صفحات الثقافة

مثقفون ساهموا بتعميم هذا الخوف

مبدعون يناقشون دوره في الحياة العامة

الجزيرة نت-خاص

ما إن اندلعت حركة الاحتجاجات في سوريا، حتى اختفى العديد من المثقفين السوريين من على مواقع التواصل الاجتماعي وأبرزها الفيسبوك وتويتر، وهرب كثيرون من التوقيع على البيانات العديدة التي صدرت لإدانة ما أسماها معارضون “وحشية” النظام السوري في تصديه وقتله للمحتجين العزل.

اعتقالات واسعة طالت العديد من المثقفين الناشطين والمتضامنين مع المحتجين، وكان من أبرزهم الشاعران السوريان عمر ادلبي ومحمد ديبو اللذان اعتقلا ثم أفرج عنهما فيما بعد.

هذه الممارسات وغيرها أكدت أن النظام السوري لا يتقبل فكرة الاعتراض على سياساته، وربما أعلن بعض المثقفين بعد حركة الاعتقالات -صراحة- وقوفهم في صف النظام بصورة مستفزة، في حين حمل آخرون أكفانهم على أكفهم وهم ينددون بجرائم نظام الأسد في درعا، وتعذيب وترهيب النساء والأطفال في مدن سورية أخرى.

الجزيرة نت تستطلع في السطور التالية آراء عدد من المثقفين السوريين في الداخل والخارج حول غياب المثقف السوري في الداخل، هل هو خوف من بطش النظام أم مهادنة؟ بحث عن طريق للسلامة أم سياسة صمت تنتظر لحظة الحسم؟

طبل النظام

الكاتبة والروائية السورية المقيمة في لندن غالية قباني تستعير في بداية حديثها عبارة للمفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، يقول فيها “إن أولى نزعات الاستقلالية والتحرر لدى المثقف هي قدرته على خلق الظروف المواتية التي تسمح له بقول الحق في وجه السلطة، واستعداده لتحمل عواقب هذا الموقف”.

“التهرب من العواقب” دفع قباني للقول “ضبطنا قبل شهرين حالات في مصر من هؤلاء المثقفين الذين بدؤوا بفك ارتباطهم مع الثقافة والشعب معا للدخول في فرقة الترفيه عن السلطة والترويج لأفكارها معاً.. بقيت نسبياً في حدود ضيقة، وها نحن الآن نضبط حالات فاقعة جداً في سوريا”.

صاحبة رواية “أسرار وأكاذيب” تتوقع أن الآلاف من العرب لاحظوا هذا “العار المستشري” بين بعض أفراد النخبة المثقفة، تحديداً بين الفنانين (ليس كلهم)، إلى حد أنها تزاود على خطاب السلطة نفسه وتبدع في تأليف الحكايات عن مخلوقات غير مرئية تقتل الشعب والجيش معاً وتثير الطائفية في البلد.

وترى قباني أن أفراد هذه الفئة من إعلاميين وفنانين وكتاب وأكاديميين، هم “شركاء في المجازر” التي حدثت بذريعة “محاربة جماعات مسلحة” و”المندسين” و”السلفيين”، وكلها تشير إلى كائنات وهمية لم تعلن عن نفسها ولا رآها المتظاهرون الذين لم يلتقوا بغير “الشبّيحة” ورجال الأمن يعتلون أسطح المباني الرسمية ويقنصون الشباب.

“لقد أبدعت هذه المجموعة من المثقفين في خيانتها لشعبها وتطبيلها لنظام سيذهبون بذهابه لا محالة، بعدما وقفت معه تتفرج على اعتقال أطباء ومهندسين ومحامين وناشطين حقوقيين وكتاب وصحفيين وشباب وأطفال وكبار سنّ.. نظام يقتل المتظاهرين المسالمين ويوجه اتهاماته لابن الثمانين ولابن الثمانية على حد سواء”، تضيف قباني.

خيانة الفنان

وتعتقد أن هؤلاء الفنانين قدموا النسبة الأكبر من هذا الاستعراض المخجل، واضعين أنفسهم في خانة “الفرجة” عليهم، وهم ينهارون أخلاقيا بعدما كانوا يقدمون لهم موضوعات عن الفساد والتسلط واستغلال المنصب الرسمي والقمع..إلخ، وظهروا ليكذبوا أنفسهم بفرجة أخرى مخزية.

وتتفهم قباني “من يصمت” ويبقى موقفه محسوبا على سمات الضعف الإنساني، والخوف “في بلادنا” مقيم في النفوس ومتجذر، وليس سهلا اقتلاعه، لكنها وغيرها لن يغفروا لمن شدّ على الأيدي الملوثة بدماء شعبها، وبرر لها وصفق، فهو يخون دماء الشهداء ويحتقر جثثهم المرمية في الشوارع لأيام.

و”خيانة” هؤلاء لا تتوقف عند “خيانة الأهل” فحسب وفق قباني، بل تتجاوزها إلى خيانة الحريات والكرامة البشرية وغيرها من مصطلحات كان يرددها “الخائنون” دون أن يعوا معناها أو ربما يقصدوها، فقط لأنها كانت من كليشيهات تلك المرحلة.

“وصلت الوقاحة بالبعض أنه خوّن زملاءه الذين وقعوا على نداء لرفع الحصار عن درعا، وإيصال الحليب والغذاء إلى أهلها وأطفالها، ووصف البيان بأنه أشبه بتوجيه الرصاص! أي مرجعية أخلاقية يرجعون إليها وهم يهرجون ويرددون هذا الكلام؟! لا أدري!”، تختم قباني.

حسين حبش: عجائب المثقف

الشاعر السوري المقيم في ألمانيا حسين حبش يؤكد “خشية” المثقف السوري من آلة القمع الرهيبة ومن بطش النظام الذي يضرب في كل مكان، ويجعل كل المواطنين سواسية في ترهيبه وبطشه وقمعه الذي لا يفرق بين كبير وصغير باستثناء أعوانه وبصاصيه ومخبريه.

ويلفت حبش إلى أنه من حق المثقف أن يخاف، لكن ليس من حقه أن يخرس ويهادن ويراوغ ويجد المبررات لنفسه بهروبه أو وقوفه في المنطقة الرمادية، أو الحياد التام وسط كل هذا الدم الطاهر والبريء الذي يراق برصاص أجهزة الأمن و”الشبيحة” ومن شابههم، تحت حجج واهية لا تنطلي على أحد.

تنطبق “الرمادية” بحسب حبش على المثقفين الذين “يغمغمون” فقط، ولا يُعرف ما يقولون كأنهم أصيبوا فجأة “بعقدة التأتأة” و”اللعثمة المقيتة”.

“من غرائب المثقف السوري أنه بدأ “بطلاً” مع ثورات الشعوب العربية وعلى رأسها ثورتا تونس ومصر العظيمتين، وعبر عن فرحه وغبطته ورأيه بهما بكل حماس ووضوح لا ريبة ولا شك فيهما، لكن عندما بدأت ثورة الشعب السوري -أي ثورة شعبه- بدأ بالتواري والاختفاء وإيجاد الذرائع الكاذبة للتهرب من المسؤولية”، يضيف حبش.

هالة العبد الله: لماذا هذا الصمت؟

السينمائية السورية المقيمة في لندن هالة العبد الله ترى أن موقف المثقفين السوريين ظاهريا “متشابه”، لكن أسباب صمتهم “مختلفة”، فهناك من يخشى على “ضياع” مكاسبه، ومنهم من يخاف على مستقبل تغتاله التنظيمات المتطرفة دينياً، وآخرون يخشون بطش السلطة، وغيرهم يخاف التغيير، وبعضهم يخشى المجهول.

وهناك من يفزع “لفكرة أن الشارع سبقه”، وفئة تفضل الانتظار والصمت، يضاف إليهم فصيل آخر من المثقفين أخذ وجهاً غريباً وغير مفهوم في مثل هذه الظروف، ورغم كل هذا ليس بيدي إلا أن أتساءل: لماذا هذا الصمت؟

تمام التلاوي: المثقف السوري مرعوب بكل ما تحويه الكلمة من معنى

التخوين والرعب

الشاعر السوري تمام التلاوي قال “يمكن اختصار حالة المثقف السوري في الوقت الراهن بكلمة واحدة هي: الرعب”.

المثقف السوري مرعوب بكل ما تحويه الكلمة من معنى وفق التلاوي، ولهذا الرعب عدة وجوه حسب رأيه، فهناك المثقف المرعوب الذي يخشى المجاهرة برأيه لكي لا يكون مصيره الاعتقال، كما حدث مع العديد من الكتاب والصحفيين والشعراء الذين اعتقلوا لفترات متفاوتة, فمنهم من خرج مثل محمد ديبو وعبد الناصر العايد وعامر مطر، ومنهم من لم يخرج حتى اللحظة كفايز سارة ومنهل باريش وغيرهما من الحقوقيين والناشطين.

التلاوي أشار كذلك إلى المثقف المرعوب من التبعات الأخلاقية جراء اتخاذ موقف ما، قد يأخذ بلدا مثل سوريا ذات الطوائف المتعددة إلى حرب أهلية أو انقسام, وهذا النوع من المثقفين يحاول إعلاء صوته الآن داعياً إلى التعقل والحوار بين السلطة والمعارضة ومختلف وجوه وفعاليات المجتمع السوري للوصول إلى نقطة تتلاقى عندها جميع الأطراف.

يفسّر التلاوي خوف هؤلاء المثقفين من مغبات انقسام سوريا أو الدخول في صراعات أهلية لن تصب في النهاية إلا في مصلحة “إسرائيل”, بالنظر إلى موقع سوريا الجيوسياسي الحيوي المعقد والمهم في المنطقة, واضطراب الأوضاع بها سينعكس مباشرة على كامل المنطقة.

“الصوت الوسطي” غالباً ما يضيع في زحمة الصراخ وتبادل الاتهامات والتخوينات بين المعارضة الداعية إلى “إسقاط النظام” من جهة، والنظام ومؤيديه من جهة أخرى”، يوضح التلاوي.

سخرية سوداء

“قراءة” التلاوي “المعقلنة” لواقع سوريا لا يسوّغ الصمت إزاء ما يجري على حد قوله، مستشهداً ببيان لمائة مثقف سوري -غالبيتهم من داخل سوريا- يدعو إلى نبذ القمع الذي يزيد الأمور تعقيداً ودموية ويدعو السلطة إلى الحوار, وكان هو أحد هؤلاء الموقعين, رغم معرفته بمقدار المجازفة.

“المجازفة” تستلزم التذكير “بمنع” المثقف السوري من الكلام حتى على صفحته الشخصية في الفيسبوك، ولا ينسى التلاوي الإشارة إلى رسائل تخوينات وشتائم وتهديدات بالقتل أو الاختطاف تصل المثقفين من قبل مؤيدي النظام, والأمثلة كثيرة.

حسين سليمان: الزمام الآن بيد الشعب وانتهى مؤقتاً صوت المثقف

الصدمة الأولى

الكاتب والناقد السوري المقيم بالولايات المتحدة حسين سليمان شدد على أن اختفاء المثقف السوري عن إبداء رأيه حيال ما يحدث الآن في بلاده هو دليل على “اختفاء” الحرية.

هذا الاختفاء يستدعي تذكير سليمان بتجارب المثقفين السوريين في السجون والمعتقلات وما ذاقوه من هوان وذل، لكن ذلك لا يُخفي أن “المثقف السوري أو المواطن السوري وطنيّ يعشق الحرية ويعشق العروبة، وأن الجو الستاليني المهيمن على البلاد سلبه العقل وأنبت داخله الخوف الذي تخلقه أجواء المعتقلات الدموية”.

“خوف” المثقف السوري ليس تعبيراً عن مهادنة أو “اختيار” للسلامة، إنما هو يقيس ويحسب: إن كان صوته حين يقول “لا” سيفعل أثراً، فسيقولها، وإن كان لن يترك أثراً فسيصمت، يضيف سليمان.

وفق “القياس والحساب”، المثقف السوري الآن في حيرة الصدمة الأولى وبداية التحرر من الخوف، يرى سليمان الذي يدلل بتعليقات الصديق الشاعر منذر المصري في الفيسبوك وتلميحات الكاتبة والناشطة د. مي الرحبي والصديق الكاتب ياسر الظاهر وغيرهم ممن تحرروا من الخوف الأولي، لكنهم “لا يرقصون” بل “يحجلون” كما يقول المثل السوري.

“الحجل” -بحسب سليمان- يفضي إلى القول “لقد قدم المثقف السوري واجبه، ولنا مثل في عارف دليلة وفرج بيرقدار وآخرين كثر.. الزمام الآن بيد الشعب وانتهى مؤقتاً صوت المثقف، لأن صوته الآن قد اخترق منذ أزمان العقل وذهب نحو أعماق النفس السورية وقال لها ما عليها أن تفعله”.

الجزيرة نت

 

حروب المثقفين السوريين مستمرة

سهولة التخوين .. صعوبة الصمت

الجزيرة نت-خاص

أفرزت الأحداث الأخيرة في سوريا حالة انقسام شديدة بين المثقفين السوريين في الداخل والخارج، وبدأت حروب التخوين والاتهامات بالعمالة تطلق في كل الاتجاهات.

ولم يزل التراشق بالاتهامات مستمراً بين المثقفين السوريين الذين أدانوا المجازر اليومية ضد المحتجين من قبل النظام السوري، وبين المثقفين والفنانين الذين صمتوا وتغيبوا عن أحداث بلادهم.

الجزيرة نت تستطلع آراء عدد من المبدعين السوريين في الداخل والخارج حول أسباب غياب كثير من أصوات المثقفين السوريين في الداخل، وما إذا كان هذا الغياب سبباً في الاتهامات الكثيرة من البعض للبعض الآخر بالتخوين والعمالة، هناك من التمس العذر لمن صمتوا وتغيبوا، وهناك من رأى أن الصمت على ما يحدث الآن لا يمكن إلا أن يكون جريمة.

حسابات إنسانية

الشاعر السوري خلف علي الخلف، وهو صاحب ومدير موقع جدار الإلكتروني، يشدد على عدم انعزال المثقف السوري عما يحدث في بلاده حالياً، ويقول “الذين كانوا يتحدثون من قبل مضوا في نسقهم، بل رفعوا سقف مطالبهم عالياً حتى لامس سماء الوطن، هؤلاء كانوا ومازالوا شجعاناً لم يقصروا حديثهم كي لا يدخلوا السجون حتى في أحلك الفترات”.

ويفرق الخلف بين أنواع هؤلاء المثقفين، فهناك “نوع من الكتاب الذين كانوا يستفيدون من كل مكاسب النظام ومن موائده، ويتحدثون كمعارضين أو حتى يقدمون أنفسهم كمعارضين، هؤلاء انكشفوا ليس لأن حديثهم تغير، ولأنهم ما زالوا يتحدثون حتى الآن عن الوطن وعن الإصلاح وعن ضرورة مكافحة الفساد وهذا الكلام العائم، لكن النظام أجبرهم هذه المرة أن يكون موقفهم واضحاً ضد هذه الثورة”.

ويؤكد أن هؤلاء “خرجوا بالرطانات نفسها التي كانوا يكذبونها ويسخرون منها عندما كانت تتعلق بمصر، من تسفيه الحكاية السلفية إلى تسفيه حكاية القناصة والعصابات المسلحة، لكنهم في سوريا يصدقونها لأن نظامهم اخترعها لهم ولأمثالهم، هؤلاء لم يكونوا مع الشعب يوماً ولا مع الوطن، بل كانوا دائماً مع مصالحهم، والقائمة طويلة ويمكن لي أن أعدد لك أسماء كثيرة من قوائم العار هذه”.

ويضيف أن هناك حسابات إنسانية يمكن تفهمها، فلا يوجد مدى يمكن تخيله للحدود التي قد يبلغها القمع الذي يمارسه النظام “وأريد من هؤلاء النزيهين الصامتين أن يرفعوا أصواتهم، لأن الصمت عما يحدث في درعا غير مبرر وغير أخلاقي، بغض النظر عن رفع الصوت ضد النظام من عدمه، وكل من يصمت عن ذلك فهو شريك في الجريمة”.

من جهته اعتبرالشاعر السوري المقيم بالسويد فرج بيرقدار أن صمت المثقف السوري في الداخل ليس دائماً نتيجة للخوف أو المهادنة، بل “هناك مثقفون لا يخافون على حياتهم بل على الثورة، ولهذا فقد آثروا التخفّي والعمل الميداني والإعلامي، وهؤلاء للأسف قلة، ولكنها فاعلة ومؤثرة، يضاف إليهم مثقفون وفنانون يدينون ممارسات النظام بطريقة هادئة ورصينة كما رأينا في بيان السينمائيين السوريين وانضمام سبعمائة سينمائي عالمي في التوقيع على بيانهم”.

ويضيف “هناك بالطبع آخرون يخشون على حياتهم، وأحياناً على مصالح رخيصة وآنية، ونوع ثالث تأخذه ديماغوجيا النظام وأحاديثه عن الممانعة والمقاومة وإسرائيل وأميركا، فينحاز لطاحونة النظام وخطابه، ويمكننا في الواقع إضافة نوع رابع يتخوّف من أن يكون البديل حكماً إسلامياً سنياً، يمكن أن يتهدد الطوائف والمذاهب والأديان المختلفة”.

فزاعة الحرب

الشاعر السوري حسين الشيخ، وهو محرر موقع صفحات سورية ويقيم في فنلندا، شدد على ضرورة تأمل المرحلة التي شهدت إفراغ المجتمع السوري من كل مقوماته السياسية في الستينيات والسبعينيات، ثم المواجهات الدموية بين الإخوان المسلمين والنظام، ثم معاناة هذا الجيل خلال حقبة الثمانينيات من أهوال المقاطعة الاقتصادية والعزلة عن العالم، وإمعان النظام في قمع كل مظاهر المجتمع المدني، وتجفيف مصادر الحياة السياسية في البلاد، قطعاً للطرق على أي تحدٍ جديد للسلطة. ثم يضيف قائلاً “من عايش كل ذلك بقيت في ذهنه ذكريات من الخوف لا تمحى، وعشش في داخله رقيب ذاتي يشله أحياناً عن التفكير، فما بالك بالفعل”.

ويستطرد الشيخ “الدولة في سوريا وعبر أكثر من أربعين سنة اعتمدت سياسة إخافة المواطنين من خطر الحرب الأهلية بين الطوائف والمدن، وتركز هذا بشكل كبير بعد أحداث الثمانينيات، ومن ثم اعتمد النظام سياسة إخافة المواطنين من بعضهم البعض، وإخافة الخارج العربي والعالمي من تبعات أخطار التقسيم، هناك مثقفون ساهموا بتعميم هذا الخوف وشاركوا النظام في ذلك”.

وهناك وفق الشيخ نموذج المثقف الجبان الخائف الصامت، وأيضا نمط من المثقفين، يتميز بأنانيته وقلة إخلاصه وترفّعه الكاذب على السياسة، وخاصة “تماهيه السهل مع الأقوياء”.

ويشير إلى أن الشعب كسر حاجز الخوف اليوم، ولكن جزءاً من النخبة المثقفة لم تفعل، ولم تتحرك ضمائرها رغم كل المذابح التي يرتكبها النظام السوري بحق شعبه في كل المناطق وعلى رأسها مدينة درعا الباسلة. أما حين يرفع شعار الولاء مرجعاً أساسياً، يكتسح أشباه المثقفين المشهد حينها، ويحتلّون مواقع القرار التي تتحكّم بالإنتاج الثقافي.

 

الكاتب والشاعر السوري حازم العظمة والمقيم داخل سوريا، اعتبر بداية أن “المثقف، والمثقفون” كلمات في هذه الأيام تستعمل في الشتائم أحياناً، أو تعطى حجماً أكبر مما تحتمل، أو تحمّل تبجيلاً لا أساس له في كثير من الحالات، ومن ثم يطالَبُ “المثقفين” بموقف خاص، لعل هذا محق، وأن مطالبتهم بموقف تعني مطالبتهم بمصداقية ما قالوه وما كتبوه.

يضيف “المثقفون ليسوا جهة ولا حزباً، هذا أكيد، لكنني أيضاً أقول إن من كان يقول أفكاراً كبيرة عن الإنسانية والشعب والحرية عليه أن يعطي ذلك مصداقية الآن.. وإدانة المجازر هي الحد الأدنى”.

للخوف وجوه

من جهته لفت الكاتب والصحفي السوري المقيم في باريس وليد خليفة إلى أن “كل من تحدث في سوريا من جيلنا تم سجنه وتعذيبه من قبل، لدرجة أننا خرجنا من السجون لا نستطيع أن نتوازن، وأنا واحد من الذين يعانون من آثار السجن السوري الرهيب على كل المستويات، جسدياً ونفسياً”.

ويضيف أن الذين تجنبوا السجن واختاروا طريق السلامة في سوريا وانضموا إلى النظام منهم شكليا لتجنب أذاه، ومنهم من اختبأ خلف مفهوم التقية، لكن أحداث اليوم جعلت الغالبية تعود إلى صف الناس والدفاع عن الحرية، ولكنه “همس” لم يتحول بعد إلى فعل إلا على مستوى ضيق، حيث إن للخوف وجوه كثيرة ومرعبة في سوريا، أملي كبير بأن سوريا ستعود للسوريين إن عاجلاً أو آجلاً”.

ولا تخفي الكاتبة السورية المقيمة في باريس مها حسن من تقسيم المثقفين السوريين أو تصنيفهم في قوائم، وقالت “لأنني أربأ بنفسي الانزلاق إلى حالة الحرب الراهنة بين المثقفين السوريين، فإنني لا أستطيع وضع اختفاء صوت المثقف السوري جميعه في خانة واحدة، ولا أستطيع تخوينه”.

وتؤكد أن ثمة أسبابا كثيرة لهذا الغياب، وإن كنتُ لا أغفرها، مهما كانت قوة إنسانيتها سبباً للغياب، ثمة المثقف الخائف، وثمة المثقف المنتفع، وثمة المثقف البلطجي، وثمة المثقف اللامبالي، واللائحة طويلة.. هناك من يخشى على حياته، فمن يخشى على حياته عليه أن يعيد النظر في نفسه ومكوّناته النفسية، ومن يهادن أيضاً سيجد الطرق مسدودة أمامه، لأن ثمة “ضميرا” و”أخلاقا” في صمته، يغيبان معه.

تشدد صاحبة رواية “حبل سري” في حديثها على ضرورة أن يكون المبدع متسقاً مع نصه، فتقول “أعتقد أن الموت، ومشهد الجثث والدماء، واستغاثات الرعب، كلها جرس إنذار، إن لم يستجب لها المثقف، وإن أدار ظهره لها، فإن كتابته النظرية لا قيمة لها، لا أؤمن بنص تجريدي عن الجمال والحب والخير والمعرفة و..، في غياب هذه القيم عن شخص مُطلقها أو القائل بها. في النهاية، لم أعد أؤمن بفصل النص عن صاحبه، لا للنص حين يكون صاحبه غير معنيّ بالإنسان”.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى