صفحات العالم

ما كان يجب أن تصل الأمور لذلك


سايمون كوليس

بلغت الثورة السورية عامها الأول اليوم، لكن ما كان يجب لها أن تحدث. فما بدأ كمظاهرة سلمية مشروعة سعيا للكرامة ومستقبل أفضل ما كان يجب أن يتحول إلى الصراع العنيف الذي أفضى لأن تصبح بابا عمرو أحدث رمز لما يبديه النظام من ازدراء مشين لحقوق الإنسان والحياة الإنسانية.

عندما تجمع أقارب 40 معتقل سياسي خارج وزارة الداخلية في دمشق في 15 مارس (آذار) 2011، قبل عام بالضبط، كان أمام النظام فرصة الاستماع لشعبه. وكان أمامه فرصة النظر في مطالب شعبه – بل وحتى النظر في الإصلاحات التي وعد بها منذ وقت طويل. لكن أفعال قوات الأمن – المخابرات بالزي المدني – التي زجت بكبار السن من الرجال والنساء في الحافلات وعرضتهم للضرب تقول خلاف ذلك.

وحين تجمعت الحشود بساحة الساعة في حمص بشهر إبريل (نيسان) السابق كان قد بدأ ظهور نمط من القمع. فلإخلاء الساحة من اعتصام سلمي أطلقت قوات النظام نيران الرشاشات على المعتصمين، ما أدى لمقتل سبعين شخصا.

وحتى في منتصف شهر يوليو (تموز) عندما حاول بعض أعضاء المعارضة المشاركة في الحوار الوطني الذي أعد له النظام على عجل – رغم استمرار القمع للمظاهرات التي تخرج أسبوعيا – كان أمام الأسد فرصة اختيار درب مختلف. لكن بدل ذلك قتلت الدولة اثنى عشر شخصا كانوا مجتمعين عشية تلك المحادثات في حي هادئ من أحياء دمشق. كانت بالنسبة لي تلك هي اللحظة التي أغلق بها النظام الباب في وجه مشاركة ناشطين سلميين حتى في حواره الوطني، إلا إذا كان ذلك بناء على شروط تحفظ له سيطرته التامة.

إن عواقب قرار النظام اختيار حل أمني على حساب الحل السياسي واضحة للعيان، وبشكل مؤلم، اليوم. سورية الآن على شفا حرب أهلية.

لم أشك يوما بقدرة النظام على العنف أو الوحشية. فسورية تحت حكم حافظ وبشار الأسد لم تكن يوما مجتمعا حرا قبل انطلاق المظاهرات. فقد تعرض أشخاص للاعتقال والاختفاء والتعذيب. لكنني دهشت، مثلي في ذلك مثل كل السوريين من كافة مشارب الحياة ومن كافة الأطياف، أن النظام تجاهل عمليا فرصا لمعالجة مظالم مشروعة واختار عوضا عن ذلك القمع المنهجي على نطاق واسع.

لا يمكنني التوقف عن التفكير بأن لو كان رد النظام بداية هو الإقرار بوجود مظالم ومعالجتها لكان الوضع قد سُوّي عبر الإصلاح السلمي، ولما كان الوضع قد أخذ هذا المنعطف الدموي. لكن قرار النظام، سواء نتيجة غطرسته أو عدم كفاءته، بالضرب بقبضة من حديد أدى لمقتل ما يفوق 7,500 شخصا واعتقال عشرات الآلاف بشكل غير قانوني أو إصابتهم – وفي الكثير من الحالات قضى معتقلون نحبهم تحت التعذيب في السجون.

وبالتالي فإن ما بدأ قبل اثنى عشر شهرا، حين جرى اعتقال بعض التلاميذ بمدينة درعا جنوب سورية لكتابتهم عبارات ضد النظام على الجدران أدى بنا إلى أزمة تلقي بظلالها على العالم أجمع. فهؤلاء الأطفال الذين أعيدوا لأهاليهم وقد غسلتهم الدماء وأجسادهم مغطاة بالكدمات وبعد تعرضهم للانتهاكات على أيدي قوات النظام باتوا العامل المحفز لمظاهرات اجتاحت الآن كافة أنحاء البلاد.

المسألة لم تعد ما إذا كان الأسد سيرحل. بل هي مسألة متى سيرحل. فهذا نظام انتهى أمره ليس باستطاعته نبذ أساليب العنف التي يتبعها. وبموازاة ذلك تدق عقارب الاقتصاد والوضع في سورية يزداد سوءا باضطراد. والاقتصاد يتهالك. لم يعد هناك استثمارات ولا تجارة بينما باتت ثقة المستهلكين شبه منعدمة. ومن يمتلكون الأموال من المواطنين يريدون إخراجها خارج البلاد، ورجال الأعمال باتوا ينظرون في خيارات أخرى.

سألني العديدون منذ عودتي إلى لندن عن ردي على الأوضاع في سورية. شعوري مزيج من الغضب والإعجاب. غضب لأني أرى دولة مهمتها حماية ورعاية شعبها تدير أسلحتها وأجهزتها لقتله وتعذيبه وترهيبه. وإعجاب ليس بالناشطين فحسب، بل كذلك بشجاعة المواطنين السوريين العاديين من رجال ونساء يخاطرون بحياتهم يوميا سعيا لما هو مفترض أنها حقوق إنسان للجميع. تلك الشجاعة للوقوف في مواجهة هذه الظروف الصعبة تبث الشعور بالتواضع في نفوسنا. يستحق الشعب السوري ما هو أفضل مما لديه. إنه يستحق مواصلة دعمنا له في مطالبته بالتغيير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى