صفحات الناس

محمد نجم.. ابن 15 عاماً يبث يوميات الغوطة

 

 

مثل الكثير من المراهقين في الخامسة عشر من العمر، يقضي محمد نجم وقتاً طويلاً من يومه وهو يبث مجموعة من مقاطع الفيديو الشخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن بعكس معظم الأشخاص في عمره، تركز مقاطع الفيديو الخاصة به على الضربات الجوية في سوريا حيث تقتل القنابل والبراميل المتفجرة أصدقاءه وأفراد عائلته.

ويقول نجم في واحد من عشرات مقاطع الفيديو التي نشرها عبر حساباته في “تويتر” و”يوتيوب”: “يموت أطفال الغوطة كل يوم بسبب غارات نظام الأسد وروسيا”، متحدثاً لغة انجليزية ركيكة لكنها كافية لإيصال المعاناة المتفاقمة في الغوطة الشرقية، وهي ضاحية قرب العاصمة دمشق، تعاني منذ نحو أسبوع واحدة من أكثر الحملات دموية في الصراع السوري المستمر منذ سبع سنوات، علماً أنها تحت حصار خانق منذ العام 2013، حسبما نقلت شبكة “سي إن إن” الأميركية.

ويذكر نجم بالفتاة السورية الشهيرة بانا العبد، التي كانت واحدة من أبرز الأصوات التي وثقت سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها النظام السوري وحلفاؤه في أحياء مدينة حلب الشرقية شمالي البلاد العام 2016.

وبوجه مغبر من أثر القصف، يظهر نجم في أحد المقاطع المختلفة فوق إحدى البنايات ليقول: “اسمي محمد نجم أعيش بالغوطة الشرقية.. نحن نقتل بصمتكم”، مضيفاً بينما يرتفع في الخلفية صوت أزيز طائرات النظام السوري والقوات الروسية: “بشار الأسد وبوتين وخامنئي قتلوا طفولتنا.. من الصعب وصف الوضع الإنساني والطبي في الغوطة الشرقية بالكلمات، وما يحدث الآن إبادة جماعية”، في إشارة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمرشد الإيراني الأعلى على خامنئي.

ويعتبر نجم واحداً من الأصوات البارزة التي تنقل المعاناة اليومية للسكان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل تشديد قوات الحكومة السورية ونظيرتها الروسية من وتيرة قصفها على الغوطة، فضلاً عن نقل الأحداث المرعبة التي قتل على إثرها مئات الأشخاص، بعدما وجد مئات الآلاف من السكان أنفسهم عالقين في المنطقة التي حولها القصف المتواصل إلى ما يشبه بقعة من الجحيم، حسب وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس.

وخلال نحو 4 أيام، وصل عدد الضحايا من المدنيين جراء القصف العنيف المتواصل، الذي تنفذه طائرات روسية وسورية على مناطق الغوطة الشرقية إلى 325 قتيلاً على الأقل، إضافة إلى نحو ألفي مصاب، حسب أرقام “المرصد السوري لحقوق الإنسان” الذي يتخذ من المملكة المتحدة مقراً له، فيما تقدر الأمم المتحدة وجود نحو 400 ألف مدني تحت الحصار في المنطقة التي يسيطر عليها معارضون للنظام.

إلى ذلك، تضم جميع مقاطع نجم موضوعاً مشتركاً واحداً هو توجيه دعوة للعالم ليشهد ما يحدث في سوريا من فظائع وجرائم بحق الإنسانية. وفي تصريحات نقلتها “سي إن إن” يقول نجم : “يجب على جميع الناس معرفة ما يحدث في سوريا، أريد أن أتابع دراستي، وأريد أن أصبح صحافياً عندما أكبر”. وفي أحدث مقطع مصور له، يقول نجم وهو ينظر مباشرة إلى الكاميراً موجهاً حديثه إلى مشاهديه: “نحن نعرف أنكم تشعرون بالملل من صور الدم لدينا. نحن نعلم أنكم شاهدتم مقاطع فيديو لهم وهم يقتلوننا، لكننا سنواصل مناشدتكم”.

وأشار نجم إلى أن أحد أصدقائه قتل في وقت سابق من الشهر الجاري، عندما كان مجموعة من الأطفال يلعبون في الشارع، مثل أي يوم آخر قبل أن تبدأ الغارات الجوية على المنطقة. وغرد نجم في اليوم التالي لمقتل صديقه بالقول: “البارحة كنا نلعب معاً في ملجأ تحت الأرض، واليوم قتل صديقي وعائلته بطائرة حربية أودت بحياته إلى الموت”، وكانت فريق الدفاع المدني “الخوذات البيضاء” أعلن مقتل 80 شخصاً في الغوطة الشرقية في ذلك اليوم.

ووثقت فيديوهات نجم العديد من الغارات وعمل فريق الدفاع المدني في حال تواجدهم بالقرب من الحي الذي يقطن فيه، ويظهر مقطع فيديو نشره في الثامن من شباط/فبراير الجاري على سبيل المثال عمليات قصف استهدف ثلاث مرافق طبية، ما أسفر عن مقتل عدد كبير من الناس، وفقاً لمجموعة طبية تعمل في الداخل السوري، ويظهر مقطع نجم مجموعة من الضحايا يتم تحميلهم في إحدى الشاحنات من دون إمكانية التأكد إن كانوا فارقوا الحياة أم لا.

وقال مراسلو وكالة “فرانس برس” في الغوطة الشرقية، بعد جولة على عدد من المستشفيات، إن الأسرّة لم تعد تتسع للجرحى الذين افترشوا الأرض، ونقلوا عن أطباء إن غرف العمليات بقيت ممتلئة طيلة ساعات النهار، علماً أن هذا الوضع الكارثي دفع صحيفة “غارديان” البريطانية إلى تشبيه تلك المنطقة المحاصرة، بمدينة سربرينتشا البوسنية، التي كانت محاصرة العام 1995، ونفذت فيها ميليشيات صربية مذبحة مروعة، تحت سمع وبصر قوات الأمم المتحدة هناك، وهو ما يتكرر حالياً في الغوطة، في ظل عجز الأمم المتحدة ومجلس الأمن على كبح جماح نظام الأسد، بسبب “الفيتو” الروسي الحامي له.

وتضم فيديوهات نجم أيضاً مقابلات مع أصدقائه والفتيان والفتيات الصغار الموجودين في حيه، والذين ينبغي لهم التواجد في المدارس وبدلاً من ذلك يتعرضون للقصف والموت والدم بشكل يومي، ومن أبرز المقاطع التي صورها في هذا الإطار، مقطع نشره في كانون الأول/ديسمبر الماضي، يتحدث فيه الأطفال عن أمنياتهم بمناسبة العام الجديد، ويتحدث فيه صبي صغير بحرقة عن رغبته في رؤية والده المعتقل في سجون النظام، فيما يتمنى صبي آخر ألا يضطر لحمل الماء والحطب بعد الآن.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى