صفحات الحوار

ماريو فارغاس لوسا في أحاديث صحافية متنوعة: الربيع العربي هو الأهم في تاريخنا المعاصر


تقديم وترجمة: يقظان التقي

الكاتب البيروفي ماريو فارغاس لوسا (75 عاماً) الحائز جائزة نوبل للآداب للعام 2010 يمثل صورة عن الأدب ودوره كجزء من التحولات السياسية والاجتماعية والنقدية من حيث عمله على تجسيد هيكليات السلطة وصوره الحادة حول مقاومة الفرد وتمرده وفشله من خلال ملامح البنية الأدبية التي يشتغل عليها في مقاومة الاستبداد والظلم والوقوف الى جانب نضالات الفرد والجماعة وهي الملامح والدلالات الادبية التي قادته الى جائزة نوبل.

يعتبر ماريو فارغاس لوسا في حوارات أخيرة مع الصحافة الفرنسية ان الكتابة أو يفترض أن تكون تمثل الرغبة في المستحيل وفي مواجهة تلك التسوية المذلة مع الممكن الذي حصل في المجتمعات تتفاعل مع الأزمة، معلناً وقوفه مع الحرية ومعتبراً الثورات العربية أمرأً رائعاً.

يفصل لوسا بين العولمة كظاهرة تواصل وتلاحم وتجاوز حدود وبين الهوية الوطنية باعتبار ان الأمر يحيل على استدراكات ايجابية وسلبية في آن ويقول: “ان تكون مثقفاً يعني أن تتقن الملاحة في الكشف في عمق أحاسيس الناس، وهنا تتبلور اهمية الوعي في عصر العولمة وقوة التعبير الديموقراطية.

يقول لوسا: “الكلمة هي القصيدة التي تحمينا من العدم ولا معنى للواقع كما هو إذا لم تحدث منه ذلك التغيير لان الاشياء الساكنة هي لا تليق بمجتمعات الحرية والديموقراطية.

ولد لوسا في 28 آذار 1936 في مدينة اريكوبي في بيرو سليل عائلة ارستقراطية كبيرة وتحول من ثوري يساري الى احد ممثلي الطبقة البرجوازية عاش بين البيرو ومدريد.

روايته “زمن البطل” فتحت له الأفاق الادبية الى مقالاته وكتاباته الصحافية ويعتبر من اشهر كتّاب اميركا اللاتينية والسادس فيها الذي يحصل على جائزة نوبل للآداب.

له انزياحاته السياسية الليبرالية كتحذيره يوماً من خطر الديموقراطية وتأييده الحرب على العراق وتنقله بين منازل كثيرة، مع ذلك يعتبر في البيرو الشخصية المثيرة والنافذة والمتمردة.

صدرت أخيراً عن دار “غاليمار” في باريس روايته: “حلم الرجل السلتي” وقد استوحى أحداثها من سيرة الايرلندي روجر كاسيمنت الذي شغل منصب قنصل بريطانيا في الكونغو مطلع القرن العشرين وقد امضى جزءاً من حياته في الامازون علماً ان الكونغو كانت خاضعة للاحتلال البلجيكي.

يأتي صدور هذه الرواية بعد 4 سنوات من الانقطاع عن الكتابة وسنة على منحه جائزة نوبل، باستثناء مقالاته الصحافية.

عن الرواية وجائزة نوبل والادب والرأسمالية والعولمة والثورات العربية يتحدث لوسا لكل من “لونوفيل اوبسرفاتور” و”لوبوان” الفرنسيتين وأخترنا المقتطفات التالية من حواراته.

تقديم وترجمة:

يقظان التقي

بعد الاعلان عن نيله جائزة نوبل للآداب في استوكهولم الكاتب الكبير ماريو فارغاس لوسا يخوض مغامرة الكتابة مجدداً في رواية جديدة “حلم الرجل السلتي” عن منشورات “غاليمار” ويروي فيها القدر الاستثنائي لروجر كاسيمنت ولجهة مقاومته اشكال الكولونيالية.

لوسا حاورته “لونوفيل اوبسرفاتور” و”لوبوان”، حول الأدب والسياسة، حول جائزة نوبل وروايته الجديدة والمضامين الادبية في سياق التحولات الكبرى على المستويات كافة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية.

هنا مقتطفات من الحوارات معه:

[ لونوفيل اوبسرفاتور: سنة على نيلك جائزة نوبل للآداب، ولم تعط حواراً طويلاً وإن كنت أعربت عن امكانية ذلك. ماذا غيّرت جائزة نوبل لديك؟

ـ بالنسبة إلى عملي لم يتغير شيء، الحياة اصبحت اكثر تعقيداً، بالتأكيد ازاء مجموعة من الواجبات والالتزامات كان لا تستطيع أن تقول لا، ومضطر للقول دائماً نعم، كانت الجائزة بالنسبة إليّ مفاجأة كبيرة، وكنت على اعتقاد انني لن أحصل عليها مطلقاً ليس لأسباب أدبية بل لأسباب سياسية: ليبرالي مدافع عن الرأسمالية يفوز بالجائزة الأدبية! مع ذلك بعد ثلاثة اشهر من اعلان الاكاديمية الجائزة علماً انها مؤسسة اكاديمية لا تعول عادة من الاسم ومع ذلك اكاديمي ما لن اذكر اسمه قال لزوجتي وسألته: “هل احتاج الأمر الى كثير من المناقشات”، فرد بالنفي: “كان الاختيار سهلاً وتم الاختيار منذ ثلاثة اشهر” كانت مفاجأة كبيرة بالنسبة إليّ وبالبداية لم أصدق ذلك.

[ الاكاديمية السويدية تتألف من 18 عضواً والجميع لزم الصمت طيلة ثلاثة أشهر؟

ـ نعم، هذا مذهل وأمر غير عادي حيث لم يتم التسريب، لم يعد في العالم غير السويديين مَن يعتمدون على السرية ويحفظون السر لمدة طويلة؟ وحين أعلنت الجائزة كان الجميع في الجو. هناك في الطابق الثالث في منزل قديم رائع في “Camla Ston” في استوكهولم اتخذوا القرار، وذهبنا أنا وزوجتي والأولاد لرؤية المكان، هناك فأتت تلك الجائزة بورخسيس (واحد من كبار الغائبين عن الجائزة الى جانب بروست).

[ بالعودة إلى كتابك الجديد تشعر بغضب ضد الوحشية الكولونيالية؟

ـ من المستحيل أن لا تكون لديك الكراهية أو الغضب عندما تقرأ العلاقات والروابط التي حميت كاسيمنت خلال اقامته بين الكونغو والامازون. أمر مرعب حقاً وصعب حتى على التصديق، أكثر مما تتصور. القساوة والفظاظة والشراسة والوحشية التي سادت في افريقيا وتحديداً في الكونغو على نحو استثنائي ولهذا شرح بسيط جداً هو التأكد من غياب العقاب وضمانة الهرب في تحمل المسؤولية الانسانية عبر الجهاز الذي خلقه ليوبولد. الأمر الاستثنائي حقاً هو كيف واجه كاسيمنت على مدى 20 عاماً تلك السلطة القمعية وبذل مقاومة فعالة واضحة وجريئة الى درجة الجنون (…) مقاوماً اشكال التمييز العنصري واشكال الابارتهيد في معاملة الناس والاسرى والمعتقلين. والأمر الهام جداً هو معرفتنا كيف ان مسألة غياب العقاب تولد اشخاصاً متسلطين. العديد من تلك الشخصيات والفعاليات المتسلطة من مناطق الكاوتشوك.. من بلجيكا من ليما او المدينة لندن. عملياً هم رجال محترمون ولكنهم يغطون اشكالاً مختلفة من روح الجريمة. روجر كاسيمنت هو واحد من اولئك الاوروبيين الذي دافع عن الروح الأخرى في سلم قيم اخلاقي وثقافي وفي روح اشتراكية اولية.

هو الأول الذي قال: “لأن هؤلاء ليسوا قوماً بدائياً وبربرياً وتوجد أشياء كثيرة جديرة بالاحترام في عاداتهم وتقاليدهم وفي معتقداتهم وافكارهم. لقد ذهب كاسيمنت في الاتجاه المعاكس في وعي اوروبي مهم في أوروبا وفي المملكة المتحدة وفي ايرلندا، من خلال حملة رسالة حضارية وهو الأول الذي كان شديد الوضوح والوعي لطبيعة الكولونيالية الفظة والفاشية(…)

كاسترو

[ أنتم أيضاً كنتم من المؤيدين لآراء فيديل كاسترو والنظام الكوبي وتحولتم ليبرالياً، ماذا عن التماسك في الرؤية السياسية؟

ـ في سنوات الستينات إذا كنت من الرعيل الاميركي اللاتيني، إذاً انت بالتأكيد كوبي مبدئياً. الثورة الكوبية كانت تشبه في بداياتها رمزاً مشتركاً للثورة الاجماعية وللحريات والديموقراطية بعدها، ذهبت خمس مرات في الستينات الى كوبا ورأيت ان الواقع مختلف تماماً عن تلك الامثولات. تأكدت ان في كوبا سلطة ديكتاتورية على النموذج السوفياتي القديم. وفي النهاية اتخذت موقفاً نقدياً تجاه تلك الثورة وحاولت أن أكون رجلاً نبيلاً. ان توجد تناقضات بالتأكيد، ولكن مساري السياسي برأيي كان متماسكاً على الرغم من تلك التناقضات والخيبات.

والبيرو

[ شهدت البيرو دكتاتوريات متعاقبة، وانت ناضلت من الخارج او الداخل في مواجهتها واعتبرت خائناً بالنسبة لبلدك الام؟

ـ هذا صحيح، عوقبت واتهمت بالخيانة لأني طلبت عقوبات اقتصادية ضد السلطة القائمة في البيرو. ما كان يمكنني ان افعل غير ذلك لاسباب وطنية. لم أكن لأقف هذا الموقف لمجرد أني احمل هويتي الوطنية بالامكان الدفاع من خلال الافكار التي تحملها حتى في ظل السلطات الكولونيالية. ولكن مباشرة بعد الاستقلال الهوية الوطنية عنصراً في السجن بالنسبة للاجماع العام. كان موقفاً من المواقف التي اتخذتها في سن الشباب. كنت دائماً أشعر ان الهوية الوطنية هي عدو الحرية والانفتاح والعدالة وانغلاق مرتبطة بابتزاز مرعب وتخويف مقيم. الوطن هو قيمة مضافة، لا يمكن تجاوز ذلك او الغش في هذا الأمر، ولكن أنا لا اقبل بكل شيء هكذا.

[ في كتابكم “السيوف واليوتوبيا”، كتاب الريبورتاج والابحاث عن اميركا اللاتينية تقولون: “انا أناضل ضد اشكال الهوية الوطنية، ذلك الشعار غير الصافي والاسقاط الانساني المبهم”.

ـ نعم، لأن الدين والجنسية تعود الى الجذور الاولى والأسوأ والمرعبة في التاريخ. الحربان العالميتان الاولى والثانية ولدتا من خلال مسألة العرق والهوية. أعرف جيداً الى ما تقود الهويات القاتلة. اعتقد ان عملية بناء أوروبا كانت من خلال اعادة تعريف ومعرفة وتبيان مسألة الجمل والعنف بمسألة خلقية وراثية مع الهوية.

[ لكن ألم تؤد العولمة الى عودة الاعتبار الى الدولة وتالياً الهوية الوطنية؟

ـ عندما تكون هناك تحولات تاريخية عميقة يحدث هذا، يوجد عنصر من العودة الى القبيلة والعشيرة.

كارل بوبير كتب بوضوح عن هذا. هذا برأيي ما يفسر عودة العالم اليوم إلى الدراسات الانتروبولوجية. كل العالم اليوم يذهب نحو وراثة الاقليات وعودة الخصوصيات والهويات المحلية والمناطقية في عصر حيث العولمة مدعاة للخوف، إذن نحن نبحث عن ذلك العنصر الاساس الذي هو المنطقة البلد، الوطن. لكن العولمة تذهب ايضاً في الاتجاه الصحيح والجيد برأيي. هي تمحور الحواجز وتجعل العالم كله من دون حدود والانسانية واحدة وبلا حدود. هذا أمر ايجابي جداً للانسانية. هذا لا يعني غياب الحدود أو إزالتها ولكن ترسيمها انسانياً، ازالة الحواجز الذهنية والفكرية. أين دول الاتحاد الاوروبي كان أمراً جيداً بعد الحرب العالمية الثانية، هذا يعني 60 سنة من الاستقرار والسلام. نشأة اوروبا كانت الحدث التاريخي الأهم في عصرنا.

العولمة الديموقراطية

[ كتبت انك تفضل العولمة بشرط عولمة الديموقراطية؟

ـ العولمة هي عولمة الثقافة وعولمة الحرية وعولمة الديموقراطية، اي كل ما يجعل الحياة اكثر فعالية وحيوية، الموجة الديموقراطية في دول اميركا اللاتينية رهيبة. وهي تترافق مع اصلاحات اقتصادية وبناء هيكليات مهمة اقتصادية وليبرالية وترمي خلفها الاشياء القديمة. والنظريات الكلاسيكية الشمولية العقيمة، اليوم الثورات العربية جعلتنا متفاءلين، اعتقدنا طويلاً ان لا حراك في العالم العربي ولكن ما حصل ان الامور تتحرك، هذا انفجار ثوري شعبي حقيقي وعلماني اكيد حتى لو حاولت بعض الجماعات المتشددة الدينية ان تستفيد من تلك الثورات او تحوّل اتجاهاتها.

هذه الثورات تأخذ مصطلحاً شعبياً مهماً وجديداً في المعنى الواسع والأفضل شعبياً لجهة اعادة الاعتبار للعملية السياسية من مدخل الحرية والديموقراطية والمساواة والاشتراكية، هذا هو الحدث الاكثر اهمية في التاريخ المعاصر، الحدث العربي اليوم هو الأكثر اهمية.

الخيال

[ في مؤتمرك الصحافي عقب تلك جائزة نوبل للآداب قلت: “من دون الخيال ستصير أقل وعياً ومعرفة عميقة بالحرية التي تحول حياتنا اكثر حيوية ووجودية؟

ـ ما هو الخيال، في زمن الأزمات يتم اللجوء اكثر الى المخيلة منها الى المعرفة. هي حركة وعي وتحرر من قسوة الواقع وغموضه، هي نقطة الخروج من الخضوع للأزمة نفسها او للواقع المأزوم نفسه.

هذا موقف نقدي في الواقع كما هو. هذا ما يشرّح السبب من ان كل الانظمة والبلدان التي حاولت تقييد حياة الناس من الولادة حتى الموت عندها ريبة معدية وحشرية تجاه كل ما هو ابداع ومخيلة ادبية. فرضت الانظمة اجهزة رقابية وعسكريتارية مخابراتية وامنية ومعها حق بالرقابة على الأدب لأنه يحول المجتمع الى مجتمع مقاوم لكل ما هو تلاعب في الانتخابات وكذب وفساد في السلطة ورقابة عامة على نحو ما تنتهجه كل الأنظمة الديكتاتورية. الخيال هو عنصر اساسي يحمل حالة فكرية وعصب فكري نقدي عند المواطنين.

[ بماذا تفتخر اكثر في صباك؟ وما الذي تتحمس إليه أكثر؟

ـ أو لا، لا، بالمناسبة انا فخور جداً باللحظة التي قررت أن أكون فيها أديباً، وأن أكون كرّست للأدب حياتي. ولم ابخل على هذا المسار الادبي بأي تضحية، بالعكس ضحيت بكل شيء لاجل حياة ادبية مزدهرة.

القرار اتخذته من العام 1958 في عمر 22 سنة في مدريد. أتذكر جيداً حين قلت لنفسي: “لن أكون مطلقاً كاتباً حقيقياً إذا لم أكرّس نفسي للكتابة”. هذا قبل صدور أول كتاب لي “المدينة والكلاب”. بعدها راودتني الشكوك، فكرت ان اكون محامياً، أو استاذاً جامعياً وبأن الأدب لأيام الاحاد والايام الحميمية. في مدريد تكرس اعتقادي بالنجاح بأن أصير كاتباً ولكن لأصير ذلك الكاتب لن اكتب مطلقاً كتاباً جيداً، لأن ذلك يعكس مساراً طويلاً ككل. افتخر بأني كنت وفياً لذلك المسار في شبابي ولم يكن عندي الادعاء أو الغرور ولم أغش نفسي مطلقاً.

لوبوان: أن تكتب يعني ان مشهداً ما يقطع هل كتبت لدى اعلانكم فائزاً لجائزة نوبل؟

ـ نعم، لأن الموت في الأدب لا يكون مطلقاً مفزعاً أو مخيفاً. هذا يبقى دائماً مشهدياً، دائماً هناك امكانية الدفاع ضدّ الموت لاسيما حين لا تكون في داخله. قوة ايفان ايليتش عند تولستوي غطى أكثر من مئة صفحة مع ذلك كانت اللعبة مع الموت مرحة ورائعة في سياقها الروائي، ان تقص حكاية الموت هي طريقة أو أسلوب لتجاوز الخوف الذي يمكن تحسسه او الاثر الذي يتركه.

[ جائزة نوبل هل غيرت شيئاً ما في علاقتك مع الكتابة، عندما تجلس الى الطاولة خلال العمل وحين تقول لنفسك احياناً أنك صرت نوعاً من “المعرفة العالمية” أو “الوعي العالمي”؟

ـ مطلقاً، الكتابة هي فعل معزول، فعالية فردية، شديدة الحميمية وأي جائزة لن تغير هذا الأمر.

[ لكن في هذه اللحظة التي تشهد تحولاً كبيراً وتنوعاً وتعددية وتفجراً في الميديا المرئية والسمعية والوسائط الالكترونية التي تخرق المشهد العالمي يومياً ماذا يخدم أيضاً الكاتب؟

ـ لا أعتقد ان الكتابة مهددة بالتنوّع في الميديا الحديثة المرئية السمعية. لأن الأدب يبقى الوسيلة الوحيدة التي تساعد على تعلم اللغة واللغة تعني الكلمة، والكلمة تبقى هي الاساس ليس فقط للتعبير بطريقة ذكية، لكن اللغة هي التي تمنحنا فكرة تنظيم كل شيء الموقف والأفكار، أي فن سياسة الأمور اللغة هي فن الاخراج، استخدام وتركيب الخيال، تنظيم الأحاسيس والعواطف والشغف. وهذا الفن او هذه الثروة لا نستطيع ان نحصلها عبر مشاهدة التلفزيون أو رؤية الأفلام السينمائية، حتى في رؤية الأفلام هناك الرواية والشعر، والتجارب والابحاث الكثيرة التي تعطيك إياه.

[ ولكن لغة جديدة تظهر من دون توقف وتهيمن حتى هي لغة الصورة، منذ بداية القرن العشرين تبدو لغة الصورة أقوى من لغة الكلمة أكثر تعبيراً؟

ـ لا أعتقد هذا، لغة الصورة هي لغة راهنية تعطي الكثير من العواطف والمشاعر اللحظية ولكن العابرة سريعاً. وحدها الآداب وتحديداً الخيال هو الذي يعطي وعياً بأن العالم كما هو ليس منجزاً ومكتملاً وليس بالضرورة متوافقاً مع مناخاتنا ورغباتنا وأحلامنا. عدم الخضوع أو اللاخضوع هذا للعالم، للواقع كما هو وحده الأدب بإمكانه أن يحوله إلينا بمجرد اللقاء مع الكتاب وبطريقة مستمرة إلى حد يصبح الكتاب جزءاً من الشخصية الإنسانية. إذا أردنا مجتمعات حرّة ودينامية وديموقراطية نحن بحاجة إلى مواطنين حقيقيين لا يرضون بسهولة ولا يتوافقون على كل شيء، لأن التوافق على كل شيء يعني ان هناك مشكلة إنسانية لن نجد لها حلولاً في العالم، الذي نعيش، العالم كما هو، يجب أن يكون لدينا دائماً هذا التعطش للمطلق. ذلك الجوع للمطلق. الأدب يفعل هذا بنا، يعطينا حججاً ودوافع مهمة ضد عدم الاكتفاء في الحياة. يضعنا في حالة ابداع دائم ورفض دائم لكل اشكال الاختناق والاضطهاد والتسلط والدكتاتورية (..) الأدب بحب تعيش في أمان ما.

[ الأدب إذاً هو آلية لإنتاج عدم الرضى التام.. هو المنقذ؟

ـ لأن الأدب يجعلنا في شغف دائم لاكتشاف رغباتنا بحياة أخرى، حيث الحياة الواقعية قاصرة عن اعطائنا هذا الشعور والاحساس وهذا ما يفتح نافذة على أفكار نقدية، فيما آلة الميديا الحديثة السمعية البصرية هي هناك لمجرد التسلية وخلق مواضيع سلبية وغامضة وملتوية وافتراضية عالم من دون أدب هو عالم من دون وقاحة ولا سخافة وسطحية.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى