صفحات العالم

متضامنون بلا… حساب


ديانا سكيني

أول من أمس، ترجم ناشطون مستقلون شعورهم بالحاجة الى تحرك شبابي يتضامن مع الدماء الغزيرة التي سالت في سوريا في الأيام الماضية. قرر الناشطون الذين يعبّرون في معظمهم عن انتقادات لـ 8 و14 آذار دون أن يتنكروا لأهواء يسارية متفاوتة، استخدام “الفايسبوك” لتوجيه رسائل خاصة الى عشرات من ناشطي حقوق الانسان والمستقلين المهتمين لدعوتهم الى اعتصام امام السفارة السورية في الحمرا.

سرعان ما أصبحت الرسالة التي ذيلت بطلب الإبقاء عليها سرية بين المتلقين، مدار نقاش فايسبوكي “مغلق” حيث اعرب كثر عن رغبتهم في المشاركة، فيما اعترض آخرون على شكل التحرك واعتبروا انه من الافضل التفكير بتحرك “في مكان آخر” أو “ذي أثر أكبر”.

أما المواقف التي كانت اكثر اثارة للجدل فجاءت من ناشطين قريبين من 14 آذار اعتبروا أن التحرك البيروتي سيكون عقيما إذا لم يتم الإعلان انه موجه ضد النظام السوري وضد “حزب الله” مشددين على هذا السقف كشرط لمشاركتهم في التحرك. عند هذا الحد، بدا الفرز واضحا في المواقف بين المبادرين الى الدعوة الى التحرك والقريبين من 14 آذار حيث رفض الطرف الاول اسقاط الصراع الداخلي على مبدأية التحرك الذي ينطلق من الرغبة في التضامن الحقوقي الانساني مع الشعب السوري.

وفي حين اعتقد من راقب النقاش الدائر ان التحرك المقرر في طريقه الى الفشل، فان حلول الساعة الثامنة مساء سيكشف عن تجمع قرابة الأربعين متضامنا أمام مبنى السفارة السورية، جاؤوا من دون لافتات أو أي مظاهر تشير الى توجههم للمشاركة في تظاهرة.

عدم قيام الناشطين بتقديم علم وخبر، لاعتقادهم المسبق انه سيرفض، واتكالهم على “سرية الفايسبوك” لم يمنعا تسرب الخبر الى مجموعات التظاهر المضادة التي حضرت الى المكان بعدد يوازي عدد المتضامنين. خلو الشارع من أي حضور امني لبناني سهّل انطلاق شرارة التضارب مع قيام مؤيدي النظام السوري بالهجوم على المتظاهرين، ووقوع ثمانية جرحى من الاخيرين.

الناشطون الذين قرروا التجمع أول من أمس أمام السفارة السورية كان يمكن مصادفتهم في أي اعتصام تضامني مع القضية الفلسطينية، مع انتفاضة البحرين، مع ثورات تونس ومصر وليبيا. في تحرك مدني يطالب باسقاط النظام الطائفي، باقرار مشروع حماية النساء من العنف الاسري، بمنح المرأة جنسيتها لاولادها، بخفض سعر البنزين وباصلاح احوال الاتحاد العمالي العام وغيره …

ولا شك في أن كثيرين منهم كانوا يدركون في قرارة انفسهم المترتب عن خطوتهم. فهم قرروا الذهاب للاحتجاج في المكان البيروتي الذي اعتبر حتى الآن خطاً احمر بالنسبة للمتضامنين مع الشعب السوري على الاراضي اللبنانية، من الذين سمحت لهم الخيمة الطائفية خلال الاسابيع الماضية بالتجمع والاحتجاج في مدن كطرابلس وصيدا. فيما كانت الحسابات السياسية والامنية تبعد نشاطات بيروتية في مناخ 14 آذار عن دائرة مقر السفارة في الحمرا الى سن الفيل أو وسط المدينة.

قد لا يمكن الثناء على عدم قيام الشباب بتقديم طلب العلم والخبر لتمكين الطرف الرسمي على الاقل من التأهب لتأمين الحماية لهم، لكن حادثة الثلثاء لا يمكنها إلا أن تدلل على ظاهرة شبابية مستقلة دفعتها التطورات السورية الدموية الى الاندفاع للتعبير عن موقفها المتضامن بغض النظر عن حسابات سياسية وطائفية، وبغض النظر عن معرفتها بما يمكنها ان تواجهه من اخطار اثناء التظاهر. فكم تبدو هذه الظاهرة على شيء كبير من التماهي مع ما تشهده الشوارع العربية من اندفاع شباب للتعبير والتغيير… بلا حساب.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى