حسين الشيخصفحات الثقافةصفحات سورية

مثقفون من بلاد يسكنها الخوف


حسين الشيخ

تلقيت الأسئلة التالية من الصديق عماد فؤاد: وسؤالي هو: لماذا يختفي المثقف السوري في داخل سوريا في هذه الأوقات؟ هل يخشى على حياته؟ هل يهادن؟ أم يختار طريق السلامة؟ كيف ترى غياب صوت المثقف السوري في هذه اللحظات المصيرية؟

وكانت اجابتي على تساؤلاته فيما يلي:

الأسئلة التي طرحتها والتي تبدو بسيطة في ظاهرها، هي في الأصل أسئلة معقدة للغاية تستوجب أولا الإطلاع على ما يجري في سورية بشكل دقيق

تأمل الجيل الذي شهد تفريغ المجتمع السوري من كل مظاهر السياسة في الستينات والسبعينات، ثم المواجهات الدموية بين الأخوان المسلمين والنظام، ثم عانى خلال حقبة الثمانينات من أهوال المقاطعة الاقتصادية والعزلة عن العالم، وإمعان النظام في قمع كل مظاهر المجتمع المدني وتجفيف مصادر الحياة السياسية في البلاد، قطعاً للطرق على أي تحدٍ جديد للسلطة، من عايش كل ذلك بقيت في ذهنه ذكريات من الخوف لا تمحى، وعشش في داخله رقيب ذاتي يشله أحياناً عن التفكير، فما بالك بالفعل.

الدولة في سورية وعبر أكثر من أربعين سنة اعتمدت سياسة أساسها إخافة المواطنين من خطر الحرب الأهلية بين الطوائف والمدن، وهذا تركز بشكل كبير بعد أحداث الثمانينات، ومن ثم اعتمد النظام سياسة إخافة المواطنين من بعضهم البعض، وإخافة الخارج العربي والعالمي من تبعات أخطار التقسيم إذا حدث ما يمس مصير النظام بشيء، اعتقد النظام بأن خوف الشعب بعضه من البعض الآخر، وتخويفه بالحرب الأهلية بسبب الانقسامات المذهبية او الجهوية، سيعطل إرادته ويشله عن القيام بأي مبادرة عملية.

هناك مثقفين ساهموا بتعميم هذا الخوف، وشاركوا النظام في ذلك، شاركوا في نشر الجهل والتشاؤم وحراستهما كما أشار ياسين الحاج صالح في إحدى مقالاته اللافتة، جهل الناس لواقعهم، وجهلهم لبعضهم، وتالياً انعزالهم عن بعضهم وانعدام الثقة في ما بينهم. الخوف هو البيئة النفسية المناسبة لانتشار الهستيريا والخرافات والفاشية. هناك أيضا نمط المثقف المنتشر اليوم في سوريا. أنانيته وقلة إخلاصه، ترفّعه الكاذب على السياسة، وبخاصة تماهيه السهل بالأقوياء، أو بالأصول.

هناك أيضا مثقفين يلعبون بالكتابة كي لا يورطوا أنفسهم بأي قضايا خطرة، يكتبون في العموميات، مواقفهم  تبدو غائمة ويفضلون التمرغ في “أحاييل المعنى الآمن، القابل دائماً للتأويل الآمن.” كما أشار صبحي حديدي إلى ذلك في مقالة “الشاطر حسن” اللافتة، هؤلاء الذين يفخرون بأنهم متحررون من كل قيد أو التزام بأية قضية. هؤلاء يمارسون  ‘شطارة’ التخفي أثناء الإصطفاف على هامش قطبَيْ العزلة والإنحياز، بدل انتزاع موقف نقدي يليق بمثقف لا يليق به أن يكون واحداً من اثنين: صانع إجماع محايد، أو بائع كليشيهات وحقائق مسبقة الصنع، على حدّ تعبير إدوارد سعيد.

هناك نموذج المثقف الجبان الخائف الصامت،  الشعب كسر حاجز الخوف اليوم ، ولكن جزءا من هذه النخبة المثقفة لم يفعل ، نخبة لم تتحرك ضمائرها رغم كل المذابح التي يرتكبها النظام السوري بحق الشعب السوري في كل المناطق وعلى رأسها مدينة درعا الباسلة. حين يرفع شعار الولاء مرجعاً أساسياً، يكتسح أشباه المثقفين المشهد حينها، ويحتلّون مواقع القرار التي تتحكّم بالإنتاج الثقافي، وهذا صحيح تماما في الحالة السورية.

إلا أنه وإنصافاً للحق، كسرت قلة من المثقفين صمت عموم النخبة، بيان إدانة للممارسات القمعية للنظام السوري الذي وقعه حوالي 112 كاتبا وشاعرا ومثقفا سوريا،

انظر الرابط التالي:

http://www.alsafahat.net/blog/?p=34215

النداء الذي أطلقه سينمائيين سوريين ووقعه أكثر من 800 سينمائي على مستوى العالم، يصب في هذا الإطار أيضا، ثقافة المقاومة، الثقافة التي تنحاز لمطالب شعبها. استقالة عدد من الأدباء من عضوية اتحاد الكتاب احتجاجاً، ظهور الكثير من المقالات لكتاب وأدباء سوريين مثل الروائية سمر يزبك والتي تعرضت للمضايقات ووجهت لها تهم مثل التآمر على الوطن، شنّها عليهم «زلم» الأمن وأتباعهم من «الشبيحة» ، الكاتبة خولة دنيا، منذر بدر حلوم، على سبيل المثال لا الحصر وكتب آخرون تعليقاتهم على صفحات «الفايسبوك». اعتقل بعضهم وتعرض آخرون للمضايقات، بالنسبة لي فان إدارة موقع مهم مثل موقع “صفحات سورية” منذ 2005 حتى الآن

Home

شكل على الدوام تحديا عميقا لي ، عملا متواصلا لا يكل ولا يمل لرصد خطاب المعارضة والناس في الانتفاضة السورية، اليوم هذا الموقع يعتبر من أكثر المواقع شهرة ومتابعة، فيما يخص الشأن السوري الثقافي والسياسي.

الشارع السوري تجاوز مثقفيه بمسافة كبيرة. الكثير منهم يعيشون خارج التاريخ. وكثيرون منهم أيضاً دفعوا أثماناً غالية في زمن كان يعز فيه الكلام. الصامتون بعضهم دفع الفاتورة مسبقاً، بعدما نبه إلى مجتمع يبنى بطريقة ستأخذه يوماً ما إلى طريق مسدود. وبعضهم مجرد ديكورات جميلة. الأمر في غاية الصعوبة بالنسبة للمثقف السوري الواقع بين فكَّي كماشة، إلا أنه بالنهاية فرد من مجتمعه، وبينما يتكلم هذا الفرد ويكتب هناك أفراد يخاطرون بأرواحهم في الشارع ويقتلون، هناك المئات من المفقودين، وآلاف المعتقلين، هناك مئات الآلاف الذين يتظاهرون يوميا من أجل الحرية والكرامة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى