صفحات العالم

“الإخوان” السوريون


حازم الأمين

تتهم أطراف في المعارضة السورية “الاخوان المسلمين” بانهم أول من سيجري صفقة مع النظام في سورية في حال عُرضت عليهم. فيرد الاخوان بان عروضاً من النظام تصلهم على نحو دوري الى اسطنبول حيث يقيمون. وليست الوساطة الايرانية التي كشفوا عنها الوحيدة على هذا الصعيد، بل سبقها وأعقبها وساطات قامت بها شخصيات عربية “مستقلة” من الجزائر والسودان ومن شخصيات سورية أيضاً. والجواب على ما يردد الاخوان “كيف نجري صفقة مع نظام لا افق له… الأمر بمثابة انتحار سياسي”.

ثم ان جهد النظام لجهة الايحاء بان الاخوان هم من تُتقدم لهم العروض انما يندرج في سياق سعيه لتثبيتهم في واجهة المعارضة بصفتهم قوتها الأبرز. ففي نفس الخطاب الذي ألمح فيه الرئيس السوري بشار الأسد الى استعداده للحوار معهم، خرج عن النص المكتوب لكلمته واستعاد عبارة البعث الشهيرة: “الاخوان الشياطين”. وهو ما يشي بان “الاستعداد للحوار” ليس أكثر من سعي لشيطنة المعارضة.

وسورية على ما تُرى من اسطنبول أشد تعقيداً وضعفاً مما هي عليه في لبنان او الأردن. ففي ييروت وعمان يُثقل على مُراقب دمشق حال الضعف والوهن الذي يكابده بلده، وما ان يفكر بما تشهده سورية حتى تساوره الظنون ببلده ومستقبله. ومن السهل عندها ان يرتعب جراء مشاهدة الرئيس السوري بشار الأسد في ساحة الأمويين، وان يقول “إننا في طور جديد تماماً، هو من الخطورة الى حد يدفع رؤوساء أقوياء الى ما دُفع اليه الأسد”.

المشهد من اسطنبول ليس ناصعاً، لكنه مختلف عما هو من بيروت وعمان. فالمجلس الوطني السوري المقيم معظم الوقت في المدينة هو صورة عن وضع آخر. الاخوان المسلمون فيه خيار تركي، والعلمانيون خيار أوروبي، ومن السهل ان تسمع من “مراقب تركي” ان برهان غليون “دمية في يد الفرنسيين” (وعليك هنا ان لا تنسى ما ينطوي عليه هذا القول في ظل تأزم العلاقة بين انقرة وباريس بفعل ملف المجازر الأرمنية، وأيضاً بفعل الافتراق الذي أحدثه نجاح الخيار الفرنسي في ليبيا واخفاق التردد التركي).

وان تسأل مسؤولاً تركياً عما اذا كان “الاخوان” في سورية  خيار “العدالة والتنمية” فلن تحار بجوابه على رغم جهده في عدم التأكيد والحسم. نعم انهم خيار تركيا، لكن الأخيرة ليست الشريك الأكبر في صناعة مستقبل سورية، وهو ما لم يقله المسؤول طبعاً، انما ما يمكن استنتاجه من الحضور الدولي والعربي الكثيف في اسطنبول.

لكن قدرة تركيا على الوصول الى “عقل” المعارضة في سورية أكبر من قدرة الأطراف الدولية الأخرى. فهنا يمكنك ان تعاين السرعة الاستثنائية التي تمكنت عبرها “العدالة والتنمية” من التحول الى نموذج لجماعات الاخوان المسلمين في الكثير من البلدان العربية. وها هم “مثقفو” الاخوان في سورية يتحدثون في اسطنبول عن خيار “الدولة المدنية” التي يتمكن فيها الاسلاميون من تشكيل الحكومة من دون المس بـ”مدنية الدولة”، على ما فعلت “العدالة والتنمية”، وهذه على ما يبدو محاولة أولى للإنزياح عن النموذج، ذاك ان ما لم تمسه “العدالة والتنمية”، حتى الآن، ليس مدنية الدولة، بل علمانيتها.

ثم ان مشاعرك حيال “الدهاء الاخواني” لن تبددها حكايات هؤلاء عن “الخيار المدني التركي”، فجلهم قدم منذ أشهر قليلة الى اسطنبول. قدموا من السودان ومن اليمن ومن الأردن حيث كانوا يقيمون في حواضن أخوانية غير تركية. وبعضهم عرج قليلاً على الدوحة قبل ان يصل الى اسطنبول! والسرعة في تبني “الخيار التركي” لا يبعث على الاطمئنان.

لكن في اسطنبول يمكنك ان تختبر أكثر ان الأخوان ليسوا الشريك الأكبر في المعارضة السورية. ليسوا الاخوان المصريين، وليسوا حركة النهضة التونسية. وما يطمئنك أيضاً انهم يشعرون بالحاجة الى ولادة جديدة، وتدرك أطراف منهم انهم لم يكونوا في التاريخ السوري الحديث ضحايا فقط، انما أيضاً شركاء.

لن تحصل الولادة الجديدة من دون رواية مختلفة لحكاية الاخوان في سورية. ولا يبدو ان صوت الداعين الى تقديم هذه الرواية قوياً.

لبنان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى