صفحات الناسوليد بركسية

مجندات النظام يجذبن أنظار الضباط الروس!/ وليد بركسية

 

 

رغم النظام العسكري الصارم المطبق في التعليم السوري طوال فترة حكم حزب “البعث” للبلاد، كانت المدارس تتجاوز القوانين التي تحرّم الاختلاف والزينة والماكياج والشعر الطويل على الفتيات، عند زيارة مسؤول ما، مهما كانت درجته الحكومية أو الحزبية منخفضة، أو عند إقامة احتفالات بالمناسبات الوطنية أو عند المعسكرات الشبيبية والعسكرية. فيختار المدير أو أحد الأساتذة أجمل الطالبات في المدارس المختلطة ومدارس الفتيات، ليفردن شعورهن ويعتنين بملابسهن وأزيائهن في غرفة الإدارة، لاستقبال “الضيوف المهمين” على باب المدرسة الحديدي الضخم، من أجل تقديم “أفضل صورة” عن المدرسة أمام “الدولة”.

وبعد كل هذه السنين، وكل ما مر في البلاد من ثورة وحرب ودمار، لم يختلف نظام الأسد في تفكيره البعثي القديم، فالذكريات المؤلمة عن عشرات الاحتفالات المدرسية والرسمية ضمن كل قطاعات الحياة السورية التي عايشتها أجيال كاملة قسراً، تتجسد اليوم بصور جديدة “هندسها” النظام القائم على فكرة “الأبد” لنفس الغايات الدعائية الاستغلالية، ونشرتها وكالة الأنباء الفرنسية من معبر مخيم الوافدين في الغوطة الشرقية مظهرة جندياً روسياً يحدق في ثلاثة فتيات جميلات من المتطوعات في جيش النظام، بكامل أناقتهن و”إثارتهن”.

الصورة الملتقطة في المعبر الوحيد لخروج المدنيين من الغوطة الشرقية ليست عفوية البتة، بل لا بدّ من وجود أوامر مسبقة بهذا النوع من الاستعراض المتماشي مع العقلية البعثية في استغلال النساء لغرض “الاستقبال”، والذي ينتقل حسب الضرورة والموقف من استقبال مسؤول رسمي إلى استقبال وكالة أنباء عالمية بغرض استغلال الموقف لتقديم رسالة إلى العالم كجمهور نهائي، ويمكن الاستدلال على ذلك، بجمال الفتيات الثلاثة في الصورة وثيابهن الضيقة، بعكس الملابس العسكرية المتعارف عليها، فضلاً عن الماكياج وتصفيف الشعر، والنظارة الشمسية، والتمايل في المشي الذي تكشفه الصورة في لحظة التقاطها المثالية، أمام أعين الضابط الروسي، الذي يصبح الحامي والمنتهك للمشهد في ذات الوقت، كما هو حال موسكو بالنسبة لنظام الأسد تماماً.

ويمكن تلمس فرق واضح مقارنةً مع أول صورة وزعها النظام لمجندات متطوعات في جيشه العام في كانون الثاني/يناير العام 2013، والتي تظهر فيها المقاتلات ضمن كتيبة عسكرية نسائية وهن يحملن الأسلحة ويقمن بالتدريبات العسكرية المكثفة، من دون أي مظاهر للرقة واللطف الأنثوي و”الإثارة” المقدمة اليوم، حيث كان النظام حينها يهدف إلى تعزيز فكرة الصمود والتحدي والتفاف الشعب حوله في المعركة ضد الإرهاب، لكنه اليوم يروج لصورة مغيرة تماماً، تتعلق بالسلم الذي يخلقه في المعبر الذي تتهمه منظمات مراقبة دولية وجهات دولية بأنه يتعرض لقصف من طرف النظام وروسيا لمنع المدنيين المحاصرين من الخروج عبر المعبر الأمن المزعوم هناك.

والحال أن النظام هنا، لا يختلف عن أي نظام توليتاري أو ديكتاتوري آخر، فاستغلال النساء لأغراض دعائية يعتبر أمراً مألوفاً كجزء من إرث “البعثية” وهي مزيج سام من القومية العربية العلمانية والاشتراكية على غرار الكتلة الشرقية منذ الستينيات، وتبرز هنا حالة العقيد الليبي معمر القذافي الذي عين كتيبة كاملة من النساء لحراسته الشخصية، فيما كشفت مجندات سابقات فيها أن الهدف من ذلك كان “رغبته في أن يصور للعالم أن نساء ليبيا يتمتعن بنفس حقوق الرجل”، وأنه “كان يفضل دائماً غير المتزوجات كى يتفرغن لهذه الوظيفة” وكان يفضل النساء طويلات القامة بشكل ملحوظ، وكان يسمح لهن بوضع قليل من الماكياج، وهي تفاصيل شديدة التشابه مع الحالة الأسدية اليوم.

استغلال “الجميلات” يتكرر لدى الزعيم الروسي فلاديمير بوتين أيضاً، الذي يشكل نموذجاً يجب الاحتذاء به من طرف النظام السوري، ففي العام 2016 خلال الاحتفالات بعيد مدينة موسكو الـ899.على سبيل المثال، ظهر بوتين في شريط دعائي على طريقة جيمس بوند ببزته الرسمية محاطاً بالجميلات من عارضات الأزياء في فساتين الزفاف، اللواتي “تهافتن” على بوتين لالتقاط صورة سيلفي معه في الساحة الحمراء، متجاهلين رئيس الحكومة ديمتري ميدفيديف، وذلك بوصفه بطلاً يعيد أمجاد روسيا القديمة كدولة عظمى، في سياق الترويج لحقبة “سوفياتية” جديدة حمراء بقيادته وتحت الكاريزما الطاغية له.

بالتالي يصدر النظام صورة كاذبة شديدة المثالية عن نفسه، فهو يطرح نفسه كقوة علمانية تتمتع في ظلها النساء السوريات بحريات واسعة وبدرجة من الحقوق والأمان لدرجة الظهور بهذا الشكل المغري والأنيق في واحد من الأماكن المجاورة لجبهة حربية، من دون أن يتعرض لهن أحد، باستثناء “الإرهاب” الذي يدعي أنه يقصف المعبر الآمن من أجل منع المدنيين من الخروج من الغوطة لأن المعارضة تريد استعمال المدنيين كدروع بشرية!.

وهكذا، يصبح أسف الجمهور العالمي وقلقه موجهاً نحو أولئك الجميلات البريئات اللواتي خطفن أنظار جندي روسي، بجمالهن ورقيّهن الذي ذكرّه حتماً بمستوى الفتيات الروسيات في موسكو وسان بطرسبرغ. ويعني ذلك هجوماً غير مباشر على صورة نساء المعارضة البائسات و”الهمجيات” في الملاجئ وتحت القصف وبين الدماء، بالمراهنة على محبة العقل البشري تلقائياً للصورة النظيفة، ومن دون الحاجة إلى تقديم أي سردية لفظية لأن السرد نفسه يأتي من تكرار السرد الدعائي السابق، دبلوماسياً ودعائياً، الذي عمل على قلب الحقائق طوال السنوات الماضية.

ويجب القول أن النساء في سوريا لا يتمتعن بالحقوق أو المساواة، ويتجلى ذلك في العديد من التفاصيل القانونية بغض النظر عن العوائق الاجتماعية، بداية من عدم قدرة المرأة السورية على تقديم الجنسية لأولادها، مروراً بالشرع الإسلامي الذي يحدد كثيراً من تفاصيل حياة النساء السوريات، كمقدار الميراث ومسألة الزواج بين الطوائف وفرص العمل وتقلد المناصب العليا بما في ذلك تولي وزارات سيادية على سبيل المثال، وغيرها من التفاصيل التي ينسف الاطلاع عليها سردية النظام حول العلمانية والحضارة.

ومع تكريس هذه الصور النمطية تبقى المرأة بالنسبة للنظام البعثي المتجدد، واجهة وعنصر لكسب مزيد من التعاطف مع أفكار النظام، بأسلوب القوة الناعمة لإيصال الدعاية المجانية للغرب، وبذلك تمارس “مهمتها” في “خدمة” القومية الأسدية التي عمل البعث على ترسيخها طوال خمسة عقود.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى