سمير سليمانصفحات مميزة

مالعمل لإنقاذ سوريا ؟: سمير سليمان

سمير سليمان

    يسير الوضع المتفجر في سوريا بتسارع نحو تشظّي الدولة وانحلالها , وانفراط العقد الإجتماعي السوري , وتشقق الوحدة الوطنية , وازدياد الإستقطاب الطائفي والعرقي على حساب الإستقطاب السياسي والوطني . بما يبرر الحديث السياسي الهاجس حول تقسيم سوريا , كإحتمال بدأت شروطه تتحقق في صيرورة الصراع , وفي سلوك أطرافه . هذا الأمر ساعد عليه جميع العناصر والأطر المشكّلة للثورة السورية ذاتها . وهي العناصر التي يمكن حصرها في ثلاثة أطر متداخلة هي :

 أولا : واقع الصراع العسكري القائم , واستعصاؤه على أرضية استحالة تحقيق النصر الكامل لأي طرف على الآخر , ضمن توازن القوى المتحكم فيه جيدا من قبل ” أصدقاء ” الثورة . وإصرار كل طرف على تحقيق الإنتصار الكامل على عدوه .

ثانيا : مصالح القوى الإقليمية والدولية التي لم تظهر أي إهتمام حقيقي بإنهاء الصراع بما يحفظ وحدة الوطن السوري , ويحمي مجتمعه من التمزق والتشظّي .

ثالثا : وهو الأهم , التوافق الموضوعي , بين النظام بعد تحوله إلى أداة تدمير صرف وممنهج للثورة والمجتمع , وبين عفوية الثورة وعشوائيتها , على تحطيم الإجتماع السوري المكرّس . عنف النظام وعشوائية الثورة يعملان بنفس الإتجاه فيما يتعلق بمستقبل وحدة المجتمع السوري , وإن كان يسجل للنظام سبق الأولية والشدة .

ضمن هذه الشروط المضادة , يطرح السوريون سؤالهم الراهن بإلحاح : مالعمل لإنقاذ سوريا ؟

……………..

     لابد من الملاحظة في البداية , أن هذا السؤال يطرح من قبل التيار المدني السلمي والتوافقي , كما يطرح من قبل جزء هام من فصائل المقاومة المسلحة , على ارضية هويتها الوطنية . فهو إذن سؤال سوري داخلي حصريا , ولا يطرحه أي طرف خارجي في أجندته تجاه سوريا , بالمعنى والمغزى الذي يطرحه السوريون أنفسهم . كما لايطرحه على أنفسهم المسلحون الجهاديون , والمقاتلون لتحقيق الدولة الإسلامية . وإضافة لما يطرحه هذا السؤال من إحساس بالعجز عن الحسم العسكري , ضمن شروط توازن القوى العاجز , المراقب والمضبوط جيدا من قبل ” أصدقاء سوريا ” , يوحي أيضا بوعي السوريين الحاد بالخطر الناجم عن هذا العجز . كما يدل أيضا , على يأسهم وقنوطهم من جدوى الإتكال على المعارضة التي تحتل الواجهة السياسية , بعد تبيان عجزها المزمن عن بلورة أية خطة عمل , أو برامج إنقاذية للثورة , يمكن التعويل عليها , أو العمل بموجبها .

     مالعمل ؟

     الشرط الأولي للثورة أن تتمتع بدماغ سياسي أكثر واقعية , وأكثر نجاعة , بمعنى توفر قيادة سياسية مؤهّلة . فمطلب إسقاط النظام لم يعد برنامج عمل للمستقبل , فقد تبدلت الأوليات , والنظام ساقط لامحالة , ولكنه قد يسقط بعد بعد تحول كل شيء إلى ركام .

    فإذا تفككت مؤسسات الدولة كلية قبل سقوط النظام , وبلغ الإستقطاب الطائفي ذروته , فستكون الفرصة ضئيلة لصياغة عقد إجتماعي ووطني جديد للسوريين . ومن هذه الزاوية , بات من المهم جدا التخلص من النظام بأسرع وقت ممكن , وإن كان ذلك عبر مراحل , على أن تبدأ الآن . فهناك سباق حقيقي بين تحقيق إنكسار في توازن الصراع العسكري لصالح الثورة , وبين التهاوي المتسارع للبنية الإجتماعية والإقتصادية والنفسية للمجتمع السوري . والإستمرار في وضعية التشرذم والتعدد للقيادة السياسية والعسكرية , لن يحقق إنكسار النظام , كشرط ضروري للتفاوض على رحيله . وسيطيل الصراع ومستتبعاته في التذرر الإجتماعي والإقتصادي للسوريين , وصولا للمجاعة , والصراع على وسائل العيش بمعناها الحرفي . وهو اسوأ السيناريوهات المتصورة .

     تتكاثر إذن , باستطالة الصراع وتأخر انهيار النظام , شروط إنتصار الثورة , وتتعقد مهماتها . فإذا كان توفر السلاح هو الشرط المفقود في بدايات العام الماضي , فإننا نفتقد اليوم , إضافة للسلاح , القيادة العسكرية الموحدة , والبرنامج الوطني لهذا السلاح , ولهذه القيادة . البرنامج الوطني والديموقراطي الذي أصبح ضرورة ملحة .

     من ناحية أخرى , يكشف توفّر مناطق خارج سيطرة النظام , عن أوجه للكتائب المسلحة لاتبشر بالخير , تنهك الثورة , ولاتتفق مع مايريده السوريون . فقد عملت السلوكيات شبه الإحتلالية لأمراء المناطق , على انفضاض جزئي للحاضنة الشعبية عن الثورة . بسبب من شعورها أنها تدفع غرامة ظالمة من قبل النظام بسبب نصرتها للثورة بلا إنجاز مقابل . غرامة لايعوضها , بل يزيد من وطأتها , وجود الكتائب المسلحة المسيطرة , والتي لاتقرّ بفضل هذه الحاضنة في تحرير تلك المناطق . وهذا مايتطلب بإلحاح من قوى الثورة العمل على استكمال ” التحرير الحقيقي ” لهذه المناطق , باستعادة الأمن المحلي , والإدارة المدنية , وحماية الدورة الإقتصادية , واستمرار تقديم الخدمات , والحفاظ على البنية التحتية , وإقامة شرعيات قضائية أكثر قربا من الدستور الديموقراطي المنشود , وأكثر قربا من الثقافة القانونية للسوريين , بدلا من تلك الهيئات الشرعية القائمة على التشدد الديني وإرهاب السلاح . لايجب ترك الناس في العراء بمحنتهم بلا عزاء ولاعون .

     إذا كانت سوريا تتجه نحو التقسيم بفعل جميع عوامل الصراع , فإن النموذج الناجح والجذاب في إدارة المناطق المحررة , عبر الإدارة المدنية المحلية المنتخبة من الناشطين المدنيين , ستكون من الوسائل الهامة في تأسيس الأرضية الموحدة للسوريين , وفي الحفاظ على تلاحمهم الطوعي . كشرط لابد منه لإرساء عقد إجتماعي وطني طوعي جديد للمجتمع السوري في مرحلة مابعد الأسد .

     أخيرا , لابد للثورة كي تنجح بأهدافها المعلنة , في إنقاذ سوريا , من اعتماد الخطاب الديموقراطي الوطني الجامع . فتعدد تلاوين المجتمع السوري الدينية والمذهبية والعرقية , وتدرج سويات الإنتماء والإلتزام كما في أي مجتمع حديث , يفرض على الثورة , إذا أرادت لنفسها أن تكون النقيض السياسي والأخلاقي لنظام الأسد , أن تعتمد الخطاب الديموقراطي , وتجسده في السلوك , وتكرّسه في البرنامج والدستور , وبغير ذلك , لن تنتصر الثورة حتى لوسقط الأسد .

     سقوط الأسد أصبح مسألة وقت . أما إنقاذ سوريا فباتت مسألة عمل ملحّ . إنقاذ سوريا من الجهتين هو الثورة .

2013-07-10

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى