صفحات العالم

متى سيتخلّى حزب الله عن الأسد؟


عبد الرزاق قيراط

انخراط حماس في تيّار الانتصار للشعب السوريّ وإرادته التي لم تتراجع منذ سنة للإطاحة بنظام الأسد أصبحت أمرا معلنا قولا بعد أن كانت بكلّ تأكيد تعاطفا شعوريّا تبرّره على الأقلّ نضالات الفلسطينيّين أنفسهم في وجه الطغيان الإسرائيلي.

جاء الإعلان في خطبة جمعيّة حاشدة ألقاها إسماعيل هنيّة في الجامع الأزهر في شكل تحيّة تقدير وتأييد :’أحيّي كلّ شعوب الربيع العربي وأحيّي شعب سوريا البطل الذي يسعى نحو الحرّيّة والديمقراطيّة والإصلاح’.

ولأنّ المصلّين هتفوا ردّا على التحيّة بالقول: ‘لا إيران ولا حزب الله..ثورة سوريّة عربيّة’ طرحنا سؤالنا الذي يقرّ بأنّ نظام الأسد مازال يتمتّع بتأييد قويّ من حزب الله. ولكنّه قد يكون موقفا قابلا للمراجعة في ظلّ التطوّرات التي تعرفها الأزمة السوريّة وتأثيراتها المتوقّعة على مجريات الأحداث. مراجعة قد تُخرج حزب الله من دائرة أصدقاء النظام البعثيّ الدمويّ إلى دائرة أصدقاء الشعب السوريّ الثائر، غير أنّ هذه النقلة ليست بالأمر الهيّن على الحزب وهو المستعدّ للتضحية بحبّ الشارع العربيّ له مقابل الصمود على نفس الموقف المساند للنظام السوريّ وتبنّي ذات القراءة التي تعتبر ما يقع في بلاد الشام مؤامرة ضدّ رموز المقاومة والممانعة.

و لأنّ حماس التي تضامنت مع الشعب السوريّ، من أعتى رموز المقاومة والممانعة، يجوز القول إنّ أحد الطرفين لا بدّ أن يكون على خطأ، والأقرب للواقع أنّ حزب الله هو المخطئ وخطأه نابع من خيار واعٍ، كما أنّ موقف حماس يدلّ على وعي مخالف دعاه إلى اختيار الصديق الحقيقيّ من بين أحد الطرفين، نظام بشّار الذي آواهم في الماضي أو شعب سوريّة الذي يبحث عن المجير والنصير في الحاضر.

في خطابه الأخير، برّر السيّد حسن نصر الله مساندة النظام السوريّ ‘بخطورة المشروع الأميركي الإسرائيلي الذي يعمل حالياً على إشاعة الفوضى في المنطقة وهي تمرّ بظروف حسّاسة’. وفي هذا الموقف قسط كبير من المنطق إذ لن يكون سقوط نظام الأسد بدون ثمن قد تدفعه المنطقة بأسرها، ولكنّ الثمن الباهظ سيقع حينها على كاهل حزب الله الذي طالما استفاد من التوازنات الإقليميّة الحاليّة فضمنت له دعما ماديّا ومعنويّا عبر النظام السوريّ، وبسقوطه سيسقط ذلك الدعم الأمر الذي يسعد إسرائيل وتروّج له عبر جريدة يديعوت أحرنوت حيث نقرأ: ‘حينما تتهاوى إيران ويسقط الأسد يخسر حزب الله أيضا سُمُوّه. فقد انتهت أيّام نشوة القوّة… وأصبح حزب الله منظّمة مكروهة في العالم العربي’.

في هذا الكلام اعتراف بأنّ حزب الله كان وربّما مازال محبوبا في العالم العربي بفضل عدائه المبدئيّ لإسرائيل وثباته بل وانتصاره عليها في حرب تمّوز 2006. وفيه أيضا تعبير عن توقّع صائب بأن يتسبّب سقوط نظام الأسد في انهيار حزب الله نتيجة موقفه الذي أنكر الثورة السوريّة واعتبرها مؤامرة خارجيّة.

بتلك الرؤية، كان المؤتمرون في ‘مؤتمر أصدقاء سوريّة’ الذي انعقد بتونس متآمرين، وبنفس ذلك الجناس اللفظيّ البلاغيّ نُظر إلى عبارة الأصدقاء طباقا مع نقيضها، فكما كان متوقّعا رفضت دمشق أعمال المؤتمر واعتبرت كلّ الذين شاركوا فيه أعداء لها، وهي محقّة في ذلك لأنّ أصدقاء سوريّة نوعان على الأقلّ: صديق للنظام تتزعّمه روسيا والصين وإيران وحزب الله، وصديق للشعب انخرطت فيه أكثر من ستّين دولة وطالبت بتأمين مسارات آمنة لدخول الإمدادات الإنسانيّة إلى المناطق المنكوبة، وعبّرت عن تمسّكها بمبادرة عربيّة ترى في تنحّي الرئيس بشّار حقْنًا لدماء شعبٍ يرغب في التحرّر من حكم أبديّ لعائلة أجرمت في حقّ نفسها وفي حقّ شعبها.

و لأنّ أصدقاء الأسد من القوى التي تحمي نظامه سيتناقصون يوما بعد يوم، ولأنّ روسيا نفسها ـ وحين تقتضي مصالحها _ ستتخلّى عن دمشق كما تخلّت عن بغداد وخذلت صدّام حسين، نأمل أن ينخرط حزب الله عاجلا وقبل فوات الأوان ضمن حلقة الأصدقاء الذين يرغبون في نصرة الشعب السوريّ، ولن يكلّفه ذلك نفس الحجم من الخسائر التي قد تنجرّ عن مساندة مستمرّة لنظام الأسد حتّى سقوطه. على العكس من ذلك، حين ينضمّ حزب الله إلى أصدقاء الشعب السوريّ المضطهد سيظلّ محبوبا لدى كلّ الشعوب العربيّة، وسيقطع الطريق على أحلام إسرائيل التي تتمنّى زواله مع سقوط بشّار. ولعلّه بذلك الموقف سيساعد الرئيس السوريّ بشكل أفضل حين يمنعه من مواصلة السير في طريق القتل والتصفية.

ولجبران خليل جبران اللبنانيّ مقولة حكيمة في معنى الصداقة تؤيّد ما ذهبنا إليه حيث يقول: ‘إذا أوضح لك صديقك فكره فلا تخشى أن تصرّح بما في فكرك من النفي، أو أن تحتفظ بما في ذهنك من الإيجاب’.

تلك هي نصيحة جبران التي نتمنّى أن يعمل بها السيد حسن نصر الله مع الأسد، ليكون حزب الله بذلك الموقف صديقا حقيقيّا لسوريّة قيادة وشعبا.

‘ كاتب تونسي

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى