صفحات مميزة

ما الذي يحدث للمجتمع المدني في سوريا؟/ ميـرا عبـدالله

 

 

قبل الثورة، كنتُ طالب طب أسنان في جامعة دمشق. ومع بدء الثورة، أصبحتُ ناشطاً في المجتمع المدني السوري وأتعاون مع ناشطين وعمّال إغاثة. كنّا ندعو طوال الوقت الى النشاط اللاعنفي”، قال صهيب زعبي، وهو ناشط سوري من درعا ومؤسس “غصن زيتون”.

وأضاف زعبي: “كنتُ أقدّم المساعدة عبر برامج المساعدة الغذائية والطبية. ولاحقاً، طُرِدتُ من الجامعة بسبب نشاطي هذا واعتُقلت ثلاث مرات. المرة الأخيرة كانت الأصعب، حيث قضيتُ ستة أشهر في السجن. اتُهِمّت فيها بكوني عامل إغاثة، فأن تكون عامل إغاثة انسانية بات جريمة في سوريا. بعد ذلك، غادرتُ الى لبنان وبدأتُ البحث عن مموّلين لبدء مبادرتي الخاصة – وهي تحت اسم “غصن زيتون” – التي تتولى اليوم منظمات مجتمع مدني دولية تمويلها. وقبل ثلاثة أشهر، انتقلتُ الى ألمانيا حيث أعيش فيها اليوم كلاجئ”.

منذ بداية الثورة، شهدت سوريا بروز العديد من المنظمات المحلية غير الحكومية ومجموعات المجتمع المدني، خصوصاً في ظل جمعيات التنسيق المحلّية والمركز السوري لحرية التعبير. لكن مع تضييق نظام بشار الأسد على الناشطين، وزيادة العنف وبروز مجموعات إسلامية في سوريا، وجد العديد من الناشطين المدنيين أنفسهم معزولين، غير محميين، ومحتارين في أمرهم. ومع تصاعد العنف، انتهى الأمر بالعديد من الناشطين مثل الزعبي إلى الانضمام الى المنظمات غير الحكومية.

بدت منظمات المجتمع المدني قوية في بداية الثورة السورية، لكن شيئاً فشيئاً بدأ الناشطون يشعرون بأنهم مُهدَّدون من قبل النظام. حيث يؤكّد تقرير الولايات المتحدة لحقوق الانسان عن سوريا أن النظام السوري استهدف المتظاهرين المعارضين للحكومة، والناشطين وعائلاتهم. ويُظهِر التقرير أنّ 95% من ضحايا الموت بالتعذيب على يد الحكومة البالغ عددهم 2963 ضحية منذ بداية الثورة كانوا من الناشطين في مجال حقوق الإنسان، ومن المتظاهرين والصحافيين.

وفقاً لهذا التقرير، فقد تم اعتقال الناشطين بشكل خاص بموجب قانون سوريا المناهض للإرهاب لعام 2012، الذي طُبّق بعد رفع قانون الطوارئ عام 2011، الذي كان ساري المفعول منذ عام 1963.

ويقول الناشطون الاجتماعيون والسياسيون إنهم لم يتنبأوا بالتغييرات التي حصلت في سوريا منذ ذلك الحين. “كان المتظاهرون في البداية غير عنيفين. والأخبار العسكرية الوحيدة التي كنا نسمعها هي بشأن اعتداء نظام الأسد على بعض المجموعات المعارضة، ولكن أعداد القتلى لم تكن مرتفعة في البداية”، قال ماهر اسبر، وهو ناشط سوري يعيش حالياً في لبنان.

وأضاف إسبر: “لاحقاً، لم تعد سوريا ملجأ آمناً للناشطين، وبدأ عدد الضحايا بالارتفاع، وتغيّر الوضع ليصبح عسكرياً بحت. وجمعت المعارضة -حصرياً تقريباً- مجموعات مسلّحة بدل ناشطين سلميين. وعقب المحاولات المستمرة لإسكات الناشطين السوريين، قرّر قلّة منهم البقاء وقرّر الكثيرون مغادرة سوريا واللجوء إلى الخارج، لا سيّما وأنهم كانوا في حاجة ماسّة الى وظائف تضمن لهم دخلاً مناسباً لكي يتمكّنوا من البقاء على قيد الحياة ومن مساعدة عائلاتهم التي بقيت في سوريا”.

وبالتالي استغلّت المنظمات غير الحكومية هذه الحاجة من خلال توظيف ناشطين سوريين. “جرى توظيف ناشطين سوريين في أوروبا، والولايات المتحدة والدول المجاورة”، قال معتصم السيوفي، وهو ناشط سوري شارك في الثورة في دمشق ويعمل حالياً في إحدى المنظمات غير الحكومية في عنتاب التركية.

“الناشطون الذين ذهبوا الى أوروبا والولايات المتحدة اندمجوا هناك. وقد تخلوا عن الثورة وبدأوا بالتخطيط لمستقبلهم في الخارج. وغيرهم من الناشطين، الذين يعملون في لبنان أو تركيا مثلاً لا يزالون يحاولون أن يكونوا جزءاً من مجتمع مدني نشيط، لكنهم غير قادرين على العودة الى سوريا بسبب التهديدات. وفي الحقيقة، فقد اختار العديد من لاعبي المجتمع الدولي أن يدعموا مجموعات المجتمع المدني السوري الموجودة في بلدان الجوار لأنه من الأسهل لهم الوصول اليها. وقد أدى ذلك بدون شك الى اضعاف المجتمع المدني في سوريا”، أضاف السيوفي لـNOW.

هذا وبقي بعض الناشطين في سوريا برغم من التهديدات التي طالتهم. فمنهل باريش، الذي غادر سوريا مرات عدة، قرّر العود اليها في أيلول 2014 لعلمه بوجد أماكن في سوريا لا تزال آمنة بالنسبة للناشطين. “لقد أبعدت المنظمات الدولية الثوّار عن ثورتهم”، قال باريش، وأضاف: “رفضتُ العمل خارج سوريا. ومؤخراً، تلقيتُ عروضاً من منظمات دولية للعمل معها كمدير برنامج أو منسّق داخل سوريا. فنتيجة عدم مقدرة المعارضة السورية على خلق مؤسسات بواسطة مهارات وقدرات الناشطين، اضطّر هؤلاء الى البحث عن وظائف في منظمات غير محلية”.

ونتيجة غيابهم عن سوريا، بدأ الناشطون الذين كانوا ناشطين بالفعل خلال الثورة “بالإلتهاء شيئاً فشيئاً عن قضيتهم وأوقفوا نشاطهم- حتى على الإنترنت، فهم بالكاد يكتبون شيئاً”، قال باريش، مضيفاً أنّه حتى داخل سوريا، فإنّ المال السياسي- الداخلي والخارجي على حدّ سواء- الذي يُدفع الى مجموعات المجتمع المدني أدّى إلى صبغ الناشطين وعملهم بالفساد.

“بعض مجموعات المجتمع المدني تولّت مجموعات سياسية سورية أو منظمات سياسية غربية وعربية وحكومات كذلك تمويلها”، قالت نغم (اسم مستعار)، التي تعمل مع احدى المنظمات غير الحكومية في لبنان، فـ”العمل الانساني والاجتماعي مفهوم جديد بالنسبة للسوريين لأنه كان محظوراً في السابق”.

أبدى العديد من الناشطين الذين تحدّث إليهم NOW عن انتقادهم للمنظمات الدولية غير الحكومية التي قامت بتوظيف سوريين لا يتمتعون بخبرة كبيرة، مضيفين أنّ بعض المنظمات الدولية تسعى الى تطبيق أجندات غير محلية.

وقيل أيضاً إن هذه المنظمات تميل إلى التركيز عن قصد على مجموعات الناشطين نفسها، بحيث شعرت العديد من مجموعات المجتمع المدني وفقاً لتقرير مشروع بدائل “بأنه محكوم عليها بالالتزام بشروط الواهب وبتبني أجندة المنظمة غير الحكومية التي تدعمها بدل التركيز على أجندتها الوطنية الخاصة”.

“أحياناً تقوم المنظمات الدولية مباشرةً بما لا تستطيع العديد من الحكومات في العالم أن تقوم به بشكل مباشر”، قال باريش لـNOW، “للأسف، لم يكن ذلك في صالح السوريين”.

(ترجمة زينة أبو فاعور)

موقع لبنان ناو

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى