صفحات العالم

أوباما وتجربة “جونسون”/ حازم صاغية

 

 

أما وقد بقي من عمر الولاية الثانية لباراك أوباما عام واحد، يسود في تقييم الرئيس الأميركيّ ميل إلى الفصل الحاد بين سياساته الناجحة في الداخل وسياساته الفاشلة في الخارج.

وهذا ليس جديداً تماماً على رؤساء الولايات المتحدة، حيث يُذكر بصفة خاصة الرئيس الديمقراطي ليندون جونسون الذي كان الرئيس السادس والثلاثين لبلاده. فجونسون الذي انتخب في 1961 نائباً للرئيس جون كينيدي، ما لبث أن أكمل ولاية الأخير بعد اغتياله. وفي 1964 خاض المعركة الرئاسية ضد المرشح الجمهوري المتطرف باري غولدووتر وفاز عليه بفارق كبير في الأصوات. وفي هذه الغضون، ومن خلال مشاريع ومراسيم عدة كـ «المجتمع العظيم» و«الحقوق المدنية» و«الحرب على الفقر»، حقق جونسون إنجازات ضخمة لم يسبقه إليها إلا الرئيس -الديمقراطي أيضاً- فرانكلين روزفلت الذي أخرج الولايات المتحدة في الثلاثينيات من كسادها الكبير من خلال سياسته الاقتصادية التي عُرفت بـ «نيو ديل» الكاينزية.

وبالفعل أحدث ليندون جونسون اختراقات كبرى في مكافحة الفقر والعنصرية، بحيث اعتُبرت سياساته وإجراءاته بمثابة مقدمة تأسيسية لنشأة طبقة وسطى من الأفرو- أميركيين السود. إلا أن نقطة ضعف جونسون القاتلة، والتي حالت دون ترشحه في 1968، كانت السياسة الخارجية: ففي عهده تزايد نوعياً التورط الحربي الأميركي في فيتنام والهند الصينية، وتزايد بالتالي عدد القتلى الأميركيين، ما أطلق المعارضة الواسعة في بلده لسياساته الآسيوية والخارجية، بصفة عامة.

وبالعودة إلى باراك أوباما، فقد حقق إنجازات بارزة في السياسة الداخلية، في عدادها ما عُرف بالـ «أوباما كير» الصحية، واتفاقية عبر الباسيفيكي التجارية. وفي ما تبقى من عهده ستُفتح ملفات سيكون من الصعب إغلاقها لاحقاً، كموضوع السجون في أميركا، ومسألة الحق في اقتناء البنادق. وهذه جميعاً قضايا تقع في صلب السجال السياسي والإيديولوجي القديم الذي يشق أميركا ويسميه البعض «حرباً ثقافية» بين الأميركيين.

ولكنْ، وكما كانت الحال مع ليندون جونسون، فالسياسة الخارجية هي مقتل أوباما، على رغم من وجود فارقين يميزان فشله عن فشل جونسون. فالأخير، ابن الحرب الباردة، أخطأ من خلال المبالغة في التصعيد، فيما الرئيس الحالي، وهو ابن ما بعد الحرب الباردة، يخطئ من خلال المبالغة في التراجع والانسحاب. ثمّ إذا كان الثمن الذي دفعه جونسون هو الحرمان من ولاية رئاسية ثانية، فإن أوباما لن يحق له أن يخوض المنافسة الرئاسية لولاية ثالثة، إلا أن محاسبته، التي سيتولاها التاريخ أساساً، ستعكس آثارها على المرشح الذي ينتمي إلى حزبه في تلك المنافسة الرئاسية.

لقد امتُحن أوباما في أوكرانيا، فجاء رده بالغ الرخاوة وأقرب إلى الموقف الخطابي الذي لا يملك أنياباً، وما لبث أن تبين أن العقوبات التي اتُخذت بحق روسيا الاتحادية لن تكون البتة كافية لسحب الرئيس فلاديمير بوتين من شبه جزيرة القرم أو لردعه عن التدخل في شؤون ذاك البلد المجاور. وحتى لو صح الرأي القائل إن الاتفاق النووي مع إيران سيحرم إيران إمكانية التحول إلى دولة نووية، وأن هذا هو المهم في النهاية، يبقى أن النفوذ الإقليمي لإيران هو ما لم يتأثر حتى اللحظة، وذلك بشهادة ما يحصل في العراق وسوريا، ناهيك عن أوضاع «حزب الله» في لبنان.

ويجيء التدخل العسكري الروسي الأخير في سوريا، ليسلّط أضواء قوية على السياسة الأميركية التي يتكاثر واصفوها بالعجز وتجنب الحسم. فكيف وأن الحجج تتزايد على أن «داعش» هو آخر من يستهدفهم الروس بضرباتهم الوحشية، وأن الهم الفعلي لموسكو لا يتعدى إسناد بشار الأسد ونظامه المتداعي؟

الاتحاد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى