صفحات سورية

محاصرة الوحش


مهدي سلمان

يصنعون وحشاً، ثم يطلبون منه أن يكون إنساناً، بل ملاكاً؟!! يخلقون مخلوقاً شيطانياً، ثم يطالبونه أن يعترف بمفاهيم العدالة والنزاهة، ماذا يفعل العالم بسورية؟ ماذا نفعل كلنا بها؟

منذ قرابة العامين والسوريون يستصرخون العالم لمساعدتهم دون أن يجدوا أذناً تعي، منذ ذلك الوقت وهم يُقتلون في الشوارع، وعلى المروج، في الأزقة والمعتقلات، على البِرَك وبين الأدغال، يسحلون على الأرصفة، ويُقصفون بالمدافع والطائرات، منذ ذلك الوقت وهم يُستباحون بكل ما للكلمة من معنى، فيما العالم بأسره إما يتفرج عليهم، أو يشارك في قتلهم، أو يستفيد من مأساتهم، ثم حين تتوالى الحوادث ويأتي اليوم الذي يخرج فيه السوريون عن ‘عقلهم’ يبدأ العالم كله في الصراخ ضدّهم.

أيهما أكثر قسوة؟ من قتل ‘زينو بري’ بهذه الطريقة الوحشية، أم من جلس طوال عام يتفرج على الدم السوري يراق بهذه البشاعة؟ أيهما أكثر وحشية فعلاً، نحن الذين جلسنا طويلاً أمام شاشات التلفزيون نتفرج على حالات القتل اليومي، ونواصل حياتنا بكل برودة دم، وكأن لم يجري شيء أم أولئك الذين تحولوا إلى وحوش لكثرة ما رأوا هذا العالم الوحش الذي نعيش فيه؟

لا أريد أن أبرر لأحد، لكني أريد أن أقرأ المشهد كما هو، وبكل تفصيلاته، لا أريد فصل جزء منه وتضخيمه، أو عزل جزء آخر وتقزيمه، القتل بتلك الطريقة التي قتل بها (بري) هي جريمة بكل المقاييس، ولا يمكن أن تغتفر، لكن ثمة جرائم أكبر ارتكبت في حق الشعب السوري، ولا أدري من المسؤول حقاً عن تطبيق العدالة عليها، لا أعني جرائم النظام السوري، فهي الجرائم الأكثر وضوحاً، لكني أعني جرائم العالم كله، العالم الذي يهبّ الآن للتنديد بجريمة قتل (بري)، العالم الذي ظل يراوغ ويتخاذل في أحد أطرافه، ويحشّد ويشجّع القتل في طرفين آخرين، هذا العالم.. من يحاسبه؟ من يحاسب روسيا والصين مثلاً على الفيتو الذي أوقفت به بعض الدول عن مدّ يدها نحو سورية، من يحاسب قطر والسعودية اللتين شجّعتا القتل لمصالح ضيقة، دون أن تقدما عوناً صادقاً وحقيقياً للشعب السوري، من يحاسب أمريكا التي خذلت السوريين في الوقت الذي كانوا فيه بأشدّ الحاجة لمن يمد يده نحوهم، من يحاسب إيران، من يحاسب حزب الله ونصر الله الذي طويلاً ما حدثنا عن قيم بات يخنقها الواحدة بعد الأخرى، من يحاسبنا جميعاً، نحن الذين اختلفنا في كل شيء واتفقنا جميعاً على سفك الدم السوري؟

العالم خدعنا.. حدّثنا طويلاً عن حق تقرير المصير، عن ميثاق الأمم المتحدة، وعن بنود كثيرة تنادي بحرية الشعوب، وحقها في الديمقراطية، لكنه حين ثارت هذه الشعوب، لعب بالجميع، كل طرف لعب لصالحه، وبمبادئ سخيفة وقاسية ووحشية، أكثر قسوة من المبدأ الذي قُتل به (بري)، وما جرى في سورية، سيجري في مناطق أخرى.. لا يظن العالم (كل العالم) مسلميه ومسيحييه، شيعته وسنته، روسياه وأمريكاه، رأسماليته وشيوعيته، براغماتيته ومثاليته، مقاومته وتطبيعه، لا يظن أن ما يجري الآن هو هيّن، العالم بصمته ولعبه فيما يجري في سورية والبحرين واليمن.. فيما يجري في كل ثورات الربيع العربي، يخلق وحشاً لن يستطيع أحد السيطرة عليه.. أبداً لن يستطيع أحد.

حين لا يجد الشعب السوري من يدافع عنه، حين يفتقد الشعب السوري العدالة التي ينادي بها الآن من ينادي (لآل بري) حين يحصر الشعب السوري في زاوية، ويرى لوحوش العالم من بعثية وقاعدة وغيرهم وهي تمعن في سفك دمه وقتله وتعذيبه، ماذا تريدون منه أن يفعل؟ لابد أن يتلبّس ثوبَ القتل، أنتم من صنعتم هذا الوحش الذي أرجو أن لا يتضخم، أنتم جميعاً، وبدلاً عن المطالبة من الضحية أن تكون أكثر اتزاناً، اطلبوا ذلك من أنفسكم.. ما حدث يؤكد على ضرورة وضع حدّ لما يجري في سوريا، كل الوحوش خلقت بهذه الطريقة، فلا يستغرب أحد ممن كان مع ثوار سورية أو من كان ضدهم، ممن كان مع النظام السوري أو من كان ضدّه تحوّل الصراع في سورية إلى مزرعة وحوش حقيقية.. مزرعة وحوش ستلتهم هذا العالم كله، وستبدأ بالمحيطين بسورية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى