صفحات العالم

ما دام بشّار يؤمن بأن الشعب يحبّه…

 

خير الله خير الله

من المفيد بين حين وآخر اعادة قراءة مقال صدر في الثامن من تشرين الثاني- نوفمبر 2011 في صحيفة “نيويورك تايمز” تحت عنوان “في سوريا الاسد، لا وجود لمخيّلة”. اظهرت الاحداث المتتالية أنّه لو كان النظام السوري يمتلك أي مخيّلة من اي نوع كان، لكان الرئيس بشّار الاسد تدارك اخطاء الماضي، قبل استفحالها. كان رحل عن الرئاسة منذ فترة طويلة بدل الاعتقاد أن في الامكان تغطية ايّ جريمة بجريمة اكبر منها، وأن البطش والارهاب كفيلان ببث الخوف في اوساط السوريين وجعلهم يعيشون خانعين لا همّ لديهم سوى التمجيد بالاسد “قائدنا الى الابد”.

تكمن اهمية المقال، الذي مضى ثلاثة عشر شهرا على صدوره وعشرة اشهر على وفاة كاتبه الاميركي- اللبناني انطوني شديد اثر ازمة ربو تعرّض لها، في أنّه يكشف أن النظام السوري لم يكن يوما قابلا للاصلاح. يخطئ من يراهن على اصلاح النظام او على أنّ في الامكان حتى محاولة ذلك. أنّه نظام من عالم آخر، بل آخر نظام ستاليني في الشرق الاوسط.

قضى انطوني شديد وهو في طريقه الى الداخل السوري عبر شمال لبنان. من يقرأ مقاله عن النظام السوري مرة أو مرّتين أو ثلاث مرّات يتأكد أنّ لا وجود لنظرية اخرى يؤمن بها النظام الاقلّوي، الذي يغطي عوراته بشعارات طنانة، سوى نظرية إلغاء الآخر. ولذلك، كان طبيعيا أن يعمد النظام الى اصدار مذكرات توقيف بحق الرئيس سعد الدين الحريري والنائب اللبناني عقاب صقر والناطق باسم “الجيش الحرّ” في سوريا لؤي المقداد.

يبدو النظام مقتنعا بأنّه لا يزال قادرا على التحايل على العالم عن طريق الادّعاء بأنّه يتعرّض لمؤامرة. اكثر من ذلك، يؤمن الرئيس السوري بأن الشعب يحبّه وأن مشكلة سوريا مرتبطة بالتدخلات الخارجية وأنّه بمجرد توقف هذه التدخلات، سيتحلّق السوريون حوله مجددا يهتفون له ولوالده الراحل ولـ”سوريا الاسد”، اي لعائلة تمتلك بلدا بأمه وأبيه.

لوكان الاسد قادرا على أن يتغيّر، لكان رفض تصديق الكذبة التي اطلقتها اجهزته عن طريق التابعين لها في لبنان مثل “حزب الله” الايراني او التابعين للتابعين مثل النائب المسيحي ميشال عون.

هل يمكن بناء سياسة على كذبة اسمها التسجيلات الهاتفية المأخوذة من جهاز الكمبيوتر الخاص بالنائب صقر؟ جرى التلاعب بهذه التسجيلات لاظهار سعد الحريري وعقاب صقر ولؤي المقداد وكأنهم شركاء في تهريب اسلحة الى الداخل السوري. تبيّن ان حسابات سارقي التسجيلات لم تكن في محلها، إذ بقيت لدى المستهدفين من السرقة نسخة كاملة من التسجيلات. تظهر هذه النسخة أن الهمّ الاول لسعد الحريري كان، ولا يزال، يتمثّل في اطلاق المخطوفين اللبنانيين في سوريا ومساعدة المهجّرين السوريين، انسانيا، حيث امكن ذلك.

لم يستطع بشّار الاسد أن يستوعب يوما أن مشكلته لم تكن يوما مع سعد الحريري، مثلما أنّها لم تكن يوما مع الرئيس رفيق الحريري، رحمه الله. كانت مشكلته دائما مع الشعب السوري ومع شباب سوريا الذي رفض الرضوخ للنظام، مثلما رفض الذلّ والعبودية. رفض الاعتراف بوجود جيل شاب في سوريا يرفض ما اعتاد عليه الذين سبقوه.

لجأ بشّار الاسد الى الوسائل التي استخدمها قبله والده. بقي يقرأ من كتاب قديم، علما أن ما لا بدّ من الاعتراف بأنّ حافظ الاسد كان يتأنّى الى حد كبير في قراراته، خصوصا لدى اتخاذه قرارات كبيرة في حجم التخلّص من كمال جنبلاط او الرئيسين بشير الجميّل ورينيه معوّض او المفتي حسن خالد وآخرين. يمكن الاشارة في هذا المجال الى انّ الاسد الأب لم يتول الرئاسة مباشرة بعد الانقلاب الذي نفّذه في تشرين الثاني- نوفمبر 1970. فضّل الانتظار قليلا قبل الاقدام على خطوة كبيرة تضع علويا على رأس سوريا. عيّن شخصا اسمه احمد حسن الخطيب (سنّي من قرية نمر القريبة من درعا) رئيسا للجمهورية لمدة اربعة اشهر امضاها، هو، في تفقد المدن والقرى والبلدات السورية والصلاة في المساجد التابعة لاهل السنّة. بعد ذلك، اختار حافظ الاسد أن يكون رئيسا واختفى احمد حسن الخطيب كلّيا، تماما مثلما ظهر…

من يتابع تصرّفات بشّار الاسد منذ ورث سوريا عن والده، لا يستغرب مذكّرات التوقيف التي صدرت في حق سعد الحريري وصقر والمقداد. من يقدم على جريمة التمديد لاميل لحّود، على الرغم من صدور القرار 1559 عن مجلس الامن التابع للامم المتحدة، ومن لا يدرك ان اغتيال رفيق الحريري عمل لا يقدم عليه الا شخص “مجنون”، على حد تعبير رفيق الحريري نفسه قبل اقلّ من ثماني واربعين ساعة من حصول الجريمة… يصدر مثل هذا النوع من المذكّرات. انها مذكّرات لا تشبه سوى نظام ما زال يعتقد أنّ ميشال سماحة او ميشال عون، لا فارق، يمكن ان يساعداه في شيء.

تختصر عبارة لرامي مخلوف ابن خال بشّار الاسد واحد المسيطرين على مفاصل الاقتصاد السوري حقيقة النظام. قال رامي مخلوف لانطوني شديد بعد مضي ثمانية اشهر على اندلاع ثورة الشعب السوري عبارة “عليّ وعلى اعدائي يا ربّ”. قبل ذلك، تساءل: “الا يعرف الاسرائيليون انّهم سيتألمون اذا تألمنا، الا يعرف الاميركيون والاوروبيون اننا حاجز في وجه الاسلاميين والفوضى والحروب المتنقلة في المنطقة؟”

إنها مذكرات توقيف تصدر عن نظام يعتقد أنه ما زال قادرا على الابتزاز في وقت تدقّ الثورة ابواب قصر الرئاسة. نظام لا مخيلة له. لو امتلك مخيلة ما لكانت العائلة تتمتع حاليا بملياراتها في مكان ما من هذا العالم الواسع…

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى