صفحات الثقافةممدوح عزام

ما الرواية؟/ ممدوح عزام

 

يفترض أحد النقاد أن شخصاً من الأرض قد وقع في أيدي جماعة من المريخ، وأنهم أرادوا أن يعرفوا كيف يعيش أهل الأرض. ومن بين الأسئلة التي وجّهوها إليه سؤال عن كيف يمضي أهل الأرض أوقاتهم. وقد يقول الشخص الأرضي إنهم يقرأون الرواية. وعندئذ سوف يسألونه: ما هي الرواية؟ إنها قصة طويلة، يجيبهم. ولكن الجواب يعقد الموقف، ويزيده غموضاً.

فما الرواية؟ ولقد سبق أن تعددت الأجوبة لدى البشر للتعريف بها، فمن لوكاش، إلى أورباخ، إلى مارت روبير، إلى باختين، وغيرهم، اجتهد النقاد في ابتكار تعريف الرواية ومهامها.

غير أن السؤال يبقى قائماً: ما الذي يمنح العمل حظوة اسم: الرواية؟ ومن الذي يحدّد المعايير التي تمنح هذا النص الحق في الاستحواذ على الاسم؟ الناقد أم القارئ؟ ومَن مِن النقاد يمكن أن يُعتمد مرجعاً للقول الفصل في هذا الشأن؟ بل من هو القارئ أيضاً؟ ومن الممكن أن تكون ثقافة ما قد استطاعت أن تخلق قارئاً يحسم أمر جدارة النصوص ويضمن بقاء الرواية، وسوف تكون المعايير كامنة في تاريخ الرواية، ففي ثقافة راكمت المئات أو الآلاف من النصوص الجميلة يصعب على المبتدئين أن يجرؤوا على تحدّي المثال أو النموذج.

وفي مثل هذه الثقافات ثمة تراث نقدي حازم لديه القدرة على تنقية المكتبة الروائية من الأعمال الركيكة. والمشكلة هي في الثقافات التي لا تزال تفتقر إلى المعايير الفنية والفكرية، أو إلى تراث روائي ونقدي قادر على حسم أمور الجودة والأنواع الأدبية.

عربياً، يستطيع كل من كتب نصاً حكائياً طويلاً أن يسميه رواية، ويستطيع بعد ذلك أن يعرّف نفسه بالروائي فلان أو علان. ويمكن أن ينشئ صفحة خاصة به وبروايته. ولا رقيب أو حسيب على هذه الإجراءات. ومن غير المقبول أن توضع لوائح مسبقة على الكتابة، ولا توجد “جهة” معتمدة في هذا الشأن على غرار الجهات التي تسمّي الطبيب أو المهندس أو المحامي. بل إن بوسع الطبيب أن يكون روائياً، دون أن يتمكن الروائي من أن يكون طبيباً.

وهنا نتساءل: هل يتحمّل النوع الأدبي قسطاً من المسؤولية عن هذه الميوعة في الحدود أم لا؟ ولا تقدم النظريات حلولاً إسعافية في هذا المجال، فالتباين بين النقاد يوسّع الحدود التي تسمح لكل من يريد أن يكتب رواية بالتسلل إلى النوع الأدبي وتسجيل نفسه في نادي كتّابه.

يروي برنار فاليط، في كتابه “النص الروائي”، أن حمّالاً أتى بكيس لسيدة تريد الكتابة، وكان فيه كل الكلمات الضرورية، والنقط، والفواصل، والجمل الجاهزة، والحبكة الروائية، ولكن طريقة الاستعمال لم تكن موجودة. إنها قواعد التأليف التي يبدو أن على السيدة الهاوية أن تبحث عنها، أو تبتكرها.

وسوف يكون على الجهة التي تتلقى الأعمال الروائية أن تفصل الأمر في النهاية. وبهذا نعود إلى أهل المريخ، حيث سيكون بوسع البشري أن لا يجيب عن السؤال، بل يقدّم لهم نصوصاً تقول: هذه هي الرواية.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى