صفحات العالم

ماذا بعد زيارة أحمد داود أوغلو إلى دمشق ؟


أديب عبد الله

عوّدنا النظام السوري منذ بداية الأحداث اللعب على بعض الأوراق التي يعتبرها الكثير أوراقا محروقة بعد أن تم استهلاكها على يد النظم في الدول التي تنفست هواء الحرية ، والدول التي تنتظر.

فأول ما بدأت الأحداث في درعا ، شعر النظام ببعض الارتباك – وإن كان طفيفا – إلاّ أنه استوجب إخراج الورقة الأضعف وإحراقها، والتي تمثلت حينها بوعود بثينة شعبان مستشارة الرئيس السوري بشار الأسد بإجراء حزمة من الإصلاحات شملت رفع قانون الطوارئ وقانون حرية الأحزاب والإعلام.

وسميتها هنا بالورقة الأضعف مع عظم تأثيرها في حال التطبيق، بسبب أن متتبع أسلوب الحكم في سوريا يفهم أن هذه الإصلاحات ما هي إلا عملية تأخير لاستيعاب صدمة المظاهرات.

ونستطيع القول إن النظام نجح في أن تكون ورقة الإصلاحات مادة إعلامية دسمة لكل منافح عن رواية النظام التي تحمّل العصابات المسلحة توتر الأوضاع وإزهاق الأرواح من المتظاهرين ومن قوى الأمن والجيش السوري على حد سواء.

ولكن الدماء التي سالت في المظاهرات عقب إعلان الإصلاحات أطفأت نضارة هذه الورقة ما استلزم الخروج بالورقة الثانية، وتمثلت بإصدار قرار رسمي من قبل الرئيس السوري بشار الأسد بعدم إطلاق الرصاص على المتظاهرين. وأيضا هذه الخطوة وئدت في مهدها بسقوط عشرات القتلى في المظاهرات السلمية.

وهذا فتح الطريق نحو الإيمان من قبل الكثير بأن النظام يسير في إستراتيجية القمع، و ورقات الإصلاح ما هي إلا إبر تساعد في تخدير المتظاهرين – وهو ما أعتقد أن أنقرة تسلم به بشكل غير معلن- هذه المطالب بدورها جعلت النظام يخلـّي سبيل أوراق أخرى كانت تمثل مطالب وصفها المؤيد والمعارض بأنها حق للجميع. فجاءت ورقة الدعوة إلى الحوار مع المعارضة التي أطلقها الأسد عقب جمعات دامية ، ليُميتـَها تـَواصل سقوط عشرات الجرحى والقتلى.

أعقبتها ورقة العفو العام التي لم تغن ولم تسمن من جوع الشعب السوري للحرية ، أما بالنسبة لإقرار الرئيس السوري لقانون الأحزاب قبيل العمليات التي بدأها الجيش العربي السوري أول رمضان فقد جاءت باهتة حتى أن أحدا لم يلق لها بالا ، القريب قبل البعيد .

ومثلما توقعت قبل ذهاب وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو إلى دمشق ، النظام السوري استخدم نفس الأسلوب للرد على داود اوغلو الذي أوضح أن رسالة تركيا هي وجوب إيقاف النظام السوري للعنف ضد المتظاهرين ، وهذا ما لاحظناه جليا في استخدامه ورقة إعادة انتشار الدبابات في حماة لطمأنة أنقرة . بالرغم من استعراض العضلات قبل الزيارة وأثنائها من خلال تصريحات بثينة شعبان علّها تخفف من شدة اللهجة التركية .

وإذا ظن النظام السوري أن إعادة انتشار الدبابات في حماه ستسكت تركيا التي وعددت بموقف حازم ، فهو مخطئ . فلم يعد مقبولا أن يستمر النظام بالقول إن الوضع في سورية سببه عصابات مسلحة تروع الشعب ، بعد الاصطفاف الدولى خلف الرسالة التركية التي تم إبلاغها لدمشق الأيام الماضية ، وخصوصا بعد إحراج روسيا الواضح من سياسة القتل التي انتهجها الجيش السوري في حماة ودير الزور ، ناهيك عن تململ إيراني من الوضع هناك ما دعاه لدعوة حليفه السوري إلى الحوار مع المعارضة لحل الأزمة .

أما بالنسبة لزيارة السفير التركي في دمشق لحماة فلا تفهم على أنها لنقل معلومة عن الوضع في المدينة ، فأنقرة تعرف أكثر من الشعب السوري نفسه ما مدى الفظائع التي ترتكب في حقهم ، ولكن تـُفهم على أن تركيا نجحت في تحقيق مقولتها التي وردت على لسان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بأن الوضع في سوريا هو شأن داخلي تركي. فزيارة السفير التركي أثبتت أن سورية تحسب لتركيا ألف حساب ، وهذا ما يفسر المحاولة عبثا تطبيق بعض الأمور التي وعد النظامُ السوري وزيرَ الخارجية التركي بتطبيقها، وأهمها مسرحية سحب الدبابات أمام السفير التركي.

وبالنسبة للمجتمع الدولي فلا يرغب أي قطب فيه فتح جبهة في سورية قد تشابه الوضع في ليـبيا؛ لأن العالم يدرك أنها ستجر المنطقة إلى حرب إقليمية ، ولا نغفل أن المجتمع الدولي يواجه مشكلات اقتصادية حقيقية.

لذلك فتأخير جر حبل المشنقة إلى رقبة النظام السوري يعطي فرصة للمجتمع الدولي لترتيب أوراقه ولفهم طبيعة المرحلة التي من الممكن أن تعقب سقوط النظام ، وخصوصا فهم طبيعة المعارضة التي ينظر إليها الغرب بأنها ليست على قلب رجل واحد.

وعلى ضوء هذه المعطيات ، وبعد قراءة تحركات الجيش السوري على الأرض ، فإن النظام السوري يكون قد أحرق وقته الأخير في وجه صديقه التركي. وأقولها بصراحة: النظام السوري يعلم جيدا أن تحقيق الإصلاح هو انتحار سياسي وتاريخي له ، فلا رجعة الآن بعد أن دخل إلى نفق الحل الأمني المظلم الذي قد يجد في نهايته وضعا في سوريا يشابه إلى حد ما الوضع في ليبيا، وهو ما يُعتبر حدوثه خطا أحمرَ بالنسبة لجميع الدول، ومن ضمنها تركيا ، أو مشابها للوضع في اليمن وهو المرجح في المرحلة القادمة.

وفي نهاية المطاف فالكلام عن خذلان تركي للشعب السوري أو شهادة زور أدلى بها سفير تركيا في دمشق إثر زيارته لحماة هو عبث ، فالمتوقع أن تتخذ تركيا موقفا في الأيام القادمة أكثر حزما، مع رغبتها وسعيها إلى عدم قطع العلاقات مع النظام السوري ما أمكن ، لتكون البلد شبه الوحيد الذي يتمتع بصلات مميزة مع المعارضة والنظام السوري، وهذا ما يعطيه دور اللاعب الأول في المرحلة القادمة.

مذيع في قناة ‘TRT’ التركية ـ اسطنبول

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى