صفحات مميزة

مدينة “تدمر” في عهدة النظام السوري –مقالات مختارة-

فضيحة أميركية جديدة في سوريا/ موناليزا فريحة

بقدر ما يمثل إنقاذ مدينة تدمر من براثن “داعش” انتصاراً لروسيا، يشكل هذا الحدث دليلاً آخر على فشل سياسة الادارة الأميركية في سوريا. فالتحالف الدولي الذي تزعّمه أوباما متوعداً، بأنه سيضعف “الدولة الإسلامية” تمهيداً للقضاء عليها، يحصي منذ أكثر من سنة، الطلعات والأهداف التي يقصفها من غير أن يتمكن من توجيه ضربة قاسية الى هذا التنظيم الذي يفتك بمناطق شاسعة من سوريا والعراق، ويمد ارهابه الى ما راء الحدود وصولاً الى أوروبا وأميركا.

وبالطبع لا يقتصر الفشل الأميركي على محاربة “داعش”. فتباهي أوباما في مقابلته مع جيفري غولدبرغ بأن لديه جيشاً من “المتمردين” يضم عشرة آلاف مقاتل تحت إمرة “السي آي إي” في سوريا يقاتلون الإرهابيين، لم يقنع أحداً. وزادت الشكوك في هذا الادعاء الشهادات التي أوردتها صحيفة “لوس أنجلس تايمس” عن تبادل للنار بين وحدات دربتها “السي آي إي” وأخرى دربتها وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، على المشارف الشمالية لحلب، بما فيها الشيخ مقصود وأعزاز وغيرهما، الأمر الذي يفضح فشل واشنطن في التنسيق بين المجموعات التي تقول إنها دربتها.

لا يحتاج برنامج التدريب الذي أشرف عليه “البنتاغون” الى شهادة على فشله، بعدما أنفقت واشنطن ملايين الدولارات عليه ودفعت عناصره الى المعركة دونما حماية، ليواجهوا انتكاسات محرجة شملت مكامن وتسليم ذخائر وشاحنات أميركية الى “جبهة النصرة”.

في حينه، استدركت واشنطن خطأها، ولو متأخرة، معلنة صرف النظر عن هذا البرنامج، إلا أن الرئيس الاميركي يفكر على ما يبدو في إعادة العمل به، إذ أقر في وقت سابق من هذا الشهر خطة جديدة لـ”البنتاغون” من أجل تدريب المعارضة السورية وتسليحها.

أما فضيحة “الفرقة 30” (التي دربها “البنتاغون”) فصارت فضيحتين بعد انكشاف التقاتل بين “المتخرجين” وعجز ضباط الاستخبارات والمخططين العسكريين الأميركيين عن السيطرة على المجموعات التي درّبوها وموّلوها خلال السنوات الأخيرة، مما دفع محللين الى القول إن أميركا تقاتل نفسها في سوريا.

حتى “قوات سوريا الديموقراطية” التي ساهمت واشنطن في تشكيلها لم تحظ بدعم أميركي كاف يتيح لها مواجهة “داعش”، بعدما أثار الطابع الكردي لهذه القوات حفيظة تركيا.

إزاء هذا الارتباك وهذا الفشل الاميركيين في الميدان السوري، من الغريب تبجح مسؤولين في إدارة أوباما في مقابلة غولدبرغ، بمقاربة أميركية شاملة لمكافحة الإرهاب، ومقاتلات بلا طيار و”عشرة آلاف جندي” تديرهم واشنطن في سوريا. ترسانة كهذه كانت كفيلة بدحر “داعش” لا من تدمر فحسب، وإنما من سوريا كلها والعراق أيضاً، لو اقترنت بالتزام أميركي حقيقي حيال سوريا.

النهار

 

 

“تحرير” تدمر كما سقوطها… في سرعة خاطفة/ جان – بيار فيليو

أعلن نظام الأسد أنه على وشك استعادة بادية تدمر من «جهاديي داعش»، وأن القوات الجوية الروسية تدعمه. ولا يسع المرء إلا الفرح لإفلات تدمر من قبضة مؤيدي البغدادي الذين ارتكبوا جرائم كثيرة ودمروا كنوز التراث العالمي. ولكن «تحرير» تدمر ليس سوى عودة إلى توازن قوى مخزٍ. ففي أيار (مايو) 2015، لم يحرك الأسد، والدعم الروسي والايراني له كبير، ساكناً للدفاع عن تدمر والذود عنها ضد تقدم «داعش»، على رغم أن مساحة البادية الفاصلة بين مواقع «الجهاديين» في وادي الفرات وواحة تدمر كانت تفوق 200 كلم في أرض عارية من غير بناء ولا نبات. وكان سلاح جو النظام يحتكر الأجواء فوق هذا الجزء من سورية (والائتلاف الغربي يقصر هجماته على «داعش» في الشمال السوري والشرق، بينما المقاتلات الروسية لم تتدخل تدخلاً كبيراً إلا بعد أربعة أشهر)، وكان في وسع قاذفات الديكتاتور قصف أسراب «الجهاديين» في صحراء تدمر لوقف تقدمها.

ولكن جيش الأسد وقوات الأمن انسحبا من تدمر قبل ساعات من وصول «داعش»، وتركا السكان لمصيرهم. ولا شك في أن النظام البعثي يبادل أهالي تدمر الجفاء، فهم تجرأوا على التظاهر في2011 ضد نظام الاستبداد. وطوال وقت طويل، كانت القلعة المطلة على الواحة مركز قتلة الأسد الذين اعتلوها لقصف المحتجين وقنصهم. وفي 2013، وسع النظام السوري الإمساك بمقاليد الأمور في تدمر، على رغم أن نيران المعارضة تعسّ ولم تخمد. وتدمر كانت ذائعة الصيت في أوساط المعارضين السوريين. فهي احتضنت سجناً اعتقل فيه آلاف المعتقلين السياسيين وعذبوا طوال أعوام. وبعضهم لقي حتفه هناك وذبح في حزيران (يونيو) 1980، «انتقاماً» لمحاولة اغتيال والد بشار الأسد، حافظ الأسد. وسرعان ما دمر «داعش» سجن الصحراء. وشجبت المعارضة السورية عملية محو آثار جرائم نظام الأسد، من الأب إلى الابن. والقمع لم يتبدد في تدمر سواء كانت في عهدة نظام الأسد أو «داعش». ويعود ازدهار تهريب الآثار وتجارتها إلى ما قبل 2015. فالموقع الأثري تعرض لقصف القوات الحكومية ونهب. ولكن «داعش» سرع وتيرة نهب الآثار وسرقتها، ودمر معبدين. وعمليات تدمير الآثار أمام عدسات الإعلام هي في مثابة ترويج للآثار المسروقة والمباعة في السوق السوداء يرمي إلى رفع سعرها. وفي 2015، وقبل شهر من ترك قوات الأسد تدمر لـ «داعش»، سمحت بدخول «الجهاديين» إلى مخيم اليرموك الفلسطيني في دمشق، على رغم محاصرة جيش النظام والميليشيات الداعمة له المخيم طوال نحو عامين. ولم يكن الأسد خاسراً في تدمر، فهو سعى إلى استثمار هذه الخسارة في الساحة الدولية. ومنذ خريف 2015، وعلى وقع الحملة الروسية العسكرية، رجحت كفة المستبد السوري… وليس «تحرير» تدمر سوى خلاصة ما يتيحه كل من بوتين والأسد أمام السوريين: إما عودة الاستبداد وإما رعب «الجهاديين». ولكن البديل الفعلي هو ما يختاره السوريون والسوريات المعارضون لـ «داعش» والأسد، على حد سواء.

* أستاذ تاريخ شؤون الشرق الأوسط المعاصر، عن مدونة الكاتب «آن سي بروش أوريان» (على موقع «لوموند» الفرنسية)، 25/3/2016،

إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

 

مسرحية في تدمر/ خير الله خير الله

مثلما سيطر “داعش” على تدمر قبل سنة، خرج منها بعد سنة. إننا أمام مسرحية شهدتها تدمر تدلّ مرّة أخرى، إن دلّت على شيء، فعلى مدى التواطؤ القائم بين النظام السوري والمجموعات الإرهابية التي تُعتبر جزءا لا يتجزّأ من تركيبته ومن ممارساته.

يسعى النظام السوري حاليا إلى الترويج لانتصار تحقّق بفضل الدعم العسكري الروسي والميليشيات المذهبية التي وضعتها إيران في خدمته. لا يعرف هذا النظام أنه سقط منذ فترة طويلة وأنّ وجوده الشكلي عائد إلى رغبة في الانتهاء من سوريا التي عرفناها، والحاجة إليه في تحقيق هذه الرغبة. وهذا هدف روسي- أميركي- إيراني- إسرائيلي في الوقت ذاته.

انسحب “داعش” إلى الرقّة ودير الزور تحت أنظار الذين يدَّعون أنهم يشنون حربا عليه. هل كان صعبا على الطائرات الأميركية تحديد خط سير القوافل التي كانت تقلّ عناصر “داعش” المنسحبة بانتظام من تدمر؟

كانت كل قافلة تضمّ العشرات من السيارات، التي يسهل كشفها ليلا ونهارا، لكنّ الواضح أن ليس هناك من يريد رؤية “داعش”، خصوصا أولئك المتواطئين معه، من الذين يريدون خلق انطباع، بين حين وآخر ومتى تدعو الحاجة، بأنّ النظام السوري قادر على تحقيق انتصارات على شعبه… وأنّه يحارب الإرهاب فعلا!

حسنا، عاد النظام إلى تدمر. ما الذي سيفعله غدا؟ مرّ يوم غد، ماذا عن اليوم الذي بعده؟

دخلت سوريا لعبة جديدة. هل دخلت الفصل الأخير من اللعبة ذات الطابع المأساوي أكثر من أيّ شيء آخر؟ هل ما نشهده اليوم هو الفصل الأخير، أم لا تزال هناك فصول أخرى تحتاج لاعبين آخرين ما زالوا بعيدين عن المسرح مثل تركيا، على سبيل المثال وليس الحصر؟

أعاد الروس النظام إلى تدمر بالتفاهم مع “داعش” الذي لم يكن، في مرحلة معيّنة، سوى حجة لتبرير التدخل العسكري لموسكو. كانت تلك العودة إلى تدمر، التي ترافقت مع غارات شنتها طائرات “سوخوي”، دليلا على أن الانسحاب العسكري الروسي لم يكن سوى انسحاب جزئي وأن هناك أهدافا محددة تسعى روسيا إلى تحقيقها بالتفاهم مع الولايات المتحدة وإيران… وإسرائيل طبعا.

ليس سرا، في موازاة عودة النظام إلى تدمر، أنّ الأكراد بدأوا يمارسون الحكم الذاتي في مناطق معيّنة من الشمال السوري. هناك على سبيل المثال صورة عن “إيصال قبض” صادر عن “الإدارة الذاتية الديمقراطية” في “مقاطعة عفرين- سوريا”. يتعلق الإيصال بمبلغ قبضته الإدارة الذاتية الكردية عن طريق “هيئة المالية- إدارة الجمارك”. هل هذه سوريا الجديدة في ظلّ التدخل العسكري الروسي وتفاهمات جون كيري- سيرجي لافروف والغطاء الذي توفّره الأمم المتحدة عن طريق رجل العلاقات العامة الذي اسمه ستيفان دي ميستورا… أو عن طريق بان كي مون الأمين العام للمنظمة الدولية الذي لم يتردد في الإشادة باستعادة النظام لتدمر؟

كذلك، لم يعد سرّا أن التسوية في سوريا تسير في اتجاه محدد يقوم على تقسيم البلد بما يتلاءم مع مصالح أطراف عدة يهمّها الانتهاء من نظام الأسد الذي أدّى المهمة المطلوبة منه في عهديْ الأب والابن، بل منذ كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع ابتداء من العام 1966 وإشرافه على تسليم الجولان، تسليم اليد، إلى إسرائيل.

لعب النظام كل الأدوار المطلوب منه أن يلعبها، بما في ذلك حماية إسرائيل طوال نصف قرن. شملت هذه الأدوار التدمير الممنهج للبنان ونقل سوريا إلى نظام الحزب الواحد، وهو حزب البعث، وذلك لتأمين الهيمنة العلوية على البلد، وصولا إلى هيمنة العائلة ابتداء من العام 2000، حين ورث بشّار الأسد سوريا عن والده.

ما الذي يمكن أن يتضمنه الفصل الأخير من اللعبة السورية؟

من الواضح أن الإدارة الأميركية تفاهمت مع فلاديمير بوتين على أن لا مستقبل في سوريا لبشّار الأسد. لكن الأميركيين أعطوا الروس الضوء الأخضر الذي يسمح لهم باختيار اللحظة المناسبة للقول للأسد الابن أن عليه أن يرحل. مثل هذا القرار المتروك لموسكو يأخذ في الاعتبار المصالح الروسية أوّلا. هناك اعتراف أميركي صريح بوجود هذه المصالح الروسية في سوريا.

كيف ستستخدم موسكو هذا الاعتراف الأميركي؟ الجواب، بكل بساطة، هل هناك من هو مستعد لدفع الثمن الذي يريده فلاديمير بوتين في مقابل رأس الأسد الابن؟

الثابت أن روسيا التي تعاني من أزمة اقتصادية عميقة ستعمل من أجل رفع أسعار النفط والغاز التي تبقى مسألة حياة أو موت بالنسبة إليها. هذا لا يمكن أن يحصل من دون تفاهم مع المملكة العربية السعودية القادرة على لعب الدور الأساسي في هذا المجال. هل يحصل مثل هذا التفاهم السعودي- الروسي عندما يزور الملك سلمان موسكو قريبا؟

“وحده الشعب السوري الذي لم يتوقف عن تقديم التضحيات، يبدو قادرا على قطع الطريق على بوتين الذي يتبين، كل يوم، أنه يمارس لعبة تفوق حجم روسيا وقدراتها”

استعادت القوات التابعة للنظام تدمر أم لم تستعدها، مثل هذا التطور لا يقدّم ولا يؤخّر. هناك فصل أخير من المأساة السورية في حاجة إلى عملية إخراج لا تزال في انتظار بعض اللمسات الضرورية، علما أن ما لا يمكن تجاهله في أي شكل هو ذلك الإصرار لدى الشعب السوري على أن تكون له الكلمة الأخيرة له في شأن مستقبل البلد.

مرّة أخرى، فاجأ الشعب السوري المتعاطين بأزمة البلد عندما نزل إلى الشارع، مؤكّدا أن رحيل بشّار الأسد لا يمكن أن يكون موضوع مساومات. في كلّ يوم جمعة يؤكّد السوريون، عبر التظاهرات السلمية، أنّهم ما زالوا في قلب المعادلة. إنّهم الحلقة الأساسية في المعادلة. من الصعب أن يقبل السوريون بعد كل هذه التضحيات أن يأتي من يقرر عنهم مصير بلدهم وأن يبيع ويشتري على حسابهم وعلى حساب الدماء التي بذلوها.

من سيتولى دور المخرج للفصل الأخير من المأساة السورية؟

ترك الأميركيون المسألة لفلاديمير بوتين القادر على التنسيق مع إسرائيل وإيران والتحكّم بالنظام وما بقي منه وبالعلاقة القائمة بين النظام و”داعش”. ليس معروفا إلى أي حدّ يمكن تجاهل السوريين العاديين الذين ما زالوا متمسّكين بوحدة الكيان والذين فاجأوا العالم قبل خمس سنوات بثورة عارمة حقيقية على نظام لم تكن لديه رغبة في يوم من الأيّام سوى تحويلهم عبيدا لديه… بتواطؤ أميركي- روسي- إيراني- إسرائيلي، وحتّى عربي للأسف الشديد.

وحده الشعب السوري الذي لم يتوقّف عن تقديم التضحيات، يبدو قادرا على قطع الطريق على بوتين الذي يتبيّن، كلّ يوم، أنّه يمارس لعبة تفوق حجم روسيا وقدراتها. لو كان لروسيا الحجم والقدرات التي يتخيّلها بوتين… لكان الاتحاد السوفياتي لا يزال حيّا يرزق!

*نقلا عن “العرب”

 

 

 

 

شر البلية…/ حسان حيدر

في خضم العنف المهول الذي نعيشه كل يوم، وأخبار القتل والسحل والتفجير والإعدام العشوائي والهدم والتهجير والتمييز الديني والجندري والعنصري التي تنهال علينا من كل صوب، وخصوصاً من مناطق الشرق المختلفة، أدناها وأوسطها وأقصاها، صار اي حادث لا يدخل في خانات السلوك «الداعشي» هذا يعتبر «جيداً» و «ايجابياً»، وبات التمسك بمقياس النسبية وسيلة لنخفف عن انفسنا وقع ما يطرأ من هزات وضربات وانتهاكات، فهناك السيء والأسوأ، والخطر والأخطر، والدموي والأكثر دموية.

وبين التطورات «المفرحة» التي اجتاحتنا اخيراً، خطف الطائرة المصرية الى قبرص أول من أمس. اذ غمرتنا السعادة عندما أُطلق سراح الركاب واستسلم الخاطف من دون سفك نقطة دم واحدة.

صحيح ان خطف الطائرة في حد ذاته عمل إرهابي، وأن الركاب عاشوا لحظات خوف لن ينسوها في حياتهم، ومنهم من لن يسافر بعد اليوم على متن طائرة، وأن مطار لارنكا القبرصي خسر يوم عمل بسبب تعطل الحركة فيه، وتأجلت رحلات من مطار القاهرة في وقت تكابد فيه مصر لإنقاذ سياحتها، واستنفرت وسائل الاعلام من محطات تلفزة ووكالات انباء ومواقع الكترونية واذاعات، لكن الخاطف الذي قيل انه «مغروم» او «مختل» اثلج صدورنا عندما قرر تسليم نفسه من دون ان يقتل احداً او يقتل نفسه، في خروج على المألوف في حياتنا منذ انطلقت تباشير «الربيع» قبل خمس سنوات، وانضمت الى عقود من «الممانعة».

الحدث «السعيد» الثاني كان عودة مدينة تدمر السورية الأثرية الى كنف نظام بشار الاسد سالمة إلا من بعض أضرار لا تؤثر كثيراً على مكانتها وأهميتها في عالم الآثار والسياحة، بشهادة الخبراء. ولنا ان نتصور ماذا كان سيحل بالمدينة لو كانت هناك عداوة حقيقية بين النظام و «داعش»، وما كانت ستنتهي اليه مواقعها التاريخية لو حصلت معركة فعلية بين الطرفين، سواء عندما أهدتها القوات النظامية الى المتطرفين بانسحابها أمامهم، أو عندما «استعادت» الهدية بأسلوب التبادل نفسه، على رغم البلاغات العسكرية المنتفخة الهادفة الى استدرار الثناء والاشادة.

ولهذا، ليس لنا سوى ان نفرح بالتحالف بين جيشي الأسد والبغدادي، والذي شرح صدر منظمة «يونيسكو» وسائر المهتمين بالآثار في انحاء المعمورة. وقد يفاجئنا الثنائي الحاكم في دمشق وموسكو وحليفهما «الخليفة»، بمسرحيات عسكرية اخرى لإسعاد السوريين والروس وإدخال البهجة الى قلوبهم، ونحن معهم.

اما التطور «الايجابي» الثالث، فكان نجاح حركة «طالبان» الباكستانية في دحض الاتهامات المفتئتة على «حيادها». فالتفجير الأخير الذي نفذته في مدينة لاهور، اثبت، على رغم حصده 72 بريئاً وجرحه العشرات، ان الحركة لا تفرق بين الأديان، إذ قتلت من المسلمين أكثر من المسيحيين الذين كانوا يحتفلون بعيد الفصح، مسقطة عن نفسها تهمة استهداف الأقلية المسيحية. بل ان «طالبان» وصلت الى مصاف «العلمانية» لمساواتها بين الانتماءات الدينية لضحاياها، وفصلها بين مذاهبهم ومصائرهم، وبينت أنها عندما تستهدف اي احتفال او مناسبة فرحة او عيد او مجرد تجمع اهلي، لا تفرق بين مسيحي ومسلم او حتى هندوسي. كما انها لا تتقصد جنساً بعينه، فتقتل الرجال والنساء، ولا فرق اذا كانوا اطفالاً او بالغين.

واذا ما استمرت هذه المؤشرات الى التغيير في المسار العام للحوادث والاعتداءات، لا سيما في منطقتنا الشرق اوسطية، فقد نصل في غضون سنوات الى عيش مفعم بالسعادة في ظل «داعش» والأسد و «طالبان»، وأي تنظيم متطرف جديد، قيد الابتكار حالياً.

الحياة

 

 

 

 

تجارب الماضي القريب لجمت التهليل السريع وتساؤلات عن إمكان محافظة النظام على تدمر/ روزانا بومنصف

بدا سياسيون لبنانيون كثر حذرين في التعليق على استعادة النظام السوري مدينة تدمر بمساعدة مباشرة من القوات الروسية، على رغم ان هذه الهدية التي قدمتها روسيا الى النظام تعزز آمال بعض الأفرقاء في لبنان لجهة إمكان تحسين أوراقه وتعزيز موقعه، وهو ما يمكن ان ينعكس على وضعهم سياسيا ايضا في لبنان. وقد رافقت هذه الاستعادة مؤشرات يبني عليها النظام وحلفاؤه ايضا الكثير، على غرار زيارة وفد نيابي فرنسي يفترض انه للتضامن مع المسيحيين في سوريا، فصار لقاء مع بشار الاسد لتمييزه عن تنظيم “الدولة الاسلامية” في معرض المفاضلة بينه وبين التنظيم وضرورة إعادة اوروبا النظر في علاقاتها مع النظام. وهذا الأخير كان ليعطي زيارة الوفد النيابي الفرنسي حجما كبيرا لولا ان استعادة تدمر استأثرت بواجهة الاهتمام، علما أن الوفد، وإن لم يكن معبرا عن السياسة الفرنسية الرسمية للرئيس فرنسوا هولاند، إنما يعطي مجالا ليستفيد النظام من هذه الخطوة ويوحي للرأي العام الفرنسي أنه من الافضل ان تعود فرنسا للتنسيق مع الاسد في ظل ضيق الخيارات المتاحة، بعدما وصل الارهاب الى قلب أوروبا. وهذا يفيد روسيا في مكان ما في ظل استمرار دفاعها عن الاسد ورفضها اشتراط رحيله في الوقت الراهن، علما أن التفجيرات الارهابية في بروكسيل اخيرا ربما تساهم في الوصول الى هذه الخلاصات رغبة من الدول الاوروبية في وضع حد لتدفق اللاجئين من جهة، وإقفال باب الارهاب من جهة أخرى على رغم ان القضاء على “داعش”، في ظل بقاء الاسد وفق رأي كثر، سيساهم في عودة “الدواعش” الاوروبيين الى بلادهم على نحو أكثر من أي وقت مضى، ولن ينهي أزمة سوريا أيضا. وقد بدت تصريحات النواب الفرنسيين ساذجة في نقل استعدادات الأسد للانفتاح وإعطاء حيز للمعارضة في ضوء ما كلفت الحرب التي يشنها النظام منذ خمس سنوات من أجل خطوات كان يمكن القيام بها من دون اي كلفة بشرية او مادية هائلة لدى بدء الانتفاضة ضده، ولم تعد تكتسب القدرة على توفير إعادة السيطرة راهنا أو في المستقبل كما كان سيكون مفعولها من قبل. لكن هذا لا يمنع في الوقت نفسه من أن يجد هذا المنحى صدى لدى الرأي العام الاوروبي، انطلاقا من المخاوف التي تسبب بها الإرهاب الذي يساهم في قلب الامور رأسا على عقب.

الحذر الذي يرافق مواقف السياسيين اللبنانيين في موضوع تدمر يرتبط أساسا بواقع التريث في الاندفاع في اتجاه حسم الربح او الفوز، ولو ان خطوة استعادة تدمر تسجل تحت هذا العنوان بعدما أثبتت تجارب السنوات الماضية تهورا في القفز سريعا الى استنتاجات، بناء على انتصارات محدودة أو معينة سرعان ما ذوت أو تراجعت في ضوء تطورات معينة، أو كون هذه الانتصارات أتت في سياق معين وليست هدفا في ذاته. فثمة أسئلة تطرح، وفق مصادر ديبلوماسية، قد يكون أبرزها هل يستطيع النظام أن يحافظ على تدمر، أي أن يكون يملك من القوات السورية ما يكفي للابقاء عليها تحت سيطرته وعدم فقدانها استنادا الى ان النقص في هذه القوات وعدم قدرتها على المواجهة المستمرة وضعت “حزب الله” وسائر الميليشيات الشيعية الداعمة له في وضع متقدم؟. فالسؤال يستتبع ضرورة معرفة إذا كانت روسيا ستواصل الاشراف على بقاء تدمر تحت سيطرة النظام وما ستكون الخطوة التالية لروسيا في هذا الاطار، ام ان الامر سيقتصر في سوريا على ما قامت به القوات الاميركية في مساعدة القوات العراقية في استعادة بعض المناطق من “داعش” في انتظار خطوات وعدت الحكومة العراقية باتخاذها وعجزت عن ذلك. ولا تزال الامور تراوح مكانها في العراق من دون القدرة على التخلص من “داعش” على نحو جذري ولا التقدم في الحل السياسي ايضا، على رغم ان ايران حاضرة في العراق كما هي في سوريا. فباستثناء التهانئ التي وجهها الرئيس فلاديمير بوتين الى نفسه بالنيابة عن النظام السوري واتصالاته بدمشق وطهران التي بادرت ايضا الى تهنئة الاسد، فإن الحذر كان سيد الموقف في موضوع استعادة النظام السوري مدينة تدمر. فهناك رغبة قوية في استعادة المدينة من تنظيم “الدولة الاسلامية”، لكن ليس لمصلحة النظام، وهناك تحفظ كبير واستياء من الهدية التي قدمها بوتين للاسد ومحاولة استكشاف مراميها وهي خطوته التالية، على رغم أن الخطوة كشفت مدى تضخيم الدعاية في شأن التدمير الذي حصل للمدينة لدى سيطرة “داعش” عليها، والتي كانت لعبة مهمة مارسها النظام ليكسب تعاطف الخارج، ولا يزال، بحيث تبين أن التدمير لم يكن بالمقدار الذي تم الترويج له من جهة، كما أحرج الغرب الذي لا يمكنه إلا الترحيب بدحر “داعش” عن المدينة، مع تحفظه عن استعادتها من النظام من جهة أخرى.

والى الغموض في شأن ما يرمي اليه الروس من هذه الخطوة وكيف سيضمنون قدرة النظام على المحافظة على المدينة، ثمة تساؤلات غير واضحة في طبيعة ما يتجه اليه الروس والاميركيون في ضوء اتفاقهم على المفاوضات السورية السورية في جنيف. فهل الخطوة الروسية هي من خارج الاتفاق او التفاف عليه وتاليا التفاف على المفاوضات بحيث تنتزع من المعارضة اي اوراق في شأن الانتقال السياسي.

النهار

 

 

 

“داعش” ما بعد تدمر/ امين قمورية

استعادة الجيش السوري بمعاونة الروس، مدينة تدمر تثبت ان الانتصار على “داعش” ممكن. ليست المرة الاولى يتقهقر هذا التنظيم، تعرض لهزيمة نكراء في كوباني، كذلك في تكريت والرمادي وسنجار. وقد نرى بعض قادته أسرى في اقفاص من حديد أو جثثاً مرمية، وسيشرب زعماء في الشرق والغرب نخب انتصارهم الجزئي على هذا الوحش المتعدد الرأس والمخلب.

فوائد كثيرة سيجنيها نظام الاسد من التقدم في اتجاه القلعة التاريخية، سيكسب ورقة قوة اضافية في الميدان والمفاوضات، سيوظفها ليرفع عن نفسه تهمة انه شريك ضمني للتنظيم ولتعزيز تسويقه لنفسه بأنه مكافح فاعل للارهاب. بوتين أيضاً يستفيد، سيقول إنه انسحب في سوريا من المعركة مع المعارضين المعتدلين، لكنه لايزال شريكاً أساسياً في المعركة ضد “داعش”. بانسحابه النظري من المعركة الاولى، يغري السعودية ودولاً أخرى بأنه أوقف ضرباته لاصدقائهم السوريين، ويحرجها في آن واحد لانه يسقط ذرائعها للتملص من المفاوضات. وببقائه الفعلي محاربا على الارض، يسرق قصب السبق من واشنطن في الحرب على الارهاب وربما جرها الى معركة مباشرة مع التنظيم في الموصل أو الرقة حتى لا تخرج من حرب اعلنتها وتزعمتها، خالية الوفاض. الاهم ان اسقاط تدمر ليس استرجاعا لمدينة استباحها المتوحشون، بل اسقاط لخرائط وخطوط ديموغرافية وجغرافية، يجري تسويقها على انها حدود الدم بين الطوائف والمكونات السورية، فاذا ما تواصل القتال نحو الرقة شمالاً والحدود مع العراق شرقاً، فماذا يبقى من خريطة دولة سنستان المفترضة اذا ما نشأت دولة كردستان في الشمال وعلويستان في الساحل المفترضتين أيضاً؟

تعود تدمر مع تسارع وتيرة التسوية المحتملة للأزمة السورية، ويبدو ان هناك ما يشبه الاجماع على ان وضع حد للاقتتال في سوريا بالتسوية يفسح في المجال لطمس ظاهرة “داعش” في قلعته ومنع تدفق لاجئين جدد الى المدن الاوروبية هرباً من الموت المجاني، بعدما حولت نيران بروكسيل وقبل ذلك باريس وجودهم هناك ليس فقط الى عبء اوروبي لايحتمل بل دولي أيضاً؟

لكن هذه المحطة العسكرية، إما ان تكون حافزاً للمعارضين المقبولين والطبيعيين للمشاركة في العملية السياسية الجارية للتوصل الى تسوية سورية كبرى، ليس وفق موازين القوى العسكرية الحالية على الارض بل وفق معايير ضمان حقوق جميع السوريين وأخذ مخاوف الاكثرية والاقليات وهواجسها في الحسبان انطلاقا من بنود الاتفاق الدولي المتوازن والموزون الذي أعلن أخيراً في جنيف، وإما ان يستغلها اصحابها كورقة ضغط لفرض رؤيتهم الخاصة بالحل، وعندها لا يُعاد فقط انتاج الحل الامني في سوريا، بل انتاج ما هو اخطر من “داعش” بكثير.

النهار

 

 

دمشق تستدعي واشنطن ؟!/ راجح الخوري

لا يناقش أحد في أهمية إستعادة تدمر من “داعش” والإرهابيين الذين يدمرون البشر والحجر، ولكن أياً كانت تعليقات النظام السوري الذي يحاول تصوير إستعادة المدينة الإستراتيجية والتاريخية، على أنها صك براءة له في قتال الوحش الذي خرج أصلاً من رحم مذابحه، التي إستولدت “داعش” وإستجلبت الإرهابيين من أصقاع الأرض الى سوريا، فلن ينسى أحد كيف إنسحب النظام من تدمر في ايار من العام الماضي دون قتال تاركاً كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر.

لن نماشي قول المعارضة إن النظام كما سَلّم تدمر تسلمها تسليماً الآن لدعم موقفه في المفاوضات، لأنه لولا الطيران الروسي لم يكن النظام وحلفاؤه ليستعيدوها، ويأتي هذا في السياق الميداني المعروف منذ ايلول الماضي، عندما عدّل التدخل العسكري الروسي الميزان العسكري بعدما كان النظام محاصراً على رغم دعم ايران وحلفائه.

ما يثير الإستغراب ان يسارع الأسد الى وضع إصبعه في عين أوباما، بالقول إن إستعادة تدمر تؤكد نجاعة إستراتيجيته في قتال “داعش” بعدما فشل التحالف الذي تقوده أميركا في ذلك، وليس المهم فشل اميركا المعروف، بل الحديث عن نجاعة تلك الإستراتيجية الدموية التي دمرت سوريا وكادت ان تخسر معاقلها الأخيرة لولا التدخل الروسي الناجع.

هل يحاول النظام إستهبال واشنطن، عندما يسارع مندوبه في الأمم المتحدة بشار الجعفري الى القول إن سوريا مستعدة للتعاون مع أميركا في تحالف دولي ضد الإرهاب، “لكن فقط اذا نسّقت الولايات المتحدة مع دمشق بشكل لم تفعله حتى الآن!”.

أكثر من هذا، حاول الجعفري المضي في السياسة التي سبق لموسكو ان وبّخت دمشق بسببها، عندما قال “إن التحالف الدولي لم ينجح لأنه لم ينسق مع دمشق، لكن روسيا نجحت لأنها فعلت ذلك” بما يعني ان بوتين يعمل وفق روزنامة الأسد، وليس كما قال ميخائيل بوغدانوف قبل أسبوعين من ان على الأسد ان يعمل وفق روزنامة موسكو لكي يخرج بكرامة من الأزمة!

غريب ان يستمر هذا التناقض في التصريحات والمواقف، فحتى عندما نُسب الى الاسد قوله إنه لا يفاوض المعارضة وان كل المعارضين إرهابيون، سارع النظام الى نفي هذا الكلام بينما تعمّد بوغدانوف الذي سيبدأ جولة تشمل قطر والكويت ومصر القول، إن موسكو مستعدة لإستقبال ممثلين للهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة من قمة الرياض للمعارضة السورية، وانه وجّه اليهم دعوة لزيارة موسكو!

وعلى رغم ان واشنطن نفت ما أعلنته موسكو عن إقتراب جون كيري من منطق سيرغي لافروف، حول عدم البحث في مستقبل الأسد الآن وانها تعتبر ان الإنتقال السياسي معناه لا مكان للأسد، ها هو الأسد يضع شروطاً لقبول التحالف مع اميركا لمحاربة الوحش الذي صنعه… فعلاً غريب !

النهار

 

 

 

الكرملين بعد إعادة روسيا تدمر إلى النظام وجه رسائل تتعدى أميركا إلى الأسد وإيران/ روزانا بومنصف

لم ينتظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالا هاتفيا من الرئيس السوري بشار الاسد يشكره فيه على مساعدة القوات الروسية في تحرير تدمر وفق ما تقتضي بديهيات البروتوكول متى ساعد طرف طرفا آخر، بل بادر سيد الكرملين الى الاتصال بالاسد. وحرصت وسائل الاعلام الروسية الرسمية على إبراز النبأ بالتشديد على ان “الاتصال الهاتفي بادر اليه الجانب الروسي” وان الرئيس بوتين “هنأ نظيره باستعادة مدينة تدمر وان الرئاسة الروسية شددت على الدور المركزي لموسكو في هذا الإنجاز”. وأضاف البيان: “إن الرئيس السوري أعرب عن امتنانه للدعم الفاعل الذي قدمته القوات الجوية الروسية”. فيما قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف “إن الرئيس السوري شدد على أن تقدما مثل تحرير تدمر ما كان ممكنا من دون دعم روسيا”. لم يكن للامور أن تكون أكثر وضوحا في تأكيد روسيا صراحة أنها هي من أتاح المجال أمام النظام السوري لإعادة السيطرة على تدمر في رسالة متعددة الاتجاه، تقول مصادر ديبلوماسية معنية انها موجهة الى كل من النظام وايران حول الارتباط الوثيق لأي تقدم لهذا الثنائي في سوريا، برعاية او اشراف من الطائرات الروسية وتقديمها المساعدة، مما يجعل الاثنين رهناً بالقرار الروسي بمقدار ما هي موجهة الى الولايات المتحدة. فالمساعدة الجوية التي قدمتها روسيا لقوات الاسد وحلفائه من الميليشيات الشيعية من أجل استعادة تدمر من تنظيم “الدولة الاسلامية” تأتي بعد أيام على زيارة قام بها وزير الخارجية جون كيري لموسكو حيث التقى الرئيس بوتين ونظيره سيرغي لافروف. وقد ظهر اختلاف في الموقفين الاميركي والروسي من بت مصير الاسد لجهة إعلان نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف “أن الولايات المتحدة تفهمت موقف موسكو بأنه ينبغي عدم مناقشة مستقبل الاسد في الوقت الراهن في مفاوضات جنيف”. ومع أن عبارة مهمة تضمنها هذا التصريح، أي عدم مناقشة مستقبل الاسد في الوقت الراهن، مما يعني أن الموضوع ليس غير وارد على نحو كلي بل مؤجل راهنا، فإن الناطق باسم الخارجية الاميركية جون كيربي رد على الفور بأن أي اقتراح أننا غيرنا في أي شكل من الاشكال رؤيتنا لمصير الاسد هو اقتراح خاطئ، فيما أصدر المبعوث الاميركي الخاص الى سوريا مايكل راتني بيانا عن انتهاء الجولة الأخيرة من المفاوضات السورية في جنيف، شارحا خلاصة الورقة التي استخلصها الموفد الدولي دو ميستورا من اللقاءات التي رعاها بين وفدي النظام والمعارضة، وفي تقويم راتني “اننا كنا وما زلنا واضحين في أن توقعنا هو أن هذه المفاوضات ستتناول القضية الجوهرية المتمثلة بالانتقال السياسي الذي ليس شيئا غامضا، بل هو انتقال بعيد من بشار الاسد”. ومع أن هذا الكلام قد يفيد أو يعني طمأنة المعارضة الى أن هدفها سيتحقق وان الاتفاق مع موسكو كما أوضحت الاخيرة يفيد باختلاف التوقيت حول الكلام على سحب الاسد من المشهد السياسي وليس عن عدم ورود هذا الاحتمال، وفيما تظهر المساعدة الروسية في استعادة تدمر أن الانسحاب الروسي الجزئي لم يكن مؤثرا على قدرات روسيا او انه كان انسحابا شكليا بمعنى توجيه رسائل سياسية عبره وتحقيق جملة أهداف من خلاله، فإن روسيا تحصد المزيد من رد الفعل الايجابي لجهة استعادة تدمر من “داعش” بالذات في أول استهداف علني وواضح للتنظيم، على غير ما اتصف به التدخل الروسي منذ ايلول الماضي وحتى اعلان الانسحاب الجزئي في 14 آذار الحالي، خصوصا ان هذا الانتصار على “داعش” يأتي بعد التفجيرات الارهابية في بروكسيل. وهذا الموقف الاميركي يفيد بوضوح ان الانتصار في تدمر وأي إنجازات يحققها النظام على الارض لن تغير مبادىء الحل السياسي الذي يجب إرساؤه في سوريا.

ليس قليلا أن تعيد روسيا الاسد السيطرة على تدمر بين جولتين من المفاوضات، بما يقوي موقع النظام ويعطيه زخما، علما أن ثمة من يرى ان الرسالة الروسية الى النظام وايران التي سارعت الى تهنئة الاسد باستعادة تدمر، كما لو ان هذه الاستعادة من قدراته وحدها وليست هدية قدمتها له روسيا لأهدافها الخاصة، قد لا تقل بلاغة في ضوء معلومات عن اختلاف بين الرؤيتين الروسية والايرانية، فيما تظهر إيران أكثر قدرة في التأثير على الأسد. فحين يعود الى روسيا تمكين النظام من استعادة تدمر والإصرار على أن تنسب روسيا الى نفسها الفضل وأن تنقل وسائل إعلامها إقرار الاسد بفضل روسيا، فإنما يعني ذلك أن على فريقي النظام وإيران احترام التزامات روسيا والتقيد بروزنامتها في مسار الاتفاق مع الولايات المتحدة وليس الاستعانة بروسيا من أجل تحقيق انتصارات على الارض بواسطة القصف الروسي، ثم الانصراف الى تحديد روزنامة خاصة بهما. في حين يقول موالون للنظام في لبنان ان روسيا ستساعد الاسد للانطلاق من تدمر في اتجاه استعادة المناطق في اتجاه الحدود مع العراق، وتاليا الطريق الى دير الزور، الامر الذي يمكنه من استعادة السيطرة على غالبية الاراضي السورية وفق ما كان صرح الاسد، بما سيدفع المعارضة في ضوء المكاسب المهمة للنظام، ولو برعاية واشراف روسيين، الى أن تقبل بأن وضعها ليس مميزا لتطالب بشروطها وليس فقط بشروط تغيير النظام.

النهار

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى