صفحات سورية

مابين جمعة ارحل ولا للحوار


بدرالدين حسن قربي

ثلاثة أسابيع حسوماً من المظاهرات في مدينة حماة لم يصب أحد فيها بسوء في غيبة شبة كاملة لقوات النظام السوري وشبيحته، بل كانت فيها أضخم المظاهرات التي عرفتها سوريا في تاريخها الحديث حشداً وعدداً.  وكانت رسالتها الواضحة أنه بوجود قوات أمن النظام وشبيحته يُفتقد الأمن والأمان، وأنه بغيابهم يختفي القتل ويتوقف سفك الدماء، الذي رجع سريعاً جداً عقب (جمعة ارحل) مع عودة قوات النظام مع مئات الدبابات التي أخذت مواقعها في محيط المدينة الأبية تحضيراً فيما يبدو لاقتحامها، فاستؤنف القتل وتجدّد الرعب ومعه الاعتقالات بالمئات، مع فظائع الذبح التي تجلّت بذبح رائد التظاهرات الحموية وحاديها الرائع ابراهيم قاشوش ذبح سكين، ونزع حنجرته ورميه جثة هامدة في نهرٍ يحب مدينة أبي الفداء ويعشقه أهلها، وما بين حبه وعشقهم، رفض بوفائه ووده أن يغطي على الجريمة ومااستطاع مع عظمه وقوته أن يبتعلها، فأعاد صدّاحَ حماة شهيداً إلى أهله وأحبابه وإن جثة هامدة، وشاهداً يشهد على وحشية القاتل وانعدام إنسانيته وموت ضميره، شهادةً  من العاصي موثّقة للتاريخ على مجرمي العصر ووحوشه من أصحاب الحوار، والوطني تحديداً.

ومابين جمعة ارحل وجمعة لا للحوار كان واضحاً أن النظام يتصرف بعصبية شديدة بدأت بإقالة مفاجئة لمحافظ المدينة رغم عدم الشكوى منه وكلام عن تغيير مسؤولين أمنيين والعودة عنه لتنتهي الجمعة بخبر غطّى على كل الأخبار وهو زيارة السفير الأمريكي والفرنسي إلى مدينة حماة.  ومن ثم كانت فرصة لشن حرب إعلامية من قبل النظام على رجالات حماة وثائريها الأحرار باتهامهم وتخوينهم والنيل من وطنيتهم، شارك فيها أيضاً بعض شيوخه ممن اكتسبوها للسخرية من جهاد يقوده السفير الأمريكي حسب زعمهم ويوجهه، وليؤكدوا على الارتباطات والمؤامرات والخيانات للسوريين الثائرين لحرياتهم وكراماتهم.

فالسفير أو السفيران اللذان قدما الخميس الماضي وغادرا قبيل صلاة الجمعة تجولا في المدينة ورأوا على الواقع مايحصل فيها.  ورغم أن الدبلوماسيين المعنيين هم المعتمدون لدى السلطة وليس لدى غيرها، ودولهم من يوم يومها تدعم النظام السوري وتسوّقه، وتوقعات السلطة لهم أن يواجَهوا بالإساءة والأذى والعدوان بعضاً من رد الفعل، فإن الأهالي واجهوا سيارتهم بأغضان الزيتون والورود تأكيداً على سلمية ثورتهم وسلام مطالبهم، فأحبطوا بسلوكهم دون أن يعلموا خطة رسمية خبيثة كانت تنتظر خلاف ذلك، لترتكب فيهم مجزرة تنتظر سبباً ومبرّراً لها، وارتدّت على من يريد السوء والشر بالمدينة غيظاً ونكداً أفقدهم صوابهم الذي تجلّى ببروباغندا إعلامية مخترعة أطلقها شبيحة النظام  للنيل من الحمويين ووطنيتهم خصوصاً وأحقية مطالب السوريين في الحرية والكرامة عموماً، وشرعية إرادتهم بإسقاط النظام.

لاشك بأنه من غير المعقول البتة أن تكون الزيارة خارج علم الخارجية السورية، وإن كانت فكيف يمكن أن يكون ذلك في بلد لايستطيع أحد أن يفعل ذلك دون أن يوقفه حاجز عسكري، أو تعترضه قوة أمنية أو يقف في طريقه باص للشبيحة، فكيف بموكب أمريكي يمضي مئات الكيلومترات على الطرقات وينام في الفنادق ويدخل مدينة محاصرة بالقوات الأمنية والدبابات، ودون أن يعترضه أحد إلا أن يكون هناك موافقة رسمية وإعلام وتوافقات، أو أن سورية باتت ( سداح رداح).  كما أنه من غير المعقول أيضاً محاولة جماعة النظام وشبيحته إلقاء مسؤولية ماكان على الأهالي وكأن زيارة الوفد الأمريكي وغيره للمدينة موافقة ومنعاً هي من مسؤولية أهل المدينة واختصاصهم فيما لاعلاقة لهم فيه أصلاً وفصلاً.

إن الغضب الذي أظهرته الجهات الرسمية من الزيارة تجاه الأهالي غير مبرر وليس له مصرفاً البتة إلا أن يكون كيداً أرادوه للمدينة الأبية فارتد عليهم، وإلا لماذا لم تطلب الخارجية من الدبلوماسيين من الساعات الأولى بل من اليوم الأول، العودة إلى أماكنهم الدمشقية في سفاراتهم إلا أنها تريد أمراً ولكنه جاء على غير مايمكرون.

سلطة لا تكترث بالذبح أو قتل الأطفال، بل وتقتل من شعبها بالمئات والآلاف وتعتقل بعشرات الألوف، لا ترى فيما تفعل مايخدش وطنيتها أو ينال من حيائها، ولكنها ترى في التعامل الحضاري للمواطنين وعدم اعتدائهم على بعثات رسمية أمريكية أو فرنسية أو غيرها ممن هم معتمدون عندها وفي ضيافتها أمراً تآمرياً ينال من وطنيتهم، ومع ذلك لاتنسى أن تدعوهم إلى الحوار يوم لاينفع الحوار، والسورييون قد اتخذوا القرار، بأن لافائدة مرجوة منه البتة مع قتلة شعبهم من المجرمين والشبيحة الأشرار، وأخذوا الطريق من قصيرها وقالوا: لا للحوار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى