صفحات الرأي

محمد سيد رصاص: ما يجمع الإخوان والخمينية

 

يسعى الباحث السوري في «الإخوان المسلمون وإيران/ الخميني ـــ الخامنئي» (دار جداول ـــ 2013) إلى رصد أكبر كتلتين مذهبيتين من خلال ثلاثة عناصر: الظروف التاريخية المؤدية إلى ظهورهما، والنصوص المعرفية التأسيسية، والمسار السياسي والعملي

ريتا فرج

في «الإخوان المسلمون وإيران/ الخميني ـــ الخامنئي» (دار جداول ـــ 2013)، يحاول محمد سيد رصاص تحديد المسار العقدي والسياسي لأكبر كتلتين، أي حركة الإخوان في مصر، والخمينية في إيران. سعى الكاتب السوري إلى تفكيك التقارب بين الحركتين في وسطين مذهبيين متصادمين تاريخياً، وعمل على رصد ثلاثة مفاصل أساسية: الظروف التاريخية المؤدية إلى ظهورهما خلال حقبة التكوين، والنصوص المعرفية التكوينية ـ التأسيسية، والمسار السياسي والعملي. كشف المنهج المعتمد في الدراسة عن أبرز نقاط الاتفاق بين أكبر حركة إسلامية في العالم العربي وأول ثورة إسلامية في التاريخ المعاصر. وإذ يفصل الكاتب الكلام حول الإطار الإيديولوجي الذي أسهم في تحديد رؤية الحركتين الكبريين حول الدولة والدين والغرب، يضع القارئ أمام إشكالية سجالية: لماذا كانت إيران الثورة أول من بارك تربّع الإسلاميين على الحكم؟

ليس غريباً أن تتخذ طهران هذا الموقف الذي قد يراه البعض متناقضاً على اعتبار أن الحركتين لهما مرجعية مذهبية مختلفة، لكن البنى العقائدية التي نهضت عليها الإخوانية والخمينية تبيّن أن الخط العقدي _ السياسي يتضمن العديد من منطلقات التلاقي.

وقبل أن يقارن صاحب «المعرفة والسياسة في الفكر الإسلامي» بين الإخوان في مصر والخمينية في إيران انطلاقاً من الأبعاد الفكرية الجامعة للطرفين، يعود بنا إلى مؤسس الجماعة الإسلامية في الهند أبو الأعلى المودودي بغية تحديد المسارات العقدية التي كانت ذات تأثير في مرجعية الحركتين، وخصوصاً في مسألة حاكمية الله التي تركت بصمات واضحة في فكر المنظّر الراديكالي الإسلامي سيد قطب والإمام الخميني. ثمة قاعدة مشتركة تجمع الحركتين الإخوانية والخمينية، ومختلفات أيضاً، لكن الثانية أقل من الأول. فما هي المنطلقات التي جمعت بين حسن البنا والمودودي وقطب والخميني؟

يشير الكاتب إلى تسعة مشتركات أساسية: اعتبار أنّ الهجمة الغربية العسكرية على العالم الإسلامي أفرزت اتجاهات قوية في المجتمعات نحو التغريب، ما دفع البنا والخميني إلى معاداة الأتاتوركية. نزعة أصولية تجمع الأربعة ترى أن هناك نقطة بَدء هي الأصل؛ الأصولية عندهم هي في العودة إلى النبع الأول الذي هو الأصل وفقاً لمفهوم كل منهم. نظرة نكوص لا ترى في الزمان مجرى امتدادياً، بل دائرياً؛ التنظيم والكفاح السياسي هو الطريق إلى إعادة إحياء الأصل الإسلامي؛ النظر إلى الحضارة الغربية باعتبارها حضارة متقدمة، لكن تعوزها عوامل التقدم الروحي التي يرى أربعتهم أنّ الإسلام هو الذي يحملها؛ الإسلام صاحب رسالة عالمية، وهو مؤهل لقيادة العالم؛ العداء الشديد لليهود وإسرائيل؛ معاداة التيار القومي واعتبار الإسلام هو الرابط بين المسلمين وأنه رباط ما فوق قومي.

يختلف الأقطاب الأربعة حول ثلاث مسائل: أولها، مضمون الإسلام الذي هو سنّي المحتوى عند الإخوانية وشيعي المحتوى عند الخمينية، رغم عدم وجود نزعة مذهبية. ثانيتها، عند حسن البنا هناك تدرجية في الوصول إلى الهدف، والخميني يتجه إلى النزعة الثورية الانقلابية التي لا تؤمن بالتدرج والتمرحل، وهذا الأمر يشترك فيه مع قطب. ثالثها، لا يشترك الإخوان في النظر مع الخميني إلى الغرب الأميركي بوصفه الشيطان الأكبر.

إلى جانب المشتركات والمختلفات التي يبرزها الكاتب، ثمة مؤشر مهم جمع سيد قطب بالخميني. يرى مؤسس السلفية الجهادية أن الثورة على الخليفة عثمان بن عفان في عمومها كانت فورة من روح الإسلام، وصولاً إلى رأيه السلبي في معاوية وحكم بني أمية، وهذا الموقف شكل مصدراً لانجذاب الشيعة نحوه.

في المسار السياسي وبعد قيام الثورة الإسلامية في إيران، كان الإخوان المسلمون من أوائل المؤيدين لها كما يشير الكاتب. رأت الإخوانية المصرية في الثورة الخمينية حصيلة تلاقيات فكرية، واعتبرت كذلك أنها ستفتح المجال مجدداً لاستكمال ما بدأه البنّا في محاولة تحقيق تغيير جذري بين السنة والشيعة. علماً أن مؤسس حركة الإخوان كانت له نزعة للتقريب بين المذاهب وقد التقى المرجع الشيعي الإيراني آية الله كاشاني واتفقا على مؤتمر يُعقد للتقريب بين السنة والشيعة.

وعلى خلاف الإخوانية المصرية، لم تكن مواقف حركة الإخوان المسلمين في سوريا من الثورة الإسلامية على المستوى نفسه من التقارب، وخصوصاً بعدما أرسى النظام السوري علاقاته الاستراتيجية مع طهران التي أعقبتها أحداث حماه عام 1982.

ينقل الكاتب رواية عن المعارضة السورية يقول فيها إن وفد جماعة الإخوان المسلمين الذي زار الخميني بعد قيام الثورة طرح عليه مبايعته خليفة للمسلمين مقابل إعلانه أنّ خلافات الصحابة حول الخلافة والإمامة هي خلافات سياسية وليست إيمانية، وقيل إن الإمام استمهلهم في إعطاء الرد، وأتى الجواب حين تبنى دستور الجمهورية الإسلامية المذهب الاثني عشري كمرجعية

للدولة.

يطرح صاحب «انهيار الماركسية السوفياتية» فرضية أنّ جمال الدين الأفغاني كان الجسر الأول الذي أوصل ضفتي السنة والشيعة إلى فكرة إسلام عام (على شاكلة ابن تيمية الذي كان حلقة الوصل بين ابن حنبل ومحمد بن عبد الوهاب) وصل في تأثيراته بالواسطة عبر الشيخ رشيد رضا إلى حسن البنا وبنحو مباشر إلى الخميني، لتقوم حركة الإسلام السياسي الأصولي في شكليْها السني الإخواني والشيعي الخميني على أساس تلك الفكرة كجوهر لأسسها الفكرية والسياسية.

يرى الكاتب أنّ وصول إسلاميي مصر وتونس إلى الحكم إثر ثورات الربيع العربي قد يفتح شهية الإسلاميين إلى توطيد العلاقة مع إيران، قد تصل إلى مستوى التحالف بين دول إقليمية، ويعزز فرضيته عبر استحضار اقتراح الرئيس المصري محمد مرسي الذي دعا إلى تشكيل لجنة اتصال رباعية تتضمن مصر وتركيا وإيران والسعودية حول الأزمة السورية، ويعتبر هذه الخطوة بمثابة الإرهاص الأولي، لكن الرياض رفضته بخلاف العواصم الثلاث الأخرى التي يحكمها أصوليون إسلاميون من السنة والشيعة.

يتقاطع هذا الكتاب مع مخاوف يبديها بعض رؤساء الدول العربية من وصول الإسلاميين إلى الحكم، وفي مقدمهم الملك الأردني عبد الله الثاني الذي حذر من نشوء هلال إخواني بعدما هجس سابقاً من سطوع نجم الهلال الشيعي.

الرأي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى