الأميركي للحل، في العراق وفي سوريا. وهو حل يعطي لكل المكونات المحلية وزنها بغض النظر عن الكيانات التي ستجمعها أو ستفرّقها.

 

 

 

 

 

فيلمان بتذكرة واحدة: قلق آردوغان وجاهزية اللبواني/ غسان زقطان

بموازاة المواجهات على الأرض في الطريق الى تل أبيض/ كري سبي، تدور مواجهات حول ما سمي ب”تطهير عرقي” للقرى العربية والتركمانية في محيط المدينة، الواقعة بالضبط على البوابات الموصلة الى تركيا والمحاذية ل “اقجة قلعة” على الجانب التركي من الحدود مع سوريا.

“تطهير عرقي”، هذا هو المصطلح، بظلاله كاملة وبتداعياته المقصودة ورغبته الواضحة في تأثيث صراع خطر، سيصبح اكثر خطورة في تلك الجغرافية المتداخلة في الشمال السوري، استخدمه بعض المتحمسين، بطلاقة غريبة وجاهزية مكتملة، لاتهام القوات الكردية التي تمكنت من الوصول، بعد أن قطعت طريقا طويلة، الى حاضرة داعش وتحريرها.

لم تزحف داعش على تل ابيض ولم تحاصرها وتجتاحها، لقد وصلت اليها من الداخل، كانت ضمن حمولات النصرة و”أحرار الشام” التي دخلت المدينة، من اكثر من جهة بينها الجانب التركي، واشتبكت مع المجموعات الكردية المسلحة حيث سيطرت على المدينة ومحيطها في نهايات 2012.

خلال فترة سيطرة النصرة على المدينة وقراها وصلت أخبار عن مجزرة راح ضحيتها اكثر من سبعين شابا كرديا. ثم وفي سياق مختلف ستستولي داعش على المدينة بعد انشقاق مجموعات كبيرة من مسلحي النصرة وانضمامهم للأخيرة في مطلع 2014، بحيث تحولت الى احدى رئات التنفس الرئيسية التى تتنفس عبرها عاصمة ” البغدادي” في الرقة.

كل هذا لم يثر قلق وخوف وحمية هؤلاء الذين صمتوا خلال سنتين طويلتين على سيطرة النصرة، التي نضجت وانتقلت الى طور داعش، على تل ابيض، ولكن وصول كتائب مشتركة من الأكراد والعرب الى المنطقة وتحريرها من كابوس الظلاميين، فجر مخاوفهم وحرصهم على المكونين العربي والتركماني في المنطقة.

طيف واسع من الحريصين تشكل لحماية العرب والتركمان هناك، يبدأ من ساكن القصر الأبيض التركي رجب طيب اردوغان وينتهي عند “محب اسرائيل” كمال اللبواني، الذي اظهر جاهزية غريبة للصعود بحقائبه كاملة، الى عربة الصارخين، عربا وكردا.

فيلمان بتذكرة واحدة.

في المقابل سيتصدى قوس آخر من الأصوات الكردية الشوفينية للحملة، بحيث نحصل على أسوأ ما افرزته فوضى السلاح والوحول والمياه الآسنة التي خلفتها خمسة عقود من الديكتاتورية وثقافتها في سورية، هذا يؤكد العرض فيلمان بتذكرة واحدة.

الضحايا يطاردون الضحايا ويطالبونهم بحقوقهم، بينما اختفى نظام الأسد والبغدادي والجولاني من لائحة المطلوبين، ضحايا استبدلوا جلاديهم بضحايا آخرين في متلازمة تواصل انتاج مأساتها من نفس المادة.

غبار اتهامات “التطهير العرقي” الذي أثير بهمة مفاجئة، لم تتوفر خلال سيطرة داعش على المنطقة وقراها، اعادتنا بقوة الى معركة “كوباني/ عين العرب”، الذي انطلق بخلاف تافه حول اسم المدينة وواصل زحفه ملتهما قلب فكرة الثورة وجوهرها.

على الجانب التركي من “الحرب” القى “اردوغان” بقلقه حول تهجير التركمان والعرب، وهو قلق يعزز المواجهة الكردية العربية ويدفع مواجهة النظام الى الهامش، ويلقي بإشاراته نحو بوابات محرمة لا ينبغي فتحها او الدخول عبرها.

قلق يتراكم منذ زمن ما قبل ” كوباني / عين العرب “، تعزز بعد دحر داعش وتغذى على وصول الكرد الى البرلمان في مسيرة الأقليات التي قادها “حزب الشعوب” مؤخرا، وهاهم يصلون، اولاد وبنات الكرد، الى بوابات الحدود على مشارف “آقجة قلعة”.

يتذكر الكاتب التركي “فهيم طاشتكين” في مقال له، بمناسبة قلق اردوغان، تصريحا للأخير تنبأ فيه، بما يشبه البشارة، بسقوط “كوباني”. لعل الأمر كان اقرب الى رغبة عميقة منه الى التحليل السياسي، فالرجل، آردوغان، من المفترض انه يعرف كل شيء على الأرض من أسماء المقاتلات والمقاتلين الكرد حتى عدد الطلقات في جعب الذخيرة على خصورهم/ن.

تحرير تل أبيض جرى بتنسيق ومشاركة فاعلة بين كتائب كردية وعربية تابعة للجيش الحر، وعلم الثورة كان مرفوعا على احدى الساريتين الرئيسيتين، وثمة تصريحات كثيرة من جهات مسؤولة ومتواجدة على الأرض، نفت بشكل قاطع فكرة ” التطهير العرقي “، أو بذلت جهدا في وضع الأمر في سياق الحرب الدائرة وليس توجها كرديا للانفصال عن سورية الأم، مع اضافات تصب في صلب أهداف الثورة السورية القائمة على حقوق الأقليات المنهوبة عبر عقود من حكم البعث الذي تطور، تحت بصر الجميع، الى حكم عائلة الأسد.

يمكن هنا ايراد تصريح رئيس المجلس التركماني السوري عبدالرحمن مصطفى: “نسمع عن موضوع ترحيل التركمان من قراهم ، ولا نجد دليلاً على ذلك في متابعاتنا. ذهبنا للقاء الفارين من تل أبيض فلم نجد بينهم تركماناً… جاء من منطقة حمام اثنان ثم عادا الأدراج. وهرب نحو 400 تركماني من منطقة اعزاز بسبب الحرب الدائرة هناك بين داعش والجيش الحر”.

أو بيان هيئة العلاقات الخارجية في كانتون الجزيرة السورية الموجه الى الرأي العام العالمي، والذي وجه الدعوة للإعلام والصحافة لزيارة المنطقة لرؤية الحقائق عى الأرض.

قاسم الخطيب عضو الائتلاف السوري اصدر بيانا، وزعه عبد الباسط سيدا الرئيس السابق للإتلاف، ينفي وقوع عمليات الترحيل، رغم انه اشار بطرف ما الى ان المنطقة لم تشهد مواجهات عنيفة وأن العملية كانت اقرب الى تسليم واستلام.

ولكن ذلك لم يمنح ” اللبواني ” سببا لكي يتوقف عن التحريض فيما يشبه الدعوة الى ” تطهير عرقي ” معاكس.

ولم يبدد “قلق” اردوغان على التركمان.

لا شيء يبدد قلق أردوغان، الذي دعم وسلح “جيش الفتح” وسواه، ودفعهم في شتاء 2012 نحو “تل أبيض”، وراقب من شرفته الرئاسية كيف فقست داعش من النصرة، كما شاهد مواكب تشييع الشباب الكرد، مواطنيه، وهي تعبر الحدود عائدة الى قراها في البلاد التركية التي يحكمها.

موقع 24

 

 

 

 

لماذا تراجع تنظيم «الدولة الإسلامية» في كوباني وتل أبيض؟/ وائل عصام

إنها الديموغرافيا.. نفسها طويل! فالمدن والقرى الكردية في جيوب الشمال السوري تبقى بيئة مستعصية على «تنظيم الدولة»، وإن دخلها بالقوة فإن بقاءه لا يستمر طويلا فيها، صحيح أن التحالف لعب دورا مفصليا بالقصف الجوي، لكن تبقى للقوة المقاتلة على الارض وللحاضنة السكانية الدور الأهم..

وعلينا أن نتذكر أن قصف التحالف الذي ساهم في استعادة المقاتلين الاكراد للمدينتين، فشل حتى الان في استعادة معظم المدن والقرى السنية، وفشل في منع سقوط الرمادي، رغم حملة كثيفة شنت قبل سيطرة التنظيم على الرمادي، وحتى صمود الرمادي ومثلها الضلوعية الاشهر بوجه التنظيم، كان بفضل مقاتلين أشداء قبليين من العشائر، لكن الفارق أن كل ما يحيط بالرمادي من قرى سنية، وفر دعما هائلا لـ»تنظيم الدولة»، بينما كثير مما يحيط تل أبيض من قرى كردية وفر دعما للقوات الكردية. فخطوط الإمداد تلعب دورا فارقا في معارك كهذه تتعاضد فيها أدوار الحاضنة السكانية مع القوة العسكرية، وما ينتج عن تلاقيها يعطي محصلة المنتصر في المعركة، فالقوة العسكرية المجردة، وتلك المرتبطة بالعقيدة القتالية، والديمغرافية السكانية المرتبطة بتوجهات الحاضنة الاجتماعية، والجغرافيا من (جبال أو سهول وموانع طبيعية كالأنهار والبحار أو البناء الافقي أو العمودي) هذه عوامل تلعب دورا كبيرا في ترجيح كفة فريق على آخر.

القوة العسكرية المفرطة للقصف الجوي من الناحية النظرية يمكنها تدمير قرية معارضة بالكامل ومسحها، لتمهد لاستيلاء قوة ارضية خارجية عليها، لكن هذا سيكون انتصارا وسيطرة وقتية قصيرة العمر، لان الديمغرافية السكانية المعادية ستعيد انتاج قوة عسكرية محلية وتنجح بسهولة بطرد القوة المحتلة، التي لن تجد هذه المرة غطاء جويا يدعمها بقوة تدميرية، كما في السابق، وهذا ما حصل في الفلوجة بين اعوام 2004 إلى 2011.. والفرق مع حالة كوباني وتل أبيض أن الديمغرافية السكانية الكردية المؤيدة للقوات البرية دعمت وحافظت على مفاعيل القوة العسكرية التي مارستها قوات التحالف جويا، صحيح أن كوباني وقراها خليط بين العرب والكرد، وتل أبيض مقسومة مع قراها بين العرب والكرد، لكن الخليط يخلخل الحاضنة الشعبية للقوة البرية، وإن كانت عقائدية شرسة، ويفقدها قدرتها على التوازن مع عامل القوة العسكرية الخارجية المتمثلة بالقصف الجوي..

وهذا تماما ما حصل مع «تنظيم الدولة» في محافظة ديالى، فاختلاط قراها بين السنة والشيعة والكرد الشيعة (الفيليين) جعلها بيئة منقسمة ترجح كفة من يملك القوة العسكرية المجردة، ضد المقاتلين العقائديين الاشداء..

نعود لجيوب الكرد شمال سوريا، التي اتحدت لتمنح الكرد فرصة جديدة لتحقيق حلمهم بوطن قومي، وهو حق لهم ما دام ملتزما بحدود وجود الشعب الكردي، بدون اعتداء أو تهديد لمناطق العرب السنة المجاورة، وهو ربما اقلق «تنظيم الدولة» مبكرا ليهاجم كوباني محاولا قطع اوصال هذا الكيان، فـ»تنظيم الدولة» وهو الكيان السني الوحيد الذي يفكر بمشروع السنة العابر للحدود من العراق لسوريا استشعر مبكرا مشروع الكرد العابر للحدود بين سوريا والعراق، واعتبره خطرا يهدد خاصرة الكيان السني الشمالية، ولعله يخشى من أن يتحول مستقبلا لمنطلق لقوات تهاجمه من المناطق الكردية تمولها الولايات المتحدة والغرب والانظمة العربية، ولذلك اراد إضعاف هذا الكيان بالسيطرة على كوباني ليمنع تواصل الكيان من القامشلي والحسكة حتى عفرين.. ولكن واقع الارض مدعوما بقصف التحالف كان اقوى منه بالنهاية، إذ سيصطدم هذان العاملان غرب كوباني بعاملين مجتمعين تصعب مقاومتهما من قبل الاكراد والقصف الجوي، وهما يتجهان نحو عفرين، وهما الجغرافيا المتمثلة بسد طبيعي هو نهر الفرات الذي اوقف زحف الاكراد غرب كوباني باتجاه عفرين، والحاضنة السكانية الموالية الخالية من اي قرى كردية تقريبا غرب الفرات، حيث مدينتان باتتا من معاقل التنظيم بريف حلب الشمالي، هما منبج وجرابلس، ويستبعد أن تنجح قوات التحالف والاكراد في التقدم اكثر في هذه المنطقة بعد نهر الفرات، ولو تساءل احدهم قائلا ولماذا لا تمارس الولايات المتحدة قصفا عنيفا وتدمر القرى، كما فعلت في قرى تل ابيض العربية التي هجرتها وابقت القرى الكردية، والجواب هو ان القصف الجوي كما قلنا سيكون محدود النتائج زمانيا، اذا لم يقترن بحواضن تدعم بقوات برية عقائدية كالميليشيات الكردية، وهذا الامر غير متوفر في معظم المناطق السنية في سوريا والعراق، اذ لا توجد قوة سنية عقائدية منضبطة وكفوءة عسكريا قادرة على مواجهة «تنظيم الدولة» ومهاجمته على الارض، بعد أن يقوم التحالف بالقصف العنيف جوا، وان وجدت فهي لن تحظى بحاضنة كبيرة في الوقت الراهن، كما حظيت به عام 2007 بالعراق مثلا، ولهذا ينفذ التحالف قصفه على المناطق السنية بوتيرة اقل من المناطق الكردية، ببساطة لان القصف بالمناطق الكردية مجد لوجود قوات وحاضنة يمكنها اكمال المهمة وترجمة القصف الجوي إلى واقع على الارض.

قد تبدو تكريت السنية التي نجح القصف باخضاعها خارجة عن السياق، ولكنها ليست كذلك، فرغم انها مدينة سنية الا انها تشكو من عامل البيئة السكانية المخلخلة في محيطها الذي يلعب دورا في خطوط الامداد، فجنوبا سامراء التي باتت ثكنة للقوات الحكومية والحشد الشيعي، وجنوبا ايضا بلد والدجيل البلدتان الشيعيتان اللتان تؤمنان خط امداد لسامراء وتكريت وتخنقان اي محاولة للهجوم على الضلوعية ايضا (وهي كمدن صلاح الدين تعاني من بيئة منقسمة لان جزءا من سكانها السنة موالون للصحوات الحكومية المعادية لتنظيم الدولة)، وهذه العوامل عززت من فرصة قوات عقائدية، كالحشد الشيعي في اتمام مهمته بالغزو الخارجي لمدن سنية كسامراء وتكريت، مدعوما بقوى عسكرية مفرطة ايرانية وامريكية.. ورغم ذلك فلن يستتب للحشد الاستقرار والسيطرة بأي مدينة سنية ما لم يقم بحل معضلة البيئة السنية، وهي وان لم تكن كلها معادية له بالقدر نفسه، إلا أن جزءا يسيرا منها قد يكفي لدعم قوة تمرد مناوئة له مستقبلا، ولهذا يعمد الحشد الشيعي للحل الوحيد، تغيير الديمغرافيا، فنجده يحول قصور صدام حسين في تكريت لمزارات شيعية ويحتل المناطق المجاورة لها ليشيعها رويدا رويدا، إن كان بتحويل السكان مذهبيا أو بجلب عائلات شيعية وبسيناريو الامامين الهادي والعسكري في سامراء نفسه. لذلك وبسبب انعدام القرى الشيعية كلما صعدنا شمالا، نحو بيجي والحويجة، فان مهمة الحشد الشيعي في الهجوم تزداد تعقيدا، حيث تصبح البيئة السكانية اقل انقساما، والقرى السنية توفر محيطا مؤمنا لخطوط الامداد حتى الموصل (ما عدا الشرقاط ربما التي تسكنها عشيرة الجبور المنتمين للصحوات والذين تم قمعهم بشدة من «تنظيم الدولة»).. طبعا نحن تجنبنا الحديث عن القوات الحكومية وقوات الصحوات السنية المزمع تشكيلها لانهما قوتان اضعف عقائديا ومهنيا من «تنظيم الدولة» بمراحل، لذلك قد لا ينجح حتى القصف الجوي بمساندتهم حتى إن كان شرسا ومركزا.

إن النزاع المسلح الذي يدور الان يخضع لواقع وفصول الحروب الاهلية، فببساطة يسيطر المسلحون الاكراد على مناطقهم، والشيعة على مناطقهم بالعراق وسوريا، وان كانت محاصرة من قبل السنة، كما في ريف حلب وادلب، والعلويون على مناطقهم، والدروز على مناطقهم، ويسيطر المقاتلون السنة المتمثلون بتنظيمي الدولة والنصرة على معظم المناطق السنية في العراق وسوريا، وبسبب انقسامات الفصائل السنية في سوريا، تحديدا، فهم يبدون عاجزين رغم تفوقهم العددي والجغرافي عن اسقاط النظام وتحقيق نجاحات بمواجهة تماسك نظرائهم. وهكذا فان القوة العسكرية الخارجية التي تريد ادامة سيطرتها على مدينة او حيز جغرافي يعاديها سكانيا، تلجأ للحل الوحيد، وهو تغيير الديمغرافية، التطهير العرقي، ولذلك يمنع الحشد الشيعي سكان تكريت وجرف الصخر من العودة اليها.. ولهذا ايضا انسحبت اسرائيل من غزة، ومن جنوب لبنان.. لأن قوته العسكرية المفرطة فشلت في ابقاء السيطرة لوقت طويل، بينما نجحت الديمغرافيا التي لم يستطع الاسرائيليون تغييرها، استطاعت بنفسها الطويل انهاك الآلة العسكرية المتفوقة، وافقادها الهيمنة، ليبقى لرئيس الوزراء الاسرائيلي امل وحيد وهو تمني غرق غزة في البحر!

٭ كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

القدس العربي

 

 

 

 

ربيع الكرد في المنطقة/ جهاد الرنتيسي

ينتزع الكرد حقهم في وضع بصمتهم على فصل جديد من التاريخ ببروزهم في مشهد اقليمي مرتبك يغذي تحولاته تاريخ من غياب الثقة وصراع دولي على تحديد الشكل المقبل للمنطقة.

الانتصار الذي حققوه في تل ابيض وقتالهم في كوباني وغيرها من قبل بعض تجليات الحضور الذي يكرسهم طرفاً فاعلاً في مواجهة داعش فيما يتبادل النظام والمعارضة السوريين الاتهامات بالتحالف مع التنظيم القادم من ظلمات التاريخ.

لا يخرج عن هذا السياق تجربة كرد العراق الذين تحولوا في مناطقهم إلى حالة من الاستقرار السياسي والاقتصادي وباتوا الطرف الذي يهابه داعش والحشد الشعبي ويحاولان تجنب الصدام معه على خطوط التماس.

نجاح حزب الشعوب الديمقراطية في الوصول إلى البرلمان يكرس الكرد عنصراً فاعلاً في المشهد السياسي التركي المأزوم ورقماً صعباً يدفع النظام السياسي التركي إلى اعادة حساباته في طريقة تعامله مع الأقليات.

كما اعادت مواجهات مهاباد قبل أشهر مظلومية الكرد إلى دائرة الضوء التي تتسع لأقليات أخرى تواجه التمييز في عتمة نظام ثيوقراطي يحاول عبثاً إخفاء أبعاده العرقية والقومية الطاغية على تركيبته والضابطة لإيقاع سياساته الداخلية والخارجية.

في ساحات وجودهم الأربع أثبت الكرد مجدداً أنهم نموذج للشعوب التي عجزت منعطفات التاريخ عن ابتلاع قضاياها كما أنهم قوة دفع إيجابية في المنطقة فهم محاربون في مواجهة قوة ظلامية تحاول إعادة البلاد وأهلها قروناً إلى الوراء، طلاب حرية وكرامة يرفضون التمييز ولديهم ما يقدمونه لإخراج الأقليات من مظلومياتها، ويمتلكون من القدرات ما يمكنهم من إدارة دول وأقاليم وتقديم مبادرات خلاقة.

مثل هذه المواصفات تتيح للدور الكردي هامشاً أوسع من المناورة على المدى المنظور وتمكنه على مدى أبعد من المساهمة في دفع عجلة الاستقرار والبناء ووقف انزلاق المنطقة إلى قعر الهاوية.

وعلى الجانب الآخر تضيق هوامش قدرة بقايا النظام الإقليمي على طمس الهوية الكردية والتنكر لحق الكرد في تقرير مصيرهم بعد أن أفلتت أطراف خيوط اللعبة أو تكاد من بين أصابعه بعد الضربات التي تلقاها خلال السنوات القليلة الماضية.

التطورات المتلاحقة في المنطقة توحي بواقع جديد للكرد لكن استمرار نجاحاتهم في توسيع حضورهم الإقليمي والخروج من دائرة المظلوميات التي لحقت بهم على مدى العقود الماضية يبقى محكوماً بعدة عوامل بينها القراءة الواضحة لمتغيرات المعادلات الإقليمية والدولية التي دفع الشعب والقيادة الكرديين ثمناً باهظاً لغموضها، وقدرتهم على تدعيم جسور الثقة مع شركائهم وجيرانهم من شعوب وأقليات المنطقة تجنباً لحروب عبثية تزيد من أكلاف المنجز الكردي، واتفاق الكرد على تصورات مشتركة لحل قضيتهم المعلقة على مشجب تقاطعات المصالح الدولية وتطرف النظرة القومية والعرقية في الشرق، في الوقت الذي تملي الوقائع الجديدة وإفرازاتها على بقية الأطراف القومية والعرقية في المنطقة ـ بما في ذلك العرب ـ إجراء ما يكفي من المراجعات الفكرية والسياسية للتعامل مع ساعة قيامة الكرد باعتبارها حقيقة واقعة.

موقع 24

 

 

 

 

 

تل أبيض تحيي هواجس أنقرة من كردستان الكبرى/ وسيمة بن صالح-أنقرة

عاد الملف الكردي ليتصدر قائمة الملفات الساخنة على طاولة المسؤولين الأتراك، فقد أيقظت سيطرة قوات حماية الشعب الكردية على مدينة تل أبيض شمال سوريا قرب الحدود مع تركيا هواجس أنقرة بخصوص تأسيس دولة كردستان الكبرى في المنطقة.

ورغم إقرار خبراء سياسيين وعسكريين بأن الوضع لم يصل لمستوى الاستنفار السياسي والأمني لكنهم أكدوا أن تركيا لن تقف دون حراك في حال تنامي تلك الهواجس على أرض الواقع.

وبدعم جوي من قوات التحالف الدولي تمكنت القوات الكردية وفصائل من الجيش السوري الحر من السيطرة على مدينة تل أبيض بعد معارك مع تنظيم الدولة، وهو ما أدى إلى موجة لجوء جماعي لسكان المدينة إلى داخل تركيا، فقد ذكرت المصادر التركية أن أكثر من 23 ألف لاجئ سوري دخلوا الأراضي التركية هربا من الصراع في مدينة تل أبيض، أغلبهم من العرب والتركمان.

تطهير عرقي

وعبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن قلقه تجاه الأمر، واتهم الغرب باستبدال “جماعات إرهابية بمثيلاتها” شمال سوريا، في إشارة إلى القوات الكردية التي تتبع حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعتبره أنقرة الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني المتصدر قائمة الإرهاب لديها.

من جهته، صرح بولنت أرينتش نائب رئيس الوزراء التركي بأن بلاده تلمس مؤشرات على ”تطهير عرقي تقوم به جماعات كردية وإسلامية متشددة في إطار قتالها للسيطرة على أجزاء من شمال سوريا”.

كما أعلنت وزارة الخارجية التركية على لسان المتحدث باسمها تانجو بيلغينتش رفض تركيا محاولات إقامة منطقة كردية أو التأثير على بنية المنطقة بشمال سوريا.

وأكد المسؤول التركي على ضرورة إقامة منطقة عازلة للحد من موجات اللجوء الكبيرة، ومنع تجمع آلاف اللاجئين على الحدود التركية بانتظار السماح لهم بدخول الأراضي التركية، كما أشار إلى أن بلاده تراقب التطورات الأخيرة وستحدد سياستها حيال ذلك حسب الوضع.

وتتمركز 15% من القوات العسكرية البرية التركية على طول الحدود مع سوريا، في إشارة من أنقرة إلى أن الوضع الراهن لا يستدعي تعزيز تلك القوات.

كردستان الكبرى

وأشار المحلل السياسي التركماني علي سيمين في حديثه للجزيرة نت إلى أن “التطورات الأخيرة ستزيد من الضغوطات على أنقرة، خاصة مع عدم توصلها لحد الآن إلى تشكيل حكومة في البلاد”.

وأكد سيمين أن الصراع السوري الداخلي بات -وبشكل جدي- يمثل عبئا ماديا كبيرا على تركيا.

ورغم إقراره بأن تركيا ليست ضد أكراد سوريا لكنه أكد أنها ”لن تقبل إقامة منطقة حكم ذاتي كردية شمال سوريا”.

بدوره، اعتبر الخبير السياسي الكردي بلال سمبور أن سيطرة القوات الكردية على تل أبيض “تشكل تهديدا كبيرا لأنقرة”. وعزا ذلك -في حديثه للجزيرة نت- إلى الموقع الإستراتيجي للمدينة الذي قال إنه ”بات الحلقة المباشرة التي تصل المناطق الخاضعة للأكراد شمال سوريا”.

ويعتقد سمبور أن المسؤولين الأتراك لن يدخروا جهدا في المستقبل لجذب انتباه المجتمع الدولي إلى ”أن الجماعات الإرهابية الكردية والإسلامية المتشددة باتت على مشارف حدود بلادهم”. ولم يستبعد أن “تطلب أنقرة القيام بعمليات عسكرية خارج حدودها لحماية أراضيها”.

وعلى الصعيد العسكري، وصف الخبير العسكري جاهد أرمغان التطورات الأخيرة في شمال سوريا بأنها نذر لبدء الأكراد “بشكل فعلي” بإقامة كردستان الكبرى.

واعتبر في حديثه للجزيرة نت أن “الأكراد هم أكبر المستفيدين من تواجد تنظيم الدولة، لأنهم ضموا العديد من المناطق إلى سيطرتهم عقب كل صراع لهم مع عناصر التنظيم في العراق وسوريا”.

وشدد أرمغان على ضرورة تغيير أنقرة طبيعة علاقاتها مع واشنطن والسعودية اللتين -كما قال- “تدعمان إقامة دولة كردية في المنطقة”.

وأشار إلى أنه في حال عدم حصول تركيا على دعم بهذا الخصوص من الدول الصديقة فهناك احتمال كبير في رأيه أن تبدأ مجددا عملياتها العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني وبالتالي أذرعه الأخرى.

الجزيرة نت

 

 

 

ما بعد معركة تل أبيض… حسابات كردية وتركية معقّدة/ خورشيد دلي

انتهت معركة تل أبيض سريعاً وعلى نحو مفاجئ، إذ ان الجميع كان يتوقع ان «داعش» سيقاوم بشراسة وحتى النهاية في الدفاع عن المدينة، نظراً لأهميتها الإستراتيجية للتنظيم وكذلك لتداعيات خسارتها على بقية المناطق التي يسيطر عليها. فالمدينة التي تقع على بعد مئة كليومتر من مركز محافظة الرقة عاصمة داعش، وتتصل شرقاً بمدينة رأس العين التي تشكل جسراً لمحافظة الحسكة والمناطق الكردية المفتوحة على إقليم كردستان العراق، وتربط غرباً محافظة حلب بمحافظتي الحسكة والرقة… كانت تشكل بوابة استراتيجية للتنظيم مع تركيا، حيث تقول التقارير ان معظم المقاتلين القادمين عبر تركيا للالتحاق بالتنظيم في محافظتي الرقة ودير الزور كانوا يستخدمون منطقة تل ابيض معبراً للدخول، مع الإشارة إلى طول الحدود الإدارية لمناطق تل أبيض مع تركيا هي بحدود 70 كليومتراً، كما ان المعبر يشكل بوابة اقتصادية لـ «داعش» الذي يتحكم بطرق التجارة ونقل البضائع وتهريب النفط وفرض الضرائب. ولعل ما كان يدل على أهمية تل أبيض لـ «داعش» منذ سيطرته على المدينة قبل نحو عام، هو فرضه طوقاً أمنياً محكماً على المناطق الشرقية والغربية للمدينة بغية قطع التواصل أمام الوحدات الكردية والقوى المتعاونة معها من «غرفة بركان الفرات» التي تضم مجموعة من فصائل الجيش الحر والتي قاتلت إلى جانب الوحدات الكردية في كوباني. كما ان التنظيم اعد تحصينات دفاعية وحفر أنفاقاً وخنادق وفخخ العديد من المساحات للحؤول دون خسارتها مستقبلاً. ولكن على رغم كل ذلك، خسر التنظيم هذا المعقل المهم وفي شكل فاجأ الجميع بما في ذلك القوى المهاجمة التي دخلت المدينة. وعليه يمكن القول ان الدرس الذي ينبغي استخلاصه من معركة تل ابيض هو ان تنظيم «داعش» بقدر ما هو قوي في الهجوم من خلال الكثافة النارية والسيارات المفخخة بقدر ما هو فاشل ولديه ثغرات في الدفاع.

احتلت معركة تل ابيض مكانة كبيرة لدى الأكراد، ودليل ذلك الاستعدادات الكبيرة والمسبقة لوحدات حماية الشعب، وكذلك طريقة الهجوم من الشرق (رأس العين) ومن الغرب (كوباني)، إذ كان الأكراد يرون ان بقاء المدينة تحت سيطرة داعش يعني ان المناطق الكردية أو ما يعرف بالكانتوتات الثلاثة (الجزيرة – كوباني – عفرين) ستبقى مقطوعة الأوصال ولا يمكن الانتقال عبرها كردياً، بل ان الرؤية الكردية تتجاوز الانتقال إلى قضية جوهرية تتعلق بصلب الدفاع عن المناطق الكردية شرقاً وغرباً، حيث من المعروف ان الهجمات التي نظّمها «داعش» ضد المناطق الغربية من محافظة الحسكة، خصوصاً رأس العين نفذها عناصر التنظيم المهاجمة من ريف تل ابيض المؤلف من قرابة 400 قرية وبلدة، والأمر نفسه ينطبق غرباً على كوباني، وعليه كانت في صلب الإستراتيجية الكردية إزالة هذا العنصر الأمني المهدد لعمق المناطق الكردية، ولعل ما جرى يزيد من ثقة الأكراد بقدراتهم، وربما التفكير بربط هذه المناطق بمنطقة عفرين في أقصى الشمال، كي يصبح الشريط الحدودي السوري مع تركيا بمعظمه مترابطاً في شكل قطعة جغرافية واحدة تحت سيطرتهم. ولعل ما يشجعهم على هذا الأمر الحماية الجوية للتحالف الدولي، لاسيما الأميركي. وذلك يؤجج المخاوف التركية من إقامة إقليم كردي في شمال سورية على غرار إقليم كردستان العراق، يتمتع بمواصفات البقاء ويمتلك عناصر الديمومة، وهو ما يزيد من القناعة بأن مقدمات إقامة دولة كردية في المنطقة باتت ترسم ملامحها على وقع الرغبة المعلنة لإقليم كردستان العراق في نيل الاستقلال، والصعود الكردي في تركيا في مرحلة ما بعد الانتخابات البرلمانية.

حسابات تركيا

مع الغياب العسكري للنظام السوري عن منطقة تل ابيض تبدو تركيا معنية أكثر من غيرها بما جرى هناك، لا لأن المنطقة حدودية على غرار المناطق الأخرى كما في محافظتي حلب وإدلب حيث معارك عنيفة بين الجماعات المتقاتلة، وإنما لوجود العنصر الكردي المتمثل بحزب العمال الكردستاني وفرعه السوري (حزب الاتحاد الديموقراطي) والوحدات المقاتلة التابعة له، فتركيا ترى ان سيطرة الأكراد على هذه المنطقة ستنعكس على قضيتها الكردية في الداخل في هذا التوقيت، ولاسيما بعد الصعود الكردي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وتفجر المارد القومي الكردي من قمقمه وتحول دياربكر (آمد) إلى مركز إشعاع قومي كردي يتطلع إلى شكل من اشكال الحكم المحلي. وعليه ما ان حررت وحدات حماية الشعب تل ابيض من سيطرة «داعش» حتى خرج رجب طيب أردوغان ليقول: لن نسمح بسيطرة الحزب الكردي على المنطقة الحدودية، وانهالت الاتهامات للأكراد بتطهير عرقي ضد العرب والتركمان، مع انه من الطبيعي في حالات الحروب والمعارك هروب اعداد من السكان خوفاً من القتل، لكن اللافت ان معظم هذه الاتهامات جاء من تركيا، بما في ذلك من الائتلاف الوطني السوري الذي أصدر بياناً بهذا الخصوص، مع أنه لا دليل على ارتكاب أعمال تطهير عرقي في تل ابيض فبدت الاتهامات كأنها صدى لتصريحات أردوغان.

في كل الأحوال، ما جرى في تل أبيض ستكون له تداعيات على تركيا وسياستها الكردية في المرحلة المقبلة، فتركيا باتت جارة لدولة كردية تمتد من الحدود مع ايران والعراق إلى اقصى شمال غربي سورية على المتوسط، وهي أمام الصعود الكردي هذا ترى ان الخلاف بينها وبين حليفتها التاريخية الولايات المتحدة في ازدياد ولاسيما في ظل التقارير الأميركية التي تحدثت عن احتمال نقل قاعدة انجرليك من تركيا إلى إقليم كردستان العراق، بل حتى الحديث عن إمكان اخراج تركيا من الحلف الأطلسي بعد ان باتت لها أجندة خاصة تتعارض مع أجندة الحلف، كما ذهب كُتّاب في الصحف الأميركية وحتى التركية. في المحصلة ما جرى في تل ابيض انتكاسة ثانية لـ «داعش» بعد انتكاسة كوباني، ومع تحقُّق التواصل الجغرافي بين هذه المناطق كردياً تحتل القضية الكردية مساحة أوسع على طاولة القضايا المتفجرة في المنطقة، فيما تزداد محنة تركيا في شأن كيفية التعاطي مع هذا الصعود الكردي.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

حلم الأكراد: أميركا في السماء وعلى الأرض الكانتونات/ إيلي حنا

لا يقف تقدّم «وحدات حماية الشعب» الكردية أمام تنظيم «داعش» في مناطق متعددة في الشمال السوري عند حدود الميدان. فحزب «الاتحاد الديمقراطي» يعمل لتثبيت سيطرته في «كانتوناته» الثلاثة، عبر ربط بعضها ببعض، ودخول مناطق «غير محسوبة عليه» عبر نسج تحالفات مع عشائر عربية وقوى أشورية وسريانية وفصائل من «الجيش الحر». الطائرات الأميركية في السماء والأكراد يخطّون حدود إدارتهم ليفرضوا أمراً واقعاً على الجميع، وأوّلهم الدولة السورية

منذ شهور نشر السياسي الكردي السوري نوري بريمو «خريطة كردستان سوريا» الممتدة من عين ديوار، أقصى الشمال الشرقي، إلى الاسكندرون غرباً. الخريطة لاقت ردود فعل مختلفة داخل الشارع الكردي والمعارضة السورية. بريمو يُعتبر خصماً لحزب «الاتحاد الديمقراطي»، كونه ينتمي إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، لكن يجمعهما مظلّة «المرجعية الكردية» المتفق عليها في أربيل.

اليوم، بعد السيطرة على بلدة تل أبيض في ريف الرقة، قطع الأكراد شوطاً في تطبيق خريطة بريمو من دون أن يكون ذلك هدفهم المعلن. في أدبيات الحزب الكردي الانفصال خط أحمر. لكن الحكم الذاتي توسّع جغرافياً عبر وصل «كانتونيّ» الجزيرة (الحسكة) بكوباني (عين العرب)، ثم لتستكمل المحاولة نحو عفرين في أقصى الشمال الغربي.

كل الظروف الميدانية والسياسية مواتية للأكراد. جيش مدرّب ومطعّم بقيادات وعناصر خبرت القتال في جبال قنديل التركية، وذراع جوية اسمها «التحالف الدولي»، أي أميركا وحلف شمال الأطلسي. أما اقتصادياً، فهم مسيطرون على الحقول النفطية في رميلان، ومعامل غاز في السويدية، ومحالج قطن في ريف الحسكة، إضافة إلى سهول قمح وتجارة المواشي.

دولياً، العلاقة مع واشنطن تنمو بعد اللقاءات المعلنة الأخيرة مع الأميركيين (كاللقاء مع السفير دانييل روبنشتاين في 12 تشرين الاول الماضي في باريس)، إلى «الفتح السياسي» في قصر الاليزيه عبر استقبال الرئيس فرانسوا هولاند لقيادات سياسية وعسكرية من حزب «الاتحاد».

لا شيء يوقف الأكراد اليوم. لا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان «المغلوب» على أمره، والمتلهّي بتداعيات الانتخابات البرلمانية، إلى الجيش السوري الذي كان قد أبرم اتفاقات داخلية مع «وحدات حماية الشعب» نُقض معظمها.

زواج «التحالف» والأكراد «جدّد عهوده» في ريف الرقة. نذور العلاقة أزهرت عشرات الغارات في تل أبيض وريفها وقبلها في جبل عبد العزيز وتل حميس وتل براك (ريف الحسكة).

«التحالف» لا يقصف سوى بالتنسيق مع الأكراد. هذا ما أوحى به الهجوم المتواصل لأيام الذي قادته «داعش» لاقتحام مدينة الحسكة. مصادر سورية تؤكد أنّ الجيش السوري أحبط مخطّطاً لإسقاط المدينة، ثمّ لتحريرها عبر الأكراد وحلفائهم بمساعدة «التحالف» ليخرجوا الدولة السورية من المنطقة.

مصدر سوري رسمي في محافظة الحسكة قال إنّ «الوحدات الكردية لا تنسّق معنا أبداً. هي منذ فترة تنسق مع التحالف الدولي الذي تتزعمه أميركا، وهي بدعمهم هذا للأكراد يشجعونهم على تحقيق مشروع سياسي محدد للانفصال عن الجسد السوري وخلق كيان في المنطقة».

مرجع رسمي: الجيش لن يفرّط بأي شبر من الأراضي السورية

القيادي في «حركة المجتمع الديمقراطي»، عبد السلام الأحمد، يرى أنّ «نظام الحزب الواحد القائد وحصر كل الصلاحيات بيد الحكومة قد أثبت فشله. وأثبتت تجارب الدول التي تعتمد اللامركزية السياسية أنها من أنجح نظم الحكم، ومشروع الإدارة الذاتية المعمول به الآن يأتي في هذا الإطار، والذي نأمل أن يصبح نموذجاً يحتذى بها في بقية المناطق السورية».

أحمد يرى اليوم أنّ هناك «مصلحة مشتركة في القتال في خندق واحد» مع قوى «التحالف الدولي»، التي وجدت في «وحدات حماية الشعب القوى الجديرة بالثقة والاعتماد في القتال على الأرض في جميع جبهات القتال». أما بخصوص الاتهامات بانتهاكات إنسانية وأعمال تطهير عرقي بحق العرب في القرى المسيطر عليها حديثاً، فيصف ذلك بأنّه «إشاعات يروّجها البعض بقصد إحداث الشرخ في صفوف القوى الديمقراطية، وإثارة هواجس الشريك العربي في الوطن السوري. أنتم تعلمون بأن المدنيين يغادرون ويرحلون من المناطق التي تشهد قتالاً، وللحفاظ على حياتهم نضطر أحياناً إلى إخلاء منطقة الاشتباكات، كذلك فإن الدواعش زرعوا كل المناطق التي اندحروا منها بالمفخخات، وسيعود السكان إلى مناطقهم كما حصل في سري كانيه (رأس العين) وكوباني (عين العرب) وغيرها».

إدارة المناطق غير الصافية كردياً ليست مشكلة بالنسبة إلى الحزب الذي وجد حلّاً عبر إشراك «مكونات» أخرى في إداراته، كالعشائر العربية وممثلين عن السريان والأشوريين.

في تل أبيض، مثلاً، يقول أحمد إنّ «كل المدن التي يتم تحريرها يوكل أمر إدارتها إلى السكان المحليين حيث يتم تشكيل مجالس للحارات وكذلك مجالس بلديات، وهو ما حصل في تل حميس وتل براك»، مؤكداً أنّ المناطق المحررة «لن يتم تسليمها لأيّ قوة عسكرية مهما كان تسميتها، وستدار من قبل ممثلي المكونات المشاركين في الإدارة الذاتية الديمقراطية».

من جهته، يكشف عضو «ديوان المجلس التشريعي لمقاطعة الجزيرة»، أكرم محشوش، أنّ مدينة تل أبيض ستسلّم لـ«لواء ثوار الرقة» و«غرفة عمليات بركان الفرات» لإدارتها بالطريقة التي تراها مناسبة مع دعم من «وحدات الحماية». محشوش يرى أنّ ما تقوم به «الوحدات هو تطهير أرض سوريا، وبالتالي سيكون له انعكاسات على كل سوريا»، مشيراً إلى «أنّه لا انفصال أبداً… الانفصال خط أحمر، ولا يمكن حتى نقاشه، وليس القبول به، فالمشروع واضح هو إدارة ذاتية لامركزية للمناطق فقط».

لكن عبد السلام أحمد يؤكد أنّه ستكون هناك «معارك في كل المناطق التي تشكل خطراً وتهديداً. وحدات حماية الشعب مكلفة بالدفاع عن الشعب السوري بغض النظر عن الانتماء القومي والدين. قاتلت الوحدات في تل تمر وقرى الخابور حيث المكوّن الأشوري المسيحي، وكذلك تل حميس وتل براك وحررت هذه القرى بدماء عشرات الشهداء حيث اختلط دم الكردي مع السرياني والأشوري والعربي… ستقاتل الوحدات حيث تقتضي مصلحة الشعب السوري وقواه العاملة على بناء سوريا الديمقراطية اللامركزية».

وعن التخوّف من مواجهة مباشرة مع تركيا، رأى القيادي الكردي أنّ «تركيا ليست في وارد المواجهة المباشرة ولا تملك إمكانات ذلك. الحكومة التركية من خلف الستار تحرّك بعض الجماعات الجهادية الإسلامية التي نشرت الفوضى والدمار ومزقت النسيج المجتمعي السوري».

قيادي سوري في محافظة الحسكة، الذي كان على تنسيق دائم مع حزب «الاتحاد الديقراطي»، يفضّل إبقاء هذا التنسيق للحفاط على أمن المحافظة وسلامتها، لكن الريبة والشكوك تدور في رأسه لأنهم «يسعون لافتعال المشاكل بهدف جر الجيش إلى معارك معهم، وبالتالي محاولة الهيمنة على المحافظة وإخراج الدولة السورية منها». هذه الشكوك لديها ما يترجمها على الأرض، بدءاً من اشتباكات مدينة الحسكة بين الجيش والأكراد (كانون الثاني الماضي) في محاولة من الأخيرة لتوسيع نطاق سيطرتها في المدينة، ثمّ رفض المشاركة في قتال «داعش» في هجومه على المدينة منذ أيام كونهم لا وجود لهم في الأحياء المهاجَمة، وأخيراً تطويقهم لسجن علايا في القامشلي أول من أمس، للمطالبة بموقوفين بعد عمليات خطف متبادل.

«رئيس هيئة الدفاع في مقاطعة الجزيرة»، عبد الكريم صورخان، يرى أنّ التعاون بين «التحالف» و«الوحدات» جاء «نتيجة التقاء المصالح في رغبة الوحدات في التخلص من خطر داعش ورغبة الولايات المتحدة في نجاح حملتها وتحقيق انتصارات تضعف داعش في المنطقة».

وأكد أنّه «ربما يكون لأميركا والدول الغربية أفكار تتعلق بمشاريع تقسيم أو غيرها. وأنا لا أعتقد ذلك، لكن من المستحيل أن نكون أداة لتقسيم سوريا، فوحدة تراب سوريا خط أحمر بالنسبة إلينا، ونحن نرى أن نموذج الإدارة الذاتية اللامركزية هو النموذج الأمثل لإدارة سوريا. نحن نؤمن بمفهوم الأمة الديمقراطية التي تضم كل مكونات الشعب، ونعمل على تقوية الأمة الديمقراطية، ولا نؤمن بتقوية القومية الكردية على حساب باقي القوميات والأديان».

اليوم، تحطّ الأنظار حول معركة «الوحدات ــ التحالف» المقبلة، وإذا ما كان الأكراد في صدد ربط كانتوناتهم الثلاثة جغرافياً بعضها ببعض، وبالتالي الهجوم نحو جرابلس لربط عفرين بكوباني. إذ يروي صورخان أنّه «أينما رأينا أن هناك خطراً يمثّله داعش على شعوب المنطقة فسنتدخل لحماية شعوب المنطقة، وسبق أن أعلنا جاهزيتنا للدفاع عن أعزاز من هجمات داعش في حال طلب الشعب هناك مؤازرتنا». وعن المواجهة مع «جبهة النصرة» وحلفائها في المنطقة، قال «هذا متوقّف على تصرفات النصرة وإساءتها لشعوب المنطقة وارتكابها انتهاكات بحقهم». مرجع سوري رسمي يعتقد أنّ «هناك بعض القوى الدولية تعمل على دعم مكوّن دون آخر»، معتبراً في حديثه إلى «الأخبار» أن «الشعب السوري سيبقى متماسكاً وقوياً… وأن الجيش يمتلك القدرة على إعادة الأمن والاستقرار إلى كل أراضي سوريا، التي لا نفرّط بأي شبر منها»

جيش العشائر والسريان والأشوريين و«الحر»

لم تعد «الادارة الذاتية الديمقراطية» المعلن عنها في كانون الأول 2013 مجرّد أوراق أقرّت توزيع مهمات مدنية وعسكرية في الشمال السوري. منذ ذاك الاعلان، يتسّع أفق «الادارة» ليشمل قانون «الدفاع الذاتي» (التجنيد الاجباري) والتحكّم في كميات من النفط والغاز والقطن والقمح. سقوط «الموصل» و«إعلان الخلافة» نهاية حزيران 2014، خلق ذراعاً جوية في صيف ذلك العام، لتكون معارك الدفاع عن عين العرب (كوباني) بداية شهر أيلول أول تباشير التعاون الكردي ــ الأطلسي.

وبعد تقوية شوكة «الوحدات»، نجحت «الادارة الذاتية» في نسج تحالفات محلية وإشراك «مكونات أخرى» إلى جانبه مبعداً عنه شبهة «العنصرية القومية». إذ أصبحت قيادة «الوحدات»

تضم «جيش الصناديد» التابع لحاكم «مقاطعة الجزيرة» حميدي دهام الجربا، و«وحدات الحماية السريانية ــ السوتورو»، وقوات «حرس الخابور» الآشوري، وكذلك فصائل من «الجيش الحر»، المنضوية في «غرفة عمليات الفرات»، وأهمها «لواء ثوار الرقة».

الأخبار

 

 

 

 

لماذا سُلّمت تل أبيض إلى حلفاء الأسد؟/ حسان حيدر

أجمعت التحليلات والآراء على أن «داعش» تلقى «ضربة كبيرة» بخسارته مدينة تل ابيض عند الحدود مع تركيا، والتي قيل انها كانت تشكل طريق إمداد حيوية له بالمقاتلين والسلاح، وإن «وحدات حماية الشعب» الكردية حققت «انجازاً ضخماً» وأثبتت انها حليف للأميركيين في «محاربة الإرهاب» يعتمد عليه. لكن المحللين والمعلقين تناسوا حقائق واضحة تثير تساؤلات عديدة حول معركة تل ابيض ككل: اسبابها وتوقيتها ونتائجها.

أولاً، اعترف قادة من القوات الكردية التي دخلت المدينة بأنهم استولوا عليها من دون جهد عسكري فعلي. وقال احدهم ان «مقاتلي داعش انسحبوا من دون قتال يذكر. كان انتصاراً سهلاً». وهذا يعني ان السكان المدنيين، ومعظمهم من العرب السنّة، الذين فروا الى تركيا، انما فعلوا ذلك ليس بسبب المعارك، بل نتيجة «تجاوزات» أقر مسؤولون اكراد بحدوثها في تصريحات موثقة.

ثانياً، لا بد من الإشارة الى ان «داعش» لا يهرّب، بالطبع، الأسلحة والرجال من طريق المعابر الرسمية بين سورية وتركيا. ولو كان في حاجة الى ذلك، لقام به عبر المناطق الحدودية غير المراقبة والتي تمتد مئات الكيلومترات بين البلدين. وإذا كان قادراً على اختراق شبكات الأمن الحدودية التركية مثلما يفترض المحللون، فهو بالتأكيد قادر على اختراق تلك التي سيقيمها الأكراد في المناطق التي تمددوا اليها. أي ان تل ابيض ليست بالأهمية التي ألصقت بها، فالتنظيم المتطرف يمتلك من السلاح ما يفيض عن حاجته بعدما استولى منذ السنة الماضية على مخازن ضخمة للجيش العراقي في الموصل والرمادي مليئة بالأسلحة الأميركية، وبينها دبابات وآلاف الآليات العسكرية.

ثالثاً، تربط «وحدات حماية الشعب»، الذراع العسكرية لحزب «الاتحاد الديموقراطي» الكردي بقيادة صالح مسلم، علاقة وثيقة بـ «حزب العمال الكردستاني» بزعامة عبدالله اوجلان، المتحالف مع نظام بشار الأسد ووالده من قبله. وسبق لهذه «الوحدات» ان تعاونت مع الجيش النظامي السوري الذي اخلى مواقعه في مناطق وجودها بين الرقة وحلب، ليسمح لها بإقامة نوع من «الحكم الذاتي» هدفه الأساس مواجهة نفوذ «الجيش السوري الحر». حتى انها دخلت في مواجهات عنيفة مع «الجيش الحر» ومع فصائل كردية اخرى انتقدت تعاون مسلم مع نظام الأسد واتهمته باغتيال معارضيه.

رابعاً، تفيد بيانات عسكرية كردية وأميركية بأن «وحدات حماية الشعب» حصلت على غطاء جوي من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وكان التنسيق واضحاً بين الطرفين. لكن هذه «الفاعلية» الأميركية في «معركة» تل ابيض لم تظهر عندما تعلق الأمر بتقدم «داعش» في تدمر مثلاً بعد انسحاب الجيش النظامي منها بلا قتال، او عندما حشد قواته لاحتلال الرمادي التي انسحب الجيش العراقي منها بلا قتال ايضاً.

خامساً، ثمة دلائل ومؤشرات عديدة ومتكررة الى ان «داعش» الذي يخوض معارك ضد فصائل المعارضة السورية في اكثر من جبهة، يرتبط بعلاقات استخباراتية واضحة بالنظامين السوري والإيراني، سهلت له التوسع في سورية والعراق، بهدف تأكيد ما يواصل حاكم دمشق وحلفاؤه ترديده من ان العالم سيواجه في حال سقوطه «تنظيمات ارهابية». وهو افتراض تتبناه الولايات المتحدة ايضاً وتقول انها تخشاه لتبرير امتناعها عن تقديم دعم جوهري للمعارضة السورية.

لكن لماذا يضطر «داعش» المتعاون مع نظام الأسد، الى إخلاء مناطق خاضعة لسيطرته لتتسلمها قوات حليف آخر للنظام، اي «الاتحاد الديموقراطي» الكردي؟

السبب هو التقدم الميداني الذي حققته أخيراً قوات المعارضة، وخصوصاً الفصائل الإسلامية التي وحدت جهودها، في جبهات درعا وحلب وإدلب، والذي أقلق الأميركيين المتمسكين عملياً ببقاء الأسد الى حين الاتفاق مع الروس والإيرانيين على استبداله، بما لا يتعارض مع مصالح اسرائيل الحريصة على بقائه. ذلك ان واشنطن تعرف ان لتركيا دوراً في إنجاز هذا التنسيق المستجد في صفوف المعارضة، والذي يقال انه يلقى دعماً خليجياً. ومع ان «داعش» كان منتشراً عند الحدود التركية، الا ان اي عمل كان يمكن ان يقوم به كان سيضطر الأميركيين وحلفاءهم الى مشاركة الأتراك في الرد عليه، اما اكراد «الاتحاد الديموقراطي» فلا يشكلون قلقاً سوى لأنقرة وحدها، ومنحُهم المزيد من الأرض والقدرات العسكرية قد يدفعها الى فرملة سياستها السورية الجديدة التي تخطت «الحدود» الأميركية.

 

 

 

 

 

معركة تل أبيض/ بكر صدقي

■ في أقل من أسبوع تمكنت قوات كردية – عربية مشتركة من تحرير مدينة تل أبيض الحدودية من سيطرة «الدولة الإسلامية» التي دامت نحو عام ونصف العام، وخرج المعبر الحدودي (تل أبيض – أقجة قلعة) من يد التنظيم الذي كان يستخدمه بوابةً لنقل الرجال والسلاح في اتجاه، ولنقل النفط وجرحى التنظيم (إلى المستشفيات التركية) في الاتجاه الآخر.

هذه هي الخلاصة العسكرية للمعركة. أما خلاصتها السياسية فيمكن استنتاجها من تصريح رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان الذي قال إن «طيران التحالف يقصف العرب والتركمان ويرغمهم على النزوح، ليحِلَّ محلهم مقاتلي pyd وpkk».

في جينات الدولة التركية خوف أزلي من نشوء دولة كردية مستقلة تعيد تقسيم تركيا بعد تفكك الامبراطورية العثمانية. وسواء كان القوميون المتشددون يحكمون تركيا أو الإسلاميون المعتدلون أو العلمانيون أو الجيش، يبقى هذا الخوف هو الرائز الأهم لرسم السياسة الخارجية التركية تجاه جوارها الاقليمي. الخطر الإرهابي الجهادي المتمثل في «داعش» أو النصرة أو أخواتهما هو، في نظر الدولة التركية، خطر طارئ مؤقت، مقابل الخطر الدائم الذي يشكله الكرد. هذا الرائز «الغريزي» هو الذي جعل أردوغان وأركان حكمه يقفون في الجانب الخاطئ من الصراع الكردي – الداعشي، فيشجعون الأخير ويدعمونه ويقدمون له التسهيلات اللوجستية لتحجيم القوة الكردية الممتدة على الجانب الآخر من الحدود مع سوريا.

لكن للمسألة بعدها الآخر المتعلق بالثورة السورية ومآلاتها في السنوات الأربع الأخيرة، حيث غلب على فصائلها المسلحة الفاعلة الطابع الإسلامي الجهادي بصورة متدرجة، إلى درجة تحولت معها ثورة الحرية والكرامة إلى «ثورة إسلامية»، وبخاصة في الشمال والشمال الشرقي. بعد أكثر من سنتين من هذا التحول الكارثي لم يعد ينفع ذلك التفسير الصحيح لهذه الظاهرة بأنها نتاج طبيعي لوحشية النظام في مواجهة الثورة الشعبية، ولا طبعاً التفسير التآمري القائل إن المنظمات الجهادية (وخاصةً داعش) هي صنيعة النظام ودمية بيده للقضاء على الثورة. فالتحول المذكور حدث، بصرف النظر عن الجهة المسؤولة عنه (بطش النظام وأو السلبية الأمريكية، أو القوى الاقليمية المنخرطة في الصراع السوري). وتقع مسؤولية مواجهة هذا الخطر الجديد على ثوار سوريا الذين يواجهون، في الوقت نفسه، قوات الأسد وحلفائه اللبنانيين والعراقيين والأفغان وغيرهم. الواقع الأكثر مأساوية هو أن من وصفناهم بـ»ثوار سوريا» ليسوا أكثر من بقايا متفرقة من المجموعات الصغيرة التي تعلن انتماءها إلى «جيش سوري حر» لم يعد موجوداً على وجه التقريب. بدلاً من ذلك يدور الحديث عن «إسلاميين معتدلين» لا يوجد إجماع على تحديدهم. ففي حين يخرج البعض جبهة النصرة من هذا التصنيف، مكتفين بتشكيلات أبعد ما تكون عن الاعتدال كحال أحرار الشام وجيش الإسلام وما لف لفهما من المنظمات الجهادية، يعتبر آخرون النصرة جزءًا من قوى الثورة.

هل أراد النظام هذا التحول ونجح في تحقيقه؟ نعم. هل يستفيد النظام من هذا التحول إذا كان قادراً، في مساره الانحداري نحو السقوط المحتم، على الاستفادة من أي شيء؟ نعم، وإن كان فقط بكسب مزيد من الوقت لتدمير ما لم يكفه الوقت لتدميره من سوريا وطناً ونسيجاً اجتماعياً وبشراً وحجراً. سوف يواصل نظام الكيماوي والبراميل البدائية القاتلة مهمته المقدسة هذه حتى اللحظة الأخيرة قبل سقوطه. وأي تطور يؤخر هذه اللحظة ويمنحه مزيداً من الوقت لتنفيذ المهمة، هو تطور محمود من وجهة نظره، حتى لو كان ارتكاب مجازر بحق قاعدته الاجتماعية كما حدث في اشتبرق العلوية، أو بحق أقليات أخرى كما حدث في قرية قلب لوزة الدرزية في جبل الزاوية، أو في قرى قريبة من مدينة سلمية الإسماعيلية على يد داعش قبل أشهر.

طيران التحالف الدولي يضرب داعش، والفصائل الإسلامية «المعتدلة» تقاتل داعش، وجبهة النصرة تقاتل داعش، والنظام يقاتل داعش، في دير الزور على الأقل. والعالم كله موحد اليوم في أجندة سياسية – أمنية في مواجهة داعش. الطرف الوحيد الذي ألحق هزائم جدية بداعش هو قوات الحماية الشعبية التابعة للفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، مدعومة ببعض الكتائب الصغيرة من الجيش الحر (العربي ـ السني). وهو الطرف المتهم اليوم بارتكاب تطهير عرقي بحق العرب السنة والتركمان في تل أبيض ومحيطها. السبب المرجح لهذا الاتهام هو أن سيطرة القوات الكردية على المدينة الحدودية سيؤدي إلى وصل الانقطاع الجغرافي بين «كانتوني الجزيرة وكوباني» المحكومين من قبل «الإدارة الذاتية» لحزب أوجالان السوري.

بعيداً عن البيئة المسمومة للفيسبوك السوري (العربي والكردي) الذي لا يكف عن التحريض على الكراهية القومية المتبادلة، لا نملك معلومات من جهة محايدة حول حدوث تطهير عرقي بحق العرب والتركمان. أما تصريح أردوغان فهو يصب في الخانة الفيسبوكية نفسها الموصوفة أعلاه. يبقى البيان المشترك الصادر عن «كبرى فصائل المعارضة السورية المسلحة» (الجبهة الشامية، وحركة أحرار الشام الإسلامية، وجيش الإسلام، وجيش المجاهدين) الذي اتهم وحدات حماية الشعب بممارسة التطهير العرقي، مقابل نفي الحزب الأوجالاني السوري لهذه الاتهامات.

ويضيف بيان «كبرى الفصائل» المذكور أعلاه أن «هذه الحملة تأتي استكمالاً لمخطط تقسيم تعمل عليه أطراف محددة، على رأسها حزب العمال الكردستاني، بالتعاون مع أطراف إقليمية ودولية».

لا نعرف من هي الأطراف الاقليمية والدولية التي تعمل على تقسيم سوريا. أما حزب العمال الكردستاني الذي يضعه البيان «على رأس» قوى التقسيم، فقد تخلى، منذ اعتقال عبد الله أوجالان في العام 1999، عن هدف إقامة الدولة الكردية. وقبل ذلك كان أوجالان تحدث عن عدم وجود جزء من كردستان داخل الحدود السورية، وأن كرد سوريا نزحوا من موطنهم الأصلي في تركيا على فترات، الأمر الذي أكده أيضاً رئيس الفرع السوري صالح مسلم في أكثر من مناسبة. ومشروع الإدارة الذاتية الذي فرضه الحزب كأمر واقع لا يحمل أفقاً انفصالياً كما يؤكد في كل مناسبة. ويتعرض الحزب الأوجالاني السوري إلى انتقادات قاسية، بسبب رؤيته هذه، من الأحزاب والأوساط الكردية الأخرى في سوريا التي تطالب بنظام فيدرالي على غرار الاقليم الفيدرالي الكردستاني في شمال العراق.

في ظل هذه المعطيات لا يبقى من معنى للاتهامات الواردة في بيان «كبرى الفصائل» سوى التناغم الذي ألفناه منها مع الموقف التركي الرسمي الذي تلقى ضربتين قاصمتين في كوباني وتل أبيض، وقبلهما في رأس العين (2013). السياسة التركية في سوريا القائمة على غريزة الخوف من قيامة كردية محتملة هي التي تلقت هزائم داعش كما لو كانت هزيمتها الخاصة، ودفعت الثمن غالياً في الانتخابات العامة في 7 حزيران.

يبقى أن هناك أخبارا متواترة حول عمليات انتقامية ترتكبها قوات حماية الشعب ضد عرب من المنطقة تتهمهم بالعمل مع داعش إبان احتلاله لتل أبيض، من قتل وتهجير وتهديدات متنوعة. في الفوضى القائمة اليوم لا أسهل من اتهام العرب السنة بموالاة داعش، ولا أسهل من اتهام الكرد بأنهم pyd وعملاء للنظام.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

 

 

وقائع تطهير عرقي كُردي للعرب في سورية/ خليل عيسى

نشرت صحيفة التايمز اللندنية، في الرابع من يونيو/حزيران الجاري، تحقيقاً بعنوان “عشرة آلاف عربي يطردهم تطهير الأكراد الإثني”. ويروي شهادات من السكان العرب الذين يتعرّضون لحملات تطهير عرقي منذ عام 2012، مشابهة لما اعتمده الاستعمار الصهيوني ضدّ السكان العرب في فلسطين، أو ذاك الذي اعتمده المستعمرون البيض ضد سكان أميركا الشمالية الأصليين: حرق قرى عربية. نهب منازل. حرق المحاصيل للمزارعين. مجازر جماعيّة مروّعة بحقّ السكان لدفعهم للرحيل. قال مسلحو (وحدات حماية الشعب) لنا “سنطلق النار على أطفالكم وستموتون إن بقيتم هنا”، يروي محمد صالح الكاطع من قرية تل ذياب القريبة من مدينة رأس العين. كانت “وحدات الحماية الشعبيّة الكرديّة” أيضاً قد هجّرت “نحو أربعين ألفاً في ريف تل حميس وجزعة جنوب القامشلي العام الماضي”، في مناطق الريف الغربي من الحسكة قرب تل أبيض. وتمت “سرقة المنازل ومصادرة الأراضي وتوزيعها على عناصر هذه الوحدات، خصوصاً في قريتي تل مجدل والرزاوة، والأخيرة يقدّر عدد سكانها بنحو ستة آلاف نسمة، كما صودرت كميات كبيرة من المحاصيل الزراعيّة” (“الجزيرة نت”، 26 مايو/أيار 2015). وكما العصابات الصهيونية التي اعتمدت، يوماً ما عرف بخطة ” دالِت”، حين ارتكبت ميليشيات الأرغون و”الهاغانا” جرائم تطهير عرقي ممنهج للسكان الأصليين العرب في فلسطين، من خلال لوائح كاملة، وزّعت فيها أسماء القرى التي سوف تتمّ فيها عمليات التهجير والمجازر في المناطق الريفيّة والحضرية على حدّ سواء/ وهو ما كشفه المؤرّخ الإسرائيلي، إيلان بابيه، في كتاب (التطهير العرقي في فلسطين، 2006).

“هجّرت ميلشيات وحدات حماية الشعب “Y P G” في سبتمبر/أيلول من العام 2014، عشرات القرى في منطقة الحويجة، جنوب منطقة الردّ، حيث دمرت بلدة جزعة وقرى القادسيّة وعكرشة وسفانة والحنوة والمنتثرة والزرقاء والبشو”

تستهدف مليشيات حزب العمال الكردستاني (P K K)، بالطريقة الممهنجة نفسها، القرى العربيّة في الريف، المحيطة بالمدن المتنوعة إثنياً من كرد وعرب، وهي مدن يصعب فيها عليهم، حتى الآن، أن يقوموا فيها بعمليات التهجير، خصوصاً أنّ قوات النظام السوري ما تزال فيها. في هذا السياق، هجّرت ميلشيات وحدات حماية الشعب “Y P G” في سبتمبر/أيلول من العام 2014، عشرات القرى في منطقة الحويجة، جنوب منطقة الردّ، حيث دمرت بلدة جزعة وقرى القادسيّة وعكرشة وسفانة والحنوة والمنتثرة والزرقاء والبشو، فجعلتها دَكاء كأن لم تكن”. وخلال ديسمبر/كانون الأول من العالم نفسه، حدثت خلال فترة ثلاثة أسابيع “عمليّات تهجير لسكّان قرى همدان، كنانة، المستريحة، قضاعة، طويرش، ذراية، الحريشية، الثامرية، القادسية، القادسية الصغيرة، جزعة تل حميد، كنهو، رام الله (العيّاد)، رام الله (العليان)، قريش، عدنان، خراب حسن، خراب حسن (المتعب)، الهويرة، الركابية، عرجا (الولغة) (“أورينت نيوز”، 14 ديسمبر/كانون الأول 2014). واقتحم مقاتلو “الأبوجية” القرى العربية في تل خليل وتلّ الحاجية، وقتلوا “كلّ من صادفوه” (“زمان الوصل”، 15 سبتمبر/أيلول 2014)، فقتلوا 42 شخصاً منهم، نساء وأطفال في قرية المتينية قرب مدينة القامشلي، دفنوا في مقابر جماعية، منهم 13 فرداً من العائلة نفسها (“زمان الوصل”، 19 سبتمبر/أيلول 2014). وتظهر الفيديوهات جثث النساء والأطفال المقتولة والمقابر الجماعية (موقع “لايف ليك”، 16 سبتمبر/أيلول 2014).

ولا تزال هذه العصابات ماضية في حربها على العرب المدنيين، وكان من جديد جرائمها حصدها محاصيل المزارعين العرب ونهبها (تقرير تلفزيون أورينت، 7 يونيو/حزيران 2015)! ويبقى أن ّ ما ذكر غيض من فيض مما يرتكب كلّ يوم من جرائم بحقّ السكان العرب، طبعاً بحجّة “الحرب على داعش”. وقد أصدرت منظمّة “هيومن رايتس واتش” تقريراً لها في 19يونيو/حزيران 2014، جاء في 107 صفحات، بعنوان “سورية – انتهاكات في المناطق الخاضعة لإدارة حزب الاتحاد الديمقراطي”، يظهر فيه أنّ هذه الممارسات الفاشية لا تستهدف فقط العرب، بل كذلك الكرد المعارضين للحزب المذكور “ليوثّق عمليات الاعتقال التعسفي لمعارضي الحزب السياسيين، وانتهاكات اثناء الاحتجاز، وحالات اختطاف، كما يوثّق استخدام الأطفال في قوّة الشرطة التابعة للحزب وجناحه المسلح، وحدات حماية الشعب (أو الأبوجية)”.

أجندات متشابكة

ما يحصل الآن في منطقة الجزيرة السورية وثيق الصلّة بتسلسل الأحداث التي بدأت مع الثورة السورية عام 2011. منذ البداية، سلّح النظام السوري حزب “الاتحاد الديمقراطي” بالسلاح والصواريخ (“ورلد بالِّتِن”، 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013) ودفع رواتب عناصره (زمان الوصل، 6 إبريل/نيسان 2015، تمّ ذلك كله في مقابل أن يستلم الأخير الأمن والمؤسسات هناك. وهذا ما حصل. أخلى النظام كلّ المفاصل الإدارية والعسكرية في المدن هناك لحزب العمال الكردستاني، بفرعه السوري، والذي يطلق الأكراد المعارضين للنظام بصراحة (مثل “تيار المستقبل” الكردي، وزعيمه مشعل تمّو الذي اغتيل) على عناصره تسمية “الشبّيحة”. وقد وفّر ميزتين ثمينتين للنظام: الأولى أنه عصا غليظة “كردية”، بدل أن تكون دمشقيّة، لضرب الأحزاب والجماهير الكردية الأخرى التي قد تتخلى عن موقفها المترقّب تجاه الثورة، فتعارض النظام علناً، كما حدث يوم 27 يونيو/حزيران 2013 عندما فتح عناصر “الأبوجية” النار على مظاهرة في عامودا، تطالب بإطلاق سراح ناشطين، فقتل ثمانية من المتظاهرين، منهم طفل في الثامنة، تمّ دهسه بعربة للحزب. الميزة الثانيّة، أنّ تقسيم العمل سمح للنظام بتوفير موارد القوّة لديه من أجل محاولة السيطرة على باقي البلاد.

وليس الأمر مستغرباً أن يكون “الـبكك” (أو “الأبوجية” أو “البيدا”) كما يسمى، أداة طيعة في يد النظام من 2011-2013، حيث كان في بداياته مدعوماً بالكامل من النظام السوري، بغرض شن العمليات العسكرية على تركيا بين فترتي 1980 و1988، لكنّ ذلك تغيّر تماماً مع التقارب الأمني والسياسي السوري – التركي الحثيث فترة 2003-2010، حيث تمّ التنكيل بأفراد الحزب المذكور، إلا أنه، ومنذ 2011، عاد حزب العمال الكردستاني إلى شهر العسل القديم مع النظام السوري، بكوادره العسكرية المدرّبة والمنظّمة، والتي تقدّر ما بين 10 آلاف و20 ألفاً من المقاتلين. وقد صرّح بشار الأسد، أخيراً، بشأن ذلك بأنّه “قبل قضية كوباني (عين العرب) كنا نقدّم الدعم للأكراد، لأنّ الأمر لم يبدأ عندها. كنا نقدّم الدعم، قبل أن يبدأ التحالف تقديم الدعم للأكراد. كنا نرسل لهم الأسلحة. بالطبع، سيقولون إنّ ذلك كله لم يحدث، لأنّ الاميركيين قالوا لهم: “قولوا لا وسنساعدكم”. إذا قالوا نعم، فإنّ الأميركيين سيغضبون منهم. أقول هذا احتياطاً لأي تصريح منهم بأننا لم نكن ندعمهم. لدينا كلّ الوثائق حول الأسلحة التي كنا نرسلها لهم، إضافة الى الضربات الجوية وعمليات القصف وغير ذلك”. (مقابلة مع التلفزيون البرتغالي، 5 مارس/آذار 2015). وتمّ ذلك أيضاً في تنسيق وتسليح كامل مع إيران كذلك. (جريدة زمان التركية، 18 أغسطس/آب 2013).

زواج مصلحة ثمّ هجر

كان هذا الزواج الذي فرضته الثورة بين الطرفين، النظام السوري وحزب الـ “بيدا”، زواج مصلحة، فلكلّ منهما أجندته التي يعمل على تحقيقها، فإذا كان كل ما يريده النظام الإجهاز على الثوار السوريين، فما يريده كذلك الإبقاء على سيطرته الكاملة في كلّ أنحاء سورية قدر الإمكان، بما فيها في الحسكة والجزيرة التي هي مناطق وجود المليشيات الكردية. لكن، ليس على حساب مواجهته الثورة، في حين أنّ ما يريده حزب العمال الكردستاني في العمق هو إطاعة توجّهات عبد الله أوجلان، عبر تحقيق ما يسمى “كردستان سورية”، أي إقامة حكم ذاتي على كانتون كردي صافٍ قدر الإمكان. وتهيمن الانتهازية المطلقة على الخيارات السياسية لحزب البكك، حيث مرّت فترات كثيرة، حاولوا فيها إيهام أطراف متعادية فيما بينها بأنهم ليسوا أعداءها، بينما يبقى الهدف المركزي دائماً إقامة كانتون كردي، وحكمهم له بشكل أحادي. وقد وفّر الجنوح العسكري الثوري منذ عام 2012 في سورية فرصة تاريخيّة “للـبيدا” للبدء في تحقيق مشروعهم: فهم يعلمون أنّ النظام السوري الذي كان قوياً في بداية 2011، والمدعوم منذ البداية وما زال، من الولايات المتحدة الأميركية في السرّ، ومن إيران وروسيا علناً، سيوفّر لهم كل الدعم العسكري واللوجستي الممكن، ما سيحولهم عمليّاً إلى جيشٍ كردي، يسيطر على منطقة الجزيرة والحسكة، وبأن ذلك الأمر سيوفر لهم الحظوظ الأوفر لفرض تغييرات من الطرف الشمالي الكردي المسلح ضد إرادة المركز في دمشق.

“تحرير كوباني لم يتحقق إلا بعد تدمير المدينة الحدودية عن بكرة أبيها بالقصف من الأميركيين، ما يشير، بالمناسبة، إلى ضعف القدرات القتالية الكردية، فهؤلاء لا ينتصرون بشكل حاسم وبيّن، إلا على المدنيين العرب، لا على مقاتلي “داعش”، تماما كما يفعل الصهاينة مع الفلسطينيين”

وقد راهن “البيدا”، مصيبين، على أن داعمهم السوري سيزداد ضعفًا مع الوقت، وأنّ هناك إمكانيّة حقيقية لتحقيق قلب في علاقة التبعية العسكرية بين الطرفين، حين سيصبح النظام السوري منهكاً. حينها فقط سيأملون بالحصول على إمكانية فرض “تغييرات” ديمغرافية، ولن يترددوا، حينها، في الاشتباك مع النظام. وهذه كانت ستكون بداية لحظة الافتراق بين كل الطرفين. وكانت معارك “البيدا” تجري كل الوقت ضدّ كتائب الجيش السوري الحرّ، وضدّ الفصائل الإسلامية المناوئة للنظام (“إندبندنت”، 1أكتوبر/تشرين الأول 2012)، كما ساندت قوات الحماية الكردية النظام السوري والمليشيات الشيعية التابعة له في معاركه ضد الجيش الحرّ، كما في نبّل والزهراء (أ ف ب، 27 مارس/آذار 2013). في هذه الأثناء، كان التعاون بين إيران وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي يزداد باضطراد، حتى أصبح هذا الخط متوازياً مع الدعم الذي كان يأتي من النظام السوري، إلى درجة أصبح فيها حزب الله يدرب أفراد “البيدا” في الحسكة، ويتبادل المعلومات الاستخبارية معه، من دون رضى النظام السوري الذي “لا يستطيع إيقاف ذلك” (وكالة آكي الإيطالية للأنباء، 12 ديسمبر/كانون الأول 2014).

ما حصل أيضًا أنه في وقت من عام 2012، والأرجح بعد مايو/أيار منه، تواصل الأميركيون مع رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي، صالح مسلم، وحزبه، من خلال وسيط، كما كشف تقرير إخباري موثّق بملفات من وزارة الخارجية الأميركية، نشرتها مجلة “فورين بوليسي” في 7 أكتوبر/تشرين أول من عام 2014. حسب هذه المعلومات، فإن الأميركيين عبر سفيرهم، روبرت فورد، كانوا يتصلون مع “البيدا” قبل بدء معركة كوباني بستنين، وطلبوا منهم أن “يبعدوا أنفسهم عن نظام الأسد”. نتيجة ذلك، أن “البيدا” طلبت السلاح الغربي من التحالف التي تقوده الولايات المتحدة الأميركية (رويترز، 30 سبتمبر/أيلول 2014)، والذي تمّ تزويدهم به. وعنت كلّ هذه العوامل أنّ حزب “البيدا” لم يعد مرتبطًا بشكل عضوي بالنظام السوري، كما في السابق، بل بإيران والولايات المتحدة الأميركية، بشكل أكثر مباشرة، فلم يتوان حينذاك عن الاشتباك العسكري مع النظام السوري، عندما اطمأن لذلك. وهذا ما حدث، أخيراً، في الحسكة (رويتزر، 17 يناير/كانون ثاني 2015)، ما يتقاطع مع تصريحات الأسد، في مقابلته مع التلفزيون البرتغالي. وكانت تلك لحظة الانفصال بين الطرفين، لكنه لم يكن طلاقًا.

صحوات سوريّة تشارك في التطهير

كانت معركة عين العرب المكان والزمان الذي تمّ فيهما توثيق العلاقة الأميركية بحزب العمال الكردستاني في سورية، والتي تمّ فيها تحقيق “مصالحة”، بتدبير أميركي-تركي، بين ألوية من الجيش الحرّ و”البيدا” لمحاربة “داعش”. لكن تحرير كوباني لم يتحقق إلا بعد تدمير المدينة الحدودية عن بكرة أبيها بالقصف من الأميركيين، ما يشير، بالمناسبة، إلى ضعف القدرات القتالية الكردية، فهؤلاء لا ينتصرون بشكل حاسم وبيّن، إلا على المدنيين العرب، لا على مقاتلي “داعش”، تماما كما يفعل الصهاينة مع الفلسطينيين. بعد ذلك، أعطى الأميركيون الضوء الأخضر لربط عين العرب بالحسكة (صحيفة الأخبار اللبنانية، 25 مايو/أيار 2015). ثم سيطرت “البيدا” على بلدة تلّ أبيض، وهرب المزارعون العرب والتركمان، وتمّ طرد 23 ألف شخص، وحرقت قراهم ومحاصيلهم، حتى رموا أنفسهم باتجاه السياج الشائك، للهروب عبر الحدود التركية المغلقة، كما شاهد الجميع على شبكات التلفاز العالمية.

لكن، يبقى السؤال: ماذا يفعل مقاتلو من يسمي نفسه جزءاً من “الجيش الحر” بالقتال مع مليشيات “الـبيدا”؟ ولماذا لم تنف قيادة الجيش الحرّ علاقتها بهم؟ فإذا كان أمثال الشيخ حميدي دهام الهادي الجربا من قبيلة “شمّر” ومليشيا مرتزقة “الصناديد” التي أنشأها، أخيراً، في تحالف تاريخي مع النظام السوري، قد نقل ولاءه، أخيراً، إلى “البيدا” وإيران فهذا غير مستغرب (صحيفة الأخبار البيروتية، 27 يونيو/حزيران 2014). لكن، ماذا يفعل أمثال “لواء ثوار الرقّة” و”لواء التحرير” الذي انضم لـ “P K K”، من أجل “تحرير” رأس العين، كما غيرهم في غرفة عمليات “بركان الفرات”، ليقاتلوا بكل فخر إلى جانب من يطردون العرب والتركمان، ويهجرون أولادهم؟ لقد أصدر الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة بياناً، اتهم فيه “قوات الحماية الكردية” بالتطهير العرقي للعرب، فردت عليه غرفة عمليات “بركان الفرات” باتهامه بالتعاطف العلني مع تنظيم الدولة الإسلامية (زمان الوصل،1 يونيو/حزيران 2015). الأهم هو كيف يستغرب أي عاقل أن نرى سكان هذه المناطق يكرهون كل ما له علاقة بـ “الجيش الحرّ”، ويرون في “داعش” الطرف الوحيد الذي يدافع عنهم، إذا كانت هذه الصحوات السوريّة تقاتل تحت راية الجيش الحرّ، بدعم وتسليح أميركي في تقليدٍ فجٍ لتجربة الصحوات في العراق، وهم يشاركون إلى جانب قوات “الحماية الكردية” في التطهير العرقي للعرب والتركمان القاطنين بين تل أبيض وعفرين (شمالي حلب)، وذلك كله بمساعدة القصف العنيف للتحالف الدولي. لا بل يستمر ذلك حتى بعد انتهاء معركة تل أبيض، في قرى مثل الشيوخ الفوقاني إلى الشرق من تل أبيض التي تمّ تهجير أهلها وحرقها، بمشاركة مباشرة من صحوات “بركان الفرات”، أو قرية زحلة التي تمّ تهجير أهلها جنوبي تل أبيض وقرية قره الشرف شمال عين عيسى، ونهبها، وقتل المهندس الشاب خليل العياف من قرية الضبعة، وجرائم كثيرة حسب ناشطي “الرقة تذبح بصمت” المعارضين لداعش، فالاختلاف مع التطهير العرقي للعرب الذي قام به الصهاينة أنه لم يكن هناك حينها مقاتلون عرب يشاركونهم ذلك.

صرح زعيم “البيدا”، صالح مسلم، أنه “يوماً ما، المستوطنون العرب الذين جلبوا إلى المناطق الكردية يتحتم عليهم أن يذهبوا”، وأن “كل القرى التي يعيش فيها العرب للأكراد” (رووداو، 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013) وهذا يتحقق فعليّاً الآن في شمال سورية، بمباركة أميركية – إيرانيّة، مع كل ما يستتبعه ذلك طبعاً من خطر قطع الطريق على أية إمدادات تصل إلى الثوار من تركيا إلى حلب وغيرها.

لا يعارض النظام السوري ذلك في هذه المرحلة، لا بل إنّ أبواقه العربية والإيرانية تهلل للأمر، لأنّه، أولاً، لا يستطيع منع ذلك، وثانيّاً، سيرضى بأن يكون الأمر طريقاً إلى السيطرة على الحكم في ما تبقى من سورية. ولأنّ هذا الكيان، وإن تمّ، سيظلّ، بشكل أو بآخر، معرضاً للتهديد من تركيا، ما سيجعله تابعاً لإيران أكثر. والمفارقة المذهلة كانت أن طائرات النظام غطّت جوياً صحوات “بركان الفرات” في قتالها ضد “داعش”، أي أنّ هؤلاء الصحوات السورية يشاركون بتهجير للسكان العرب والتركمان، وأصبحوا رفاق سلاح للنظام السوري الذين يعتقدون أنهم ثاروا ضده في الأصل. وذلك كله بينما يبدي ناشطون ومعارضون سوريون، بكرم مجاني، استعدادهم للتهليل لمجازر البيدا، ولانفصال كردي يتميز بعنصرية شديدة إزاء العرب، في بلد لا تبلغ نسبة الأكراد فيه سوى 7% فقط.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

 

تل أبيض السورية تنتظر سكانها ومجلس إدارتها/ رامي سويد

بعد ثلاثة أيام من سيطرة وحدات “حماية الشعب” الكردية، المدعومة ببعض مجموعات الجيش السوري الحر، على مدينة تل أبيض الواقعة على الجانب السوري من الحدود السورية التركية إلى الشمال من مدينة الرقة، لا تزال المدينة شبه خالية من سكانها بعدما نزحت الغالبية العظمى منهم نحو الأراضي التركية ونحو مناطق ريف الرقة التي يسيطر عليها “داعش”.

أحمد هو أحد النازحين الفارين من تل أبيض. تمكن من الوصول إلى مدينة أكشاكالا التركية منذ أربعة أيام بعد سماح قوات حرس الحدود التركية للنازحين الفارين من تل أبيض وريفها بالدخول إلى الأراضي التركية. بات أحمد ليلتين في منزل أحد سكان المدينة التركية قبل أن يقرر مع عائلته العودة إلى تل أبيض التي انسحب منها “داعش” من دون أن تجري المعركة الكبيرة التي انتظرها الجميع في المدينة والتي افترض سكانها أنها ستكون سبباً في موتهم فدفعهم ذلك إلى الهرب من المدينة.

صباح أول من أمس الأربعاء، فتحت السلطات التركية معبر تل أبيض الحدودي للسوريين الراغبين بالعودة إلى المدينة التي باتت تحت سيطرة وحدات “حماية الشعب” الكردية، فعبرت عائلة أحمد مع نحو مئتي عائلة أخرى الحدود نحو تل أبيض، ليجدوا مدينتهم خالية من سكانها، إلا من بضع مئات فقط فضّلوا البقاء لآخر لحظة في المدينة.

الباقون في المدينة، على قلتهم، فرحون برحيل “داعش”. اليوم بات التدخين مسموحاً، النساء لسن مضطرات لارتداء ملابس سوداء، الصلاة في الجامع اختيارية. أما القفص الذي وضعه “داعش” في ساحة المدينة الرئيسية لسجن مخالفي أحكامه فيه طول الظهيرة فبات خالياً. بدورها، مكاتب التنظيم ومحاكمه باتت مغلقة، في حين أن سيارات التنظيم لا تتجول في الأحياء لتفرض الرهبة على السكان.

لكن المدينة خلت من معظم ساكنيها الذين فرّوا منها. البعض هرب من انتقام الوحدات الكردية. فمنتسبو تنظيم “داعش” من أبناء المدينة وعائلاتهم غادروا مبكراً لأنهم يعرفون تماماً أن الوحدات الكردية لن تتردد بمحاسبتهم وعقابهم. هؤلاء غادروا باتجاه مدينة الرقة والمناطق التي يسيطر عليها “داعش” في ريفها.

وعدد هؤلاء ليس كبيراً. عاملون في مجال الإغاثة يُقدّر عددهم الكلي بنحو ألفين إلى ثلاثة آلاف. أما الباقون، وهم الغالبية، أي حوالى خمسة وعشرين ألفاً حسب مصادر محلية في أكشاكلا التركية، فرّوا خوفاً من غارات التحالف الدولي التي تستهدف تنظيم “الدولة الإسلامية”، التي لم تبق حجراً على حجر في المباني التي تمترس بها عناصر التنظيم الذين قاتلوا الوحدات الكردية وقوات المعارضة المتحالفة معها في ريفي تل أبيض الشرقي والغربي قبل انسحابهم الكامل من المنطقة.

فرّت الغالبية أيضاً خوفاً من الاشتباكات والقصف المتبادل الذي كان متوقعاً في حال تحولت معركة تل أبيض إلى معركة كسر عظم بين الطرفين، الأمر الذي لم يحصل بسبب انسحاب “داعش” الكلي والمفاجئ من المنطقة.

في موازاة ذلك، كانت أخبار انتهاكات وحدات حماية الشعب الكردية ضد السكان في ريف تل أبيض كعمليات السرقة من البيوت، ومصادرة الأغنام والآليات الزراعية، والاعتقالات والطلب من بعض سكان القرى مغادرتها،  سبباً إضافياً في خروج سكان المدينة مع اقتراب القوات الكردية منها.

 

وتعززت مخاوف سكان تل أبيض من السلطة الجديدة بعد الأنباء التي وصلتهم عن تصنيفها إياهم كـ”دواعش” أي متعاونين ومساعدين للتنظيم في حربه ضد القوات الكردية. لكن هذه الصورة بدأت أخيراً في التغير مع عودة أكثر من ألف نازح من الأراضي التركية إلى بيوتهم في تل أبيض، على الرغم من استمرار نزوح عشرات الآلاف من سكان تل أبيض وبلدات وقرى ريفها.

هيمنة السلطة الجديدة تعكسها راية وحدات حماية الشعب الكردية التي لا زالت الوحيدة المرفوعة على سارية المعبر الحدودي من الجانب السوري وفي مدينة تل أبيض القريبة من المعبر. وهو الأمر الذي أثار استياء عناصر قوات الجيش السوري الحر المشاركين في عملية السيطرة على المدينة. وأخبر عدد منهم “العربي الجديد” أنهم “لن يقبلوا برفع راية غير علم الثورة السورية الذي تتوسطه ثلاث نجوم في المدينة التي يشكل العرب نحو ثمانين في المائة من سكانها”.

وعلى الرغم من أنّ هذا الاستياء لم ينتج بعد خلافاً على السلطة في المدينة بعد، إلا أنه سيكون سبباً رئيسياً في صدام قد يحصل مستقبلاً بين الشركاء في الحرب ضد “داعش”، الأمر الذي قد يمنع مزيداً من التقدم لقوات حماية الشعب وقوات المعارضة السورية التي تضع عينها على مدينة الرقة، معقل “داعش” الرئيسي في سورية. وباتت الرقة على بعد نحو خمسة وثلاثين كيلومتراً فقط عن مناطق سيطرة قوات حماية الشعب الكردية وقوات المعارضة السورية.

في غضون ذلك يبدو أنّ بوادر حسن النية، التي ظهرت أمس الأربعاء من قوات وحدات الحماية الكردية، لا تزال غير قادرة على تطمين عشرات الآلاف من أبناء المنطقة العرب ليعودوا جميعاً إلى قراهم وأحيائهم التي سيطرت عليها الوحدات.

وقدمت وحدات “حماية الشعب” أربعمائة لتر مازوت لكل صاحب مولدات كهرباء ضخمة في قرية تل أبيض شرقي ليقوم بتقديم الكهرباء للسكان الباقين ريثما يتم إصلاح الشبكة العامة.

وبينما فرن الإسكان في مدينة تل أبيض قدم الخبز لمن تبقى من السكان بأسعار معقولة، قبل أن يبدأ عناصر الوحدات الكردية بتوزيع الخبز مجاناً على السكان المتبقين يوم الأربعاء. أما باقي الأفران بحاجة للوقود والكوادر البشرية والطحين. وهي أمور تنتظر تنظيمها من السلطات الجديدة التي سيطرت على المدينة. وربما تكون هذه من الأولويات القصوى لمن يستولي على المدينة اليوم خصوصاً مع بدء عودة السكان إليها.

وتحتاج المدينة إلى مجلس محلي، يشرف على تنظيم الخدمات فيها. كما أنها في حاجة إلى اتفاق بين القوات الكردية وقوات الجيش السوري الحر على تنظيم المسائل الأمنية. والأهم بالنسبة لكثيرين هو توفّر إرادة حقيقية من قوات حماية الشعب الكردية بالدرجة الأولى وقوات المعارضة السورية بالدرجة الثانية لحماية سكان تل أبيض وعموم المناطق التي انتزعت هذه القوات السيطرة عليها من تنظيم “داعش”.

العربي الجديد

 

 

 

أردوغان وسقوط تل أبيض/ فهيم طاشتكين

حين كان الأكراد يقاومون في كردستان السورية في كوباني، ويقاتلون تنظيم «داعش»، أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان وكأنه يحمل بشارة: «قريباً ستسقط كوباني». أما اليوم فالأكراد يقولون «ستسقط تل أبيض»، والفرح لسان حالهم. ولا شك في ان اكثر المناطق التي أرهقت «داعش»، وعصيت عليه في سورية كانت المناطق الكردية. وقتاله ضد الأكراد كان عسيراً، خصوصاً إثر دعم التحالف لهم. وسيطر «داعش»، الى وقت قريب، على اكثر من معبر على الحدود التركية. ولكن اليوم «وحدات حماية الشعب الكردي» تحاصره في تل أبيض من كل حدب وصوب، وتسعى الى مد نفوذها من الحسكة شرقاً الى كوباني غرباً. ويعلم الأكراد أن المناطق الكردية المجاورة لتل أبيض لن تسلم من اعتداءات «داعش» إذا بقي ممسكاً بمقاليدها. ولا يخفى عليهم أن تل أبيض هي متنفس عاصمة «داعش» في الرقة وهي جسرها الى الحدود التركية. وعليه، لا يستخف بأهمية تل ابيض الإستراتيجية. وتتواجه قوات الحماية الكردية مع قوات «بركان الفرات» العربية، وهي تلتزم الحذر في قتالها في تل أبيض على نحو ما تفعل في قرى سلوك العربية وغيرها. فهي لا ترغب في أن تستعدي العرب في منطقة لا غالبية كردية فيها مخافة ان ينضموا الى «داعش». وتسعى القوات الكردية الى منح العرب هناك ضمانات تقضي بعدم التعرض لهم.

ولكن أين تقف تركيا من هذه الحرب الدائرة على حدودها بين الأكراد و«داعش»؟ يبدو ان حكومة «العدالة والتنمية» التي سلحت «جيش الفتح» في سورية لا تنظر بعين الرضى الى التقدم الكردي في المنطقة، على رغم أن التركمان يواجهون خطر «داعش» على مقربة من أعزاز، وفي حمام التركمان بالقرب من عين العرب (كوباني). واتهم أردوغان التحالف الدولي بقصف قرى التركمان والعرب في المنطقة، و»زراعة» الأكراد فيها من دون أن يشير أبداً الى اعمال «داعش» هناك! فهل ثمة دليل أكبر على دعمه «داعش»؟ فأردوغان يتجاهل خطر هذا التنظيم، ويحمّل الآخرين مسؤولية أحداث لم تقع، وينتقد التحالف الدولي الذي يقاتل ضد «داعش»! وهل يجوز لأردوغان بعد هذا الاعتراف ان يعترض على تصريحات الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في قمة الدول السبع ودعوته تركيا الى «بذل جهد اكبر من أجل منع تدفق آلاف المقاتلين الى داعش».

وهل يدرك أردوغان ان عدد اكراد تركيا الذين قتلوا في القتال ضد «داعش» في شمال سورية تجاوز الـ 500 قتيل؟ وهل يعرف أن مئات  الأكراد قتلوا وهم يدافعون عن السريان والإزيديين بل وحتى العرب هناك؟ في الأمس، وصلت جثامين عشرة شباب اكراد انطلقوا من تركيا الى الجزيرة السورية لقتال «داعش». وفي اثناء معارك الأكراد و«داعش» وقصف التحالف تلك المناطق، أخليت بعض القرى من سكانها العرب والتركمان مخافة وقوع اصابات في صفوفهم في خضم المعارك. ولكن السيد أردوغان يبالغ كثيراً في تناول الموضوع، ويقع في مغالطات ويتلاعب بالحقائق. وقال رئيس المجلس التركماني السوري عبدالرحمن مصطفى: «نسمع عن موضوع تهجير التركمان من قراهم، ولا نجد دليلاً على ذلك في متابعاتنا. ذهبنا للقاء الفارين من تل أبيض فلم نجد بينهم تركماناً… جاء من منطقة حمام اثنان ثم عادا الأدراج. وهرب نحو 400 تركماني من منطقة اعزاز بسبب الحرب الدائرة هناك بين «داعش» والجيش الحر…».

وإذا اردنا ان نتحدث عن تطهير عرقي، فحريّ بنا ان نتذكر ما فعله مسلحو «أحرار الشام» و»جبهة النصرة» الذين دخلوا تل أبيض من تركيا وارتكابهم مجازر بحق الأكراد في المنطقة. لم ننسَ أن الأكراد سيطروا على المناطق التي تتبع لهم في شمال سورية في 2012، وسعوا في حمايتها وتجنيبها دخول الصراع. لكن في 19 كانون الأول (سبتمبر) 2012، دخل مسلحو «النصرة» و«أحرار الشام» تل أبيض من تركيا. فاندلع قتال بين الأكراد وهؤلاء المسلحين الذين سيطروا على تل أبيض. ولكن المعارك سرعان ما توقفت. وبعد نحو عام، بدأت النصرة تطالب بواسطة مكبرات مساجد الأكراد بترك المنطقة وإلا سيتعرضون للإبادة. وبدأت عملية مداهمة القرى والبيوت، وقتل اكثر من 70 كردياً شاباً بعد اقتيادهم من منازلهم وهم عزل في مجزرة مروعة. أليس مثل هذه المجازر تصفية عرقية؟ إثر هذه المجزرة، قطع التواصل بين اكراد الحسكة وأكراد كوباني. ورابطة العقد بينهما كانت تل أبيض التي تقع في منتصف المسافة بينهما بعد ما حدث فيها للأكراد. وبعد ان انفصل «داعش» عن «النصرة»، قتل رفاق دربه القدامى في مطلع 2014 لينفرد هو بالسيطرة على تل أبيض. وجيش «الفتح» الذي تدعمه تركيا ارتكب مجزرة ضد العلويين في ريف جسر الشغور في قرية اشتبرق. ثم قتلت «جبهة النصرة» اكثر من 20 درزياً في قلب لوز بالقرب من إدلب. وجرائم الحرب والتطهير العرقي في سورية كبيرة ودامية، وعوض ان ينقطع سيلها إثر كشف كل مجزرة، يتسابق المسلحون الى ارتكاب اخرى.

* كاتب، عن «راديكال» التركية، 14/6/2015، إعداد يوسف الشريف

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى