صفحات المستقبل

سوريا بين الحلم والواقع


لا يستطيع عاقل أن ينكر حق الشعب السوري بالحرية والعدالة والمساواة, وخاصة بعد ذلك الكم الهائل من التضحيات…

لكن لو حاولنا التحدث بتجرد مبتعدين عن العواطف, وبلسان المراقب الحيادي… سنجد الكثير من العقبات الدولية التي تحول بين الشعب وحريته…

سوريا بوضعها السابق للثورة… كانت متكيفة وبشكل مثالي مع جميع الدول المحيطة بها… ابتداءاً من تركيا إلى العراق فالأردن فإسرائيل وأخيراً لبنان… حتى وبوجود بعض الخلافات السطحية المصطنعة… إلا أن الأمور الاستراتيجية كانت شبه مستقرة ومتفاهم عليها, وبمباركة جميع القوى العالمية المؤثرة…

وبما أن سوريا ليست منعزلة عن الدول المحيطة بها… فإن أي تغيير على سوريا سيؤثر على كامل محيطها بالسلب أو الإيجاب… وسيتم منع أي تحول قد يؤدي إلى الإضرار بمصالح تلك الدول…

تركيا… كانت علاقات تركيا مع سوريا قوية, وعلى كافة المستويات… السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية… فسوريا كانت ممراً رخيصاً وآمناً لكافة البضائع التركية العابرة نحو الخليج… كما كانت سوقاً قريباً وممتازاً لكافة المنتجات التركية… وكان السوريون والعرب العابرون من سوريا إلى تركيا هم سبب الطفرة السياحية لمنتجعات ومصايف الجنوب التركي… حتى المسلسلات التركية كانت سوريا وراء نجاحها وانتشارها… ولا ننسى أن سوريا كانت صمام الأمان لتركيا فيما يتعلق بالموضوع الكردي الذي ما زال يؤرقها ويؤرق شعبها…

تركيا دولة ديمقراطية… ولذلك, فهي لن ترضى بأي تغيير لا يضمن مصالحها السابقة مهما كانت الضغوط قوية… أما فيما يتعلق بالشعور الإنساني والضمير وما شابه… فكلنا يعلم أن هذه المصطلحات لا وجود لها في القاموس السياسي الدولي…

العراق… الحكم الحالي في العراق موالي لإيران بالمطلق… وبالتالي لن يقبل العراق إسقاط النظام السوري كونه حليف من العيار الثقيل للمشروع الإيراني في المنطقة… وكل الخلافات والاتهامات المتبادلة بين البلدين, والتي كانت عنوان الحقبة الماضية… لم تكن إلا مجرد تمثيلية سخيفة انكشفت فور انطلاق الثورة… والمالكي أعلن مؤخراً وبصراحة وقوف بلاده ضد إسقاط النظام السوري…

الأردن… الوضع في الأردن مضطرب شعبياً… وأي حل ديمقراطي في سوريا سيفتح شهية الشعب الأردني نحو الديمقراطية… وبالتالي الحل الديمقراطي في سوريا مرفوض أردنياً…وحتى الحل العسكري مرفوض لأن الفوضى الناتجة عنه ستؤثر سلباً على وضع الأردن السياسي والاقتصادي…

إسرائيل… على الرغم من العداء الطاغي على مجمل الخطاب السياسي السوري نحو إسرائيل… إلا أننا جميعاً نعلم مدى الاستقرار على الحدود السورية الإسرائيلية منذ ما يزيد عن ثلاثين عام… والنظام السوري دأب طوال ثلاثين عاماً على تأمين المصالح الإسرائيلية في سوريا… فمثلاً… منابع المياه المغذية لإسرائيل والموجودة في الأراضي السورية محمية بقرارات من أعلى المستويات في سوريا… وأهالي محافظة درعا يعلمون مدى صعوبة الحصول على رخصة حفر بئر ارتوازي في أراضيهم… كل ذلك حرصاً من الدولة السورية على منابع المياه الإسرائيلية… وبالتالي فإن أي حل ديمقراطي في سوريا لا يمكن له أن يخدم إسرائيل… كما أن أية فوضى وانفلات أمني في سوريا سيزعج إسرائيل… حيث أنه سيكلفها الكثير من النفقات من أجل تأمين حدودها الشبه خالية حالياً من أية مظاهر عسكرية حقيقية…

لبنان… الاستقرار في لبنان مرتبط وبشكل مباشر مع الاستقرار في سوريا… وأية فوضى سورية ستنتقل وبلمح البصر نحو لبنان… وبالطبع لا ننسى وجود حزب الله القوي والمسيطر في لبنان… والذي يعتبر النظام السوري حليفه الأوحد في المنطقة… والذي يعي أيضاً أن سقوط النظام في سوريا هو بداية سقوطه في لبنان… وبالتالي فمن الطبيعي أن يكون مدافعاً وبشراسة ضد إسقاط النظام السوري أو حتى إضعافه…

وبالتالي ما هو الحل؟؟؟؟

بالمنطق الدولي المسيطر الآن… لا مجال لإسقاط النظام السوري عسكرياً… ولا مجال لتحول سوريا إلى بلد ديمقراطي كما نحلم جميعاً… جميع الضغوط تتجه نحو الحوار والتفاهم لحل الأزمة سياسياً… وجميع النداءات والتصريحات التي تدعو للحل العسكري هي فقاعات يُراد بها إخافة النظام ودفعه نحو التسوية…

النظام السوري يدرك جميع أوراقه الرابحة إقليمياً… ولذلك هو يسعى إلى إسكات ثورة الشعب بالقوة… ولن يفكر بتغيير طريقة تعامله مع الأزمة… إلا إذا تلمس جدياً حدوث تغيير دولي أو أقليمي يفكر ببديل عنه…

حتى البديل هو غير متوفر حالياً كما أظن… وعندما أقول بديل فأنا بالطبع لا أقصد قوى المعارضة السورية التي لا حول لها ولا قوة… البديل المطلوب يجب أن يكون مسيطراً على الجيش, وقادراً على إعطاء التطمينات لدول المحيط… وعليه أن يكون من داخل بنية النظام الحالي…

اعتقد أن الجميع الآن يحاول البحث عن ذلك البديل ليتم تهيئته للحظة المناسبة…

هذا ليس خطاب تشاؤمي… لكنه وللأسف واقع دولي وإقليمي سائد لغاية اللحظة…

بالطبع لن يكون الرئيس وعائلته ضمن الحل, ولكن النظام البديل عن النظام الحالي غير مسموح له أن يكون ديمقراطياً… أو أن يكون من خارج منظومة النظام الحالي…

إلا أن يشاء الله… فهو على كل شيء قدير…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى