صفحات سورية

مبادرة من أجل الحالة الكوردية في سوريا


مصطفى اسماعيل

لا يمكن للأحزاب الكوردية الانخراط في المشهد السوري المتحول الراهن على أس ذهنيتها النسق في العقود الماضية, فالفضاء الفكري والسياسي في الشرق الأوسط وسوريا يعيش انقلاباً مفاهيمياً تاريخياً, وعلى الأحزاب الكوردية إعادة بناء برامجها السياسية ورؤاها المستقبلية, بما يجعلها محايثة للتحولات الجذرية الراهنة التي تعد بولادة فرص جديدة مخفورة بأطياف من التحديات الجديدة أيضاً, يمكن للمراقب المحايد اليوم الجزم بأن الذهنيات الحزبية القديمة أفلست واستنفدت رصيدها المادي والمعنوي, لقد أصبحت من خلال التجارب العديدة خلال العقد الأخير في أقل تقدير مجرد صيغة أبوية وصائية في الشارع الكوردي ( أتحدث عنها كنهج ممارساتي, ففيها أيضاً قامات إصلاحية جذرية مهمشة ) بقليل من الصدقية والكثير من الازدواجية والاحتيال السياسي, ولم تعرف تلكم الأحزاب تبدلات عميقة في هيكلياتها وخطابها إلا فيما ندر, ولهذا تخبطها في مواكبة الحراك السوري الراهن والتعاطي مع المشاريع التي تطرح بمزيج من الرفض لحسابات غير مفهومة أو التسول السياسي بنية نيل بركات أحزاب عربية سورية لم يسمع بها الشارع السوري المنتفض, على الأحزاب الكوردية اليوم اعتماد التحول البنيوي والهيكلي. لأن الحزب السياسي هو أحد أدوات التنمية السياسية كما هو متعارف عليه في أدبيات التنوير والحداثة, ولأن المتحول السوري الراهن يقتضي تنظيمات متحولة, فالحنين إلى مستقبل كوردي مفارق يجد مشروعيته في الانفلات من قيود الثابت. حينها يمكن الانتقال إلى الطور الثاني المتمثل في نشدان وبلورة صيغة ائتلافية كوردية كمؤسسة مرحلية تكون المعبر عن النزوع التيموسي الكوردي في سوريا وسط تلبد الأجواء وآفاق اللحظة السورية.

يمكن تسمية الصيغة المرحلية تلك بـ ” ائتلاف القوى الكردية للتغيير الديمقراطي في سوريا ” ويمكن أن تكون هذه الحاضنة خليطاً من الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية والروابط الثقافية وشخصيات وطنية مستقلة ( يمكن أن يكون بينهم رؤساء عشائر ورجال الدين شريطة أن يكونوا وطنيين وليسوا من سدنة السلطة ) ولكن دون أن تتكرر هنا التجارب الارتجالية السابقة من حيث الأطر العديدة التي أطلقت في المجتمع الكردي وكانت الترشيحات لتلك الأطر تتم بعقلية توزيع المقاعد كما توزيع الغنائم, لهذا من الأهمية بمكان أن يتم التأسيس للائتلاف بفعل تشاركي لا حصري. يكون لهذا الائتلاف هيئة تنفيذية عليا منتخبة ( يمكن اختيار التسمية المناسبة لها ), وهيئات أدنى في المناطق الكردية وفي المدن التي تشهد وجوداً كردياً, ويكون للائتلاف ناطق رسمي, والمهم في هذا الإطار أن يكون مخترقاً للخلافات البينية مقاماً على قاعدة تسويف التبيانات الكردية وترحيلها إلى لحظة ما بعد التغيير الديمقراطي, فالهاجس في هذه المرحلة يجب أن يكون المصلحة العليا للقومية الكردية كمكون أساسي في سوريا الحالية وسوريا الغد, وكيفية التعبير عن هذه المصلحة العليا, لئلا نخرج من اللحظة السورية الراهنة بخفي شعارات وهتافات, ولئلا نعود إلى مربع 1946 مجدداً, وما يهم هنا أن تشكل في إطارها لجنة أو هيئة لصياغة السياسات تعتمد في عملية رسم السياسات على خلايا التفكير في المجتمع الكردي ( كتاب, مثقفون, مفكرون .. إلخ ).

وما دامت الأحزاب السياسية مؤلفة من أفراد منظمين وفاقاً لأنظمة داخلية حزبية, فلا يجب ترك هوامش أوسع أمامها لئلا تحتكر العمل القومي والوطني, بل على المثقفين والنشطاء والكتاب المستقلين العضويين والمنظمات والفعاليات المجتمعية الأخرى التي كانت حتى الأمس القريب مغيبة ومهمشة أو منحسرة طوعياً لأسباب عديدة عن فضاء الشأن العام أن تأخذ أيضاً بزمام المبادرة, وتتحول بالتالي إلى عامل ضغط وتوجيه, وإلى شريك فاعل وأساسي في الخطوات التمهيدية للمشروع, وفي صوغه, وفي إطلاقه, وفي مراقبته, ومتابعته, إضافة إلى النشاط الفاعل في ذلكم الإطار المؤسسي, وعلى هذا الائتلاف أن يطلق مشروعه التنظيري ( البرنامج ), ويحاول التعبئة والتجنيد السياسي والثقافي من أجل فرضه وإنجاحه. بذا يتحول إلى مركز قرار سياسي كردي في سوريا, يقدم الحلول والحلول البديلة.

لا يمكن لهيئات هذا الائتلاف استبعاد أحد من إطار التشاور, وليس لها التعويل على الأفراد والجماعات المتآلفة مع أحزابه وبرنامجه, بل عليها التعويل على المتعارضين معه في الشارع أيضاً ممن يمتلكون الخبرة, فالمجتمع الكردي ليس مزرعة أو ملكية حصرية لأحد. ومن هنا أدعو الكتاب والمثقفين الكورد إلى التباحث والنقاش حول إطلاق جماعة ضغط كجبهة ثقافية وفكرية, وإلى تشكيل إطار تنسيقي من أجل المرحلة الراهنة وآفاقها, لها ميثاقها وهيكليتها ظل تهميش المثقفين والكتاب والنشطاء الكورد المستقلين كوردياً وسورياً, يمكن تسمية هذا الإطار بـ ” المنتدى الكوردي للتغيير الديمقراطي ” يكون ميكانيزماً عضوياً لصوغ السياسات وتقديم الأفكار للأحزاب الكوردية الناشطة في الساحة كهيئة استشارية.

يكفينا هدر الوقت في ارتجاليات عقيمة وسفسطات لا جدوى منها, يجب أن نتطلع إلى تسجيل التزام في المجال السياسي والثقافي حيال القضية العادلة لشعبنا الكوردي, ينشر القيم التنويرية في المجتمع من ديريك إلى عفرين, ويعبر عن الحالة الكوردية وتطلعات الكورد بإمتياز, ولا يمكننا ذلك إلا بالتخلي عن السياسات القديمة والتفكير في التغيير المطلوب وإعداد العدة للغد الذي ننتظر.

مرحلة جديدة في البلاد تستدعي روحاً كوردية جديدة في المستويات كافة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى