صفحات العالم

مبادرتين سياسيتين لحل الأزمة في سوريا –مقالات مختارة لكتاب عرب-

 

حول خطة دي ميستورا ومبادرة روسيا/ ياسر الزعاترة

بحسب صحيفة السفير المقربة من حزب الله، فإن بشار الأسد سيزور موسكو خلال الأسابيع المقبلة من أجل دراسة مبادرة من نقاط عدة وضعتها طهران وموسكو لحل الأزمة السورية.

وبحسب مصادر “السفير” -وهي بالضرورة إيرانية أو من تلك التابعة لإيران وتحظى بالثقة، لأن إيران هي من تحكم دمشق عمليا وليس بشار الأسد- فإن المبادرة تتضمن “الإعلان عن أن الأسد مستعد للتنازل عن بعض صلاحياته، والموافقة على الحوار في موسكو أولا ثم في دمشق”.

لم يخلُ الخبر من تفاصيل، إذ قالت “السفير” إن “الأسماء المطروحة للحوار والمقبولة بالنسبة للنظام السوري للمشاركة في الحوار هي: معاذ الخطيب، وحسن عبد العظيم ومجموعته، إلى جانب قدري جميل (كان وزيرا في الحكومة السابقة)، و12 حزبا كرديا، بالإضافة إلى بعض القوى الإسلامية على الأرض، والتي لا علاقة لها بداعش”، ولا حتى جبهة النصرة.

وزادت أن المبادرة “تطرح تشكيل حكومة في أبريل/نيسان المقبل، يرأسها معاذ الخطيب، وتكون غالبيتها من المعارضة، منوط بها تعديل الدستور، والتحضير لانتخابات برلمانية جديدة، على أن يحتفظ الأسد بوزارة الدفاع، وهو ما تصر عليه روسيا”، فضلا عن احتفاظه “بثلاثة أجهزة أمنية، وهي الجوية والأمن العسكري وأمن الدولة، ولا مانع من وزير داخلية من المعارضة”.

من جهة أخرى، ما زالت خطة المبعوث الدولي دي ميستورا مطروحة للتداول، وهي التي تنص على تجميد القتال في حلب، دون الحديث عن حل سياسي، مما يشير إلى إمكانية إيجاد شكل من التزامن بين مساعي البحث في الخطتين اللتين تصبان عمليا في صالح النظام ومسار إعادة تأهيله الذي يبدو أنه حظي بدفعة كبيرة من خلال التأييد المصري الضمني الذي لا يتجاوز ذلك كثيرا خشية إغضاب السعوديين.

من الواضح أن ما يجري يشكل اعترافا من قبل النظام (من إيران التي تقود القتال على الأرض بالضرورة) باستحالة الحسم العسكري، من دون أن يعني ذلك اعترافا من الأطراف التي تقاتله بذلك، أقله في المدى المتوسط، لأن تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وربما أحرار الشام وفصائل أخرى لا تقول ذلك، وإن بدا أن قناعة كهذه ربما شملت فعاليات ما يُعرف بالائتلاف الوطني السوري، أو أكثرها في أقل تقدير.

وحتى لو قلنا إن القناعة مشتركة، فإن الفارق كبير بين جماعات لم يعد لديها من خيار غير استمرار القتال، وليس لديها ما تخسره، وبين نظام منهك، ودولة تقف وراءه وينهكها النزيف الاقتصادي بدفعها لكلفة الحرب كاملة (أعني إيران)، فضلا عن الكلفة البشرية من مؤيديها، إن كانوا من الخارج، بمن فيهم حزب الله، أم من الداخل، من الكتلة العلوية.

والنتيجة أن النظام وداعميه هم الأكثر حاجة للحل السياسي من الثورة، بل حتى من الأطراف الداعمة لها عربيا وإقليميا (تركيا تحديدا). وحتى لو كانت الأخيرة في حاجة فعلية للحل، فإن عدم تحقيقه أفضل بكثير من حل بائس كالذي تبشر به إيران وروسيا. وعموما، فإن جميع أعداء إيران لا يرون أنها في وضع قوي، حتى بعد دخولها اليمن، بل يرونها في حالة استنزاف بشعة، خاصة بعد التدهور الأخير في أسعار النفط، وهم غير معنيين هنا بإيجاد تفاهم محدود معها في سوريا، وإذا كان ولا بد، فليكن تفاهما شاملا يتضمن جميع الملفات، وهو ما لا تبدو إيران (المحافظين تحديدا) مستعدة له بشكل معقول إلى الآن.

في ضوء ذلك كله لا يبدو أن أيا من المبادرتين (خطة دي ميستورا والمبادرة الروسية) في وارد كسب النجاح، بخاصة الثانية التي تتحدث عن معارضين ليسوا معارضين من الناحية العملية، لأن من يملك الفعل المسلح هو صاحب الرأي الأول والأخير، وليس الآخر، بخاصة حين لا يأتي بحل يحظى برضا الغالبية من الناس.

حتى الأميركيين (وربما عموم الغربيين) الذين لا يريدون القضاء على بشار لأن نتنياهو لا يريد ذلك، ويفضل استمرار الصراع لاستنزاف جميع الأعداء.. حتى هؤلاء، سيكون من الصعب عليهم تمرير إخراج إيران من مأزقها، وهي لما تقبل بعد بالشروط الغربية لإنجاز اتفاق النووي، وهم يدركون أن استمرار نزيفها هو ما سيجعلها أكثر قابلية لتمرير الاتفاق، والشروط التالية من بعده على الصعيد السياسي، فضلا عن أن منح موسكو إنجازا في هذه المرحلة لا يبدو مناسبا في ظل استمرار الصراع معها على أوكرانيا وملفات دولية أخرى.

يبقى القول إن الحل السياسي ليس مرفوضا من حيث المبدأ، لكن المطروح حاليا، ومهما أجري عليه من تعديلات لن يلبي شروط الغالبية السورية بعد التضحيات والمعاناة الرهيبة، ولذلك سيبقى حبرا على ورق أو مجرد مساع سياسية لا تقدم ولا تؤخر، بينما يتواصل الاستنزاف على الأرض.

ولكن إلى متى؟ إلى الوقت الذي تقبل فيه إيران تجرع كأس السم والتفاهم مع تركيا والجوار العربي على حل شامل لكل الملفات المشتعلة، وقواسم مشتركة بعيدا عن روحية التغول والهيمنة واستثمار المذهب وأتباعه في كل مكان من أجل تحقيق مكاسب سياسية على صعيد القوة والنفوذ.

الجزيرة نت

 

 

 

هل تنجح روسيا بإقناع الأسد التخلي عن إيران؟/ حسين عبد الحسين

النشاط الذي يقوم به نائب وزير خارجية روسيا ميخائيل بوغدانوف، يأتي، في معظمه، بالتنسيق مع واشنطن، وهو يهدف لاستكمال الحل السياسي في سورية بإقامة “مؤتمر موسكو”، ويكون مبنياً على مقررات “جنيف 1″ و”جنيف 2 ” ويكون بمثابة “جنيف 3”. الحل الروسي يستعيد مبادرة، يقول بعض المسؤولين الأميركيين، إن قطر وتركيا قدمتاها في الاسابيع الأولى للثورة وتقضي بمصالحة بين الرئيس السوري بشار الأسد ومعارضيه، يتخلى بموجبها عن بعض صلاحياتها، وربما يتحول الى رئيس لحكومة وحدة وطنية.

المسؤولون الأميركيون يقولون ان الأسد كلف في حينه نائبه فاروق الشرع بالتواصل مع معارضين في دمشق كخطوة أولى لحل سياسي، لكن طهران أوفدت أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، سعيد جليلي، الذي قال للأسد ان أي تنازل للمعارضة سيراه البعض كمؤشر ضعف، وسيدفع المعارضين الى تقديم المزيد من الطلبات التي لن تتوقف قبل خروجه نهائيا من الحكم، على غرار ما حصل مع رئيس مصر السابق حسني مبارك. ووعد جليلي بالتزام إيران بالقضاء على المعارضة كليا وإعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل اندلاع الثورة في آذار/مارس 2011، مثلما فعلت إيران بقضائها على “الثورة الخضراء”.

بعد ثلاث سنوات من المواجهات الدموية المسلحة، ضعف الأسد عسكرياً إلى الحد الذي صار يعتمد وجوده بالكامل على إيران والميليشيات اللبنانية والعراقية الموالية لها. ومع ان طهران تعتقد انه يمكنها القضاء التام على المجموعات المسلحة في سوريا، الا ان موسكو صارت تعتقد انه هدف لا يمكن تحقيقه، بل ان إطالة الحرب السورية يساهم في إعطاء فرصة أكبر للمعارضة المسلحة، وخصوصاً المتطرفة منها مثل تنظيم “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”، في تطوير قدراتها وشبكاتها المالية، وتسمح لها بالمزيد من التجنيد.

لذا، ينقل المسؤولون الأميركيون عن نظرائهم الروس قولهم ان الهدف الوحيد في سوريا حاليا يجب ان يكون وقف القتال، وبَدءُ الحوار المباشر بين نظام الأسد والمعارضة السورية المعتدلة لتشكيل حكومة انتقالية يكون هدفها الأول القضاء على التنظيمات المتطرفة مثل “داعش” و”النصرة”، وهو ما يتطلب عقد “مؤتمر موسكو”.

لكن مشاركة المعارضة في أي حكومة يتطلب بعض التنازلات من الأسد، كبيرة كانت ام صغيرة، وهو ما ترفضه تماما طهران، وتحاول موسكو اقناع الأسد بضرورته لأن الحل على الطريقة الإيرانية يذهب في درب لا تحمد عقباها.

وفي الوقت الذي تتنافس فيه موسكو وطهران على رعاية الأسد ونظامه، يزداد الأمر تعقيدا مع قرار واشنطن “الوقوف على خاطر” إيران في أي خطوة تقوم بها في سوريا. من هذا القبيل، لم تبدأ أميركا حملتها الجوية ضد “داعش” و”النصرة” داخل سوريا، قبل إخطار النظام بشكل غير مباشر، حتى يطفئ أجهزة دفاعه الجوية ويسمح للمقاتلات الأميركية بالاغارة على هواها، بل إن نظام الأسد كال المديح للحملة الأميركية.

وقبل أسابيع، أرسل وزير الدفاع الأميركي المستقيل، تشاك هيغل، بريداً إلكترونياً الى مستشارة الأمن القومي، سوزان رايس، تساءل فيه عن موقف المقاتلات الأميركية في حال هاجمت قوات الأسد قوات المعارضة، التي تنوي واشنطن تدريبها وتأمين الغطاء الجوي لقتالها ضد “داعش” و”النصرة”. “ان حصلت مواجهة بين قوات المعارضة حليفتنا وقوات الأسد، هل نقدم الدعم الجوي للثوار ضد الأسد كما نقدم لهم ضد داعش؟” تساءل هيغل، ليأتيه الجواب من الرئيس باراك أوباما بالطرد.

إذا، لا عداء أميركيا ضد الأسد، والموقف الوحيد المطالب بتنحيه هو نزولا عند رغبة حلفاء أميركا العرب والترك. لكن الموقف الأميركي ضد الأسد لا يعني ان أوباما ينوي القيام بأي ما من شأنه الإطاحة بالرئيس السوري، وهو ما يعني ان لموسكو حرية اقناع المعارضة بدخول تسوية مع الأسد تفضي الى مواجهة الاثنين لـ”داعش” و”النصرة”.

مشكلة أخرى تكمن في محاولة روسيا إبقاء الدول العربية، كما إيران، خارج أي حل، فيما تعتقد أميركا نفسها مجبرة بأخذ رأي حلفائها بعين الاعتبار. ربما يرضى الحلفاء العرب بتنازلات يقدمها الأسد ولا ترضى إيران، وقتذاك يتحول الروس الى راعين للأسد ونظامه، ويمكن ان يؤدي اخراج إيران من المعادلة الى وقف المواجهة المسلحة.

على ان المشكلة الأكبر التي قد تواجه “مؤتمر موسكو”، في حال انعقاده، هي سلسلة الانتصارات التي حققتها مؤخرا “النصرة” ضد المعارضة المعتدلة والأسد، فإذا ما أصبحت سوريا تحت سيطرة الأسد و”داعش” و”النصرة”، يصبح “مؤتمر موسكو” لا فائدة منه، اذ يصعب تطبيق قراراته بغياب لاعبين من الثلاثة الكبار. لكن يبدو ان روسيا تأمل في ان تستغل عداء أميركا لـ”داعش” و”النصرة” لمحاصرة هاتين المجموعتين مالياً وسياسياً وعسكرياً، ما يسمح لجبهة مؤلفة من نظام الأسد والمعارضة المعتدلة بالقضاء عليهما.

لكن أميركا، كما المعارضة السورية المعتدلة، تشترطان خروجاً، أو شبه خروج للأسد من الحكم مقابل بقاء نظامه وتنفيذ السيناريو الروسي، فيما يبدو ان موسكو تثق بمهارة ديبلوماسيتها الى درجة يمكنها تمييع هذه الخلافات الجوهرية وطمسها. الأميركيون لا يعتقدون ان الروس سينجحون في مساعيهم، وان مفتاح الحل السوري أصبح في يد إيران منذ فترة. لكن مؤتمراً في موسكو حول الأزمة السورية من شأنه ان يظهر وكأن أميركا مازالت تهتم وتقوم بما شأنه انهاء الأزمة. الشكل عند الأميركيين اليوم اهم من المضمون، ويبدو الأمر كذلك عند الروس الذين يعتقدون ان عقد مؤتمر في موسكو من شأنه تقديم روسيا وكأنه قوة عالمية فاعلة. وحدها طهران تحارب كثيراً في سوريا وتتكلم قليلاً عنها.

المدن

 

 

 

 

الحرب الاقتصادية على روسيا/ زيـاد مـاجد

لا يمكن توقّع انهيار الاقتصاد الروسي قريباً ولا يمكن الحديث كذلك عن انهيار مالي روسي وشيك. فثمة احتياطي نقدي بالعملة الأجنبية لدى المصرف المركزي في موسكو يقدّر بـ350 مليار دولار، وثمة ثروات نفطية وغازية ومعدنية وصناعات عسكرية وموارد زراعية وحيوانية وسمكية تحصّن روسيا وتجعلها الاقتصاد التاسع في العالم.

لكن ما يمكن توقّعه في الأشهر المقبلة هو أزمات اقتصادية ومالية روسية خانقة، بدأت ملامحها تظهر هذا الخريف، وهي مرشّحة للتفاقم وللتحوّل عنصرَ وهنٍ يصعب ألّا تكون له مع الوقت آثار سياسية، خاصة أن منشأها هو بشكل أساسي سياسي، خارجي.

فما أسباب هذه الأزمات في روسيا، وما هي آثارها حتى الآن؟

ثمّة سببان رئيسيّان ينجم عنهما سبب ثالث.

الأوّل، العقوبات الغربية (الأوروبية والأميركية والكندية) واليابانية المفروضة على موسكو بسبب ضمّها جزيرة القرم وتدخّلها العسكري شرق أوكرانيا. وهذه العقوبات تطال أفراداً وشركات ومصارف، جاعلة علاقةَ الأخيرة بالأسواق المالية العالمية شبه معدومة. وقد قدّر وزير المالية الروسي الخسائر الناجمة عن العقوبات لعام 2014 بأربعين مليار دولار، وهي على الأرجح ستتصاعد العام المقبل.

السبب الثاني، والأهمّ، هو تراجع أسعار النفط خلال الأشهر الستة الأخيرة بشكل قياسي، إذ وصل سعر البرميل الى قرابة الستين دولاراً، بعد أن كان فوق المئة. وهذا أدّى الى حرمان روسيا في العام 2014 من دخل مقداره 50 مليار دولار، وسيحرمها العام 2015 إن استمرّ سعر البرميل دون السبعين دولاراً من قرابة المئة مليار دولار إضافي، علماً أن الموازنات الروسية مبرمجة في ما يخصّ الدخل على أساس سعر البرميل بمئة دولار.

وبحسب موسكو وطهران، فإن تراجع أسعار النفط ومعها أسعار الغاز يتمّ نتيجة سياسة مقصودة تستهدفهما لإنهاكهما وفرض تراجع كبير على مداخيلهما. وتحمّل روسيا وإيران السعوديةَ (بالتنسيق مع واشنطن) المسؤولية عن الأمر، فيما يضيف خبراء الى المسؤولية السعودية (والخليجية العربية) في الأوبك عنصراً آخر هو بروز “غاز الشيست”، أي الغاز الصخري، وتواضع أسعاره واحتمال بدء تحوّله تدريجياً الى مصدر بديل للطاقة، لا سيّما في الولايات المتّحدة الأميركية.

وقد نتج بسبب العقوبات وتراجع أسعار النفط (الذي يبدو عقوبة مضاعفة) وضعٌ جديدٌ صار في ذاته سبباً ثالثاً للأزمة في روسيا: هروب أموال من القطاع المصرفي الروسي ومن بعض الاستثمارات خوفاً من الأوضاع السياسية ومن مفاعيل العقوبات والحرب الاقتصادية. وتُقدّر قيمة الأموال التي غادرت روسيا بـ130 مليار دولار العام 2014. وتسبّب الأمر بتراجع سعر صرف الروبل مقارنة بالدولار واليورو وسائر العملات، وفقدت العملة الوطنية الروسية في تسعة أشهر أكثر من 25 في المئة من قيمتها.

كلّ هذا أدّى الى تراجع النموّ في روسيا الى أدنى مستوى له منذ العام 2008، إذ لم يتخط عتبة 0,2 في المئة. وسيؤدّي التراجع المذكور، مقروناً بتراجع الروبل، الى فقدان كتل نقدية من احتياطي الخزينة بالعملات الاجنبية التي يضطر المصرف المركزي الى ضخّها للجم التدهور، كما سيؤدّي على الأرجح الى ارتفاعٍ في معدّلات البطالة وتراجعٍ في قدرة المؤسسات الصناعية على الاقتراض.

وإذا استمرّت العقوبات على ما هي عليه أو حتى تفاقمت طيلة العام المقبل، وإن استقرّت أسعار النفط على حالها، فإن التراجع الاقتصادي الروسي في العام 2015 سيكون أكثر حدّة، وستكون آثاره شديدة الخطورة بدءاً من العام 2016. وما قد يعقّد الأوضاع أن الكرملين يودّ المكابرة واعتبار الأمر عارضاً، ولا تظهر حتى الآن علامات تبدّل في سياساته العدوانية الأوكرانية والسورية تخفّف عنه الضغط الاقتصادي الغربي والنفطي الخليجي.

وهو في مكابرته المعطوفة على مكابرة حليفه في الملفّ السوري، أي إيران، يُطيل أمد المواجهة ويدفع روسيا نحو مشاكل إقتصادية ومالية عظمى لن تخرج منها بسهولة، وقد تلزمه في نهاية المطاف تبديل ما لا يريد تبديله اليوم من مقاربات توسّعية ذات أوهام أمبراطورية…

موثع لبنان ناو

 

 

 

 

أبعاد الحركة الديبلوماسية الروسية … وأسبابها/ محمد مشموشي

الحركة الديبلوماسية الروسية الحالية، تحت عنوان محاولة إنهاء الأزمة السورية، ليست جديدة. فقد سبقها، كما يعرف الجميع، «جنيف1» ثم «جنيف2» الروسيان بدورهما، على رغم الفشل الذريع الذي انتهيا إليه يومها. الجديد هذه المرة، أنها تتم بصورة انفرادية من جهة، وبالتنسيق مع طرفي الحرب المباشرين (إيران والنظام السوري) من جهة ثانية، لكن بعيداً عن الولايات المتحدة أو حتى عن التشاور المسبق معها، كما كانت الحال في المرتين السابقتين.

ذلك أن القيادة الروسية، كما يبدو، تعتقد أن التطورات التي شهدتها المنطقة في الشهور الماضية، وفي مقدمها الموقف العالمي من التهديد الذي تمثله «داعش» و»جبهة النصرة» لسورية والعراق بعد احتلال أجزاء واسعة منهما، ثم تشكيل التحالف الدولي/العربي لمحاربتهما ومحاربة الإرهاب في عموم المنطقة، تفسح في المجال أمامها لإعادة إحياء ما سمته منذ البداية «الحل السياسي» للحرب في سورية… وتحديداً، لمحاولة إنقاذ حليفها في دمشق وإطالة عمر نظامه، فضلاً عن تثبيت مواقع حليفها الثاني في إيران وتأكيد نفوذه على مساحة المنطقة وفي سورية والعراق، بما يخدم في نهاية المطاف استراتيجيتها الكونية القائمة على تعدد القيادة العالمية ومنع التفرد الأميركي بها.

وقد وجدت هذه القيادة، في ظل الأزمة الأوكرانية التي صعدت خلافاتها مع الغرب وبدأت تنعكس عليها في الداخل بنتيجة العقوبات والانخفاض الكبير في أسعار النفط، أن الفرصة مؤاتية لها ليس فقط لتثبيت مواقع حليفيها في دمشق وطهران على خلفية عدم حسم إدارة باراك أوباما موقفها من النظام السوري، إنما أيضاً محاولة اللعب على التناقضات بين واشنطن وحلفائها في المنطقة… كما حدث بالنسبة لتركيا التي زارها الرئيس فلاديمير بوتين أخيراً تحت عنوان التعاون بين البلدين في مجال النفط والغاز وطرق تصديرهما إلى البلدان الأوروبية.

لكن أي حل سياسي يقترحه بوتين للحرب السورية، عشية مرور أربعة أعوام كاملة على بدئها في آذار(مارس) المقبل؟.

لا تخرج الأفكار التي طرحها وزير خارجيته سيرغي لافروف مع نظيريه السوري والإيراني، وليد المعلم وجواد ظريف، كما مع الرئيس الأسبق لـ»الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة»، أحمد معاذ الخطيب، وكذلك التي جال بها نائبه ميخائيل بوغدانوف على أنقرة، حيث التقى قادة في المعارضة السورية، وعلى بيروت حيث التقى الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله (دوره في الحرب السورية معروف)، عما ورد في وثيقة «جنيف1»… لكن، هذه المرة، مع تفسير لعبارة «المرحلة الانتقالية» ينطلق من الأخذ في الاعتبار، أو أقله عدم تجاهل، الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي مددت رئاسة بشار الأسد سبعة أعوام أخرى بدءاً من ربيع 2014.

والأهم في هذه الأفكار، والأكثر دلالة في هذه الفترة، اقتراح عقد مؤتمرين اثنين: أحدهما، لقوى المعارضة بما فيها ما يسمى «معارضة الداخل» بهدف الاتفاق على تشكيل وفد واحد، وربما على موقف موحد، من المفاوضات المتوقعة مع النظام. والثاني، لوفدي المعارضة والنظام للبحث في قضايا الحل السياسي ومبدأ تشكيل «حكومة وحدة وطنية كاملة الصلاحيات» وفقاً للتعبير المستخدم في وثيقة «جنيف1» الأولى.

ليس ذلك وحده، بل إن بوغدانوف الذي زار بيروت ثلاث مرات خلال عشرة أيام، كانت إحداها في طريقه إلى دمشق، زاد على مهمته السورية هذه تلميحات حول دور يمكن أن تلعبه بلاده في انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان، وتحديداً حول «وساطة» تستطيع أن تقوم بها مع قادة الطائفة الأرثوذكسية فيه لتسهيل هذا الأمر.

… لكأن موسكو، التي عززت في الأعوام الأخيرة صلاتها (التاريخية منذ أيام القيصر) مع الكنيسة الأرثوذكسية في لبنان، تحاول من ناحية أن تستثمر علاقاتها هذه في الدور الإقليمي الذي تريده، كما تحاول من ناحية ثانية أن تعظم من شأن ودائرة حركتها السورية، عبر إبلاغ اللبنانيين، ومن خلالهم العرب والعالم، بأن الحل في سورية هو الذي يؤدي إلى حل في لبنان وإلا فلا حل لأزماته في المدى المنظور على الأقل؟!.

ولا يغرب عن البال هنا أن موسكو، في ربطها بين الأمرين، تظن أن حركتها السورية هذه يمكن أن تجد آذاناً صاغية وتشجيعاً ليس عند اللبنانيين وحدهم، بل عند العرب وحتى الغرب الأوروبي والأميركي كذلك، نتيجة الانعكاسات الخطيرة لاستمرار الحرب السورية على لبنان وعلى صيغته السياسية وتركيبته الديموغرافية.

وفي اعتقاد البعض أن الحركة الروسية محكومة بالفشل، لأسباب سورية تتصل بطبيعة النظام التي لم تعد خافية على أحد، كما بتعدد فصائل المعارضة وأهدافها، وأنها محاولة لكسب الوقت بانتظار تبدل ما على الصعيدين الإقليمي والدولي.

لكن واقع الحال يشير إلى أنها سعي لاستغلال الوقت، وليس كسبه، على خلفية الالتباس الحالي في أوضاع المنطقة… هذا الالتباس الناتج عن دوران حرب التحالف على الإرهاب في حلقة مفرغة، وتردد إدارة أوباما ثم ارتباكها أخيراً بعد الانتخابات النصفية وتزايد مشكلاتها الداخلية، وخلافات واشنطن مع حلفائها في المنطقة، وتهالك المعارضة السورية في الخارج وفي الداخل. لكن ما يهم موسكو بعد ذلك كله، هو حاجتها إلى «إنجاز» استراتيجي ما، ترى إمكان تحقيقه عبر تثبيت مواقع حلفائها في دمشق وطهران وبغداد، في مواجهة ما تعتبره حرباً أوكرانية/ أوروبية/ أميركية مشتركة على دورها وسياساتها في العالم.

ولعله من هنا فقط تحركت الديبلوماسية الروسية على جبهة سورية السياسية بعد غياب طويل.

* صحافي وكاتب لبناني

الحياة

 

 

 

خسائر النظام السوري تعزّز المخاوف الروسية وبوتين يحاول إغراء اردوغان لدفع مبادرته/ روزانا بومنصف

جاءت الخسائر التي مني بها النظام السوري في الايام الاخيرة في معارك متفرقة لتثبت لمصادر ديبلوماسية حجم المخاوف التي تنتاب روسيا على النظام الذي تستمر في دعمه فيما هو يتراجع عسكريا الى الحد الذي تخشى معه موسكو على حد قول هذه المصادر ان تتحول سوريا الى صومال اخر ما يؤدي الى تفككها. تتحرك روسيا على وقع عدم اعتراض اميركي كما تقول هذه المصادر في ظل استمرار غياب اي فكرة واضحة لدى الاميركيين عن كيفية اعداد حل سياسي يمكن الوصول اليه في حين ان الاقتراح الذي تقدم به الموفد الدولي الى سوريا ستيفان دوميستورا يصطدم بعدم حماسة اقليمية في شكل عام. اذ ان ايران في الدرجة الاولى لم تبد اي حماسة للافكار التي عرضها دوميستورا لدى مجلس الامن الدولي والتي تتركز على تجميد القتال بدءا من حلب اولا، ثم ان المملكة العربية السعودية لم تستقبل الموفد الدولي في حين ان تركيا استقبلته على مستوى موظف ديبلوماسي ولم تفرد له لقاءات ديبلوماسية رفيعة في وزارة الخارجية كما لم يستقبله رجب طيب اردوغان. تفهم هذه المصادر ان الافكار التي يقترحها دوميستورا متعثرة وليست واضحة بحيث تستبعد ان تلقى الزخم المطلوب لانجاحها في حين ان المساعي الروسية الاخيرة تتقدم على هذه الافكار.

تقول هذه المصادر ان بوغدانوف نقل بداية دعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى الرئيس السوري بشار الاسد لزيارة روسيا على الارجح قبل نهاية السنة الجارية لكن من دون ان تتوقع ان يلبي الاسد هذه الدعوة لاعتبارات عدة تتصل بخشيته على الارجح من مغادرة سوريا في هذا الوقت. وعلى صعيد اخر سعى بوتين على ذمة هذه المصادر الى محاولة تأمين حظوظ نجاح للمبادرة او المساعي التي نشط في شأنها بوغدانوف في الاسابيع الماضية عبر الزيارة التي قام بها لتركيا مطلع الشهر الجاري والتي انجز خلالها توقيع مذكرة تفاهم بين البلدين من اجل بناء خط انابيب غاز بحري يصل الى تركيا. ويعود ذلك الى اعتبار بوتين ان تركيا تملك اوراقا فاعلة في الموضوع السوري بحيث يتطلب ذلك مساعدتها اكثر مما تفعل دول الخليج العربي. ومع التأكيدات التي اعلنها بوتين لجهة تمسك روسيا بالاسد في السلطة، وفق ما اعلن من تركيا بالذات على اساس ان الاسد حسب قوله لا يزال يتمتع بتأييد شعبي كبير نتيجة الانتخابات الرئاسية الاخيرة، فإن الافكار التي لا يزال يدور البحث فيها تتصل ببقاء الاسد مع تقدم طفيف في هذه الافكار حديثا لجهة التفكير في اعطاء وزارة الداخلية في الحكومة العتيدة التي يتم العمل على تأليفها وتضم موالاة ومعارضة الى شخصية اقرب الى معارضة الخارج او منها في حين ان البحث كان لا يزال يدور حول افكار تتصل ببقاء الاسد وتأليف حكومة تتركز فيها الحقائب الاربع الاساسية اي الدفاع والداخلية والخارجية والمال في يد النظام.

الا ان هذه المصادر لا تزال ترى ان الافكار التي كانت طرحتها ايران قبيل استقالة الموفد الدولي الى سوريا الاخضر الابرهيمي قبل اشهر عدة قد لا تزال تلقى صدى ايجابيا اكثر لدى دوائر خارجية عدة من الافكار الروسية ولو تركت روسيا تتحرك في الملف السوري وحدها في الاسابيع الاخيرة. ذلك ان افكار الديبلوماسية الايرانية تعد متقدمة نسبة الى الافكار الروسية باعتبار انها طرحت مراجعة دستورية في سوريا تهدف الى تقليص سلطات الرئاسة تدريجا مما يؤدي الى تضاؤل موقع الاسد. والزيارة الاخيرة لوزير الخارجية وليد المعلم لطهران يقول المتابعون انها ارتبطت في شكل اساسي بالافكار الروسية لاقامة حوار بين النظام والمعارضة لجهة الحرص على التشاور وتذليل اي اعتراض ايراني اذا وجد في ظل اعتقاد يجمع عليه كثر وهو ان الوضع في سوريا يبقى ورقة مهمة في يد ايران التي تنتظر بت الملف النووي الايراني قبل وضعها على طاولة البحث فيها مع الولايات المتحدة الاميركية.

النهار

 

 

 

الروس لن يتخلوا عن الأسد.. ونحن أيضا/ عبد الرحمن الراشد

لفهم التغييرات الأخيرة ربما علينا أن نعيد تقييم الوضع السياسي والعسكري في سوريا، بافتراض أن روسيا لم تصطف إلى جانب نظام بشار الأسد، ولم تدعمه، فهل كان هذا سيغير مسار تاريخ الثورة السورية؟

كان للروس دور سياسي كبير، أكثر من كونه دورا عسكريا حاسما، وهذا لا يقلل من خطورة الدعم الضخم الذي قدمته موسكو للنظام في دمشق، وساعده على سحق قوى المعارضة في العديد من المناطق المنتفضة. إنما، ربما كان في متناول الأسد الحصول على أسلحة نوعية من مخازن حليفته الأولى إيران، التي تولت فعليا التنسيق للحاجات الدفاعية من الأسواق العالمية وتمويلها بطرق مختلفة. الدور الأكبر للروس كان سياسيا، حيث نجحوا في تعطيل، وتخريب كل المشاريع السياسية الدولية المختلفة، وهم من أسرفوا في استخدام حق الفيتو لمنع قرارات مجلس الأمن الحاسمة، وسهلوا على الأطراف الغربية الرافضة أو المترددة عدم دعم المعارضة. وهكذا نرى أنه كان لموسكو دور خطير في تعطيل التغيير في دمشق لأكثر من ثلاث سنوات، وهي وراء إدامة المأساة الإنسانية في سوريا التي لا مثيل لها في تاريخ المنطقة.

ومحق برهان غليون، عضو الائتلاف السوري، الذي قرع زملاءه في المعارضة لأنهم في كل مرة تصلهم دعوة يركبون أول طائرة إلى موسكو متوهمين أن الرئيس فلاديمير بوتين قد غير رأيه، وأصبح مستعدا للتعاون. يقول غليون إن «موقف روسيا من الأسد لم يتغير في أي وقت. لكن بعضنا هو الذي لم يفهم معنى ما يقوله الروس. منذ أول لقاء معهم في 2011 بعد تشكيل المجلس الوطني قال وزير الخارجية لافروف نحن لسنا متزوجين من الأسد وليست لدينا علاقات خاصة معه، هو بالعكس زار الدول الغربية أكثر من روسيا بكثير»، مبينا أنه «عندما يقول الروس نحن لا ندافع عن الأسد ولسنا متمسكين بشخصه وإنما نريد الحفاظ على مؤسسات الدولة، فهم لا يقصدون أنهم مستعدون للتخلي عنه».

الروس يلعبون بالكلمات، لكن موقفهم دائما هو نفسه، هم مع الأسد ما دام حيا وفي القصر في دمشق. والتواصل مع موسكو، وتقديم الخدمات المختلفة من قبل دول المنطقة على أمل تليين موقفها، لم ينجبا شيئا يذكر. حتى موقفهم من مصر هو في أساسه تحصيل حاصل، مع القاهرة ضد واشنطن، بل مع النظام الواقف. والآن في التحدي الخطير الذي يواجه النظام الروسي بسبب الحصار الغربي، فإن روسيا ليست بالطرف الذي يستحق من المعارضة السورية كل هذا الاهتمام، ولن تبدل موقفها، في سوريا أو في أي نقطة توتر أخرى. ومثلما يقول غليون «في كل لقاء مع لافروف تقع المعارضة السورية في الفخ وتعود لنشر الأوهام، قبل أن تكتشف خدعة موسكو وخداعها. موسكو لم تغير موقفها».

خيار المعارضة ترتيب صفوفها، والمراهنة على خيارها العسكري الميداني، هنا فقط يمكن للروس والأميركيين أن يستمعوا إليها. ولا توجد أمام الحكومتين خيارات لاحقة أخرى سوى التعامل مع المعارضة، بين الأسد المحاصر والإرهاب المتوحش.

الشرق الأوسط

 

 

 

 

روسيا السورية/ غسان شربل

كان فلاديمير بوتين ينتظر الفرصة المناسبة لتصفية حسابه مع أميركا التي دفعت الاتحاد السوفياتي الى المتاحف. كان يريد أن يثأر من محاولتها تطويق روسيا بتحريك بيادق حلف الأطلسي قرب حدودها ومن تشجيعها الثورات الملونة على أطراف الاتحاد الروسي. كان يحلم بهز ركائز صورة القوة العظمى الوحيدة وإنهاء عهد «الغطرسة الاميركية». وكان يدرك أن عملية الثأر ممكنة مع وجود رئيس اسمه باراك اوباما يهجس بإعادة الجنود من الحروب ويُصاب بالذعر من فكرة ارسالهم الى حروب جديدة. رئيس أميركي يعتبر أن للقدرة الاميركية حدوداً وأن أميركا نزفت من جيشها واقتصادها ما يُلزمها التخلي عن الحروب الجوالة وسياسة اقتلاع الانظمة.

وجد بوتين في الأزمة السورية فرصته الذهبية. لن يسمح بتكرار المشهد الليبي. لن يُمرر في مجلس الأمن ما يسمح بإعطاء ظلال من الشرعية لعملية اقتلاع النظام السوري. ثم ان سورية يمكن ان تكون فرصة لاعتراض «الربيع الاخواني» وكسر الموجة الاسلامية. فرصة لإظهار حدود الدور الاميركي.

نجحت روسيا في عملية شراء الوقت للنظام السوري. وربما كانت تعتقد بقدرته على حسم النزاع على معظم الاراضي السورية إن لم يكن على كاملها. عملية جنيف نفسها بدت من جانب موسكو أشبه بعملية لشراء الوقت. ظهر ذلك جلياً خلال انعقاد «جنيف 2». حاول الأخضر الإبراهيمي عبثاً دفع الروس الى دور اكثر جدية في البحث عن الحل. كان سيرغي لافروف يسارع الى إغلاق الباب. في المرة الأولى قال له ان محادثات «جنيف 1» لم تتطرق الى مصير الرئيس بشار الاسد ما يعني ان الهيئة الانتقالية ستشكل في ظل الرئيس. المرة الثانية كان أكثر وضوحاً قال: «ان قدرتنا على ممارسة الضغوط على الاسد اقل من قدرة الولايات المتحدة على ممارسة الضغوط على بنيامين نتانياهو». فهم الابراهيمي الرسالة وبدأ يرتب موعد خروجه من مهمته. وبفضل المساعدة الروسية الديبلوماسية والتسليحية ومعها المساعدة الايرانية المالية والميدانية تمكن النظام السوري من البقاء لكن على جزء من الاراضي السورية.

في قراءة التحركات الروسية الجديدة اليوم لا بد من الالتفات الى مجموعة عوامل جديدة. الازمة الاوكرانية والعقوبات الاميركية والغربية على روسيا. الاطلالة المدوية لـ «داعش» ونجاحها في الغاء الحدود العراقية -السورية. ادت هذه الاطلالة الى عودة الطائرات الاميركية الى أجواء العراق وسورية في مهمات قتالية. أدت ايضاً الى اعادة ترتيب الأخطار والاعداء لدى كثيرين وبينهم المبعوث الدولي الجديد ستيفان دي ميستورا. والعامل الذي لا يمكن تجاهله ايضاً هو هبوط اسعار النفط وتهاوي سعر صرف الروبل الروسي.

ثمة من يذهب بعيداً في الشكوك والى درجة القول ان خطة دي ميستورا تحمل في طياتها صدى لافكار روسية وايرانية. ويذهب هذا الفريق ابعد ليقول ان التحرك الاخير لنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف يرمي الى توفير ثياب سياسية لخطة دي ميستورا والى ترسيخ فكرة بقاء النظام وتحويل الحل الى مجرد تشكيل حكومة وحدة وطنية في سورية بعد تقسيم المعارضة اكثر مما هي مقسمة وهو ما اوحته اشارات بوغدانوف في لقائه معها.

من التسرع القول إن تهاوي سعر الروبل سيدفع روسيا الى تغيير موقفها في سورية. ومن التسرع ايضاً الاستنتاج ان روسيا تفضل ان تدفع في سورية لأنها لا تستطيع ان تدفع في اوكرانيا. لكن من الخطأ الاعتقاد ان روسيا تستطيع تجاهل كل هذه العوامل الجديدة والتعامل معها كأنها لم تحدث.

سمع بوتين ولافروف في الشهور الماضية كلاماً عربياً يحض روسيا على لعب دور نشط في حل سياسي للازمة السورية. ثمة من لفتهما الى ان سورية تحولت مختبراً لانتاج اجيال من المتطرفين وبينهم فتيان جاؤوا من الشيشان وداغستان وسيعودون في النهاية الى الاتحاد الروسي. وثمة من قال لهما إن خصوم النظام السوري الحالي لا يريدون ابداً تدمير ما تبقى من الدولة السورية في الادارة والمؤسسة العسكرية والأمنية وان الحل قد لا يستلزم ابعاد اكثر من اربعين شخصاً. لم يلمس المتحدثون ان روسيا غيرت موقفها لكنهم يعتقدون ان العوامل الجديدة قد تفتح الباب لقراءة روسية اكثر واقعية اذا تبين ان تآكل الروبل قد يهدد بتآكل مشروع بوتين برمته.

لم تعد الأزمة السورية فرصة لروسيا لتسجيل النقاط. ها هي سورية تتحول فيتنام بشرية ومالية واصولية ومذهبية. انها مكلفة للجميع ولا بد من اعادة القراءة. لا خطة دي ميستورا تكفي ولا الاعيب بوغدانوف. اطفاء فيتنام السورية يحتاج الى قرارات كبرى لا بد من اتخاذها. والمزيد من الانتظار لا يعني غير مضاعفة التكاليف وهي باهظة اصلاً.

الحياة

 

 

 

 

روسيا وإيران إذ تنسّقان للتحكّم بالحرب على “داعش”/ عبدالوهاب بدرخان

عنوانان وهدفان لا يمكن أحداً أن يرفضهما لسورية: وقف القتال أو «تجميده»، والحوار من أجل حل سياسي… لكن كيف؟ من الطبيعي أن تثار الأسئلة. فالحلول الداخلية «الوطنية» قتلها النظام السوري في مهدها، والحلول الخارجية قتلها حلفاء النظام و»أصدقاء» المعارضة وصارت فريسة صراعاتهم. ثم وجد الجميع أنفسهم في مهب «الحرب على الإرهاب»، فانطلقت منافسة محمومة بين «الحلفاء» و»الأصدقاء» يجمعهم هدف القضاء على «داعش» وتفرّقهم إزاحة بشار الأسد كهدف لا بدّ منه للتحرك في الاتجاهين: تفكيك منظومة الارهاب، ومعالجة الأزمة الداخلية. كانت «الحرب على داعش» عزلت روسيا تلقائياً في المربع الاوكراني، لكن الثغرات الكثيرة التي أبقتها استراتيجية باراك اوباما لـ «التحالف ضد الارهاب»، مثلها مثل الثغرات في استراتيجيته للتعامل مع الأزمة السورية، فتحت لموسكو أبواباً واسعة للعودة كلاعب دولي مكّنه الملف السوري من مصادرة مجلس الأمن وتعطيله، ومن التلاعب بمبادرات مبعوثي الأمم المتحدة، وسيمكّنه تواطؤه العميق مع ايران من التدخل في الحرب على الارهاب والتحكّم ببعض مساراتها.

فالمنطق العام الذي يخيّم على «مبادرة» روسيا و»خطّة» المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا الى سورية هو أن نظام الاسد استطاع الصمود وتجب مساعدته على استثمار «نصره» تحت ستار البحث عن حل سياسي، وأن المعارضة بمسالميها ومقاتليها تراجعت اجتماعياً وتقهقرت ميدانياً وتجب مساعدتها على «ادارة هزيمتها». وتعتقد الجهتان المبادرتان أن المساعي السابقة لوقف القتال لم تنجح لأن طرفي الصراع ظنّا لفترة طويلة أنهما قادران على الحسم، ومرّا بمراحل متقلّبة جرّبا خلالها كل ما يستطيعان، لكن الواقع ظلّ أقوى منهما. فالنظام انعطب منذ اللحظة الأولى، حين كُسِرت حواجز الخوف والصمت، ففقد رشده وصوابه وحنكته، وأسرَ نفسه في حل عسكري لن يجديه حتى لو تفوّق على خصومه. أما المعارضة فبدأت عملياً من الصفر، لا يعرف بعضها بعضاً في الداخل، ولا تراث قريباً أو تجربة جارية تستند اليهما، ولا أحد في الخارج يعرفها أو سبق أن عمل معها، فكان عليها أن تعتمد على من تيسّر من « الأصدقاء» الذين قدّم بعضهم الدعم لكنها أدركت متأخرة أن الولايات المتحدة تحكّمت بمصيرها طوال الوقت وبدّدت تضحياتها وجهدها لإسقاط النظام فانتهت بعد أربعة أعوام الى ما يشبه الضياع.

سبق للاسد أن عرض خططه لحل سياسي من داخل النظام وتحت اشرافه وقيادته، مستبقاً «جنيف 1» الذي شاركت فيه روسيا واعتبرت أن صيغته لا تتناقض مع ما اقترحه الاسد، وتبنّت ايران هذا التفسير بل صاغت «مبادرةً» لتطبيق «جنيف 1» ولم تجد سوى مؤيد واحد لها هو الاسد. كل ذلك تأخذه موسكو اليوم وتعيد عجنه موحيةً بأنها أدخلت عليه تعديلات، لكنها لا تزال واقعياً في المربع الأول من تفكيرها: فبيان جنيف (30 حزيران/ يونيو 2012) بالنسبة اليها كان يعني حواراً بين النظام والمعارضة التي يقبلها النظام، وكان الاسد ضيّق حيّز «المقبولين» كثيراً، مقصياً أولاً «معارضة الخارج» كلّها، ثم مستبعداً وزيره «المعارض» قدري جميل الذي لجأ الى موسكو، وممارساً الترهيب لمعارضي الداخل فحتى لؤي حسين «اختفى» ولا يعرف الاسد نفسه مكان وجوده (كما أبلغ المبعوث الروسي ميخائيل بوغدانوف). الجديد أن الروس يتحدثون عن مشاركة المعارضة من دون إقصاء، ويقدّمون ذلك على أنه «تنازل» وافق عليه الاسد بطلب منهم، بل يشيرون الى جملة «تنازلات» بينها قبوله ان يكون «الحوار» في موسكو وليس في دمشق (!)، وبينها أيضاً أنه لم يعد متمسكاً بخطّته التي تستغرق عشرات السنوات ولا يمانع التخلّي عن صلاحيات لا علاقة لها بشؤون المؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن، أي أنه يتفضّل على الحكومة ورئيسها بصلاحيات ادارة السياحة والزراعة والبيئة والخدمات البلدية وما الى ذلك… لكنه لن يضمن مثلاً عدم تدخل عسس الأجهزة و»الشبّيحة» في كل الوزارات كما في القضاء وملف «العدالة الانتقالية» وموجباته.

ما الذي منع الروس من دفع النظام الى هذه الأريحية في «التنازل» خلال مفاوضات جنيف؟ ثلاثة أسباب: 1) لأنها كانت أكثر تركيزاً على البحث في «هيئة انتقالية للحكم بصلاحيات كاملة»، علماً أنها استندت الى ما سمّي «جنيف 2» الذي كان ثمرة توافق روسي – اميركي وأُثبت في القرار الدولي 2118 بناء على «صفقة» التخلّص من السلاح الكيماوي من دون معاقبة الاسد على استخدامه لقتل نحو 1466 شخصاً في الغوطة الدمشقية الشرقية. 2) لأنها فرضت تمثيل المعارضة بوفد واحد من «الائتلاف» في حين أن موسكو ودمشق حاولتا اشراك وفد ثانٍ للمعارضات الاخرى بغية تشتيت المفاوضات والاشتغال على التناقضات من خلال معارضي الداخل الذين سيتجنبون أي طرح «انتقالي» جوهري مخافة التعرّض لهم لدى عودتهم الى سورية. 3) لأن «جنيف 2» تضمن عنواناً وآليةً لحل سياسي غير مناسب للنظام فوجب احباطه والتخلّص منه، ووجد السوريون والايرانيون أنه لا يزال متاحاً آنذاك استغلال مسألة «محاربة الارهاب» واللعب بها، فشَهَرها النظام كورقة لمصلحته وكشرط أولي للشروع في تفاوض لا يريده، علماً أنه كان مستفيداً مباشرةً من انتشار تنظيم «داعش» و»جبهة النصرة»…

هذه الورقة – الخدعة كانت مفيدة للنظام وحلفائه لتعطيل «جنيف 2»، لكنها تغيّرت بعدما قلب «داعش» الطاولة في العراق ثم في سورية، فأصبحت «محاربة الارهاب» مهمة تحالف دولي تقوده اميركا ويضرب في سورية محاولاً رسم خط فاصل بين «محاربة الارهاب» والأزمة الداخلية. كما يضرب في العراق بعدما فرض بعض الشروط السياسية، التي تكيّفت ايران معها لفترة، وعلى مضض، قبل أن تجد الثغرات للالتفاف عليها، تحديداً من خلال التحرك برّاً بواسطة ميليشياتها الشيعية العراقية. ولا شك في أنها تبلور حالياً ترتيبات لتكرار السيناريو نفسه في سورية، بدليل الاجتماع الأخير في طهران لوزراء خارجية «الحلف الثلاثي» (ايران والعراق وسورية) بحضور مسؤولي الأمن وأبرزهم قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني بالاضافة الى قادة ميليشيات عراقية ولبنانية («حزب الله») وفلسطينية (حماس). ثمة عنوان واحد لهذا الاجتماع وهو «القضاء على داعش»، وثمة منطلقان: 1) الحرب الحالية وسيلة لتحديد المستقبل فإمّا أن يكون الفوز لإيران (بمواكبة روسية بالسلاح والديبلوماسية) أو يكون لاميركا. و2) الفوز لإيران يعني ابقاء «التحالف» في الجو وحرمانه من قوات برية لقيادة الحرب على الأرض.

وهكذا تتضح أكثر معالم الصورة. فموسكو تجري اتصالات مكثّفة لتنظيم حوار سوري، وتقول إنها تحظى بتأييد اميركي غير معروف الشروط، وتبدو مبادرتها مكمّلة بل يقال منسّقة مع خطة دي ميستورا الذي يحاول جاهداً اظهار أن النظام لن يكون المستفيد الوحيد منها. لكن الدعم الذي يتلقاه من موسكو وطهران، والتشكيك الذي يلقاه من كل العواصم الأخرى، يشيان بأن البعد الإنساني لخطّته لا يكفي لتجميد موضوعي للقتال. فالروس والإيرانيون يريدون هذا «التجميد» كمعطى شكلي يوفّر بعض الغطاء لتمرير «حل سياسي» قريب من الصيغة التي يريدها النظام (حكومة تحت رئاسة الأسد تتضمن معارضين وتخضع لتوجيهاته)، لكنهم يريدون «التجميد» كمعطى عملي يتيح وضع قوات النظام في واجهة محاربة «داعش» برّاً، في حين أن القتال الفعلي بقيادة ايرانية سيكون لتشكيلة من الميليشيات على رأسها «حزب الله» اللبناني، تماماً كما يفعل الإيرانيون حالياً في العراق بواسطة ميليشياتهم التي تبيّن أنها أفضل قتالاً من الجيش الذي بناه الأميركيون لكن قيادة نوري المالكي أودت به الى التهلكة.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

ماذا وراء أكمة «خطة دي ميستورا»؟/ إياد أبو شقرا

الدور الناشط في مجال العلاقات العامة لمصلحة النظام السوري، الذي لعبه الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة حتى توقيفه بتهمة التآمر لإحداث تفجيرات في لبنان بالتنسيق مع علي مملوك، أحد أركان المنظومة الأمنية لنظام دمشق، برز مرتين أمام متابعي شؤون سوريا: المرة الأولى، الظهور العلني التنسيقي في باريس في آخر زيارة رسمية قام بها بشار الأسد لفرنسا. والمرة الثانية دوره المزعوم في ترتيب زيارة الكاتب والإعلامي الأميركي سيمور هيرش لأمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله.

بعد هاتين المحطتين صار سماحة يوصف بأنه أحد رجال «حلقة العلاقات العامة التابعة لنظام بشار الأسد». غير أن تداعيات ما حدث بالنسبة للمحنة السورية على المستوى الدولي أكدت بضع حقائق أخرى مهمة:

– الأولى أن النظام السوري «صندوق بريد» و«متعهد مهام خاصة» لعدة أطراف دولية يخدمها لقاء مساعدته على تحقيق غايته الوحيدة وهي غاية البقاء.. مهما كان الثمن.

– الثانية أن نظام دمشق، تحديدا في عهد حافظ الأسد، كان يدرك أولويات البقاء ويلم بمقتضيات المناورة وتحاشي قطع الرجعة مع من يستفيد من دعمهم له أو صمتهم عليه. وبالتالي، حرص على المحافظة على «صداقاته» العربية إقليميا، وإبراز شخصيات سنّية في الحكومة والجيش على الرغم من تحالفه الاستراتيجي الضمني مع إيران الخمينية.

– الثالثة أن حافظ الأسد في علاقاته السياسية في عواصم القرار الكبرى ما كان يعتمد على الطواقم الدبلوماسية العادية وقنواتها الروتينية – كما ظهر في تسريبات «ويكيليكس» – بل على شخصيات يرتبط معها بعلاقات شخصية ومصلحية، تبادل النظام الخدمات في مجالات وعلى مستويات أكثر حساسية وعمقا مما تستطيع البعثات الرسمية العادية إنجازه. وبالفعل، جنّد النظام منذ عهد الأسد الأب زمرا من رجال الأعمال والمتموّلين السوريين المهاجرين الكبار في أميركا وأوروبا، لا سيما الذين ظلت لهم مصالح داخل سوريا يحرصون عليها، وذلك ليفتحوا له الأبواب على أعلى المستويات، وينفقوا الأموال لشراء تعاون الأكاديميين ومؤسسات العلاقات العامة تحت مختلف المسميات والأدوار.

الرابعة أن إيران تتولّى اليوم زمام نظام الأسد الابن. وكان قد اتضح بعد 2005 مع سحب القوات السورية من لبنان، في أعقاب تصفية رفيق الحريري، أن ثمة «مؤسسة تحتية أمنية» أسّست وطوّرت في سوريا ولبنان مرجعيتها الحقيقية طهران، وهي التي تحكم البلدين فعليا. وبالتالي، فإن نظام الأسد الابن كان المستفيد الأكبر من قرار باراك أوباما الانفتاح على طهران والتحالف معها إقليميا، ومن جعل أوباما الإسلام السني الجهادي و«التكفيري» غريمه الأول في المنطقة. والمفارقة هنا أن الإسلام السياسي السنّي المتشدّد ما كان في يوم من الأيام عائقا في سبيل المصالح الأميركية في المنطقة، بل العكس هو الصحيح طيلة حقبة «الحرب الباردة» مع الاتحاد السوفياتي.

– الخامسة هي أن واشنطن تعرف الكثير عن دور دمشق الأسد وطهران الخمينية في تهريب «الجهاديين» إلى داخل العراق لمناوشة القوات الأميركية هناك بعد غزو 2003، وذلك بهدف التعجيل بمغادرتها الأراضي العراقية، وهذا بالضبط ما حصل. وبعدما انتهى دور هؤلاء استخدمتهم طهران ودمشق «فزاعة» لأميركا والغرب، وها هم اليوم عبر «داعش» وبقايا «القاعدة» الوسيلة المثلى لكسب الدعم الغربي، ودخول العاصمتين «الممانعتين» تحت المظلة الأميركية الإقليمية في «الحرب على الإرهاب التكفيري».

كل هذه الحقائق تشكل الخلفية اللازمة لفهم «خطة ستافان دي ميستورا» القائمة على مبدأ «تجميد» المواجهات العسكرية في النقاط السورية الساخنة لتسهيل العملية التفاوضية. «التجميد» الذي تنطوي عليه الخطة هو في الواقع ترجمة على مستوى أعلى لنهج «المصالحات» الموضعية التي اعتمدها نظام الأسد مع المناطق والضواحي والأحياء التي كان يحاصرها بالتجويع بعدما تستعصي عليه ميدانيا. ثم إن فكرة «التجميد» من بنات أفكار إعلامي أميركي – إيراني مقرّب جدا من «حزب الله» وبشار الأسد شخصيا، وهو الموكّل بملف سوريا في منظمة «التحاور الإنساني» الدولية التي تتلقى الدعم من بعض الحكومات الأوروبية المهتمة بالتحاور والتفاوض والسلام وعلى رأسها سويسرا والنرويج.

ومن الواضح اليوم أن النظام بعدما نجح، بفضل الدعمين الروسي والإيراني، في تحويل الصراع في سوريا من ثورة شعبية سلمية إلى حرب أهلية وتشريد ومعاناة إنسانية، حرّك أدواته وعملاءه ووكلاء علاقاته العامة في أميركا وأوروبا لطرح الأمر برمّته من زاويتين «إنسانيتين» هما: وقف المعاناة الإنسانية، ومكافحة التطرّف «التكفيري» الذي يهدّد الأقليات.. وفي هذا الاتجاه عُقد مؤتمر «الدفاع عن مسيحيي الشرق» في واشنطن أخيرا برعاية وتمويل من رجال أعمال وناشطين مسيحيين من أصحاب المصالح والصلات مع الأسد وطهران.

المطلعون على خلفيات مهمة دي ميستورا يشيرون أيضا إلى أسماء يصفون أصحابها بـ«مطبخ» مبادرته، بينهم أكاديميون أميركيون وأوروبيون وإسرائيليون، ورجال أعمال وعملاء نظام سوريون، وخبراء أميركيون ولبنانيون في تكتيكات التفاوض. ومن الدراسات المهمة التي شكلت أرضية مفيدة لهذه المبادرة وغيرها التقرير الذي أعده مركز بلفر للعلوم والعلاقات الدولية في معهد جون إف كيندي للدراسات الحكومية بجامعة هارفارد، بالتعاون مع جامعة ترينيتي – تكساس والمعهد النرويجي للعلاقات الدولية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، تحت عنوان «العقبات التي تعترض حل الأزمة السورية». أما القاسم المشترك بين معدّي التقرير – منهم البروفسور الأميركي ديفيد ليش القريب جدا من بشار الأسد، والبروفسور الإسرائيلي إيال زيسر الذي يتهمه البعض بـ«الصديق الفخري» للرئيس السوري في إسرائيل – فهو تعاطفهم مع النظام وتشكيكهم في قدرة المعارضة ونيّاتها، وبالذات التيار الإسلامي فيها، وتحذيرهم من المبالغة في «تبسيط» هذه الأزمة «المعقّدة».

هذه هي خلفية خطة دي ميستورا..

ولكن لا بد من القول، في الختام، إن مثل هذه المبادرات ما كانت لتبصر النور لو كانت هناك قيادات عالمية تحترم حريات الشعوب، وكانت هناك مقاربات مبدئية عاجلة وناجعة للنزاع السوري بدلا من تحويل سوريا إلى «مصيدة».. والشعب إلى السوري إلى «طُعم» لاصطياد «داعشيي» العالم!

الشرق الأوسط

 

 

 

 

من يربح حلب يربح الحرب/ موناليزا فريحة

أية محاولة جدية لوقف الحرب السورية المجنونة جديرة بفرصة. اي مسعى لوقف حمام الدم المستمر منذ نحو أربع سنوات يستحق الدعم الدولي. في ظل الانقسام المستشري في صفوف الجبهة المعارضة والنجاحات المستمرة لـ”الدولة الاسلامية” على مرأى من مقاتلات الائتلاف الدولي، وفي غياب اي أفق لحل اقليمي أو دولي لسوريا، تصير فكرة انشاء حيز آمن ولو ضيقا، الامل الوحيد لتخفيف معاناة السوريين وكسر الجمود السياسي الذي تعانيه الازمة السورية.من هذا المنطلق، يبدو اقتراح المبعوث الدولي ستيفان دوميستورا البديل الوحيد من البراميل المتفجرة ومن معاناة السوريين المحاصرين بين نارين.ولكن هل تبدو فكرة المبعوث الدولي الثالث في أربع سنوات قابلة للتنفيذ؟.

يقول السوريون إن من يربح حلب يربح الحرب في سوريا. وهو قول يعكس الأهمية المعنوية والرمزية لهذه المدينة المنقسمة والنازفة. فهل يلتزم الجيش السوري “تجميد النزاع” في المدينة وقت تحرز قواته تقدما فيها وتضيق الخناق على آخر معاقل المعارضة؟

منذ انضمت فصائل من المعارضة الى الاكراد في معركة كوباني ضد “الدولة الاسلامية” ، كثف النظام هجومه على حلب وسيطر على مناطق للمعارضة، وآخرها مخيم مرتبط مباشرة بمناطق تمتد الى الحدود التركية وتعتبر خط الامداد للمجموعات المسلحة المنتشرة داخل مدينة حلب القديمة.

اما وصف الرئيس بشار الاسد للخطة بأنها “مبادرة جديرة بالدرس” فليس كافيا لضمان تنفيذ قواته اياها. فالرئيس الساعي الى تلميع صورته يراهن ضمناً على عجز مكونات الفريق الاخر عن اتخاذ موقف موحد منها.

فعلاً، يهجس بعض الفصائل بتجربة حمص التي حولها النظام من هدنة محلية الى فرصة استسلام للمقاتلين. يخشى هؤلاء أن يقبل النظام بتجميد النزاع في حلب ليتحرر من ضغط المواجهات في المدينة وينقل معركته الى مكان آخر قبل أن يعود وينكّل بمن بقي منهم في المدينة. وفي المقابل، ثمة فصائل أخرى تعاني نقصا حاداً في العتاد قد ترحب بالتجميد.أما “جبهة النصرة” وفصائل اسلامية أخرى، فقد توعدت علنا مواصلة القتال ولن يستطيع دوميستورا ولا غيره ردعها في ظل المكاسب التي تحققها في مناطق أخرى.

يتحرك المبعوث الدولي على الجبهات المتنافسة معززا بدعم روسي وأميركي.يراهن على أن تجميد النزاع في حلب كفيل بتحريك العملية السياسية لايجاد حل طويل الامد للنزاع. غير أن ثمة من يخشى نتائج عكسية قد تكون لها آثار متفجرة على النزاع.فمع أن “السلام” في اي حرب يحتاج الى “هدنة” ما لينفذ منها، قد يؤدي استغلال النظام خصوصاً تجميد النزاع لتعزيز مكاسبه، الى انهيار الخطة ، فتتحول الهدنة مجرد استراحة محاربين قبل جولات جديدة من الاقتتال والعنف.

النهار

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى