صفحات الناس

أسطوانة الغاز.. محور حرب النظام السوري/ أحلام حسين

 

ليس من الغرابة أن تحتل أسطوانة الغاز، الجزء الأكبر من الحديث عن السرقات، التي طالت مقتنيات السوريين، في المناطق التي تداهمها قوات النظام. فقد عُرِف منذ زمن بعيد مصطلح شعبي هو “حرامي قناني الغاز”، في إشارة إلى أي لص يدان بسرقة البيوت. العُرف الشعبي استخدم ذلك المصطلح، كنوعٍ من العقاب أو العزل الاجتماعي، الذي يمارسه الناس ضد اللصوصية.

بعد الثورة، دفع النظام بجنوده وأعضاء لجانه الشعبية، ومواليه المسلحين على مختلف أشكالهم، لنهب ممتلكات السوريين الثائرين ضده. مصطلح جديد دخل القاموس السوري لوصف هذا النوع من الاستباحة للممتلكات: “العفّيشة”. وعلى الرغم من التنوع في المسروقات، إلا أن اسطوانة الغاز احتلت الأولوية في قائمة الأشياء المرغوب في الاستيلاء عليها.

فما هي الأسباب التي جعلت من أسطوانة الغاز محور اهتمام اللصوص؟ وكيف حدث هذا التحول الخطير في القيم الأخلاقية لمجتمع كان يعتبر السرقة، وخاصة “سرقة البيوت”، من الكبائر؟

ويذكر هنا، بأن النظام سعى، منذ أيام الثورة الأولى، إلى افتعال أزمة لمادة الغاز، وخلقها كحاجة دائمة لدى الناس. عمل على ذلك، من خلال جعل الغاز مادة خاضعة للتقنين؛ بحصر منافذ بيعها، وتخصيص عبوة واحدة في الشهر لكل أسرة، تُمنح بناءً على “كوبون” مسجل في بلديات المناطق الواقعة تحت سيطرته، أو الشًعب والفرق الحزبية. مع الوقت، تضاعف ثمن تبديل عبوة الغاز، حتى بلغ خمسة أضعاف ما كانت عليه قبل الثورة. وصار الحصول على عبوة فارغة حلماً صعب المنال.

كما حرص النظام، على استمرار بث “كليشيه” إعلامية عن استهداف منشآت وأنابيب نقل الغاز الواصلة إلى المناطق، من قبل المسلحين، حتى قبل بدء الأعمال العسكرية بزمن طويل. كما حرص على استمرار نشر الإشاعات عن عمليات تُستهدف فيها المناطق غير الثائرة على وجه الخصوص، لتكريس اقتناع لدى الأهالي فيها؛ بأن المحتجين يقومون باستهداف أمن الناس ويهددون عيشهم. مما ساهم في خلق تنبيه دائم بالأزمة، بينما كانت تلك الإشاعات تهدف إلى تبرير التقصير في إنتاج مادة الغاز، كما يشير أحد المحللين الاقتصاديين لـ”المدن”.

ويشير المصدر الاقتصادي لـ”المدن”، إلى أن انقطاع الغاز من الأسواق وغلاء ثمنها، جعل منها رهينة للسوق السوداء، وبورصة رابحة لمحتكري المادة بالتعاون مع جهات نافذة. حتى باتت اليوم اسطوانات الغاز تباع على بسطات شوارع دمشق بشكل علني. وأصبح ثمنها خاضعاً للـ”العرض والطلب”.

الاقبال على سرقة اسطوانات الغاز، يعود في جزء منه لسهولة بيعها، وخاصة لأن الأحداث في سوريا خلقت أسواقاً واسعة لتصريفها؛ ومنها تجمعات النازحين الذين يسعون للحصول على الغاز بأي ثمن، فبدونه لا يمكن أن يكون هناك فائدة لغذائهم، وخاصة أن السلال الغذائية التي يحصلون عليها كمساعدات إغاثية، تحوي في معظمها على مواد جافة، تحتاج للطهي.

أما السوق الثانية لبيع الغاز فهو المناطق المحاصرة، ويتشارك فيها سماسرة وتجار حرب من الطرفين. وسُجلت في الآونة الأخيرة أسعار خيالية، لاسطوانة الغاز، في الغوطة الشرقية المحاصرة، بلغت 30 ألف ليرة (بحدود 180 دولار). في حين يتراوح ثمن تبديلها بين 2300-2500 ليرة (بحدود 15 دولار) في مناطق سيطرة النظام.

ويستمر النظام، في مناطقه، بمحاولة إيهام الناس بالحرص على أمنهم ولقمة عيشهم. ويقطع الوعود “الخلبية” لهم باتخاذه لإجراءات صارمة بحق كل من يثبت تورطه بتلك التجارة السوداء. وذلك ليس بغريب على نظام سرق حياة الناس وقوتهم، وأضاف مهمة لجيشه “الوطني” تقوم على السرقة و”التعفيش”.

في الجهة المقابلة، لاسطوانة الغاز حكاية مختلفة لدى أهل الثورة، حين صنعوا منها عروساً، ألبسوها طرحة وزينوها احتفاءً بها. عشرات المقاطع المصورة على مواقع التواصل الاجتماعي نقلت هذه الاحتفالات الكوميدية، كتعبير عن التضييق الاقتصادي والحصار، الذي كان ولازال من أهم الأسلحة التي يشنها النظام ضد الشعب السوري في المناطق المنتفضة ضده.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى