صفحات سوريةعدي الزعبي

ما هي الحرية التي يريدها السوريون؟

عدي الزعبي
ما زال البعض، عن حسن نية ربما، يسأل ما هي الحرية التي يريدها السوريون؟ هل يستطيع الثوار بلورة مفهوم واضح للحرية؟ ألا تشكل الثورة السورية خطراً على وجود المجتمع ككل، في حال سيطرة السلفيين على الدولة السورية؟ ألا يخاطر السوريون باستبدال استبداد بآخر؟
يسعى هؤلاء للحصول على رؤية متكاملة لمفهوم الحرية، مرفقة بتصوّر واضح لمستقبل الثورة وطبيعة النظام المنشود.
المتظاهرون والثوار يجيبون السؤال بطريقة لا تُرضي أنصار النظام والمشككين بالثورة. إجابة المتظاهرين ، قاطعة ونهائية. نحن هنا لإسقاط النظام. ما عدا ذلك تفاصيل. هذا المقال محاولة لشرح الأسباب التي تجعل من جواب المتظاهرين، الجواب الوحيد المقبول، والأخلاقي. التشكيك بالجواب ينبع من موقف لا أخلاقي، ومتعال على الواقع.
من وجهة نظر فلسفية، الإجابة عن سؤال الحرية تنبع من الواقع الذي يعيشه الناس. سؤال الحرية، هو سؤال السوريين الذين يعيشون تحت نظام ديكتاتوري منذ أكثر من أربعين عاماً. و الإجابة، هي إجابتهم. ما عدا ذلك، هو تفلسف لا يمس حياة المواطنين و لا يلتفت لظروفهم و مآسيهم و آمالهم و تطلعاتهم. أي إجابة لا تأخذ بعين الاعتبار الواقع السوري، ليست إجابة شافية. ينطبق هذا التحليل لمفهوم الحرية على المفاهيم الأخرى. الثورة أيضاً هي ثورة الشعب السوري، و هو الوحيد الذي يستطيع إعطاء معنى للثورة، بممارساته و خياراته.
لماذا يرى السوريون أن إسقاط النظام هو السبيل للحرية، وما عدا ذلك تفاصيل؟
لننظر إلى الرؤية التي يقدمها النظام والمعارضة للحرية.
من جانب النظام، هناك شق إيجابي وشق سلبي. الشق الإيجابي يتمثّل بالإصلاحات. المشروع الإصلاحي مشروع النظام. كما أكد قادة النظام، لا علاقة لهذا الإصلاح بالاحتجاجات ، بالشعب و بمطالبه . بعد نصف قرن من حكم البعث، و أربعين عاماً من حكم آل الأسد، يقدّم النظام السوري وعداً غير واضح المعالم، بأن الحرية التي ننشدها ستتحقق على أيدي أولئك الأشخاص أنفسهم الذين منعوا الحرية. تترافق هذه الوعود مع مجازر وقصف للمدن السورية، تجعل السوريين يتخوّفون من الإصلاحات، أكثر مما تجعلهم يطمئنون إليها.
في الإعلام، يركّز النظام على الشق السلبي من الإجابة. يتمثّل هذا في انتقاد المعارضة و الحرية التي تدعو إليها. فهذه الحرية، برأي النظام، هي الحرية الأمريكية، الغربية، الإمبريالية، الإسلامية المتطرفة، الإرهابية، و ما إلى ذلك من نعوت محببة في قاموس النظام.
من جانب المعارضة، الشق الإيجابي يتمثّل بالدعوة لبناء دولة ديمقراطية. كافة تيارات المعارضة السياسية في سوريا تتفق على هذا الهدف. بغض النظر عن رأينا الشخصي ببعض تيارات المعارضة ، و بغض النظر عن حجم كل من هذه التيارات، إلا أنها جميعاً تدعو لبناء دولة ديمقراطية. ينطبق هذا على المجلس الوطني و هيئة التنسيق و إعلان دمشق و الهيئة العامة للثورة و لجان التنسيق المحلية و معظم التيارات الأخرى. الخلافات بين المعارضين تتركز حول سبل إسقاط النظام، بما فيها عسكرة الثورة، وليس على إسقاط النظام و بناء دولة ديمقراطية.
في الجانب السلبي، تنتقد المعارضة مشاريع الإصلاحات التي يقدّمها النظام. برأي المعارضة، الإصلاحات ليست جدية، بل هي محاولة لكسب الوقت. لا تسمح بنية النظام، الذي قام بمنع الحريات على مدى نصف قرن، من إصلاح نفسه. المطلوب هو التغيير. تغيير النظام هو الشرط الضروري، و ليس الكافي، للوصول إلى الحرية.
بالعودة للسؤال الرئيسي. ليس المطلوب من المتظاهرين، أبداً، الدخول بمتاهات فلسفية حول ماهية الحرية. أمام السوريين رؤيتي النظام و المعارضة للحرية. النظام الذي رفض الديمقراطية لنصف قرن، و ارتكـــب مجازر عندما انتفض السوريون. و المعارضة المفككة، الهزيلة سياسياً، و لكنها تعد المواطن بمشروع ديمقراطي، متفق عليه، و لا رجوع عنه.
هذا هو واقع سوريا. المطلوب لتعريف الحرية، ليس الدخول في جدال فلسفي عقيم. المطلوب هو الدفاع عن السوريين الذين يُقتلون يومياً. الحرية هي حريتهم. المعاناة معاناتهم و الثورة ثورتهم. أي محاولة لفهم الحرية، كما يراها أبناء الشعب السوري، يجب أن تنطلق من الواقع السوري. علينا البدء من الواقع. التعالي على السوريين و التلويح بأنهم جهلة لا يعون مفهوم الحرية، ينبع من جهل بالواقع السوري، و من جهل بمفهوم الحرية، و من جهل بمعاناة الناس اليومية. يتجلّى هذا الجهل بمساواة استبداد النظام القائم منذ نصف قرن، و الذي يرتكب مجازر يومية بشكل ممنهج، مع ضعف المعارضة السياسية، و تفكك مؤسف في بنيتها.النقطة الأخيرة محورية. في حين يجيب السوريون عن سؤال الحرية، بأن إسقاط النظام هو السبيل الوحيد للحرية. يطلب البعض من السوريين أن يلتفتوا لمشاكل المعارضة و ضعفها. ضمن الظروف التي نواجهها، هذا غير ممكن، و غير مطلوب.
على الأرض، لا يمكن التوفيق، بأي شكل من الأشكال، بين النظام السوري و مفهوم الحرية. ليس سؤال الحرية سؤال ماورائي. ليست الحرية مشروع معزول عن الوقائع. الحرية بهذا المعنى، هي السؤال اليومي لأبناء الشعب السوري، بعد خمسين عام من حكم الحزب الواحد. الشرط الضروري للحرية، هو غياب الاستبداد. الاستبداد الذي يرتكب المجازر. المستبد في سوريا معروف وواضح المعالم، إنه النظام الذي يقتل أبناء الشعب السوري. المعارضة ليست مستبدة. المعارضة ضعيفة، مشتتة، محبَطة و محبِطة. لكنها ليست أصل الداء. يعرف السوريون من هو المستبد. لذلك، حين نسأل، ما الذي يريده السوريون؟ ما هي الحرية برأيهم؟ تكون الإجابة، إسقاط النظام.
الحرية تبدأ بإزالة العائق الذي يمنع الحرية. في الحالة السورية، النظام هو العائق. إسقاط النظام يشكل المفتاح الوحيد لحرية الشعب السوري.
‘ كاتب سوري
القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى