نحنُ شعبُ التهريب، نحن شعبٌ تهريب، نخرج من بلادنا تهريباً، وندخل إلى بلاد الآخرين بالتهريب. نحن شعب التهريب، نشرب الكحول المهرَّب، وندخن السجائر المهرَّبة، نرتدي البناطيل المهرَّبة، والقمصان المهرَّبة، والملابس الداخلية المهرَّبة. نعلك العلكة المهرَّبة، نلتهم اللحوم المهرَّبة، ونضرب المواعيد بالتهريب. نحب بالتهريب، ونغني بالتهريب، ونرقص بالتهريب، ونقيم الاحتفالات الضخمة بالتهريب. ممنوعون من كل شيء، حتى غدا المسموح ممجوجاً، والحلال مملاً، والقانون غليظاً، صرنا متماهين مع التهريب، وبتنا من عشاق التهريب، حتى الليمون الذي كنا نأكله كان مهرَّباً، والموز كان تهريبه إلينا يتم عن طريق مهربي الحشيش. صحوننا مهرَّبة، طناجرنا مهرَّبة، وكل عدة مطابخنا مهربة. نقرأ الكتب المهرَّبة، ونكتب الكتب المهرَّبة.
لسنا من هواة الاستيراد، ولا من هواة التصدير، نحن شعب التهريب، نبيع ونشتري بالتهريب، نصرِّف العملة بالتهريب، ندخل ونخرج بالتهريب، لا تنفعنا جوازات سفرنا إلا لحظة تمزيقها في بلاد الغرب، نقف ونصرخ بفم ملآن، نحن مهرَّبون إلى هنا، لا وثيقة تدل علينا، ولا جواز سفر يثبت هويتنا. نحن شعب مهرَّب، تم تصديرنا إلى كوكب الأرض بالتهريب، ممنوعون حتى نثبت الأهلية، متمردون على أجير حكام العالم، مطرودون من جنة عسلنا الأربعيني، ملاحقون خلف كل الحدود، في البحار والمحيطات نحن الغرقى، في السماء نحن ركاب الطائرة التي ستنفجر، وعلى اليابسة نحن الذين يدوسون على الألغام، وأمام السفارات نحن حاملو الجوازات الخائبة الحزينة الخالية من التأشيرات، وفي وطننا نحن القتلى القادمون.
شهداؤنا مهرَّبون من برادات القتلة، وجرحانا مهرَّبون من المسالخ التي يسمونها بالمشافي في مجمع اللغة العربية العتيد، جنازاتنا تقام بالتهريب، تشييعنا تهريب، وبكاؤنا تهريبٌ رهيب، شعراؤنا تهريب، وقصائدنا تهريب، آلامنا تهريب، صرخاتنا تهريب، وأبطالنا تهريب، أفلامنا مشفَّرة لا نعرضها إلا عند موت نصف أبطالها، والنصف الثاني بعد العرض يموت، وتصويرها يتم بالتهريب، ومونتاجها بالتهريب، وتهريبها بالتهريب، نعيش في دول الجوار الشقيقة بالتهريب، نتجول بالتهريب، نعبر الحدود بالتهريب، ونحصل على الإقامة بفضل التهريب، وبعدها نعمل في التهريب. نهرِّب لحظاتنا عبر الزمن، نهرِّب أحلامنا عبر نوم الآخرين، ونهرِّب أعناقنا من السكِّين، وضمائرنا من مراتع المنافقين، وآمالنا من أعين طغاتنا المهزومين. نحن شعب التهريب، كهرباؤنا تهريب، زيجاتنا خطيفة، وبيوتنا تهريب، لا قانون يجمعنا، شريعتنا التهريب.
وها نحن الآن في بلاد الله الواسعة شعبٌ مهرَّب، لا صناديق أنيقة لنا أسوة بالبضائع المصدَّرة، فالتعليب لا يليق بالتهريب، لا يشبه واحدنا الآخر، فلا مواصفات قياسية مضمونة في التهريب، منَّا الجودة العالية، ومنا الرداءة اللامتناهية، منَّا اللطيف، ومنَّا الفظيع، منَّا الشريف، ومنَّا الخسيس، منّا الراقي، ومنّا الوضيع، منّا اللذيذ، ومنّا الغليظ، منّا الصادق، ومنّا الكذوب، منّا النقي، ومنّا العفِن، منّا الذئب النبيل، ومنّا الكلب الذليل، منّا العبقري الأسير، ومنّا الجحش الطليق، منّا الطير الحر، ومنّا الدجاج، منّا الأحرار، ومنّا العبيد، منّا المهرَّب، ومنّا المهرِّب، نحن شعب التهريب، نحن شعبٌ تهريب.
المدن
