صفحات المستقبلعمار جلو

مابين خطوط أوباما وجنيف 2 يبقى الطاغية بلا حساب/ عمارجلو

ربما يكون من المفاجئ للبعض تنفيذ هجوم كيماوي بالغوطتين الشرقية والغربية بدمشق بالرغم من وجود وفد الأمم المتحدة المختص بالكشف عن استخدام السلاح الكيماوي في سوريا بدمشق وقبل مباشرتهم لأي عمل ميداني بمهمتهم ولم يكن التأكد من حدوثه سوى فتح نوافذ غرفهم وربما باشتنشاق بعض الهواء الخارجي حينها لكن هذا الهجوم ليس مفاجئا للجميع وبالأخص للقارئين للوضع السوري فهذه الجريمة والكثير غيرها سابقا ولاحقا ما كانت ستتم لولا الإعلانات المتكررة عن الحل السياسي وكونه الحل الوحيد وكان آخرها الاتفاق بين الدول الفاعلة والأمم المتحدة على مؤتمر جنيف 2 المتعثر الخطى والمبني أساساً على نقاط جنيف الأول الميت من يوم ولادته.

وللحديث عن هذا الهجوم لابد من الحديث عن مكانه الذي يبدو أكثر عرضة من غيره لهجمات كيماوية أخرى. فبعد سياسة التقطيع التي مارستها السلطة تجاه الثورة السورية من أيام السلمية الأولى مستفيدة من نصائح حلفائها الإيرانيين بضرب ربيع طهران الأخضر 2009  وتبني هذه الخطة من قبل الثوار أيضا، بقي ثوار دمشق من زمن السلمية حتى التسليح هم الأكثر وعيا بالثورة وتنظيماً لمناطقهم التي خرجت من سيطرة النظام وهذا ما حفظ لهم الحاضنة الشعبية التي تزعزعت بمناطق أخرى من شرق سوريا وحتى قلبها مرورا بالشمال. كما وأن البعد الذي حافظ عليه الثوار بالعاصمة  عن أي تحزب او تيار فكري او ديني جعل تنسيقهم وتكاتفهم سمة غالبة عليهم ولم تفرقهم الولاءات التي تغلغلت بالثورة. هذا من جانب ومن جانب آخر فإن إنجازاتهم التي حطمت كل الشراسة والهمجية التي قوبلوا بها وصلت حد المعجزات. فمعركة النظام الأساسية بدمشق. وواهم كل من يعتقد أن الساحل هي المعركة المصيرية له. فمن يخسر الرأس سيخسر غيره وهذه السلطة القابع على رأسها مجنون يتوهم ما ينطق به مريدوه بمجلس النواب من أن الوطن العربي قليل عليه ويجب أن يحكم العالم، سيعتبر حتماً أن سوريا كلها قليلة عليه ويعتبر دمشق معركته المصيرية والساحل خطوطه الخلفية التي ربما تكون خطوط تفاوضية للخروج الآمن وصارت تتعزز مع الأيام ملامح رضوخ دولي لتشكيل دولة فيها  وهنا تقضم الشيء الإيجابي الوحيد للحل السلمي ألا وهو الحفاظ على سوريا موحدة .

الخروج الآمن لمجرم تجاوز كل الخطوط هو ما قرره له الحل السياسي فحسب جنيف المنصرم وجنيف 2 الذي لازال برحم القدر والمتضمن الحديث عن تنحي الأسد وحكومة انتقالية مختلفة الصلاحيات لحد الآن لن يتم إلا بضمانات دولية للأسد بعدم الملاحقة وعدم المحاكمة عما ارتكبه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية هذا إذا وافق أصلاً على التنحي وهو الذي لايزال يصرح برغبته بالترشح للانتخابات القادمة بعام 2014 .

هذا الخروج هو ما يعتبره الروس والسياسيون الغربيون أيضا وسيلة الضغط الوحيدة تجاه الأسد ولذلك تعارض موسكو كل محاولة لإحالة الأسد للمحكمة للجنائية الدولية عن طريق مجلس الأمن بحجة عرقلة هذه الخطوة للحل السياسي للوضع السوري  ونتيجة لذلك فهو ترخيص مفتوح لما يقوم به من مجازر بحق السوريين بمختلف الأسلحة التقليدية وغير التقليدية فليس هناك شيء يخسره نتيجة كل هذا الإجرام فإما أن يبقى رئيساً لبلد دمره وقضى على نصف أهله (مابين شهيد ومعتقل ولاجئ) وإما أن يخرج دون أي محاسبة عما اقترف ويقترف .

فالخط الأحمر الذي رسمه أوباما للأسد وصل باهتاً بفعل عبوره للمحيط الهادي والبحر المتوسط ويبدو أن دولة ظهرت للوجود بعد إبادتها لجنس بشري وظهرت كقوة عظمى نتيجة تدمير مدينتين بالسلاح الذري ستبقى أسيرة تاريخها مهما تخفت وراء شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان وهي التي تناست حتى مصالحها كدولة رعايةً لمصالح إسرائيل، المستفيد الأكبر من كل ما يجري بسوريا والمنطقة،ويبدو أن الغاء اللقاء الثنائي بين أوباما وبوتين الذي كان مقرراً على قبل قمة العشرين بمدينة سانت بطرسبورغ ما هو الإ تمديدا للترخيص الممنوح للأسد بالقتل والإجرام وتهرباً من وضع النقاط على الحروف لهذا الحل السياسي الذي يبدو أنهم صدقوه ونحن الذين تربينا على مقولة أن البدوي أخذ بالثأر بعد خمسين عاماً واعتبر نفسه قد استعجل ومهما جرى بهذه الثورة من تعرجات فقد قامت لبناء دولة الحق والقانون ولن تقوم هذه الدولة دون محاكمة من أجرم بحق شعبها.

ناشط حقوقي وسياسي

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى