صفحات سورية

دبلوماسية مرسي على شماعة الثورة السورية


أنور بدر

شَابَ غموض كثير، وبعض التناقض أيضاً، دبلوماسية الرئيس محمد مرسي منذ وصوله إلى سدة الرئاسة المصرية، وبشكل خاص تجاه الملفين الفلسطيني والسوري تحديداً، فبخصوص الملف الفلسطيني جاءت خطوة إزالة المعابر بين سيناء وغزة لتطرح الكثير من علامات الاستفهام، لكن مشاركة مصر منفردة بين الدول العربية مؤخراً في مؤتمر خاص عقد في الأمم المتحدة حول تعويضات اليهود الذين هاجروا من الدول العربية إلى إسرائيل بعيد نكبة عام 1948، متجاهلة دور الصهيونية العالمية في تهجير هؤلاء اليهود، ودور هؤلاء المهجرين في تهجير الشعب الفلسطيني لاحقا، وخلق مأساة اللاجئين الفلسطينيين، شكل صدمة للشارع العربي وللفلسطينيين تحديداً.

هذه الدبلوماسية التي بدأت تخطو أولى خطواتها على سجادة الدم المسفوك يومياً في سوريا شكلت مفارقات أكثر بروزاً في السياسة المصرية الجديدة، التي بدأت برفض الرئيس المصري المنتخب برقية التهنئة من نظيره السوري، معللاً رفضه بأن الأسد أصبح فاقداً الشرعية، وهم في مصر لا يعترفون إلا بشرعية الشعب الذي ينادي بإسقاط النظام، ولم يتأخر الرئيس المصري كثيرا حتى فاجأنا بطرح مبادرة ‘اللجنة الرباعية’ لإيجاد مخرج سياسي للازمة السورية يوقف سفك الدماء، على أن تتشكل من الدول الاقليمية العظمى في المنطقة، وهي السعودية وتركيا وايران الى جانب مصر.

هذا الاقتراح الذي يحيل الملف السوري بكامله إلى إطار إقليمي جديد يشمل إيران، لم يحظ بكثير اهتمام في الدبلوماسية الدولية، نظرا لموقف شبه عام فيما يتعلق بالدور الإيراني الداعم للنظام السوري، إضافة لتحفظات الدول الكبرى حول الملف النووي الإيراني، وجاء خطاب الرئيس مرسي في قمة عدم الانحياز ليعيد خلط الأوراق مجدداً مثيرا الكثير من التناقضات مع طهران حيال الموقف من الثورة السورية، إضافة لتأكيدات لاحقة أنه غير معني الآن بصدد إعادة التمثيل الدبلوماسي المقطوع بين العاصمتين.

ومع ذلك نجحت العاصمتان في تجاوز كل ما هو عالق بينهما من سوء فهم وتناقضات، واستضافت القاهرة بتاريخ 17/ 9 /2012 أولى اجتماعات الرباعية التي غابت عنها العربية السعودية، متعللة بالحالة الصحية لوزير خارجيتها الامير سعود الفيصل الذي خضع لعملية جراحية، دون أن تخفي موقفها الرافض لفكرة الرباعية، ليس من قبيل رفضها السياسة الإيرانية التي تدعم نظام الأسد بالمال والعتاد فقط، اذ سبق للسعودية أن استقبلت الرئيس الإيراني في مؤتمر القمة الإسلامية في مكة، لكنها حقيقة عكست رغبة بالتريث والشك معاً في شأن الدور الإقليمي للسلطة الإسلامية في مصر، رغم تأكيد وزير الخارجية المصري ان حكومته ستطلع المملكة على ما جرى تناوله في الاجتماع الرباعي الذي غابت عنه.

فالسعودية تدرك قبل سواها أن القاهرة التي تبحث عن دور اقليمي أضاعته في زحمة التحولات التي رافقت مجيء الإخوان المسلمين إلى السلطة، دون أن تحرز استقراراً سياسياً بعد في المستويات الداخلية والدولية، ما زالت تتخوف من تنامي الدورين السعودي والقطري في المنطقة، وأثرهما في الملف السوري، لدرجة أن تجازف باللعب على الورقة الإيرانية، مقابل استبعاد قطر من الطاولة، وابقاء السعودية طرفاً ضعيفاً في مواجهة النفوذ الإيراني، ومقابل الجسر أو الكوبري الإسلامي المضمر الذي يصل أنقرة بالقاهرة، وهو ما لن تقبل به الرياض بأية حال.

وتأتي بعض التلميحات أو التصريحات غير المباشرة، لتشكل ترحيبا من الأسد بالمبادرة المصرية حين شرح لنا مفهومه عن مثلث الاستقرار الإقليمي في حواره مع مجلة ‘الأهرام العربي’ الأسبوعية قبل أن ينكره لاحقا، إذ أراد ان يصحح ‘مفهوما كبيرا، اعتاد الناس على ترديده دون وعي، وبالذات عن مثلث الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط، ذلك المثلث الذي يشمل مصر والسعودية وسوريا هو في الحقيقة ليس كذلك’، مؤكدا ان ‘المثلث الحقيقي للتوازن الاستراتيجي في إقليم الشرق الأوسط كان دائما وسيظل مصر وسوريا والعراق’ معدلاً بذلك مقدمات وتحليلات المؤرخ البريطاني باتريك سيل بهذا الصدد. ويمكننا الجزم بأن غياب السعودية أضعف من نتائج المؤتمر كثيرا، حتى أن اجتماعات هذه اللجنة لم تُسفر عن شيء ذي معنى بخصوص الملف السوري، وهي لن تنجح في مهمتها لوقف إراقة الدماء في سوريا، لأن نظام الأسد وحليفته إيران لن يسمحا بذلك كما تواترت التصريحات العلنية بهذا الخصوص، إضافة للفيتو الروسي الصيني الذي يشكل جدار الحماية الأخير للنظام من أي قرار أممي، لكن علينا الاعتراف أن اللجنة الرباعية نجحت بإدخال إيران نادي الدبلوماسية الدولية حيث كانت موسكو قد فشلت في حجز مقعد لطهران في مجموعة العمل الدولية في جنيف، وبشكل خاص في الشأن السوري، ولعل هذا يُفسر حماسة نظام الملالي في طهران لاستغلال المبادرة المصرية، حين بدأت التصرف وكأنها ‘صاحبة الدار’ فسارع وزير خارجيتها علي أكبر صالحي إلى اقتراح ارسال مراقبين من دول مجموعة الرباعية الى سورية، بهدف منح النادي العتيد حظوظا من الوجود والشرعية على حساب المبادرات الدولية من قبل الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو حتى المبادرات العربية التي تراجعت جميعها. ثم ذهبت إيران أكثر في إعلان رغبتها ضم كل من العراق وفنزويلا المؤيدتين للنظام السوري أيضا إلى هذا المنتدى الدولي الناشئ، الذي غُيبت من عضويته كلاً من قطر والسعودية، بما يعني شطب وإهمال دورهما في الملف السوري، بل وزادت إيران طموحاتها بتحويل القمة القادمة إلى أحدى عشرية، بحيث يمكن لهذا المنتدى أن يضم مجموعة ‘البريكس: روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا’ التي سبق وأيدت النظام السوري في تصويتات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا مانع من ضم باقي حلفاء النظام السوري إن وجدوا إلى هذه مجموعة.

بالمقابل نجد أن السعودية التي حوّلت الرباعية بغيابها إلى ثلاثية عرجاء إن صح التعبير، عملت على التنسيق مع أنقرة لتعديل النفوذ الإيراني العتيد، فاستقبلت السيد إرشاد هرمزلو نائب الرئيس التركي ليعلن الطرفان رغبتهما بخصوص إنهاء ‘مأساة’ الشعب السوري ووقف ‘المجازر’ التي يرتكبها نظام الرئيس بشار الأسد ضده، هذا الشعب الذي ‘يناضل من أجل الحصول على حريته ويواجه آلة القتل والبطش من قبل النظام السوري الذي هو على وشك الزوال’ وفق تصورهما المشترك.

ورغم حضور ومشاركة تركيا في اجتماع القاهرة الأول استجابة لدعوة الرئيس الإسلامي في مصر، إلا أن رئيس مجلس الوزراء التركي طيب رجب اردوغان غاب عن اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة، مانحا بذلك الرئيس المصري مبرراً لتأجيل اجتماع الرباعية الثاني، كما صرح المتحدث باسم الرئاسة المصرية، فهل تلقى الرئيس المصري إشارات السعودية وتركيا بشأن الدور الإيراني وقرأها جيداً؟ وهل استوعب خطورة اللعب بالورقة الإيرانية؟ أم أنه مجرد إجراء تكتيكي وسيواصل لاحقا تعليق دبلوماسيته الباحثة عن دور اقليمي لها على شماعة الثورة السورية؟! تلك الشماعة التي أرهقت مبادرات ولجان ومشاريع لم تثمر حتى تاريخه إلا زيادة مستمرة في عدد القتلى والضحايا، وفي حجم الكوارث والدمار.

‘ كاتب سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى