صفحات المستقبل

ما أسهل لعن الجميع، ما أصعب الثورة/ عهد زرزور

 

السنين بازدياد وأنا ماعدت قادرة على التذكّر، معظم الحوادث التي غيرت من مجريات الأحداث صارت لا تعد، من حسنات موقع الفيسبوك القليلة أنه يذكرني بمواضيع مفصلية كنتُ قد أبديت فيها رأي أو انفعال.

حادثة الذبح التي حدثت باسم ” كتيبة نورالدين زنكي” نامت مع باقي القصص، أخذت حدّها في التداول والانفعال ثم لم يعد لها أثر، وفي مثل هذا اليوم 31 تموز لكن من العام 2012، أذكر حادثة إعدام “آل بري” في حلب، العائلة المعروفة بعلاقاتها القذرة مع السلطة من فواز الأسد وغيره وبأذيتها لأهل البلاد وتجارة المخدرات من قبل الثورة، وتحوّل عملها في ما بعد للتشبيح والقتل والخطف وما إلى ذلك من قباحات.

عام 2012 ليس بالقريب، وردّة الفعل تلك لم تؤدّي إلى ردات الفعل اليوم، لأنها بالنهاية “ردة فعل”، وهي قيمة واحدة كذلك مهما تقادم الزمن، في تلك الحادثة استنكرتُ العقلية التي استطاعت أن تقوم بفعل كهذا وتبرره، كنت خائفة علينا، داخل المشهد كان يتحرك النظام الذي خرجت ضده، وكنت فزعة من طريقة المؤيدين لتعريف الحادثة، أضحك أحيانا من تسمية هؤلاء الشبيحة “مدنيين” كمحاولة من إعلام النظام لتشويه ما جرى، أو محاولة منه لاستغلال هذا الموقف الأليم الذي يهم من يخاف على أحلامه، كنت أتمنى ببراءة حالمة، وجود لجان حقوقية تنفذ أحكاماً عادلة بأدلة وشهادات. لكن في الثورة؟!. لم نسمع بالتاريخ ثورة تشيد المحاكم بل المقاصل، في استبداد شرعي لذيذ يبيح لها حتى دم ابنائها.

وأخلاقيات الثورة؟ القيم التي حملناها في أول الهتافات؟ لا يمكن الرهان على شيء في هذه الدماء، لا شيء.

في حادثة كتيبة الزنكي الكثير نعى الثورة وقيمها، يمر أمامي أعداد لا بأس بها ممن كفر بالحق في سبيل الحياد المريح، أن الجميع متشابهون مثلا، دموا البلاد وقضي على العيش الهنيء ليصير ذكريات، بمعنى أن صاحب الطائرة الذي يرمي البراميل على الأحياء المعروفة يشبه أي شخص يحمل سلاح، وأن من ارتكب أي فعل مسيء لمبادئ الثورة الطاهرة يشبه من يرتكب عقيدة الإساءة ذاتها.. من مبدأ سوء النية والتسطيح للقضية.. ما أسهل لعن الجميع، ما اسهل اللعن.

حلب الآن ليست بخير، داريا ايضاً، إدلب والغوطة ودرعا، من رفض من الأهالي الخروج من بلاده وما نعوّل عليه ليس بخير في الحقيقة، الحقيقة التي تشبهنا ولا نميّزها، هل من يبكي آخر الليل ويقف مشرعا روحه للشمس في يوم آخر هو الحقيقة؟ او أن الدماء التي تنتفض مع كل روح تسري؟ أو ندمنا على دماء علقت في قميص كل واحد فينا دون أن ندري؟ أو أن الحقيقة في تعبنا، تعبنا أن نكمل أو نتغير أو أن نفشل أو نهان؟

الحقيقة السائلة بكل ما يجري فيها نحن، نجري إلى من يبحث عنا وإلى من يخفينا على السواء. من يخفي الحقيقة أكثر ممن وجدها، ومن وجدها يعلم جيداً أنه ثائر، ثائر ومتمرد ولا يعود في مستحيلٍ مضى إليه مهما قلّ السالكون.

مدونة الكاتبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى