أكرم البنيصفحات مميزة

ما حدود تأثير روسيا على النظام السوري؟!: أكرم البني

 

أكرم البني

سؤال يعاد طرحه مع كل خبر يشي بتقدم موسكو وواشنطن نحو التفاهم على خطة طريق للانتقال السياسي في سوريا، ولاستجلاء حقيقة ما تملكه روسيا من نفوذ على النظام السوري لفرض الخطة عليه، في حال تضمنت تنازلات لا ترضيه أو تضعف من مقومات سلطانه.

ثمة كثيرون بالغوا بدور روسيا وبقدرتها على التأثير في سوريا، بينما أثبتت التجربة في غير محطة أنها ليست طرفا مقررا أو حاسما، فكم مرة ازدرت الحكومة السورية دعوات موسكو لوقف العنف المفرط وآخرها المطالبة الصريحة بعدم استخدام الطائرات الحربية في قصف المدن والبلدات المتمردة! وكم مرة انكفأ قادة الكرملين عندما لم يتلقوا ردا إيجابيا من النظام تجاه بعض المبادرات، وأجهضت جهودهم في فتح قنوات حوار مع المعارضة وفي خلق جسم من صفوفها يعاونهم في معالجة الأزمة! وكم مرة تراجع المسؤولون الروس عن تصريحات لم ترضِ دمشق! وكلنا يذكر اضطرار الوزير لافروف لتأكيد موقفه الداعم للنظام حين أعلن أحد أعوانه موقفا يتقارب مع سياسات المجتمع الدولي (تصريحات السفير الروسي في باريس ونائب وزير الخارجية زيغانوف)، ناهيكم عن أن لافروف نفسه هو من يكرر الحديث بأن روسيا غير قادرة على إقناع أهل الحكم في سوريا برؤيتها وأنها عاجزة عن إرغام الرئيس الأسد على التنحي أو السير بخطة طريق تحرمه صلاحياته.

صحيح أن موسكو تمد النظام بالأسلحة والعتاد وتدعم استمراره، وتغطي أساليب الفتك والتنكيل، واستخدمت الفيتو ثلاث مرات لمنع صدور قرار دولي يدينه، لكن الصحيح أيضا أن ثمة حدودا لموقفها لا يمكن تجاوزها تدل على نفوذ محدود على صانع القرار السوري، خاصة أن هذا الأخير يدرك حاجة روسيا للعب بورقته لتحسين موقعها وشروطها، ولبيع الأسلحة التي لا يزال يسدد ثمنها بمساعدة حلفائه بالعملة الصعبة، ويدرك أن إيران لن تتخلى عنه بسهولة وتستسلم لخسارة نفوذ متكامل في المشرق العربي جاهدت سنين طويلة لبنائه.

ودون تخفيف مسؤوليتها السياسية والأخلاقية عما حل بالبلاد، فموسكو غير قادرة في ظل التركيبة الخاصة لنظام دمشق وملحقاته الأمنية والعسكرية وطابع تحالفاته، على فرض موقفها عليه، خاصة أنه جرى منذ خلصت العلاقات بينهما إلى سوية منخفضة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تحييد أهم الفعاليات التي يشك بأنها تؤيد الكرملين وعزلها، يزيد الأمر تعقيدا تماسك الدائرة الأمنية الضيقة ورفضها التعاطي مع المعالجات السياسية، وتحويل حربها مع الثورة السورية إلى حرب وجود مصيرية، والأهم دخول طهران الحلبة كطرف فاعل وحاسم وتأكيدات أهم مسؤوليها بأن تغيير النظام السوري خط أحمر وأنها لن تتأخر عن دعمه مهما تكن الحيثيات والنتائج، بل على استعداد لخوض حرب تنذر بصراع مفتوح يشمل المنطقة كلها في ظل حالة الانقسام الطائفية كي لا تسمح للآخر بتغيير التوازنات القائمة، بما في ذلك تسريب أفكار عن التقسيم والكانتونات، كخيار للحفاظ على استمرار بعض النفوذ مهما تكن فرصة نجاح الكانتونات ضعيفة ومكلفة!

وبالتالي لا يمكن تفسير تشدد موسكو وتمسكها المحموم بالملف السوري إلا كمحاولة لدفع تنافسها مع الغرب على الحصص والأدوار إلى مستوى أعلى، وكباب مفتوح أمام طريق المساومات والذي لا بد أن يفضي إلى توافقات جديدة تناسب الطرفين، ولنقل كمحاولة لاستثمار علاقة تاريخية مع دمشق وتعقيدات المشهد الداخلي وارتباطه بالكثير من القضايا الإقليمية الحساسة، كي تظهر نفسها بأنها الطرف الأول المعني بمعالجة الأزمة، وبأن لا شيء يطمئنها ويحترم مصالحها سوى إجراء التغيير تحت رعايتها.

ولا شك يعزز هذا التشدد شعورها بمرارة الخداع مما حدث في ليبيا وتنكر الجميع لمصالحها بعد أن مررت قرارا أمميا وظفه حلف شمال الأطلسي في إطاحة القذافي وأركان حكمه، وأيضا إحساسها بأن ثمة محاولة لتطويقها عبر توافق جديد بين الدول الغربية وبين الإسلام السياسي الذي يحتل وزنا مؤثرا في الثورات العربية، وتحسبها تاليا من توظيف رياح هذه الثورات لإثارة شعوب الجمهوريات المجاورة، وهي التي لم تنس مرارة هزيمتها في أفغانستان نتيجة التحالف بين الأميركيين والإسلاميين، وتكتمل الأسباب بدور اللوبي الصهيوني وقوة تأثيره هذه المرة، ليس على سياسات الغرب بل على السياسة الروسية، ودعواته الغامضة للتخفيف عن النظام السوري، إما لأن إسرائيل تخشى البديل حيث ازداد قلقها من مزاج الثورات العربية ذات الطابع الشعبي الإسلامي المناهض لسياستها، وإما لأنها تتقصد دفع الوضع السوري نحو المزيد من الاستنزاف والاهتراء كي تأمن جانبه لعقود طويلة!

والحال، كثيرة هي المؤشرات التي تدل على براغماتية روسية لا أخلاقية في التعاطي مع الملف السوري، وأن الهاجس الرئيس لإدارة الكرملين ليس المبادئ بل ضمان استقرار مصالحها وتطوير سياسة تحمي هذه المصالح وتنميها، مع أنها تدرك في الوقت ذاته أنها غير قادرة على دفع هذا التحدي كثيرا إلى الأمام، ما دامت غير قادرة على فرض رؤيتها وتوافقاتها على من تعتبره حليفها التقليدي!

المطلوب من موسكو دور وتأثير لا تملكه إلى الآن، ويبدو أن أهل الحكم وحلفاءهم رسموا حدود هذا الدور ضمنا، من خلال استثمار تأييد الكرملين الدائم لسياساتهم دون أن تكون مفاوضا أو مقررا بديلا عنهم، ويبقى العامل الأهم في معايرة الوزن الروسي وتأثيره، هو توازنات القوى على الأرض، حين ترجح كفة المعارضة وترغم الجميع على التعاطي مع الوضع السوري بشروط جديدة، عندها ربما يفقد الدور الروسي قيمته دون خيبته واستياء العرب والسوريين منه، وربما يشكل بما يخلقه من توافقات مع واشنطن إن تبلورت في اللقاء المرتقب بين أوباما وبوتين، مخرجا من أزمة طال أمدها ومعاناتها كثيرا.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. حدود تأثيرروسيا غير مهم فكلنا نعرف أن روسيا تقف مع النظام لأن لها مصالح استراتيجية في ذلك وروسيا تعرف تماما عن ليفي, وال سعود, والصهاينة وأن دور روسيا سيأتي بعد ليبيا وسوريا كما قال جون ماكين و من حسن حظنا أن روسيا ليست شيعية والا اتهمتموها بالطائفية, لا بل ان احد المعارضين قال على قناة الدراما والتمثيل الجزيرة, بأن روسيا لا تقف مع السنة بل مع العلوية, لووووول. ما يهمنا سيد بني أن تكتب لنا مقال عن تأثير آل سعود والجزيرة والوليد بن طلال وبندر الخخخ في مجريات أحداث سوريا. لما هذا الحماس لأسقاط الاسد والقذافي والدفاع عن بقية الطغاة. لم يمدوننا بالسلاح ولا يمدون اللاجئين بسندويشة فلافل? هذه الأسئلة تهمنا أكثر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى