صفحات الناس

“مدينة الخوف”/ نذير رضا

   إتجاه الصحافيين الكثيف نحو مدينة الرقة (شمال سوريا)، إنحسر. خفتُ الصوت من هناك، وقلّت التقارير الميدانية. الأخبار الوحيدة التي تصدرت المشهد، خلال الأسبوع الأخير، مقتل صحافيين، والإفراج عن ناشطَين، أحدهما صحافي إيطالي. باتت هذه المدينة، بعد سيطرة “دولة العراق والشام” الإسلامية المتشددة عليها، أشبه بمدينة الخوف. الصحافيون الذين ينجون فيها من التضييق، قليلون.

والرقة، هي أول مدينة سورية “محررة بالكامل” من سلطة نظام الرئيس السوري بشار الأسد. صورتها اليوم، “لا تشبه ما طمحنا إليه كسوريين”، كما يقول ناشط مُبعد من المدينة، “فما ترتكبه دولة العراق والشام (داعش)، يفوق ما ارتكبه النظام من قمع للحريات”. على هذا النحو، يُفسّر استهداف الصحافيين. ودفع هذا الواقع ناشطين إعلاميين الى مطالبة الإئتلاف الوطني السوري المعارض، والمجتمع الدولي، بالتدخل “لوضع حد لتدهور صورة المدينة”. أكثر ما يؤلمهم، كما يقول ابراهيم مسلم، وهو منسق عام في مجلس المحافظة، “أنها باتت مشهورة بانتهاكات حقوق الإنسان، بدلاً من أن تكون مشهورة بتحررها من سلطة نظام قمعي”.

 وتسيطر فصائل إسلامية، أبرزها “دولة العراق والشام الإسلامية”، على المدينة. وهي غير متهمة بقتل الصحافيين بشكل مباشر. لكن حوادث قتلهم “إرتفعت منذ بسط سيطرتها عليها”. ففي الأسبوع الأخير، نعى فريق “إعلاميون بلا حدود- الرقة”، الناشط الإعلامي السوري حسن الرفيع، الذي قيل أنه قُتل بحقنة سامّة. في اليوم نفسه، إغتيلت الناشطة الإعلامية السورية، إيمان الحلبي، بإطلاق النار عليها. وتزامن ذلك مع الإفراج عن الصحافي الإيطالي والناشط البجيكي اللذين اعتقلا في المدينة في نيسان/ابريل الماضي.

ولا يقتصر الخطر على الصحافيين الأجانب. يقول مسلّم لـ”المدن” إن “التهديد طاول الصحافيين السوريين”. بات عدد كبير منهم ملاحقاً من قبل الحاكمين في المدينة. وعليه، بات المشهد الإعلامي “شبحاً”. فقد تحولت صفحات المدونين والناشطين الى مدونات بأسماء مستعارة. “هنا لا يجرؤ أحد على كتابة مقال ينتقد فيه ظاهرة ما”، يقول مسلم، مشيراً الى أن الحاكمين “باتوا أقسى من النظام السوري نفسه على حرية الراي والتعبير”.

 ليست واضحة تهمة هؤلاء. كما لم تتمكن “المدن” من التأكد من الإتهامات من مصادر إسلامية. ويقول ناشط رفض الكشف عن إسمه: “لستم بحاجة لتتأكدوا. أخبار قتل الصحافيين تفي بالغرض”. ويؤكد أنه “إذا كانت دولة العراق والشام غير مسؤولة عن قتل الصحافيين، فإنها تتحمل مسؤولية عدم حمايتهم”.

 غير أن آخرين، يوجهون التهمة مباشرة الى هذا الفصيل الإسلامي المتشدد، منذ سيطرته على المنطقة عقب معارك تل أبيض. يقول مسلم: “القضية واضحة: إما أن تكون بوقاً لدولة العراق والشام، أو يُمارس تضييق على عملك على كافة المستويات”. ويشير الى تشكيل “مكاتب إعلامية كثيرة في المنطقة باتت بوقاً تلمّع صورة هذا الفصيل الإسلامي”، لافتاً الى أن “الإعلاميين يبايعون دولة العراق والشام خوفاً على حياتهم”. ولا يستبعد التضييق على الصحافيين والناشطين الإعلاميين. “هم بشر، وشأنهم شأن كل الناس الذين يتعرضون لمضايقات، وصولاً الى إعدامات ميدانية، نتيجة عدم مبايعتهم الأمير، رغم أن هذا الفعل لم يُنفّذ بصحافيّ”.

وتختلف معاملة الصحافيين السوريين، عن الصحافيين الأجانب الذين يعتبرون “أكثر عرضة للإختطاف، كونهم يعملون لدى مؤسسات مستعدة لدفع فدية مالية كبيرة”، كما يقول مسلم. وعوضاً عن ذلك، “يجب أن يتولوا الدفاع عن دولة العراق والشام وتلميع صورتها”. ويذكّر بأن صحافيين أجنبيين “جرى إختطافهما قبل ثلاثة أشهر، على خلفية تصويرهم مبنى أمن الدولة السابق، وقد بات الآن في عهدة دولة العراق والشام، بعدما كانت جبهة النصرة تسيطر عليه”.

 ويتهم الناشطون دولة العراق والشام بالخطف. “إذا فُقد أي شخص، وتمّت مراجعة الدولة عبر إمام مسجد أو شيخ عشيرة، فإنها تنكر اختطافه، ليتبين في ما بعد أن الشخص كان محتجزاً عندهم، كما قال عدد من السجناء أُفرج عنهم”.

 باستثناء صحيفة “واشنطن بوست”، لم يزر أي صحافي الرقة مؤخراً. تقلّصت زيارات الصحافيين “بسبب مخاطر الخطف والقتل”. بات التهديد كبيراً في الفترة الأخيرة، بعد ارتفاع معدل قتل الصحافيين. ويُحسب لمراسل “واشنطن بوست” أنه زار المدينة، وخرج سالماً. ويعلّق مسلم بالقول: “لأنه كتب مادحاً الدولة، والتقى بناشطين وأمراء المناطق”. ويشير الى “أننا كنا ننتظر من صحيفة عريقة، مثل واشنطن بوست، أن تكتب الحقائق”.

التضييق على الصحافيين والناشطين في الرقة، يُرصد من زاوية واحدة. أخبار تزداد عن انتهاك حرية الصحافة واضطهادها، ومقتل ناشطين في المدينة بما يتخطى المدن السورية الأخرى، فضلاً عما يقوله الناشطون في المدينة، والمُبعدون عنها. وفيما تعذّر الإتصال بدولة العراق الشام، يقول الناشطون “إن المسؤول في مدينة، يتحمل مسؤولية حماية أهلها”… العمل الصحافي في “الرقة”، بخطر.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى