صفحات العالم

محنة الإخوان والديموقراطية في هذا “الربيع العربي”

ماجد كيالي

ثمة مشكلة في فهم التيارات الإسلامية، وضمنهم “الإخوان المسلمون” للديموقراطية، ولمعنى الدستور، والمواطنة، والحريات. وللإنصاف فهذه تشمل مجمل التيارات المدنية، اليسارية والليبرالية والعلمانية والقومية أيضاً. مع ذلك فإن مشكلة “الإخوان” تبدو أصعب من غيرهم لاسيما في محاولتهم المطابقة بين عقيدتهم كحزب وبين الإسلام كدين، كما في تصوير أنفسهم باعتبارهم الممثل الحصري للإسلام والمسلمين، والترويج لاعتبار الصراع معهم باعتباره استهدافا للإسلام والمسلمين، وأخيراً في خلطهم المتعمّد بين الشريعة والشرعية، الأمر الذي يثير الشبهة بشأن تمثّلهم لمعنى ومقاصد الديموقراطية.

هكذا ثمة مسؤولية لـ”الإخوان” عن تعثّر تجربتهم في الحكم، في مصر، كونهم تصرّفوا كأن المجتمع بات طوع أيديهم لمجرّد كونهم حزباً إسلامياً، وبظنّهم أن ذلك سيجنّبهم النقد والمساءلة والمحاسبة، الأمر الذي أغراهم بعدم الالتفات للقوى الأخرى، والتسرّع في محاولاتهم بسط هيمنتهم على الدولة والمجتمع، ما أوقعهم في مشكلات عديدة، وساهم في تراجع شعبيتهم.

عدا عن كل ذلك، ثمة مشكلة للإخوان المصريين في أنهم لم يستنتجوا العبر من خريطة التصويت في الانتخابات والاستفتاءات التي حصلت، والتي بيّنت عزوف نصف المصريين، عن المشاركة، وهو أمر عادي في الدول التي تعيش استقراراً سياسياً لكن في مجتمع يعيش حالة ثورة، وعدم استقرار، واستقطابا سياسياً حاداً، لايمكن اعتباره إلا تعبيراً عن نقص في الشرعية، ينبغي مراعاة تداعياته، لاسيما مع عدم توافر غالبية الثلثين، على الأقل، في مجمل العمليات الانتخابية.

الأنكى أن جماعة الإخوان، وفي إطار اعتبار نفسها ممثلا لكل المصريين، ومحاولاتها استبعاد القوى الأخرى، بالغت في قوتها التصويتية إلى حدّ أنها روّجت لاعتبار التصويت على الدستور انتصارا لها، رغم أن عدد المؤيدين بلغ حوالى عشرة ملايين، بينما لم يشارك في الاستفتاء سوى 18 مليونا فقط، من أصل 52 مليوناً من المصريين، أي أزيد من الثلث بقليل.

فوق ذلك فإن الإخوان لم يلحظوا أن قوّتهم التصويتية انخفضت كثيراً بين انتخابات مجلس الشعب (أواخر 2011) والانتخابات الرئاسية (حزيرن 2012)، أي في غضون ستة اشهر. فبينما حصلت قائمتهم في انتخابات المجلس على حوالى عشرة ملايين صوت حصل مرشحهم للرئاسة (حينها) محمد مرسي على مايقارب ستة ملايين بخسارة قدرها 4 ملايين صوت. بعدها فاز مرسي بالرئاسة في الجولة الثانية، على منافسه شفيق، بأصوات 13 مليوناً من المصريين، وهي أكبر من القوة التصويتية للإخوان ولمجمل التيار الإسلامي.

طبعا هذا لا يقلل من مشروعية فوز الإخوان، لكنه يبيّن قصور رؤيتهم لحقيقة ماجرى، ويشير على محنتهم ومحنة الديموقراطية في هذا “الربيع العربي”.

كاتب فلسطيني

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى