صفحات سورية

ما بعد إشعال المنطقة


كرم يوسف

إشعال المنطقة من قبل بشار الأسد، ما كان بأمرٍ وليد في الثورة السورية، بل معادلة مُحكمة مرتبطة باستمرار وبقاء والده في السلطة بعد انقلاب 1970، والذي كان له فيها الكثير من حنكة الديكتاتور للإستمرار في حكمه، على عكس كثير من الانقلابات التي كانت تتم في سوريا، إذ أن عمر أحد الانقلابات وصل ذات مرة إلى ثلاثة أشهر فقط، كحال أول انقلاب قام به حسني الزعيم بين 30 آذار (مارس) و14 آب (اغسطس) 1949. مسألة التشعب والانتشار السياسي في المنطقة كانت من أولويات الأسد الأب، فلجأ لأجلها إلى تفتيت النضال الفلسطيني، ليساهم في تأسيس حركة الجهاد الإسلامي، ودعم الجبهة الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، وكذلك حركة التحرير الفلسطيني فتح، وجبهة النضال الشعبي، وهكذا بالنسبة إلى حزب الله في لبنان، وحزب العمال الكردستاني قبل تسليم قائده عبد الله أوجلان إلى تركيا، بالإضافة لدعم الجناح اليساري لحزب البعث العراقي، وحزبي الاتحاد الديمقراطي الكردستاني والديمقراطي الكردستاني في العراق، ناهيك عن فضائح الارتباطات مع القاعدة في أكثر من مكان، والذي وصل إلى شكلٍ من تهديد على لسان أكثر من مسؤول سوري في أكثر من محفل.

دون ‘أي شك كان لهذه الأمور الأهمية الكبرى في كبح جماح أي تهديد لنظامي الأسدين: الأب والإبن من قبل، سواء من قبل الدول الأوربية أو أمريكا، وصدى هذه الارتباطات كان يأتي في وقته المناسب، بعد كل تهديد له، في أي مطب سياسي كان يمر به من قبل هؤلاء الحلفاء الإقليميين، وازدادت هذه التصريحات شراسة بعد الثورة السورية، حيث كانت التصريحات تأتي من الجوار الإقليمي بإشعال المنطقة إزاء أي مساس بهذا النظام لا بل تجنيد هؤلاء الحلفاء في الثورة عسكرياً أيضاً، كما حال حزب الله، والباسداران الإيراني، اللذين زجا برجالاتهم في الساحات السورية، وألقي القبض على الكثير من قادتهم، أو تم قتلهم، بالإضافة إلى جهود الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في قمع أبناء المخيمات الفلسطينية التي كانت تشارك في الثورة.

اغتيال العميد وسام الحسن رئيس فرع المعلومات ببيروت، ليس بداية، ولا نهاية لمشروع إشعال المنطقة الذي تحدث به الرئيس بشار الأسد، أو ممن ينطقون باسم نظامه، أو ممن هم حلفاؤه .

المعادلة الصعبة السهلة منذ بداية الثورة كانت تتعلق بمسألة حلفاء طرفي الصراع في سوريا، فمادام هناك حلفاء للنظام، ويناصرونه للرمق الأخير، فإن الأمر يقتضي أن يكون حلفاء الثائرين في وجه النظام على نفس السوية من الدعم، وهنا يمكن تحميل كل من يوحي بمناصرة الثورة السورية الثقل الأكبر فيما آلت إليه الأمور على الأرض السورية، فإذا كانت روسيا عقب إيقاف الطائرة المتجهة من موسكو إلى دمشق تقول: إنه ليس هناك من يستطيع أن يمنع روسيا من تزويد الأسد بالأسلحة، وذلك بعد تصريحات كثيرة أدلى بها وزير خارجية روسيا في تشريع دعمهم الدائم لنظام الأسد بعد كشف أي حمولة تتجه لدمشق، وإزاء مثل هكذا لوحة وتصريحات سياسية كان من المفترض على حلفاء الثوار، ليس من باب الوقوف مع حليفهم، بل من باب رد الفعل على روسيا أن تساهم في تزويد الجيش السوري الحر ببعض مضادات الطيران والتي سما السوريون بها جمعتهم بتاريخ 10/8/2012

ليس من المعقول التأكيد أن المنطقة تتجه إلى المجهول وكل معطيات المرحلة المقبلة هي أمام أعيننا، فلاشك أنه ليس من المعقول أن تنتظر من رجل يحمل الفأس بيديه يومياً، ويدمر منزل أسرته، إلا اليقين بأنه لو استمر على هذه الحال فإن منزل الأسرة بعد شهر سيكون خراباً، وما يحدث في سوريا ليس فقط يشبه هذه الحالة البسيطة بل يضاهيها مع كل تعقيداتها التي تحتم النظر إلى سوريا مدمرة بعد مدة قصيرة،’فلو حملت الأشهر التسعة عشر من عمر الثورة السورية إلى الآن إلى حمص دمار أكثر من 60 بالمئة منها، فلا شك بعد ستة اشهر ستكون كلها مدمرة، وعلى هذه الحال يمكن قياس حال كل مدينة، وقرية تجري في ساحاتها المعارك، مادام أحد أطراف هذه المعركة لم يأت إلى السلطة إلا بالتوريث عن والده الذي قام بانقلاب عسكري، والمعركة التي يخوضها الرئيس السوري اليوم ليست لأجل كرامة سوريا مادامت كرامتها كانت مهدورة أمام أجزاء من الوطن بيعت لإسرائيل، أو تم التنازل عنها لتركيا، ومادام مواطنها قام بهذه الثورة سعياً لاسترداد كرامته المهدورة قبل اي شيء وكان شعار ‘الشعب السوري ما بينذل’ أول الشعارات التي دوّت أصداؤها في سوريا.

إذاً، المنطقة اشتعلت، ويمكن القول: إننا بعد اغتيال العميد وسام الحسن، نعيش إحدى مراحل هذا الاشتعال، وإننا الآن في خضمها، ويمكننا الحديث عن مصطلح مابعد إشعال المنطقة، مادام هذا الأمر ما أراده الأسد وحلفاؤه، وهذا حق شرعي لهم، فهي مسألة وجود، أو عدم وجود كما يرون.

وهنا لا يمكن القول إلا أن أنصار الثورة السورية كانت سوريا المدمرة هي واحدة من الأشياء التي يسعون لها، وكان دعمهم بين فترة، وأخرى للثورة ليس من باب الدفع لأجل انتصار الثورة، بل لأجل ألا تموت، وهو حق شرعي لهم، لأنه من غير مصلحتهم إقلاع 10 طائرات، لإنهاء عمر هذا النظام، وهم لم يصلوا بعد إلى سورية مفتتة، ومقسمة، ومدمرة، ترضي إسرائيل وترضي شركات إعادة الإعمار والبناء في بلدانهم .

‘ كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى